هدي النبي في رمضان (06)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين:
أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في هذه الحلقة من حلقات هذا البرنامج في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان هذا البرنامج الذي نستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله الذي نرحب به في مطلع هذا اللقاء فحياكم الله الشيخ عبد الكريم وأهلا وسهلا بكم معنا.
حياكم الله وبارك فيكم ونفعنا وإياكم والمستمعين بما نسمع.
اللهم آمين.. أيها الإخوة المستمعون الكرام كان الحديث في الحلقة الماضية حول وصال النبي -صلى الله عليه وسلم- وانتهى الحديث حول معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فإني أظل يطعمني ربي ويسقيني» والمراد بهذا الإطعام وهذا الشراب هل فضيلة الشيخ تتفضلون بإتمام الحديث حول هذا الأمر؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد تقدم في الحلقة السابقة أن الناس ما ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالى- من اختلاف الناس في المراد بالطعام والشراب المذكورين في حديث «لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» وخلاصتها أن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين: أحدهما أنه طعام وشراب حسي للفم قالوا وهذه حقيقة اللفظ ولا موجب للعدول عنه. الثانية أن المراد ما يغذيه ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال، وأفاض ابن القيم -رحمه الله تعالى- في تقرير هذا القول وتوجيهه ثم رد على من زعم أنه طعام وشراب وحسي فقال لو كان ذلك طعامًا وشراب للفم لما كان صائمًا فضل عن كونه مواصلاً لأنه إذا تناول طعاما وشرابًا حسيًا أفطر، يفطر بلا شك لأن حقيقة الصيام الإمساك عن الطعام والشراب الإمساك عن الطعام والشراب فإذا كان هذا الطعام والشراب حسي يتناوله بفمه لا يسمى صائم وإن كان بالليل لا يسمى مواصل يقول ولو كان ذلك طعامًا وشرابًا للفم لما كان صائمًا فضلاً عن كونه مواصلاً وأيضًا فلو كان ذلك في الليل لم يكن مواصلاً ولا قال لأصحابه إذا قالوا له إنك تواصل لست أواصل، نعم لأنه في الحقيقة ليس لا يواصل مادام يأكل ويشرب إذ قالوا له إنك تواصل لست أواصل، ولم يقل لست كهيئتكم بل أقرهم على نسبة الوصال إليهم وقطع الإلحاق بينه وبينهم في ذلك بما بينه من الفارق، كما في الصحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واصل في رمضان فواصل الناس فنهاهم فقيل له إنك تواصل فقال «إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى» يقول -رحمه الله-: وسياق البخاري لهذا الحديث نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال فقالوا إنك تواصل فقال «إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى»، في الصحيحين من حديث أبي هريرة نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال فقال رجل من المسلمين إنك تواصل إنك يا رسول الله تواصل فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وأيُّكم مثلي إني أبيت يطعمني ويسقيني» وأيضًا النبي -عليه الصلاة والسلام- لما نهاهم عن الوصال فأبوا أن ينتهوا واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال فقال «لو تأخر الهلال لزدتكم» المقصود بهذا التنكيل بهم كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا عن الوصال ونعلم أن الدافع لهم على ذلك حب الخير، لكن هل يكفي حب الخير وإرادته عن عن أن يكون ذلك الخير متبعًا فيه للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يكفي نعم قد يحمل الإنسان حب الخير على أن يبتدع ولذا يشترط أهل العلم لصحة العبادات كلها الإخلاص والمتابعة لا يكفي الإخلاص وحده، كم مريد للخير لا يصيبه إذا لم يكن عمله موافق لما عليه لما عليه عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
يا شيخ قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» فيه نهي طبعًا عن عن الوصال حكم الوصال يا شيخ بما أنه كأنه أقرهم لما تركهم يواصلون معه ثلاثة أيام.
هو لما واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال هذا ليس إقرارا لحكم الوصال وأنه جائز، وإن قال استدل بعض أهل العلم على جوازه كما سيأتي لكنه من باب التنكيل وهذا منصوص عليه في الخبر كالمنكل لهم، نعم جبرًا لخاطرهم أذن لهم أن يواصلوا إلى السحر هذا جبرًا لخواطرهم لأنه يشق عليهم أنهم يرون الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفعل فعلا ولا يفعلون مثله، على كل حال يقول ابن القيم: فإن قيل فما حكم هذه المسألة وهل الوصال جائز أم محرم أو مكروه ثبت النهي عنه وثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- وثبت النهي عنه، فثبوت النهي عنه يدل على أن الفعل من خصائصه عليه الصلاة والسلام والعلة أنه -عليه الصلاة والسلام- ليس مثلهم. يقول فإن قيل فما حكم هذه المسألة وهل الوصال جائز أو محرم أو مكروه قيل اختلف الناس في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
أحدها أنه جائز إن قدر عليه وهو مروي عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف وكان ابن الزبير يواصل الأيام ومن حجة أرباب هذا القول أن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بالصحابة مع..، مع نهيه لهم عن الوصال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه نهى عن الوصال وقال إني لست كهيئتكم ولما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يومًا ثم يومًا فهذا وصال بهم بعد نهيه عن الوصال ولو كان النهي للتحريم لما أبوا أن ينتهوا ولما أقرهم عليه بعد ذلك، قال فلما فعلوه بعد نهيه وهو يعلم ويقر علم أنه أراد الرحمة بهم والتخفيف عنهم وقد قالت عائشة نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال رحمة لهم متفق عليه، نظير هذا نهي ابن عمر عن أن يقرأ القرآن في أقل من سبع رحمة به وهذا لا يدل على منع قراءة القرآن في أقل من سبع فإذا كان النهي من أجل الرحمة والشفقة فإنه لا يدل على أن من يطيق ذلك أنه ممنوع من من مثل هذا الفعل على ضوء هذا القول على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في حلقات لاحقة في الحديث عن القرآن وفضله وطريقة السلف ومنهجهم في ذلك، وطائفة أخرى تقول لا يجوز الوصال مطلقًا وهؤلاء منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري -رحمهم الله- قال ابن عبد البر وقد حكاه عنهم أنهم لم يجيزوه لأحد، قلت الشافعي -رحمه الله- نص على كراهته واختلف أصحابه هل هي كراهة تحريم أو تنزيه على وجهين واحتج المحرمون بنهي النبي -عليه الصلاة والسلام- قالوا والنهي يقتضي التحريم قالوا وقول عائشة رحمة لهم لا يمنع أن يكون للتحريم بل يؤكده فإن من رحمته بهم أن حرمه عليهم بل سائر مناهيه للأمة رحمة وحمية وصيانة قالوا وأما مواصلته بهم بعد نهيه فلم يكن تقريرًا لهم كيف وقد نهاهم ولكن تقريعًا وتنكيلاً، فاحتمل منهم الوصال بعد نهيه لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم وبيان الحكمة في نهيهم عنه بظهور المفسدة التي نهاهم لأجلها فإذا ظهرت لهم مفسدة الوصال وظهرت حكمة النهي عنه كان ذلك أدعى إلى قبولهم وتركهم له فإنهم إذا ظهر إذا ظهر لهم ما في الوصال وأحسوا منهم الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله والخشوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهر والباطنة والجوع الشديد ينافي ذلك ويحول بين العبد وبينه تبين له حكمة النهي عن الوصال والمفسدة التي في التي فيه لهم دونه دونه -عليه الصلاة والسلام- إلى أن قال -رحمه الله تعالى-: والقول الثالث وهو أعدل الأقوال أن الوصال يجوز من سحر إلى سحر وهذا هو المحفوظ عن أحمد وإسحاق لحديث أبي سعيد الخدري عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» رواه البخاري، يقول ابن القيم: وهو أعدل الوصال وأسهله على الصائم وهو في الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه تأخر فالصائم له في اليوم والليلة أكلة فإذا أكلها في السحر كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره والله أعلم، لكن يبقى أن الوصال إلى السحر مع إذنه -عليه الصلاة والسلام- به إلا أن الأفضل الاستعجال في الفطر الاستعجال بالفطر على ما سيأتي تقريره إن شاء الله تعالى.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم، أيها الإخوة المستمعون الكرام أزف وقت نهاية هذه الحلقة، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا إنه سميع مجيب وأن يجزي فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله خير الجزاء، وأن يوفقنا وإياكم إلى الأعمال الخيرة العظيمة في هذا الشهر الكريم إنه سميع مجيب، هذا وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.