شرح العقيدة الطحاوية (15)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خير الجزاء برحمتك يا أرحم الراحمين، قال الطحاوي رحمه الله تعالى: لم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم. قال ابن أبي العز- رحمه الله تعالى- يعلم سبحانه ما كان وما يكون وما لم يكن أن لو كان كيف يكون كما قال تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ}[الأنعام:28] وإن كان يعلم أنهم لا يردون ولكن أخبر أنهم لو ردوا لعادوا كما قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون}[الأنفال:23] وفي ذلك رد على الرافضة والقدرية الذين قالوا إنه لا يعلم الشيء قبل أن يخلقه ويوجده وهي من فروع مسألة القدر وسيأتي لها زيادة بيان- إن شاء الله تعالى-.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- الماتن الطحاوي لم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، يعني يعرف ما خلق قبل أن يخلقه ويعرف ما يتصرف عنه وما ينتج عنه بالتفصيل لأنه- جل وعلا- يعلم ما كان في الماضي وما يكون في المستقبل هذا بالنسبة للموجود، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، الله- جل وعلا- يقول عن أهل النار{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ}[الأنعام:28] هم لن يردوا لكن لو قدر يعني على سبيل الفرض أنهم ردوا في علم الله- جل وعلا- أنهم يعودون لما نهوا عنه، وهذا في أهل النار بعد أن يجربوا، لو ردوا لعادوا، ويوجد في واقع الناس من يعذَّب بسبب شيء ثم إذا فُرغ من تعذيبه يرد ويعود إلى ما عُذب بسببه- نسأل الله العافية- هذا فيه شبه من أهل النار، الله جل وعلا يعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، هذا عدم ويتعلق به علم الله جل وعلا بخلاف علم المخلوق، المخلوق لا يعلم إلا ما أوصله وسائل تحصيل العلم إليه من المنافذ المعروفة إلى القلب، سواء كانت بالبصر بالمشاهدة بالسمع ببقية الحواس بالخبر الصادق الذي يصل عن طريق السمع، أما الله جل وعلا أخبر أن أهل النار لو ردوا- مع أنهم لا يردون- لو ردوا لعادوا، قد يعلم المخلوق شيء مما لم يكن بسبب المقدمات المطردة، اطرد عنده كذا أنه إذا حصل كذا يحصل كذا هذا لم يكن، فلو كان بسبب هذه المقدمات والتي ترتبت عليها نتائجها المطردة هذا ليس مما مما نحن فيه؛ لأن المتكلَّم فيه وهو رد أهل النار إلى الدنيا ليس له نظير بحيث يكون له نتائج مطردة ورُد كثير من الناس فلو رد بقيتهم لعادوا كما عاد غيرهم، هذا ما رد أحد أصلاً في الأخبار، تسمعون عن أحوال الطقس الأرصاد يتوقعون عما يكون في غد وبعد غد من الرياح والأمطار وكذا وليست هذه بقطعية بل تتخلف، كثيرًا ما تتخلف، هم يستدلون بمقدمات يقولون أن الريح جاءت من جهة كذا وسرعتها كذا بمقاييسهم والمسافة بيننا وبينها كذا إذًا المدة التي تقطعها الريح كذا تصل في وقت كذا، هذا بسبب مقدمات مع أن الأولى ألا يتعرَّض لها؛ لأنها أولا غير مطردة وكثيرًا ما تتخلف ويحتاط الناس ويحتسبون لأشياء لا تكون، وقد يفرط الناس في أشياء ويأتي على خلاف ما ذكر، علم الله جل وعلا لا يتخلف {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ}[الأنعام:28] لنفس الجرائم والمنكرات والفواحش والشرك الذي وقعوا فيه من قبل وإن كان يعلم أنهم لا يردون، ولكن أخبر أنهم لو ردوا لعادوا كما قال سبحانه وتعالى {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ}[الأنفال:23] يعني هل حصل إسماعهم؟ مرتب على شرط، لو علم فيهم خيرًا لكن الله جل وعلا ما علم فيهم خيرًا ولذلك لم يسمعهم {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}[الأنفال:23] افتراضا مثل لو ردوا{لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون}[الأنفال:23] لأنه عرف عاقبتهم لو حصل الإسماع، كما أنه عرف عاقبة أولئك لو حصل الرد، فهو يخبر عن شيء لم يقع ويخبر عنه بدقة {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ}[الأنعام:28] {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون}[الأنفال:23] قال وفي ذلك رد على الرافضة والقدرية ومن المعتزلة وغيرهم الذين قالوا- والرافضة معتزلة في باب القدر وفي باب الصفات في باب القدر، وفي باب الصفات معتزلة- الذين قالوا إن الله لا يعلم الشيء قبل أن يخلقه ويوجده. وفيه رد أيضًا على الفلاسفة الذين يقولون إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- أي شيء أدق مما لم يكن ويعلمه الله جل وعلا لو كان فضلاً عما كان وما يكون في الواقع الذي أوجده الله سبحانه وتعالى {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الملك:14].

وقوله وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته ذكره الشيخ- رحمه الله- الأمر والنهي بعد ذكره الخلق والقدر إشارة إلى أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2]

نعم هذه هي الغاية وهذا الهدف من خلق المكلفين من الجن والإنس، والغاية والهدف هو تحقيق العبودية لله- جل وعلا- فهذا هو الأصل الذي من أجله خلق الجن والإنس، ما خلقوا لجمع الدنيا وحطامها، نعم الله جل وعلا أمرنا أو نهانا أن ننسى نصيبنا من الدنيا، يعني الذي نحقق به هذا الهدف وليس بهدف وإن جعله أكثر الناس هدفًا وجعلوا من وسائل تحقيق هذا الهدف بعض ما يُتعبد به.

صلى المصلي لأمر كان يطلبه

 

..............................

وبعض من ينتسب إلى العلم يشتري به ثمنًا قليلاً- نسأل الله العافية- فعكسوا ما خلقوا من أجله وجعلو الهدف الدنيا واستدلوا بقوله جل وعلا {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}[هود:61] أي طلب منكم عمارتها جعلوا هذا هو الهدف، ومن نكس الفطر أن يجعل الدين وسيلة لغاية، عمارة الدنيا؛ ولذلك تجدهم يرتكبون بعض الأمور المحرمة من باب أن الغايات تبرر الوسائل، ولكن النصوص كلها تدل على أن الهدف عبادة الله جل وعلا تحقيق العبودية لله جل وعلا وما أمرنا بالدنيا وما في حكمها إلا من أجل أن نتوصل بذلك إلى تحقيق هذا الهدف؛ لأنه لا يمكن أن يعمر دينه أو يقيم دينه إلا بشيء من الدنيا فهو وسيلة كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون}[الذاريات:56] وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}[الملك:2] وما بينهما ما بين الموت والحياة التي هي حياة البشر والمكلفين من الجن والإنس هذا الظرف الذي بين الموت الأول والحياة الأولى إلى الممات كل هذه فترة ليحقق فيها {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ}[الملك:2] ليختبركم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] وأيكم أحسن عملاً كما قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه، يعني لا بد فيه من تحقق الشرطين: أن يكون خالصًا لله- جل وعلا- هذا هو الأحسن، صوابا على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فالعمل إذا كان خالصًا ولم يكن على السنة لم يقبل، وكذلك إذا كان ظاهره على السنة ولم يكن خالصًا لله جل وعلا لم يقبل، وإن كان بعضهم يرى أن تحقق الشرط الأول كافي أن يكون خالصًا لله جل وعلا؛ لأنه إذا لم يكن خالصًا لله- جل وعلا- فقطعًا لن يكون على السنة.

قوله..

وبعضهم يقول يكتفى بالشرط الثاني أن يكون على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه إذا لم يكن خالصًا فقطعًا لن يكون على سنة وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

طالب: ...........

{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ}[الملك:2] أصله موت الإنسان وجد من عدم، ما قبل الولادة موت، وما قبل نفخ الروح موت {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر:11]

قوله وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته وميئتُه تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن قال..

الله جل وعلا له المشية النافذة والعبد أيضًا له مشيئة وله اختيار لكنها مشيئة تابعة ومقيدة بمشيئة الله- جل وعلا- ليست مستقلة، والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض ووسط، فمنهم من يثبت المشيئة التامة المستقلة للعبد غير تابعة لمشيئة الله جل وعلا وقدرته ويخلق فعله مستقلاً به وهؤلاء هم المعتزلة غلاة القدرية. الطرف الثاني: الجبرية الذين لا يرون للعبد أي مشيئة وأي فعل منه وأي تصرف فإنما هو تصرف جبري مجبور عليه كتحرك ورق الشجر في مهب الريح، العبد ليس له أي حرية ولا اختيار بل هو مجبور على كل ما يفعل، فالأولون أثبتوا مع الله خالقًا ولذلك سموا مجوس هذه الأمة، والطرف الثاني أثبت ظلم الله لعباده نسأل الله العافية إذا جبرهم على الفعل وعذبهم عليه صار ظالمًا لهم، وأهل السنة والجماعة وسط بين الفريقين أثبتوا للعبد مشيئة وله حرية وله إرادة واختيار لكنها تابعة لمشيئة الله جل وعلا {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}[الأنفال:17] هذا قد يستدل به الجبرية لكن ليس فيه دليل، المقصود بالرمي الأول الإصابة إصابة الهدف، وما أصبت إذ رميت يعني إذ حذفت، الفعل منك الحذف منك والإصابة من الله جل وعلا، فلك حرية ولك اختيار لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته، يعني هل يقال أن هذا الذي ذهب إلى المسجد ليصلي مع الناس صلاة الفريضة مجبور على هذا الذهاب؟ لا يستطيع أن يجلس؟ والذي جلس مجبور على الجلوس لا يستطيع أن يذهب إذًا لا يتعلق بذلك تكليف، طيب الذي حُمل هو لا يريد أن يصلي حمل إلى المسجد هذا مجبور والذي  قيد وأكره على القعود والجلوس في البيت وعدم الذهاب إلى الصلاة في المسجد فهذا مكره ولا يتعلق بهذا ولا ذاك تكليف؟ لكن كل إنسان كل عاقل يرى من نفسه أنه له شيء من الاختيار، إن أراد أن يقوم يصلي قام، وإن أراد أن يجلس جلس، والثواب والعقاب مرتبط بفعل المكلف، إن قام إلى المسجد وصلى مع الناس أثيب، وإن ترك وجلس في بيته عوقب على فعله لا على قدر الله جل وعلا.

قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الإنسان:30] وقال {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}[التكوير:29] وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ}[الأنعام:111] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}[الأنعام:112] وقال تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}[يونس:99] وقال تعالى {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}[الأنعام:125].

النتائج من شقي أو سعيد هذه كتبت على الخلق قبل أن يُخلقوا، أثبتت قبل أن يخلقوا بخمسين ألف سنة، والملك يرسل ليكتب على الجنين وهو في بطن أمه شقي أو سعيد، قد يقول قائل لماذا هذا شقي وهذا سعيد؟ هل نتيجة السعادة وهي دخول الجنة ونتيجة الشقاوة وهي دخول النار رتبت على ما كتبه الله- جل وعلا- أو على ما عمله هذا المخلوق؟ الذي علم الله جل وعلا أنه سيفعل فعل السعداء وأن هذا سيفعل فعل الأشقياء؟ ومكنه من ذلك ما منعه ولا حجزه، الله جل وعلا هداه النجدين لكن هذا اختار وهذا اختار، فالمعاقبة والمثوبة على فعل العبد لا على ما كتبه الله جل وعلا وقدره.

وقال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام إذ قال لقومه: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ}[هود:34].

نعم نوح بين لقومه لكن ما قبلوا ودعا عليهم فأغرقوا ودخلوا النار هل ظلموا بذلك؟ بين لهم وأعطوا من الحرية والاختيار ما يستطيعون أن يعملوا به العمل الصالح فيدخلوا الجنة لكنهم أبوا، كل الناس يدخل الجنة إلا من أبى ما في إجبار «كل يدخل الجنة إلا من أبى» قالوا ومن يأبى يا رسول الله؟ قال «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى».

وقال تعالى:{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الأنعام:39] إلى غير ذلك من الأدلة على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

والنسخ تختلف وتتفاوت في سياق الأدلة، منها ما يسوق الدليل كاملا، الآية كاملة، ومنهم من يسوقه ناقصة، ومنهم من يقتصر على شيء يسير من الآية، على موضع الاستشهاد إلى غير ذلك لكن موضع الشاهد موجود.

إلى غير ذلك من الأدلة على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وكيف يكون في ملكه ما لا يشاؤه ومن أضل سبيلاً وأكثر ممن يزعم أن الله شاء الإيمان من الكافر والكافر شاء الكفر فغلبت مشيئة الكافر مشيئة الله- تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- فإن قيل يشكل على هذا قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا}[الأنعام:148] الآية وقوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}[النحل:35] الآية وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون}[الزخرف:20].

الاحتجاج بالقدر والمشيئة على المعايب هو فعل المشركين والكفار منذ الزمن الأول، هذه حجتهم لو شاء الله ما أشركنا، وتجد بعض الناس اليوم تأمره بفعل الخير، قال لو أراد الله فعلت، وشخص من المشايخ الذين يشار إليهم وعلى علم وعمل وفهم وحفظ لكنه ترك واتجه إلى الدنيا وقلتُ له خسرت، مهما كسبت من حطام الدنيا فأنت خسران لأنه كان يتوقع له مستقبل في العلم ودلالة الناس وتعليمهم فكان رده {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:124] هذا ليس برد، هذا هذا قريب من رد أولئك، وبعض الناس يقول الله يهدينا، نعم اطلب الهداية واشتغل واعمل، لو ذهبت إلى المسجد وجلست إلى التدريس أين من يمنعك؟ يعني افعل، اسأل الله جل وعلا أن يعينك وابذل السبب فتعان، بعض الناس يقع في مثل هذه الأمور وهو لا يشعر، يسمع الناس يقولون شيئا ويكرر.

فقد ذمهم الله تعالى حيث جعلوا الشرك كائنا منهم بمشيئة الله وكذلك ذم إبليس حيث أضاف الإغواء إلى الله تعالى إذ قال {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين}[الحجر:39] قيل قد أُجيب على هذا بأجوبة من أحسنها أنه أنكر عليهم ذلك لأنهم احتجوا بمشيئته على رضاه على رضاه ومحبته.

يعني كأنهم يزعمون أن الله رضي بهذا الشرك، ولو رضي ما صار، ولو لم يرض لم يصر، لو لم يرض بهذا الشرك ما صار.

وقالوا لو كره ذلك وسخطه لما شاءه، فجعلوا مشيئته دليل رضاه فرد الله عليهم ذلك.

وبذلك يكونون جمعوا بين المشيئة الكونية القدرية وبين المشيئة والإرادة الشرعية.

أو أنه أنكر عليهم اعتقادهم أن مشيئة الله دليل على أمره به أو أنه أنكر عليهم معارضة شرعه وأمره الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه بقضائه وقدره فجعلوا المشيئة العامة دافعة للأمر فلم يذكروا المشيئة على جهة التوحيد وإنما ذكروها معارضين بها لأمره دافعين بها لشرعه كفعل الزنادقة والجهال إذا أمروا أو نهوا احتجوا بالقدر وقد احتج سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر.

قال نعم أنا سرقت بقدر الله، الله- جل وعلا- كتب علي أن أسرق، قال عمر لا بأس كتب عليك أن تسرق وكتب علينا أن نقطع يدك، فسرق بقدر وقطع بقدر الله، سرق بقضاء الله الكوني وقطعت يده بقضاء الله الشرعي.

وقد احتج سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر فقال وأنا أقطع يدك بقضاء الله وقدره يشهد لذلك قوله تعالى في الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم}[الأنعام:148] فعلم أن مرادهم التكذيب فهو من قِبَل الفعل.

من قَبْل من قَبْل..

أحسن الله إليك.

فهو من قَبْل من أين له أن الله لم يقدِّره أطلع الغيب، فإن قيل فما تقولون في احتجاج آدم على موسى عليهما السلام بالقدر إذ قال له أتلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن أخلق بأربعين عامًا، وشهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن آدم حج موسى أي غلبه بالحجة قيل نتلقاه بالقبول والسمع والطاعة لصحته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا نتلقاه بالرد والتكذيب لراويه كما فعلت القدرية، ولا بالتأويلات الباردة بل الصحيح أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب.

يعني هل وقعت هذه المحاجة قبل التوبة أو بعدها؟

بعدها.

بعد التوبة والذنب يبقى ذنبا أو حسنة يبدل الله سيئاتهم حسنات؟ لكن يبقى الأثر المرتب على الذنب مصيبة {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى:30] هذه المصيبة يحتج عليها بالقدر، الله أخرجنا من الجنة، كتب الله علينا أن نخرج لكن الذنب الذي فعلته وتبت منه لا أثر له الآن، تاب عليه ثم هداه ثم اجتباه وهدى، الله- جل وعلا- تاب عليه وهداه واجتباه صار نبيا من الأنبياء.

بل الصحيح أن آدم لم يحتج بالقضاء والقدر على الذنب وهو كان أعلم بربه وذنبه بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يحتج بالقدر فإنه باطل، وموسى عليه السلام كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم عليه السلام على ذنب قد تاب منه وتاب الله عليه واجتباه وهداه وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أَخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم عليه السلام بالقدر على المصيبة لا على الخطيئة فإن القدر يحتج به عند المصائب لا عند المعايب وهذا..

يعني لو أن شخصًا ترك صلاة الفجر فخرج من بيته ليخرج إلى عمله فسقط عند الباب وانكسرت رجله، لنا أن نقول أن هذه عقوبة لترك صلاة الفجر، إذا ما ندم على ترك صلاة الفجر مثلاً وتاب من ذلك ليس له أن يحتج بالقدر، نقول هذه مصيبة مربوطة بترك صلاة الفجر وتكون من المعايب، لكن إن تاب من ذنبه الذي اقترفه وحصل له بسببه هذه المصيبة وانمحى أثر الذنب وبقيت المصيبة له أن يحتج بالقدر على المصيبة، والله هذا شيء كتبه الله علي، لو قيل له ليتك ما طلعت مع هذا الباب، طلعت مع الباب الثاني، قال والله هذا شيء مقدر، وإلا أنا أعرف أن هذا الباب محل انزلاق ومحل كذا، يعني ليس مأمونا، لكن إذا جاء القدر عمي البصر، يحتج بالقدر في مثل هذه الصورة؛ لأنه تاب من الذنب الذي بسببه حصلت هذه المصيبة، مع أن إخراج آدم من الجنة مع أنه مصيبة في الأصل لكن له من الآثار الحميدة والنتائج والمحامد والمحاسن لآدم وذريته، وتجلت فيه وظهرت من الحكم الإلهية الشيء الذي لا يخطر على قلب بشر، ومن أراد أن يدرك شيئا من ذلك يقرأ في مفتاح دار السعادة لابن القيم.

وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له فإنه من تمام الرضى بالله ربًّا، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب فيتوب من المعايب ويصبر على المصائب قال تعالى {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ}[غافر:55] وقال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}[آل عمران:120] وأما قول إبليس {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي}[الحجر:39] إنما ذم على احتجاجه بالقدر لا على اعترافه بالقدر وإثباته له ألم تسمع قول نوح عليه السلام {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}[هود:34] ولقد أحسن القائل:

فما شئت كان وإن لم أشا

 

وما شئت إن لم تشأ لم يكن

وعن وهب بن منبه أنه قال نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس بالقدر أنطقهم فيه.

لا شك أن القدر وما يتعلق به سر الله في خلقه وهو من مضايق الأنظار ولا يحسن كل من دخل فيه أن يخرج منه، ما كل من دخل في مسائل وتعمق فيها ودقق فيها يخرج من هذه المسألة بسلام، فعلى الإنسان أن يجمل، يؤمن بما جاء عن الله على مراد الله، وبما جاء عن رسوله على مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: .............

أنت تدري أن البشر كلهم أصيبوا بذنب آدم وأخرجوا من الجنة بسبب هذا، فكل إنسان مما معه يعني نفترض أن شخصا من غير اختياره جاء في سيارة ودهس ولدا، ألا يوجد في نفس والده؟ وإن كان هذا ما له اختيار ولا طوع، الولد هو الذي عبر الطريق وقطع الطريق ثم دهسته السيارة، ألا يجد في نفسه شيء على هذا السائق، سائق هذه السيارة الذي حصل منه الدهس ووفاة الابن بسببه؟ وهو ما له اختيار، هو غير ملوم أصلاً؛ لأنه جاء هذا واقف بالباب، الطفل ذا يوم قربت السيارة ومر يقطع، هل يطيق الأب رؤية هذا السائق؟! هذا أمر جبلي طبيعي يعترض على من حصل بسببه النقص ولو كان خارجا عن إرادته.

طالب: ...............

أي نعم هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي، وآدم ينظر عن يمينه، إذا نظر عن يمينه ضحك لأنهم أهل الجنة، أنفس وأرواح أصحاب الجنة، وأولئك أصحاب النار إذا نظر إليهم بكى، هذا القدر السابق لا أحد يختلف فيه، الله- جل وعلا- بعث بعث النار وبعث بعث الجنة فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي، هذا في علم الله- جل وعلا- لكن المخلوق ماذا عن علمه.

طالب: ...............

لا، لا يوجد شيء، شيء مكتوب محسوس لايوجد.

قوله يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلاً ويضل من يشاء ويخذل ويبتلي عدلاً.

ويبقى أن فعله- سبحانه وتعالى- وعلمه بذلك لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب إنما الثواب والعقاب على أفعال المكلفين.

هذا رد على المعتزلة قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد الله وهي مسألة الهدى والإضلال قالت المعتزلة الهدى من الله بيان طريق الصواب والإضلال تسمية العبد ضالاً.

الآن أليس من المعقول والطبيعي جدًا أنه إذا تقدم اثنان لوظيفة، أحدهما درجاته تسعة وتسعون بالمائة، والثاني درجاته واحد وستون بالمائة على الحافة أن يفاضل بينهم في التوظيف ويعطى هذا على الراتب أكثر من هذا لأنه يتوقع أن إنتاج هذا أكثر من هذا، طيب يقول لك الله جل وعلا هو الذي ركب فيه هذه الحافظة الضعيفة، أو هذا الفهم الضعيف، فلماذا تفرقون بيني وبين هذا، له مستند في هذا؟ لأن المنظور إليه إنتاج العبد وعمل العبد، أما فعل الله- جل وعلا-

 لا يتعلق به لا ثواب ولا عقاب، وما فيه يعترض لأن هذا درجاته أكثر، قد يكون مرد الدرجات لفعل العبد لجده واجتهاده والثاني لإهماله وتركه، لكن أيضًا للتركيب الأصلي في القدرات له دور في هذا ومع ذلك {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}[الأنبياء:23] هذه النهاية، وقدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، يعني من دقق ونظر أدرك بعض الشيء، لكن لن يدرك كل شيء، يعني لو قرأت في شفاء العليل لابن القيم في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل شيء مهول، شيء قد لا يحتمله ذهن الإنسان، فمن نعمة الله- جل وعلا- على الإنسان أن يرضى ويسلم مع أنها أشياء واضحة وظاهرة، وتوجد أشياء معقدة تحتاج إلى شيء من التسليم.

قالت المعتزلة الهدى من الله بيان طريق الصواب والإضلال تسمية العبد ضالاً أو حكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه.

لأنه هو الذي يخلق فعله، الله- جل وعلا- ما له علاقة بأفعال العباد، العباد هم الذين يخلقون فعله.

وهذا مبني على أصلهم الفاسد أن أفعال العباد مخلوقة لهم، والدليل على ما قلناه قوله تعالى:{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}[القصص:56].

 إنك لا تهدي ولكن الله يهدي، الله- جل وعلا- بيده الهداية التي هي هداية التوفيق والقبول، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي تكون لأنبيائه ولأتباعهم من دعاة الهدى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الشورى:52] أما هداية القبول والتوفيق هذه بيد الله- جل وعلا- نفاها عن أشرف الخلق الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- في موقف هو أحرص فيه على الهداية وهي هداية عمه الذي نصره ونصر دعوته ومع ذلك ما استطاع {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}[القصص:56].

ولو كان الهدى بيان الطريق لما صح هذا النفي عن نبيه لأنه -صلى الله عليه وسلم- بين الطريق لمن أحب وأبغض وقوله تعالى:{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة:13] وقوله {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء}[النحل:93] ولو كان الهدى من الله البيان وهو عام في كل نفس لما صح التقييد بالمشيئة.

لأنه حصل البيان للجميع، النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغ البلاغ المبين، وبيّن للناس ما نزل إليهم، وما ترك شيئا ما بينه ولا أوضحه لأمته، ولا خير إلا دلهم عليه، ولا شر إلا حذرهم منه، هذا البيان الذي هو الدلالة والإرشاد قد حصل وليس لأحد على الله حجة، ليس لأحد من خلقه عليه حجة؛ لأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب وبلغوا البلاغ المبين، وما بقي شيء، هذا هداية الدلالة والإرشاد، أما هداية التوفيق والقبول التي لا يملكها أحد سوى الله- جل وعلا- فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

وكذا قوله تعالى:{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِين}[الصافات:57] وقوله {مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}[الأنعام:39] قوله وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله فإنهم كما قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ}[التغابن:2] فمن هداه إلى الإيمان فبفضله وله الحمد ومن أضله فبعدله وله الحمد وسيأتي لهذا المعنى زيادة إيضاح إن شاء الله تعالى فإن الشيخ رحمه الله لم يجمع الكلام في القدر في مكان واحد بل فرَقه فأتيت به على ترتيبه.

يعني فرقه الشارح كما فرقه الماتن، الله- جل وعلا- كما قال المصنف- رحمه الله- كلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله في حال الهداية، وبين عدله في حال الإضلال؛ لأنه ما جبره ولا أرغمه، بين للجميع، البيان واحد للجميع لمن اختار طريق الهدى، ولمن اختار طريق الضلال، البيان واحد لكن الله- جل وعلا- تفضل على هذا بقبول هذا الهدى وما ألزم ولا أرغم الطرف الثاني على قبول طريق الإضلال، هداه النجدين ووضح له، لكنه اختار لنفسه وله قدرة ومشيئة واختيار وحرية، لكنه لا يستقل بها كما تقول المعتزلة، ضربت مثالا أكثر من مرة، لو أني مدحت كتابًا للجميع وبينت مزاياه ومحاسنه، هل يلزمني أن أوزع الكتاب على الجميع؟ لا يلزم، أنا بينت ووضحت أن هذا الكتاب نافع، انطلق أكثر الطلاب إلى المكتبات يبحثون عن هذا الكتاب، لكن بعض الطلاب قلت لهم الكتاب موجود بالمكتبة الفلانية اختصرت عليهم الطريق وأخذوا نسخا، الآخرون تخبطوا وذهبوا إلى المكتبات ولكن خفي عليهم شيء؟ بين لهم الكتاب، الكتاب واضح ومطبوع ويعرفونه وموجود في المكتبات، لكن هؤلاء تفضلت عليهم ببيان المكان وأولئك بينت لهم أن الكتاب نافع ولا ألزمهم بأن يشتروه، بعض الطلاب خمسة أو ستة قلت عندي لكم نسخ، هل أنا ظلمت أولئك الذين ذهبوا وتفرقوا قبل أن يعرفوا مكان الكتاب؟ هو بين لهم الكتاب ولا يلزم هذا في مثال المخلوق فضلاً عن الخالق الله- جل وعلا- تعالى الله عن الأمثال والأنداد والنظراء، لكن مثلاً تقريبي هذا هل يقولون أن الشيخ ظلمنا ما أعطانا كتبا؟! الذين تفرقوا بحثوا عن الكتاب ما وجدوه، بين لهم أن هذا الكتاب نافع وهذا غاية ما يستطيع ولا يمكن أن يشمل الناس كلهم يوزع عليهم كتبا، والا بعضهم استعجل وطلع ماذا تفعل له؟ هذا الذي استعجل وطلع ما عرف مكان الكتاب هل ظُلم؟ ما ظُلم أقول هذا مثال تقريبي وما عند الله- جل وعلا- أعلى وأعظم ولله المثل الأعلى.

قوله وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد الضد المخالف.

يعني الضد المخالف المعارض المعاند هذا هو الضد، والند المثل.

والند المثل فهو سبحانه لا معارض له بل ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا مثل له كما قال تعالى:{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد}[الإخلاص:4] ويشير الشيخ رحمه الله بنفي الضد والند إلى الرد على المعتزلة في زعمهم أن العبد يخلق فعله.

والذي يخلق فعله إما ضد وإما ند، إذا خلق من أفعاله ما لا يريده الله فهو ضد،، وإن خلق من أفعاله ما يريده الله فهو ند والله المستعان- تعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا-.

قوله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره أي لا يرد قضاء الله راد ولا يعقب أي لا يؤخر حكمه مؤخر ولا يغلب أمره غالب بل الله الواحد القهار.

جاء في الحديث «لا يرد القضاء إلا الدعاء » فرد القضاء في هذه الصورة من الله- جل وعلا- من الذي يرد القضاء؟ الله جل وعلا رده بقضاء آخر بسبب الدعاء وجاء في الحديث «اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا راد لما قضيت» في رواية الطبراني بسند صحيح.

قوله..

يعني لا راد لما قضيت من أحد من خلقك، يعني لا يستطيع أحد أن يرد القضاء، وإما أن يرده الله جل وعلا بقضاء آخر بسبب من الأسباب فهذا لا يعارض ذاك.

قوله آمنا بذلك كله وأيقنا أن كلاً من عنده أما الإيمان فسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى والإيقان الاستقرار من يقن الماء في الحوض إذا استقر.

آمنا بذلك كله وأيقنا أن كلًّا من عنده، يعني ليس مجرد كلام نظري نقرؤه بألسنتنا ونسمعه بآذاننا ونحسبل ونحوقل إذا مررنا بشيء لا، المسألة يقين عقيدة.

من يقن الماء في الحوض إذا استقر.

لأن بعض الناس يزعم أنه مؤمن وعلى يقين تام وراض بقضاء الله وقدره، ثم إذا حصل له أدنى شيء تبين ألا شيء، لا بد أن يكون على يقين وعقيدة وثبات، ولا يكون ذلك إلا بإدامة النظر في آيات الله وتدبر آيات الله كما قال ابن القيم المتلوة والمرئية.

والتنوين في (كلًّا) بدل الإضافة أي كل كائن محدث من عند الله أي بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته وتكوينه وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد...

"