كتاب الصلاة (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.  

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري–رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كِتَابُ الصَّلاَةِ: بَابٌ: كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ فِي الإِسْرَاءِ؟

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ، فَقَالَ: يَأْمُرُنَا يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ.

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ: فَفَتَحَ».

قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ- وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ، كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوَى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ».

قَالَ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ، حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ، وَهِيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي، ثُمَّ انْطَلَقَ بِي، حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ؟ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ وَإِذَا تُرَابُهَا المِسْكُ».

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ –رضي الله عنها- قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول الإمام البخاري-رحمه الله تعالى-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كِتَابُ الصَّلاَةِ" يرد في مثل هذا الباب فيما تقدم وفيما سيأتي تقديم البسملة على الكتاب، وفي بعض الروايات تقديم الكتاب على البسملة، والأمر في ذلك سهل، ونظَّروا ذلك في كتاب الله؛ لأن البسملة مقدمة على السورة، البسملة مقدمة على القرآن على السورة من القرآن.

والترجمة هنا "كِتَابُ الصَّلاَةِ" إذا تقدمت فهي بمنزلة اسم السورة فهي مقدمة على البسملة في القرآن وفي غيره.

وإذا تأخرت عن البسملة فلا شك أن البسملة من موضعها التقدم، وجاء في الحديث البداءة بالبسملة، وسواءٌ تقدمت البسملة على الترجمة أو تأخرت عنها الأمر سواء، ولا يختلف فإن قدِّمت البسملة على الترجمة فهذا هو الأصل أن الكلام يُبدأ بالبسملة، وإذا تأخرت البسملة عن الترجمة كان ذلك بمنزلة اسم السورة والبسملة بعدها.

وفي كتاب الله لا تُقدَّم البسملة على اسم السورة على القرآن ولا تؤخَّر البسملة في كتاب الله بعد الترجمة بعد اسم السورةـ، وهنا البسملة قبل الترجمة.

هناك في كلام البشر يضعون البسملة في أول الكلام باعتبار أن البداءة بها، وبالحمد لله كما جاء في الحديث: «كُلُّ أَمْر ذِي بَال لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبسم الله فَهُوَ أَبْتَرُ»، والحديث ضعيف كما هو معلوم، لكن أهل العلم ماشون عليه وماضون عليه، فهم يُقدمون البسملة أمام كل شيء.

وفي الخبر التسمية في أخبار كثيرة، التسمية مقدمةٌ على كل شيء، مبدوءٌ بها في كل عمل، ففي الأكل مثلاً -على سبيل المثال- تُسمي ثم تأكل، في الذبح تُسمي ثم تذبح وهكذا، إذا دخلت وإذا خرجت تُسمي، فهي مبدوءٌ بها، فالبداءة بها كما هنا جارٍ على هذا الأصل، وتأخيرها عن الترجمة باعتبار أن السورة من القرآن تُبدأ بالترجمة، ثم البسملة.

يقول –رحمه الله-: "كِتَابُ الصَّلاَةِ" الكتاب مر تعريفه مرارًا في هذا العلم وفي غيره من العلوم في جميع العلوم يرد (كتاب) في التراجم الكبرى التي تشتمل على أبواب، والأبواب في الغالب تشتمل على مسائل هذا هو الترتيب العُرفي عند أهل العلم، وقد يُوجد كُتب، ولا يُوجد أبواب، قد يوجد أبواب، ولا يُوجد فصول وهكذا، لكن هذا الأصل الترتيب العُرفي عند أهل العلم يُبدأ بالكتاب، ثم بعد ذلك يتفرع عنه أبواب كما في صحيح البخاري، والأبواب يتفرع عنها فصول ومسائل.

وفي صحيح البخاري الأبواب موجودة، والفصول موجودة، لكن بغير هذا الاسم، إنما هي باسم الباب بدون ترجمة، بمثابة الفصل من الكتاب.

والصلاة أمرها وشأنها لا يخفى على عوام المسلمين فضلاً عن علمائه من طلاب العلم، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام وبعد الشهادتين؛ ولعظم شأنها فُرضت من فوق سبع سماوات ليلة الإسراء كما سيأتي.

وكان الصحابة والسلف من هذه الأمة لا يرون عملاً تركه كفر إلا الصلاة، وجاء في شأنها «الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ»، «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ وَالْكُفْرِ أو الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» فشأنها عظيم، وكان الناس يتعاظمون شأنها، ثم أخذوا يتساهلون شيئًا فشيئًا لما اختلطوا بغيرهم وسمعوا أقوال من لا خلاق لهم.

وذكر الحافظ العراقي –رحمه الله- في (طرح التثريب) أن شخصًا من علماء المغرب يقول: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة نظري لا واقع له ولا حقيقة، يعني كما يُقال في الفرائض: هلك هالكٌ عن ألف جدة يقولون هذا من باب تمرين الطالب ومثله حكم تارك الصلاة هل يكفر أو لا؟ يقول: لأنه لا يُتَصوَّر مسلم يترك الصلاة.

فذِكر أهل العلم لحكم تارك الصلاة نظري مثل قولهم: هلك هالك عن ألف جدة، ما يُمكن أن يُوجد ولا يُتَصوَّر مسلم لا يُصلي، لكن خلفت خلوف تساهلوا في الصلوات، ومع الأسف أنه دب إلى بعض من ينتسب إلى العلم لما توسعوا في النظر في المذاهب وأقوال أهل العلم ومن الأقوال المعتبرة والأقوال الشاذة، فتوسعوا في مثل هذا، وهان الأمر عليهم، ثم بحثوا في مسألة الصلاة في المسجد، والصلاة في الجماعة قال بعضهم: سُنَّة، وقال... ثم خفَّت عندهم وإذا صلى في البيت له أن يؤخرها إلى آخر الوقت، ثم تغلبه نفسه، وهكذا إلى أن في النهاية الله المستعان.

وأما ما في البيوت من النساء والذراري فحدِّث ولا حرج في عصرنا، والله المستعان.

يقول: "كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلوات فِي الإِسْرَاءِ؟" في بعض النسخ "الصلاة" بالإفراد، وفي بعضها الصلوات.

"فُرِضَتِ" يعني: وجِدت، وفي حديث عائشة الآتي: "فُرِضت الصلاة ركعتين ركعتين" يعني: أُوجِبت أو بالمعنى الآخر قُدِّرت بركعتين يعني في أول الأمر، فأُقِرت صلاة السفر وزيد في الحضر.

وجاء في المسند "إلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، وإلا المغرب فإنها وتر النهار"، وسيأتي الكلام على الحديث.

هنا يقول الإمام البخاري: "كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلاَةُ –أو الصلوات- فِي الإِسْرَاءِ؟" يعني في حال الإسراء حينما أُسري بالنبي –عليه الصلاة والسلام- إلى السموات بما فيها السابعة وما فوقها.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ" هذا المعلق بصيغة الجزم عن ابن عباس.

"قال: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ" والحديث موصولٌ في بداية الصحيح، موصول في أوائل الصحيح، بأسانيده وبتمامه، وهنا اختصر فيه على ما يُريده من ذلك الحديث الذي تقدم ذكره مفصلاً.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْل" أبو سفيان اسمه: صخر بن حرب.

"فِي حَدِيثِ هِرَقْل" الذي تقدم بطوله وضبطه بهذا هو المشهور "هِرَقْل"، ويُضبط على وجهٍ آخر بكسر الهاء وإسكان الراء وكسر القاف (هِرْقِل) لكن المشهور هو الأول.

 "فَقَالَ" لما سأله هرقل سأل أبا سفيان قال: بما يأمركم؟ قال: "يَأْمُرُنَا يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" وهو قبل أن يسلم أبو سفيان.

"يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالعَفَافِ" بالصلاة أول ما يأمر به الصلاة بعد الشهادتين، ويأمر بالصدق والعفاف وبقية الأركان لم تُفرض.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" وهو ابن سعد "عَنْ يُونُسَ" وهو ابن يزيد الأيلي "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ" جُندب بن جنادة الغفاري.

 "يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي»" يعني وجِد فُرجة في السقف.

«عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي» يعني: شقه -عليه الصلاة والسلام-.

«فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ» نرى كثيرًا من الناس في المسجد الحرام يأتون إلى ماء زمزم، ويغسلون وجوههم وأعينهم، وأحيانًا رؤوسهم وما انكشف من أبدانهم من هذا «ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ»؛ لأن ماء زمزم طهور، وهو أيضًا جاء فيه أنه شفاء «طَعَامُ طٌعْمٍ»، وجاء أيضًا «شِفَاءُ سُقْمِ».

«ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ» الطست: الإناء المتسع الذي لا قعر له في الغالب، الطست ما هو بمثل غيره من الأواني إنما هو قعره قريب، لكنه متسع.    

«بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا» الذهب والحرير جاء في الحديث الصحيح «حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» كيف جاء جبريل بطستٍ من ذهب؟ أولًا: الذي جاء به هو مكلَّف بتكاليفنا؟ لا، ليس مكلَّف بما كُلفنا به، جبريل –عليه السلام- تكاليفنا التي تسري علينا وشريعة محمد– عليه الصلاة والسلام- لا تسري عليه.

على كل حال هذا الحاصل وليس لأحدٍ أن يقول: جبريل –عليه السلام- أفضل الملائكة بإقرار خير الرُّسل وأفضلهم استعملوا الذهب، فكيف لا نستعمله؟ ألا يُمكن أن يُقال هذا؟ ما يمكن أن يقوله شخص لديه شُبهة أو لديه فتنة في قلبه يسمع الحديث الصحيح الصريح في تحريم الذهب على الذكور، ويلبس ثم يقول: جاء جبريل، أنا ما سمعت من قال هذا، لكن لا يُعدم الاحتمال قائم، يقول: جبريل أفضل الرسل، ومحمد أفضل الأنبياء، وجاء به أفضل الملائكة بإقرار أفضل الرسل، نقول: لا التكليف أو التنظير غير مطابق، فأنت مُكلَّف بشيء لا يُكلَّف به جبريل، فهذا الذي جاء به من أواني الجنة، والجنة فيها الذهب والفضة وتُستعمل للرجال والنساء؛ لأنه انتهى التكليف في الجنة.

طالب:........

عامة أهل العلم على أنه يشمل الاستعمال للذكور؛ لأنه إذا مُنِع من الأكل والشُّرب فيهما مع أنه قد تدعو الحاجة إلى ذلك، فلا يُمنع ما عداه مما لا حاجة إليه من باب أولى هذا قول جمهور أهل العلم.

«مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا» الطست محسوس، والذي يملئه المحسوسات والحكمة والإيمان أمور معنوية، فكيف يكون ممتلئًا حكمةً وإيمانًا، نقول: القدرة الإلهية تجعل المعنويات محسوسة وفي حكم المحسوسات؛ ولذلكم الوزن للأعمال في القيامة أعمال معنوية، الله –جلَّ وعلا- يجعلها محسوسات، ويزنها ويزن صاحبها معها.        

«حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي» هذا الطست أفرغه مما يدل على أن هذه الحكمة والإيمان صارت أمورًا حسية.

«فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ» أغلق هذه الفتحة أو هذا الشق ومسحه وعاد كما كان.

«ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» أولاً: هذا المعراج هل حصل في ليلة الإسراء أو في ليلةٍ أخرى؟ الخلاف فيه أقوال كثيرة، وهل كان في اليقظة أو في المنام؟ أيضًا خلاف والصحيح أنه في اليقظة، وأنه عُرِج بروحه وجسده كما أنه أُسري بروحه وجسده، وسيأتي الكلام في كلام الشارح. 

«فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» وهي أقرب السماوات إلى الأرض، وسُميت دُنيا لدنوها وقُربها.   

«فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ» قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح «قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ» لو قال: من أنت؟ لكان الجواب: أنا جبريل، فجاء الجواب مطابقًا للسؤال «مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ» ما قال له: من أنت؛ لأنه «قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟» جبريل يقول للخازن: افتح، يعني مقتضى السياق أن يقول: من أنت؟ لأنه يُخاطبه وأنت للمُخاطب، ويكون الجواب: أنا جبريل، لكن لما خاطبه بهذه الصيغة «مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ».

«قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟» أو أنت بمفردك.

«قَالَ: نَعَمْ مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ» هذا يدل على أن الملائكة لا يعلمون إلا ما علَّمهم الله -جلَّ وعلا-.

قال: «فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا» صرنا في علوها الذي هو سقفها.

«فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ» أشباح ما تتميز أشكالها ووجوهها وعلاماتها، إنما هي مجرد أسودة.

«وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ» كذلك «إِذَا نَظَر» يعني هذا الرجل القاعد.

«قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى» رأفة الوالد وشفقة الوالد، هذا آدم وعن يمينه نسم أولاده من أهل الجنة، وعلى يساره نسم أولاده من أهل النار، وهو يبكي إذا رأى أهل النار كما أنه يضحك إذا رأى كثرة أهل الجنة، وإن كان أهل النار أكثر، حينما يُقال له: «أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ» فيقول: «كَمْ يَا رَبِّ؟» قال: «مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ» مَن يأمن بعد هذه النسبة؟

على الإنسان أن يلزم الجادة، ويلهج بالدعاء لله –جلَّ وعلا- أن يُثبته على هذا الدين أن يُحييه ويُميته عليه {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]، كثير من عامة الناس يقول: خلاص الكفار لا نسبة لنا معهم، انظر الصين والهند والدول الكبرى التي فيها المليارات، وماذا نحن؟ إذا نظرت إلى الجزيرة فيها ثلاثون مليونًا مثلًا كم نسبتهم إلى مجرد دولتين الصين والهند حوالي ثلاثة مليارات؟  يعني واحد من ألف.

كثير من الناس تُسوِّل له نفسه أن يقول مثل هذا الكلام، يقول: ما هي من أجلنا وقد قالها مَن أُغرموا بالأسفار وتساهلوا في كثيرٍ من الأمور، وارتكبوا بعض المحرمات، وتركوا الواجبات يقولون: متى يصلنا الدور ما نحن بشيء، لكن إذا نظرنا إلى أن نسبة أهل الجنة.

يَا سلْعَة الرَّحْمَن لَيْسَ ينالها
 

 

فِي الْألف الا وَاحِد لَا اثْنَان
 

 فعلى الإنسان أن يلزم الجادة، ويسلك الصراط المستقيم، ويلهج بذكر الله ودعائه واللجء إليه، ويُصلي ويصوم من النوافل من الصلاة والصيام وغيرها من أنواع العبادات، ويلزم كتاب الله- جلَّ وعلا-. 

«إِذَا نَظَر قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ»؛ لأنه قد أُرسِل إليه «وَالِابْنِ الصَّالِحِ» آدم هو أبو البشر –عليه السلام- ومنهم محمد- عليه الصلاة والسلام-.

«قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟» ما عرفه النبي- عليه الصلاة والسلام- «قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ» أرواحهم «فَأَهْلُ اليَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى» الشِّمال ضد اليمين، والشَّمال ضد الجنوب، الشِّمال بالكسر ضد اليمين، والشَّمال بالفتح ضد الجنوب.

«حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنِهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ» «قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قال هل معك أحدٌ؟» إلى آخره.

«مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ فَفَتَحَ».

"قَالَ أَنَسٌ" ابن مالك -رضي الله عنه وأرضاه- "فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ" هؤلاء المذكورين من غير تعيينٍ لمنازلهم.

آدم –عليه السلام- في الأولى، وإبراهيم في السادسة، والسابعة من خلال المراجعة تدل على أنه موسى –عليه السلام- وقبله عيسى، وقبله إدريس إلى آخر من ذُكِروا في الحديث، وجاء تعيينهم في أحاديث أخرى.

"قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ، وَإِدْرِيسَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَإِبْرَاهِيمَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-، وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا" كما تقدم، "وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ"؛ لأنه ليس في سلسلة نسب النبي –عليه الصلاة والسلام- ليكون أبًا له فهو أخٌ له، ولو كان في سلسلة نسبه كآدم كما تقدم، وإبراهيم على ما سيأتي لقال: الابن الصالح.  

"مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى" (ثم) للترتيب، يعني مقتضى ذلك أن إدريس قبل، ثم موسى، ثم عيسى، الترتيب هنا.

قال: "ثُمَّ مَرَرْتُ"؛ لأن (ثم) تقتضي الترتيب "بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى، ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ" من ذريته.

"قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

الآن الترتيب بــ(ثم) ذُكِر آدم –عليه السلام- في الأولى، وإبراهيم –عليه السلام- في السادسة، قال: "ثُمَّ مَرَرْتُ بإِدْرِيسُ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى" ثم بعد موسى عيسى، ثم إبراهيم، يعني هل هذا ترتيب مكان ولا ترتيب مكانة؟ يعني إدريس في الثانية؟ الرابعة {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم:57] الرابعة.

طالب:.........

لا، عيسى وزكريا.

وجاء ذكر في السابعة، لكن الآن في السادسة، نص.

طالب:.........

خلونا نقف على هذا ونقرأ كلام الحافظ في المقدمة، ونُحضر ما يتيسر من الروايات، المقدمة مقدمة الفتح.

قال الحافظ –رحمه الله-: "بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الصلاة: تقدم في مقدمة هذا الشرح ذكر مناسبة كَتب هذا الصحيح في الترتيب ملخصًا".

كُتِب بهذا الصحيح.

طالب:.........

يعني مناسبة كتاب الصلاة لِما قبله من كتاب الغُسل، لِما قبله من كذا، ومعك أكثر احضره، يعني في المقدمة "تقدم في مقدمة هذا الشرح" التي تُسمى (هدى الساري) طُبِعت مرارًا مضبوطةً بـــ(هدي الساري)، والصواب (هدى الساري)؛ لأنها مضبوطة بقلم الحافظ ابن حجر وهو المؤلف، وهذه المقدمة هذه مقدمة الشرح الكبير.

طالب:........

الذي هو أصل الفتح، هي في الأصل ليست مقدمة للفتح، إنما هي مقدمة كما نص على ذلك الحافظ هي مقدمة للشرح الكبير الذي استطاله الحافظ ابن حجر فعدل عنه إلى هذا الشرح الذي يُفهم أنه شرح مُختصر وهو (فتح الباري) مُختصر، هِمم لا نستطيع أن نتطاول إليها ولا إلى بعضها هذه هِمم أهل العلم، يُحضر لك كتابًا عشرين مُجلدًا، ثلاثين مُجلدًا، وكأنها... يعني من الغرائب (المبسوط) في فقه الحنفية.

طالب:........

السَّرخسي أو السّرخسي إن شئت؛ لأنهم يضبطونه هكذا، ثلاثين مُجلدًا كبارًا -على كُبر هذا- أملاه إملاءً وهو مسجونٌ في جُب فرغانة، طُلاب عرفوه وقت هذا الجُب يسمعون منه ويكتبون، الآن ما عند الناس استعداد أن يكتبوا أي شيء، وعُطِّلت الكتابة ونسوا الكتابة وقواعدها لماذا؟ لأنهم اعتمدوا على هذه الجوالات، وما عنده استعداد أي شخص أن يكتب خطابًا من صفحة واحدة، أنت تكتب بهذا الجوال، ثم يذهب لأدنى المكتبة يفرغ ما كتبه.

أبناؤنا نسوا القراءة والكتابة، والله عندنا طلاب في الجامعة وفي بيتنا من بنات لا يكادون يعرفون شيئًا من هذا الفن، أقول: يا شباب اذهبوا إلى معاهد تحسين الخطوط، واكتبوا كتابة أوادم، والله ولا بالابتدائية يكتبون هذا، كنا بالابتدائي يُطلعوننا نكتب على السبورة بدل المدرس، ونكتب صحائف، ونكتب خرائط ونحن في الابتدائي، الآن في الجامعة ما تُقرأ كتابتهم، لماذا؟ لأنهم اعتمدوا على هذه الآلات، صار الواحد يكتب بهذا الجوال وبعد يفرغ، هذا ما يبين بالنسبة للخط يبين في الإملاء، في الإملاء يبين، وأما بالنسبة للخط فالخطوط واحدة.

على كل حال على طالب العلم أن يهتم بالخط، وكانوا يُسمونه الرسم، ويُدخلونه مع الصرف في كُتب الصرف في آخرها، في آخر كتب الصرف يكتبون الرسم، ومرادهم بذلك الخط رسم الحروف.

ما الذي أتى بنا هنا؟

طالب: طول الفتح.

نعم طول الفتح قراءة متواصلة يحتاج إلى سنتين (فتح الباري) يحتاج إلى سنتين؛ لأن الصفحة من فتح الباري صفحاته مثل الصكوك ما هي من الطبعات الجديدة، الآن لو يُطبع ملزمة صارت مُجلدًا، إذا نُفشت التعليقات وكثرت الحواشي والهوامش وصغرت الأوراق وكبر الحرف يأتي في أكثر من مائة مجلد.

أنت قرأت فتح الباري كله؟

طالب:.........

هذا وقتكم يا إخوان، أنا جاءني واحد قبل خمس أو ست سنوات قال: إني نسخت فتح الباري كتبته على أوراق، يقول هذا والله أعلم، ثم جاءني بعد مدة قال: أريد نسخة من الكرماني أنسخها، قلت: يا ابن الحلال لا تضيع عمرك، الكرماني مطبوع، والله لو تقوم مطابع الدنيا كلها يطبعون مثل هذا الطبع ما يستطيعون، ثم جاء بهذا المسجد قبل ثلاثة أشهر، قال: أريد نسخة معتمدة من (لسان العرب) لأنسخها، وأنتم عاجزون أن تقرؤوا. وسوف يأتي يوم أن تتمنى أن تقدر تقرأ عيونك تتضعف، وقدرتك على الجلوس على الأرض تضعف، وتمل  فانتبه لنفسك.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:........

هذا الذي فيه الكلام الكرماني بشهر يقرأ

طالب: ........

ما هو مثل ذلك، نفس الشيء، تُريد أن تقرأ مثل القارئ، اقرأ تفسير الطبري، والقرطبي، الألوسي، اقرأ المطولات والكلام للجميع.

طالب:........

هذا الذي يجعل في يده قلمًا يُقيد الفوائد ويضع علامات، ولا الذي يدهس كذا.

طالب:........

وراءك.

كم الساعة؟

طالب:........

اللهم صلِّ محمد وعلى آله وصحبه.