شرح علم الحديث من النقاية (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ففي هذا اللقاء الذي نسأل الله- جل وعلا- أن يجعله خالصًا لوجهه مقرِّبًا إليه، وفي هذه الليالي الثلاث- إن شاء الله تعالى- نشرح في علوم الحديث قسمًا من كتاب مختصر بل معتصر اسمه النُّقاية، وهو بضم النون كما نص على ذلك مؤلفه في مقدِّمة شرحه، خلافًا لما سُطِرَ على صفحة العنوان من مطبوعة دار الكتب العلمية، فقد ضبطوه بكسر النون، وليس بغريب أن يخطؤوا في كتاب نص عليه مؤلفه، ضبطوه بكسر النون ومؤلفه يقول هذه نُقاية بضم النون أي خلاصة مختارة من عدة علوم، هذا الكتاب على اختصاره وصِغَر حجمه متضمن للمتن والشرح، ويتضمن أربعة عشر علما تبدأ بأصول الدين وتنتهي بالتصوف، مرورا بعلوم القرآن وهذا قد شرحناه في دورة سابقة، وهو موجود متداول في أشرطة لا أدري هي أربعة أو خمسة، يليه علم الحديث الذي هو موضوع دورتنا هذه، يليه علم أصول الفقه ثم الفرائض، ثم النحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والتشريح والطب، ثم التصوف، أربعة عشر فنًّا، لن نشرح ما يتعلق بأصول الدين لأننا شرحنا فيه متونا كثيرة هذا من جهة، ولأن هذا المتن وهذا القسم من هذا الكتاب ما يتعلق بأصول الدين ليس على طريقة السلف في تقرير مسائل العقيدة لاسيما الصفات، فهو على مذهب الأشاعرة؛ ولذلك نتجاوزه إلى غيره، ولا يمنع أن يكتب عليه شرح بحيث لا يكون في دورة إنما يكتب عليه شرح مقروء ينبَّه فيه على أخطاء الكتاب لتتم الفائدة من الكتاب، لكن سوف يبقى ما يتعلق بالطب والتشريح أظن لا يقال فيه مثل هذا الكلام إلا إذا ذكرنا ما يتعلق بمسائل الكتاب في هذين القسمين- أعني الطب والتشريح- من الأدلة الشرعية ومن كلام أهل العلم والطب النبوي، وإلا ما لنا دور نتدخل في مسائل طبية اللهم إلا مثل ما تدخل السيوطي نفسه، القسم الأخير الذي هو التصوف فيه مسائل نافعة وتسميته بالتصوف بناء على أن هذا النوع مما يتعلق بالسلوك وأعمال القلوب لا إشكال عندهم في تسميته تصوُّفا في عصره وفي بلده وعنده، بل عنده شيء من التصوُّف الذي بعضه مقبول وبعضه غير مقبول هذا إذا تجاوزنا وسمينا هذا الفن تصوفا، وإلا ما يتعلق بالقلوب باب من أبواب الدين ونفعه عظيم وأكثر من يتعرَّض له من علماء المسلمين المحققين ابن القيم وابن رجب، وشيخ الإسلام له يد في هذا كأن ما كتبه ابن القيم وابن رجب يعني يدخل إلى القلب بدون استئذان، وأيضًا من غير المحققين كتب الغزالي في إحياء علوم الدين مباحث كثيرة تتعلق بهذا الجانب، على كل حال هذه العلوم يعني لو اقتصرنا على عشرة منها التي هي علوم القرآن وقد فرغنا منه، وعلم الحديث- إن شاء الله- نفرغ منه في هذه الدورة؛ لأن كل متن في ورقة من هذه المتون بل علم الحديث في المطبوعة أقل من ورقة، أصول الدين عنده في صفحة ونصف، يعني أقل من ورقة، وعلم التفسير في خمس صفحات، وهو متن جيِّد بالنسبة لعلوم القرآن، وهو على اختصاره شامل وعلى طريقة المتون، ويُعْوِز في هذا الفن أن تجد متنا على طريقة المتون وهو الذي جعلنا نشرحه، ثم شرحنا نظم هذا المتن للزمزمي، علم الحديث مثل علم أصول الدين في صفحة ونصف، وعلم أصول الفقه ورقة وثلاثة أسطر، وعلم الفرائض في صفحة ونصف تقريبا، والنحو في ورقة، والتصريف في أقل من ورقة، ثم بعد ذلك علم الخط وهذا نسيناه، علم الخط في نصف صفحة، ثم علم المعاني في ورقة، وعلم البيان في أقل من ورقة، والبديع أقل، ثم التشريح وعلم الطب، ثم التصوف، أربعة عشر فنًّا، ما يتعلق بعلم الحديث مأخوذ من النخبة حتى في الطريقة وفي الألفاظ، وتكملة ما في النخبة وما في شرحها مأخوذ من شرح النخبة للحافظ ابن حجر فهو ما خرج عن النخبة وشرحها وفي أكثر الموضوعات التي تطرق لها سرد لأنواع علوم الحديث يعني تعرض لبعض التعاريف وترك الباقي لمجرد السرد وإلا كيف يستوعب ثمانية وثمانين نوعا من أنواع علوم الحديث..

أين التي عليها أرقام؟

طالب: ...............

لا، ليست ذي! ذكر من الأنواع علوم الحديث سبعا وثمانين يعني في أقل من ورقة، أكثرها يعني يسير على طريقة ابن حجر في اللف والنشر لكن في الأخير أخذ يعدد تعدادا فقط من غير تعريف، وهذا الكتاب- أعني النُّقاية مع شرحها- إتمام الدراية طُبِع قديمًا سنة ألف وثلاثمائة وتسعة طبعة قديمة جدًّا في الهند، ثم طُبِع على هامش في حاشية مفتاح العلوم للسكَّاكي في المطبعة الميمنية سنة ألف وثلاثمائة وثمانية عشر، ثم طبع عن هذه الطبعة أكثر من مرة أخذت طبعات من الطبعة الميمنية على نفس الصف وليست بتصوير إنما نقل ليست بتصوير أكثر من مرة، ثم جاءت الطبعة الأخيرة التي هي طبعة دار الكتب العلمية لكنها لا يعتمد عليها ولا يعوَّل عليها لكثرة أخطائها، يعني إذا أخطأنا في صفحة العنوان وهذا الخطأ كثير في طبعات هذه الدار كثير جدًّا، يعني تصوروا خطأ في العنوان فماذا يتوقع من المضمون، يعني إذا طبعوا جزء القراءة خلف الإمام للإمام البخاري بعنوان جزء القراءة خلف الصلاة ما الذي نتوقع من الدقة في مضمون الكتاب، وفي كتاب المستطرف طبعوه في مجلدين، قالوا: تحقيق وتعليق فلان، والتحقيق هذا مفروغ منه أنه ليس فيه تحقيق، والتعليق أتصفح الكتاب ليس فيه تعليق، فذهبت إلى جدول الخطأ والصواب قلت لعلهم استدركوا وصححوا فإذا مذكور في الخطأ والصواب قلت لعلهم يعتذرون على أن ليس فيه تحقيق وتعليق؛ فإذا تحقيق وتعليق هذا خطأ والصواب تحقيق وشرح! يعني بدلا من تحقيق وتعليق وهو لا تحقيق ولا تعليق تحقيق وشرح، أنا أبحث عن تعليق ليس فيه شيء، واعتذروا عن كلمة تحقيق وتعليق وإلى قولهم تحقيق وشرح، ومع الأسف أن هذه الدار تطبع أمهات الكتب وبكثرة كاثرة وكل يوم تزف من الكتب الشيء الكثير، وهي لا تحقيق ولا تعليق ولا شيء، نعم قد تيسر لطلاب العلم الكتب لأن كتبها رخيصة لكن الإشكال أنها تطبع الموسوعات في عشرة مجلدات، خمسة عشر، عشرين مجلدا، فقط تضيق على المكان وإذا أردنا تحقيقا فلا تحقيق ولا تعليق، وتباع بأثمان رخيصة لكن ما الفائدة من كتاب فيه تصحيف وتحريف يملأ الدواليب بدون تحقيق ولا تعليق؟! على كل حال هذا الحاصل فالكتاب طبع هذه الطبعات بدءا من سنة ألف وثلاثمائة وتسعة الطبعة الهندية مع شرحه إتمام الدراية، ثم الطبعة الميمنية على حاشية مفتاح العلوم للسكاكي ثم طبع أكثر من مرة أخذا عن الطبعة الميمنية، ثم إلى أن جاء دور دار الكتب العلمية، قلت أن هذا الكتاب برمته مأخوذ من النخبة وشرحها للحافظ ابن حجر، فالمتن مأخوذ من المتن والشرح مأخوذ من الشرح أتى بالحروف، وهذه طريقة السيوطي في كثير من مؤلفاته يأتي إلى كتاب فيختصره ولهذا بلغت مؤلفاته ما بلغت إلى الستمائة مؤلَّف، يعني المبتكر المحقق المدقق لا يمكن تصل مؤلفاته إلى ستمائة لأن العمر لا يستوعب أما أن يأتي إلى كتب الآخرين ويختصر منها هذا سهل، بإمكانك أن تأخذ كتابا وفي يومين أو ثلاثة تضع علامات على ما تريد وتعطي الكتاب لأحد ينسخه أو ينزله ويصبح مختصرا، لكن كتاب ينشأ ابتداء وتدرس مسائله بعناية ودقة هذا يحتاج إلى وقت، يعني ليس بغريب أن السيوطي يؤلف ستمائة كتاب منها ما هو في عشرة مجلدات أو أكثر، ومنها ما هو في ورقة في الأصل ثم في النهاية في الطباعة يحقق ويعلق عليه وتخرج أحاديثه وينفخ ويصبح جزء وهو في الأصل ورقة، على كل حال هذا الواقع وهذا الحاصل، ومادام بدأنا في الكتاب والكتاب يصلح أن يشرح للطلاب؛ لأن فيه فوائد وإن كان مأخوذ من كتاب آخر وقد تم شرحه مرارا ونظم، والنقاية نظمت، وقلنا أن منظومة الزمزمي نظم لعلم التفسير من النقاية، وعندي أيضا نظم مخطوط لجميع كتاب النقاية لكن مع الأسف أني لما أزمعت على السفر بالأمس بحثت فلم أجده قريبا وإلا فهو عندي مؤكَّد وقرأت فيه، نظم النُّقاية، يقول- رحمه الله تعالى- "علم الحديث علم بقوانين يُعرَف بها أحوال السند والمتن" علم الحديث ويقال له علوم الحديث، ويقال أيضًا مصطلح الحديث، مصطلح الحديث، وعلم الحديث، وعلوم الحديث، "وهو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن" قوانين وقواعد من خلال هذه القواعد يُعرَف أو تُعرَف أحوال السند والمتن، والسند الطريق الموصِل إلى المتن، وهو عبارة عن الرجال والرواة الذين يذكرهم المحدِّث مبتدئًا بشيخه منتهيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والمتن: هو الألفاظ التي تُنقَل بهذا السند إلى مَن عُزِيَت إليه، فإن كان مرفوعا فهو معزو إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان موقوفا فهو معزو إلى الصحابي، وإن كان مقطوعا فعزوه إلى التابعي فمن دونه، والرواة الذين من خلالهم تنقل الأخبار يقال لهم سند، ومعنى سند يعني معتمَد، يعتمد عليه أهل العلم في إثبات الأخبار ونفيها كما يستند الإنسان على جدار أو عمود أو نحوهما يعني يعتمد عليه، يقول: "الخبر إن تعددت طرقه بلا حصر متواتر" والخبر أعم من الحديث لأنه يشمل المرفوع والموقوف والمقطوع، "إن تعددت طرقه بلا حصر فهو المتواتر"، وأُمِن تواطؤهم على الكذب ووجد هذا التعدد في جميع طبقات الإسناد فهو المتواتر المفيد للعلم اليقيني بهذه القيود، أن تتعدد الطرق، وأن يكون هذا التعدد بلا حصر، وأن يؤمَن تواطؤهم على الكذب، بلا حصر، فهذا هو المتواتر، قد يرد خبر من طريق ألف، يضيف أهل العلم في حد المتواتر أن يسند إلى شيء محسوس يعني من مسموع أو مرئي أو ملموس، المقصود أنه مدرك بالحواس، لا يكون منقولا عن غير محسوس بل مظنون، لو اجتمع مائة شخص فرأوا طائرا ظنوه هدهدا مثلا، يعني ظنوه وليس عندهم علم يقين أنه هدهد هل هذا يمكن أن يفيد العلم؟ لا يمكن أن يفيد العلم لا بد أن يكون بطريق محسوس، الإشاعات ولو كثر ناقلوها ما لم تستند إلى شيء محسوس فإنها لا تفيد العلم، عمر بن الخطاب لما دخل المدينة ودخل المسجد وجد الناس حول المنبر كلهم يقول أو يقولون النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه، ثم استأذن عمر على النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد اعتزل نساءه وآلى من نسائه شهرًا وجلس في المشربة، استأذن مرة ثم مرتين ثم ثلاث ثم أُذن له، وسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- هل طلقت نساءك قال «لا»، هذه الجموع التي في المسجد كلهم يقولون النبي -عليه الصلاة والسلام- طلق نساءه هل اعتمدوا على شيء محسوس؟ سمعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول ذلك؟ إنما اعتمدوا على إشاعات، والإشاعات كثرت في الأزمان المتأخرة، تجد الخبر يختلقه شخص أو وسيلة من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة أو المرئية، ثم ينتشر خلال وقت قصير في جميع أرجاء الدنيا، هل ممكن أن يفيد العلم مثل هذا الخبر الذي اعتمد على هذه الإشاعة؟ أو على هذا الخبر المختلق؟ ولو كثر ناقلوه كل من قرأ هذه الصحيفة ذكر هذا الخبر، لكن مثل هذا لا يفيد علم لأنه لم يستند في أصله إلى شيء محسوس، "وغيره آحاد" غير المتواتر آحاد، إذا لم تتوافر هذه الشروط يكون آحادا، طيب مفاد الخبر المتواتر العلم، هل نستدل على بلوغ العدد المطلوب في المتواتر بإفادته العلم، أو نستفيد العلم من بلوغه العدد المطلوب؟ لأن بعضهم يدخل في حده إفادة العلم، وإفادة العلم لا شك أنها نتيجة لتوافر هذه الشروط وإلا يلزم عليه أنه لا يكتمل العدد لا بإفادة العلم ولا يفيد العلم إلا إذا اكتمل العلم، نعم العدد يزداد شيئا فشيئا إلى أن تحصل الطمأنينة في القلب كنمو النبات، وتفصيل مثل هذه المسألة بالأمثلة يعوق عن المشي في الكتاب والمقرر أنه ينتهي في هذه الدروس الثلاثة، "وغيره آحاد" يعني غير المتواتر آحاد، "والآحاد إن كان بأكثر من اثنين فمشهور"، ثلاثة فما فوق هو المشهور، فالمشهور ما يرويه ثلاثة بحيث لا يقل في طبقة من طبقات إسناده عن ثلاثة، هذا هو المشهور، وبعضهم يسميه المستفيض "أو بهما" أي بالاثنين فقط، اثنين عن اثنين إلى آخر الإسناد ولو كان في أثناء إسناده زاد العدد عن الاثنين، المقصود أنه لا يقل عن اثنين ولا يزيد في جميع- الطبقات- طبقات السند عن اثنين يعني يوجد اثنين ولو في طبقة واحدة يسمى عزيزا، ويرى بعضهم أن المشهور ما فوق الثلاثة والعزيز مروي الاثنين أو الثلاثة، بعضهم يقول إن العزيز غير موجود، نعم إن كان مراده أنه في جميع الطبقات طبقات السند لا يزيد عن اثنين ولا ينقص محتمِل، وإن كان المقصود نفي العزيز بالحد الذي ذكره ابن حجر وغيره بحيث لو توفر هذا الشرط ولو في طبقة واحدة فهو موجود وله أمثلة، "أو بهما فعزيز" من العزة والقوة؛ لأن الطريق الأول تقوَّى وتعزَّز بالطريق الثاني، "أو بواحد" يعني يروى من طريق راوٍ واحد "فهو الغريب" ما يروى عن طريق واحد ولو في طبقة واحدة من طبقات السند، ولو زاد العدد في بقية الطبقات يسمونه غريبا، وهو غريب نسبي وغريب مطلق، غرابة مطلقة "ويكثر إطلاق الفرد عليه" الغريب المطلق ما كانت التفرد في أصل السند، والنسبي ما كان في أثنائه، يسمونه غريبا، "وهو" يعني الآحاد "مقبول وغيره المتواتر مقبول" بل يرى أهل العلم أنه ليس من مباحث علوم الحديث بل هو من مباحث أصول الفقه؛ ولذا تجدون عناية أهل الحديث بالمتواتر قليلة، وقل من يدرجه في أنواع علوم الحديث؛ لأنه يقبَل من غير نظر في أسانيده، وصناعة المحدِّث النظر في الأسانيد، المتواتر لا يحتاج إلى أن ينظر في إسناده فهو من اختصاص الأصوليين، وعلى كل حال أدرجه بعض أهل الحديث في مؤلفاتهم، أما الآحاد من المشهور والعزيز والغريب ففيه المقبول وغير المقبول، فيه المقبول مما يشمل الصحيح والحسن، وفيه المردود وهو الضعيف بأنواعه، "فالأول" وهو المقبول "إن نقله عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ صحيح" هذا المقبول، فالأول "إن نقله عدل" وهو من له ملكة صفة وهيئة ثابتة راسخة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة "تام الضبط" بأن يضبط ما سمع ويؤديه كما سمعه سواء كان ضبطه في صدره أو في كتابه، "متصل السند" يعني حال كونه متصل السند، فلا بد من عدالة الرواة وتمام ضبطهم واتصال سنده: بأن يكون كل واحد رواه عمَّن فوقه من الرواة بطريق معتبَر من طرق التحمل، وأداه إلى من دونه بطريق معتبَر من طرق الأداء، "متصل السند غير معلَّل ولا شاذ" يعني سالم من العلة وهي كما بينها أهل العلم أنها سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها، غير معلَّل يعني غير مشتمل على علة، وهل الأفصح معلل أو معل أو معلول ذكر ذلك الحافظ العراقي وأن معل أفضل، وأما معلول فاستعمال مرذول وإن وجد في كلام أهل العلم، المقصود أنه يقول غير معلل يعني غير مشتمل على علة، وهي سبب خفي غامض يقدح في صحة الخبر الذي ظاهره السلامة منه، ولا شاذ، إذا توافرت هذه الشروط: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء العلة، وانتفاء الشذوذ، هذا هو الصحيح ويضاف إليه في الصحيح لغيره وجود الجابر عند الاحتياج إليه؛ لأن الصحيح عندهم ينقسم إلى قسمين: صحيح لذاته ما توافرت هذه الشروط الخمسة، وإن خف الضبط ونزل إلى درجة الحسن مع بقية الشروط فإنه يكون حسنا، فإن تعددت طرقه فهو صحيح لغيره، "غير معلل" يعني بعلة قادحة؛ لأن بعضهم يشترط في العلة أن تكون قادحة، وهل يمكن أن يسمى غير القادح علة؟ لأنهم عندهم ما يمنع من العمل علة ولو لم تكن قادحة، ما يمنع من العمل بالحديث علة ولو كانت غير قادحة في الأصل، الحديث صحيح توافرت فيه الشروط سابقة لكن وجد ما يمنع من العمل به هذه علة لكنها ليست بقادحة، فالخبر يكون صحيحا لكن لا يعمل به إما لمعارض راجح، أو معارض متأخر عنه، أو ما أشبه ذلك؛ ولذلك ذكروا هذا القيد بأن تكون العلة قادحة، "ولا شاذ" وهو ما كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، ثقة يروي بالشروط المتقدمة لكن روايته متضمنة لمخالفة رواية من هو أوثق منه، فرواية الأوثق محفوظة ورواية من دونه شاذة، يحكم عليها بالشذوذ لوجود المخالفة، فإن كان المخالِف للأوثق ضعيفا قال أهل العلم إنه منكر ويقابله رواية الأوثق والأحفظ والأكثر يقال لها معروفة، الذي يقابل الشاذ المحفوظ، والذي يقابل المنكر المعروف، "صحيح" هذا حد الصحيح وحد الصحيح لذاته، فإن خف الضبط يقول "ويتفاوت" يعني الصحيح يتفاوت، توجد هذه الشروط لكن هل نقول إنه إذا وجد إسناد توافرت فيه هذه الشروط ووجد إسناد آخر توافرت هذه الشروط هل نقول أن هذا الإسناد مطابق للإسناد الأول مائة بالمائة؟ لا يمكن أن يقال توافرت الشروط في مالك عن نافع عن ابن عمر، وتوافرت الشروط أيضا في الزهري عن سالم عن ابن عمر هل نقول إن الزهري مثل مالك من كل وجه؟ أو نافع مثل سالم من كل وجه؟ لا، فعموما الرواة يحصل بينهم من التفاوت بل البشر كلهم لا يمكن أن تجد شخصا مطابقا لآخر من كل وجه؛ ولذا قال: "ويتفاوت" وقد يكون هذا الراوي المرجَّح في حال مرجوح في حال أخرى؛ ولذا تفاوت ما توافرت فيه هذه الشروط الخمسة، وجعلوا في أعلى درجات الصحيح المتفق عليه، ثم ما رواه البخاري، ثم ما خرجه مسلم، ثم ما كان على شرطهما، ثم ما كان على شرط البخاري، ثم ما كان على شرط مسلم، ثم ما كان صحيحا على شرط غيرهما، "ويتفاوت فإن خف الضبط فحسن" معروف أن الضبط يتفاوت كما أن العدالة تتفاوت، فإذا خف الضبط عن القدر المشترَط لصحة الخبر فإنه يكون حسنا، والحسن ما رواه أو ما نقله عدل خف ضبطه متصل السند غير معل ولا شاذ، فالشروط متطابقة إلا في الضبط هذا يسمونه حسنا، والحسن اصطلاح عند أهل العلم معروف أطلق على أحاديث وتفاوتت عبارات أهل العلم في حده.

والحسن المعروف مخرجا وقد

 

 

 

اشتهرت رجاله بذاك حد

 

حمد....................

 

 

............................

 

الخطابي.

.......وقال الترمذي ما سلم

 

 

 

من الشذوذ مع راو ما اتهم

 

بكذب ولم يكن فردا ورد

 

 

قلتُ وقد حسن بعض ما انفرد

 

المقصود أن الحسن اختلف فيه اختلافا كبيرا حتى صعب تمييزه، وقال الذهبي إنه لا مطمع في تمييزه لماذا؟ لأنه يقع في مرتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف، وهذا التوسط حقيقة مشكِل، حتى إن من أهل العلم من يرتفع عنده هذا الخبر قليلا فيلحقه بالصحيح، ووُجِد من لا يفرق بين الصحيح والحسن من أهل العلم، ومنهم من قد يستروح إلى نزوله عن رتبة التوسط فيلحقه بالضعيف، ونظرا لهذا التذبذب الواقع بين القسمين جعل بعضهم أهل العلم يقول أنه لا مطمع في تمييزه، وعلى كل حال المسألة مسألة معرفة وخبرة ودربة من أهل العلم المختصين بهذا الفن، الذين أداموا النظر في قواعد أهل العلم واصطلاحاتهم وأكثروا التطبيق عليها ونظروا في مواقع استعمال الأئمة للألفاظ، فمثل هذا تتولَّد الملَكة التي يستطيع بها المحدِّث على الحكم على الخبر بأنه ارتفع إلى درجة الصحيح أو نزل قليلا عنها ولم يصل إلى حد الضعيف، أو نزل عنها إلى حد الضعيف، فالمسألة تحتاج إلى مران، تحتاج إلى خبرة طويلة في العلم، أما مبتدئ يأتي إلى الأحاديث، أحاديث حكم عليها أهل العلم بالصحة أو بالضعف، ثم يريد أن يتوسط وليست لديه هذه الخبرة، ويقول: إنها من قبيل الحسن، نقول: مثل هذا لا يقول به آحاد طلبة العلم إنما هو متروك لمن صارت لديه الأهلية التامة، بحيث يحكم على هذه الأخبار بالقرائن، هل ترتفع وقد يحكم على خبر بسند أنه وصل إلى الصحيح وأن هؤلاء الرواة ضبطوا هذا المتن وإن حكم على متن آخر بنفس السند أنه لم يصل إلى درجة الصحيح، وقل مثل هذا في الراوي المفرد، إذا نظرت إلى راوي بمفرده قد يحكم عليه بأنه ثقة في موضع، وقد يحكم عليه في موضع آخر أنه لا يصل إلى درجة الثقة، وقد يهِم في موضع وقد يضبط في موضع، فالأنظار لا بد أن تتعدد بتعدد الأحوال، بعض طلاب العلم يرى في أحكام ابن حجر في التقريب وفي فتح الباري وفي التلخيص شيء من الاختلاف على الراوي الواحد، ويقول إن ابن حجر اضطرب، فعبيد الله بن الأخنس قال عنه في فتح الباري ثقة وشذ ابن حبان فقال يخطئ، وفي التقريب قال صدوق قال ابن حبان يخطئ كيف؟ هذا اختلاف في الحكم واضطراب أو لا؟ ابن حجر لما حكم عليه في فتح الباري نظر في الحديث المخرَّج في صحيح البخاري، فحكم عليه من خلال هذا الحديث، وإلا لو حكم عليه في فتح الباري بأنه صدوق قال ابن حبان يخطئ هذا لا شك أن فيه تطرق الخلل للصحيح وقد ضبط هذا الخبر فهو ثقة في هذا الخبر، لكن إذا نظرنا إلى مجموع مروياته وهو اللائق باصطلاحه في التقريب لأنه ينظر إليه في العموم في الجملة، لا ينظر إليه من خلال متن واحد أو حديث واحد، لكن لو نظرنا إلى مالك في جملته قلنا نجم السنن بلا منازع، لكن إذا نظرنا إلى بعض المتون التي أخطأ فيها كيف تحكم على مالك؟ يبقى الإمام مالك ثقة لكن في هذا الموضع أخطأ، ومن يعرى من الخطأ والنسيان؟ ونمثل بمالك لأنه كما قال أهل العلم نجم السنن، وإلا المحدثون كلهم بهذه المثابة ما من شخص إلا ويحفظ له خطأ ومن يعرى كما قال الإمام أحمد عن الخطأ والنسيان لا يسلم أحد، فتُضبط الأخطاء للراوي الواحد كما فعل ابن عدي في الكامل ويبقى ما عدا ذلك على الأصل، العكس إذا كان ضبطه لأحاديث معينة وهو في جملته عنده أخطاء تنزله عن مرتبة الثقة إلى الصدوق، مثل هذه الملاحظ وهذه الأنظار لا بد من مراعاتها؛ لأنه يقع الخلل في الأحكام من بعض طلاب العلم الذين يأخذون القواعد النظرية ويطبقونها من غير معرفة لطرائق المتقدمين وأحكامهم، فإذا عرض حكمه على أحكام المتقدمين وجد هناك تباينا، فالمرد في هذا إلى أئمة هذا الشأن، وطالب العلم أثناء التطبيق عليه أن يعرض نتائج أحكامه على أهل الاختصاص، ويقارن بين هذه النتائج وبين ما قاله أهل العلم في الأحاديث، فإن خرجت مطابقة حمد الله على ذلك، وإلا رجع إلى عمله ونظر في مكمن الخلل عنده، "فإن خف الضبط فحسن وزيادة راويهما مقبولة" زيادة راوي الحديث الصحيح الذي هو الثقة تام الضبط العدل تام الضبط؛ لأن الثقة من جمع بين الوصفين: العدالة وتمام الضبط، وراوي الحسن الذي خف ضبطه زيادة راوي الصحيح من تم ضبطه وزيادة راوي الحسن من خف ضبطه مقبولة، وبعضهم ينقل الاتفاق على قبول زيادة الثقة، وإذا نظرنا في أحكام العلماء المتقدمين لا نجدهم يحكمون في مثل هذا الموضع، ولا في تعارض الوصل والإرسال، ولا الوقف والرفع، لا تجدهم يحكمون بأحكام مطردة، بينما الذي درج عليه المتأخرون قالوا زيادة الثقة مقبولة، وإذا تعارض الوصل والإرسال فالحكم لمن وصل؛ لأن معه زيادة علم، وإذا تعارض الرفع مع الوقف كذلك، وإذا نظرنا إلى أحكام الأئمة الإمام أحمد، وابن المديني، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو زرعة، تجده يحكم بالإرسال أحيانا وأحيانا يحكم بالوقف، وأحيانا يحكم بالرفع وأحيانا يحكم بالوصل تبعا لما ترجحه القرائن، فمثلا الإمام البخاري- رحمه الله- حكم على حديث ابن عمر في رفع اليدين بعد الركعتين بأنه موصول، وخرجه في صحيحه، الإمام أحمد قال موقوف، هل قال الإمام أحمد الزيادة مقبولة؟ ما قال هكذا؛ ولذلك حكم عليه بالوقف، الإمام البخاري حكم على الحديث بأنه مرفوع وقَبَل هذه الزيادة؛ لأنه قال القرائن دلت على قبولها، والإمام أحمد القرائن دلت عنده على عدم قبولها، البخاري حكم على حديث: "لا نكاح إلى بولي" بأنه موصول مع أن من أرسله كما قال الحافظ العراقي كالجبل شعبة وسفيان أرسلوه وحكم على أحاديث بالإرسال فيما نقله عنه الإمام الترمذي وغيره، المقصود أنه ليست هناك قاعدة مطردة لا لزيادة الثقة ولا لترجيح الوصل على الإرسال أو العكس، ومثله الرفع والوقف، مع أن الخلاف موجود بين أهل العلم، منهم من يقبل مطلقا، ومنهم من يرد مطلقا، ومنهم من يحكم للأحفظ، ومنهم يحكم للأكثر، لكن طريقة أهل العلم الأئمة يحكمون على مثل هذه المسائل بما ترجحه القرائن، "وزيادة راويهما مقبولة" الزيادة هذه لا تخلو إما أن تكون موافِقة أو تكون مخالفة، أو تكون لا موافقة ولا مخالفة، أو قد تكون موافقة من وجه ومخالفة من وجه، فإن كانت موافقة لا إشكال في قبولها، وإن كانت مخالفة نظرنا في الراجح والمرجوح كما في الشاذ والمحفوظ الذي تقدمت الإشارة إليه، وإن كانت لا موافقة ولا مخالفة فإن كان راويها ممن يحتمل تفرده قُبِلَت، وإن كان ممن لا يحتمل تفرده ردت، وإن كانت موافقة من وجه ومخالفة من وجه هذه تحتاج إلى دقة نظر، ففي حديث الخصائص «جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا» وفي رواية مسلم «وجعلت تربتها لنا طهورا» فالتربة فيها موافقة للأرض وفيها مخالفة، فيها موافقة لأنها جزء من الأرض تراب جزء أو فرد من أفرادها، وفيها نوع مخالفة لاسيما عند من يقول أن التربة وصف وليست بفرد؛ ولذا يختلف أهل العلم في التيمم بغير التراب، الشافعية والحنابلة يقولون أنه لا يتيمم بغير التراب، وغيرهم يقولون يتيمم بغير التراب؛ لأن هذه الزيادة «تربتها» إن قلنا إنها من باب العموم والخصوص قلنا ليس فيها مخالفة، وإن قلنا إنها من باب التقييد والإطلاق قلنا فيها مخالفة، فمثل هذه الموضوعات تحتاج من طالب العلم إلى شيء من دقة النظر والتأني في دراسة المسائل، وهذا الحديث بخصوصه تجدون كلام الشراح فيه شيء من الخلط أو بعض الشراح، فتجده في أول الكلام يقول: يحمل الخاص على العام، وبعضه يحمل المطلق على المقيد، وبعضهم يقول: لا يحمل العام على الخاص؛ لأن ذكر الخاص بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، تجدون خلطا في مثل هذه المسائل وسببه عدم الجزم بأن التربة فرد أو وصف، "فإن خولف بأرجح فشاذ" يعني إذا وجدت المخالفة فالأرجح هو المحفوظ والمرجوح هو الشاذ على ما تقدم الإشارة إليه، "وإن سلم من المعارضة فمحكم" تجد حديثين يدل أحدهما على حكم، ويدل الثاني على خلافه فتوجد هذه المعارضة، والمعارضة إنما هي في الظاهر إذ لا توجد معارضة حقيقية بين حديثين صحيحين صادرين من مشكاة واحدة، كما أنه لا توجد معارَضة بين نص صحيح وعقل صريح، هذا النوع من أنواع علوم الحديث تميز فيه جمع من أهل العلم منهم إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة حيث يقول: لا يوجد حديثان متعارضان فمن وجد شيئا من ذلك فليأتني لأوفق بينهما، وتجد بعض العلماء يقرر التعارض وينفي آخر هذا التعارض؛ لأن الله فتح عليه بما يرفع هذا التعارض، والتعارض إنما هو كما قلنا في الظاهر، ابن خزيمة إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول هذا الكلام ووفِّق في كثير من الأحاديث التي جمع بينها ووفق بينها، وتراجم كتابه الصحيح موجود فيها شيء من هذا النوع، لكن حكم على حديث بالوضع وهو مقبول عند أهل العلم؛ لأنه عارضه حديث صحيح، جاء الوعيد على من أم قوما وخص نفسه بدعوة دونهم قال هذا الخبر موضوع؛ لأنه مخالف للحديث الصحيح في دعاء الاستفتاح اللهم باعد بيني وبين خطاياي يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو يصلي بالناس ويؤمن الناس، خفي عليه الجمع بين هذين الخبرين، وجمع بينهما أهل العلم وأثبتوا الثاني كما أثبتوا الأول، قالوا الوعيد على من يخص نفسه دون المأمومين في الدعاء الذي يُؤمَّنُ عليه، أما الدعاء الذي لا يؤمن عليه فلا مانع من أن يخص نفسه دونهم، أو الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم، أما الدعاء الذي يشترك فيه الإمام والمأموم، الآن في الصلاة كل المصلين بين السجدتين يقولون رب اغفر لي، يشتركون فيه مثل هذا لو أفرده فليس فيه إشكال، وكلهم يستفتحون لكن الجمع الأول أظهر في حمله على الدعاء الذي يؤمَّن عليه، يعني إذا تصورنا إماما يقول في دعاء القنوت: "اللهم اهدني فيمن هديت" وخلفه جموع المصلين يقولون آمين، هل هذا مناسب؟! لا، غير مناسب لكن إذا دعا في سجوده وخص نفسه، كل المأمومين يدعون لأنفسهم فلا إشكال في أن يفرد نفسه بالدعاء، ابن خزيمة-رحمة الله عليه-حكم على الحديث الثاني بالوضع لأنه مخالف للحديث المتفق عليه والجمع ظاهر، "فإن خولف بأرجح فشاذ وإن سلم من المعارضة فمحكم وإلا" يعني وإن لا يمكن الجمع، حاول وجهد أهل العلم في أن يوجدوا طريقا للتوفيق بين الحديثين فعجزوا واستغلقت السبل والطرق للتوفيق بين النصين "وإن سلم من المعارضة فمحكم وإن لا يسلم من المعارَضة" إن سلم من المعارَضة وليس فيه معارض هذا محكم، "وإن لا يسلم من المعارضة وأمكن الجمع فمختلف الحديث" إذا أمكن الجمع فمختلف الحديث، وصنَّف فيه الإمام الشافعي على خلاف بين أهل العلم هل هو مصنَّف مستقل اختلاف الحديث، أو بابٌ من أبواب الأم ولا يضير ذلك، أيضا ألف فيه ابن قتيبة مختلف الحديث، وفيه مصنفات، "فمختلِف الحديث وإلا يمكن الجمع وعُرِف الآخر" يعني عرف المتقدم من المتأخر "فناسخ ومنسوخ" فالمتقدم منسوخ والمتأخر ناسخ، فالناسخ هو المتأخر، والنسخ رفع الحكم الشرعي الثابت بخطاب شرعي بحكم آخر بخطاب شرعي متراخٍ عنه، وسيأتي ذكره في أصول الفقه- إن شاء الله تعالى- "وعرف الآخر فناسخ ومنسوخ ثم يرجَّح أو يوقف" يعني إن لم يعرف المتقدم من المتأخر ولم يمكن الجمع يرجح بينهما، ووجوه الترجيح بين النصوص ذكر الحازمي منها في مقدمة الاعتبار خمسين وجها، وأوصلها الحافظ العراقي إلى مائة وجه، وحصرها السيوطي في التدريب في ثمانية أوجه كلية يندرج تحتها بقية الأوجه، "ثم يرجح أو يوقف" عجزنا عن الترجيح، ما استطعنا الجمع ولا عرفنا المتقدم ولا المتأخر ولا استطعنا الترجيح بوجه من وجوه الترجيح نتوقف؛ لأن الترجيح بغير مرجِّح اعتداء على النصوص وافتيات، هذا فيما يتعلق بالشرع، وبعضهم يطرد ذلك حتى في الأمور العادية، يقول لا يوجد أحد يفعل شيئا إلا وقد رجحه، إلا وقد رجح عنده، شيخ الإسلام يمثِّل لهذا بالبداءة بأحد الرغيفين وسلوك أحد الطريقين، لكن أحيانا بالنسبة للطريقين أنت لا تدري أيهما أقرب أنت تريد أن تصل إلى غاية تذهب مع الطريق الأيمن والا الأيسر، وأنت ما تدري أيهما أقرب وأسلم عاقبة وأيسر، هل تقول أرجح باليمين؟ أو كيفما اتفق، هل نقول أن هذا ترجيح بغير مرجِّح؟ لو سلكت الشمال مثلا الطريق الأيسر على يدك اليسار الشمال هل نقول بدون مرجِّح، الإنسان  إذا دخل بلدة لا يعرفها وأراد أن يخرج منها ووقف الطريق انسد يا إما أن يذهب يمينا أو يسارا، البداءة بأحد الرغيفين تريد أن تأكل أمامك رغيفين متماثلين من كل وجه، هل يلزم في مثل هذا أن تبحث عن مرجِّح، أو إذا اخترت أحدهما فإنما اخترته لوجود مرجِّح؟ ما يلزم لاسيما في ما تنتجه المصانع المتطابقة من كل وجه، في السابق يمكن الأعمال اليدوية تجد أن هذا أفضل من هذا، يبدأ به لاحتمال أنك تشبع قبل أن تحتاج إلى الثاني فترجِّح، لكن الآن المصانع ما تحتاج إلى ترجيح، دخلت وكالة سيارات ووجدت سيارتين من نوعية واحدة، وموديل واحد، ولون واحد، تحتاج إلى ترجيح بين الاثنتين؟ يعني ما تنتجه المصانع مثل هذه ما تحتاج إلى ترجيح، "ثم يرجَّح أو يوقف" ما عندك لا جمع ولا عرفت المتقدم ولا المتأخر ولا عندك أي مرجح لهذا على هذا دورك التوقف حتى تجد مرجحا، بعضهم يميل في مثل هذا إلى الاستحسان، وهو مما اختلف فيه أهل العلم فمنهم من يرى العمل أفضل من التوقف، ومنهم من يقول من استحسن فقد شرَّع، "والفرد" الذي تقدَّم من أنواع أو من أقسام الآحاد الفرد الذي هو الغريب وأكثر ما يطلق الفرد على المطلق والغريب على النسبي "إن وافقه غيره فهو المتابِع" كيف يكون فردا ويوافقه غيره؟ يعني هو في الأصل فرد يروى من طريق واحد، تحكم عليه باعتبار الأصل بأنه فرد، ثم بعد البحث والاعتبار والنظر في الطرق وجدت ما يوافقه هل يستمر وصفه في كونه فردا؟ أو هو فرد باعتبار ما كان قبل وجود الموافِق؟ "والفرد إن وافقه غيره فهو المتابِع أو متن يشبهه فالشاهد" فهو مشى على النظر في ألفاظ المتن، فإن كان بلفظه فهو المتابِع، وإن كان بمعناه فهو الشاهد، وهذا اصطلاح عند أهل العلم، والقول الثاني- وهو اصطلاح المتأخرين ومشوا عليه- المتابِع ما كان عن صحابي الطريق الأول، والشاهد ما كان عن طريق صحابي آخر، "وتتبع الطرق له اعتبار"، فالاعتبار هو النظر والسبر والبحث عن طرق الحديث الذي يُظَن أنه فرد، فإذا بحثت في طرق الخبر في الدواوين ووجدت ما يروى في معناه أو في لفظه عن صحابيه أو عن غيره هذا البحث وهذا السبر يسمونه اعتبارا، "وليس قسيما للمتابع والشاهد" كما يفهم من تراجم أهل العلم في كتب المصطلح، الاعتبار المتابِع والشاهد، الاعتبار والشاهد والمتابِع جعل الألفاظ الثلاثة في ترجمة يفهم منه أن الاعتبار قسيم للمتابعات والشواهد لكنه ليس بقسيم، هما قسمان المتابعات والشواهد والاعتبار السبر والبحث.

الاعتبار سبرك الحديث هل

 

 

 

شارك راوٍ أو راويه فيما نقل

 

إلى آخر ما قال الحافظ العراقي- رحمه الله- "وتتبع الطرق له اعتبار والمردود" انتهينا من المقبول بقسميه الصحيح والحسن، "والمردود" المقبول المتواتر مفروغ منه تثبت به جميع أبواب الدين، والمقبول الشامل للصحيح والحسن أيضا مقبول في جميع أبواب الدين في العقائد والأحكام وغيرها من أبواب الدين باتفاق جميع من يعتد بقوله، وإن نازع بعضهم في الحسن لغيره في عدم قبوله في الأحكام، وبعضهم ينازع في الحسن مطلقا، وعلى كل حال قول عامة أهل العلم أن الصحيح والحسن يحتج به في جميع أبواب الدين، في الأحكام، في الفضائل، في التفسير، في المغازي، في السير في غيرها، في العقائد، وهي أهم من ذلك كله حتى بعضهم لا يرى قبول الصحيح من الآحاد، ما يرى الآحاد لا صحيح ولا ضعيف في العقائد، لكن هذا قول مردود مرذول تُوُصِّل من خلاله إلى رد كثير من المسائل العقدية بهذه الشبهة، القسيم للمقبول المردود، وسبب الرد بمعنى أنه لا يقبل مطلقا وإن كان من المردود مما يشمله اسم الضعيف ما يقبله الجمهور في الفضائل والمغازي والسير والتفسير يقبلونه في هذه الأبواب ويتساهلون بالشروط المعروفة: ألا يكون ضعفه شديدا، وأن يندرج تحت أصل عام، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط، والمرجَّح أنه مادام غلب على الظن عدم ثبوته وصحة نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يرد مطلقا، "والمردود إما لسقط أو لطعن" فمسالك الضعف إلى الخبر السقط في الإسناد أو الطعن في الراوي؛ لأن شروط القبول منها ما يرجع إلى الراوي، ومنها ما يرجع إلى عدالة الراوي وضبطه، ومنها ما يرجع إلى اتصال السند، فإذا اختل شرط من الشروط الخمسة تسبب هذا الخلل في رد الخبر، "والمردود إما لسقط وإما لطعن فإن كان السقط من أول السند فمعلَّق" من جهة المصنف يسقط المصنف شيخه ويروي الخبر عمن فوقه بشيخه شيخه أو يسقط اثنين، أو يسقط ثلاثة، ويقتصر على اثنين أو ثلاثة، أو يسقط أكثر من ذلك ويقتصر على الصحابي، أو حتى يسقط الصحابي ويرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كل هذا يسمى المعلَّق، فالمعلق ما سقط من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر ولو إلى آخره، الإسناد يسمى معلَّقا، فإن كان من أول السند فمعلق، المعلق يقول أهل العلم ابن الصلاح وغيره يقول: مأخوذ إما من تعليق الجدار وإما من تعليق الطلاق، تعليق الجدار وتعليق الطلاق، الجدار يعلَّق أو يعلق عليه؟ يعلق عليه لا يعلق الجدار، لا يعرفون جسورا معلَّقة أو شيء ما كانوا يعرفونها، إنما يعلقون عليها، والطلاق إذا عُلِّق ما ينطبق عليه أدنى موافقة ولا مشابهة للخبر المعلَّق، ولعله من تعليق المرأة التي ليست بذات زوج ولا مطلَّقة، تعليق المرأة كأنها عُلِّقت على شيء لا تستطيع الاستقرار عليه ولا تصل إلى الأرض فتستقر عليها {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [سورة النساء:129] "فمعلَّق أو بعد التابعي فمرسل" من الذي بعد التابعي؟ الصحابي، إذا سقط من بعد التابعي وهو الصحابي مرسل، وهذا هو اصطلاح المتأخرين، وهو أيضًا وُجِد في إطلاقات كثير من المتقدمين وإن كان أكثرهم يطلق المرسَل على ما لم يتصل إسناده، ويكون السقط من أي موضع؛ ولذا يقولون في إحكامهم وصله فلان وأرسله فلان وهنا جرى على اصطلاح المتأخرين.

مرفوع تابع على المشهور

 

 

 

ومرسل أو قيده بالكبير

 

 

 "أو بعد غيره" بعد غير التابعي يعني في أثناء السند لا في أوله ولا في آخره بفوق واحد باثنين فأكثر ولاء يعني مع التوالي "فمعضل" فالمعضل ما سقط من أثناء إسناده أكثر من راوي مع التوالي "وإلا منقطع" يعني إذا استبعدنا المعلَّق والمرسل والمعضل يعني ما سقط من أثنائه واحد أو أكثر من واحد في أكثر من موضع بحيث لا يكون مع التوالي هذا يسمونه منقطعا، والانقطاع يشمل جميع الأنواع السابقة، لكنهم خصوا كل نوع من أنواع السقط باسم خاص، هذا السقط الذي تقدم ذكره هو السقط الظاهر، وهناك سقط خفي بحيث لا يدركه آحاد المتعلمين، السقط السابق يدركه المتعلمون، بأن يرجعوا إلى كتب الرجال ويجدوا الإسناد فيه خلل، بمعنى أن هذا الراوي مع الراوي الذي قبله واضح أن فيه سقطا فليس من شيوخه، وإذا نظروا إلى المواليد والوفيات وجدوا فرقا، بين هذا وذاك، إذا وجدوا الراوي الأعلى توفي سنة مائة والراوي الذي دونه الذي ينسب إليه الرواية ممن دونه ولد سنة مائة وعشرة مثلا هذا سقط ظاهر وكل يعرفه، كل يعرف مثل هذا السقط، لكن الإشكال في السقط الخفي الذي يشمل المدلَّس والمرسل الخفي قال "فإن خفي فمدلَّس"، إن خفي السقط فمدلَّس لا يدركه كثير من المتعلمين، المدلَّس يتبين ويتميز بذكر صور وأحوال الراوي عمن يروي عنه، فالراوي إذا روى عمَّن لم يدركه أو روى عمن أدركه ولم يلقه، أو روى عمن لقيه ولم يسمع منه، أو روى عمن سمع منه ما لم يسمعه منه فالصور أربع، إذا روى الراوي عمن لم يدركه هل يسمى مدلَّسا؟ بصيغة موهِمة قال عن فلان ونظرنا إلى التواريخ وإذا بينهم مفازة هذا لا يسمى مدلَّس عند عامة أهل العلم وإن ذكر ابن عبد البر عن بعضهم أنه أدرجه في المدلَّس لإيهام الصيغة التي هي العنعنة، لكن عامة أهل العلم أنه لا يدخل في المدلس لأنه سقط ظاهر، إذا روى الراوي عمن أدركه من حيث السن هذا ولد سنة ثمانين وذاك ولد سنة مائة السن يحتمل لكن لم يلقه هذا في الأندلس وهذا في المشرق وليس هناك احتمال أنه لقيه هذا أيضًا ليس من المدلَّس وإنما هو من الإرسال الخفي، وإن خلط بعضهم بين النوعين في مثل هذا، وأما من روى عمن لقيه لكن لم يسمع منه هذا أيضًا مدلَّس، روى عمن لقيه ولم يسمع منه، أو روى عمن سمع منه أحاديث لكن لم يسمع منه هذا الحديث بعينه هذا تدليس، وليس كل واحد من المتعلمين أو حتى من أهل العلم يدرك مثل هذا؛ لأنه إذا بحث وجد أنه سمع منه أحاديث، وفي كتب الرجال يقول سمع من فلان وفلان وفلان فالطالب ما عليه إلا أن يثبت أنه سمع منه، لكن إذا نص أهل العلم على أنه لم يسمع منه هذا الحديث ثم روى عنه بصيغة موهِمة سمي تدليسا وهذا بالاتفاق وقسيمه المرسَل الخفي.