هدي النبي في رمضان (04)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الإخوة المستمعون الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذا اللقاء الجديد في هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان هذا البرنامج الذي نستضيف فيه فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله والذي نرحب به في مطلع هذه الحلقة حياكم الله يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
أيها الإخوة الكرام كنا تحدثنا في الحلقة الماضية عن الحكم من فرضية هذا الصوم وإيجابه في رمضان وقد تحدث الشيخ في جملة من هذه الحكم العظيمة التي دلت على عِظم هذا الصوم وأثره على النفوس وأنه طريق للتقوى يا شيخ عبد الكريم مع هذه الحكم العظيمة التي تجلت من وراء فرض الصوم على العباد في رمضان أقول وراء هذه الحكم يا شيخ لماذا تأخر فرض الصوم حتى السنة الثامنة؟
الثانية الثانية.
السنة الثانية من الهجرة..
أقول فضيلة الشيخ لماذا تأخرت فرضية الصوم حتى السنة الثانية من الهجرة مع هذه الحكم العظيمة؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:
أشار ابن القيم -رحمه الله تعالى- إلى أمر مهم جدًا صار بحيث صار سببًا لتأخير شرعية الصيام لئلا يقول قائل إذا كانت فوائد الصوم ما ذكر وغير ما ذكر من فوائد دينية ودنيوية فلماذا تأخر فرضه على الأمة؟ يقول -رحمه الله تعالى-: ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدريج، نظير ذلك التدرج في تحريم الخمر لما كان الخمر له شأن عظيم عند العرب بحيث يصعب عليهم تركه مباشرة، تدرج في تحريمه فنزل قول الله -جلَّ وعلا-: {۞ يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَا } البقرة: ٢١٩ ثم نزل قوله -جلَّ وعلا-: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } النساء: ٤٣ ثم بعد ذلكم نزل البت في تحريمه في قوله -جلَّ وعلا-: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٩٠ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ فِي ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِ وَيَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ ٩١ } المائدة: ٩٠ - ٩١ لما نزلت هذه الآيات التي بُت فيها في تحريم الخمر أجاب الصحابة عن هذا الاستفهام الطلبي { ۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ ٩١ } المائدة: ٩١ الذي معناه انتهوا قالوا: انتهينا انتهينا، كما عرف عنهم في المواطن كلها من سرعة الاستجابة والمبادرة إلى امتثال الأوامر -رضوان الله عليهم- من ذلك ما يذكره أهل العلم من حكمة النسخ في النصوص الشرعية قالوا من حكم النسخ التدرج بالتشريع مراعاة لحال المكلفين وكان فرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة فصام النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة رمضانات فشرع على ثلاث رتب الأولى إيجابه بوصف التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينًا إيجابه بوصف التخيير يعني المكلف مخير بين أن يصوم هذا في بادئ الأمر وبين أن يطعم عن كل يوم مسكين، المرتبة الثانية تحتمه تحتم الصيام وأنه لا اختيار بين الصيام والإطعام لكن الصائم إذا نام قبل أن أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة من ذلك قصة قيس بن صِرمة الأنصاري المخرجة في صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال كان أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا كان الرجل صائمًا فحضر الطعام فنام قبل أن يطعم لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب ذلك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي -عليه الصلاة والسلام- فنزلت هذه الآية { أُحِلَّ لَكُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمۡ } البقرة: ١٨٧ ففرحوا بها فرحًا شديدًا ونزلت { وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ } البقرة: ١٨٧ هذا الحديث مخرج في الصحيح وهذا يبين ديدن أصحاب محمد -عليه الصلاة والسلام- وسلف هذه الأمة من الجد في الحياة كان يومه يعمل بخلاف ما نلاحظه ونشاهده من حال المسلمين اليوم من سهر بالليل ونوم بالنهار والله المستعان، ثم نسخ ذلك في المرتبة الثالثة وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة وهي تحتم الصيام بالنسبة لمن يطيقه، تحتم الصيام بالنسبة لمن يطيقه وجعلوا الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصيام فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينًا ورخص للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا، وللحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، فإن فطرهما يكون لخوف مرض لم يكن لخوف مرض وإنما كان مع الصحة فجبر بإطعامهم مسكين كفطر الصحيح في أول الإسلام.
فضيلة الشيخ هذا التسليم الذي كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أليس جديرًا بأن يعنى المربون من المعلمين والآباء على تنشئة أبنائهم على مثل هذا التسليم لله ولرسوله إذا جاءهم الحديث إذا جاءهم الآية من كتاب الله -عزَّ وجل-.
لا شك أن وصف الصحابة كما قال أبو هريرة في الصحيح وكانوا أسرع الناس إلى الخير كانوا أكثر الناس مبادرة إلى فعل الخيرات امتثال الأوامر واجتناب المحرمات، وذلكم لأنهم أفضل الأمة فإذا لم يكن هذا وصف أفضل الأمة فلمن يكون مثل هذا الوصف لكن على المسلم وإن تأخر زمانه أن يقتدي بأولئك امتثالاً لأمر الله عز وجل وانتهاء عما نهى عنه ورسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا خير إلا دل الأمة عليه فكل أمر يطلب من قبل الشارع فهو خير محض وكل شيء يطلب تركه من الشرع فلا شك أنه ضرر محض أو ضرر راجح وإن كان فيه مصلحة يسيرة تكون مغمورة في مقابل الضرر فعلى المسلم أن يمتثل أوامر الله وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام- ويجتنب النواهي ولا يختار ويقول ينظر يفكر أو يخضع لضغوط اجتماعية أو أسرية أو ما أشبه ذلك لا { وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡ } الأحزاب: ٣٦.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، أيضًا مما أورده ابن القيم -رحمة الله تعالى- عليه في هذا الكتاب بل في هذا الفصل من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان أنه قال كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل -عليه الصلاة والسلام- يدارسه القرآن في رمضان ثم ذكر حديثا من أنواع هذه العبادات فضيلة الشيخ لو تعرضتم لهذا التنوع العظيم الذي يُحض عليه المؤمن خلال هذا الشهر الكريم وما هي أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في فصل كان من هديه -عليه الصلاة والسلام- في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات استغلالاً لهذا الشهر الكريم والعبادات في الشريعة جاءت متنوعة تكثيرًا لأبواب الخير وتحصيلاً للأجور وتيسيرًا على الأمة، فمن الناس من تفتح له أبواب الخير البدنية من اليسير عليه أن يصلي عشرات بل مئات الركعات وأن يصوم الهواجر وأن يقوم الليالي، لكن من الصعب عليه أو من الشاق على نفسه أن يبذل من ماله وبعض الناس تفتح له أبواب الخير المالية تجد يده رطبة بالإنفاق سحّاء ينفق في الليل والنهار، لكنه لكن العبادات البدنية من أشق الأمور على نفسه ومنهم من يسر له النفع المتعدي منهم من يسر له النفع المتعدي، ومنهم من لا يستطيع ذلك والنبي -عليه الصلاة والسلام- ضرب في هذه الأبواب كلها أروع الأمثلة في سائر الأزمان فكان -عليه الصلاة والسلام- أشجع الناس وكان أكرم الناس وأخشى الناس وأتقاهم قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه مع أنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وكان جوده يتضاعف وعمله يزداد في رمضان وكان جبريل -عليه السلام- يدارسه القرآن في رمضان وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة وكان مع جوده المستمر في سائر الأوقات أجود ما يكون في رمضان أجود ما يكون في رمضان لكنه في سائر الأوقات هو أجود الناس وأشجع الناس وأعلم الناس وأتقى الناس وأخشاهم لله عز وجل، لكنه يتضاعف هذا الجود مع أنه أن جوده في سائر الأوقات فائقًا على جود الناس كلهم يتضاعف هذا الجود في رمضان إذا لقيه جبريل فكان -عليه الصلاة والسلام- أجود بالخير من الريح المرسلة فكان يكثر من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والذكر والدعاء والصلاة والاعتكاف وغيرها.
لعلنا فضيلة الشيخ أن نكمل يعني الحديث عن هذا التنوع في العبادات الذي كان عليه -صلى الله عليه وسلم- في رمضان في الحلقة المقبلة؛ لأن وقت البرنامج الحقيقة أزف على الانتهاء وأتقدم لكم بالشكر الجزيل فضيلة الشيخ على هذا العرض، وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا وأن يثيبكم فضيلة الشيخ عنا أجزل الثواب، أيها الإخوة المستمعون الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير في هذا البرنامج في الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"