هدي النبي في رمضان (23)
الحلقة الثالثة والعشرون.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الإخوة المستمعون الكرام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله إلى هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، في مطلع هذا اللقاء، أرحب بفضيلته فأهلاً وسهلاً بكم يا شيخ عبد الكريم.
حياكم الله وبارك فيكم.
أيها الإخوة المستمعون الكرام: ولا يزال الحديث موصولاً حول هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان وفي هذا اللقاء لعلكم فضيلة الشيخ تتحدثون عن ما ورد في هديه -صلى الله عليه وسلم- في عدد ركعات القيام وأقوال أهل العلم في عددها.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثًا وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى بثلاث عشرة ركعة، وفي صحيح مسلم أنه كان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى» وروى البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قام مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة فصلى ركعتين ثم صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر. ففي حديث عائشة التحديد بإحدى عشرة وصح عنه الثلاث عشرة وصح عنه أكثر من ذلك كما في حديث ابن عباس وجاء الإطلاق في صلاة الليل وأنها مثنى مثنى وكل ذلك يدل على أن العدد غير مراد، ولذا يختلف أهل العلم في عدد صلاة التراويح قال الترمذي أكثر ما قيل أنها تصلى إحدى وأربعين ركعة، يعني بالوتر وعن مالك ست وأربعون وثلاث الوتر وهذا هو المشهور عنه، وقال بعضهم ثلاث وعشرون وقيل ذلك، استدلال بالحديث المطلق «صلاة الليل مثنى مثنى» فلا تحديد لكن من تقيد بفعله -عليه الصلاة والسلام- عددًا ووصفًا فهو أولى ومما جاء في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- في تطويله الصلاة حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء قلنا وما هممت به قال هممت أن أقعد وأذر النبي -عليه الصلاة والسلام- رواه البخاري، وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي إحدى عشرة ركعة كانت تلك صلاته يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قام بسورة البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة، وثبت عنه أنه أوتر بخمس وسبع وتسع وغير ذلك، فالظاهر أنه ليس هناك حد معيّن لصلاة الليل، لكن من قلل العدد عدد الركعات أطال القراءة والسجود ومن أكثر العدد في الركعات خفف ذلك، خفف ذلك على خلاف بين أهل العلم في المفاضلة بين طول القيام والقراءة والسجود وكثرة عدد الركعات؛ لهذا يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في القواعد: القاعدة السابعة عشرة إذا تقابل عملان أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة فأيهما يرجح؟ ظاهر كلام أحمد ترجيح الكثرة، ولذلك صور: أحدها إذا تعارض صلاة ركعتين طويلتين وصلاة أربع ركعات في زمن واحد فالمشهور أن الكثرة أفضل وحكي عن أحمد رواية أخرى بالعكس، وحكي عنه رواية ثالثة بالتسوية، من فروع هذه القاعدة ما تقدم أيضًا القراءة بالتدبر والتفكر والقراءة سرد، لا شك إذا كان الزمن واحد وهذه مسألة سبقت الإشارة إليها؛ ولذا يقول: من فروع هذه القاعدة الثالثة رجل قرأ بتدبر وتفكر سورة وآخر قرأ في تلك المدة سورًا عديدة سردًا قال أحمد في رواية جعفر بن أحمد بن أبي قيماز: وسئل أيما أحب إليك الترسل أو الإسراع قال أليس قد جاء بكل حرف كذا وكذا حسنة؟ قال له في السرعة قال إذا صور الحرف بلسانه ولم يسقط من الهجاء وهذا ظاهر في ترجيح الكثرة على التدبر ونقل عنه حرب أنه كره السرعة إلا أن يكون لسانه كذلك لا يقدر أن يترسل، وهذه إشارة إلى أن الإنسان على ما تعود، يعني إذا تعود القراءة سرد لا يمكن أن يتدبر إلا بتمرين جديد وعلى هذا ينبغي أن يعود الإنسان نفسه على الترتيل والتدبر؛ لأنه إن أخذ على السرعة ولا سيما وجمهور على أن القراءة بالتدبر والترتيل أفضل من السرعة ولو كانت أكثر حروف على كل حال هذا استطراد هو من فروع هذه القاعدة، هناك خلاف أيضًا بين أهل العلم في مسألة تطويل القيام، هل الأفضل في الصلاة تطويل القيام أو..، أو تطويل السجود؟ يعني ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول: اختلف الناس في القيام والسجود أيهما أفضل؟ أيهما أفضل القيام أو السجود؟ يقول -رحمه الله تعالى-: فرجحت طائفة القيام لوجوه، أحدها أن ذكره أفضل الأذكار فكان ركنه أفضل الأركان، والثاني قوله تعالى { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ } البقرة: ٢٣٨ والثالث قوله -صلى الله عليه وسلم- «أفضل الصلاة طول القنوت» فعلى هذا القول الأفضل أن يطيل القيام وإطالة القيام تكون بإطالة القراءة ولو كانت هذه الإطالة على حساب الركوع والسجود، وقالت طائفة يعني القول الثاني السجود أفضل ومقتضى هذا القول أن يطيل السجود ولو كان على حساب طول القيام واحتجت بقوله -عليه الصلاة والسلام- «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» وبحديث معدان بن أبي طلحة قال لقيت ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت حدثني بحديث عسى الله أن ينفعني به فقال عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول «ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة» قال معدان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ذلك، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لربيعة بن كعب الأسلمي وقد سأله مرافقته في الجنة «أعني على نفسك بكثرة السجود» وأوّل سورة أنزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سورة { ٱقۡرَأۡ } العلق: ١ على الأصح وختمها بقوله { وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب ۩ } العلق: ١٩ ولأن السجود لله يقع من المخلوقات كلها علويها وسفليها؛ ولأن الساجد أذل ما يكون لربه وأخضع له وذلك أشرف حالات العبد فلهذا كان أقرب ما يكون من ربه في هذه الحالة، وبأن السجود كما يقول ابن القيم هو سر العبودية فإن العبودية هي الذل والخضوع يقال طريق معبد أي ذللته الأقدام ووطأته وأذل ما يكون العبد العبد وأذل ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجدًا، وقالت طائفة طول القيام بالليل أفضل وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام طول القيام بالليل أفضل وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام لقوله تعالى { قُمِ ٱلَّيۡلَ } المزمل: ٢ وقوله -عليه الصلاة والسلام- «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا» ولهذا يقال قيام الليل ولا يقال قيام النهار قالوا وهذا كان هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه ما زاد في الليلة على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك بل كان يخفف السنن، يقول ابن القيم وكان شيخنا يعني شيخه أبا العباس تقي الدين بن تيمية -رحمة الله عليه-: الصواب أنهما سواء والقيام أفضل بذكره وهو القراءة والسجود أفضل بهيئته فهيئة السجود فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام وذكر القيام أفضل من ذكر السجود، وهكذا كان هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه كان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود كما فعل في صلاة الكسوف جاء في وصف الصلاة أن قيامه وركوعه وسجوده قريب من السواء، قريب من السواء ويقول كما فعل في صلاة الكسوف وفي صلاة الليل وكان إذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وكذلك كان يفعل في الفرض كما قاله البراء بن عازب كان قيامه وركوعه وسجوده واعتداله قريبًا من السواء، والله أعلم.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم كلمة أخيرة فضيلة الشيخ بهذا الصدد في الحرص على القيام قيام الليل حيث يتبقى معنا في هذا اللقاء حدود الدقيقة.
سبق ذكر بيان فضل قيام الليل وأنه دأب الصالحين وما ورد في فضله من الآيات والأحاديث التي لا تعد ولا تحصى وأنه علامة أهل العلم{ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ } الزمر: ٩ فعلى المسلم الحريص على نجاته وما ينفعه في القيامة أن يديم على هذا يداوم على هذا العمل الصالح، لكن عليه أن ينكسر بين يدي الله -عزَّ وجل- وينطرح ويتواضع لغيره ولا يزدري من لا يتصف بهذا الوصف؛ لأنه مع الأسف الشديد يوجد بعض من يقوم مع الأئمة في رمضان إذا خرج شخص من المسجد لحظه بعينه واستنقص عمله وما يدريه لعله في نومه أفضل من هذا في قيامه والله المستعان، وعلينا أيضًا رجالاً ونساءًا أن نحذر أن نخلط هذه العبادة إلى الله -عزَّ وجل- بما يبعد عنه من ارتكاب بعض المحرمات من بعض الناس يأتي إلى المسجد ويتقدم إليه ومع ذلك يقع في أعراض الناس ويعجب بنفسه ويزدري غيره، وبعض النساء ترتكب بعض المحظورات وقد جاءت لعبادة من أفضل العبادات قد تأتي مع سائق أجنبي ليس بمحرم منها من حرصها على الخير، لكن هذا مصحوب بجهل؛ لأن الركوب ركوب المرأة بمفردها مع سائق ليس من محارمها محرم، ولا شك تحصيل ما عند الله لا ينال بسخطه، إن ما عند الله لا ينال بسخطه، لا ينال فضل قيام صلاة الليل بارتكاب المحظورات، والله المستعان.
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ونفع بما قلتم إنه سميع مجيب: أيها الإخوة المستمعون الكرام: بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة نتقدم في ختامها بالشكر الجزيل لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير وفقه الله، شكر الله لكم أنتم مستمعينا الكرام نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة مقبلة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"