شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (169)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربي العالمين، وصلى الله وسلم وبارك علي عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: قال -رحمه الله- عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد –صلى الله عليه وسلم-، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطأها فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فراوي الحديث الصحابي الجليل أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري تقدم ذكره مرارًا.
قبل الدخول في الترجمة في الأصل في الصحيح قال: ثم قال عامر- يعني الشعبي-: أعطيناكها بغير شيء يعني أعطيناك هذه الفائدة من هذا الحديث بغير شيء، قد كان يُركب فيما دونها إلى المدينة، قد أعطيناكها بغير شيء، عامر الشعبي كأنه يخاطب بذلك صالح بن حيان الراوي عنه، يقول: أعطيناك هذه الفائدة التي تضمنها هذا الحديث بغير شيء، يعني بغير مقابل، وقد كان يُركب فيما دونها إلى المدينة، يُرحل لأجل ما هو أهون منها إلى المدينة، يعني يُرحل..
المقدم: لطلب الفوائد.
نعم، والرحلة سنة عند أهل الحديث سنة متبعة، وألف الخطيب البغدادي كتابه الرحلة في طلب الحديث، وتقدم كلامه في باب الرحلة في المسألة النازلة، المقصود أن هذا من حرصهم وتشجيعهم على تلقي العلم لطلابهم، لا يريد أن يتمدح بهذا، وأن يظهر منته على الطالب ليس هذا هو المراد، إنما هو حث للطالب أن يحرص على هذه الفائدة التي لم يتعب على تحصيلها.
والحديث ترجم عليه الإمام البخاري بقوله: باب تعليم الرجل أمته وأهله، قال ابن حجر: مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص،؛ لأن فيه كانت عنده أمة، فالأمة منصوص عليها، والأهل..
المقدم: من باب أولى.
تكون مطابقة الحديث ترجم الأمة بالنص، وفي الأهل بالقياس؛ إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله، وسنن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- آكد من الاعتناء بالإماء، فيكون من باب قياس الأولى، أو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، ونلاحظ قول ابن حجر: مطابقة الحديث المترجم في الأمة بالنص، والعيني يقول: فإن قلت: ما وجه المناسبة بين البابين؟ يعني هذا الباب والذي قبله، باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه؟ قلت: من حيث إن المذكور في الباب الأول هو التعليم العام، من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه، هذا هو التعليم عام، والمذكور في هذا الباب هو التعليم الخاص، فتناسبا من هذه الجهة، ثم قال: مطابقة الحديث للترجمة في الأمة، ابن حجر يقول: بالنص، وهنا يقول العيني: مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بحسب الظاهر، ما قال بالنص.
المقدم: يمكن حتى ما يعتبر أنه أخذ منه.
يقول: مطابقة.. لا، هناك فرق بين النص والظاهر، يعني بيانه؛ لأنه ليس فيه ما يدل على تعليم الأهل، وأما ذكر الأهل فيحتمل وجهين أحدهما أن يكون بطريق القياس على الأمة المنصوص عليها، قال: بحسب الظاهر، ثم قال المنصوص عليها بالنص والاعتناء بتعليم الحرائر، الأهل من الأمور الدينية أشد من الإماء، والآخر أن يكون قد أراد أن يضع فيه حديثًا يدل عليه فما اتفق له، يعني وضع حديث يدل على الأمة، لكن هل وضع حديثًا يدل على الأهل؟ إما أن يكون بطريق الإلحاق والقياس، وإما أن يكون البخاري ترجم للأمة فأورد ما يناسبها، وترجم للأهل وبحث عن حديث يناسب باللفظ فلم يجد.
المقدم: طيب ما فيه تناقض كلامه يا شيخ؟ نفس كلامه؟
بحسب الظاهر المنصوص عليه، أقول ينظر الفرق بين عبارتي ابن حجر حيث قال في الأمة: بالنص، وفي الأهل: بالقياس، وقال العيني في الأمة: بحسب الظاهر، والفرق بين النص والظاهر، كما في روضة الناظر لابن قدامة أن النص ما يفيد بنفسه من غير احتمال، كقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]، يعني هل ألا يحتمل تسعة، أو أحد عشر؟
المقدم: أبدًا هذا نص.
نص، لكن ماذا عن الحديث الذي أوردناه قبل حلقة أو حلقتين «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدة» هذا تأكيد تسعة وتسعين هي مائة إلا واحدًا، ومع ذلك دلالة على العدد ليست قطعية بدليل الخلاف؛ لأن من أهل العلم من قال: هي مائة.
المقدم: بلفظ "الله" لفظ الجلالة.
فننظر دلالة النص، النص قطعي، لكن دلالته على المراد قد تكون..
المقدم: ليست قطعية.
بحسب الظاهر يعني غلبة ظن، قال: والفرق بين النص والظاهر أن النص ما يفيد بنفسه من غير احتمال كقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:196]، وقيل: هو الصريح في معناه، وقد يُطلق اسم النص على الظاهر، ولا مانع منه، فإن النص في اللغة بمعنى الظهور، كقوله: نصت الظبية رأسها، إذا رفعته وأظهرته، ومنه سُميت منصة العروس للكرسي الذي تجلس عليه؛ لظهوره عليه، إلا أن الأقرب تحديد النص بما ذكرناه أولًا دفعًا للترادف والاشتراك في الألفاظ، لا شك أن مدلول كلمة نص غير مدلول كلمة ظاهر في اللغة، لكن كوننا نجد ما يدل على اشتراكهما مع أنه يمكن حمل أحد اللفظين على حقيقة، واللفظ الثاني على حقيقة أخرى، لا شك أنه لا سيما في باب التعليم أولى ليستقل كل قسم باسمه الخاص، وإلا فلا يمكن إدراجهما في قسم واحد.
يقول: إلا أن الأقرب تحديد النص بما ذكرنا أولًا؛ دفعًا للترادف والاشتراك عن الألفاظ، فإنه على خلاف الأصل، الأصل أنه إن جاءت ألفاظ يظن فيها الترادف، مثل جلس، وقعد، لفظان مترادفان، لكن هناك فروق دقيقة بين اللفظين.
المقدم: بحسب السياق.
لا يذكرها، لا يوجد ترادف من كل وجه في الألفاظ، لا يوجد لفظ مطابق من كل وجه للفظ آخر، ومن راجع الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري ذكر من هذا النوع شيئًا في غاية الدقة.
المقدم: الفروق؟
نعم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.
المقدم: مطبوع يا شيخ؟
نعم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.
المقدم: مطبوع يا شيخ؟
مطبوع نعم، مطبوع أكثر من مرة.
إلا أن الأقرب تحديد النص بما ذكرناه أولًا؛ دفعًا للترادف والاشتراك عن الألفاظ، فإنه على خلاف الأصل، وقد يُطلق النص على ما لا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل، فإن تطرق إليه احتمال لا دليل عليه فإنه لا يخرجه عن كونه نصًّا.
يعني وجدنا حديثًا صريحًا في الدلالة على حكم، ووجدنا تعليلًا مثلًا، لم نجد دليلًا، أو إلحاقًا مثلًا بقياس على حكم آخر، قد يكون فيه معارضة لهذا الدليل الصريح الصحيح، أو وجدنا دليلًا ضعيفًا يعارض هذا الحديث الصحيح، لم ننقل هذا النص الأول الصحيح الصريح عن كونه نصًّا إلى كونه ظاهرًا لمجرد هذا المعارض الضعيف، ولذا يقول: وقد يطلق النص على ما لا يتطرق إليه احتمال يعضده دليل، يعني فيه احتمال أن نصًّا يتناول هذا، لكن هذا احتمال لا دليل عليه.
فإن تطرق إليه احتمال لا دليل عليه فإنه لا يخرجه عن كونه نصًّا، أو دليلًا لا اعتبار به، والظاهر ما يسبق إلى الفهم منه ما عند الإطلاق معنى مع تجويز غيره، وإن شئت قلت: ما احتمل معنيين هو في أحدهما أظهر، هو في أحدهما أظهر، عندك نص هذا لا يحتمل، ثم ما يحتمل هذا الاحتمال إن كان راجحًا، فهو الظاهر، وإن كان مرجوحًا فهو المؤول، لكن يشكل على هذا أن العيني بعد أن قرر أن ذلك بالظاهر، قال: على الأمة المنصوص عليها، فاتفقا، اللهم إلا إن كان المراد بقوله: منصوص عليها أي مذكورة بحروفها، بغض النظر عن دلالة الحديث على تعليمها، والنص على التعليم بالنسبة للأمة ظاهر، فدلالته نصية، فكلام ابن حجر أدق، لكن التعليم الذي ترجم به البخاري -رحمه الله تعالى-، تعليم الرجل الداخل في كتاب العلم، هل المراد التعليم الذي هو العلم الشرعي، أو المراد به التأديب؟ ورجل كانت عنده أمة، فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها.
المقدم: مما يدل على أن التعليم هنا هو التعليم الشرعي.
نعم، العلم.
المقدم: نعم.
لو كانت الجملة فأدبها فأحسن تأديبها، الأدب له علاقة بالعلم، لكن ليست دلالته على العلم الشرعي.
المقدم: مثل قوله: علمها.
وعلمها فأحسن تعليمها، ولو أردنا أن نستطرد لقال العيني مثلًا الدلالة ليست نصية باعتبار أن العلم المطلوب في هذا الكتاب بتفاصيله لا يُطلب بالنسبة للأمة؛ لأن الأمة قد تكون مشغولة بالعمل في بيت سيدها، لكن هذا استطراد ًا يبعد بنا كثيرًا، فنكتفي بما ذكرناه.
المقصود يقول: ثلاثة مبتدأ.
لهم أجران: جملة، ثلاثة: مبتدأ، والتقدير ثلاثة رجال، أو رجالٌ ثلاثة، لماذا قدرنا، احتجنا إلى التقدير؟ ثلاثة مبتدأ، والتقدير ثلاثة رجال، أو رجال ثلاثة.
المقدم: قدرنا؛ لأنه قال في الشرح رجلٌ، رجلٌ.
لا، نحن قلنا ثلاثة مبتدأ، لكن ثلاثة نكرة، هل يجوز الابتداء بالنكرة؟
المقدم: ولذلك قدرنا.
قدرنا مضافًا ثلاثة رجال، أو رجال ثلاثة فهي نكرة مضافة، أو نكرة موصوفة، مع أنها مضافة إلى نكرة تقتضي التخصيص يعني هي ليست نكرة مطلقة، فهي نكرة مضافة إلى نكرة، فتقتضي التخصيص، أو نكرة موصوفة، رجال ثلاثة فصح الابتداء بالنكرة.
الجملة التي تليها لهم أجران: لهم: جار ومجرور متعلق بخبر محذوف.
أجران: مبتدأ مرفوع بالألف، والجملة من هذا المبتدأ والخبر خبر ثلاثة، رجل بدل من ثلاثة، أو الجملة صفته ورجل وما عطف عليه خبره، يعني ثلاثة لهم أجران وصف لثلاثة، ورجل وما عطف عليه خبره، لماذا لا يكون رجل خبرًا لمبتدأ محذوف تقديره هم؟ كذا وكذا، رجل من أهل الكتاب.
المقدم: فيكون رجل خبرًا ل..؟
مبتدأ محذوف.
المقدم: طيب أين يكون خبر ثلاثة؟
ثلاث جملة لهم أجران.
المقدم: لهم أجران.
جملة من مبتدأ وخبر، خبر ثلاثة، ثم بعد ذلك فصل هم رجل من أهل الكتاب، ورجل. إلى آخره، رجل يقول: بدل من ثلاثة، أو الجملة صفته، ورجل وما عطف عليه خبر قاله الكرماني، ثم قال: فإن قلت: إذا كان بدلًا أهو بدل البعض، أم بدل الكل؟ يعني رجل بدل من ثلاثة، أقول رجل بدل من ثلاثة، هذا بدل بعض، أم بعض من كل؟ الواحد بدل من ثلاثة، يعني بدل كل، أم بدل بعض؟
المقدم: بدل بعض.
بدل بعض، لذلك قال: فإن قلت: إذا كان بدلًا أهو بدل بعض، أم بدل الكل؟ قلت: بالنظر إلى كل رجل بمفرده فهو بدل بعض، وإذا نظرت إلى المجموع رجل، ورجل، ورجل فهو بدل كل من كل.
المقدم: مع اختلاف الثلاثة رجل عبد رجل في اللفظ.
المقصود أنهم مجموعهم ثلاثة، وقال العيني: الأولى أن يقال: رجل خبر مبتدأ محذوف تقديره أولهم، رجل يعني قريب مما قررناه، أولهم رجل من أهل الكتاب، وقوله: من أهل الكتاب في محل الرفع؛ لأنه صفة لرجل، قال الحافظ ابن حجر: هو بدل تفصيل، أو بدل كل بالنظر إلى المجموع، كونه بدل كل بالنظر إلى المجموع، ورد هذا في كلام الكرماني وضحناه، لكن بدل تفصيل، فيه بدل تفصيل؟ إذا نظرنا إليه في كتب النحو وجدناهم لم يذكروا بدل التفصيل، إنما ذكروا أنواع البدل الأربعة: (بدل الكل، وبدل البعض، وبدل الاشتمال، وبدل الغلط) أربعة أنواع.
من أهل الكتاب؛ لفظ الكتاب وإن كان عامًّا فالمراد به خاص، من أهل الكتاب، الكتاب جنس، يشمل جميع الكتب، لكن المراد به خاص..
المقدم: اليهود والنصارى.
والمخصص عرف استعمال الشارع لهذه الكلمة، يعني جاء في النصوص إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا} [آل عمران:64] إلى آخره، الاستعمال الشرعي (الحقيقة الشرعية) لهذه اللفظة الواردة في كتاب السنة خصص العموم هذا.
المقدم: ويراد بهم اليهود والنصارى.
نعم، والمخصص عرفه استعمال الشارع بالتوراة والإنجيل، عرفه استعمال الشارع بالتوراة والإنجيل، فقد تظاهرت به نصوص الكتاب والسنة، حيث يطلق أهل الكتاب.
المقدم: وكلام الفقهاء إذ قالوا إن كانوا من أهل الكتاب، إن كانوا أهل كتاب هكذا.
نفس الشيء.
المقدم: إن كانوا أهل كتاب، يعني مثل مسائل الجزية، ومسائل القتال.
لا شك أن أحكام أهل الكتاب تختلف عن المعاهدين، وتختلف عن غيرهم.
المقدم: يعني هم ينصون أحيانًا يا شيخ على أقوام، ويقولون هؤلاء أهل كتاب، إن ثبت أنهم أهل كتاب، مثل الكنفوشسية إذا جاء الخلاف فيهم قالوا إن كانوا أهل كتاب.
وكما يقال في المجوس إن لهم شبهة كتاب.
المقدم: هل إذا أطلق.
لا، لا ما يدخلون، ما يدخلون في هذا الإطلاق الخاص، يقول الكرماني: ولعل ذلك لأن غير اليهود والنصارى لم يوجد زمان البعثة المباركة.
المقدم: كيف ما يوجد يا شيخ؟
ما يوجد غير اليهود والنصارى، لكن أتباع إبراهيم –عليه السلام- يعني بقايا ممن يتبع إبراهيم من يتدين بالحنفية.
المقدم: لم يوجدوا، أم لم يعرفوا يا شيخ؟
هو يقول: لم يوجدوا؛ لأنهم لو وجدوا ولم يعرفوا...
المقدم: صاروا لم يوجدوا.
لا، كونهم لم يعرفوا يعني خفاءهم على الناس لا يعني خفاءهم على الشارع، يقول: لم يوجد زمان البعثة المباركة، والمراد نصراني تنصر قبل البعثة، أو بلوغ الدعوة والمعجزة إليه، ويهودي تهود قبل ذلك أيضًا، الكرماني لما قرر هذا الكلام الآن تفترض أن نصرانيًّا بعد بعثة النبي –عليه الصلاة والسلام- من القرن الثاني، أو الثالث، أو الرابع دخل في النصرانية، ثم بعد ذلك بلغه مثل هذا الحديث فأسلم، يدخل أم ما يدخل؟ على كلامه؟ ما يدخل؛ لأن عيسى وموسى بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- ما صار نبيًّا له، إنما نبيه محمد –عليه الصلاة والسلام- في الحديث يقول: «آمن بنبيه، وآمن بمحمد»، وعيسى ليس بنبي له، وموسى ليس بنبي له؛ لأن رسالتهم نُسخت، والجميع نبيهم محمد –صلى الله عليه وسلم- فكلهم محمديون، وكلهم من هذه الأمة المحمدية، سواء منهم من كان من أمة الإجابة، أو من أمة الدعوة.
المقدم: فبالتالي ما يصدق عليهم الحديث؟
على كلامه، سيأتي ما يوضح ذلك، لكن نمشي بالتدريج.
المقدم: لكن عفوًا يا شيخ إذا أذنت، يعني في هذه الجزئية فيما يتعلق أنه من أهل الكتاب، ولا بد أن يكون آمن بالنصرانية، أو باليهودية، ثم دخل، الآن النبي –صلى الله عليه وسلم- كتب لبعض الملوك ممن كان على اليهودية، أو النصرانية، أو لم يكونوا عليها، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، ربما عرف عن بعض.
يعني هل قال هذا لكسرى قالها لهرقل هذا سيأتي، وهرقل رجل نصراني.
المقدم: ما قالها لغير أهل الكتاب؟
ما يظهر، إنما قالها لهرقل، وستأتي الإشارة إليه، فإن قلت: هذا أيضًا كلام الكرماني، فإن قلت: ينبغي ألا يكون الأجر المضاعف إلا للنصارى، ينبغي ألا يكون الأجر المضاعف إلا للنصارى، لماذا؟ يعني إذا اعتبرنا أن محمدًا – عليه الصلاة والسلام- شريعته ناسخة لما قبلها وليس ناسخة لما قبلها، لم يكن الأجر إلا للنصارى؛ إذ لا ثواب على العمل بالدين المنسوخ، يقول: قلت: لا نسلم أن النصرانية ناسخة لليهودية، لو ثبت ذلك لكان كذلك، يعني هل عيسى –عليه السلام- جاء بشرع ناسخ لشريعة موسى، أو أنه جاء بشريعة مكملة لشريعة موسى؟
المقدم: ويضع عنهم إسرهم والأغلال التي..
المقصود أن هذا كلامه، وقال ابن حجر: وقيل: المراد به هنا الإنجيل خاصة، إن قلنا إن النصرانية ناسخة لليهودية، كذا قرره جماعة، ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ؛ لأن عيسى –عليه الصلاة والسلام- كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نسب إليه، ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنًا فلا يتناوله الخبر؛ لأنه لو بقي على اليهودية وقلنا أن ديانة عيسى ليست ناسخة لديانة موسى يلزم اليهودي أن يؤمن بعيسى، كما أنه يلزمه أن يؤمن بمحمد –عليه الصلاة والسلام-، وهذا مقتضى الإيمان بالرسل، يقول: قيل: المراد به هنا الإنجيل خاصة، إن قلنا إن النصرانية ناسخة لليهودية، كذا قرره جماعة، ولا يحتاج إلى اشتراط النسخ؛ لأن عيسى –عليه الصلاة والسلام- كان قد أرسل إلى بني إسرائيل بلا خلاف، فمن أجابه منهم نسب إليه، ومن كذبه منهم، من كذب بعيسى، أو كذب بمحمد كفر بديانته، ومن كذبه منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنًا؛ لأن من شرط الإيمان، الإيمان بجميع الرسل.
فلا يتناوله الخبر؛ لأن شرطه أن يكون مؤمنًا بنبيه، ومن الإيمان بنبيه الإيمان بما جاء به من الإيمان بالرسل، يقول: من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل أو لم يكن بحضرة عيسى –عليه السلام- فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن، إذ هو مؤمن بنبيه موسى –عليه السلام-، ولم يكن مكذبًا نبيًّا آخر بعده.
ما بلغه بعثة عيسى –عليه السلام-.
فمن أدرك بعثة محمد –صلى الله عليه وسلم- ممن كان بهذه المثابة، وآمن به لا يشكل أنه يدخل في الخبر المذكور، ومن هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخلوها منها في اليهودية، ولم تبلغهم دعوة عيسى –عليه السلام-؛ لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة، كل نبي يُبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة، فموسى –عليه السلام- إنما بعث لبني إسرائيل خاصة، يقول: من هذا القبيل العرب الذين كانوا باليمن وغيرها ممن دخل في اليهودية، ولم تبلغهم دعوة عيسى –عليه السلام-؛ لكونه أرسل إلى بني إسرائيل خاصة، وهؤلاء عرب، يقول: الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرة النبي –صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث، اليهود الذين كانوا بحضرة النبي –صلى الله عليه وسلم- هل هم من بني إسرائيل؟ لا، ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص:54]، نزلت في طائفة آمنوا بالنبي –صلى الله عليه وسلم- كعبد الله بن سلام، مع أنه آمن بموسى– عليه السلام- قبل ذلك، ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال: «نزلت هذه الآيات فيَّ وفيمن آمن معي»، وروى الطبراني بسند صحيح على رفاعة القرظي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبو رفاعة إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فآمنوا به، فأوذوا، فنزلت {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص:52]، الآيات فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى، بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد –صلى الله عليه وسلم-، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين، لكن هل صح أنهم لم يؤمنوا بعيسى؟
المقدم: هل إيمانهم بموسى لا يقتضي إيمانهم بعيسى؟
هل فيه منافاة؟ يعني كونهم لم يعملوا بشريعة عيسى يدل على أنهم لم يؤمنوا به؟
المقدم: لا، ما يدل عليه.
هل عدم عملنا بشريعة موسى يعني أننا لا نؤمن به؟ لا تلازم بين إيماننا المجرد والتصديق بأن هذا نبي مرسل من قبل الله -جل وعلا-، وبين اتباع شريعته المنسوخة.
المقدم: أحسن الله إليكم، لعلنا نستكمل بإذن الله ما تبقى في حلقة قادمة من ألفاظ هذا الحديث.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام حلقتنا من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث كتاب الجامع الصحيح.
لقاء جديد بكم بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.