عمدة الأحكام - كتاب الطهارة (4)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سم

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب الاستطابة

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).

الخبث: بضم الخاء والباء جمع خبيث، وهم ذكران الشياطين.

الخبائث: جمع خبيثة، وهن إناث الشياطين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب دخول الخلاء

الخلاء: كل ما يخلو فيه الإنسان بنفسه، هذا الأصل، والمراد به هنا ما يخلو فيه المرء بنفسه لقضاء حاجته.

والاستطابة، السين والطاء للطلب، يعني طلب الطيب، والطيب والإطابة إنما تكون بإزالة ما يستقذر ويستقبح، دخول الخلاء لقضاء الحاجة، والاستطابة: إزالة الأثر المتبقي بعد قضاء الحاجة بالاستنجاء والاستجمار.

دخول الخلاء له آداب يذكرها أهل العلم في هذا الباب، من ذلكم هذا الذكر الذي ذكره المؤلف من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا دخل الخلاء قال، إذا دخل الخلاء، دخل فعل ماضي، وعرفنا في درس الأمس أن الماضي يطلق ويراد به الفراغ كما هو الأصل، إيش معنى الماضي؟ يعني انتهى إذا دخل يعني دخل وانتهى، يطلق ويراد به الفراغ من الفعل كما هو الأصل في الماضي؛ لأنه يحصل في الزمان الماضي.

يطلق الفعل الماضي ويراد به الشروع في الفعل، يطلق ويراد به إرادة الفعل، فهل المراد من قوله: "إذا دخل" يعني إذا فرغ من الدخول؟ نعم؟ هل المراد به إذا فرغ من الدخول؟ لا، هل المراد به إذا شرع؟ بمعنى أنه أدخل إحدى رجليه؟ شرع في الدخول؟ أو إذا أراد الدخول؟ يعني قبل الولوج في المكان الذي لا ينبغي أن يذكر الله فيه، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في جميع أحواله -عليه الصلاة والسلام- إلا في هذا الموضع، لم يرد النبي -عليه الصلاة والسلام- السلام مع أنه واجب؛ لأن السلام اسم من أسماء الله -جل وعلا-

وهو السلام على الحقيقة سالمٌ

 

من كل ما عيب ومن نقصانِ

لما سلم عليه وهو يقضي الحاجة ما رد السلام، لما فرغ رد السلام -عليه الصلاة والسلام-، تيمم ورد السلام، فإذا دخل الخلاء، يعني أراد دخول الخلاء -عليه الصلاة والسلام- قال: ((اللهم إني أعوذ بك)) اللهم أصلها يا الله إني أعوذ بك، أي ألتجئ إليك من كل ما يضر، ومن شر كل ذي شر، وفي هذا الموضع يستعيذ النبي -عليه الصلاة والسلام- بربه من الخبث والخبائث.

الخبث: بالضم ذكران الشياطين، والخبائث إناثهم، فاستعاذ من الشياطين ذكورهم وإناثهم، الرواية الأخرى بإسكان الباء الخبْث، ويراد به حينئذٍ الشر، والخبائث الشياطين، فكأنه يستعيذ من الشر وأهله، والشياطين يشمل شياطين الإنس وشياطين الجن، شياطين الجن لخفائهم وخفاء طريقتهم في الوسوسة والتضليل يُستعاذ منهم، ويلتجأ إلى الله -عز وجل- بدفع شرهم، وشياطين الإنس، وبعضهم أشد ضرراً من شياطين الجن؛ لأن شياطين الجن تفيد فيهم الاستعاذة، بينما شياطين الإنس قد لا تفيد فيهم الاستعاذة، لكن على الإنسان أن يلتجئ إلى الله -عز وجل-، ويصدق اللجأ إلى الله -عز وجل- أن يعيذه من شياطين الإنس والجن.

من أهم ما يطرد الشياطين شياطين الإنس والجن الذكر، فلا يزال لسانك رطباً بذكر الله -عز وجل-، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [(36) سورة الزخرف] لكن الذي يلازم الذكر وأعظم الذكر كلام الله -جل وعلا-، بقراءته على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، هذا يطرد الشياطين، بل من أعظم الوسائل التي تطرد الشياطين، ولذا من يعش يتعامى عن ذكر الله، ويغفل عنه يقيض له الشيطان، والشيطان جنس، {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} [(36) سورة الزخرف] نكرة في سياق الشرط تعم النوعين من الإنس والجن، {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [(112) سورة الأنعام] وإن تعاون عليه النوعان هلك إلا إن لطف الله به -جل وعلا-، وأنقذه وأحيا قلبه، وارتبط بربه، وإلا في مثل هذه الحالة يستعيذ من الشياطين؛ لأن هذه الكنوف وهذه الحشوش مأوى للشياطين، تحب الأماكن القذرة، تحب النجاسات، تحب المستقذرات، تحب هذه الأماكن التي لا ينبغي فيها ذكر الله -عز وجل-، لكن إذا أردت أن تدخل استعذ بالله، فيعصمك الله -جل وعلا- من هؤلاء الشياطين، نعم.

وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غـربوا)).

قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله -عز وجل-.

شرقوا أو غربوا: اتجهوا نحو المشرق أو المغرب، وهذا بالنسبة لأهل المدينة المنورة.

قال المصنف –رحمه الله–: الغائط: الموضع المطمئن من الأرض ، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه.

والمراحيض: جمع مرحاض، وهو المغتسل، وهو أيضا كناية عن موضع التخلّي.

نعم يقول: عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أتيتم الغائط)) وأتى هنا فعل ماضي، يعني هل معناه إذا أردتم إتيان الغائط أو شرعتم في دخوله؟ لأن الأصل في الغائط المكان المطمئن يسمى غائط، كونه يطلق على الخارج من الإنسان؛ لأن هذا الخارج إنما يوضع في المكان المنخفض، فإطلاقه على ما يخرج من الإنسان من إطلاق المحل وإرادة الحال، فهو كناية.

((إذا أتيتم الغائط)) المقصود بالغائط المكان المطمئن المنخفض الذي يقضي فيه الإنسان حاجته بحيث لا يراه الناس، وكانت عادة العرب قضاء الحوائج، قضاء حاجاتهم الخاصة في الخلوات والفلوات بعيدة عن أماكن التجمعات، إلى أن اتخذ الناس الكنف لقضاء الحاجات، فكان العرب على هذه الطريقة والمسلمون في صدر الإسلام في عهده -عليه الصلاة والسلام- إذا أرادوا قضاء الحاجة خرجوا من بيوتهم بحيث لا يراهم الناس فيقصدون الأماكن المطمئنة، وما كانت بيوتهم تستوعب وضع مثل هذه الدورات وأماكن مخصصة لقضاء الحاجة، لا، كانت بيوتهم بقدر الحاجة، السقف باليد، الرجل الطوال إلى رأسه، والرجل العادي يمس السقف بيده، هذا الارتفاع، وبالنسبة للطول بقدر القامة، ما يزيدون على قدر الحاجة؛ لأن هذه الدنيا ليست مقر وليست هدف ولا مقصد عندهم، يعني مثلما يسكن الإنسان في الحج مثلاً إلى وقت قريب والناس ما توسعوا، يسكنون في الأماكن التي..؛ لأنهم يعرفون المسألة أيام وهم ماشيين، وهذه نظرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن اهتدى بهديه للدنيا، غريب أو عابر سبيل، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، ولذا متى جاء داعي الله -عز وجل- أجابوا ولبوا؛ لأنهم عارفين أن المسألة أيام، والعمر مهما طال فمآله إلى هذه الحفرة، ما كانوا يجعلون المراحيض ومواضع قضاء الحاجات في داخل البيوت فكانوا يخرجون، بما في ذلك النساء، وكان عمر -رضي الله عنه- كان حريص على أن يحتجب النساء لا سيما أمهات المؤمنين، وكان يقول: قد عرفناك يا سودة إذا أرادت الخروج، من أجل أن ينزل في هذا الأمر شيء يحد من خروج النساء، فنزل الحجاب، وجاء الأمر بالقرار، {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] بعد ذلك توسع الناس، وصاروا يقضون حوائجهم في بيوتهم، وأما في السابق فكانوا يخرجون إلى الأماكن، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد المذهب أبعد، وهذا عند إرادة الغائط، أما عند إرادة البول فلا يحتاج أن يبعد، نعم لا يبول في طريق الناس ولا في ظلهم ولا في مواردهم، يأتي إلى زاوية كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث حذيفة أتى إلى سباطة قوم فقال لحذيفة: ((ادنه)) فدنا، فبال قائماً -عليه الصلاة والسلام-، هذا في الكتب السبعة، رواه الجماعة، المقصود أن هذه هي حالتهم وديدنهم وطريقتهم.

((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)) يحرم أن يستقبل الإنسان القبلة إذا أراد قضاء الحاجة لا بالغائط ولا بالبول، ((فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها)) لا تجعل القبلة تلقاء وجهك، ولا خلف ظهرك وأنت تقضي الحاجة، وهذا ظاهر في الصحاري، والسياق يدل عليه.

((ولكن شرقوا أو غـربوا)) الجهة محترمة، ((ولكن شرقوا أو غـربوا)) هذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمت المدينة، إذا اتجه إلى جهة المشرق أو إلى جهة المغرب، إن اتجه إلى جهة المشرق فالقبلة عن يمينه، وإذا اتجه إلى جهة المغرب فالقبلة عن يساره، لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، هذا من كان على جهة وسمت المدينة ممن كان شمال مكة، وفي حكمهم من كان على الجهة المقابلة الجنوبية، جنوب الكعبة يُشرّق ويُغرب، لكن من كان في شرق الكعبة كنجد مثلاً، أو غرب الكعبة كمصر هل يقال: شرقوا أو غـربوا؟ لا، لا يقال لهم: شرقوا أو غـربوا؛ لأن نجد إن غربوا استقبلوا الكعبة، إن شرقوا استدبروها، أهل مصر إن غربوا استدبروا الكعبة، إن شرقوا استقبلوها وهكذا، فالخطاب لأهل المدينة ومن كان على سمتهم.

((ولكن شرقوا أو غـربوا)) نعم الخطاب قد يأتي وهو الأصل عام للأمة كلها، وبالنسبة عموم الحديث: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها)) هذه قاعدة عامة للأمة كلها، نعم توجيه نبوي لأهل المدينة لأن يشرقوا أو يغربوا، وكل يفهم المقصود من التشريق والتغريب؛ لئلا يستقبل القبلة أو يستدبرها، فالنهي العام لا تستقبلوا ولا تستدبروا يشمل الجميع، فيقاس على أهل المدينة بالتشريق والتغريب من كان على سمتها، ومن كان في الجهة المقابلة لها.

الجهات الأخرى مقتضى النظر في الحديث يقتضي، لكن أجنبوا أو أشملوا؛ لأن العلة معروفة، الأمر بالتشريق والتغريب بالنسبة لأهل المدينة لئلا يستقبلوا القبلة، فمقتضى هذا الأمر أن لا تستقبل القبلة ولا تستدبر، وكل يصنع ما يحقق امتثال هذا الأمر في بلده، نعم؟

طالب:........

إيه ممكن ما بين المشرق والمغرب قبلة، يقول عبد الله بن المبارك: لأهل المشرق، يعني لمن كانت جهته المغرب...، لمن كانت جهته إلى إيش؟ إذا قلنا: بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق اللي ما هم المشرق اللي هم أهل نجد والخليج لا، اللي أهل المشرق اللي هم خراسان وشمال العراق، هذا كلام ابن المبارك فتكون قبلتهم كذا، على كل حال هذا دليل على أن..، وسيأتي هذا الحديث -إن شاء الله-، هذا دليل على أن المقصود الجهة وليس المقصود عين الكعبة؛ لأنه يستحيل.

((فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غـربوا)) اتقاءً للاستقبال والاستدبار.

"قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة" يعني جهة الكعبة، فننحرف عنها يميناً أو شمالاً، ونستغفر الله -عز وجل-.

فعلى من دخل مرحاضاً بني تجاه الكعبة أو يستدبر فيه الكعبة أن ينحرف يمنياً أو شمالاً بما يحقق امتثال: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، وهذا الحديث خصه بعضهم في الصحاري دون البنيان، أما البنيان لا يدخل، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يقبض بعام كما في حديث عبد الله بن عمر أنه رقي على بيت أخته حفصة فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، منهم من يقول: هذا في البنيان وذاك في الصحاري، وهذا قول له وجه، أقوى من قول إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، منهم من يقول: إن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- والأمر يتجه إلى عموم الأمة، "لا تستقبلوا... ولا تستدبروا" هذا للجميع، وكونه -عليه الصلاة والسلام- قضى حاجته مستدبر الكعبة هذا خاص به، نقول: التخصيص يحتاج إلى دليل، وأمر آخر وهو أن التخصيص قد يسلك للجمع بين النصوص، لكن لا بد من ملاحظة المعنى، هل استقبال القبلة واستدبار القبلة بالبول والغائط أكمل أو تركه أكمل؟ نعم؟ يعني ترك الاستقبال والاستدبار من تعظيم شعائر الله -عز وجل-، تعظيم الكعبة المعظمة عند الله -عز وجل-، فعدم الاستقبال والاستدبار أكمل من الاستقبال والاستدبار، فكيف نقول: إن الأمة يطلب منها ما هو أكمل مما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يلاحظ هذا وإلا ما يلاحظ؟ نعم؟

طالب:........

نعيد، واضح وإلا مو بواضح؟

طالب:........

نقول: الاستقبال والاستدبار من باب تعظيم هذه الجهة التي فيها بيت الله -عز وجل-، وتعظيم هذا البيت من تعظيم شعائر الله -عز وجل-، وتعظيمها من تقوى القلوب، فهو أكمل من عدمه، فكيف نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يفعل ما هو خلاف الأكمل والأمة ممنوعة من أن تفعل خلاف الأكمل؟ كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فالقول بأن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا وجه له، أوجه منه أن يقال: هذا خاص بالبنيان، ويبقى النهي في الصحاري، ومنهم من قال: فعله -عليه الصلاة والسلام- ناسخ للاستدبار خلاف الاستقبال؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- قضى حاجته مستدبر الكعبة مستقبل الشام، والقول بالنسخ يحتاج إلى دليل، نعم معروف المتأخر من المتقدم، لكن إذا أمكن الجمع بين النصوص والعمل بالنصوص كلها أولى من القول بالنسخ؛ لأنه تعطيل لبعض النصوص، القول بالنسخ تعطيل لبعض النصوص، فأولى ما يقال: إن هذا خاص بالبنيان، ويبقى النهي عن الاستقبال الاستدبار في الصحاري، ومع ذلكم ما فعله أبو أيوب أحوط.

ماذا يقول؟ "قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها" ننحرف عنها يميناً أو شمالاً "ونستغفر الله -عز وجل-" اعتراف بأن هذه المراحيض التي بنيت على غير هدى، وإن كانت في البنيان، فينبغي أن تعظم الكعبة، لكن لا يأثم من استقبل واستدبر في البنيان، ومع ذلكم الأكمل أن لا تكون تجاه الكعبة؛ لأن من أهل العلم من يرى الطرد أنه لا يجوز الاستقبال والاستدبار حتى في البنيان، نعم.

وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- قال: "رقيت يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي - -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستقبل الشام, مستدبر الكعبة".

هذا الحديث حديث ابن عمر الذي أشرنا إليه في شرح الحديث السابق وقلنا: إنه محمول على البنيان، نعم.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء".

والعنزة: الحربة الصغيرة.

والإداوة؟ إناء صغير من جلد، ما عندك؟ ما روجع بعد الطبع.

طالب:........

إيه لا.

حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء, يعني لقضاء حاجته فأحمل أنا وغلام، أحمل أنا وغلام، نعم أنس غلام يحمل هو وغلام نحوه من الغلام هذا؟ نعم عبد الله بن مسعود، لكن هل هو غلام أو ليس بغلام؟ ابن مسعود في ذلك الوقت غلام وإلا ليس بغلام؟

طالب:........

ابن مسعود، ابن معسود، أنس صغير صحيح، لكن قوله: "نحو" يعني أنس من أسنان ابن مسعود أو قريب في السن؟ ابن مسعود أكبر بكثير.

طالب:........

لا، لا هو ابن مسعود ما في إشكال، هو ابن مسعود -رضي الله عنه-، أما قوله: "نحوي" هو غلام باعتبار ما كان، وباعتبار أن الخدمة كانت من شأن الغلمان أطلق عليه الغلمان من هذه الحيثية، وقوله: "نحوي" يعني ليس في السن نحوي في السن، إنما نحوي في الخدمة وإلا ابن مسعود أكبر من أنس يمكن بثلاثين سنة يمكن، كبير ابن مسعود -رضي الله عنه-.

"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام" أنا هذه ما فائدتها؟ الضمير هذا؟ إعراب الضمير "فأحمل أنا وغلام" ولما جيء به؟ نعم؟ فأحمل أنا وغلام، نعم، يقولون: الفائدة لمجيء بالضمير هنا فأحمل أنا وغلام، لماذا ما قال: فأحمل وغلام؟ والفاعل ضمير مستتر في أحمل؟

طالب:........

لا، المسألة لغوية ما يحتاج، لا بد من الإتيان بهذا الضمير، لا بد من الإتيان به، لا بد من الفاصل هنا؛ لأنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع إلا مع وجود الفاصل.

وإن على ضمير رفع متصل

 

عطفت فافصل بالضمير المنفصل

لا بد، فافصل بالضمير المنفصل.

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

 

فالنظم فاشياً وضعفه اعتقد

فلا بد من الإتيان بضمير الفصل في مثل هذا.

"فأحمل أنا وغلام نحوي" في الخدمة لا في السن "معي إداوة" الإداوة إناء صغير من جلد، كما قال المؤلف -رحمه الله- "إداوة من ماء" (من) هذه يقولون: بيانية، {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [(30) سورة الحـج] فمن هذه بيانية.

"إداوة من ماء وعنزة" العنزة: هي الحربة الصغيرة تغرس في الأرض، ويلقى عليها ثوب يستتر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويستتر بها في الصلاة العنزة، وليس المراد بها..، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى عنزة، يعني سترة، ليس المراد بها القبيلة، كما قال بعضهم، شخص عنزي قال: نحن قوم لنا شرف صلى إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن كان صلى إليكم أيضاً بال إليكم، نعم، لا، لا ليس المراد هذا، هذا جهل، إن لم يكن عاد على سبيل..، قالها على سبيل الطرفة وإلا ما يمكن، بعضهم قال: عنزة المراد بها العنز الحيوان المعروف، ورواه بعضهم بالمعنى وصحّف وقال..، أولاً صحف فقال: عنزة، سكن النون، ثم رأى أن يري ذلك بالمعنى فقال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى شاه، والمراد بها الحربة الصغيرة، يصلي إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتلقى بين يديه ليقضي حاجته أمامها، ليستتر بما يلقى عليها من ثوب ونحوه.

"فأحمل أنا وغلام نحوي إدواة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء" يستنجي بالماء، فالاستنجاء بالماء مجزئ إجماعاً، وإن وجد من يخالف في الصدر الأول، وجد خلاف وأن الماء لا يجزئ، وأنه..، بل لا يجوز الاستنجاء به؛ لأنه من النعم الذي يجب احترامها، لكن مثل هذا الحديث يرد مثل هذا الكلام، فالاستنجاء بالماء هو الأصل، وهو الذي يقطع أثر الخارج بالكلية، أما الاستجمار بالحجارة فيخفف، لكن ما يقطعه بالكلية، كما تقدم، نعم؟

طالب:........

لا، ليس بوارد، لا ما يلزم، هذا ليس بلازم، النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء فقط، واستجمر بالحجارة فقط.

جاء في حديث فيه مقال أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذهب إلى أهل قباء، وذكر أن الله أثنى عليهم، وأنهم يحبون أن يتطهروا، فسألهم لماذا؟ قالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، لكن الخبر ضعيف، فثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه استنجى بالماء فقط، وثبت عنه أنه استجمر بالحجارة فقط، وأما الجمع بينهما فلم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:........

لا، ضعيفة، ضعيفة، القصة ضعيفة، نعم.

جاء من حديث عائشة قالت لنساء المسلمين: "مروا أزواجكم أن يتبعوا الحجارة الماء فإني أستحيهم" لكن هذا من فهمها -رضي الله عنها-، أما من فعله -عليه الصلاة والسلام- استنجى بالماء فقط، واستجمر بالحجارة فقط، فمن أراد أن يخفف فاستعمل مناديل وشبهها؛ لئلا يباشر النجاسة المغلظة بيده، ثم يتبع ذلك الماء من غير تعبد بهذا لا بأس، أما الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- فهو ما ذكرنا، نعم.

وعن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء)).

عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه-: أن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا يمسن)) أو ((لا يمسكن)) ((لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) وهذا داخل فيما تقدم من أن اليمين تكون للأعمال الشريفة، بخلاف الشمال فهي لما يستقبح، فنهي الإنسان أن يمس ذكره بيمينه حال البول، هل مفهوم هذا أنه له أن يمس ذكره بيمينه في غير حالة البول، بمعنى وهو يبول حال، والحال أنه يبول ((ولا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) مفهوم هذا أنه له أن يمس ذكره بيمينه في غير حال البول، فيكون النهي خاص بحال البول، لكن مع ذلكم الأصول العامة والأدلة التي تقدم شيء منها تدل على أنه لا يمس ذكره بيمينه مطلقاً؛ لأن هذا مما يستقذر ويستقبح، فلو احتاج إلى أن يمس ذكره استعمل الشمال، ويستوي في ذلك الفرجان القبل والدبر، لهما من اليدين الشمال، وأما اليمين فينبغي أن تكرم عن مثل هذا.

((ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)) بل يستعمل في ذلك يده الشمال؛ لأن اليمين ينبغي أن تحترم، فتستعمل فيما يحمد وفيما يمدح، في الأمور الشريفة لا الأمور الوضيعة.

((ولا يتنفس في الإناء)) النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا شرب شرب ثلاثاً، يتنفس خارج الإناء؛ لئلا يخرج منه شيء مما يستقذر، وكذلكم النفس له رائحة كريهة، ويحتمل أن يصاحب هذه الرائحة أمور تخفى على الناس، أثبت الطب أن هناك جراثيم لا تدرك بالعين المجردة، تخرج من الإنسان مع النفس فكونه يتنفس خارج الإناء هذا هو المطلوب، والتنفس في الإناء مكروه كراهية شديدة عند أهل العلم؛ لما ثبت فيه من النهي؛ لأنه يقذره، إما على نفسه إن أراد معاودة الشرب، أو على غيره ممن ينتظره ممن يريد الشرب بعده، نعم.

وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول, وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة)) فأخذ جريدة رطبة, فشقها نصفين, فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله, لم فعلت هذا؟ قال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)).

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين" ابن عباس يحكي هذه القصة من فعله -عليه الصلاة والسلام- "بقبرين فقال: ((إنهما ليعذبان))" أطلع النبي -عليه الصلاة والسلام- على حقيقة حالهما وأنهما يعذبان، وأما من عداه -عليه الصلاة والسلام-، لا يدري أحد صاحب القبر هذا منعم أو معذب؟ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما مر بهذين القبرين أطلع على ما في داخلهما من العذاب.

((إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير)) وما يعذبان في كبير يعني في نظر الناس؛ لأن الناس يتساهلون في هذا الأمر، ((وما يعذبان في كبير)) يعني على حد زعم الناس ومزاولتهم لهما، فالناس يزاولون هذين الأمرين بينهم من غير نكير في الغالب استخفافاً بهما، مما يدل على أنهما صغيران في نظر الناس، ولذا قال في بعض الروايات: ((وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير)) والنميمة من عظائم الأمور، والنمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر.

((أما أحدهما: فكان لا يستتر من البول)) لا يستتر، وفي رواية: ((لا يستبرئ)) وفي رواية: ((لا يستنزه من البول)) فدل على أنه لا يحتاط لنفسه فيغسل النجاسات من بدنه أو ثوبه، أو ما يحتاج إليه، لا يجعل بينه وبين هذه النجاسات سترة، ساتر وحاجز، فدل على أنه يباشر النجاسة، لا يستتر من بوله، من البول، وفي رواية: ((من بوله)) وفي هذا رد على من حمل الحديث على عمومه، لا يستتر من البول، واستدل بهذا الحديث على أن البول نجس بإطلاق، ويدخل فيه بول مأكول اللحم، الشافعية يستدلون بهذا على أن بول مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم كله نجس؛ لأن هذا عذب؛ لأنه لا يستتر من البول، والبول مقترن بـ(أل)، و(أل) هذه عندهم جنسية فتشمل جميع الأبوال، لكن الرواية الأخرى تدل على أن هذه عوض الضمير، فكان لا يستبرئ أو لا يستنزه من بوله، فدل على أنه بول آدمي، وبول الآدمي نجس بالإجماع، وليس في هذا ما يستدل به لنجاسة أبوال مأكول اللحم، بل دل الدليل على أنها طاهرة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فدل على أنها طاهرة، طاف النبي -عليه الصلاة والسلام- على بعير ولا يؤمن أن يبول البعير في المطاف، فدل على طهارة بوله.

المقصود أنه لا يمكن حمل الحديث على عمومه بما ذكرنا، فمجانبة النجاسات واجبة، وهذا عُذب؛ لأنه لا يستنزه من بوله، ولا يستبرئ البراءة التامة من بوله، فدل على أن الاستبراء من البول واجب، بل كبيرة، عدم الاستبراء من البول كبيرة، كيف يتقرب بجسد نجس؟

((وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة))

النميمة نقل الكلام بقصد الإفساد، فالذي ينقل الكلام بقصد الإفساد نمام، ولا يدخل الجنة نمام قتات، نسأل الله العافية، قصده أن يفسد بين الناس، قصده أن يوغر الصدور على الأخيار، أو حتى على عموم الناس، لكن من ينقل أقوال الأخيار ليوغر صدور الناس لا سيما من بيده ضرر، وإن كان النافع والضار هو الله -عز وجل-، لكن بعض الناس مكنهم الله -جل وعلا- من بعض، فمن ينقل كلام الناس من أجل الضرر هذا نمام، نعم إن كان قصده الإصلاح، سمع كلام من شخص أو عرف من حال شخص أنه يريد أن يرتكب ما يضر بالآخرين هذا لا كرامة يخبر عنه، كم موقف قال الصحابة: لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا فيما يخشى منه ضرر متعدي، لكن شخص لا ضرر منه متعدي، ولا يخاف منه، ينقل الكلام من أجل أن توغر الصدور عليه، ويناله من الضرر ما يناله، هذا يدخل في الحديث دخولاً أولياً، فيتقي الله المسلم في أن يلحق الضرر بالآخرين، نعم؟

طالب:.......

لا يجوز له النقل حتى......

طالب:.......

نعم يدخل، إلا إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة فلا مانع؛ لأن المصالح تقدر بقدرها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لكن إذا كانت المفسدة مغمورة بالنسبة للمصلحة التي يحققها مثل هذا النقل هذا مطلوب، وعرفنا من المواقف قال الصحابة لبعضهم: لأخبرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.....، إما أن ينقل كلام بعض الناس وقد تسلط بعض السفهاء حتى على خيار الناس ينقلون كلامهم من أجل أن يوغروا بهم صدور من بيده الأمر من الحكام وغيرهم، هذه جريمة نسأل الله العافية.

نعم إذا كان هناك ضرر متعدي يخشى من هذا الشخص لا كرامة له ينقل كلامه، ويحذر منه، لكن إذا كان ما هناك ضرر منه، فلا يجوز نقل كلامه، وهو داخل في النميمة، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينقل إليه الكلام ليخرج سالم الصدر لأصحابه، وهكذا ينبغي أن يتخذ موقف صارم من الذين يتكلمون في أعراض الناس، أو ينمون، ينقلون كلامهم من أجل الإفساد، الدفاع عن أعراض المسلمين فرض متحتم، فأعراض المسلمين حفرة من حفار النار كما يقول ابن دقيق العيد: "وقف على شفيرها العلماء والحكام" يعني لكثرة من يقع في أعراض العلماء، لكثرة من يقع في أعراض الحكام، وقفوا على شفير هذه الحفرة يدفعون من يقع في أعراضهم فيها، حفرة من حفر النار نسأل الله السلامة والعافية.

((وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)) والنميمة عرفنا أنها نقل الكلام من أجل الإفساد، فأخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- جريدة رطبة، وهذا نوع من أنواع الشفاعة منه -عليه الصلاة والسلام-، فشقها نصفين، رطبة، وكونها رطبة لما جاء في بعض الأخبار أن الرطب يسبح بخلاف اليابس، والتسبيح يخفف، فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، استغرب الصحابة فقالوا: يا رسول الله لما فعلت هذا؟ فقال: ((لعله))، لعله هذا رجاء منه -عليه الصلاة والسلام- ((يخفف عنهما ما لم ييبسا)) وهذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، ليس لأحد من بعده أن يأتي إلى قبور فيغرس فيها مثل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه ما يدريك أنه يعذب؟ وما يدريك أنه يخفف عنه بسبب صنيعك؟ وقد يقترن هذا الفعل بتزكية النفس، لكن من يستحق أن يفعل هذا الفعل كالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، هذا ما فعله خيار الأمة، نعم أثر عن بعض الصحابة، لكن ما فعله الكبار كأبي بكر وعمر والتابعين لهم بإحسان ما فعلوا هذا، اجتهد بعضهم وفعل لكن هو اجتهاد في غير محله، فهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي أطلع على حقيقة ما في هذه القبور، نعم؟

طالب:.......

الجريدة العسيب، عسيب النخل، العصا حق النخل هذا، نعم؟

طالب:.......

((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) وجاءت: ((غفرانك)) صحيح، إذا خرج من الخلاء قال: ((غفرانك)) هذا صحيح في الصحيح، ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)) كل هذا صحيح، يحمد الله -جل وعلا- أن يسر له إخراج هذا الأذى الذي لو بقي في جسده لتسمم وضره، ويستغفر من فعله خلاف الأولى، هو ما فعل محظور، لكن هو فعل خلاف الأولى حيث ترك الذكر في هذه المدة اليسيرة التي قضى فيها حاجته، فدل على أن الإنسان ينبغي له أن يلزم الذكر، إذا ترك الذكر في هذا الظرف يستغفر؛ لأنه ترك الذكر، ترك ما أمر به، فيستدرك ما فاته في هذه المدة، نعم.

باب السواك

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)).

نعم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) وفي رواية علقها البخاري: ((عند كل وضوء))، فالسواك: هو استعمال ما يزيل الأوساخ التي على الأسنان من عود رطب ونحوه هذا سنة مؤكدة، ولولا ما خشيه النبي -عليه الصلاة والسلام- من المشقة على أمته، وهو بهم رؤوف رحيم -عليه الصلاة والسلام-، شفيق على أمته، بُعث ميسراً بالحنيفية السمحة، فلولا هذه المشقة المترتبة على الأمر الذي هو على جهة الوجوب لأمرهم أمر وجوب، فالأمر أمر استحباب موجود، ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم)) يعني أمر وجوب أما أمر الاستحباب فهو ثابت، فالسواك مستحب.

((لولا أن أشق)) (لولا) حرف امتناع لوجود، امتنع الأمر أمر إيجاد السواك لوجود المشقة، جاء الحث على السواك، والحض عليه، وبيان أنه مطهرة للفم، مرضاة للرب، أمر الاستحباب موجود، وفعله -عليه الصلاة والسلام- يدل على أنه مستحب، وسياق الحديث يدل على أنه مستحب، والأمر المنفي هو أمر الوجوب، وهذا الحديث من أقوى الأدلة على أن الأمر الأصل فيه الوجوب، فمثل هذا الحديث، ((لأمرتهم)) انتفى الأمر، والمراد به أمر الوجوب، إضافة إلى قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [(63) سورة النــور] فرتب العقوبة على مخالفة الأمر فدل على أن الأمر الأصل فيه الوجوب.

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك)) السواك يطلق على الآلة التي يستاك بها من عود ونحوه، ويطلق أيضاً على الفعل الذي هو التسوك، وجمع السواك؟ هاه؟ سُوُك، جمع السواك سُوُك، بعض الناس يقولون: مساويك، المساويك هذه..، مساويك تقابلك محاسنك، لا، جمع السواك سُوُك، كتاب: كتب، نعم كتاب جمعه: كتب، سواك جمعه سُوُك، نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

أفعلة هذه جمع قلة.

((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) ((عند كل صلاة)) العموم يقتضي استحباب السواك عند جميع الصلوات المفروضة والنوافل، الصلاة العادية ذات الركوع والسجود، صلاة الكسوف، صلاة الاستسقاء، صلاة العيد، صلاة الجنازة وغيرها يؤمر بالسواك.

وجاء في الحديث الذي صححه بعضهم وهو لا يصل إلى درجة الصحيح أن الصلاة بالسواك عن سبعين صلاة، الصلاة بالسواك عن سبعين صلاة، وكثير من الناس يفرط في هذا، أمر الاستحباب ثابت، ((عند كل صلاة)) يعني في جميع الأوقات، بما في ذلك صلاة الظهر والعصر بالنسبة للصائم، أما كراهية السواك للصائم بعد الزوال فالخبر فيه ضعيف جداً، وهذا الحديث وما جاء في معناه من كونه -عليه الصلاة والسلام- كان يستاك وهو صائم، يدل على أن السواك لا يمنع في أي وقت من الأوقات، وما يقوله من يمنع السواك للصائم بعد الزوال وأنه يذهب الخلوف الذي هو عند الله أطيب من ريح المسك لا قيمة له؛ لأن الخلوف لا ينبعث من الفم، ينبعث من المعدة، ولا ينبعث من الفم، فالسواك لا يزيل هذا الأثر الطيب المحمود شرعاً، وما جاء في ذلك من الخبر فهو ضعيف، فالسواك مستحب عند كل صلاة، وعند كل وضوء كما علقه البخاري -رحمه الله- بصيغة الجزم.

يستحب أيضاً السواك عند تغير الفم، وعند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند طول السكوت، في مواضع كثيرة ذكرها أهل العلم، بعضها لها ما يدل عليه بخصوصها، وبعضها بالقياس، نعم.

من نظر إلى العلة قال: يثبت فضل السواك بكل ما يزيل الأوساخ من خرقة أو منديل أو أصبع خشنة، والذي نظر إلى اللفظ قال: السواك لا ينصرف إلا إلى العود الذي يتسوك به، لكن من نظر إلى العلة ولم يكن في حضرته سواك في ذلك الوقت واحتاج أن يستعمل أصبعه للإزالة يحصل له -إن شاء الله- الأجر، نعم.

وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك".

يشوص معناه: يغسل، يقال: شاصه يشوصه، وماصه يموصه إذا غسله.

"عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وكان في الأصل تدل على الاستمرار هذا الأصل "إذا قام من الليل" يعني من نوم الليل، والنائم لا شك أنه يتغير الفم، تتغير رائحة الفم من طول السكوت وإطباق الشفتين، ولما يتصاعد من الأبخرة من المعدة، تتغير رائحته، ووتراكم الأوساخ على أسنانه من جراء ما ذُكر، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قام من الليل يشوص، يشوص يعني يدلك ويغسل، غسل كل شيء بحسبه، "يشوص فاه بالسواك" يعني يدلك فاه بالسواك، وغسل الفم يكون بدلكه بالسواك، وإذا كان مع الوضوء فهو أكمل، ولذا جاء الأمر بالسواك، أمر استحباب مع كل وضوء على ما ذكرناه، نعم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا مسندته إلى صدري, ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصره فأخذت السواك فقضمته فطيبته, ثم دفعته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستن به، فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استناناً أحسن منه, فما عدا أن فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رفع يده أو إصبعه ثم قال: ((في الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ثم قضى، وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي.

وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه, وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم.

هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه.

عائشة -رضي الله عنها- تذكر أنه -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام-، بل في آخر لحظاته يحرص على هذه السنة العظيمة التي هي الاستياك.

قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر" تعني أخاها "على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنا مسندته إلى صدري" لأنه -عليه الصلاة والسلام- في آخر أيامه لا يثبت بنفسه لما فيه من مرض، كان -عليه الصلاة والسلام- يوعك ويشتد به الألم كما يوعك الرجلان منكم، يعني ضُعف عليه المرض والألم، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: ذلك أن لك أجرين؟ قال: ((أجل)) اللهم صل على محمد.

وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، يعني يستاك به، سواك رطب يستاك به -رضي الله عنه وأرضاه-، "فأبده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصره" حدد إليه النظر، وعرفت عائشة ماذا يريد؟ من اشتغل بخدمة إنسان عرف ما يحبه ذلك الإنسان وما يكرهه، وإلا الذي لم يشتغل بالخدمة، ولم يلتصق بالمرء لا يعرف ما يريد بمجرد نظر، فهي عرفت من خلال المعاشرة والمخالطة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحب السواك، فأخذت السواك فقضمته ونفضته وطيبته، قضمته لينته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحتمل أنها قضمته لتقطع القسم الذي استاك به أخوها، المقصود أنه محتمل، ومعلوم أن سؤر الآدمي طاهر، نعم قد يستقذر، لكن يحتمل أنها قضمته يعني قطعت منه الجزء الذي استعمله أخوها.

فقضمته فطيبته, بما تطيب رائحته، ثم دفعته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فاستن به، أعطته إياه، استن به يعني استاك به، "فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استناناً أحسن منه" -عليه الصلاة والسلام-، حرصاً على هذه السنة، والموفق لا يفرط بشيء من السنن حتى في أحلك الظروف والأحوال، وكثير من الناس يشاهدونه في الأوقات التي تضيق بالنسبة له، يهدر كثير من الواجبات فضلاً عن السنن، يتخفف من الواجبات لأدنى سبب، ويعذر نفسه بأدنى عذر عن الواجبات يتخفف، يقول: الله غفور رحيم، لأدنى عذر، يصاب بزكام فيترك الصلاة مع الجماعة، وعكة خفيفة يترك الصلاة، يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، يقول: الله غفور رحيم، نعم الله غفور رحيم، رحمته وسعت كل شيء، كتبها لمن؟ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا} [(156) سورة الأعراف] لمن؟ للمفرطين الذين يزاولون المنكرات؟! ويعتمدون على سعة رحمة الله؟! لا، هو غفور رحيم كما أخبر عن نفسه -جل وعلا-، لكنه مع ذلكم شديد العقاب، والله -سبحانه وتعالى- يغار، ولذا حدت الحدود، يزني الزاني ويقول: الله غفور رحيم، ويسرق السارق ويقول: الله غفور رحيم، رحمة الله -جل وعلا- لا تحد، وسعت كل شيء، لكن مع ذلكم هناك مع هذا الوعد وعيد، وعلى المسلم أن ينظر إلى النصوص مجتمعة، لا ينظر إلى الوعد فقط، فيصاب باليأس والقنوط، ويسلك مسالك الخوارج، ولا ينظر إلى نصوص الوعد معرضاً عن نصوص الوعيد فيسلك مسلك الإرجاء وينسلخ من الدين وهو لا يشعر، لا، على الإنسان أن يتوسط في أموره، كما هو مذهب أهل الحق، أهل السنة والجماعة، النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فرط في هذه السنة، رغم ما يكابده من آلام وأوجاع، ومن عرف الله، وتعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، من أراد أن ينظر الشاهد على ذلك -الشواهد الحية على ذلك- يزور المرضى في المستشفيات، لا سيما من كانت أمراضهم شديدة مقلقة، بل ينظر إلى أماكن العناية، وينظر الفروق، دخلنا المستشفى مرة فإذا بشخص أكثر من ثمانين عمره، في آخر لحظاته على لسانه اللعن والسب والشتم، لا يفتر عن ذلك، كبير السن في آخر لحظاته، أين أنت؟ الله يفعل ويترك، يلعن باللعن الصريح، وخرجنا من عنده وهو على هذه الحالة؛ لأنه عاش أيام الرخاء على هذه الحالة، وشخص بل أشخاص في العناية لا يعرف الزائرين ويُسمع القرآن منه ظاهر، يرتل القرآن ترتيلاً، وهو لا يعرف من حوله، مغمىً عليه، وكم من شخص في حال إغماء فإذا جاء وقت الأذان أذن، أذان واضح وظاهر، يسمع منه، وكم من شخص يلازم الذكر وهو في العناية، وترى علامات الذكر على وجهه، وقدم تجد، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، أما لأدنى سبب تعذر نفسك وتترك الواجبات فضلاً عن المستحبات، هذا في النهاية ما تجد شيء، ما تعان، كثير من طلاب العلم مع الأسف الشديد ليس لهم نصيب كما ينبغي من كتاب الله -عز وجل-، فإذا ذهب إلى الأماكن الفاضلة في الأوقات المفضلة في العشر الأواخر من رمضان في مكة يتفرغ للعبادة فيجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب يتعرض لنفحات الله في ذلك الوقت، يفتح المصحف لكن ليس له رصيد سابق طول عمره، يريد أن يستغل هذه الأيام، هل يعان على قراءة القرآن؟ ما يعان، ما يعان أبداً، هذا شاهد وحاضر، يعني موجود الشواهد، تجد شخص من خيار الناس يفتح المصحف بعد صلاة العصر بخمس دقائق ثم يغلق المصحف يمل، يتلفت يمين شمال لعله يشوف أحداً يقضي معه بعض الوقت ينفس عنه، في كربة ينفس عنك؟! لكن رأينا من ينظر في الساعة كيف تمشي بسرعة قبل أن يكمل ما حدده من التلاوة، حزبه الذي اعتاده، بعض الناس يقول: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الحج أربعة أيام، يقول: لو الإنسان يخيط الشفتين خياطة ما عليه..... لو سكت أربعة أيام؟ لكن هل يعان على السكوت وهو طول أيامه أيام الرخاء قيل وقال، والله ما يعان الإنسان، فعلى الإنسان أن يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء ليُعرف في مثل هذه اللحظات، كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] في العناية شخص يلعن ويسب ويشتم وشخص يقرأ القرآن، يعني الله -جل وعلا- ظلم هذا ولطف بهذا؟ هذا ما قدم، وهذا ما قدم، والنتيجة أمامك، النبي -عليه الصلاة والسلام- يكابد من المرض ما يكابد، ويحرص على تطبيق السنة -عليه الصلاة والسلام-.

"فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استن استناناً أحسن منه، فما عدا أن فرغ" مجرد ما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "رفع يده أو إصبعه، ثم قال: ((في الرفيق الأعلى)) ثلاثاً، ثم قضى -عليه الصلاة والسلام-" مات، خرجت روحه الشريفة إلى باريها "وكانت تقول: مات بين حاقنتي وذاقنتي".

الوهدة المنخفضة بين الترقوتين، والذقن معروف مكان اللحية.

"مات بين سحري ونحري" وهذا من مناقبها -رضي الله عنها-.

وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه, وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم" -عليه الصلاة والسلام-، "هذا لفظ البخاري ولمسلم نحوه".

فعلينا أن نحرص أشد الحرص على الواجبات، وما تقرب أحد إلى الله بأفضل مما افترض عليه، ويحرص أيضاً على تطبيق السنن في الرخاء ليمكن منها في الشدة وليألفها وليتجاوز مرحلة الاختبار إلى مرحلة التلذذ بالطاعة والعبادة، يكون له نصيب من الذكر، من التلاوة، من الانكسار بين يدي الله -عز وجل-، ليعرف إذا احتاج فيما بعد، ليكتب له هذا العمل إذا مرض وعجز عنه، يستمر له هذا العمل، الحديث الأخير.

عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يستاك بسواك رطب، قال: وطرف السواك على لسانه وهو يقول: أع، أع, والسواك في فيه كأنه يتهوع".

حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يستاك بسواك رطب" يعني في كيفية الاستياك، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن في سواكه، وعرفنا أن المراد به أنه يبدأ بشقه الأيمن وليس معناه أنه يستاك بيده اليمنى.

يستاك بسواك رطب, قال: وطرف السواك على لسانه، يستاك بالنسبة للأسنان عرضاً، العرض من اليمين إلى الشمال، وبالنسبة إلى اللسان طول من طرفه إلى آخره، وهو على لسانه وهو يقول: أع، أع، ولا يمكن أن يصدر مثل هذا إلا إذا وصل السواك إلى آخر اللسان، كأنه يتهوع، كأنه يريد أن يتقيأ، ولا يمكن أن يصل إلى مثل هذا المستوى إلا إذا كان السواك قد وصل إلى آخر اللسان، نعم.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ..