شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (255)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات السلام، عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
في بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بضيف اللقاء صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لتذكير الإخوة والأخوات نحن نشرح في كتاب التجريد الصريح المسمى بمختصر صحيح البخاري نحن عند الحديث مائة وستة في المختصر، مائة وثلاثين في الأصل، وهو حديث أم سلمة، في باب الحياء في العلم.
توقفنا فضيلة الشيخ عند قولها -رضي الله عنها-: «إن الله لا يستحي من الحق».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الكرماني مما أشرنا إليه في آخر الحلقة السابقة: "لا يستحي" أي لا يمتنع من بيان الحق، فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه مما يستحي النساء في العادة من السؤال عنه، يقول: لأن نزول المني منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال، وقال ابن حجر: أي لا يأمر بالحياء في الحق، هناك في كلام ابن بطال والكرماني: لا يمتنع ولا يترك، وهنا يقول ابن حجر: أي لا يأمر بالحياء في الحق.
ويقول في موضع آخر، ابن حجر يقول في موضع آخر من الفتح: قد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات.
متى يحتاج إلى تأويل الاستحياء؟ في الإثبات، يعني إذا قلنا: إن الله يستحيي، يقول: قد يقال: إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات، ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنًا، يعني جاء وصف الله بالحياء في الإثبات أيضًا.
يقول: ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنًا، لكن –هذا كلام ابن حجر- لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق، عاد إلى جانب الإثبات فاحتيج إلى تأويله. قاله ابن دقيق العيد.
يعني وإن كان سياقه سياق نفي إلا أنه في الحقيقة مفهومه إثبات، إثبات للضد، قاله ابن دقيق العيد.
علق شيخنا الشيخ ابن باز-رحمه الله- على كلام ابن حجر بقوله: الصواب أنه لا حاجة إلى التأويل مطلقًا، فإن الله يوصف بالحياء الذي يليق به، ولا يشابه فيه خلقه كسائر صفاته.
وقد ورد وصفه بذلك في نصوص كثيرة، فوجب إثباته على الوجه الذي يليق به.
وهذا قول أهل السنة في جميع الصفات الواردة في الكتاب والسنة الصحيحة، وهو طريق النجاة فتنبه واحذر، والله أعلم.
يقول ابن حجر أيضًا: قدمت أم سليم هذا الكلام بسطًا لعذرها، يعني على ألسنة الناس منتشر: لا حياء في الدين، يقولون كثيرًا: لا حياء في الدين.
المقدم: صحيح.
فهل هذا كلام صحيح أو غير صحيح؟
المقدم: هو غير صحيح.
الحياء شعبة من شعب الإيمان، ولا يأتي إلا بخير، فهو من الدين من شعب الإيمان، لكن قصدهم بذلك الذي يمنع..
المقدم: يعني لا حياء في السؤال المفروض..
يعني في السؤال عما يهم من أمور الدين. وإلا إذا أردنا أن (في) هذه ظرفية في أصل الدين وصلب الدين لا.
المقدم: هو خطأ.
نعم خطأ. يقول ابن حجر: قدمت أم سُليم هذا الكلام بسطًا لعذرها في ذكرها ما يستحيي النساء من ذكره بحضرة الرجال، ولهذا قالت لها عائشة كما ثبت في صحيح مسلم: «فضحت النساء».
«فهل على المرأة»: أي هل يجب على المرأة، أي فهل يجب على «المرأة من غسل»: بضم الغين، وفي رواية من غَسل بفتحها، وهما مصدران عند أكثر أهل اللغة، وقال آخرون: بالضم الاسم، وبالفتح المصدر.
وحرف الجر زائد، قاله القسطلاني.
وقال الكرماني: غُسل بضم الغين: هو اسم الفعل المشهور، يعني الاغتسال، وبفتح الغين هو مصدر، يعني هنا يحصل لبس إذا قلنا مثلًا: الوُضوء، الوَضوء، الغُسل، والغَسل، والغِسل.
يأتي عندنا اسم الفعل، ولا يراد به اسم الفعل الاصطلاحي في النحو، لا يراد اسم الفعل المصطلح عليه في النحو، المراد به فعل المكلف في نفسه الاغتسال، يقول: غُسل بضم الغين: هو اسم الفعل المشهور يعني الاغتسال ما هو بالمشهور في النحو، يعني في فعل المكلف بنفسه، الوُضوء يراد به: التوضؤ، والوَضوء يراد به: الماء.
الطُّهور والطَّهور إلى غير ذلك، وبفتح الغين وهو مصدر، غَسل يغسل غَسلًا، يعني مصدر الكلمة. وأما الغِسل بالكسر فهو اسم ما يغتسل به، فهو اسم ما يغتسل به: الغِسل، ما يغتسل به كالصابون والسدر والأُشنان ونحوها. يقال له: غِسل.
وفي المحكم، لمن المحكم؟
المقدم: لابن سيده.
نعم، لابن سيده، غسل الشيء يغسله غَسلًا وغُسلًا هما مصدران للفعل غسل.
«إذا هي احتلمت»: أي رأت في منامها أنها تُجامع، أي رأت في منامها أنها تُجامع، مشتق من الحُلم بالضم: وهو ما يراه النائم، تقول منه: حلم بالفتح واحتلم، تقول: حلمت بكذا، وحلمته أيضًا، والحِلم بالكسر الأناة، والحِلم بالكسر الأناة، تقول: منه حَلُم الرجل بالضم وتحلّم تكلف الحِلم بالكسر، الحِلم بالكسر الأناة.
النبي-عليه الصلاة والسلام- وصف الأشج -أشج عبد القيس-...
المقدم: إن فيك خصلتين.
إن فيك خصلتين، ما هما؟
المقدم: الحِلم والأناة.
الحِلم والأناة، وهنا قال: والحِلم بالكسر الأناة، هما متقاربان في المعنى يفسر أحدهما بالآخر عند الافتراق، لكن قد يكون من باب عطف الشيء على نفسه من باب التوضيح، الحلم والأناة، ولكن سماهما خصلتين، سماهما خصلتين، ولذا ينبغي التفريق بينهما، بأن يكون الحلم غير الأناة، يعني وإن كانا يشتركان في المدح في هاتين الخصلتين، وبينهما اشتراك، لكن يبقى أنه في الحديث هما خصلتان.
المقدم: بينهما عموم وخصوص.
يعني ممكن أن يفسر الحلم بأنه الأناة؛ لتقاربهما، وممكن أن يكون عطف الأناة على الحلم من باب التفسير، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- جعلهما خصلتين، ما جعلهما خصلة واحدة دليل على أن بينهما فرقًا وليسا مترادفين.
فيمكن أن يحمل الحلم على إيش؟ الأناة معروف أنها عدم العجلة في اتخاذ القرار، يعني يتأنى في جميع أموره. الحلم قد يدخل فيه العفو عمن أساء إليه، يحلم عليه ولا يغضب.
لأن بعض الناس يكون عنده حلم..
المقدم: لكن ما عنده أناة.
لكن ما عنده أناة، يصبر يصبر يتحلم، يتحمل ثم بعد ذلك يقرر، فإذا اجتمع الأمران صبر وتحمل وتحلم وصار حليمًا بالتطبع، واستمر على ذلك، ومع ذلك لا يتعجل في قراراته، فيجمع بين الأمرين.
وتحلَّمَ: تكلف الحلم بالكسر، وتحلم أيضًا إذا ادعى الرؤيا كاذبًا، إذا ادعى الرؤيا كاذبًا.
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأت الماء»: أي المني بعد الاستيقاظ، قال ابن حجر: يدل على تحقق وقوع ذلك، وجَعْلُ رؤية الماء شرطًا للغسل يدل على أنها إذا لم ترَ الماء فلا غسل عليها، لا غسل عليها.
ويقول الكرماني: أي عليها غسلٌ حين رأت المني إذا انتبهت، فإذا ظرفية أو إذا رأت وجب عليها غسل، فتكون حينئذ شرطية، فلو رأى النائم أنه يجامع، وأنه قد أنزل ثم استيقظ فلم يرَ منيًّا فلا غسل عليه؛ لأن الغسل عُلق على رؤية الماء.
في شرح العيني يقول: رأت من رؤية العين، والماء منصوب برأت برؤية العين، يعني تختص الرؤية بالعين.
المقدم: أبدًا.
هذا بالنسبة للمبصر واضح، حتى لو أن المبصر انتبه في ظلام ووقعت يده على رطوبة تميز أنواع ما ينزل أو ما يخرج عُمل بها، ومثل هذا الأعمى، أقول: وفي حكم رؤية العين ما يقوم مقام الرؤية من الأعمى مثلًا أو ممن لا يبصر لظلام ونحوه، إذا جزم بأن وقعت يده أو مست بشرته رطوبة، وكان مما يميز بين أنواع ما ينزل في مثل هذه الحالة من المني والودي والمذي؛ يترتب عليه الحكم.
«إذا رأت الماء»: قلنا إنه يقوم مقام الرؤية الجزم بخروج الماء، بمسه أو ما أشبه ذلك.
في حديث: «من رأى منكم منكرًا»، «من رأى منكم منكرًا فليغيره» هذه الرؤية تختص بالبصر؟ الأعمى لا علاقة له بهذا الحديث؟
المقدم: أبدًا، الرؤية معروفة ليس بالضرورة أن تكون بالبصر، يعني يتحقق، يعرف.
هو لابد من التحقق، بمعنى أنه يعمل بالأخبار الصحيحة التي تنزل منزلة الرؤية في صحتها، فاختيار الرؤية في الحديث فإما أن يكون الإنسان اطلع على المنكر بنفسه أو يكون بلغه المنكر بطريق يقرب من الرؤية.
بطريق صحيح، ولا يتعجل في الإنكار بناءً على أخبار يشك فيها أو على إشاعات أو ما أشبه ذلك.
ومع ذلك لا نقول إنه يلزم أن يرى بعينه؛ لأن الخطاب يتناول الأمة بكاملها المبصر وغير المبصر لابد أن ينكر، من المنكرات ما لا يرى مثلًا يُسمع، هل نقول: إن الإنكار خاص بالرؤية؟ لا، لكن غالب المنكرات ترى، فجاء الحديث بالرؤية، والرؤية لاشك أنها تثبت الأمر قطعًا يقينًا، وينزل منزلتها الأخبار الصحيحة المبنية على إخبار الثقات.
وحينئذ اختيار من رأى هذا سره، بألا يتعجل في الإنكار قبل التثبت، إن لم تكن رؤية قبل التثبت من صحة الأخبار، فلا يعتمد على أناس ليسوا من أهل الرواية وقبول الأخبار، ولا يعتمد أيضًا على إشاعات من باب أولى.
«فغطت أم سلمة»: قال الكرماني ومثله العيني: الظاهر أنه من كلام زينب الراوية للحديث.
المقدم: الراوية عن أم سلمة.
نعم، الظاهر أنه من كلام زينب، فالحديث ملفقٌ من رواية صحابيتين؛ لأن زينب صحابية، ويحتمل أن يكون من أم سلمة على سبيل الالتفات، يعني ما قالت: فغطيت وجهي الراوية، «فغطت أم سلمة» يحتمل أنه ملفق يعني من كلام زينب فيكون ملفقًا من رواية الصحابيتين، ويحتمل أن يكون من أم سلمة على سبيل الالتفات.
كأنها جردت من نفسها شخصًا فأسندت إليه التغطية، إذ أصل الكلام: فغطيت وجهي وقلت: «يا رسول الله» تجريد تقدم في كتاب الإيمان، في حديث سعد بن أبي وقاص، «أعطى رهطًا وسعدٌ جالس»، ما قال: أنا جالس فجرد من نفسه شخصًا تحدث عنه، وهنا جردت من نفسها امرأة تحدثت عنها، وإلا فالكلام من أم سلمة.
ولا قالت: فغطيت وجهي فقالت: «فغطت أم سلمة».
قال الحافظ ابن حجر: في مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضًا، ويمكن الجمع بأنهما كانتا حاضرتين.
«تعني وجهها»: هو بالمثناة من فوق، والقائل: عروة. وفاعل تعني: زينب، والضمير.. هذا إذا قلنا من كلام زينب، والضمير يعود على أم سلمة، قاله ابن حجر، تعني وجهها القائل تعني وجهها عروة، وفاعل تعني زينب يعني التي قالت، فغطت أم سلمة.
المقدم: عندكم تعني يا شيخ؟
نعم.
المقدم: عندنا يعني وجهها.
إذا قلنا: يعني وجهها، قلنا إنه من كلام عروة، يعني قوله «فطغت أم سلمة»: إذا قلنا يعني وجهها فالقائل «فغطت أم سلمة وجهها» عروة.
ولا يمكن أن يقول عروة؛ لأن عروة ما شهد، لكن تعني وجهها هذا التفسير لغطت أم سلمة هذا التفسير من عروة، فسره فيما بعد، يقول: «فغطت أم سلمة» ماذا غطت؟ زينب قالت: «فغطت أم سلمة »، أو أم سلمة قالت: «فغطت أم سلمة»؟ على الاحتمالين، من القائل زينب أو أم سلمة؟ المفسر لغطت :«تعني وجهها»: هو بالمثناة من فوق والقائل هو عروة المفسر لغطت عروة، وفاعل تعني زينب.
وإذا قلنا الفاعل زينب فلابد من تعني، ولا يجوز أن نقول: يعني، لماذا؟ لأن الفاعل ضمير مستتر يعود على مؤنث حقيقي، فلابد من تأنيثه، وفاعل تعني زينب، والضمير يعود على أم سلمة، قاله الحافظ .
وفي شرح الكرماني: هذا الإدراج من عروة ظاهرًا، ويحتمل أن يكون من راوٍ آخر، وهذا إدراج في إدراج.
الحديث لأم سلمة، والقائل فغطت وجهها يحتمل أن يكون زينب، والمفسر لهذه التغطية عروة أو راوٍ آخر، فيكون إدراجًا في إدراج.
وقالت: «يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟».
المقدم: لكن القصة في حضور نساء فقط؟
هذا الحاصل هذا الظاهر، فيه أم سلمة وفيه أم سليم وفيه عائشة.
المقدم: لأنها كاشفة.
لاشك أنها نساء فقط، ما فيه إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام- والذي حققه ابن حجر فيما مر مرارًا أنه لا حجاب عنه -عليه الصلاة والسلام-، والوقائع عن ذلك كثيرة.
وقالت: «يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟»: قال الكرماني: هو عطف على مقدر يقتضيه السياق، أي أتقول ذلك أو أترى المرأة الماء وتحتلم؟ لأنه استفهام، والواو هذه عاطفة، والمعطوف عليه محذوف لابد من تقديره، وتقدير ما يليق بالسياق ويقتضيه أي أتقول ذلك أو أتقول ذلك وتحتلم المرأة؟ أو أترى المرأة الماء وتحتلم؟ أو نحوه.
والذي جر إلى مثل هذا كون الواو عاطفة، لابد أن تعتطف على شيء مقدر؛ لأنه غير موجود، فلابد من التقدير وإلا التقدير بمثل هذا: أتقول ذلك وتحتلم المرأة؟ فيه شيء من الركاكة.
أو أترى المرأة الماء وتحتلم؟ لأن ذكر الماء جاء إيش؟ في الحديث.
المقدم: إذا رأت الماء.
نعم في قوله: «إذا رأت الماء»، فيفسر بالمذكور أو أترى المرأة الماء وتحتلم؟ هذا أولى من أي أتقول ذلك.
أو نحوه، وقال ابن حجر: وتحتلم بحذف همزة الاستفهام، بحذف همزة الاستفهام، وللكشميهني: أوَ تحتلم، أوَ تحتلم بإثباتها، بإثباتها.
وقال ابن بطال: فيه أن المرأة تحتلم غير أن ذلك نادر في النساء، غير أن ذلك نادر في النساء، ولذلك أنكرته أم سلمة، غير أن ذلك نادر في النساء، ولذلك أنكرته أم سلمة.
قال ابن حجر: لكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله، ولهذا أنكر عليها.
يعني هل هي أنكرت الاحتلام، أو أنكرت أن المرأة يخرج منها ماء؟ لكن الجواب يدل على أنها إنما أنكرت وجود المني من أصله، ولهذا أنكر عليها.
لأنه في الأخير قال: «تربت..؟
المقدم: يمينك.
ماذا قال؟
المقدم: «تربت يمينك، فبمَ يشبهها ولدها؟».
نعم هذا يدل على أن منها مشاركة في الجماع، منها ومنه.
قال -صلى الله عليه وسلم-: «نعم تحتلم وترى الماء تربت يمينك»: تربت يمينك بكسر الراء من ترب الرجل إذا افتقر، من ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب.
وأترب إذا استغنى، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله، وقيل معناه: لله دركَ أو لله دركِ.
وقيل: أراد بها المثل؛ ليرى المأمور بذلك الجد، وأنه إن خالفه فقد أساء.
وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة، وليس بصحيح، وكثيرًا ما يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم، وإنما يريدون بها المدح كقولهم: لا أب لك، لا أم لك، ولا أرض لك، هوت أمه، ونحو ذلك، قاله الهروي.
وفي صحيح مسلم: فقالت عائشة: «يا أم سليم، فضحت النساء، تربت يمينك، فقال لعائشة: بل أنت فتربت يمينك»، في المعلم للمازري شرح صحيح مسلم يقول: تأوله مالك على أنه دعاء لهما بالاستغناء، تربت يمينك تأوله مالك على أنه دعاء لهما بالاستغناء، لما بعد في نفسه أن يدعو عليهما بالفقر، وكذلك قال عيسى بن دينار أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: تربت بمعنى استغنت، تربت بمعنى استغنت.
قال الهروي في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:16]. أي لصق بالتراب من فقره، أي لصق بالتراب من فقره، يقال: ترب الرجل إذا افتقر، وأترب إذا استغنى، قال: وفي الحديث: «عليك بذات الدين تربت يداك» يعني فاظفر بذات الدين تربت يداك.
قال ابن عرفة: أراد تربت يداك إن لم تفعل ما أمرتك به، قال ابن الأنباري: معناه لله درك إذا استعملت ما أمرتك به، واتعظت بعظتي.
قال الشيخ المؤلف -المازري-: هذا اللفظ وشبهه، هذا اللفظ وشبهه يجري على ألسنة العرب من غير قصد للدعاء، وعلى ذلك يحمل ما وقع له -صلى الله عليه وسلم- مع زوجتيه المذكورتين، وقد وقع مع زوجتيه المذكورتين.
يقول المازري: وقد وقع في رسالة للبديع -بديع الزمان الهمذاني- في رسالة له قال: وقد يوحش، انظر البلاغة.
وقـد يـوحـش اللفـظ وكـلـه ود |
ويكره الشيء وليس من فعله بد |
هذه العرب تقول: لا أبا لك للشيء إذا أهم، وقاتله الله ولا يريدون الذم، وويل أمه للأمر إذا تم، وللألباب في هذا الباب -يعني من أراد أن يفرق بين الذم والمدح- يقول: وللألباب في هذا الباب أن ينظروا إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوًا فهو البلاء وإن حسن.
يعني بعض الألفاظ لا بد من معرفة الظروف والأحوال المحتفة بالكلام، ولا بد من معرفة السياق، ولا بد من معرفة ما أثار الكلام.
ما أثار الكلام لا بد من معرفته، يعني حينما قال الشاعر:
خاط لي عمروٌ قباءً |
ليتَ عينيه سواء |
فاسأل الناس أشعري |
هذا مديح أم هجاء |
زيد هذا أعور العين وخاط قباءً، وقال: ليت عينيه سواء يذمه أو يمدحه؟
المقدم: هذا يمدحه.
يذمه أو يمدحه؟
المقدم: يعني يتمنى أن كلا عينيه تعتدل.
أو العكس، ولذلك يقول:
فاسأل الناس أشعري |
هذا مديح أم هجاء |
ما يدرون، لابد أن نعرف القباء هل هو على المطلوب أم لا.
المقدم: ما حاله؟ نحن لن ندري القباء..
لن ندري، ولن نعلم، لم نطلع الآن، ولذا قال:
فاسأل الناس أشعري |
هذا مديح أم هجاء |
لأنه كان القباء الذي خاطه له عمرو على ما أرد يدعو له بأن تكون عينه العوراء مثل السليمة يصير مدحًا، وإن كان أفسد عليه قماشه...
المقدم: يدعو عليه أن تكون السليمة.
أن تكون السليمة عمياء، خاط لي عمرو قباء ليت عينيه سواء.
فلابد من معرفة الظروف المحتفة، أحيانًا ما نعرف المطلوب، ولذلك يقول في كلام البديع يقول:
وقد يوحش اللفظ وكله ود |
ويكره الشيء وليس من فعله بد |
هذه العرب تقول لا أبا لك للشيء |
إذا أهم وقاتله الله ولا يريدون الذم |
وويل أمه للأمر إذا تم.
وللألباب في هذا الباب أن ينظروا إلى القول وقائله، فإن كان وليًّا فهو الولاء وإن خشن، وإن كان عدوًّا فهو البلاء وإن حسن.
المقدم: أحسن الله إليك، وبارك فيك، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير.
بهذا نصل إلى ختام هذه الحلقة إخوتنا وأخواتنا على أن نستكمل بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.