كتاب الصلاة (35)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ كَنْسِ المَسْجِدِ وَالتِقَاطِ الخِرَقِ وَالقَذَى وَالعِيدَانِ:

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ، فَقَالُوا: مَاتَ، قَالَ: «أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» أَوْ قَالَ: «قَبْرِهَا»، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فجاء في النصوص تعظيم المساجد، وأنها بيوت الله، وأنها بُنِيَت لإقامة الصلاة وذِكر الله، وأن المسجد بيت كل تقي، وجاء الحث على التبكير إلى الصلوات، وأن المسلم ما زال في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، وأنه إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة فإن الملائكة تدعو له، وتستغفر له.

يقول ابن عبد القوي في (منظومة الآداب):

وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْتَ فِيْهِ وَحليةٍ

 

تَحَلَّيْتَهَا ذِكْرُ الإِلَهِ بِمَسْجِدِ

وسُمِع في الأناشيد التي يُرددها بعض الناس:

 إسلامنا لا يستقيم عموده

 

بدعاء شيخٍ في زوايا المسجد

العكس.

إسلامنا لا يستقيم عموده

 

بدعاء شيخٍ في زوايا المسجد

هذا الكلام غير صحيح، ولا يليق بمسلم أن يقول هذا، اللهم إلا إن كان القائل عايش في بلده نفرًا من الصوفية الملازمين للمسجد بحُجة أنهم يذكرون الله على وجوهٍ غير شرعية، فمثل هذا لا شك أنه لا ينفع ولا ينتفع، وأما الإسلام فيقوم عموده بملازمة المسجد التي هي باب الخير كله، وكان النبي –عليه الصلاة والسلام- من المسجد يُجهِّز الجيوش، ويُعلِّم العلم، ويُوجِّه أصحابه، ويُرشِد جاهلهم إلى غير ذلك، فالمسجد بوابة لكل خير.

"إسلامنا لا يستقيم" هذا من الأناشيد التي كانت تُسمَع إلى وقتٍ قريب.

 

إسلامنا لا يستقيم عموده

 

بدعاء شيخٍ في زوايا المسجد

ما أفضل من المسجد ولزوم هذا الشيخ في المسجد للذكر والدعاء؟

قد عُرِف عن السلف أنهم يلزمون المساجد لاسيما في حال الصيام، وأنهم يحفظون صيامهم من النقص بلزوم المسجد، والله المستعان.

مما ينبغي ويُشرَع في حق كل مسلم: كنس المسجد، ورُتِّب عليه من الأجور ما رُتِّب، وجاء في حديثٍ -لا أعرف ثبوته الآن- أن كنس المسجد أو إزالة القذى من المسجد مهور الحور العين، فلو بحثتم عنه نستفيد.

وعلى كل حال هذه المرأة السوداء أو الرجل الأسود الذي مات وكان يقُمُّ المسجد أو كانت تَقُمُّ المسجد سأل عنه النبي –عليه الصلاة والسلام- فقالوا: إنه مات البارحة من الليل، وخشوا أن يشقوا عليه –عليه الصلاة والسلام-، وكأنهم تقَالُّوا شأن هذا الشخص، فقال: «دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» فصلى عليه.

«أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي» يعني: أعلمتموني وأخبرتموني "«دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» أَوْ قَالَ: «قَبْرِهَا» فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا" -عليه الصلاة والسلام-.

وهذا فيه رفعٌ لشأن هذا الشخص الذي هو في عيون وأنظار بعض الناس ليس بشيء أو شيء لا يستحق أن يُخبَر النبي –عليه الصلاة والسلام- عنه بالليل.

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ كَنْسِ المَسْجِدِ".

طالب: شيخنا الحديث يقول: غنه من الموضوعات، رواه الديلمي.

رواه الديلمي! على كل حال...

طالب: ..............

ماذا؟

طالب: الديلمي.

على كل حال إذا كان ما رواه إلا الديلمي فهو ضعيف؛ لأن ما يتفرَّد به العقيلي، وابن عدي، والخطيب، والديلمي أيضًا، وابن عساكر في تاريخه كلها ضعاف، وجعلوا ذلك علامةً للحديث الضعيف أو لضعف الحديث.

طالب: وابن الجوزي في الموضوعات.

أخس، أردأ.

 

وما نُمي لعقْ، وعَدْ، وخَطْ، وَكِرْ

 

ومُسند الفردوس ضعفه شُهِر

عق من هو؟

طالب: العقيلي.

العقيلي، وعَد؟

طالب: ابن عدي.

ابن عدي، وخط؟

طالب: الخطيب.

الخطيب البغدادي في تاريخه، وكِر: ابن عسكر.

...........................................

 

ومُسند الفردوس ضعفه شُهِر

طالب: الديلمي.

الديلمي، من أين هذا البيت يا أبا عبد الله؟

طالب: ألفية العراقي.

لا والله ما هو بالألفية، يعني عندك أنت في قرارة نفسك أني ما أعرف إلا الألفية؟

طالب: ................

ليس في الألفية، وإنما هو من منظومةٍ مستقاةٍ من الألفية اسمها (طلعة الأنوار) مختصرة جدًّا ما هي مثل الألفية (طلعة الأنوار) لواحد من الشناقطة، وشرحها؟

طالب: بحر...

البحر الزَّخَّار؟!

طالب: .................

أنت تبحث فقط على الوزن، ما يصلح.

طالب: ................

لا، الشارح المشَّاط (كشف الأستار عن مُحيا طلعة الأنوار) منظومة مختصرة ومفيدة، جُلها من الألفية لكن فيها زوائد، وهذا البيت لا تجده عند غيره.  

"بَابُ كَنْسِ المَسْجِدِ وَالتِقَاطِ الخِرَقِ" وما أكثر ما نرى من المناديل المستعملة التي يستعملها بعض الناس ويتركها في المسجد بقصد أو بغير قصد؛ لأنه أكثر ما يكون من غير قصد، يضعها في جيبه، وتكون قريبة من الفتحة إذا قام سقطت، فالذي يأخذ مثل هذا أجره عظيم لاسيما المناديل المستعملة التي يتقزز كثيرٌ من الناس عن مسِّها. 

 "بَابُ كَنْسِ المَسْجِدِ وَالتِقَاطِ الخِرَقِ وَالقَذَى وَالعِيدَانِ" وما أكثر ما نرى في الصفوف من كسر العيدان التي يلفظها بعض المصلين بعد الاستياك؛ لأن بعض السُوك -جمع مسواك جمعها سُوك، كتاب كُتب- بعضهم يأتي بسواكٍ طري توه ابتدأهـ فيكون فيه من العيدان، ثم يلفظها في المسجد.

إذا كان هذا الأجر العظيم لمن يلتقط هذه الأشياء، فما الذي على من يُوجِدها؟

طالب: العكس.

العكس، يُمكن أن يُؤخَذ من هذا مثال لقياس العكس «أفرأيت إنْ وَضَعَهَا فَيْ حَرَامٍ».

طالب: .............

"بَابُ كَنْسِ المَسْجِدِ" ما معنى الكنس؟

طالب: ..............

فيه كلماتٍ ما...

طالب: جمع القذاة بآلة.

بآلة؟

طالب: ..............

يقول لك: الباب، والعيدان منه... تدرون أن الشارح ما تكلم على كلمة كنس، لماذا؟ لأنها لا تخفى على أحد، وهذا الذي يجعل تعريفها عَسِرًا، يعني ما تخفى لا على كبير ولا صغير.

طالب: ..............

ماذا يقول؟

طالب: ..............

أين التعريف؟

طالب: ..............

ما عرَّف الكلمة، ذكر ما يعرفه الناس كلهم، وعادته أنه يذكر التقدير الذي يكون الباب خبرًا له، دائمًا يقول: هذا باب.

"وَالتِقَاطِ الخِرَقِ وَالقَذَى وَالعِيدَانِ" وبعض الناس يقول: إنه لا يُطَالب بهذا إلا من عُيِّن لهذا الأمر، وهذا حارمٌ لنفسه، بل على المسلم أن يُبادر ويُسابق إلى هذه الأشياء؛ ليحصل الأجر العظيم من الله –جلَّ وعلا-؛ لأنه من تعظيم شعائر الله، وهو من تقوى القلوب.

طالب: الكنس كسح..

كسح نعم.  

طالب: أحسن الله إليك قول الله –عزَّ وجلَّ-: {الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير:16] نفسها؟

لا، ابن مندور مثل التعريف الذي جاء في شرح التوحيد، قال: كان فلان يأتي إلى خوخةٍ -لا إلى فُرجةٍ- في المسجد في حائط المسجد، فيُدخِل رأسه ويُسلِّم على النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: الفُرجة هي الخوخة تكون في الجدار.

طالب: ...............

لأنك تقول: الكنس هو الكسح، وفي بعض الجهات يقولون: خم، يخم المكان يعني: يُنظِّفه ويكنسه.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ" البُناني.

"عَنْ أَبِي رَافِعٍ" الصائغ، وليس الصحابي رُفيع، لا، هذا الصائغ.

"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ" وذِكر الإنسان بما فيه إذا كان القصد منه التعريف لا العيب لا شيء فيه، إن كان ما له صفة تُميزه عن غيره إلا هذا كما تقول: فلان ابن فلان الأعور، الأعرج، الأعمش، كل هذه الألقاب قد لا يرتضيها أصحابها، لكن ما عُرِف إلا بها، ولا اشتهر إلا بها.

"أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ" أو كانت على الاحتمالين.

"فَمَاتَ" أو ماتت "فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ" أو عنها "فَقَالُوا: مَاتَ" إن كان رجلًا أو ماتت إن كانت امرأة "قَالَ: «أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي»" أي: أعلمتموني عن خبرها.

طالب: ............

ماذا فيه؟

طالب: ............

لا، هو شك من الراوي هل قال هذا أو هذا، وتبعًا لذلك تتغير الضمائر

«آذَنْتُمُونِي» يعني: أعلمتموني. قال الرسول –عليه الصلاة والسلام-: «إِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي» يعني: أعلميني، وفي حديث تغسيل ابنته: «إِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي».

«أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ» يعني: ليُشارك -عليه الصلاة والسلام-.

«دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» أَوْ قَالَ: «قَبْرِهَا» فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا" فيه مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يُصلَّ عليه، وبمجرد ما يعلم يُصلي.

واختلفوا في تحديد المدة التي لا تُشرَع الصلاة بعدها، الحنابلة يُحددون ذلك بشهر، وغيرهم يختلفون بعضهم يقول: فيما لا يمضي عليه وقتٌ يُنسى.

وعلى كل حال فيه الصلاة على القبر مشروعية الصلاة على القبر بهذا الحديث، وصلى النبي –عليه الصلاة والسلام- على شهداء أُحد على خلافٍ بين الروايات هل هي صلاة شرعية أو دعاء؟

طالب: ............

لا بُد أن يستقبل القبلة، ما فيه صلاة لغير القبلة إلا إن كان على الدابة.

طالب: ............

موجَّه لا بُد يكون موجَّهًا.

طالب: هل يُشتَرط أنه يعرف هذا الرجل الميت للصلاة على قبره أو على أي واحد؟

إذا كان قبرًا جديدًا وما صلى عليه يُرجى أن يحصل له الأجر.

طالب: ............

إذا صلى على المسلم ما يُعيده؛ لأن هذا أمر ما ثبت عن أحدٍ من سلف الأمة.

طالب: ............

لازم أن يصير باتجاه القبلة ما هو بهذا الميت؟ والقبلة هذه؟ يُصلي على صدر الرجل أو على رأسه، والمرأة على وسطها ما فيه إشكال.

طالب: ............

على ظهر الميت.

طالب: ............

ما يصلح، ما أثِر عن أحد أنه يُصلي مرتين.

نعم.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ كَنْسِ الْمَسْجِدِ وَالْتِقَاطِ الْخِرَقَ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ" أَيْ: مِنْهُ.

قَوْلُهُ: "عَنْ أَبِي رَافِعٍ" هُوَ الصَّائِغُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَوَهْمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَبُو رَافِعٍ الصَّحَابِيِّ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا رَافِعٍ الصَّحَابِيِّ.

قَوْلُهُ: "أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ" الشَّكُّ فِيهِ مِنْ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ هَكَذَا أَوْ مِنْ أَبِي رَافِعٍ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ بَابٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: وَلَا أَرَاهُ الا امْرَأَة، وَرَوَاهُ ابن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: امْرَأَةً سَوْدَاءَ وَلَمْ يَشُكَّ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ من حَدِيث ابن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فَسَمَّاهَا أَمَّ مِحْجَنٍ، وَأَفَادَ أَنَّ الَّذِي أَجَابَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سُؤَالِهِ عَنْهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَذكر ابن مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ خَرْقَاءَ امْرَأَة سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، وَوَقَعَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، وَذَكَرَهَا ابن حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ بِدُونِ ذِكْرِ السَّنَدِ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهَذَا اسْمُهَا وَكُنْيَتُهَا أُمُّ مِحْجَنٍ.

قَوْلُهُ: "كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ" بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ أَيْ يَجْمَعُ الْقُمَامَةَ وَهِيَ الْكُنَاسَةُ. فَإِنْ قِيلَ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى كَنْسِ الْمَسْجِدِ، فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ الْتِقَاطُ الْخِرَقِ وَمَا مَعَهُ؟ أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَالْجَامِعُ التَّنْظِيفُ".

لكن ورد في بعض الأحاديث أو الطرُّق لهذا الحديث ذِكر الخرق وما معها.

"قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَشَارَ بِكُلِّ ذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ صَرِيحًا، فَفِي طَرِيقِ الْعَلَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ: كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ كَانَتْ مُولَعَةً بِلَقْطِ الْقَذَى مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْقَذَى بِالْقَافِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَقْصُورة جَمْعُ قَذَاةٍ، وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَقَذِيَةٌ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْقَذَى فِي الْعَيْنِ وَالشَّرَابِ مَا يَسْقُطُ فِيهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا".

ما يسقط فيه بالنسبة للعين؟ ما يدخل فيه وما يخرج منه من العين يسمونه الغمص.

"ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ يَقَعُ فِي الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا، وَتَكَلَّفَ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ، فَزَعَمَ أَنَّ حُكْمَ التَّرْجَمَةِ يُؤْخَذُ مِنْ إِتْيَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَبْرَ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ، قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ التَّرْغِيبُ فِي تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ.

"قَوْلُهُ: "عَنْهُ" أَيْ: عَنْ حَالِهِ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، أَيِ: النَّاسَ".

يعني سأل الناس عنه، فأجاب، من المجيب؟

طالب: أبو بكر.

أبو بكر نعم.

"قَوْلُهُ: «آذَنْتُمُونِي» بِالْمَدِّ أَيْ: أَعْلَمْتُمُونِي، زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ، قَالَ: فحقروا شَأْنه، وَزَاد ابن خُزَيْمَةَ فِي طَرِيقِ الْعَلَاءِ قَالُوا: مَاتَ مِنَ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وزَادَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ عَنْ حَمَّادٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي آخِرِهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ»، وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَهِيَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ، بَيَّنَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ (بَيَانِ الْمُدْرَجِ).

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ أَوْ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، يَعْنِي كَمَا رَوَاهُ ابن مَنْدَهْ".

مدرج الإسناد غير مُدرج المتن.

طالب: صح.

"وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازِ كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَزَادَ بَعْدَهَا فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّ أَبِي أَوْ أَخِي مَاتَ أَوْ دُفِنَ فَصَلِّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ تَنْظِيفِ الْمَسْجِدِ، وَالسُّؤَالِ عَنِ الْخَادِمِ وَالصَّدِيقِ إِذَا غَابَ، وَفِيهِ الْمُكَافَأَةُ بِالدُّعَاءِ، وَالتَّرْغِيبُ فِي شُهُودِ جَنَائِزِ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَنَدْبُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ عِنْدَ قَبْرِهِ لمن لم يصلِّ عَلَيْهِ والإعلام بِالْمَوْتِ".

طالب: ............

تقالُّوها تقلُّوا شأنها، حقَّروها، أمةٌ سوداء يدعون الناس يُصلون عليها!

طالب: ما يفعله الناس الآن من الانتظار.

لا ما ينتظرون، الانتظار يفعلونه اجتهادًا وإلا فالأصل الأمر بتعجيل الجنازة.

طالب: في لفظة أن رجلًا، الذي ثبت أن الفعل لامرأة في أحاديث استدل بها، ووردت في البخاري ........

هذا شك من الراوي أنه رجل أو امرأة.

طالب: وبعد ثبت أنه امرأة في روايات ....

ما دام ورد من طريقٍ صحيح تستشهد، ما المانع؟

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المَسْجِدِ:

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ فِي الرِّبَا، خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الخَمْرِ".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المَسْجِدِ"، والمراد بتجارة الخمر ذِكر التحريم لا أن تجارة الخمر حرامٌ في المسجد مفهومه أنها حلالٌ في غيره، لكن المراد ذِكر الحُكم كما قيل: البيع والشراء في المسجد، يعني حكم ذِكر البيع والشراء في المسجد، كما أنه جاء ذكر الفواحش كلها في المسجد، وتُليت في القرآن، ولا يعني أن حكمها هكذا، وإنما ذِكر الحكم في المسجد.

قوله: "حَدَّثَنَا عَبْدَانُ" اسمه: عبد الله بن عثمان العتكي المروزي.

"عَنْ أَبِي حَمْزَةَ" ابن؟

طالب: ابن ميمون.

نعم.

"عَنِ الأَعْمَشِ" سليمان بن مهران.

"عَنْ مُسْلِمٍ" ابن، أبو الضحى.

طالب: صبيح.

كُنيته أبو الضحى.

"عَنْ مَسْرُوقٍ" ابن الأجدع.

"عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ" يعني: من أواخرها "فِي الرِّبَا، خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى المَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ"، قرأ هذه الآيات التي فيها التنصيص على تحريم الربا والتشديد في أمره.

"فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الخَمْرِ" ولا يلزم أن يكون تحريم تجارة الخمر تأخر إلى هذا الوقت؛ لأن الخمر حُرِّمَت قبل ذلك بمدةٍ طويلة، لأن هذه الآيات من أواخر ما نزل، وتحريم الخمر تقدم على ذلك بكثير.

طالب: ...............

نعم.   

طالب: ...............

لكن هو أكَّد عليه في هذا الموقف، أكَّد على ذلك في ذلك الموقف.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ فِي الْمَسْجِدِ" أَيْ: جَوَازِ ذِكْرِ ذَلِكَ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ مَا يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُهُ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَهَا مُخْتَصٌّ بِالْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: بَابُ ذِكْرِ تَحْرِيمِ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.

وَمَوْقِعُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْمَسْجِدَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْفَوَاحِشِ فِعْلًا وَقَوْلًا، لَكِنْ يَجُوزُ ذِكْرُهَا فِيهِ لِلتَّحْذِيرِ مِنْهَا وَنَحْو ذَلِك كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ.

قَوْلُهُ: "عَنْ أَبِي حَمْزَة" هُوَ السكرِي، وَمُسلم هُوَ ابن صُبَيْحٍ أَبُو الضُّحَى".

أليس هو بصَبيح؟

طالب: صَبيح، لكن المضبوط عندي.

لا لا.

"هُوَ ابن صَبيْحٍ أَبُو الضُّحَى، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: كَانَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى تَأْكِيدًا.

قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ التِّجَارَةِ فِيهَا تَأَخَّرَ عَنْ وَقت تَحْرِيم عينهَا وَالله أعلم".

طالب: ...............

ماذا؟

طالب: .......

من الذي يقوله؟

طالب: ...............

طلعه من التقريب.

طالب: ...............

صُبيح جاء منه ابن صَبيح.

طالب: ...............

ما كُنيته؟

طالب: أبو الضحى.

لا، أنت اكتب صَبيح بفتح الصاد يطلعه لك.

طالب: ...............

طيب أعطني الذي بفتح الصاد.

طالب: ...............

أبو المليح.

طالب: ...............

صَبيح.

طالب: ...............

المهم أنه يُوجَد بفتح الصاد ومعروف.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ:

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنها-: {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران:35] لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهَ.

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-: أَنَّ امْرَأَةً -أَوْ رَجُلًا- كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ -وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً- فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَا".

عندك أكثر الروايات: "يَخْدُمُهَا"، و"أنه صلى على قبره".

طالب: هنا يقول يا شيخ: في نسختنا الخطية وأصل السلطانية "يخدمها"، وما أثبتناه من إرشاد الساري وهو كذلك من حاشية نسختنا الخطية.

قال –رحمه الله تعالى-:  "بَابُ الخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ" الخدم من أجل العناية بالمسجد، ولا شك أن هذا من تعظيم شعائر الله، إما أن يُباشر بنفسه أو يكِل ذلك إلى غيره بالأجرة، فيُعيِّن الخدم على نفقته، فيكون له أجر ذلك.

"وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنها-: {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران:35] لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهَ".

ثم قال: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ" حماد بن زيد.

"عَنْ ثَابِتٍ" البُناني.

"عَنْ أَبِي رَافِعٍ" الصائغ الذي تقدم ذِكره.

"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً -أَوْ رَجُلًا- كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ -وَلاَ أُرَاهُ إِلَّا امْرَأَةً" يعني هذا المُترجِّح عنده، وإن كان لا يقطع به ولا يجزم به.

"فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهَ" عليه الصلاة والسلام.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ" فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الخدم فِي الْمَسْجِد.

قَوْله: "وَقَالَ ابن عَبَّاس" هَذَا التَّعْلِيق وَصله ابن أَبِي حَاتِمٍ بِمَعْنَاهُ.

قَوْلُهُ: {مُحَرَّرًا} [آل عمران:35] أَيْ: مُعْتَقًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ صِحَّةُ النَّذْرِ فِي أَوْلَادِهِمْ، وَكَأَنَّ غَرَضَ الْبُخَارِيِّ الْإِشَارَةُ بِإِيرَادِ هَذَا إِلَى أَنَّ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ بِالْخِدْمَةِ كَانَ مَشْرُوعًا عِنْدَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ وَقَعَ مِنْهُ نَذْرُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ، وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ الحَدِيث الْبَابِ مِنْ جِهَةِ صِحَّةِ تَبَرُّعِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ بِإِقَامَةِ نَفْسِهَا لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ؛ لِتَقْرِيرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ" وَاقِدٌ جَدُّهُ، وَاسْمُ أَبِيه عبد الْملك، وَشَيْخه حَمَّاد هُوَ ابن زَيْدٍ وَرِجَالُهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بَصْرِيُّونَ.

قَوْلُهُ: "وَلَا أُرَاهُ" بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ.

قَوْلُهُ: "فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أَيِ: الَّذِي تقدم قبل بابٍ".

نعم.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الأَسِيرِ -أَوِ الغَرِيمِ- يُرْبَطُ فِي المَسْجِدِ:

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ؛ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35]». قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا".

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الأَسِيرِ أَوِ الغَرِيمِ" في بعض الروايات: (والغريم) "يُرْبَطُ فِي المَسْجِدِ" الأسير: من تُمُكِّن منه في الجهاد يكون أسيرًا، والغريم: المدين يُربَط في المسجد؛ لئلا يضيع حق الدائن، والأسير؛ لئلا يهرب، فيكون عونًا لقومه على المسلمين.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ" الحنظلي المعروف بابن راهويه.

"قَالَ: أَخْبَرَنَا" ولا يقول إلا أخبرنا.

"أَخْبَرَنَا رَوْحٌ" وهو ابن عُبادة.

"وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ" غُندر.

"عَنْ شُعْبَةَ" ابن الحجاج.

"عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا» يعني ليس بالضرورة أن يكون بلفظ النبي –عليه الصلاة والسلام- لكنه بمعناه.

«لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ» وهذا شأن الشياطين يحرصون على الإخلال بما يفعله المسلم من العبادات كالصلاة وغيرها.

«لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ» يعني: أقدره عليه، فردَّه الله خاسئًا كما سيأتي.

«فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ»؛ لتنظروا إليه كلكم أو ينظر إليه صبيان المدينة كما جاء في بعض الأحاديث، لكن النبي –عليه الصلاة والسلام- امتنع من ذلك، لماذا؟ لأنه تذكِّر دعوة سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35]، ولو فعله النبي- عليه الصلاة والسلام-...

طالب: ما تحققت دعوة سليمان.

نعم، كانت دعوة سليمان مشتركة، ويكون هذا الملك حصل لأحدٍ من بعده وهو النبي- عليه الصلاة والسلام-.

"قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا".

بعض من يزاول الرقية أو الحسبة يسألون عن الاستعانة بالجن المسلمين، وأنهم يدلونهم على مواطن السرقة أو غيرها مما يُريدون، أو أنهم يُخبرون عمَّن عان هذا الشخص أو سحره، كله هذا منازعة في دعوة سليمان، وأن هذا من خواص سليمان –عليه السلام-، وأن الجن لا يؤمَنون ولا يُوثَقون، وأنهم عُرِف بأنهم يستدرجون، يأتون إلى الشخص ويُقدمون إليه خدمة، ويخبرونه بشيءٍ قد يُفيده بدون مقابل، ثم يسترسل معهم، مثل ما جاء بعض الرُّقاة وذكر أنه أحرق سبعين مملكة جن، ومشى على يده كذا من العشرات أو المئات من المقعدين، كل هذا إن حصل فهو استدراج؛ لأنه لا يلبث أن يتركه في منتصف الطريق وقد فُتِن الناس به، ثم لا يستطيع الرجوع، إذا قيل: فلان مشى على يده كذا، وفعل كذا، وأحرق كذا، وحصل له من الأشياء التي انتفع بها مع كثرتها يتولَّد في نفسه أن هذا أمر عظيم لا يستطيع أن يتخلى عنه، في أول الأمر بدون مقابل استدراج شيئًا فشيئًا إلى أن يطلب منه أن يُقدِّم له شيئًا يخرق عقيدته، وقد حصل، لا يستطيع التراجع؛ لأن هذا الأمر الذي استدرجوه به ليس بالشيء السهل يستطيع الإنسان بكل راحة أن يتنازل عنه، والله المستعان.

ورأينا من هذه النوعيات من وصل به الحد إلى الشِّرك الأكبر-نسأل الله العافية- صار يُقرِّب إلى الشياطين وإلى الجن القرابين التي هي من نوع الشِّرك الأكبر.

فهذا من خواص سليمان –عليه السلام-، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- لما تذكَّر الدعوة توقف، وهم أيضًا عالم الغيب لا تدري من الصادق والكاذب، الثقة وغير الثقة وإلى غير ذلك مما ذُكِر في مناسباتٍ كثيرة.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ الْأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ" كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِـ(أَو) وَهِي للتنويع، وَفِي رِوَايَة ابن السَّكَنِ وَغَيْرِهِ (وَالْغَرِيمِ) بِوَاوِ الْعَطْفِ.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنَا روح" هُوَ ابن عُبَادَةَ.

قَوْلُهُ: «تَفَلَّتَ» بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: تَعَرَّضَ لِي فَلْتَةً، أَيْ: بَغَتَةً، وَقَالَ الْقَزَّازُ: يَعْنِي تَوَثَّبَ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَفْلَتَ الشَّيْءُ فَانْفَلَتَ وَتَفَلَّتَ بِمَعْنًى.

قَوْلُهُ: «الْبَارِحَةَ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى: كُلُّ زَائِلٍ بَارِحٌ".

ما المنتهى؟ لمن هو؟

طالب: .............

تقوله عن علم أم رأيت الموضوع يخدم هذا.

طالب: .............

من له؟

طالب: .............

ما أدري والله، أنا ما أذكره الآن، نذكر الجوهري، ونذكر القزاز، ونذكر كل من مر في هذا.

طالب: .............

ابحث، أو يبحثه غيرك وأنت اقرأ.

طالب: المنتهى في اللغة للبرمكي.

نعم.

"قَوْلُهُ: «الْبَارِحَةَ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى: كُلُّ زَائِلٍ بَارِحٌ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْبَارِحَةُ وَهِيَ أَدْنَى لَيْلَةٍ زَالَتْ عَنْكَ.

قَوْلُهُ: "أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا" قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْبَارِحَةِ أَوْ إِلَى جُمْلَةِ: «تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ».

قُلْتُ: رَوَاهُ شَبَابَةُ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عُرِضَ لِي فِي صُورَةِ هِرٍّ".

هم يتشكلون ويتصورون، وكثيرًا ما يأتي الواحد منهم في صورة هر أو صورة كلب أو ما أشبه ذلك، وقد يأتي في صورة حمار أو غير ذلك، فهم يتشكلون.

"وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: «جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي»، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: «فَأَخَذْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فخنقته، حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي». وَفهم ابن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ حِينَ عُرِضَ لَهُ غَيْرَ مُتَشَكِّلٍ بِغَيْرِ صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَقَالُوا: إِنَّ رُؤْيَةَ الشَّيْطَانِ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

يعني أخذًا من هذا الحديث، بناءً على أنه رآه على صورته.

"وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ فَلَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف:27]، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ ذِكْرِ الْجِنِّ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ (ص).

قَوْلُهُ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي} [ص:35] كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَفِي بَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ هُنَا: (رَبِّ هَبْ لِي) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَعَلَّهُ ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِبَاسِ لَا عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ.

قُلْتُ: وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَلَى نَسَقِ التِّلَاوَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَغْيِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ.

قَوْلُهُ: "قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ" أَيِ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدَّ الْعِفْرِيتَ "خَاسِئًا" أَيْ: مَطْرُودًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ دُونَ رَفِيقِهِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، لَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَحْدَهُ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ أَيْضًا "فَرَدَّهُ خَاسِئًا"، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: (فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا)".

يكفي يكفي.