كتاب الصلاة (38)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ دُخُولِ المُشْرِكِ المَسْجِدَ:

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-:"بَابُ دُخُولِ المُشْرِكِ المَسْجِدَ" أما دخول المشركين المسجد الحرام، فجاء النص في القرآن {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28]، ودخول المشرك مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام- من أهل العلم من قاس، قاسه على المسجد الحرام؛ فمنع من ذلك، ومثله دخول المدينة، قاسوه على المنع من دخول مكة.

وأما بالنسبة لبقية المساجد، فالمشرك نجس، وهذا منصوصٌ عليه، والنجس يُجنَّب المسجد، وهذا هو الأصل، لكن إذا ترتب على ذلك مصلحة راجحة كمن يُرجى إسلامه، فهذا تدل عليه القصة المذكورة في الباب؛ فجوَّزه أهل العلم؛ للمصلحة الراجحة، والدليل النص المذكور، وأنه لما جيء بثمامة بن أُثال أمر النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يُربَط بسارية من سواري المسجد.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ" وهو ابن سعيد.

"قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ" وهو ابن سعد.

"عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ" وهو المقبري.

"أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ" ونجد مرتفع من الأرض، والغالب أنه شرقي الحجاز، ومنهم من يطرده من تهامة إلى العراق، ويُدخِلون العراق في نجد، ويقولون: هناك نجد العراق.

وجاء التنصيص على نجد العراق لما أشار النبي –عليه الصلاة والسلام- إلى الفتن التي تكون في آخر الزمان وتأتي من قِبل نجد، جاء في بعض الروايات أنها نجد العراق. وعلى كل حال "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ" بنو حنيفة مساكنهم اليمامة.

 

"مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ" بأمره –عليه الصلاة والسلام- وإلا -كما تقدم- لا يسوغ للصحابة أن يفعلوا شيئًا لم يأمرهم به النبي –عليه الصلاة والسلام- لاسيما في بيتٍ من بيوت الله. وعلى كل حال النبي –عليه الصلاة والسلام- مرَّ به ثلاثة أيام وهو مربوط ولم يُنكِر ذلك، فإن لم يأمر به –عليه الصلاة والسلام- كما جاء في بعض الروايات فأقل الأحوال أنه أقره، فربطه في سارية المسجد هذا أمرٌ شرعي إما بالأمر أو بالإقرار، وهذا للمصلحة الراجحة.

فيمر به النبي –عليه الصلاة والسلام- ويعرض عليه الإسلام، فلما كان في اليوم الثالث، قال: «أطلقوه»، فأطلقوه، فذهب إلى حائطٍ فاغتسل وأعلن إسلامه، فهذه المعاملة والملاطفة معه لا شك أنها أثمرت، ولا شك أن مصالح الدعوة مرعية في أساليبها، مصلحة الدعوة مُراعاةٌ في الأساليب لا في غاياتها، فالغايات توقيفية، وأما الأساليب والوسائل فأهل العلم يتجوزون في مثلها إذا ترتبت عليها المصالح، ومنها ما عندنا.

قال –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ" هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تَرُدُّ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَيْثُ تَرْجَمَ بِهَا فِيمَا مَضَى بَدَلَ تَرْجَمَةِ الِاغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ".

ترد عليه من حيث إنها تكرار لما تقدم عنده، البخاري لا يُترجِم باللفظ ما يُكرر باللفظ، ما يُكرر إلا بلفظٍ يترتب عليه مزيد فائدة.

"وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَرْجَمَةِ الْأَسِيرِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ تَكْرَارًا؛ لِأَنَّ رَبْطَهُ فِيهِ يَسْتَلْزِمُ إِدْخَالَهُ، لَكِنْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ ذَاكَ، وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَسَيَأْتِي تَامًّا فِي الْمُغَازِي.

وَفِي دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ مَذَاهِبُ فَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمُزَنِيِّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ لِلْآيَةِ، وَقِيلَ: يُؤْذَنُ لِلْكِتَابِيِّ خَاصَّةً وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ثُمَامَة لَيْسَ من أهل الْكتاب".

بل من المشركين، ثمامة من المشركين، وأيضًا التفريق بين المسجد النبوي وغيره الحادثة في المسجد النبوي؛ لأن بعض الناس يستروح ويميل إلى شيء، ويغفل عن شيء، الآن بعض الناس يقول: المسجد النبوي كالمسجد الحرام يجوز المرور فيه بين يدي المصلي، والنصوص الواردة في المنع كلها في مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام- حديث أبي سعيد في المسجد النبوي، فلا بُد من مراعاة الأحوال ومراعاة الظروف التي تحتف بالخبر.

طالب: ...............

إقامة الحدود يترتب عليها تلويث للمسجد، أما مجرد ربطه فما يترتب عليه تلويث.

طالب: هذا ليس بحد.

نعم لا يترتب عليه تلويث. 

نعم.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي المَسَاجِدِ:

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا هو عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ، فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا -أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟- قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، وَنَادَى يا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: «يَا كَعْبُ» قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ، قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُمْ فَاقْضِهِ»".

يقول المؤلف –رحمه الله-: "بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي المَسَجِدِ" رفع الصوت معروف، ولا شك أن رفع الصوت من غير حاجة مذموم؛ {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] من غير حاجة لا شك أنه مذموم، وللحاجة بقدرها.

"رَفْعِ الصَّوْتِ فِي المَسَجِدِ" المسجد (أل) هنا إن كانت عهدية، فالمراد بها مسجد الرسول –عليه الصلاة والسلام-، وعليه تدل الترجمة، والتعليل بحضرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وإن كانت جنسية يعني في جميع المساجد، وأنها يجب احترامها ومراعاة الأدب فيها، فالمسألة محتملة، لكن بحضرة الرسول –عليه الصلاة والسلام- فقد جاء النص على أن غضَّ الصوت بحضرة الرسول –عليه الصلاة والسلام-، وإن كان هذا في حياته فبعض العلماء يقول: إنه تجب مراعاة ذلك بعد موته.

وكان الإمام مالك –رحمه الله- يُراعي التحديث في مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام-، وأن يكون على أكمل حال، فيتطيب ويلبس ويجلس في سكينة؛ لأنه بحضرة الرسول –عليه الصلاة والسلام- وهو يُقرئ حديث الرسول –عليه الصلاة والسلام- كل هذا مما ينبغي مراعاته.

ولا شك أن المسجد مسجد النبي –عليه الصلاة والسلام- يستصحب الداخل أنه في موضعٍ عاش فيه النبي –عليه الصلاة والسلام- يختلف عن غيره من المساجد، وإن كانت المساجد كلها مما تجب فيه مراعاة الأدب.

وهنا الحديث يقول البخاري: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" وهو ابن المديني.

"قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ" وهو القطان.

"قَالَ: حَدَّثَنَا الجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِدِ" قائمًا أم نائمًا؟

طالب: قائمًا.

فيه أحد عنده نائمًا؟

طالب: ............

في رواية، لكن رواية المتن كلها قائمًا.

"قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِدِ" ولا فيه خلاف، لكن في الروايات الأخرى خارج الصحيح فيها نائمًا.

طالب: ..............

ما أشاروا إليها، ماذا يقول من روايته؟

طالب: ..............

سيأتي هذا.

"كُنْتُ قَائِمًا فِي المَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ" يعني: رماه بالحصباء، حصى صغيرة تُنبَّه ولا تضر.

ورأيت إمامًا كبير السن يجلس في مؤخرة المسجد، فإذا قربت الإقامة حصب المؤذن، حصبه ليُقيم، مما جعله عُرضة لتلاعب بعض السفهاء، يأتي بعض الصبيان أو بعض من... يأخذ حصاته ويحصب المؤذن ليُقيم، فمثل هذا ما هو مناسب إطلاقًا.  

طالب: ..............

المسجد كله مفروش بالحصباء.

"فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ" رضي الله عنه وأرضاه "فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ" هل هذا بعد أن تولى إمرة المؤمنين أم قبل؟

طالب: تصرفه تصرف الإمارة.

ومنزلته ومكانته في الإسلام، وعند الرسول –عليه الصلاة والسلام- التي يعرفها الخاص والعام قد يفعل مثل ذلك.

"فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟" وهذا هو المهم؛ لأن معرفة الأسماء غير مؤثرة، لو عرف أسماء الرجلين، وعرف أنهما من أهل المدينة لأوقع عليهما العقوبة، لكن "مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!" اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، حقه التعظيم والتوقير والتقدير، لكن بالقدر المسموح به شرعًا من غير غلو ولا إطراء، ولا رفعٍ لمنزلته –عليه الصلاة والسلام- أكثر مما أُذِن فيه «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ»، وكُتِب على بعض السواري حول القبر البيتان من قول العُتبي وما تزال موجودة إلى الآن.

يا خير من دُفِنت بالقاع أعظمه

 

وطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبرٍ أنت ساكنه

 

فيه الحياء وفيه الجود والكرم

عليه الصلاة والسلام.

وفيه أشياء وكانت البُردة مكتوبة وطُمِست، فيه أشياء ثانية، يعني ما كان ينبغي أن تُكتَب، وعلى كل حال حقه تُعزِّروه وتوقروه -عليه الصلاة والسلام-.   

طالب: ............

والله ما تسلم.

طالب: ............

لأن القصة المحتفة بهما...

طالب: ............

لا هذه البردة، القصة قصة العُتبي أنه احتاج وظلم نفسه، فقرأ قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء:64] فجاء ويقول: أنه رُدَّ عليه من القبر، والقصة مذكورة في التفاسير ومنها تفسير الحافظ ابن كثير موجودة.

طالب: ............

هذا كلام القاضي عياض وغيره في مسألة البقعة والقبر وتفضيلهما على الكعبة، وبعضهم يُفضلها على العرش، هذه أمور كلها مبالغات.

طالب: ............

كلها من الغلو، ولا داعي لمثل هذا الكلام.

"قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ البَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!"

الحديث الثاني يقول الإمام البخاري: "حَدَّثَنَا أَحْمَدُ" ابن صالح المصري، وفي موضعين فُسِّر بأحمد بن حنبل، تعرف أين؟

طالب: في ثلاث مواضع.

في موضعين، الثالث مختلفٌ فيه والراجح لا.

هذا الحديث تقدم الكلام فيه مستوفًى.

"قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ" وهو عبد الله.

"قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ" الأيلي.

"عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ" أباه وهو الذي كان يقوده لما عمي.

"أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ" يعني: خاصمه في مالٍ يطلبه منه.

"دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا" وهذه من طبيعة البشر أن صاحب الحق وله مقالة، والمدين قد يُماطل فيستحق مثل هذا الرفع ويستحق العقوبة «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ؛ يُبيح عِرضه وعقُوبته»

 "حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيْتِهِ"؛ لأنه ليس بين البيت وبين المسجد إلا جدار، لكنه خارج المسجد.

"فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ" الستار، "وَنَادَى يا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ" في كعب منادى مفرد يُبنى على الضم في محل نصب؛ ولذلك التابع نُصِب الذي هو الوصف ابنَ.

"يا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: «يَا كَعْبُ» قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ" بإشارةٍ مُفهِمة.

"ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ" ويكون هذا قضاءً أم مشورة؟ مشورة؛ لأن صاحب الدَّين لا يلزمه أن يضع الشطر أو أي جزء من دينه كما في قصة بريرة مع زوجها لما أشار عليها أن ترجع إلى زوجها، قالت: أتأمرني؟ قال: «لا» قالت: إذًا لا أريده.

"قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُمْ»" يُخاطب ابن أبي حدرد الذي هو اسمه عبد الله.

«قُمْ فَاقْضِهِ»؛ لأنه لا يمكن يجتمع وضع الشطر والتأخير، لو افتُرِض أن القاضي أصلح بين الدائن والمدين بأن يضع الشطر، لما قال له: قم فاقضِه، قال: والله ما عندي شيء، يرجع عليه بكامل المبلغ أو بالشطر باعتباره قبِل؟

طالب: .............

كيف؟

طالب: يقول الساقط لا يعود.

لكن ساقط بشرطٍ عُرفي بالقضاء.

طالب: .............

الأصل أنه في الحال.

طالب: .............

هو مشورة مثل ما كان عند النبي –عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا قبِل هذه المشورة، فقال الخصم الطرف الثاني: والله ما عندي شيء، اصبر عليّ. رجعنا إلى المشكلة الأولى.

طالب: .............

من هو؟

طالب: الصغاني.

ماذا فيه؟

طالب: .............

اقرأ نعم.

طالب: .............

نعم.

قال –رحمه الله تعالى-: أحمد غير منسوب حدَّث عن أبي محمد عبد الله بن وهب بن مسلم المصري، روى عنه البخاري في الصلاة وغير موضع، قيل: إنه أبو عُبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم المصري، ابن أخي عبد الله بن وهب، وَمِنْهُم من يُنكر ذَلِك وَيَقُول: هو أبو جعفر أَحْمد بن صَالح المصري أَو أبو عبد الله أَحْمد بن عِيسَى التُّستري المصري، فإنهما من شيوخ البخاري، وهما يرويان عن عبد الله بن وهب.

وَقَالَ أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْحَاق الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي: أَحْمد عَن ابْن وهب فِي جَامع البُخَارِيّ هُوَ ابْن أخي ابن وهب، وَقَالَ أَبُو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مَنْدَه، ومنده لقبٌ واسمه: إبراهيم بن الوليد الأصفهاني: كل مَا كان فِي الْجَامِع حدَّثنا أَحْمد عن ابن وهب؛ فَهُوَ ابْن صَالح أبو جعفرٍ المصري، قال: وَلم يُخرِّج البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي الصَّحِيح شَيْئًا، وَإِذا حدَّث عَن أَحْمد بن عِيسَى نسبه.

قال الصغاني مؤلف هذا الكتاب: الصحيح ما قاله ابن منده، فقد تُكلِّم في أحمد بن عبد الرحمن، قال أبو سعيدٍ: عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي صاحب تاريخ مصر في ترجمة أحمد هذا لا تقوم بحديثه حُجة.

وقال أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ النيسابوري في ترجمته في الكُنى: ليس بالمتين عندهم، وأخرج له مسلم، توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربعٍ وستين ومائتين.

يقول يا شيخ بعد: أحمد آخر غير منسوبٍ أيضًا حدَّث عن أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي المقدمي في (التوحيد)، وعن أبي عمرو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري في سورة الأنفال، روى عنه البخاري وقالوا: إنه أبو الحسن أحمد بن سيَّار بن أيوب بن عبد الرحمن المروزي، فإنه حدَّث عن المقدمي، فأما الذي حدَّث عن عبيد الله بن معاذ بن معاذ فهو أبو الفضل أحمد بن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري. انتهى.

على كل حال مثل هذا الاختلاف إذا دار بين ثقات فإنه لا يضر، الإشكال إذا كان واحد منهم أو في واحدٍ منهم كلام، فالقرينة تدل على أنه غير مراد؛ لأنه ليس من شرط البخاري، ويربأ البخاري أن يروي عنه وفيه كلام، أما إذا كانوا كلهم ثقات فالمسألة سهلة أينما دار فهو على ثقة.

يقول الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ" أَشَارَ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِلْمِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بَيْنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِغَرَضٍ دِينِيٍّ أَوْ نَفْعٍ دُنْيَوِيٍّ وَبَيْنَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَسَاقَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عُمَرَ الدَّالَّ عَلَى الْمَنْعِ، وَحَدِيثَ كَعْبٍ الدَّالَّ عَلَى عَدَمِهِ؛ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَعَدَمِهِ فِيمَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ التَّقَاضِي، وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ، لَكِنَّهَا ضَعِيفَة، أخرج ابن مَاجَهْ بَعْضَهَا، فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ إِلَيْهَا.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ" فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْجَعْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَهُوَ هُوَ فَإِنَّ اسْمه الْجَعْد، وَقد يصغر وَهُوَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَوْسٍ فَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خَصِيفَةَ" هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَصِيفَةَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَرَوَى حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الْجُعَيْدِ عَنِ السَّائِبِ بِلَا وَاسِطَةٍ، أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، والْجُعَيْدُ صَحَّ سَمَاعُهُ مِنَ السَّائِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ، فَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَادِحًا، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: لَا تُكْثِرُوا اللَّغَطَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ مَسْجِدَنَا هَذَا لَا يُرْفَعُ فِيهِ الصَّوْتُ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ؛ لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ الزَّمَانَ".

لأنه يحكي قصة لم يشهدها، نافع يحكي قصة حصلت في وقت عمر، وهو لم يشهدها.

"قَوْلُهُ: "كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ" كَذَا فِي الْأُصُولِ بِالْقَافِ وَفِي رِوَايَةٍ نَائِمًا بِالنُّونِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ حَاتِمٍ عَنِ الْجُعَيْدِ بِلَفْظِ كُنْتُ مُضْطَجِعًا.

قَوْلُهُ: "فَحَصَبَنِي" أَيْ: رَمَانِي بِالْحَصْبَاءِ.

قَوْلُهُ: "فَإِذَا عُمَرُ" الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ قَائِمٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، لَكِنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُمَا ثَقَفِيَّانِ".

طالب: ..............

بما لا يضر إذا أُمِنت المضرة لاسيما إذا كانا موليين ظهورهما، وما يخشى من فقع العين وكسر السِّن لمنع الحذف.

"قَوْلُهُ: "لَوْ كُنْتُمَا" يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ الْمَعْذِرَةُ لِأَهْلِ الْجَهْلِ بِالْحُكْمِ إِذَا كَانَ مِمَّا يَخْفَى مِثْلُهُ.

قَوْلُهُ: "لَأَوْجَعْتُكُمَا" زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ (جَلْدًا)، وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَتَبَيَّنُ كَوْنُ هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَا يَتَوَعَّدُهُمَا بِالْجَلْدِ إِلَّا عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرٍ تَوْقِيفِيٍّ.

قَوْلُهُ: "تَرْفَعَانِ" هُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُمَا قَالَا لَهُ: لِمَ تُوجِعُنَا؟ قَالَ: لِأَنَّكُمَا تَرْفَعَانِ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: (بِرَفْعِكُمَا أَصْوَاتَكُمَا)، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّرْنَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ جَمْعِ أَصْوَاتِكُمَا فِي حَدِيثِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا".

كما في قوله –جلَّ وعلا-: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4].

"قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيٍّ الشَّبُّوِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَبِذَلِكَ جزم ابن السَّكَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ كَعْبٍ فِي بَابِ التَّقَاضِي قَبْلَ عَشَرَةِ أَبْوَابٍ أَوْ نَحْوِهَا.

وَقَوْلُهُ هُنَا: (حَتَّى سَمِعَهَا) فِي رِوَايَةِ الْأصيلِيّ سمعهما".

نعم.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الحِلَقِ وَالجُلُوسِ فِي المَسْجِدِ:

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عن عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى» وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بالليل وِتْرًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ.

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ»، قَالَ الوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا نَادَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي المَسْجِدِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قال: إنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ، فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وأما الآخر فأدبر ذاهبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ: فَأَوَى إِلَى اللَّهِ، فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ: فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»".

يقول الإمام البخاري –رحمة الله عليه-: "بَابُ الحِلَقِ" جمع حلقة بسكون اللام، وحكم كثيرٌ من أهل اللغة على فتحها بالشذوذ حلَقة شاذة، وأجازه بعضهم، ولكن الأكثر على أن فتحها شذوذ.

"الحِلَق" جمع حلقة وهي معروفة، "وَالجُلُوسِ" وهو البقاء والمقام في المسجد، وقد جاء الحثُّ عليه سواءً كان قبل الصلاة أو بعد الصلاة أو في غير وقت صلاة، وهذا غير الاعتكاف.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" وهو ابن مسرهد.

"قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، عن عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ" عُبيد الله بن عبد الله العُمري المصغَّر، وأخوه عبد الله مُضعَّف، لكن هذا ثقة بالاتفاق.

"عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ؟" كأنه يسأل عن عددها؛ ولذلك أُجيب بقوله: «مَثْنَى مَثْنَى» هو لا يسأل عن فضلها؛ لأنه متقرر عنده وعند السائل فضل صلاة الليل.

"قَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً»" دليلٌ على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الصبح، وأنه لا وتر بعد طلوع الصبح، وأُثِر عن بعض الصحابة وبعض السلف أنهم يستمرون في الصلاة حتى بعد طلوع الصبح، ولكن انتهاء وتره –عليه الصلاة والسلام- إلى السَّحر، وهنا يقول: «فَإِذَا خَشِيَت الصُّبْحَ فصلِّ وَاحِدَةً تُوتِر لك ما قد صليت».

طالب: ..............

نعم الفجر الصادق.

طالب: ..............

لا لا كاذب هذا ما له قيمة.

طالب: ..............

الأصل إما أن يكون جالسًا، فيُحدِّثهم ليروه أو يكون قائمًا ليخطب، المقصود أنه على المنبر.

طالب: ..............

هذه أصح وأكثر انتهى وتره إلى السَّحر ما فيه بعد هذا شيء.

قال: «مَثْنَى مَثْنَى» يعني: ثنتين ثنتين، ولا يُزاد في صلاة الليل على الاثنتين إلا في الوتر لمن أراد أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع بسلامٍ واحد، وأما في الشفع التي مثنى مثنى فلا يُزاد فيها، حتى قال جمعٌ من أهل العلم: إنه لو قام إلى ثالثةٍ في صلاة التراويح، فكأنما قام إلى ثالثةٍ في الفجر يلزمه الرجوع، وبهذا يُضعَّف حديث «صلاةُ أربع ركعات بسلامٍ واحد بعد صلاة العشاء؛ تعدلُ مثلها من ليلة القدر» هذا الحديث ضعيف، بل منكر.

"«فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى»، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بالليل وِتْرًا"، هذا هو الأفضل، ولو أوتر في أول الليل أو قبل أن ينام في أثناء الليل فأوصى النبي –عليه الصلاة والسلام- بعض صحابته أن يُوتِر قبل أن ينام كلٌّ على همته وعزيمته وقدرته الذي لا يضمن قيام آخر الليل يُوتِر في أوله، فلا مانع من ذلك «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا»، لكن إذا أوتر في أول الليل أو في أثنائه ثم قام من آخر الليل، فإنه يُصلي مثنى مثنى؛ لأنه أوتر وجاء في الحديث الصحيح «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ».

وبعضهم يرى أن الوتر الأول يمكن شفعه بركعةٍ في أول الصلاة تشفع له ما صلى ما أوتر به، ثم يُوتِر في آخر صلاته، ولكن هذا ليس بشيء؛ لأنه يترتب عليه أنه يكون قد أوتر ثلاث مرات.

طالب: ..............

لا لا؛ لأنه ثبت أن النبي –عليه الصلاة والسلام- صلى ركعتين بعد الوتر.   

"اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بالليل وِتْرًا فَإِنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِهِ".

ثم قال: "حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ" محمد بن الفضل ولقبه عارم.

"قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ" ابن أبي تميمة السختياني.

"عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا، جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ" هذا يوضح المراد وأنه كونه على المنبر للخطابة.

"فَقَالَ: كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: «مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ»" يعني إذا بقي عليه واحدة وسمع المؤذِّن الأصل أن الأذان إذا كان على الوقت أن الوتر ينتهي بالسحر «فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ...»، لكن مما هو محتملٌ أن يكون المؤذِّن قد قدَّم دقيقة أو شيئًا من هذا، فلو أتى بها لكان الأمر مُحتمل. 

"«فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ» قَالَ الوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ: أَنَّ رَجُلًا نَادَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي المَسْجِدِ" الحديث، وهذا قال بعضهم: إنه معلَّق، قال بعضهم: إنه بالسند السابق، فيكون موصولًا.

والقاعدة: إنه حيث يُريد التعليق يأتي بالواو، لو قال: وقال الوليد بن كثير، فقلنا: هذا معلَّق، مع أن هذه القاعدة التي قعَّدها ابن حجر انخرمت في بعض المواضع.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" وهو التنيسي.

"قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ". تصور أنه دخل ثلاثة قد تكون لهم حاجة غير العلم، وغير طلبه، وغير سماع الحديث، واحد لما رأى الرسول –عليه الصلاة والسلام- يُحدِّث أوى إلى الحلقة، الثاني كان يشرب ماءً واستحى أنه يطلع، والثالث رادًّا بالجميع وطلع ولا همه أحد.

"فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا، فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ، فَجَلَسَ وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟»" واحد عنده رغبة في الخير وجلس يستمع، وواحد استحيا فجلس وراء الناس وانشغل بالجوال مثلًا، الباعث على الجلوس الحياء، لكن مع هذا الحياء لما جلس حياءً ما استفاد؛ لأن المظنون به أن الثاني لما جلس حياءً استفاد، لكن إذا انشغل بجواله فهل يُقال: أن هذا استحيا؟

طالب: ..............

لا، خلفهم، جلس خلفهم.

طالب: ..............

هو يتسنَّد؛ ليستعين به على الجلوس هذا ما فيه إشكال، ليستعين به على الجلوس وسماع العلم ما فيه إشكال.

"وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ: فَأَوَى»" أي: أقبل «إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ» يعني أقبل عليه، ويسر له المكان.

«وَأَمَّا الآخَرُ: فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ» ومثل هذا يكون على خير، لكنه ليس مثل الأول.

«وَأَمَّا الآخَرُ» وهو المذموم «فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ»، والإعراض شأنه عظيم يُعَد من النواقض...

طالب: ............

الإعراض! الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يرفع به رأسًا فشأنه عظيم، ولذا أعرض الله عنه.

نعم.

قال الحافظ –رحمه الله-: "قَوْلُهُ: "بَابُ الْحَلَقِ" بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، جَمْعُ حَلْقَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَيْضًا.

قَوْله: "عَن عبيد الله هُوَ ابن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ.

قَوْلُهُ: "سَأَلَ رَجُلٌ" لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ.

قَوْلُهُ: "مَا تَرَى؟" أَيْ مَا رَأْيُكَ مِنَ الرَّأْيِ وَمِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَ«مَثْنَى مَثْنَى» بِغَيْرِ تَنْوِينٍ أَيْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ وَكُرِّرَ تَأْكِيدًا.

قَوْلُهُ: «فَأَوْتَرَتْ» بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: تِلْكَ الْوَاحِدَةُ.

قَوْلُهُ: "وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ نَافِعٌ، وَالضَّمِيرُ لِابْنِ عُمَرَ".

ماذا عندكم؟ والمطبوع؟

طالب: ............

والمطبوع (وأنه) المطبوع (أنه) لكن نص ابن حجر على أنه بكسر الهمزة، ما قرأت هذا؟

طالب: ..............

"بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَاف" يعني تكون في ابتداء كلام.

طالب: المضبوط عندنا "وإنه".

ومعروفٌ أنه ابتداء الكلام تُكسَر فيه همزة (إن).

"وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ" بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ نَافِعٌ، وَالضَّمِيرُ لِابْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: "بِاللَّيْلِ" هِيَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: "فِي طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ" تُوتِرْ بِالْجَزْمِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَزَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ وَالْأَصِيلِيُّ لَكَ.

قَوْلُهُ: "قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ" هَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْوَلِيدِ، وَهُوَ بِمَعْنى حَدِيث نَافِع عَن ابن عُمَرَ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي كِتَابِ الْوِتْرِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا التَّعْلِيقِ بَيَانَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِيَتِمَّ لَهُ الِاسْتِدْلَالُ لِمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَقَدِ اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، فَقَالَ: لَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ دَلَالَةٌ عَلَى الْحَلَقِ وَلَا عَلَى الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ بِحَالٍ".

رأي ابن حجر أن هذا تعليق؛ لأنه قال: "وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا التَّعْلِيقِ".

"وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَوْنَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ صَرِيحٌ مِنْ هَذَا الْمُعَلَّقِ، وَأَمَّا التَّحَلُّقُ فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: شَبَّهَ الْبُخَارِيُّ جُلُوسَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ حَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ بِالتَّحَلُّقِ حَوْلَ الْعَالِمِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَّا وَعِنْدَهُ جَمْعٌ جُلُوسٌ مُحْدِقِينَ بِهِ كَالْمُتَحَلِّقِينَ، وَاللَّهُ أعْلَم".

لأنه إذا لم يكن حوله أحد فما له داعٍ أن يجلس على المنبر، جلوسه على المنبر إما ليخطب –وهذا ظاهر- وإما ليراه ويسمع قوله من حوله. 

"وَقَالَ غَيره: حَدِيث ابن عُمَرَ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدِ رُكْنَيِ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ الْجُلُوسُ، وَحَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ يَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّحَلُّقُ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ وَهُمْ حِلَقٌ، فَقَالَ: «مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ» فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ تَحَلُّقَهُمْ عَلَى مَا لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا مَنْفَعَة، بِخِلَافِ تَحَلُّقِهِمْ حَوْلَهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ لِسَمَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ مِنْهُ".

والذي يظهر أنه كرِه تفرقهم.

طالب: فيه تعليق يا شيخ.

فيه تعليق للشيخ؟ ماذا يقول؟

طالب: هذا فيه نظر والظاهر أنه أنكر عليهم تفرقهم، ودل بذلك على استحباب اجتماعهم حال مذاكرة العلم، وأن يكونوا حلقةً واحدة لا حِلقًا؛ لأن ذلك أجمع للقلوب وأكمل للفائدة، والله أعلم.

"قَوْلُهُ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ" زَادَ فِي الْعِلْمِ (وَالنَّاسُ مَعَهُ) وَهُوَ أَصْرَحُ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ.

قَوْلُهُ: "فَرَأْي فُرْجَةً" زَادَ فِي الْعِلْمِ (فِي الْحَلْقَةِ) وَزَادَهَا الْأَصِيلِيُّ والْكُشْمِيهَنِيُّ أَيْضًا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائده فِي كتاب الْعلم".

اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد.