كتاب الصلاة (42)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ) المراد بعبد الله هو عبد الله بن عمر الذي جميع هذه الأحاديث مسندة إليه، ومراده بالسند السابق.

(حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ) يعني شجرة كبيرة، (عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ، وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ، حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ) يعني المكان الذي ينزل فيه البريد، والبريد معروف في السابق أنهم على دواب، وينقلون الناس، ينقلون البضائع، هذا هو البريد، (دوين بريد الرويثة بِمِيلَيْنِ، وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلَاهَا) هذه الأكمة.

طالب: السرحة.

السرحة، (وقد انكسر أعلاها فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا) يعني نزل هذا الذي انكسر من الأعلى فانثنى في جوفها، وأحيانًا نرى بعض الأشجار المنكسرة على هيئة الراكع، قد رأيناها على هيئة راكع، وبعضها يزيد حتى يكون على هيئة ساجد، وهذه التي معنا (انثنى في جوفها) يعني قريبًا من السجود أو تزيد عليه، (وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ، وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ) كثيب من أي شيء؟

طالب: الرمل.

من الرمل؛ وذلك لكبر حجمها، سرحة ضخمة، حيث تكون لكبر حجمها تظلِّل هذه الكثب، وهذه المواضع التي مرت في هذا الحديث وطرقه كثير منها قد اندرس، ولا يُعرف لا سيما وأن الطرق قد تغيَّرت، كان الطريق موحدًا للحاج من المدينة إلى مكة، ومن البصرة إلى مكة، كل الحجاج يطرقون هذا الطريق، ولذلك يعرِّفون به، يقول: فيد موضع بين البصرة ومكة، لماذا؟ يكتفون بمثل هذا التعريف لماذا؟ لأن الطريق معروف ومسلوك، لكن الآن لا يوجد من يعنى بهذه الطرق وهذه الأماكن، وإذا وُجد وُجد بينهم اختلاف كثير، والكتب التي تتحدث عن البلدان لا سيما من المعاصرين الذين لهم عناية بهذه المواضع والبلدان بينهم اختلاف كبير جدًّا. الربذة مثلاً قال بعضهم إنها هي الصويدرة البلدة المعروفة الآن.

طالب: نعم تحت المدينة.

قرب المدينة، وفي تحديد بعضهم ما يزيد على الصويدرة بمائتي كيلو، كلهم من المعاصرين، والله المستعان.

والعناية بالمواضع التي يترتب عليها أحكام شرعية ومناسك هذه لا بد منها من الدين، أما ما لا يترتب عليه حكم فالأمر فيه سهل، نعم هناك جهات تعتني بالآثار، وتهتم بها، وتلوم من يتصرف فيها حتى إنهم بالغوا في ذلك، وجعلوا ذلك من الاعتداء على تراث الأمة، لا شك أنه إذا فُتن بها بعض الناس فإزالتها متعيِّنة؛ صيانة لجناب التوحيد، شاعركم أحمد شوقي قال لرجل رآه يهدم الآثار: أتتلفها شلّت يمينك خلها           لمعتبر أو زائر أو مناظر

 فيه حملات تُشن على الدولة التي أزالت بعض الأماكن للمصلحة العامة من بعض الناس، ولا شك أن المصلحة مقدَّمة لا سيما إذا لم يترتب على بقاء هذا المكان شيء، لا حكم شرعي ولا مصلحة عاجلة ولا آجلة، فإزالته لا مانع منه.

ثم قال: (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ العَرْجِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ المَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، عَلَى القُبُورِ رَضْمٌ).

طالب: .......

رَضْمٌ، هكذا ضُبطت، الرَّضْم الرضمة ما زالت مستعملة عند من؟

طالب: الشمال.

الشمال نعم، وهي حصى.

(مِنْ حِجَارَةٍ، عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ سَلِمَاتِ) شجر السلم، سَلِمات، وتقال: بكسر الميم وفتحها.

طالب: اللام.

اللام نعم، بكسر اللام وفتحها، وفي الأسماء سلَمة وسلِمة، والنسبة إلى سلَمة سلَمي، وسلِمة كذلك، من بني سلِمة .......

طالب: سُلَمي.

النسبة لسلِمة سَلَمِي.

طالب: سَلَمِي نعم.

جابر بن عبد الله السَّلَمي، مثل مَلِك تنسب إليه تقول: مَلَكي.

(عند سلِمات الطَّرِيقِ بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ، كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنَ العَرْجِ، بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالهَاجِرَةِ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ) يقصد ذلك المسجد، ويصلي فيه، وهذه عادته وديدنه أنه يتحرى المساجد الأثرية التي صلى فيها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يوافقه كبار الصحابة ولا عامتهم، وهذا اجتهاده، يرجو بذلك الثواب، وما كل من يريد الخير يصيبه، والعبرة بما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

(كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس) يعني تزيغ تزول (بالهاجرة فيصلي الظهر في ذلك المسجد.

وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ) والسرحة الشجرة، يعني عند أشجار (عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى) المَسِيل مجرى السيل، وهرشى جبل أو هضبة، (ذَلِكَ المَسِيلُ لَاصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى) يعني بطرفه، (بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ) غلوة يقال للمسافة التي تُقدَّر بميل أو ما أشبه ذلك. (وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ، وَهِيَ أَطْوَلُهُنَّ) شجرة. (وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ فِي المَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ)، قرية مر الظهران بين مكة والمدينة، هي إلى مكة أقرب، (قِبَلَ المَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ المَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلَّا رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ) كذلك رمية بحجر، ما يصل إليه الحجر حين يرميه الرجل المتوسط في القوة.

(وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى) طوى في طرف مكة، وبعض من كتب في المواضع أو في المناسك قال: يُعرف الآن بالزاهر، هل هذا صحيح أم لا؟

طالب: بعضهم ينكر.

طالب: ما وجهه يا شيخ؟

طالب: بعضهم يقول: قريب من التنعيم.

طالب: قريب ....... الحج يا شيخ؟ الشميسي؟

لا لا.

طالب: .......

لا لا.

طالب: .......

الداخل إلى مكة تجيء لوحة من اللوحات عند إشارة، وفيه سهم إلى بئر ذي طوى.

طالب: طيب .......

نعم.

طالب: .......

موجودة قبل جروة.

طالب: .......

(وأن عبد الله بن عمر حدَّثه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ينزل بذي طوى، وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ، يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدمُ مَكَّةَ، وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ، لَيْسَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ) يعني بُني هناك، (وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ.

وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ، حَدَّثَهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَيِ الجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَبَلِ الطَّوِيلِ، نَحْوَ الكَعْبَةِ) أين هذا الجبل؟

طالب: .......

....... مكة.

طالب: .......

ماذا؟

(الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، فَجَعَلَ المَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ المَسْجِدِ، بِطَرَفِ الأَكَمَةِ، وَمُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْفَلَ مِنْهُ) كثير من هذه المعالم في تواريخ مكة قد تجدها في الكتب المؤلَّفة في القرن الثاني والثالث، لكن لا تجدها في الكتب المؤلَّفة في السابع والثامن، فضلاً عن أن تجدها الآن.

 (ومصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أسفل منه عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ، تَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الفُرْضَتَيْنِ مِنَ الجَبَلِ) فرضتا الجبل، وفرضتا النهر طرفاه، (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الكَعْبَةِ السوداء) أين؟ انتهى.

طالب: .......

نعم، على كلامه في التدرج يكون بعده.

طالب: .......

أنت تقصد الذي يسمونه جبل الكعبة؟

طالب: لا الذي .......

لا، ينزلون ابن عمر ينزل حتى يصلي الفجر، ويغتسل.

طالب: بذي طوى

بذي طوى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نزل بذي طوى -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: .......

نعم على ترتيب الكلام يكون بينه بين الكعبة.

طالب: أقرب إلى .......

خلونا نشوف.

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 قال الإمام الحافظ -رحمه الله تعالى-: (قوله: باب المساجد التي على طرق المدينة، أي في الطرق التي بين المدينة النبوية ومكة، وقوله: والمواضع أي الأماكن التي تُجعل مساجد).

الموضع أعمُّ من المسجد، المسجد موضع، لكن الموضع قد يكون مسجدًا، وقد يكون غير مسجد.

طالب: (قوله: وحدثني نافع، القائل ذلك هو موسى بن عقبة، ولم يسق البخاري لفظ فضيل بن سليمان، بل ساق لفظ أنس بن عياض، وليس في روايته ذكر سالم، بل ذكر نافع فقط، وقد دلت رواية فضيل على أن رواية سالم ونافع متفقتان إلا في الموضع الواحد الذي أشار إليه، وكأنه اعتمد رواية أنس بن عياض؛ لكونه أتقن من فضيل.

 ومحصَّل ذلك أن ابن عمر كان يتبرك بتلك الأماكن، وتشدده في الاتباع مشهور، ولا يعارض ذلك ما ثبت عن أبيه أنه رأى الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، فسأل عن ذلك، فقالوا: قد صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: من عرضت له الصلاة فليصلِّ وإلا فليمض فإنما هلك أهل الكتاب؛ لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبِيعًا؛ لأن ذلك من عمر محمول على أنه كره زيارتهم لمثل ذلك بغير صلاة، أو خشي أن يشكل ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبًا، وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر، وقد تقدَّم حديث عتبان وسؤاله النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي في بيته ليتخذه مصلًّى).

سد الذرائع الموصِلة إلى الشرك، والخادشة لجناب التوحيد هذا أمر مطلوب من كل مسلم، من ابن عمر وغير ابن عمر، فمثل هذا لا يُقبل هذا الكلام، مأمون من ابن عمر، لكن ماذا عمن يقتدي بابن عمر؟

مر بنا أن سالمًا ونافعًا يقتدون بابن عمر في هذا، وقد يوجد غيرهم كثير ممن يقتدي به، ووجد من يقتدي ويزيد ويبالغ، ووقع في مقدمات الشرك، بل وقع في الشرك؛ بسبب هذه المبالغة وهذا الغلو في الأماكن التي لم يُطلب الاتباع فيها.

طالب: (وكلا الأمرين مأمون من ابن عمر، وقد تقدَّم حديث عتمان وسؤاله النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي في بيته؛ ليتخذه مصلى، وإجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين).

لكن من مثله -عليه الصلاة والسلام-؟

طالب: اللهم صل على محمد.

طالب: .......

سنقرأه، عندك التعليق تعليق الشيخ؟

طالب: نعم.

نعم.

طالب: (هذا خطأ، والصواب ما تقدم، وغير النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقاس عليه في مثل هذا).

522.

طالب: نعم.

يقول: (هذا فيه نظر، والصواب أن مثل هذا خاص بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما جعل الله فيه من البركة، وغيره لا يُقاس عليه؛ لما بينهما من الفرق العظيم، ولأن فتح هذا الباب قد يفضي إلى الغلو والشرك، كما وقع من بعض الناس، نسأل الله العافية)، نعم.

طالب: (هذا خطأ، والصواب ما تقدم، وغير النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقاس عليه في مثل هذا، والحق أن عمر -رضي الله عنه- أراد بالنهي عن تتبع آثار الأنبياء سد الذريعة إلى الشرك، وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه -رضي الله عنهما-، وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر، وليس في قصة عِتبان ما يخالف ذلك؛ لأن في حديث عتبان قد قصد أن يتأسَّى به -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، بخلاف آثاره في الطرق ونحوها، فإن التأسِّي به فيها وتتبعها لذلك غير مشروع، كما دل عليه فعل عمر، وربما أفضى ذلك بمن فعله إلى الغلو والشرك كما فعله أهل الكتاب، والله أعلم).

وكما فعله فئام من هذه الأمة، في كثير من الأقطار بالغوا في تتبع الآثار، ووقعوا في الشرك الأكبر.

ابن بطوطة الرحالة المشهور ذكر في رحلته أنهم صعدوا على جبل مرتفع جدًّا، وتكلَّفوا في الصعود إليه المشقة العظيمة، وصعدوا إليه، ووجدوا فيه قبرًا يُنسب إلى أحد الصالحين صلوا فيه، وجلسوا عنده يدعونه، نسأل الله العافية.

 وذكر ابن بطوطة عن بعض من تُدعى له الولاية أنه مر على ولي من الأولياء كما يزعمون، فأعطاه جبة، فأخذها؛ ليتبرك بها، وسار في طريقه، فمر على ولي أكبر من ذاك، على حد زعمهم، فقال: هذه جُبة فلان، وأعطاك إيّاها للتبرك بها، وأنت أخذتها، وسيحصل لك من هذه البركة الشيء الكثير، وأنت تعجب من معرفة الشيخ الفلاني صاحب الجبة إلى حاجتك إليها، فلا عجب في ذلك، فإنه يدبر الكون. ما أعظم من هذا؟ والرحلة مملوءة بمثل هذه الخرافات والشركيات، وتتبع الآثار هو البداية، والاعتقاد فيمن يُظن فيه الصلاح والغلو فيهم يوصل إلى هذه النتائج الشركية المرة، نسأل الله العافية.

الرسول -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق وأشرفهم وأكرمهم على الله يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم»، ولذا النتيجة المَشاهِد، والقبور، والبنايات عليها، وطلب الحوائج منهم، هذا موجود في كثير من أقطار المسلمين، نسأل الله السلامة والعافية، وأُلِّف في ذلك المصنفات، وللروافض مؤلفات في حج المشاهد، ولها مناسك، طقوس تؤدّى كما يؤديه الحجاج أو أشد من ذلك، بل يبالغون في حجة إلى المشهد الفلاني عن سبعين حجة إلى الكعبة، نسأل الله العافية، والله المستعان.

طالب: أحسن الله إليكم، قوله أن ذلك حصل من ابن عمر -رضي الله عنه- كان يتبرك بهذا، هل هذا القول مسلَّم؟ لعله يرى أن هذه سنة تُصلى في ذلك المكان يعني من باب السنية لا من باب التبرك بالمكان.

طالب: لا ما كان يتبرك يا شيخ، كان يتتبع.

هو يتتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام- ابن عمر، حتى ذُكر عنه أنه كان يكفكف دابته حتى تقع مواطئها على مواطئ دابته -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: على التبرك أو على السنة أولى؟

هو سواء قلنا هذا أو ذاك، المُشاهِد ما يشاهد إلا الفعل فعل ابن عمر، والذي في ضميره واعتقاده الذي نجزم به أنه كان يقتدي ويأتسي، وهو معروف بشدة الاقتداء حتى أخرجته هذه الشدة وهذه المبالغة إلى أن خالف فيه من هو أفضل منه.

طالب: (قوله: تحت سمرة أي شجرة ذات شوك، وهي التي تعرف بأم غيلان. قوله: وكان في تلك الطريق أي طريق ذي الحليفة.

قوله: بطن واد أي وادي العقيق. قوله: فعرس بمهملات والراء مشددة، قال الخطابي: التعريس نزول استراحة لغير إقامة، وأكثر ما يكون في آخر الليل، وخصَّه بذلك الأصمعي، وأطلق أبو زيد).

أبو زيد الأنصاري من أئمة اللغة، فأطلق التعريس: النزول للراحة، والأصمعي يقول النزول للراحة في آخر الليل، والخلاف معروف.

طالب: (قوله: على الأكمة هو الموضع المرتفع على ما حوله، وقيل: هو تل من حجر واحد. قوله: كان ثَم خليج، تكرر لفظ ثَم في هذه القصة، وهو بفتح المثلثة، والمراد به الجهة، والخليج واد له عمق، والكُثُب بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب وهو رمل مجتمع. قوله: فدحا بالحاء المهملة أي دفع، وفي رواية الإسماعيلي: فدخل بالخاء المعجمة واللام، ونقل بعض المتأخرين عن بعض الروايات قد جاء بالقاف والجيم على أنهما كلمتان حرف التحقيق، والفعل الماضي من المجيء.

قوله: وأن عبد الله بن عمر حدثه أي بالإسناد المذكور إليه).

طالب: أحسن الله إليك ....... هل لها وجه .......

بماذا فسَّرها عندك؟

طالب: .......

قد جاء.

طالب: نعم.

التصحيف في مثل هذا قريب جدًّا، الفاء والدال تتصحف بقد وجاء تتصحف بحاء، التصحيف وارد.

طالب: .......

لا لا، كمل.

طالب: (قوله: وأن عبد الله بن عمر حدثه أي بالإسناد المذكور. قوله: بشرف الروحاء هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيَّالة للمتوجه إلى مكة، والمسجد الأوسط هو في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم، وفي الآذان من صحيح مسلم أن بينهما ستةً وثلاثين ميلاً.

قوله: يُعلم المكان بضم أوله من أعلم يُعلم من العلامة. قوله: يقول: ثَم عن يمينك، قال القاضي عياض: هو تصحيف، والصواب بعواسج عن يمينك. قلت: توجيه الأول ظاهر، وما ذكره إن ثبتت به رواية فهو أولى، وقد وقع التوقف في هذا الموضع قديمًا فأخرجه الإسماعيلي بلفظ: يُعلم المكان الذي صلى، قال فيه: هنا لفظةً لم أضبطها عن يمينك الحديث. قوله: يصلي إلى العرق أي عرق الظبية وهو وادٍ معروف قاله أبو عبيد البكري، ومنصرف الروحاء بفتح الراء أي آخرها).

البكري هذا صاحب معجم ما استعجم.

طالب: (قوله: وقد ابتُني بضم المثناة مبني للمفعول. قوله: سرحة ضخمة أي شجرة عظيمة، والرويثة بالراء والمثلثة مصغرًا: قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخًا، ووِجاه الطريق بكسر الواو أي مقابله.

قوله: بطح بفتح الموحدة وسكون الطاء، وبكسرها أيضًا أي واسع. قوله: حتى يفضي كذا للأكثر، وللمستملي والحموي حين يفضي. قوله: دُوين بريد الرويثة بميلين أي بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان، وقيل المراد بالبريد سكة الطريق. قوله: فانثنى بفتح المثلثة مبني للفاعل. قوله: تلعة بفتح المثناة وسكون اللام بعدها مهملة، وهي مسيل الماء من فوق إلى أسفل، ويقال: أيضًا لما ارتفع من الأرض ولما انهبط، والعرج بفتح المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلاً، والهضبة بسكون الضاد المعجمة فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل، وقيل: الجبل المنبسط على الأرض، وقيل: الأكمة الملساء، والرضم الحجارة الكبار واحدها رضمة بسكون الضاد المعجمة في الواحد والجمع، ووقع عند الأصيلي بالتحريك.

قوله: عند سلمات الطريق أي ما يتفرع عن جوانبه، والسلمات بفتح المهملة وكسر اللام في رواية أبي ذر والأصيلي، وفي رواية الباقين بفتح اللام، وقيل: هي بالكسر الصخرات وبالفتح الشجرات، والسرحات بالتحريك جمع سرحة وهي الشجرة الضخمة كما تقدم. قوله: في مسيل دون هرشى المسيل المكان المنحدر، وهرشى بفتح أوله وسكون الراء بعدها شين معجمة مقصور، قال البكري: هو جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفة، وكراع هرشي طرفها، والغلوة بالمعجمة المفتوحة غاية بلوغ السهم، وقيل: قدر ثلثي ميل. قوله: مر الظهران بفتح الميم وتشديد الراء وبفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء، هو الوادي الذي تسميه العامة بطن مرو بإسكان الراء بعدها واو، قال البكري: بينه وبين مكة ستة عشر ميلاً، وقال أبو غسان: سمي بذلك؛ لأن في بطن الوادي كتابةً بعرق من الأرض أبيض هجاءً "م ر" الميم منفصلة عن الراء، وقيل: سمي بذلك لمرارة مائه).

وقد يُعمد إلى هذا لتضبط الكلمة، إذا كتبت بالحروف المقطعة رسخت في الذهن، وتجد في بعض المخطوطات بعض الكلام في أثناء كلام طويل أو شيء كلمة تشتبه على بعض من يقرأ فيقطعها الكاتب في الحاشية، مثلاً الهُجَيمي وُجدت في كثير من الكتب والمخطوطات يكتبها: هاء ثم جيم ثم ياء ثم ميم ثم ياء؛ حتى ما تلتبس على القارئ، ولا يستطيع أن يصحفها.

طالب: (قوله: قِبل المدينة بكسر القاف وبفتح الموحدة أي مقابلها، والصفراوات بفتح المهملة وسكون الفاء جمع صفراء، وهو مكان بعد مر الظهران. قوله: ينزل بذي طوًى بضم الطاء للأكثر، وبه جزم الجوهري، وفي رواية الحموي والمستملي بذي الطوى بزيادة ألف ولام، قيَّده الأصيلي بالكسر، وحكى عياض وغيره الفتح أيضًا. قوله: استقبل فرضتي الجبل الفرضة بضم الفاء وسكون الراء بعدها ضاد معجمة مدخل الطريق إلى الجبل، وقيل: الشق المرتفع كالشرافة، ويقال أيضًا لمدخل النهر.

 تنبيهات؛ الأول: اشتمل هذا السياق على تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده مفرقةً من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أنس بن عياض يعيد الإسناد في كل حديث إلا أنه لم يذكر الثالث، وأخرج مسلم منها الحديثين الأخيرين في كتاب الحج).

مسألة الجمع والتفريق بين الروايات مسألة معروفة عند أهل العلم من المحدِّثين وغيرهم، مثل صحيفة همام بن منبه سياق واحد في مسند الإمام أحمد، وفُرِّقت في الصحيحين على حسب الحاجة، وإسنادها واحد، والأصل أنها تُروى بطريق واحد فتُجمع، وإذا فُرقت بحسب الحاجة في مواضعها فهذا حسن، فعله البخاري وغيرهم، مسألة تقطيع الحديث الواحد أمر معروف عند أهل الحديث، شريطة ألا يكون القطعة المذكورة من الحديث لها تعلُّق بما حُذف فيترتب فهمها على وجود المحذوف، وإلا فالمسألة أمرها سهل.

طالب: (الثاني: هذه المساجد لا يعرف اليوم منها غير مسجدي ذي الحليفة، والمساجد التي بالروحاء يعرفها أهل تلك الناحية، وقد وقع في رواية الزبير بن بكار في أخبار المدينة له من طريق أخرى عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث زيادة بسط في صفة تلك المساجد، وفي الترمذي من حديث عمرو بن عوف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في وادي الروحاء وقال: «لقد صلى في هذا المسجد سبعون نبيًّا».

الثالث: عُرف من صنيع بن عمر استحباب تتبع آثار النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتبرك بها، وقد قال البغوي من الشافعية: إن المساجد التي ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى فيها لو نذر أحد الصلاة في شيء منها تعيَّن كما تتعين المساجد الثلاثة).

وهذا كلام مردود؛ لأن المساجد الثلاثة استُثنيت بالنص: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد».

طالب: (الرابع: ذكر البخاري المساجد التي في طرق المدينة، ولم يذكر المساجد التي كانت بالمدينة؛ لأنه لم يقع له إسناد في ذلك على شرطه، وقد ذكر عمر بن شبَّة في أخبار المدينة المساجد والأماكن التي صلى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مستوعبًا، وروى عن أبي غسان عن غير واحد من أهل العلم أن كل مسجد بالمدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة فقد صلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن عمر بن عبد العزيز حين بنى مسجد المدينة سأل الناس وهم يومئذ متوافرون عن ذلك، ثم بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة، انتهى، وقد عين عمر بن شبة منها شيئًا كثيرًا، لكن أكثره في هذا الوقت قد اندثر، وبقي من المشهورة الآن مسجد قُباء ومسجد الفضيخ وهو شرقي مسجد قُباء ومسجد بني قريظة، ومشربة أم إبراهيم وهي شمالي مسجد بني قريظة، ومسجدُ بني ظفر شرقي البقيع، ويُعرف بمسجد البغلة ومسجد بني معاوية ويُعرف بمسجد الإجابة ومسجد الفتح قريب من جبل سلع ومسجد القبلتين في بني سلمة، هكذا أثبته بعض شيوخنا، وفائدة معرفة ذلك ما تقدم عن البغوي، والله أعلم).

وإذا عرفنا ضعف ما قاله البغوي عرفنا ضعف ما رُتِّب عليه، والله المستعان.