بين كتابي (الاستذكار) و(التمهيد) لابن عبد البر

كتاب (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) لابن عبد البر –رحمه الله- كتاب فريد في بابه، موسوعة شاملة في الفقه والحديث والرجال، وأنموذج فذ في أسلوبه ومنهجه، رتَّبه مؤلفه على الأسانيد مرتِّبًا إياها على أسماء شيوخ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- الذي روى عنهم ما في الموطأ من الأحاديث، وذكر ما رواه عن كل شيخٍ مرتِّبًا إياهم على حروف المعجم، وكتاب (التمهيد) نظرًا لطول الوقت الذي مكثه الإمام ابن عبد البر –رحمه الله- في تأليفه –أكثر من ثلاثين سنة- لا نقول: إنه قبل (الاستذكار)؛ لأنه في (الاستذكار) يحيل على (التمهيد) في غالب الأحاديث، وهناك إحالات من (التمهيد) على (الاستذكار) في مواضع وهي ليست كثيرة؛ لكنها موجودة، وأما الأكثر والغالب الإحالة من (الاستذكار) على (التمهيد)، وكتاب (التمهيد) صبغته حديثية، فميزته العناية بالمعاني والأسانيد فهو كتاب حديثي، وإن كان يأتي فيه الكلام على الأحكام تبعًا.

أما كتاب (الاستذكار لمعرفة مذاهب فقهاء الأمصار) فهو كتاب مبسوط، شرح فيه الإمام ابن عبد البر –رحمه الله- (الموطأ)، وتفنن فيه وبرع، وجد واجتهد في استنباط المسائل الفقهية، وبسط فيه الدلائل من الكتاب والسنة وأقاويل السلف من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، فصبغته فقهية، ولو جُمع بينهما على ترتيب الموطأ، فمزج الكتابان بكتابٍ واحد لكان عملًا جيدًا.