التعليق على الموافقات (1431) - 11

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد....

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "المسألة الخامسة: تسليط التأويل على المتشابه فيه تفصيل، فلا يخلو أن يكون من المتشابه الحقيقي أو من الإضافي".

فإن كان من المتشابه الحقيقي الذي لا يعلمه إلا الله، فهذا التأويل لا مستند له ولن يصل إلى حقيقة، بل يقود إلى الضلال، إن كان من الإضافي الذي يتشابه على بعض الناس دون بعض فيكون متشابهًا عند فلان، ومحكمًا عند آخر سبب التشابه عند من تشابه عليه القصور في الفهم أو تقصير في البحث هذا أمره سهل، يمكن أن يصل إلى حقيقته ويعرف تأوليه بمعنى التفسير، فأمره سهل، كما هو قول مجاهد، واستعمال كثير من أهل العلم للتأويل بمعنى التفسير كما في تفسير الطبري القول بتأويل قول الله –جلَّ وعلا- كذا، هذا معنى تفسيره، فهذا يوصَل إليه.  

"فإن كان من الإضافي، فلا بُد منه إذا تعين بالدليل كما بُيِّن العام بالخاص، والمطلق بالمقيد، والضروري بالحاجي، وما أشبه ذلك؛ لأن مجموعهما هو المحكم".

يعني الإحكام مع التشابه المجموع من الأمرين، المحكم الذي يُفسَّر به المتشابه نعم يكون هم المُحكم، يعني التشابه إذا انضم إلى ما يُبينه صار المُبين والمُبَين هو المُحكم؛ لأن المتشابه صار معناه معروفًا، فلا إشكال فيه، ومثله المطلق إذا جاء مع المقيد، والعام إذا جاء مع الخاص وهكذا.

"وقد مر بيانه، وأما إن كان من الحقيقي، فغير لازمٍ تأويله، إذ قد تبين في باب الإجمال والبيان أن المُجمل لا يتعلق به تكليفٌ إن كان موجودًا؛ لأنه إما أن يقع بيانه بالقرآن الصريح".

يعني المُجمل الذي يستمر إجماله لا يقع به تكليف، هذا إن كان موجودًا، أما المجمل الذي جاء بيانه بنصوصٍ أخرى، فهذا يقع به التكليف تبعًا للبيان، والمجموع من المُجمل والمُبين إذا تم البيان للمُجمل فهو من قبيل المُحكم.

"لأنه إما أن يقع بيانه بالقرآن الصريح، أو بالحديث الصحيح، أو بالإجماع القاطع أو لا، فإن وقع بيانه بأحد هذه، فهو من قبيل الضرب الأول من التشابه، وهو الإضافي، وإن لم يقع بشيءٍ من ذلك، فالكلام في مراد الله تعالى من غير هذه الوجوه تسور على ما لا يُعلم، وهو غير محمود".

نعم؛ لأن طوائف البدع من الباطنية وغيرهم تسوروا على أمور متشابهة مُجملة ما جاء بيانها في كتاب الله ولا سُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام-، فبينوا مرادها بحسب كشوفاتهم، وبحسب رموزهم التي اتبعوها.

ومع الأسف أنهم تعدوا هذا، الكلام في مثل هذا الذي لا يعلمه إلا الله لا شك أنه قولٌ على الله بغير علم، وهجومٌ على ما لا يجوز الهجوم عليه، وتعدى الأمر ذلك إلى ما جاء بيانه بالكتاب والسُّنَّة، فبينوه بحسب أمزجتهم، وما تُمليه عليه قرائحهم وشطحاتهم.

يفسرون الصلاة بغير ما فسرها به النبي –عليه الصلاة والسلام- يفسرون الزكاة، يُفسرون الصيام، يُفسرون الحج بغير ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.

ومع الأسف أن مثل هذه المذاهب تروج، ولها كتب، ولها أتباع، ويُظن بأهلها يُعتقد فيهم أمور، وأنهم يعلمون ما لا يعلمه الناس.

طالب:.........

والله أولى ما يُقال فيها: الله أعلم بمراده؛ لأن مع كثرة الأقوال التي قيلت ما فيها شيء يشفي العليل.

طالب: شيخ يعني هذا الكلام أغلبه ينساق على أمور العقائد في الجملة أم لا؟

حتى في العبادات، يعني الباطنية فسروا حتى أولوا العبادات، طوائف البدع غير الباطنية من المعتزلة، والجهمية، والأشاعرة وغيرهم اقتصروا في تأوليهم على ما يتعلق بالله –جلَّ وعلا- بالعقائد، اقتصروا على تأويلها وهاجموا وأولوا على حد زعمهم بوجوهٍ محتملة في العربية، لكن لا داعي لمثل هذه التآويل؛ لأنه لا مُلجئ لها يتركون الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح؛ استصحابًا للتنزيه، طيب هذا التنزيه الذي ادعوه ما وصلوا إليه إلا من خلال قنطرة التشبيه، فلو لم يُشبهوا ما اضطروا إلى هذا التأويل، فوصلوا إلى التعطيل.      

"وأيضًا فإن السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المقتدين بهم لم يعرضوا لهذه الأشياء، ولا تكلموا فيها بما يقتضي تعيين تأويلٍ من غير دليل، وهم الأسوة والقدوة، وإلى ذلك؛ فالآية مشيرةٌ إلى ذلك بقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْه} [آل عمران:7]".

يعني لو اقتصروا على تأويل المتشابه، وقالوا: ما يُمكن كتاب أُنزِل للعمل وللفهم وأُنزِل لنتدبره لا بُد أن نوجد له معاني، هذا ضلالٌ مُبين، لكن قد يكون لهم من الاستدلال بالآية من أمرنا بتدبره تدبر كلام لا نفهمه هذه هي حجتهم، يعني إذا قُبِل في مثل هذا -وهو غير مقبول أصلًا- على سبيل التنزل والتسليم، كيف يُقبل تأويل الصلاة عندهم؟! كيف يُقبل تأويل الزكاة عندهم والحج وغيرهما؟! الصيام عندهم.

يعني عند المتصوفة الذين مزجوا التصوف بالفلسفة ضلال لا يحتمله عقل، فالإنسان يحمد الله– جلَّ وعلا- أنه ما قرأ في هذه الكتب المُضلة، لما تركوا الكتاب والسُّنَّة وعدلوا عنهما إلى غيرهما وفيهما العصمة تاهوا؛ لأن هذه أمور لن يصل إليها العقل البشري بذاته، لا يُمكن أن يصل إليها العقل البشري بذاته؛ لأنها أمور مُغيبة ما تُركت للخلق، ومع ذلك خاضوا فيها فضلُّوا وأضلوا.

يعني تقرأ في تفسير القشيري تجد فيه من هذا النوع (لطائف التفسير) المقصود مثل هذا فيه كثير.

تفسير التُّستري فيه، مع الأسف تجد في تفسير الألوسي، بدل ما يُفسر الآيات على الجادة في كلام أهل العلم، ومن اللغة، ومن غيرها وهو بارع في هذا الباب تجده من باب الإشارة، ثم يأتي بتفاسير الباطنية.

التفسير المنسوب لابن عربي مطبوع ومتداول كذلك (الفتوحات) لابن عربي فيها شيء كثير من هذا النوع.       

"ثم قال: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7].

وقد ذهب جملةٌ من متأخري الأمة إلى تسليط التأويل عليها أيضًا رجوعًا إلى ما يُفهم من اتساع العرب في كلامها، من جهة الكناية والاستعارة والتمثيل وغيرها من أنواع الاتساع؛ تأنيسًا للطالبين، وبناءً على استبعاد الخطاب بما لا يُفهم، مع إمكان الوقوف على قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، وهو أحد القولين للمفسرين منهم مجاهد، وهي مسألةٌ اجتهادية، ولكن الصواب من ذلك ما كان عليه السلف، وقد استدل الغزالي على صحة هذا المذهب بأمورٍ ذكرها في كتابه المسمى بـ(إلجام العوام)، فطالعه من هنالك".

الغزالي له كلام يُوافق هؤلاء الباطنية؛ وذلكم لأنه أوتي من جهله بنصوص الوحيين-بضاعته من الحديث مزجاة- هو ملأ (الإحياء) بأحاديث كثيرة جدًّا موضوعة وواهية وضعيفة كثيرة.

فإذا أفلس الإنسان من سبب العصمة وهو: الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة، فماذا يبقى له؟ يتخبط، نظر في كُتب المبتدعة وغرق في الفلسفة والمنطق، وعجز ما عرف كيف يسبح، ما استطاع أن يخرج، أخيرًا رفض كل شيء ورجع إلى عقيدة العجائز.

لكن الإنسان المشبع المتشبع بأفكار لو أراد أن يتنصل منها، فهل يستطيع؟ تفرض نفسها عليه في كل وقت، يعني مُكابرة أن يقول: أنا والله خلصت، عالم عُرف بالعلم، وأفتى الناس مدة، وقضى بين الناس سنين طويلة، ثم يقول: أنا ما أسمع باعة الناس وعوامهم، ولا أعرف لا حكمًا ولا دليلًا ولا شيئًا، ما علمنا شيئًا، يمكن أن يتصور أن يرجع عاميًّا؟ هذا يضحك على نفسه، وهو الغزالي يقول: أرجع إلى عقيدة العوام، على عقيدة العجائز، ما عندي شيء، وألَّف (إلجام العوام عن علم الكلام) وحرَّم النظر في كتب الكلام وفعل ترك، لكن كتبه محشوة بعلم الكلام، بل ما يتعدى ذلك، وصل إلى مرحلة متقدمة جدًّا في هذا الباب من الضلال، نسأل الله العافية.

لأن أثر الفلسفة على التصوف؛ لأنهم جمعوا بين جهل بالنصوص، ثم أدخلوا العلوم الحادثة الطارئة المُغيّرة للفطرة، حرفت مسار العلم والتعليم في الأمة من القِدم من ترجمة العلوم في عهد المأمون من القرن الثالث، وتشبع الناس بها، وأُشرِبت قلوبٌ حُبها فصارت هي ديدنهم، ونبذوا كتاب الله وسُنَّة نبيه –عليه الصلاة والسلام- واشتغلوا بهذه الأمور، ثم يقول: نرجع إلى عقيدة العوام، ما يُمكن، ما هو بثوب أن تفسق وتقول: أغير هذا الثوب أو لباس تقول: لا خلاص، أتنصل منه، هذا امتزج بلحمه ودمه.

طالب: لكن لو رجع على الأصول التي أصَّلها؟

لو رجع من جديد، ومع ذلك لا تزال تُساوره، لن يتخلى عنها، أمور خُزِنت وحُفِظت ما يُمكن أن يتناساها، قد يرى بطلانها وضلالها، ويرد عليها وعلى أهلها، ويكون على بينةٍ منها ويستفيد من معرفته بها إذا رجع رجوعًا كليًّا، وعرف بطلانها، أما أن يبقى بالحيرة يومًا كذا ويومًا كذا هذا ما يُمكن أن يتخلص منها.

طالب:........

له (فضائح الباطنية).

طالب:........

بلا شك، ولن يتخلص رجل تورط، غرق في هذه البحار، لن يخرج سالمًا، الأشعري أبو الحسن إمام المذهب، يعني حتى في رجوعه في (الإبانة) وغيرها من كُتب مقالات الإسلاميين وغيرهم، ورجع إلى ما يقول به الإمام أحمد وغيره، نعم نظريًّا رجع، لكن تجد في ثنايا كلامه يُقرر بعض المسائل تجد اللوثة، يعني تأثير المذهب القديم عنده لا يزال، وهذا حال كثير من الناس.

يعني ابن دقيق العيد خلونا في المذاهب الفرعية كان مالكيًّا، ثم صار شافعيًّا، يُناقش المسائل على أصول الشافعية، ثم يعرض عليه مذهب مالك وهو لا يشعر، هذه أمور في باطن الإنسان لا يستطيع أن يتخلص منها، فهي مؤثرة بلا شك، ولو رجع عنها إلا بتوفيقٍ من الله –جلَّ وعلا- بحيث يقتنع ببطلانها مائة بالمائة، ويحمد الله –جلَّ وعلا- في كل لحظة، كلما أفاق قال: الحمد لله الذي أنقذني، حينئذٍ يعرف بطلانه ولا تؤثر عليه.

طالب:........

والله ما له أصل من كلام سلف الأمة، ويدل عليه دليل من الكتاب والسُّنَّة، وله أصلٌ في لغة العرب فهذا مقبول ممن جاء به؛ لأنه «رُبَّ مُبَلَّغ أوْعَى من سامع» قد يُفتح للإنسان من المتأخرين مما يكون فرعًا مما قاله المتقدمين، يكون المتقدمون قالوا بأصله، فسَّر الصحابة هذه الآية بكذا، ثم استطرد باستطرادات وأمثلة، وزيادة بيان، وإيضاح، هذا ما فيه إشكال، لكن إذا كان كلامه يُخالف كلام من سلف أو أتى بكلامٍ لم يُسبق إليه، ولا أصل له، كمن يُفسِّر آية فيها تسعة أقوال في تأويلها تسعة أقوال في كتب التفسير، فيأتينا من يأتي بقولٍ عاشر، ولا يُعرِّج ولا على واحد من كلام السلف.

طالب: هذا مردود.

مردود بلا شك نعم، لا والإشكال أنك تسأله عن واحد من هذه التسعة ما جاء بواحد، ما يُقال: والله هضم كلام السلف ووفق بينه ورأى...

طالب: وألَّف بين بعضها.

ما يُمكن، الإشكال الذين يتصدون لِما يُذكر الآن، ما يعرفون من كلام سلف الأمة شيئًا، يا ليتهم تخرجوا على كلام السلف، ثم فُتح لهم من أبواب العلم ما يزيدون به على كلام السلف، ما يخالف، المسألة ما هي مسألة حجر وتلقين، التدبر كما أُمِر به الصحابة أُمِر به آخر الناس، نعم.

طالب:........

اجتهد..اجتهد وفرِّع لنا على كلام السلف كلامًا نستفيد منه، هات لنا أمثلة ونظائر توضح كلام السلف.

طالب:........

لو تقول له: اذكر لي واحدًا من التسعة ما عرف، هو ابتداءً فتح المصحف وبدأ... الذي تربى على أقوال السلف يأوي إلى علم، تجد عنده أقوالًا لم يُسبق إليها، لكن تجده في إطار ما تكلم فيه السلف.

طالب:........

هذا مقبول الحديث مقبول نعم، لكن يبقى أنه مثل هذا مَن الذي يقول برأيه؟ الذي ابتداءً يُفسِّر القرآن، أما من قرأ في كُتب التفسير في تفاسير الأئمة وسلف هذه الأمة وحفظ منها ما حفظ، ثم بعد ذلك سُئل ومن مخزونه العلمي ولو لم يُحدد القائل على وجه الخصوص، من مخزونه العلمي المعتمد على علم السلف جاء بقولٍ فتشنا في كتب التفسير ما وجدناه، هذه عُصارة لقراءته في كُتب السلف، هذا ما يُقال: قال برأيه.

طالب:........

ماذا فيه؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

متى يقولها وهو في مكان الأذان؟

طالب: نعم وهو في مكان الأذان.

لا، هذه زيادة على الأذان.

طالب:........  

هذه زيادة مبتدعة، جُمل الأذان محفوظة ما فيها زيادة ولا نقصان، يعني لو انصرف من مكانه، وقال: اللهم صلِّ على محمد، ما يُنكر عليه، هذا مطلوب، أما في مكانه فهي زيادةٌ على جُمل الأذان، يعني كما يزيد بعض الشيعة (حي على خير العمل) (أشهد أن عليًّا ولي الله) هذه زيادات، جُمل الأذان محفوظة بالنصوص الصريحة الصحيحة وتوارثتها الأمة، وتواترت عندهم جيلٍ عن جيل تواتر عمل وتوارث لا يجوز الزيادة عليها أبدًا، لكن لو انصرف عن مكانه وصلى على النبي –عليه الصلاة والسلام- فمن أفضل الأعمال.

"المسألة السادسة: إذا تسلط التأويل على المتشابه، فيراعى في المؤوَّل به أوصافٌ ثلاثة: أن يرجع إلى معنىً صحيحٍ في الاعتبار، متفقٍ عليه في الجملة بين المختلفين، ويكون اللفظ المؤوَّل قابلاً له، وذلك أن الاحتمال المؤوَّل به إما أن يقبله اللفظ أو لا".

هذا عند المناظرة أُورِد لفظ متشابه، وهو من التشابه الإضافي، فأوَّله أحد المتناظرين بشيء لا بُد أن يكون الطرف الثاني من المتناظرين ممن يقتنع بأصل هذا التأويل، ما يرجع إلى أصلٍ مختلفٍ فيه، ومثال كررناه مرارًا يعني تناظر شافعي ومالكي في الحجر الذي سبق الرمي به– جمرة- قال الشافعي: لا يُجزئ، قال المالكي: يُجزئ، قال الشافعي: لا يُجزئ يا أخي، هذا نظير الماء الذي سبق أن توضئ به، مثل الماء المستعمل لا يُستعمل مرة ثانية، قال المالكي: أنا ما أوافقك على هذا الأصل، أنا أرى أن الماء المستعمل يُجزئ.

فلا بُد من الاتفاق، لكن لو أن شافعيًّا يُناظر حنبليًّا، يتفقون على هذا الأصل ما فيه إشكال، فلا بُد أن يكون الأصل المرجوع إليه عند المتناظرين مما يُتفق عليه.    

"وذلك أن الاحتمال المؤوَّل به إما أن يقبله اللفظ أو لا، فإن لم يقبله، فاللفظ نصٌّ لا احتمال فيه، فلا يقبل التأويل، وإن قبله اللفظ".

لأن النصوص إما أن تكون ظاهرة أو مؤوَّلة، الظاهر هو الاحتمال الراجح، والمؤوَّل هو المرجوح أو نص ما يقبل احتمالًا، لا يقبل احتمالًا {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة:228] {ثَلاَثَةَ} تحتمل أن تكون أربعة أو اثنين؟ تحتمل؟

طالب: لا.

ما تحتمل هذا نص، لكن {قُرُوَءٍ} [البقرة:228] عندنا احتمال ظاهر، واحتمال مرجوح احتمال مؤوَّل، الظاهر هو الاحتمال الراجح، وهي الحيض عند من يرجحها، هذا لا بُد أن يكون الأصل متفق عليه، والطُّهر عند من يقول به احتمال راجح وهكذا، وهو مرجوح عند من يقول: إن القرء هو الحيض.

فعندنا في هذه الآية الثلاثة الأمور: النص في الثلاثة لا تحتمل أن تكون اثنين أو أربعة هذا نص، يُمكن أن يأتي مناظر يقول: المعتدة ذات الأقراء يُمكن أن تعتد أربع حيض أو حيضتين؟ اللهم إلا في الأمة عدتها حيضتان، قد يُنازع في الأمة، لكن الكلام في الحرة، هذا نص ما يحتمل تأويل.

طيب {قُرُوَءٍ} [البقرة:228] القرء فيه احتمال راجح، واحتمال مرجوح، الاحتمال الراجح وهو القرء عند الأكثر فيكون هو الاحتمال الراجح، فهو الظاهر، والاحتمال المرجوح هو المؤوَّل، ولا بُد أن يكون للاحتمالين أصل، فيكون أصل الاحتمال الراجح أقوى من أصل الاحتمال المرجوح؛ لأن كلًّا له أدلته في الاحتمالين.      

"وإن قبله اللفظ، فإما أن يجري على مقتضى العلم أو لا، فإن جرى على ذلك، فلا إشكال في اعتباره؛ لأن اللفظ قابلٌ له، والمعنى المقصود من اللفظ لا يأباه، فاطراحه إهمالٌ لما هو ممكن الاعتبار قصدًا، وذلك غير صحيح ما لم يقم دليلٌ آخر على إهماله أو مرجوحيته، وأما إن لم يجر على مقتضى العلم، فلا يصح أن يحمله اللفظ على حال، والدليل على ذلك أنه لو صح لكان الرجوع إليه مع ترك اللفظ الظاهر رجوعًا إلى العمى، ورميًا في جهالة، فهو تركٌ للدليل لغير شيء، وما كان كذلك فباطل، هذا وجه.

ووجهٌ ثانٍ وهو: أن التأويل إنما يسلط على الدليل لمعارضة ما هو أقوى منه، فالناظر بين أمرين إما أن يُبطل المرجوح جملةً اعتمادًا على الراجح، ولا يُلزم نفسه الجمع، وهذا نظرٌ يُرجَع إلى مثله عند التعارض على الجملة".

نعم؛ لأن الأصل العمل بالراجح وإهدار المرجوح في كل شيء، في تأويل القرآن، وفي الترجيح بين الأدلة، وفي الترجيح بين روايات الحديث، وفي الترجيح بين أقوال أهل العلم في الرواة في كل المسائل العلمية عندنا راجح، وعندنا مرجوح، الراجح من لفظه يؤخذ أنه هو الذي يُعمل به، والمرجوح يُطَّرح، يعني في الحديث المرجوح يُقال له: شاذ، فلا يُعمل به.

لكن هل يُلجأ إلى مثل هذا الترجيح قبل النظر في المتون والتوفيق بينها، والجمع بين هذه المتون للعمل بها جميعها؛ لأن الترجيح أخذٌ ببعض الأدلة دون بعض، والجمع أخذٌ بجميع الأدلة، لا شك أنه إذا أمكن الجمع لا يعود إلى الترجيح. 

"وإما أن لا يبطله، ويتعمد القول به على وجه، فذلك الوجه إن صح واتُّفق عليه فذاك، وإن لم يصح فهو نقض الغرض؛ لأنه رام تصحيح دليله المرجوح بشيءٍ لا يصح، فقد أراد تصحيح الدليل بأمرٍ باطل، وذلك يقتضي بطلانه عندما رام أن يكون صحيحًا، هذا خُلف".

بلا شك يعني التصحيح بأمرٍ باطل، كيف يكون تصحيحًا بأمرٍ باطل ما بُني على باطل فهو باطل، لا يُمكن أن تبني على فاسد شيئًا صحيحًا، لكن قد يُبنى على شيءٍ صحيح يُفرَّع عليه شيءٌ فاسد، يُفرَّع عنه شيءٌ فاسد؛ لضعف المُحتج قد يذهل المُحتج فيظن أن هذا الشيء الصحيح يُمكن أن يُستدل به على المسألة كذا دليلٌ صحيح يستنبط منه فلان من الناس من أهل العلم استنباطًا لا يوافق عليه، غير صحيح، فبنى هذا الحكم الباطل على هذا الدليل الصحيح.

لكن هل يُبنى حكم صحيح على دليلٍ باطل؟ لا يُمكن.

طالب:.........

نعم. 

طالب:.........

يعني ما له وجه، وليس له دليل، يعني لا حظ له من النظر؟

طالب:.........

نعم؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقًا، هناك أمور وأشياء تحتف بالحكم في وقت الفتوى، وفي حال المستفتي، وفي زمانه، وفي مكانه هذه أمور لا بُد من مراعاتها تحقيقًا للمصالح ودرءً للمفاسد كما تقدم في هذا الكتاب،.

"ووجهٌ ثالث: وهو أن تأويل الدليل معناه أن يُحمل على وجهٍ يصح كونه دليلاً في الجملة، فرده إلى ما لا يصح رجوعٌ إلى أنه دليل لا يصح على وجه، وهو جمعٌ بين النقيضين، ومثاله: تأويل من تأول لفظ الخليل في قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125] بالفقير، فإن ذلك يصير المعنى القرآني غير صحيح".

الخليل معروف، والخُلة معروفة في لغة العرب، يأتي من يقول: "{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125] بالفقير" فقير!! ومن أوَّل الخُلة بالفقر أنه يُريد أن ينتقص إبراهيم أم يمدح إبراهيم؟

طالب:........

لا لا يمدح؛ لأن المتصوفة عندهم الفقر له شأنٌ عظيم، قالوا عن الإمام أحمد: إنه إمامٌ في العلم، إمامٌ في السُّنَّة، إمامٌ في كل بابٍ من أبواب الدين، إمامٌ في الفقر، هم المتصوفة يجعلون الزاهد الغاية في الزهد يصفونه بالفقر.

"وكذلك تأويل من تأول غوى من قوله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّه فَغَوَى} [طه:121] أنه من غوي الفصيل؛ لعدم صحة غوى بمعنى غوي، فهذا لا يصح فيه التأويل".

ما معنى "غوي الفصيل"؟ يعني أكثر الأكل أو أكثر من اللبن، فأُصيب بتخمة ومرض؛ حتى كاد أن يهلك، ويُريدون آدم لما قارف هذه المعصية حصل له من التعب ما يحصل للفصيل إذا أكثر من الأكل أو من شرب اللبن حتى أُصيب بما أُصيب به، هذا -نسأل الله العافية- ضلال، هذا ضلال.

وصف إبراهيم بأشرف الأوصاف الخُلة التي هي غاية المحبة ونهايتها يُقال: الفقير!! نسأل الله السلامة والعافية.

"والأول لا يصح فيه من جهة المعنى، ومثال ما تخلفت فيه الأوصاف: تأويل بيان ابن سمعان في قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاس} [آل عمران:138].

فصل: وهذا المعنى لا يختص بباب التأويل، بل هو جارٍ في باب التعارض والترجيح".

تأويل بيان ابن سمعان لهذه الآية يقول: إن المؤلف سيأتي، ماذا يقول؟

طالب: في المسألة التاسعة؟

في المسألة المشار إليها آنفًا بيان عن هذا البيان انظر الرابع.

طالب:.......

نعم.

طالب:.......

نعم معروف، قال: "هو بيان بن سمعان التميمي الهندي اليمني الشيعي، وله شرذمةٌ تُنسب إليه تسمى البيانية، تنتحل نِحلاً باطلة" نعم.

يعني كأنه يُشير إلى نفسه إذا قرأ هذه الآية {هَذَا بَيَانٌ} [آل عمران:138] يُشير إلى نفسه أنه هو المراد بالآية، يعني ماذا عمن له زوجة أو أم أو أخت اسمها هدى، ثم يقول: هذا هدى، تجيء؟ يعني تنزيل القرآن على مثل هذه الأحوال –نسأل الله السلامة والعافية- هذا ضلال، يعني تعامل مع أشرف الكلام بهذه الطريقة؟ نسأل الله السلامة والعافية.

"فصل: وهذا المعنى لا يختص بباب التأويل، بل هو جارٍ في باب التعارض والترجيح، فإن الاحتمالين قد يتواردان على موضوعٍ واحد، فيُفتقر إلى الترجيح فيهما، فذلك ثانٍ عن صحة قبول المحل لهما".

يعني مانع ثانٍ، يعني يمنع يثني.

"وصحتهما في أنفسهما، والدليل في الموضعين واحد".

اللهم صلِّ على محمد.

تفضل يا أخ.

طالب:.......

أين هذا؟

طالب:.......

قبره روضة من رياض الجنة يدعي له ما يخالف.

طالب:.......

ما فيه إشكال.

طالب:.......

يدعو له ما فيه إشكال.

طالب:.......

الدعاء للميت مطلوب، في صلاة الجنازة وبعدها، وكلما ذُكِر يُدعى له، ويُأمن الناس من ورائه، يدعو واحد والناس يأمِّنون من ورائه.

طالب:.......

إذا لم يتخذ عادة صار مرة في العمر ولا شيء، لكن يُتخذ عادة في كل جنازة لا، بدعة هذه، لكن لو مرة أو مرتين يعني شيء أحيانًا ما فيه إشكال، لكن كونه يُتخذ عادة هذا بدعة.

طالب:.......

نعم، لكنهم يتوسعون فيها، ويجعلونها وصفًا بإزاء الزهد، ما هم يجعلون الاحتياج كلٌّ محتاج إلى الله –جلَّ وعلا-، كلٌّ محتاج، كلٌّ فقيرٌ إلى الله، لكن الفقر له حقيقة شرعية معروفة، يعني ما هو مثل الفلس، الفلس جاء له في الشرع أكثر من حقيقة، لكن الفقر معروف النصوص على وتيرة واحدة جاء بمن لا مال عنده أو عنده شيءٌ يسير لا يُمكن أن يسد حاجته.