التعليق على الموافقات (1434) - 07

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

 يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الرابعة عشرة: إعمال الرأي في القرآن جاء ذمه، وجاء أيضًا ما يقتضي إعماله".

جاء الوعيد لمن فسر القرآن برأيه بأن يتبوأ مقعده من النار، وجاء وصفه بأنه أخطأ ولو أصاب.

طالب: "وحسبك من ذلك ما نُقل عن الصديق، فإنه نُقل عنه أنه قال وقد سئل في شيء من القرآن: «أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟»".

كان السلف يحذرون ويتوَقَّون ويتحرون في تفسير ما جاء عن الله وعن رسوله، والجزم بأن هذا مراد الله وهذا مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، حتى في الحديث لا يفسرونه إلا بعد تثبت وتيقن. والأصمعي جاء عنه أنه سئل عن السَّقب «الجار أحق بسقبه»، وهو إمام من أئمة اللغة ويحفظ -قالوا:- عشرين ألف قصيدة أو ستة عشر ألف قصيدة من كلام العرب، وفيها لغتهم، فيها ديوانهم، ومع ذلك سئل عن السقب؟ فقال: أنا لا أفسر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن العرب تزعم أن السقب: اللصيق، يعني: المجاور، الجار أحق بمجاوره، السقب.

طالب: "وربما رُوي فيه: «إذا قلت في كتاب الله برأيي». ثم سئل عن الكلالة المذكورة في القرآن، فقال: «أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان»".

قد يقول الإنسان برأيه، لكن على سبيل البحث لا على سبيل الجزم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم دخل من غير تفسير، قال الصحابة: لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا. يعني لا على سبيل الجزم ما فيه إشكال، ما خطأهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا ثرب عليهم. الإشكال في أن يجزم بأن هذا مراد الله أو هذا مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فيكون من القول على الله بلا علم.

طالب: "فهذان قولان اقتضيَا إعمال الرأي وتركه في القرآن، وهما لا يجتمعان. والقول فيه أن الرأي ضربان؛ أحدهما: جارٍ على موافقة كلام العرب وموافقة الكتاب والسنة، فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالِم بهما لأمور".

الإشكال أن بعض الناس يكتبون الآن في قراءة النص من جديد.

طالب: التجديد.

ماذا؟

طالب: التجديد في الخطاب.

تجديد الخطاب وقراءة النص من جديد، يعني قراءة مناسبة للعصر، بمعنى أنهم لا يرجعون إلى فهم السلف. هذه كارثة هذه! والله المستعان.

طالب: "أحدهما: جارٍ على موافقة كلام العرب وموافقة الكتاب والسنة، فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور؛ أحدها: إن الكتاب لا بد من القول فيه ببيان معنى، واستنباط حكم".

لأنه إنما أُنزل للعمل، والعمل تابع للفهم، فلا بد أن يفهم منه، كلام عربي مبين نزل بكلام العرب للعمل به لا لمجرد التلاوة والبركة، نُزل للعمل، فلا بد، والعمل تابع للفهم، لا بد أن يُفهم، ولا بد أن يبين، وبيانه وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام- ووظيفة من ورثه من أهل العلم.

طالب: "لا بد من القول فيه ببيان معنى واستنباط حكم وتفسير لفظ وفهم مراد، ولم يأت جميع ذلك عمن تقدم، فإما أن يُتوقف دون ذلك فتتعطل الأحكام كلها أو أكثرها، وذلك غير ممكن، فلا بد من القول فيه بما يليق. والثاني: أنه لو كان كذلك، للزم أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبينًا ذلك كله بالتوقيف، فلا يكون لأحد فيه نظر ولا قول، والمعلوم أن -عليه الصلاة والسلام- لم يفعل ذلك، فدل على".

المروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- تفسير آيات وألفاظ ليست كثيرة، يعني لم يشمل تفسيره -عليه الصلاة والسلام- حتى ولا تفاسير الصحابة جميع مفردات القرآن ومعاني القرآن وبيان القرآن، إنما هناك أمثلة ونماذج يمكن أن تُحتذى، يحتذيها من تأهل لذلك بشروط المفسر التي ذكرها أهل العلم.

طالب: "فدل على أنه لم يكلف به على ذلك الوجه؛ بل بيَّن منه ما لا يوصل إلى علمه إلا به، وترك كثيرًا مما يدركه أرباب الاجتهاد باجتهادهم، فلم يلزم في جميع تفسير القرآن التوقيف.

 والثالث: أن الصحابة كانوا أولى بهذا الاحتياط من غيرهم، وقد عُلم أنهم فسروا القرآن على ما فهموا، ومن جهتهم بلغنا تفسير معناه، والتوقيف ينافي هذا، فإطلاق القول بالتوقيف والمنع من الرأي لا يصح.

 والرابع: أن هذا الفرض لا يمكن؛ لأن النظر في القرآن من جهتين: من جهة الأمور الشرعية، فقد يُسلَّم القول بالتوقيف فيه وترك الرأي والنظر جدلاً".

في الأمور التي لا تدرك بالرأي، فهذا يسلم بأنه لا يجوز النظر فيها إلا من قبل الشرع بالتوقيف، مع أن كثيرًا من الأحكام الشرعية يدخلها الاجتهاد والنظر.

طالب: "ومن جهة المآخذ العربية، وهذا لا يمكن فيه التوقيف، وإلا لزم ذلك في السلف الأولين، وهو باطل، فاللازم عنه مثله، وبالجملة فهو أوضح من إطناب فيه. وأما الرأي غير الجاري".

من جهة مآخذ العربية: كثير من السلف فسروا بمقتضى قواعد العربية.

طالب: "وأما الرأي غير الجاري على موافقة العربية أو الجاري على الأدلة الشرعية، فهذا هو الرأي المذموم من غير إشكال، كما كان مذمومًا في القياس أيضًا، حسبما هو مذكور في كتاب القياس، لأنه تقوُّل على الله بغير برهان، فيرجع إلى الكذب على الله تعالى. وفي هذا القسم جاء من التشديد في القول بالرأي في القرآن ما جاء، كما روي عن ابن مسعود: «ستجدون أقوامًا يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وعليكم بالعتيق». وعن عمر بن الخطاب".

العتيق يعني القديم الذي هو القرآن، المقصود بقدمه: تقدمه على غيره من الكلام في شريعتنا، يعني فالقرآن متقدم على السنة، القرآن متقدم على أقوال الصحابة، متقدم على جميع ما يمكن أن يُحتج به مما هو متفق عليه ومختلف فيه، وهذا وجه القدم، وإلا فهو كتاب أُنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام- منجمًا من بداية بعثته -عليه الصلاة والسلام- إلى وفاته، والكتب السماوية التي قبله أقدم منه.

طالب: "وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: «إنما أخاف عليكم رجلين: رجل يتأول القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس الملك على أخيه». وعن عمر أيضًا: «ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسق بيِّن فسقه، ولكني أخاف عليها رجلاً قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه، ثم تأوله على غير تأويله»".

نعم. ما أوتيت الأمة إلا من قبل هؤلاء، المؤمن الصادق ما يُخاف منه؛ لأن إيمانه يزجره عن أن يفتري على الله ويقول على الله ويأتي بفهم غير مراد لله. والفاسق الواضح البين هذا كلامه ما يمشي على الناس، حتى العوام ما يقبلون كلامه. فالإشكال فيمن ظاهره الصلاح وفي قلبه دخن، وله مقاصد، وله مآرب، ويحقق أهدافًا، ومدفوع من قبل الأعداء أو ما أشبه ذلك، هذا الذي يُخاف منه.

طالب: "والذي ذُكر عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن قوله: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]، فقال: «أي سماء تظلني...» الحديث. وسأل رجل ابن عباس عن {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]، فقال له ابن عباس: فما {يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} [السجدة: 5]؟ فقال الرجل: إنما سألتك لتحدثني، فقال ابن عباس: «هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما، نكره أن نقول في كتاب الله ما لا نعلم»".

لا سيما وأنه لا يترتب عليه عمل، أما ما يترتب عليه عمل لا بد من الجزم به؛ لئلا يتعطل النص.

طالب: "وعن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن شيء من القرآن، قال: أنا لا أقول في القرآن شيئًا".

يعني برأيي، والذي قاله إنما تلقاه من ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة ومما تؤيده لغة العرب.

طالب: "وسأله رجل عن آية، فقال: لا تسألني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه شيء منه, يعني عكرمة. وكأن هذا الكلام مشعر بالإنكار على من يزعم ذلك".

طالب: أحسن الله إليك. ذم هذا يا شيخ؟

نعم، ذم للذي يتوسع، وإن كان أيضًا له تأويله عكرمة لما تلقاه عن ابن عباس. وجاء مثل هذا الكلام وقريب منه من ابن عمر لابن عباس، قريب منه؛ لأن ابن عمر صاحب تَحرٍّ ويخاف على ذمته، وابن عباس تحمل حملاً عظيمًا من العلم وتوسع فيه، ولا بد أن ينشره بين الناس ويخشى من الكتمان..

طالب: "وقال ابن سيرين: سألت عَبيدة عن شيء من القرآن، فقال: اتق الله وعليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن".

نعم. وتعلُّم أسباب النزول خير ما يعين على فهم القرآن.

طالب: "وعن مسروق، قال: اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله. وعن إبراهيم، قال: كان أصحابنا يتقون التفسير ويهابونه. وعن هشام بن عروة، قال: ما سمعت أبي تأول آية من كتاب الله".

يعني من تلقاء نفسه.

طالب: "وإنما هذا كله توقٍّ وتحرز أن يقع الناظر فيه في الرأي المذموم، والقول فيه من غير تثبُّت، وقد نُقل عن الأصمعي -وجلالته في معرفة كلام العرب معلومة- أنه لم يفسِّر قط آيةً من كتاب الله، وإذا سئل عن ذلك لم يُجب، انظر الحكاية عنه في الكامل للمبرد".

طالب: "إبراهيم" هنا يا شيخ النخعي.......؟

النخعي، غيره.

طالب: "فصل: فالذي يستفاد من هذا الموضع أشياء: منها: التحفظ من القول في كتاب الله تعالى إلا على بينة، فإن الناس في العلم بالأدوات المحتاج إليها في التفسير على ثلاث طبقات:

 إحداها: من بلغ في ذلك مبلغ الراسخين، كالصحابة والتابعين ومن يليهم، وهؤلاء قالوا مع التوقي والتحفظ والهيبة والخوف من الهجوم، فنحن أولى بذلك منهم إن ظننا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم، وهيهات!".

هذا إذا زعمنا أننا وصلنا إلى ما وصلوا إليه، فلنتوق ولنتحر مثل ما توقوا وتحروا، فكيف بنا ونحن لسنا بشيء بالنسبة لهم؟

طالب: "والثانية: من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم، فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه.

والثالثة: مَن شك في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد، أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض، فهذا أيضًا داخل تحت حكم المنع من القول فيه؛ لأن الأصل عدم العلم، فعندما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين، فانسحاب الحكم الأول عليه باقٍ بلا إشكال، وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال".

هو أعرف الناس بمستواه، وإن قال الناس عنه إنه عالم أو بلغ مرتبة كذا أو أخذ شهادة عليا أو كذا، هو أعرف بنفسه. لكن بعض الناس يقول: أنا أعرف بنفسي، ويتخلى عن نفع الناس أو عن شغل ما يجب عليه ويلزمه شغله تجاه إخوانه من المتعلمين أو من المحتاجين من بقية المسلمين ويقول: إنه أعرف بنفسه، والناس يعرفون عنه ما يعرفون، وهذا من الورع الذي قد يأثم به، إذا ترك ما أوجب الله عليه، تعين عليه هذا العمل ويقول: أنا أعرف بنفسي. فالمسألة لا إفراط ولا تفريط.

طالب: "وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره، فحسن ظنه بنفسه، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين، ومن هنا افترقت الفرق، وتباينت النحل، وظهر في تفسير القرآن الخلل".

ننظر إلى التفاسير، بالمئات، وأدخل فيها جميع العلوم، وتفاسير على طريقة السلف، تفاسير على طريقة الخلف، وتفاسير في التخصصات العلمية المتعددة، وتفاسير للمبتدعة، تفاسير رافضة، تفاسير معتزلة، تفاسير جهمية، تفاسير خوارج، وتفاسير كثيرة جدًّا، كل يزعم أنه هو الذي على حق.

طالب: "ومنها: أن من ترك النظر في القرآن، واعتمد في ذلك على من تقدمه، ووكل إليه النظر فيه؛ غير ملوم، وله في ذلك سعة إلا فيما لا بد له منه، وعلى حكم الضرورة، فإن النظر فيه يشبه النظر في القياس كما هو مذكور في بابه، وما زال السلف الصالح يتحرجون من القياس فيما لا نص فيه، وكذلك وجدناهم في القول في القرآن، فإن المحظور فيهما واحد، وهو خوف".

لأن النتيجة في القياس حكم شرعي، والحكم الشرعي مضاف إلى الله -جل وعلا-، هذا حكم الله في هذه المسألة، سواء صرح بهذا أو لم يصرح. والقول على الله في بيان كلامه أيضًا كأن من جرأ على ذلك وهجم عليه يقول: هذا مراد الله من لفظه. فالحكم واحد.

طالب: "فإن المحظور فيهما واحد، وهو خوف التقوُّل على الله؛ بل القول في القرآن أشد، فإن القياس يَرجع إلى نظر الناظر، والقول في القرآن يرجع إلى أن الله أراد كذا، أو عنى كذا بكلامه المنزل، وهذا عظيم الخطر".

نعم "القياس يرجع إلى نظر الناظر"، لكنه في النهاية كأن الناظر يقول: هذا حكم الله في هذه المسألة.

طالب: "ومنها: أن يكون على بال من الناظر والمفسر والمتكلم عليه أن ما يقوله تقصيد منه للمتكلم، والقرآن كلام الله".

"تقصيد" يعني كأنه يقول: هذا قصد المتكلم.

طالب: "أن ما يقوله تقصيد منه للمتكلم، والقرآن كلام الله، فهو يقول بلسان بيانه: هذا مراد الله من هذا الكلام، فليتثبت أن يسأله الله تعالى: من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد، وإلا فمجرد الاحتمال يكفي بأن يقول: يَحتمل أن يكون المعنى كذا وكذا".

نعم. إذا أورده على سبيل الاحتمال، ولا جزم بأن هذا حكم الله وأن هذا مراد الله من كلامه، أو أن هذا مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- من كلامه؛ كان في الأمر سعة، بيأتي بالحرف (لعل): لعل المراد كذا، لعل المراد كذا، كما قال الصحابة في حديث السبعين الألف.

طالب: "بناءً أيضًا على صحة تلك الاحتمالات في صلب العلم، وإلا فالاحتمالات التي لا ترجع إلى أصل غير معتبرة".

نعم. الاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في علوم الكتاب والسنة، وكثيرًا ما يأتي الشراح شراح الحديث بشرح جملة أو في توجيه إسناد أو ما أشبه ذلك، بأنه يحتمل كذا ويحتمل كذا، والمراد كذا أو كذا أو كذا، ابن حجر -رحمه الله- يقول: الاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن.

طالب: "فالاحتمالات التي لا ترجع إلى أصل غير معتبرة، فعلى كل تقدير لا بد في كل قول يجزم به، أو يحمل من شاهد يشهد لأصله، وإلا كان باطلاً، ودخل صاحبه تحت أهل الرأي المذموم، والله أعلم".

اللهم صل على محمد.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك ورسولك.