كتاب الرجعة من سبل السلام (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعد،

قال في البلوغ وشرحه: "كتاب الرجعة:

الحديث الأول: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ، فَقَالَ: "أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا مَوْقُوفًا، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: إنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سُئِلَ عَمَّنْ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يُشْهِدْ، فَقَالَ: "راجع فِي غَيْرِ سُنَّةٍ". فَلْيُشْهِدْ الْآنَ. وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ: "وَيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ"."

الإشهاد على النكاح واجب لا بد منه، ومسألة الإشهاد على الطلاق والرجعة أيضًا هو من نوع الوصية الواجبة، لا يترتب عليه صحة الطلاق ولا صحة الرجعة، يعني لو طلَّق من غير إشهاد فالطلاق صحيح واقع، وكذا لو راجع زوجته بغير إشهاد فالرجعة صحيحة، ونظير ذلك البيع ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [سورة البقرة:282]، والنبي- عليه الصلاة والسلام- باع ولم يُشهِد، واشترى ولم يُشهِد، فدلَّ على أنَّ الإشهاد سُنَّة، وإنَّما يُحتاج إلى الإشهاد في حال الخصومة. فرضنا أنَّ زيدًا من الناس طلَّق زوجته ولم يسجلها، ولم يشهد عليها، بعد الزواج بشهر أو بسنة طلقها طلقة، ثم بعد ثلاثين سنة طلَّقها ثانية، ويكون حينئذٍ قد نسي الأولى، وبعد عشرين سنة طلَّق ثالثة، ثم راجعها، من هذه الحيثية حكمها حكم الوصية الواجبة، رجل عليه دَيْن، ويخشى أن يموت ويتعلق بذمته يجب عليه أن يكتب، أو يُشهد على هذا الدَّين، وقل مثل هذا في الطلاق، وإلا فالطلاق واقع ولو لم يُشهِد خلافًا لبعض طوائف البدع الذين يقولون: لا يقع الطلاق إلا بإشهاد، لا يقع الطلاق إلا إذا أشهد عليه، فلو طلَّق ألف طلقة، يُطلِّق ويُراجع ولم يُشهِد على ذلك، فالطلاق غير صحيح.

الطلاق صحيح، لكن يُحتاج إليه عند الخصومة، وخشية النسيان، قد يُطلِّق مرة ثم ينسى، وثانية وثالثة وهكذا، لا سيما مع طول العهد فيُعاشر زوجته بالحرام إذا طلَّقها ثالثة وقد نسي الأولى، والنسيان لا يُعفى عنه في مثل هذا، بل لابد من ضبطه، لا يُعفى عنه، فلو أنَّ امرأة سمعت زوجها يطلِّق طلقها ثم راجعها، ثم طلَّقها ثانية ثم راجعها، ثم طلَّقها ثالثة وقد نسي الأولى وهي تذكر، وليس عندها ما يُثبت أنَّه طلَّق ثلاثًا، وحضروا عند القاضي، وادَّعت عليه أنَّه طلَّق ثلاثًا، وقال: لا، ما طلَّقت إلا اثنتين، فالقول قول من؟

قول الزوج؛ لأنَّ الأصل بقاء النكاح، لكنَّ المرأة تعلم علم اليقين أنَّها طُلِّقَت ثلاثًا، فما الحل؟ القاضي يحكم للزوج، ويلزمها بالذهاب معه، ليس من حلٍّ إلا النشوز إذا كانت لا تتردد في هذا، تنشز وتفتدي، ولا تُعاشر بالحرام.

فمثل هذه الأحوال يُحتاج فيها إلى الإشهاد؛ ولذلك أمره بالإشهاد على الطلاق، وعلى الرجعة.

طالب: ..........

مثل الإشهاد على البيع عندهم.

طالب: .........

لا، ابن حزم يُوقع الطلاق، لكن يؤثِّم من لم يُشهد، فرق بين أن يقع الطلاق مع الإثم، وبين ألا يقع أصلًا، يقول بوقوعه. يعني الجمهور عندما يقولون: الإشهاد سُنَّة؛ لِما يُخشى من المشاكل والخصومات، مثل البيع، لو باع شخص على آخر سلعة ولم يُشهِد، ثم أنكر المشتري، أو ادَّعى البائع أنَّ الثمن أكثر يوجد إشكال، ولا يحله إلا الشهادة، من هذه الحيثية أوجب من أوجب الشهادة على البيع.

 

أحسن الله إليكم، قال المصنف- رحمه الله-:

"عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ، فَقَالَ: "أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا مَوْقُوفًا، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ:.."

وفي رواية أبي داود الإشارة إلى أنَّ فعله على غير السُّنَّة كما في الرواية اللاحقة، معروف أنَّ قول الصحابي من السُّنَّة حكمه حكم الرفع.

"وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: إنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سُئِلَ عَمَّنْ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ، وَلَمْ يُشْهِدْ، فَقَالَ: "راجع فِي غَيْرِ سُنَّةٍ. فَلْيُشْهِدْ الْآنَ".

وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ في رواية: وَيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ.

دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [سورة البقرة:228] الْآيَةَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ رَجْعَةَ زَوْجَتِهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا وَرِضَا وَلِيِّهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَكَانَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَا إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ سُورَةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [سورة الطلاق:2] بَعْدَ ذِكْرِهِ الطَّلَاقَ والرَّجعة، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ."

يعني أجمع العلماء على أنَّ الزوج يملك رجعة زوجته في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة؛ لأنَّها مازالت زوجة، ترِث وتُورَث، لو مات الزوج في العدة ورثت، ولو ماتت وهي في العدة ورثها. من غير اعتبار رضاها في الطلقة الأولى والثانية، من غير اعتبار رضاها، إلا إذا انتهت العدة، إذا انتهت العدة فلابد من اعتبار رضاها، ويكون حينئذٍ أسوة الخُطَّاب، وينكحها بعقد جديد ومهر جديد.

في الطلقة الثالثة لا يملك لا برضاها ولا بغير رضاها.

"وَظَاهِرُ الْأَمْرِ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ مَذْهَبُهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمَوزَعِيُّ فِي تَيْسِيرِ الْبَيَانِ: وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ جَائِزٌ.

وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا قَرِينَتُهُ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلزَّوْجِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ عَلَى قَبْضِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْإِشْهَادُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِطَابِ انْتَهَى. وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ عِمْرَانُ اجْتِهَادًا؛ إذْ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: "راجع فِي غَيْرِ سُنَّةٍ" قَدْ يُقَالُ: إنَّ السُّنَّةَ إذَا أُطْلِقَتْ فِي لِسَانِ الصَّحَابِيِّ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ.."

يعني كما قال سالم بن عبد الله بن عمر بحضرة أبيه: وهل يريدون بالسُّنَّة إلا سُنَّة النبي- عليه الصلاة والسلام-، فله حكم الرفع.

"إلَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ لِتَرَدُّدِ؛ كَوْنِهِ مِنْ سُنَّتِهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ".

لأنَّ السُّنَّة تأتي بإيجاب وتأتي بالندب، كما أنَّ الأمر يأتي للوجوب ويأتي للندب، إلا أنَّ الأصل فيه الوجوب.

"وَالْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ".

يعني إذا قال: راجعتك، حينئذٍ ظاهر الإشهاد على مثل هذا، أو اشهد يا فلان وفلان أنَّي راجعت زوجتي هذا إذا كان بالنطق باللفظ الصريح ظاهر.

"وَاتَّفَقُوا عَلَى الرَّجْعَةِ بِالْقَوْلِ، وَاخْتَلَفُوا إذَا كَانَتْ الرَّجْعَةُ بِالْفِعْلِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ يَحْيَى: الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ، فَلَا تَحِلُّ بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْإِشْهَادَ، وَلَا إشْهَادَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ."

لكن كيف يتصور الإشهاد على الفعل؟ يعني لو كان بحضرة اثنين من إخوانها، فأمسك بيدها وأدخلها في غرفته الخاصة، وأغلق الباب عليهما، فهذا فعل، لكن هل يُمكن أن يُشهَد على مثل هذا الفعل على أنَّه رجعة، أو على أنَّه قرينة على الرجعة؟ لكن لو وطأها من غير كلام، يجوز أم ما يجوز؟

بنية وبغير نية، يعني إذا وطأها معتقدًا طلاقها لا يجوز، وإذا وطأها ناويًا بذلك رجعتها جاز، يكون رجع بالفعل.

"وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ﴾ [سورة المؤمنون:6] وَهِيَ زَوْجَةٌ، وَالْإِشْهَادُ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا سَلَفَ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَصِحُّ بِالْفِعْلِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ النِّيَّةُ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَصِحُّ بِالْفِعْلِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ لِعُمُومِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ شَرْعًا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ﴾ [سورة المؤمنون:6] ، وَلَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي لَمْسِ الزَّوْجَةِ وَتَقْبِيلِهَا وَغَيْرِهِمَا إجْمَاعًا".

لكن هل يُتصور أن يقع على مطلقته بغير نية؟ وقد ينوي المضي في الطلاق ويُجامعها، يعني عندنا ثلاث صور:

 

·       

إمَّا أن ينوي جماعها ويكون ذلك رجعة، ينوي بجماعها الرجعة.

 

·       

أو لا ينوي شيئًا ألبتة، احتاج فوطئ ولا ينوي بذلك لا رجعة، ولا استمرارًا في طلاق.

 

·       

وقد ينوي الاستمرار بالطلاق مع أنَّه يقع عليها.

الأخير لا شك في أنَّه محرم، إذا كانت نيته الاستمرار بالطلاق، وأنَّه لا يقصد بهذا الوطء مراجعتها، وأنَّها زوجته، فلا شك أنَّ هذا لا يجوز، وإن كانت زوجة حكمًا إلا أنَّ الطلاق له أثره، وأحكامه المترتبة عليه، فإذا نوى بوطئها الرجعة جاز، وإن نوى بذلك قضاء الوطر من غير رجعة حرم، وإذا أطلق فلم ينوِ هذا ولا هذا فهذا محل قول الجمهور أنَّه يجوز؛ لأنَّها زوجة.

طالب: ..........

إمَّا أن يُقال له: أمسكها، هو الآن الإشكال أنَّه انتهى بالفعل، جامعها، وطئها مع نية الاستمرار في الطلاق، يقولون: هو مُطلِّق، لكنه يريد أن يطأ، احتاج إليه فوطأها.

طالب: ..........

هذه ما لها قيمة، التحريم وقع.

طالب: .........

نعم.

طالب: .......

هذه المسألة ينتابها ما ينتابها من جاهل، وبعلم، وغيره، إذا كان يجهل فقل هذا وطء شُبهة ما فيه إشكال، إن كان يعلم فالأمر أشد.

طالب: ........

لا، النية لابد منها، النية لابد منها.

طالب: ........

كيف؟

طالب: ..........

الشبهة موجودة باعتبار أنَّها زوجة حكمًا، وإلا فالأمر محرم.

"وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهَا بِأَنَّهُ قَدْ رَاجَعَهَا؛ لِئَلَّا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِن الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لا يَجِبُ، وَتَفَرَّعَ مِنْ الْخِلَافِ لَوْ.."

يجب عليه إعلامها؛ لئلا تتزوج غيره، ماذا عندك؟ عكس؟

طالب: ........

نعم؛ لأنَّ عندهم الرجعة بالفعل، يعني عندهم الرجعة بالفعل.

طالب: .......

كيف؟

طالب: ..........

الجمهور لا يجب، باعتبار أنَّ له الرجعة بالفعل، له إمساكها من غير إعلامها، وقيل: يجب، عندك ذهب الجمهور من العلماء إلى أنَّه لا يجب، مشى على كلامهم الأول، وقيل: يجب.

القارئ: يعني يا شيخ، قول الجمهور لا يجب.

نعم؛ لأنَّ له إمساكها، الأمر بيده، ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [سورة البقرة:228].

"فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَتَفَرَّعَ مِنْ الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ عِلْمِهَا بِأَنَّهُ رَاجَعَهَا، فَقَالَ الْأَوَّلُونَ: النِّكَاحُ بَاطِلٌ، وَهِيَ لِزَوْجِهَا الَّذِي ارْتَجَعَهَا، وَاسْتَدَلُّوا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا الْمَرْأَةُ".

وهذا يؤكد مع التصويب.

"وَبِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَزَوَّجَ.

وَعَنْ مَالِكٍ إنَّهَا لِلثَّانِي دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: "مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الَّذِي يُطَلِّقْ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا ثُمَّ يَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا فَتَحِلُّ فَتَنْكِحُ زَوْجًا غَيْرَهُ أنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَمْرِهَا شَيْءٌ وَلَكِنَّهَا لِمَنْ تَزَوَّجَهَا"، إلَّا أَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا إلَّا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فَقَطْ، وَهُوَ الزُّهْرِيُّ فَيَكُونُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَيَشْهَدُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ..".

لكن قول التابعي: مضت السُّنَّة، أو من السُّنَّة إذا قلنا: إنَّه مرفوع بالنسبة للصحابي، فهذا مرفوع أيضًا؛ لأنَّهم لا يريدون إلا سُنَّة النبي- عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الاحتمال في حق التابعي أقوى، سُنَّة الخلفاء الراشدين، أم سُنَّة الخلفاء غير الراشدين غيرهم، لكن منهم من يقول: إنَّ قول التابعي من السُّنَّة مرفوع، إلا أنَّه مرسل، يعني رفعه غير الصحابي.

"وَيَشْهَدُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا اثْنَانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا»، فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا﴾ [سورة البقرة:228]، أَيْ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يُرِيدَ الزَّوْجُ بِرَدِّهَا الْإِصْلَاحَ، وَهُوَ حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ.

فَإِنْ أَرَادَ بِالرَّجْعَةِ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَنْ يُرَاجِعُ زَوْجَتَهُ لِيُطَلِّقَهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ، فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيُرَاجِعُ ثُمَّ يُطَلِّقُ إرَادَةً لِبَيْنُونَةِ الْمَرْأَةِ، فَهَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ لَمْ يُرِدْ بِهَا إصْلَاحًا، وَلَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ إذْ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهُ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُرَاجَعَةُ، وَيَكُونُ أَحَقَّ بِرَدِّ امْرَأَتِهِ إلَّا بِشَرْطِ إرَادَةِ الْإِصْلَاحِ".

القارئ: ولا يكون يا شيخ؟

لا تُباح ولا يكون، يجوز العطف، العطف على من ما فيه إشكال، ويكون ما فيه إشكال، العطف على نية تكرار العامل، فالنفي متجه.

"وَيَكُونُ أَحَقَّ بِرَدِّ امْرَأَتِهِ إلَّا بِشَرْطِ إرَادَةِ الْإِصْلَاحِ، وَأَيُّ إرَادَةِ إصْلَاحٍ فِي مُرَاجَعَتِهَا لِيُطَلِّقَهَا. وَمَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا﴾ [سورة البقرة:228] لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلرَّجْعَةِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ بِلَا دَلِيلٍ."

شخص طلَّق زوجته، ثم لمَّا قربت العدة من النهاية راجعها، فقيل له: لماذا راجعتها؟ قال: لا أريد إمساكها، وإنَّما أريد تطويل المدة عليها، هو لا يريد الإصلاح، إنَّما يريد الإفساد. بهذه المراجعة لا شك أنَّه يأثم، لكن المراجعة صحيحة أم غير صحيحة؟ بمعنى أنَّها إذا انتهت عدَّتها ولو راجعها على هذه الكيفية تحل لغيره أو لا تحل؟  

على كلامه، على كلام الشارح، على كلامه تحل، فالرجعة ليست صحيحة، الرجعة ليست صحيحة؛ لأنَّ إرادة الإصلاح شرط، ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا﴾ [سورة البقرة:228]، مفهومه أنَّهم إذا لم يريدوا إصلاحًا أنَّه ليست له الرجعة، فلو راجع يكون كلامه لغوًا، وأفعل التفضيل هنا، هل المراد بالأحقية هنا بين الزوج وبين غيره؟

 ننتبه يا إخوان.

 هل أفعل التفضيل مفاضلة بين الزوج وبين غيره، أو مفاضلة بين الزوج في حالتيه اللتين هما إرادة الإصلاح، وإرادة الإفساد؟

يعني أفعل التفضيل تقتضي أن يكون هناك شيئان، يشتركان في الأحقية، ويكون أحدهما أرجح من الثاني، فأفعل التفضيل هذه يشترك فيها الزوج وغير الزوج، فيه أحد له حق في الرجعة غير الزوج ليتجه كلام الشارح؟ أو نقول: إنَّ أحق أفعل تفضيل بين حالتي الإصلاح والإفساد، فيكون إرجاعها في حالة الإصلاح أحق من إرجاعها في حالة الإفساد وإن كان حقًّا؟

فعلى هذا تصح الرجعة ولو أراد الإفساد، ظاهر أم ليس بظاهر؟

إذا نظرنا إلى أفعل التفضيل تحتاج إلى اثنين، مفضل ومفضل عليه، ويشتركان في الوصف الذي هو الحق، إلا أنَّ أحدهما أرجح كفة من الثاني، فهل مع الزوج شخص له حق في المراجعة؟

إذًا ننظر إلى الزوج نفسه، وأنَّ له حالتين، حالة يكون فيها أحق، وحالة يكون فيها على حق، لكنه مرجوح، في إرادة الإصلاح أحق، في حالة الإفساد له حق، لكنه مرجوح؛ فعلى هذا تصح الرجعة ولو أراد الإفساد والإضرار.

طالب: .........

أين؟

طالب: .......

على بابها في حالتيه.

طالب: .........

نعم.

طالب: .......

لكن على بابها، فيكون له حق في الحالين، إلا أنَّه في حال الإصلاح أرجح منه في حال الإضرار والإفساد مع أنَّ فيه حقًا، فيكون من حقه أن يراجع ولو أراد الإفساد، والرجعة صحيحة وتبقى في عصمته وإن كان آثمًا.

طالب: ..........

لا، عندنا الرد، مسألة الرد التي هي الرجعة هل يملكها غير الزوج؟ هل ينازعه أحد في الرجعة؟ ما يُنازع.

 

الحديث الثاني: "وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا». متفقٌ عليه.

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِمَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ."

نعم تقدم الكلام لمَّا ذكره المؤلف في كتاب الطلاق مطولًا.

طالب: ..........

عندنا أفعل تفضيل تقتضي أكثر من واحد مفضَّل، ومُفضَّل عليه، من الذي مع الزوج ليُفضَّل عليه؟ ما فيه أحد؛ إذًا الأحق هنا للزوج وحده في حالتين، في حالة إرادة الإصلاح أحق، وفي حالة إرادة الإفساد والإضرار ليس بأحق، لكنه حق يشترك في الوصف الأصلي الذي هو الحق، إلا أنَّه في حالة الإصلاح أرجح منه في حالة الإفساد، ﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ [سورة البقرة:228] يكون أحق، إن أراد إصلاحًا يكون أحق بالرجعة. إن أراد الإفساد فهو على الحق، لكن الإصلاح أرجح.

«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» تقدم الكلام عليه في حديث ابن عمر وقصة طلاقه امرأته وهي حائض مطولًا في كتاب الطلاق، والخلاف في طلاق الحائض، وأنَّ هذه اللفظة تدل على أنَّ طلاق الحائض واقع، يستدل بها من يقول: إنَّ طلاق الحائض واقع؛ لأنَّ المراجعة لا تكون إلا بعد طلاق واقع، يعني ما قال: مره فليمسكها، «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» الرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق، وهذا من أدلة جماهير أهل العلم إضافة إلى قوله: «أحسبت عليه» في الصحيح، وأنَّ رواية «ولم يرها شيئًا» في سنن أبي داود أنَّها شاذة.

 على كل حال عامة أهل العلم على أنَّ طلاق الحائض واقع، وتقدم الكلام فيه.

إلا أنَّه قد يلوح من قوله- عليه الصلاة والسلام- من بُعد، وهذه تحتاج إلى انتباه، قد يلوح من قوله- عليه الصلاة والسلام-: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» أنَّ طلاق الحائض غير واقع، كيف؟

طالب: ..........

كيف؟

طالب: ..........

لكن نجد من مقاصد الشرع ما يدل على أنَّ الطلاق غير واقع من قوله: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا»، رغم أنَّ الجمهور يستدلون بها على أنَّ الطلاق واقع.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

يعني هل الطلاق مرغوب شرعًا أم غير مرغوب؟ غير مرغوب. يعني هل يُقال لشخص طلَّق زوجته طلقة واحدة: طلِّق ثانية؟

طالب: ...........

نعم، يعني من مقتضى المراجعة أنَّه طلِّق ثانية؛ لأنَّه أمر بالطلاق الثاني، إذا أوقعنا الأولى، ثم بعد ذلك: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» حسبنا عليه الأولى وهو لا يريدها؛ إذًا نأمره بالطلاق الثاني، يعني إذا كانت غير واقعة أو أنَّها لاغية فالأمر بالمراجعة لا يقتضي طلقة ثانية، لكن إذا قلنا: إنَّ أمره بالمراجعة بعد وقوع الطلقة الأولى في الحيض يقتضي أن يؤمر بطلقة ثانية، يصير طلِّق مرتين، يعني من لازمه الطلاق الثاني، وليس هذا من مقاصد الشرع.

طالب: ..........

نعم.

طالب: .......

يعني كأنَّها جاءت مخاطبة له على حد زعمه، ادَّعى أنَّه طلَّقها، نقول: وإن ادَّعى أنَّه طلَّقها: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» ويتجه، واضحة أم غير واضحة؟

 لعلنا نكتفي بهذا.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.