التعليق على الموافقات (1435) - 08
طالب: .......
يتخذه، لكن لا يتخذ من أمته خليلاً؛ لأن الخلة مستغرقة لله -جل وعلا-، يعني كون الرسول يُتخذ خليلاً، نعم، الأثر في هذا في قلب المتخذ أبي هريرة، لا أثر لها في قلب النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن كونه -عليه الصلاة والسلام- يتخذ خليلاً وقلبه مستغرق بخلة الله- جل وعلا-، فهذا هو، نعم.
طالب: .......
ما فيه شك أن العبارة مشكلة، وهو قرَّر هذا من جهة أنه إذا أحب لسبب كان ذلك السبب أكثر منه محبة؛ لأنه بسببه وُجد، ووجدت هذه المحبة بسببه. يعني إذا تصورنا أننا نحب الرسول- عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أنقذنا الله به من النار، ومن الضلال، وأدخلنا به الجنة، معناه أننا أحببنا الجنة أكثر منه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه وسيلة، وهي غاية.
طالب: .......
فهمت؛ لأننا صارت محبتنا له وسيلة إلى غاية، والأصل أن محبته غاية، مع أن الوسائل والغايات، الوسائل قد تأخذ أحكام الغايات إذا قربت منها. الآن الوضوء وسيلة إلى الصلاة، ولذلك المعفى من الصلاة نأمره بالوضوء؟ المرأة في حال الحيض مثلاً تؤمر بالوضوء؟ لا، هو وسيلة إلى الصلاة، ومع ذلك هو في نفسه غاية، مرضاة لله -جل وعلا-، وترتبت عليه الأجور، وهو مأمور به، ومن الإيمان أيضًا، والغسل من الجنابة من الإيمان، من الأمانة ومن الإيمان.
طالب: شيخ- أحسن الله إليك- يعني حبه لذاته -عليه الصلاة والسلام-؟
واللهِ المسألة ما زالت يعني.
طالب: لذاته وزيادة.
ماذا؟
طالب: لذاته وزيادة.
طالب: أحسن الله إليكم، إذا.......
اللهم صلِّ على محمد.
طالب: ولأنه.......
هذا يبقى المدار على أنه امتثال لأمر الله -جل وعلا-، يبقى هذا هو الأصل.
طالب: .......
فيكون حبه من حب الله، نعم.
طالب: .......
أحب للإنسان من نفسه، إذا أحبه الإنسان أحب من نفسه اتضحت محبته لذاته؛ لأنك لماذا تنفر من العذاب، وتطلب الجنة، وتستعيذ من النار؟
طالب: .......
لحظ نفسك، من أجل حظ نفسك.
طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثالثة:
"فصل: وقد أدى إغفال هذا الأصل إلى أن صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره من الأقوال؛ اتباعًا لغرضه وشهوته، أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق".
نسأل الله العافية.
طالب: "ولقد وُجد هذا في الأزمنة السالفة فضلاً عن زماننا، كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب؛ اتباعًا للغرض والشهوة".
وهذا الخلل ما زال موجودًا عند بعض المفتونين ممن يفتي بعض من لديه مسؤولية ممن يخاف ضرره، أو يرجو نفعه بما يوافق هواه، نسأل الله العافية.
طالب: "وذلك فيما لا يتعلق به فصل قضية وفيما يتعلق به ذلك".
يعني سواء كان في الفتوى أو في القضاء.
طالب: "فأما ما لا يتعلق به فصل قضية، بل هو فيما بين الناس وبين نفسه في عبادته أو عادته، ففيه من المعايب ما تقدم، وحكى عياض في المدارك: قال موسى بن معاوية: كنت عند البهلول بن راشد، إذ أتاه ابن فلان، فقال له بهلول: ما أقدمك؟ قال: نازلة، رجل ظلمه السلطان فأخفيته وحلفت بالطلاق ثلاثًا ما أخفيته. قال له البهلول: مالك يقول: إنه يحنث في زوجته".
يعني تطلق زوجته.
طالب: "فقال السائل: وأنا قد سمعته يقول: وإنما أردت غير هذا. فقال: ما عندي غير ما تسمع. قال: فتردد إليه ثلاثًا، كل ذلك يقول له البهلول قوله الأول، فلما كان في الثالثة أو الرابعة، قال: يا ابن فلان! ما أنصفتم الناس، إذ أتوكم في نوازلهم".
إذا.
" إذا أتوكم في نوازلهم قلتم: قال مالك، قال مالك، فإن نزلت بكم النوازل، طلبتم لها الرخص، الحسن يقول: لا حنث عليه في يمينه، فقال السائل: الله أكبر قُلِّدها الحسن؟! أو كما قال".
يعني: خلاص ما دام فيه قول لأهل العلم، الحسن يقول بهذا، الحمد لله، ما طلقت زوجته. نعم.
طالب: "وأما ما يتعلق به فصل قضية بين خصمين فالأمر أشد، وفي الموازية: كتب عمر بن الخطاب: «لا تقض بقضاءين في أمر واحد، فيختلف عليك أمرك». قال ابن المواز: لا ينبغي للقاضي أن يجتهد".
صاحب الكتاب المسمى: الموازية، ابن المواز هو جامع الكتاب، مثل المدونة عندهم، ومثل العتبية عند المالكية.
طالب: "لا ينبغي للقاضي أن يجتهد في اختلاف الأقاويل، وقد كره مالك ذلك ولم يُجوِّزه لأحد، وذلك عندي أن يقضي بقضاء بعض من مضى، ثم يقضي في ذلك الوجه بعينه على آخر بخلافه، وهو أيضًا من قول من مضى".
ويستوي في هذا التخفيف على من يشاء أو التشديد عليه بالمقابل، أو التشديد عليه؛ لأنه أحيانًا يأتي شخص مسؤول مرتكب لمخالفة، فيكون فيه قول بالتشديد عليه، فلا يجوز هذا ولا هذا. المقصود أن تفتي بما تبرأ به ذمتك.
طالب: هذا ما يحصل.
وتخلص به أمام الله -جل وعلا-.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: أقول: هذا ما يحصل.
كيف ما يحصل؟
طالب: يعني ليس له وجود؟
لا، موجود في السابق.
طالب: في السابق نعم.
في الأندلس الذي وطئ امرأته في نهار رمضان، قال: لو قلنا له: أعتق رقبة، أعتق كل يوم، كل يوم يطأ ويعتق. صم شهرين متتابعين، حتى ما يتكرر منه هذا الخطأ. يجوز هذا أم ما يجوز؟ ما يجوز، وإن كان أصعب عليه.
طالب: "ولو جاز ذلك لأحد لم يشأ أن يقضي على هذا بفتيا قوم ويقضي في مثله بعينه على قوم بخلافه بفتيا قوم آخرين إلا فعل، فهذا ما قد عابه من مضى وكرهه مالك ولم يره صوابًا. وما قاله صواب، فإن القصد من نصب الحكام رفع التشاجر والخصام على وجه لا يلحق فيه أحد الخصمين ضرر، مع عدم تطرق التهمة للحاكم، وهذا النوع من التخيير في الأقوال مضاد لهذا كله.
وحكى أحمد بن عبد البر: أن قاضيًا من قضاة قرطبة كان كثير الاتباع ليحيى بن يحيى، لا يعدل عن رأيه إذا اختلف عليه الفقهاء، فوقعت قضية تفرد فيها يحيى وخالف جميع أهل الشورى، فأرجأ القاضي القضاء فيها حياءً من جماعتهم، وردفته قضية أخرى كتب بها إلى يحيى، فصرف يحيى رسولَه، وقال له: لا أشير عليه بشيء؛ إذ توقف على القضاء لفلان بما أشرت عليه. فلما انصرف إليه رسوله، وعرَّفه بقوله قلق منه، وركب من فوره إلى يحيى وقال له: لم أظن أن الأمر وقع منك هذا الموقع، وسوف أقضي له غدًا، إن شاء الله. فقال له يحيى: وتفعل ذلك صدقًا؟ قال: نعم. قال له: فالآن هيَّجت غيظي".
يعني يقضي له بالحق لما غضب يحيى، وإلا كان يفتيه بقول يحيى وهو لا يراه.
طالب: "قال له: فالآن هيَّجت غيظي، فإني ظننت إذ خالفني أصحابي أنك توقفت مستخيرًا لله متخيرًا في الأقوال، فأما إذ صرت تتبع الهوى وتقضي برضا مخلوق ضعيف".
يعني نفسه. نعم.
طالب: "فلا خير فيما تجيء به، ولا فيَّ إن رضيته منك، فاستعفِ من ذلك فإنه أستر لك، وإلا رفعت في عزلك. فرفع يستعفي فعُزل.
وقصة محمد بن يحيى بن لبابة أخي الشيخ ابن لبابة مشهورة، ذكرها عياض، وكانت مما غض من منصبه، وذلك أنه عُزل عن قضاء البيرة لرفع أهلها عليه، ثم عُزل عن الشورى لأشياء نُقمت عليه، وسجل بسخطته القاضي حبيب بن زياد، وأمر بإسقاط عدالته وإلزامه بيته، وأن لا يفتي أحدًا، فأقام على ذلك وقتًا. ثم إن الناصر احتاج إلى شراء مِجشر من أحباس المرضى بقرطبة بعدوة النهر، فشكا إلى القاضي ابن بقي أمره وضرورته إليه لمقابلته متنزهه وتأذّيه برؤيتهم".
يعني هذا مقابل حديقة للخليفة للوالي للأمير، وهو يحتاج بمقابله "مجشر" يعني فسحة من الأرض فيها حوض ماء يُسقى منه، وهذا لذوي الاحتياجات الخاصة أو ذوي العاهات، ووقف عليهم، خلاص هو موقوف عليهم لا خليفة ولا غير خليفة، لا أحد يستطيع أن يغير حكم الشرع في الوقف، فالقضاة كلهم رفضوا، يحتاج إلى ابن أبي لبابة، هذا الذي عُزل سابقًا، يفتي بما يناسب؛ لأنه.. حتى بعد ما هو بإفتاء خال من الحكمة بالكلية؛ لأن الأمير هذا يدفع أضعاف ما كان يستحقه، وينقل الوقف، لكن العلماء كلهم أفتوا بعدم الجواز، فجيء بهذا، وأفتاه، ورُدّ إلى وظيفته وإلى الشورى؛ لأنه أفتى الخليفة أو الأمير بما يحب، والله المستعان. نعم.
طالب: "وتأذيه برؤيتهم أوان تطلعه من علاليه، فقال له ابن بقي: لا حيلة عندي فيه، وهو أولى أن يُحاط بحرمه الحبس. فقال له: فتكلم مع الفقهاء فيه، وعرفهم رغبتي وما أُجزله من أضعاف القيمة فيه، فلعلهم أن يجدوا لي في ذلك رخصةً".
وأيضًا هناك فرق بين أن تكون الزيادة في القيمة لصالح الوقف، وأن تكون رشوة للقضاة أو القاضي، فالمسألة مراتب، لو كانت رشوة للقاضي فالأمر أعظم، وإذا كانت لمصلحة الوقف وللنظر فيها مجال مصلحة كبيرة، وأن وجود هذا المشجر، ونفعه قليل بالنسبة لما سيئول إليه بعد النقل، هناك من يقول بالجواز، لكن المفتَى به عندهم عدم الجواز.
طالب: "فتكلم ابن بقي معهم، فلم يجعلوا إليه سبيلاً، فغضب الناصر عليهم، وأمر الوزراء بالتوجّه فيهم إلى القصر وتوبيخهم، فجرت بينهم وبين الوزراء مكالمة، ولم يصل الناصر معهم إلى مقصوده".
رحمة الله عليهم.
طالب: "وبلغ ابن لبابة هذا الخبر، فرفع إلى الناصر يغضّ من أصحابه الفقهاء، ويقول: إنهم حجروا عليه واسعًا، ولو كان حاضرًا لأفتاه بجواز المعاوضة".
وفي كل زمان ابن لبابة، نعم.
طالب: "ولو كان حاضرًا لأفتاه بجواز المعاوضة، وتقلدها، وناظر أصحابه فيها، فوقع الأمر بنفس الناصر، وأمر بإعادة محمد بن لبابة إلى الشورى على حالته الأولى".
هذه من القرابين التي تُقرّب في كل زمان كسبًا لرضا الولاة، نسأل الله العافية.
طالب: "ثم أمر القاضي بإعادة المشورة في المسألة، فاجتمع القاضي والفقهاء، وجاء ابن لبابة آخرهم، وعرفهم القاضي ابن بقي بالمسألة التي جمعهم لأجلها وغبطة المعاوضة فيها، فقال جميعهم بقولهم الأول من المنع من تغيير الحُبس عن وجهه، وابن لبابة ساكت، فقال القاضي له: ما تقول أنت يا أبا عبد الله؟
قال: أما قول إمامنا مالك بن أنس، فالذي قاله أصحابنا الفقهاء، وأما أهل العراق فإنهم لا يُجيزون الحبس أصلاً".
يعني يخرج المسألة من كونها وقفًا وحبسًا.
طالب: .......
نعم، الآن لو جاء كتاب من جهة من الجهات، من تركيا أو من المغرب، ويأتي كثيرًا، كتاب نفيس نادر ومكتوب عليه: وقف على الزاوية الفلانية، وقف. من يرى الكتاب تنازعه نفسه، مشكلته أنه مكتوب عليه وقف، ثم ينظر في المخرج، ما دام على زاوية صوفية، ولن يُستفاد منه الفائدة، وهذا كتاب نسخة خطية من صحيح البخاري تستحق وزنها ذهبًا، هل ينظر إلى كلمة وقف، أو ينظر إلى ما يبطل الوقف؛ من أجل أن يتحرر ويباع ويستفيد منه؟
طالب: .......
نعم، ما لا يبطل الوقف، لكن ما دام وقفًا وموقوفًا على جهة لا يصح التوقيف عليها، يبقى وقفًا ويصرف إلى جهة يصح التوقيف عليها.
وهذه المسائل لها نظائر كثيرة.
طالب: "وأما أهل العراق فإنهم لا يجيزون الحبس أصلاً، وهم علماء أعلام يهتدي بهم أكثر الأمة".
يوم احتاجهم صاروا أعلامًا.
طالب: "يهتدي بهم أكثر الأمة، وإذ بأمير المؤمنين من الحاجة إلى هذا المجشر ما به، فما ينبغي أن يرد عنه، وله في السنة فسحة، وأنا أقول فيه بقول أهل العراق، وأتقلَّد ذلك رأيًا، فقال له الفقهاء: سبحان الله! تترك قول مالك الذي أفتى به أسلافنا، ومضوا عليه، واعتقدناه بعدهم، وأفتينا به لا نحيد عنه".
واللهِ لو كانت المسألة اجتهادية، مجردة النظر فيها لمصلحة الوقف والموقوف عليهم أولاً وآخرًا، والطرف غير مؤثر، طرف عادي.
طالب: يعذر.
يمكن أن ينظر في المسألة، إذا كانت مجردة من هوى. أما وقد دخل فيها السلطان والمنظور فيها إلى تأثير السلطان لا إلى أصل المسألة، فمن هنا يأتي الخلل.
طالب: "ومضوا عليه واعتقدناه بعدهم، وأفتينا به، لا نحيد عنه بوجه، وهو رأي أمير المؤمنين ورأي الأئمة آبائه".
نعم. الأمير نفسه يفتي بها أمير المؤمنين في قضايا كثيرة مرت عليهم، احتيج إلى وقف وقال: لا يجوز، مالك يقول كذا.
طالب: "فقال له محمد بن يحيى: ناشدتكم الله العظيم ألم تنزل بأحد منكم ملمَّة بلغت بكم أن أخذتهم فيها بقول غير مالك في خاصة أنفسكم وأرخصتم لأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فأمير المؤمنين أولى بذلك، فخذوا به مآخذكم، وتعلقوا بقول من يوافقه من العلماء، فكلهم قدوة. فسكتوا، فقال للقاضي: أبلغ إلى".
"أَنْهِ إلى الأمير".
طالب: "أَنْهِ إلى".
ما هي عندك؟
طالب: ....... المحشي كأنه كاتب: "أبلغ".......
نعم، معناه "أَنْهِ"، المعنى واحد.
طالب: نعم. "أَنْهِ إلى أمير المؤمنين فتياي. فكتب القاضي إلى أمير المؤمنين بصورة المجلس، وبقي مع أصحابه بمكانهم إلى أن أتى الجواب بأن يأخذ له بفتيا محمد بن يحيى بن لبابة، وينفّذ ذلك، ويعوَّض المرضى من هذا المجشر بأملاكه بمنية عجب، وكانت عظيمة القدر جدًّا تزيد أضعافًا على المجشر، ثم جيء من عند أمير المؤمنين بكتاب منه إلى ابن لبابة هذا بولايته خطةُ الوثائق".
"خطةَ".
طالب: "خطةَ الوثائق؛ ليكون هو المتولي لعقد هذه المعاوضة، فهنئ بالولاية، وأمضى القاضي الحكم بفتواه، وأشهد عليه وانصرفوا، فلم يزل ابن لبابة يتقلد خطة الوثائق والشورى إلى أن مات سنة ست وثلاثين وثلاث مائة.
قال القاضي عياض: ذاكرت بعض مشايخنا مرةً بهذا الخبر، فقال: ينبغي أن يُضاف هذا الخبر الذي حل سجل السخطة إلى سجل السخطة، فهو أولى وأشد في السخطة مما تضمنه. أو كما قال.
وذكر الباجي في كتاب التبيين لسنن المهتدين حكايةً أخرى في أثناء كلامه في معنى هذه المسألة، قال: وربما زعم بعضهم أن النظر والاستدلال الأخذُ من أقاويل مالك وأصحابه بأيها شاء، دون أن يخرج عنها، ولا يميل إلى ما مال منها؛ لوجه يوجب له ذلك، فيقضي في قضية بقول مالك، وإذا تكرَّرت تلك القضية كان له أن يقضي فيها بقول ابن القاسم مخالفًا للقول الأول، لا لرأي تجدَّد له، وإنما ذلك بحسب اختياره".
وهذا موجود في المذاهب كلها، الحنفية أحيانًا يأخذون بقول أبي حنيفة، وأحيانًا يأخذون بقول أبي يوسف، وأحيانًا يأخذون بقول محمد، والمرد في ذلك على ما يرجحه الدليل لا على الهوى.
عندنا في فقه الحنابلة أحيانًا الإنسان يستروح إلى الرواية الأولى في المذهب؛ لأنه يُذكر في بعض الكتب، مثل الكافي أربع روايات، خمس روايات، وأحيانًا يستروح إلى الرواية الثانية؛ تبعًا لقوتها وقوة مأخذها، وأحيانًا يكون السبب في ذلك الهوى، ما تعجبه الرواية الأولى، فيأخذ بالرواية الثانية ويقول: الأمر فيه سعة، كلها روايات عن الإمام أحمد، وهذا الكلام ليس بصحيح.
طالب: .......
انتفع، والمرضى انتفعوا، أضعاف أضعاف جاءهم.
طالب: .......
متى يجوز بيع الوقف؟
طالب: تعطل.
إذا تعطَّلت منافعه، هل تعطلت منافعه؟
طالب: .......
لا، ما هي بمسألة ........ هذا وقف، الأصل فيه ألا يغيَّر إلا إذا تعطلت منافعه، ما هو بملك حر إذا رُؤيت المصلحة، ورُؤي المكسب، ورؤي كذا يُنتقل بسهولة ينتقل من إلى غيره، لا، الأصل أنه مُحبَّس.
طالب: .......
"السخطة"؟ ما أدري واللهِ؛ لأنه كان عندهم كتاب اسمه سجل السخطة.
طالب: .......
يمكن عندهم كتاب اسمه سجل السخطة، فينقل..
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
نعم. نعم. هو سُخط عليه فعُزل، سخط عليه فعُزل، فلما أفتى حُلّت هذه السخطة، فيقول: إن هذه القضية ينبغي أن تُضاف إلى سجل السخطة الأول الذي من أجله عُزل.
طالب: "قال: ولقد حدثني من أثقه أنه اكترى جزءًا من أرض على الإشاعة، ثم إن رجلاً آخر اكترى باقي الأرض، فأراد المكتري الأول أن يأخذ بالشفعة وغاب عن البلد، فأُفتي المكتري الثاني بإحدى الروايتين عن مالك أن لا شفعة في الإجارات، قال لي: فوردت من سفري، فسألت أولئك الفقهاء -وهم أهل حفظ في المسائل وصلاح في الدين- عن مسألتي، فقالوا: ما علمنا أنها لك؛ إذ كانت لك المسألة أخذنا لك برواية أشهب عن مالك بالشفعة فيها. فأفتاني جميعهم بالشفعة، فقضي لي بها. قال: وأخبرني رجل عن كبير من فقهاء هذا المصنف مشهور بالحفظ والتقدم، أنه كان يقول معلنًا غير مستتر: إن الذي لصديقي عليَّ إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه".
أعوذ بالله، نسأل الله العافية.
طالب: "قال الباجي: ولو اعتقد هذا القائل أن مثل هذا لا يحل له ما استجازه، ولو استجازه لم يعلن به ولا أخبر به عن نفسه.
قال: وكثيرًا ما يسألني من تقع له مسألة من الأيمان ونحوها: لعل فيها رواية، أم لعل فيها رخصة؟ وهم يرون أن هذا من الأمور الشائعة الجائزة، ولو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به، ولا طلبوه مني، ولا من سواي، وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يُعتد به في الإجماع، أنه لا يجوز، ولا يسوغ، ولا يحل لأحد أن يُفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنه حق، رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه، وإنما المفتي مخبر عن الله تعالى في حكمه، فكيف يخبر عنه إلا بما يعتقد أنه حَكَم به وأوجبه".
يعني وظيفة المفتي، ووظيفة الحاكم فيما يخلِّصه أمام الله -جل وعلا- أولاً وآخرًا، ثم بعد ذلك يسعى في نفع غيره إن أمكن، أول ما يبدأ به نجاة نفسه وخلاص نفسه، فإذا ضمن ذلك اتجه إلى نفع الخلق إن أمكن، وإلا ما علينا لهم، رضي من رضي، وسخط من سخط.
طالب: أحسن الله إليك.
والله المستعان. نعم.
طالب: .......
ليس لك توبة.
طالب: .......
نعم.
طالب: .......
نعم؛ لئلا يجرؤ، ولئلا يقتل، لأنه قبل أن يقتل؛ لأنه لو قال: لك توبة، سهل عليه القتل، قتله ويقول: أتوب. فهذا من فقه الفتوى.
طالب: .......
هذا من فقه الفتوى، يعني لو جاءك أحد لازم أن تشنّع عليه الأمر وتشدّد عليه وتعظّم عليه إذا كان الأمر خاصة إذا كان من العظائم.
طالب: .......
نعم.
طالب: قبل الوقوع.
طالب: .......
لا، قبل، لو سأل قال: ماذا عليَّ إذا جامعت؟ قال: عليك صيام شهرين، من أجل ماذا؟ أن لا يجامع. لكن جامع، وانتهى، نقول له: عليك صيام شهرين وعلى الترتيب؟ فالأمر قبل حدوثه يُشدّد فيه، وإذا وقع يُطبّق عليه الحكم الشرعي.
أنت لو نظرت إلى كتب أهل السنة وأئمة السنة في أول الأمر عند نشأة البدع، وكلامهم على المبتدعة، رأيت أن الأمر يختلف كثيرًا عما تقرر فيما بعد: من فعل كذا فقد كفر، من قال كذا، الجهمية كفار، خمسمائة عالم يكفرون المعتزلة الذين يقولون بخلق القرآن... ما يمكن أن يقال الآن، لماذا؟ لأنه استقرت البدع، وتبنّاها الناس، وانتشرت في المسلمين، فنصير نكفر الناس كلهم.
لكن قبلُ يقضى على الفتنة من مهدها، وتجتث من جذورها. الآن أنت لما تتحدث عن أو يتحدث عن الاختلاط في الصحة، تشدّد فيه مثل ما تشدد على الاختلاط في التعليم؟ يختلف، هذاك في النهاية تم من خمسين سنة والناس يرونه ويظنون أنه ما فيه أمل ولا علاج، ما يتحمسون له مثل التعليم الذي في البدايات، لا بد أن يجتث من أساسه.
طالب: "وإنما المفتى مخبر عن الله تعالى في حكمه، فكيف يخبر عنه إلا بما يعتقد أنه حكم به وأوجبه؟ والله تعالى يقول لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ...} [المائدة: 49] الآية، فكيف يجوز لهذا المفتي أن يفتي بما يشتهي، أو يفتي زيدًا بما لا يفتي به عَمرًا؛ لصداقة تكون بينهما أو غير ذلك من الأغراض؟ وإنما يجب للمفتي أن يعلم أن الله أمره أن يحكم بما أنزل الله من الحق، فيجتهد في طلبه، ونهاه أن يخالفه وينحرف عنه، وكيف له بالخلاص مع كونه من أهل العلم والاجتهاد إلا بتوفيق الله وعونه وعصمته؟!
هذا ما ذكره، وفيه بيان ما تقدم من أن الفقيه لا يحل له أن يتخير بعض الأقوال بمجرد التشهي والأغراض من غير اجتهاد، ولا أن يفتي به أحدًا. والمقلد في اختلاف الأقوال عليه مثل هذا المفتي الذي ذكر، فإنه إنما أنكر ذلك على غير مجتهد أن يُنقل عن مجتهد بالهوى، وأما المجتهد، فهو أحرى بهذا الأمر".
والله أعلم.
اللهم صلِّ على محمد.
فيه كلام لابن فرحون وغيره في تعليق الصفحة السابقة، نعم، صفحة واحد وتسعين.
طالب: أقرأها؟
ماذا؟ نعم، اقرأها.
طالب: "قال ابن فرحون في تبصرة الحكام، والقرافي في الإحكام والنص له: ولا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان، أحدهما فيه تشديد، والآخر فيه تخفيف، أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف، وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل".
ولا شك أن المسألة الكل أمام الشرع سواء لا العامة ولا الخاصة، لكن لو كان الدين بالرأي لقلنا: يفتى الخاصة بالتشديد أولى من أن يفتى العامة بالتشديد؛ لأنه إذا ارتدع الخاصة قل الشر، بل ينقطع الشر، وهذا له وجه. لكن يبقى أن العامة والخاصة والناس سواسية، وكلهم أمام الشرع سواء.
طالب: "وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى وإجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق، نعوذ بالله تعالى من صفات الغافلين".
طالب: أكمل؟
"ابن القيم".
طالب: "وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في آخر إعلام الموقعين في الفصل الذي عقده لفوائد تتعلق بالفتوى: الفائدة التاسعة والثلاثون: لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه؛ فإنْ تَتَبَّع ذلك فُسِّقَ وحرم استفتاؤه، فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة".
والحيلة الجائزة ما يتوصل بها إلى فعل الواجب وترك المحرم، بخلاف حيل اليهود التي يُتوصل بها إلى ترك الواجب أو فعل المحرم.
طالب: "فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة، لتخليص المستفتي بها من حرج، جاز ذلك؛ بل استُحب، وقد أرشد الله نبيه أيوب -عليه السلام- إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثًا فيضرب به المرأة ضربة واحدة، وأرشد النبي بلالاً إلى بيع التمر بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا آخر، فيتخلص من الربا. فأحسن المخارج ما خَلَّص من المآثم، وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم، والله الموفق للصواب، انتهى".
"ومن لطيف ما يذكر...".
طالب: "ومن لطيف ما يُذكر في جنب الترخص، ما قاله الإمام ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- عن نفسه في كتابه صيد الخاطر، وقد ترخص في بعض الأمور: ترخصت في شيء يجوز في بعض المذاهب، فوجدت في قلبي قسوة عظيمة، وتخايل لي نوع طرد عن الباب وبعد وظلمة تكاتفت، فقالت نفسي: ما هذا؟ أليس ما خرجت عن إجماع الفقهاء؟ فقلت لها: يا نفس السوء، جوابك من وجهين؛ أحدهما: أنك تأولتِ".
محاضرة ومناظرة مع نفسه.
طالب: "أحدهما: أنكِ تأولت ما لا تعتقدين، فلو استُفتيتِ لم تفت بما فعلت. قالت: لو لم أعتقد جواز ذلك ما فعلته. قلت: إلا أن اعتقادك هو ما ترضينه لغيرك في الفتوى.
والثاني: أنه ينبغي لكِ الفرح بما وجدت من الظلمة عقيب ذلك؛ لأنه لولا نور في قلبك ما أثر مثل هذا عندك".
نعم، القلب الميت: ما لجرح بميت إيلام. نعم.
طالب: "قالت: فلقد استوحشت بهذه الظلمة المتجددة في القلب. قلت: فاعزمي على الترك، وقدري ما تركت جائزًا بالإجماع، وعدي هجره ورعًا، وقد سلمتِ".
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.