كتاب بدء الوحي (012)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحضر لنا واحد من الإخوان النية في التروك يقول هذا: النية في التروك -كأنه نقله من كتاب: (مقاصد المكلفين) للشيخ عمر الأشقر.

يقول: ذهب الأعم الأغلب من العلماء إلى أن التروك لا تفتقر إلى نية، وقد عللوا مذهبهم هذا بأن التروك غير داخلة في الأعمال فلا يشملها حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات)) فالعبد يخرج عن عهدة النواهي وإن لم يشعر بها فضلاً عن القصد إليها، وكون التروك فعلاً أو ليس بفعل مسألة خلافية أصولية، وقد احتج القائلون بأن الكف ليس فعلاً بأن الفعل في اللغة حركة البدن كله أو بعضه، والترك ليس فيه حركة أصلاً، يقول: وأقوى ما يستدل به القائلين بأن الكف فعل القرآن الكريم، فقد سمى الله الترك فعلاً في آيتين من كتابه: الأولى في قوله تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [(63) سورة المائدة] فترك الربانين والأحبار نهيهم عن قول الإثم وأكل السحت سماه الله -جل وعلا- في هذه الآية صنعاً، في قوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} أي وهو تركهم المذكور والصنع أخص من مطلق الفعل فصراحة الآية الكريمة على أن الترك فعل في غاية الوضوح.

الآية الثانية قوله تعالى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [(79) سورة المائدة] أي وهو تركهم التناهي عن كل منكر وصراحة دلالة هذه الآية على أن الترك فعل واضحة.

وفي كلام العرب ما يدل على أن الترك فعل فمن ذلك قول بعض الصحابة في وقت بنائه -عليه الصلاة والسلام- لمسجده بالمدينة:

لئن قعدنا والنبي يعملُ

 

لذاك منا العمل المضللُ

فسمى قعودهم عن العمل وتركهم له عملاً مضللاً، ولذا فإن الكرماني لم يكن متجنياً على النووي عندما أورد كلامه في أن التروك لا تحتاج إلى نية، ثم عقب عليه بأن التروك تحتاج إلى نية؛ لأن الترك كف للنفس وهو عمل، ولأن التارك لا يحصل ثواب الآخرة بتركه إلا إذا قصد ذلك.

والذي يظهر لي أن الترك إن كان كفاً للنفس فهذا هو الذي يصير فعلاً، كما لو أمرته النفس الأمارة بالزنا أو بالسرقة فكفها فهذا يكون فعلاً، وعليه يحمل ما جاء في الآيات، فإن تركهم النهي عن المنكر كان بكف أنفسهم عن ذلك مع أنهم مأمورون به، وأما الترك الذي لا يخطر بالبال كترك الزنا وترك شرب الخمر والسرقة من شخص لا تخطر في باله هذه الأمور فهذا لا يعتبر فعلاً، وهذا الذي ذكرناه هنا قول المحققين من العلماء كابن حجر العسقلاني والكرماني وابن نجيم.

ويقول ابن نجيم في هذه المسألة: وحاصل كلامهم أن الترك المنهي عنه لا يحتاج إلى نية للخروج عن عهدة النهي، وأما لحصول الثواب فإن كان كفاً وهو أن تدعوه النفس إليه قادراً على فعله فيكف نفسه عنه خوفاً من ربه فهو مثاب، وإلا فلا ثواب له على تركه، فلا يثاب على ترك الزنا وهو يصلي، ولا يثاب العنين على ترك الزنا ولا الأعمى على ترك النظر المحرم.

"ولا يثاب العنين على ترك الزنا" لكن ماذا عنه إذا كان يتمنى أن لم يكن عنيناً فيزني؟ وماذا عن الأعمى الذي يفرح بالعمى أو الأعرج الذي يفرح بالعرج أو المريض الذي يفرح بالمرض ليعفى من الجهاد؟ يؤجر وإلا ما يؤجر؟ يأثم وإلا ما يأثم؟ هذه مسائل لا شك أنها متفاوتة، والناس فيها درجات على قدر ما وقر في قلوبهم، وهذه التفصيلات يحتاجها المقام، لكن تفصيلها لا يحتمله المقام، تفصيلها لو فصلنا في مثل هذه الأمور أظن ما تنتهي؛ لأن كل مسألة يدخلها تفصيلات.

وبنى ابن نجيم على هذا الذي قرره أنه إذا نوى شخص مال التجارة للقنية فإنه يكون لها ولا زكاة فيه، أما إذا نوى العكس بأن نوى ما كان للقنية أن يكون للتجارة فإنه لا يكون للتجارة حتى يعمل في التجارة؛ لأن التجارة عمل فلا يتم بمجرد النية، والقنية ترك للتجارة فتتم بها، يعني أهل العلم يقولون: إذا اشترى السلعة لا ينوي بها التجارة، اشترى أرض ليقيم عليها سكن، أو ورثها المقصود أنه لم يملكها بنية التجارة، ولو نواها بعد ذلك قالوا: لم تصر لها، وهذا قول جماهير أهل العلم.

يقول: ونظيره...هاه؟

طالب:........

هاه؟

طالب:........

أن تشترى بنية التجارة.

يقول: ونظيرة فيما ذكر ابن نجيم المقيم والصائم والكافر والمعلوفة والسائمة حيث لا يكون مسافراً ولا مفطراً، ولا مسلماً، ولا سائمة بمجرد النية، ولا سائمة بمجرد النية، يعني لتجب فيها زكاة بهيمة الأنعام، بمجرد النية، لكن ما الذي يصيرها سائمة؟ الفعل، تحقق السوم، ويكون مقيماً وصائماً وكافراً بمجرد النية؛ لأنها ترك العمل، كيف؟ يقول: المقيم والصائم والكافر والمعلوفة والسائمة بحيث لا يكون مسافراً ولا مفطراً ولا مسلماً ولا سائمة بمجرد النية، ويكون مقيماً وصائماً وكافراً بمجرد النية لأنها ترك، الأول نية الفعل، والثاني: نية الترك، يعني نية الفعل لا تصيرها تصير العمل فعلاً، ونية الترك تصيره فعلاً، وبهذا الذي قررناه في التروك يندفع الإشكال القائل لم وجبت النية في الصوم مع أنه ترك؟ والجواب: أنه ترك مقصود مراد فالنفس تجوع وتعطش وترغب في الجماع والمرء يكف نفسه بإرادة وقصد، وهذا الجواب أولى من جواب صاحب دليل الفالحين، ووجبت فيه لأنه ملحق بالأفعال، إذ القصد منه قمع النفس عن معتاداتها وقطعها عن عاداتها.

هذا واحد من الإخوان -جزاه الله خير- تبرع وقبل أن يطلب هذا الأمر وضع مخطط يوضح طرق الحديث في كتب السنة، طرق الحديث في كتب السنة، ذكر مسلم والنسائي ومسلم وابن ماجه ومسلم والنسائي إلى آخره، هذا يعين على تصور الإسناد، يعين على تصور الإسناد، لا شك لكن طريقتنا التي سوف نتبعها في هذا الحديث وفيما يليه من أحاديث لكن سواءً عاد شرحت في الدرس أو كتبت وصورت ووزعت هذا الأمر إليكم، على كل حال طريقتنا تختلف عن هذا، هذه طريقة تعين على التصور السريع لطرق الحديث، وأما ما سيأتي مما نقصده من البسط، بسط هذه الأسانيد ونثر هذه الأسانيد، والنظر في تراجمها، والربط بين الأحاديث وما ترجم به الأئمة على هذا الحديث في مواضعه من كتب السنة سيأتي ويكون حديثنا مثال -إن شاء الله تعالى- لما ننوي فعله.

في آخر الدرس الماضي ذكرنا أن شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- قال: "فيه إطلاق العام وإن كان سببه خاصاً، إطلاق العام وإن كان سببه خاصاً، فيستنبط منه الإشارة إلى أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وهذا يحتاج فيه إلى ثبوت أن الحديث سيق بسبب قصة مهاجر أم قيس، وقد تقدم الكلام فيه من قول الحافظ بعد أن صحح القصة على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث: الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أرَ في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك، يعني ربط هذه القاعدة في هذا الحديث لا وجه له، لكن هل القاعدة مختلف فيها أو متفق عليها؟ هل هناك ما يخرج منها؟ هل هناك تفصيل لهذه القاعدة؟

ذكرنا أن الزركشي في البحر المحيط استوعب ما يتعلق بهذه القاعدة، وكثير من أهل العلم ينقل عليها الإجماع، ينقل الإجماع عليها، والشوكاني في إرشاد الفحول لخص كلام الزركشي، وهذا كلامه في إرشاد الفحول.

يقول -رحمه الله-: "ورود العام على سبب خاص، ورود العام على سبب خاص، وقد أطلق جماعة من أهل الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وحكوا ذلك إجماعاً، كما رواه الزركشي في البحر، قال –يعني الزركشي-: ولا بد في ذلك من تفصيل، وهو أن الخطاب إما أن يكون جواباً لسؤال سائل أو لا، فإن كان جواباً فإما أن يستقل بنفسه أو لا، أن يستقل بنفسه، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- كلاماً منفصل يصح فصله عن السؤال تماماً، بأن يجيب بشيء لا يرتبط بالسؤال بل يشمله ويشمل غيره، هذا لا شك أنه لا خلاف في أنه فإما أن يستقل بنفسه أو لا، يعني إن استقل هذا لا شك أنه يقتضي العموم، فإن لم يستقل بحيث لا يحصل الابتداء به فلا خلاف في أنه تابع للسؤال في عمومه وخصوصه، حتى كأن السؤال معاد فيه، فإن كان السؤال عاماً فعام وإن كان خاصاً فخاص، مثال خصوص السؤال قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ} [(44) سورة الأعراف] الآن السؤال خاص، فهل يعمم فيقال: إن جميع الناس وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً؟ الآن السؤال موجه لمن؟ من المؤمنين للكفار، وجدوا ما وعدهم ربهم حقاًً، لكن ما الذي وجدوه مما وعدهم؟ العذاب، فهل نقول: إن العذاب وجده كل الناس أو وجده من سئل هذا السؤال؟ لكن هل السؤال فيه خصوص بالعذاب أو عموم بحيث يمكن أن يوجه للمؤمنين مثل هذا السؤال؟ ننتبه لهذا.

الشوكاني يقول: فإن كان السؤال عاماً فعام وإن كان خاصاً فخاص، مثال خصوص السؤال قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ} [(44) سورة الأعراف] يعني نعم وجدنا ما وجدنا ربنا حقاً؛ لأن الجواب لا يستقل بنفسه؛ والسؤال كأنه معاد في الجواب، فكأن الجواب نعم وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، أين الخصوص في السؤال؟ يعني هل نستطيع أن نخصص السؤال بالحال -يعني بحال المسئول- أو نقول: إن هذا السؤال صالح لأن يوجه للكفار وغير الكفار، والكل قد وجد ما وعده ربه؟ في شيء؟ الظاهر أن الشوكاني حمله على أساس أنه الحال خصصت السؤال بالكفار، والجواب وقع منهم مطابق لما في السؤال، حتى كأن الجواب معاد في السؤال.

وقوله في الحديث: ((أينقص الرطب إذا جف؟)) قالوا: نعم قال: ((فلا إذاً)) يعني الخصوص في هذا السؤال ما تقتضيه الحال من بيع التمر بالتمر، التمر بالرطب، إذا تصورنا هذا الخصوص وكأنه معاد في الجواب قالوا: نعم ينقص الرطب إذا جف، قال: إذاً فلا يجوز بيعه بالرطب؛ لأنه ما دام ينقص فلا تحصل إيش؟ المماثلة، ومثال عمومه ما لو سئل عمن جامع امرأته في نهار رمضان فقال: يعتق رقبة، فهذا عام في كل واطئ في نهار رمضان، وقوله: يعتق وإن كان خاصاً بالواحد لكنه لما كان جواباً عمن جامع امرأته بلفظ يعم كل من جامع كان الجواب كذلك فصار السؤال معاداً في الجواب، صار السؤال معاداً في الجواب، لكن إعادته في الجواب تقتضي الخصوص أو تقتضي العموم؟ تقتضي العموم؛ لأن السؤال نعم السؤال عام فجوابه تبع له عام؛ لأنه كأنه أعيد، وإذا أعيد العام عاد عاماً، لا يعاد خاصاً، وإن استقل الجواب بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ لكان كلاماً تاماً مفيداً للعموم، فهو على ثلاثة أقسام، وإن استقل الجواب بنفسه بحيث لو ورد مبتدأ لكان كلاماً تاماً مفيداً للعموم، فهو على ثلاثة أقسام؛ لأنه أما أن يكون أخص أو مساوياً أو أعم.

الأول: أن يكون الجواب مساوياً لا يزيد عليه ولا ينقص كما لو سئل عن ماء البحر فقال: "ماء البحر لا ينجسه شيء" فيجب حمله على ظاهره بلا خلاف، يعني مساواة السؤال للجواب، يعني هل الجواب يشمل ماء الأنهار؟ يشمل ماء الآبار وأصلها أبئار أفعال نعم؟ لا يشمل، السؤال عن ماء البحر، لكن المياه الأخرى يمكن أن يؤخذ حكمها من الجواب بطريق الإلحاق، بل بطريق الأولى؛ لأن ماء البحر متغير، تغيرت رائحته بما مات فيه من الحوت، وتغير طعمه، وتغير..، وبما يلقى فيه من مما يستقذره الناس، فإذا جاء الجواب عنه بأنه طهور، كان الماء الذي أنظف منه مما لا يشاركه بما ورد في السؤال أو أكثر قياسه من باب الأولى، لكن الجواب جاء مساوياً للسؤال.

الثاني: أن يكون الجواب أخص من السؤال مثل أن يسأل عن أحكام المياه فيقول: ماء البحر طهور فيختص ذلك بماء البحر ولا يعم بلا خلاف، يعني عدول المجيب عن العموم إلى الخصوص نعم يدل على أن الخصوص يختلف حكمه عن حكم العموم، ولو كان لا يختلف لأجاب بالعموم.

الثالث: أن يكون الجواب أعم من السؤال وهما قسمان:

أحدهما: أن يكون أعم منه في حكم آخر غير ما سئل عنه، كسؤالهم عن التوضؤ بماء البحر وجوابه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)) فلا خلاف أنه عام لا يختص بالسائل، لا يختص بالسائل، ولا بمحل السؤال، يعني ما ذكر، ما ذكر في السؤال من أنهم يركبون البحر ويحملون معهم القليل من الماء، فإن توضئوا به عطشوا، وإن إيش؟ إن توضئوا به عطشوا، فقالوا: أنتوضأ بماء البحر؟ قال: ((هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)) هل تشترط هذه الأوصاف التي سيقت في الجواب ليتم الجواب مطابقاً عن السؤال؟ أو نقول: يتوضأ بما البحر هذا الشخص وغيره إلى قيام الساعة من كان هذا وصفه ولو حمل معه ما يكفيه من الماء ولو لم يحتج الماء أصلاً؟ فهذه الأوصاف التي ذكرت في السؤال غير مؤثرة، ولذلك أجاب بالوضوء هو الطهور ماؤه وزيادة، لا يكفي أن يقال وضوء فقط، مما يدل على أن الأمر أعم من ذلك.

فلا خلاف أنه عام لا يختص بالسائل، ولا بمحل السؤال من ضرورتهم إلى الماء وعطشهم، بل يعم حال الضرورة والاختيار.

القسم الثاني: أن يكون الجواب أعم من السؤال في ذلك الحكم الذي وقع السؤال عنه، هناك أعم من جهة أخرى ((الحل ميتته)) يعني مسألة أخرى غير المسألة المسئول عنها، هنا أن يكون الجواب أعم من السؤال في ذلك الحكم الذي وقع السؤال عنه كقوله -عليه الصلاة والسلام- لما سئل عن ماء بئر بضاعة ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيها، ما يلقى فيها مما يستقذر الحيض والنتن لحوم الكلام وما أشبه ذلك قال: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) فأجاب بما هو أعم من السؤال، يعني لو وقع فيه غير ذلك، غير ما سئل عنه لكان الجواب: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وهذا الإطلاق وهذا التعميم لا شك أنه جاء ما يقيده بالإجماع، مقيد ما لم تتغير رائحته أو لونه أو طعمه، وكقوله لما سئل عمن اشتري عبداً فاستعمله ثم وجد فيه عيباً: ((الخراج بالضمان)) يعني هل يختص بهذا العبد أو يختص بهذا السائل؟ لا، هذه قاعدة عامة: ((الخراج بالضمان)) يعني متى استفدت من شيء وخسرت عليه فهذا مقابل هذا، والغنم مع غرم.

يقول: وهذا القسم محل الخلاف وفيه مذاهب:

أن يكون الجواب أعم من السؤال في ذلك الحكم الذي وقع السؤال عنه كقوله -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن بئر بضاعة: ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) يعني أجاب بكلام عام يشمل ما جاء في السؤال، ويشمل صور متعددة يندرج فيها ما سئل عنه، وكقوله لما سئل عمن اشتري عبداً فاستعمله ثم وجد فيه عيباً: ((الخراج بالضمان)) وهذا القسم محل الخلاف وفيه مذاهب.

طيب، هل يقتضي قوله الماء طهور لا ينجسه شيء فيما ألقي فيه أكثر مما حصل مما يلقى في بئر بضاعة؟ ويشمل بالنسبة للعبد ما وجد فيه من العيوب أكثر مما وجد في هذا العبد، قال: ((الخراج بالضمان)) إيش معنى هذا؟ ويش اللي يترتب على العبد؟ يترتب عليه أن المشتري يستعمله ومع ذلك يطعمه، هل يرجع بالطعام؟ ما يرجع؛ لأن الخراج بالضمان، لكن لو قدر أن هذا المشتري وجد فيه العيب ما استعمله، نوى رده من مجرد علمه بالعيب، بمجرد علمه بالعيب فقال: أنا لا أستعمله وأطعمه خشية أن يموت، وأرجع على صاحبه بما أنفقت عليه، لو استعمله قلنا: الخراج بالضمان، لكن هذا لم يستعمله هل نقول: إنه فرط فيما يلزمه من استعماله في مقابل إطعامه والخراج بالضمان؟ أو نقول: إنه ما دام أنفق عليه بنية الرجوع ولم يستعمله نقول: له حق الرجوع لماذا؟ لأنه ما انطبقت القاعدة، ما في خراج ليكون فيه ضمان.

وهذا القسم محل الخلاف وفيه مذاهب:

الأول: أنه يجب قصره على ما خرج عليه السؤال، وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي.

الثاني: أنه يجب حمله على العموم؛ لأن عدول المجيب عن الخاص المسؤول عنه إلى العام دليل على إرادة العموم، وإلى هذا ذهب الجمهور.

الثالث: الوقف ولا وجه له؛ لأن الأدلة هنا لم تتوازن.

الرابع: التفصيل بين أن يكون السبب هو سؤال سائل فيختص به، وبين أن يكون السبب مجرد وقوع حادثة كان ذلك القول العام وارداً عند حدوثها فلا يختص بها، وهذا ما يعبر عنه في كثير من المسائل بأنها قضية عين، قضية عين إذا وقع على حادث، لكن إذا ورد سؤال ثم أجيب عنه هذا يختلف.

الرابع: التفصيل بين أن يكون السبب هو سؤال سائل فيختص به وبين أن يكون السبب مجرد وقوع حادثة كان ذلك القول العام وارداً عند حدوثها فلا يختص بها.

الخامس: أنه إن عارض هذا العام الوارد على سبب عموم آخر خرج ابتداء بلا سبب فإنه يقصر على سببه وإن لم يعارضه فالعبرة بعمومه، قال الأستاذ أبو منصور: "هذا هو الصحيح".

وهذا الذي نمثل به دائماً، نمثل له دائماً بحديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) حديث عمران بن حصين يدل على أن الصلاة لا تصح من قعود بالنسبة لمن قدر على القيام ((فإن لم تستطع فقاعداً)) وعمومه يشمل الفريضة والنافلة، هل العموم محفوظ؟ عارضه حديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))، ((على النصف من أجر صلاة القائم)) طيب الحديث الأخير ورد على سبب وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المدينة وهي محمة فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، السبب يدل على أنها نافلة، لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يصلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام- في الفريضة، الأمر الثاني أنه بالنسبة لمن يستطيع القيام بدليل أنهم تجشموا القيام فقاموا، ولو كانوا لا يستطيعون القيام الذي لا يستطيع القيام على النصف وإلا أجره كامل؟ أجره كامل بلا شك، فقصر الحديث الثاني على سببه لأن عمومه معارض بعموم آخر، وهذا الذي هو القول الخامس.

يقول الشوكاني: "وهذا لا يصلح أن يكون مذهباً مستقلاً فإن هذا العام الخارج ابتداءً من غير سبب إذا صلح للدلالة فهو دليل خارج يوجب القصر ولا خلاف في ذلك على المذاهب كلها".

يعني على المذاهب كلها يستعملون مثل هذه الأمور، يعني ما يمكن أن يضرب النص الصحيح بنص صحيح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) ما يمكن أن يضرب هذا بالحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) يعني شخص جلس نعم جلس وهو يستطيع القيام، وشخص قام لكنه ما عقل من صلاته إلا النصف، نقول: هما متساويان؟ نقول: الثاني إذا كان يستطيع القيام صلاته باطلة، وإذا كان لا يستطيع القيام فصلاته تامة وأجره كامل.

طالب:.......

مسافر؟

طالب:......

((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) هذا ما فيه إشكال.

طالب:......

لا، بالنسبة للفريضة لا يجوز له أن يجلس وهو قادر بحال من الأحوال؛ لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة كما هو معلوم، وفي النافلة إن جلس له النصف، بنص الحديث السابق.

طالب:.......

........ معروف كامل أجره، الذي لا يستطيع القيام أجره كامل في الفريضة والنافلة؛ لأن الركن القيام مع القدرة، والنص: ((صل قائماً فإن لم تستطع)) هذا مفروغ منه.

يقول أهل العلم: الحديث فيه دليل على وجوب النية على الغاسل في غسل الميت لأنه عبادة وغسل واجب، وبه قال أحمد ومالك، يقول ابن قدامة في الكافي: فصل، والفرض فيه -أي في تغسيل الميت- ثلاثة أشياء: النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غسل الجنابة، والأصح عند الشافعية عدم الوجوب، يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: ولا تجب نية الغاسل -أي لا تشترط في صحة الغسل- في الأصح، فيكفي على هذا غرقه أو غسل الكافر إياه؛ لأن المقصود من هذا الغسل هو النظافة، وهي لا تتوقف على نية، والثاني: تجب لأنه غسل واجب فافتقر إلى النية كغسل الجنابة، وعلى هذا فلا يكفي الغرق، ولا غسل كافر فينوي كما في المجموع الغسل الواجب أو غسل الميت، ومذهب الحنفية في هذا الوجوب وإلا عدم الوجوب؟ عدم الوجوب، إذا كانوا لا يشترطونه لرفع الحدث الحي فكيف يشترطونه في تغسيل غيره الميت؟ لكن هذا واجب من واجبات الشرع، ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن)) واجب شرعي، فهل يتأدى هذا الواجب الشرعي بغير نية؟ ويمكن أن نستعمل في هذا قياس الشبه، قياس الشبه، فهو من جهة يشبه غسل الحي، يشبه غسل الحي، لا سيما إذا قلنا: إن الموت حدث من جهة، ومن جهة أخرى يشبه غسل النجاسة؛ لأن الميت تغير بالموت، تغير واختلط منه ما اختلط، وخرج منه ما خرج، فلا بد من تطهيره، والغسل على كل حال مأمور به شرعاً فأيهما به أشبه؟ قياس الشبه تردد الفرع بين أصلين فيلحق بأقربهما شبهاً، فهل تغسيل الميت أقرب إلى غسل الحي باعتباره واجب من واجبات الدين أو أشبه بغسل أو تنظيف وغسل النجاسة وإزالتها؟ نعم، وعلى نتيجة الرجحان في وجهي القياس نعم يكون الحكم، هل تشترط النية وإلا ما تشترط؟ لو وضع تحت ميزاب ثم نزل السيل ونظفه، نعم أو غرق، غرق وأخرجوه من الماء بعضهم يقول: يكفي هذا أشد من تغسيلنا إياه، أو غسله من لا تصح منه النية كالكافر، فقياس الشبه هنا هو تردد هذا الفرع بين أصلين، لذلك عند الشافعية يقول: الأصح عدم الوجوب، أي لا تشترط فيكفي هذا غرقه؛ لأن المقصود من هذا الغسل هو النظافة، وهي لا تتوقف على نية.

والثاني: تجب لأنه غسل واجب فافتقر إلى النية كغسل الجنابة، فأيهما أشبه؟ هل نقول: إنه غسل والنجاسة يقتصر فيها على موضعها؟ يعني العدول من تنظيف ما يقع عليه نجاسة من بدن الميت من جهة الشرع قال: ((اغسلنها)) ما قال: اغسلوا مواضع النجاسة منها، هاه؟ هذا يرجح كونه إلى الغسل أقرب منه إلى التنظيف.

وعدم الوجوب مذهب الأحناف مثل ما ذكرنا أنهم لا يشترطونه لرفع الحدث بالنسبة للحي فلا ألا يشترط في هذه الصورة المختلف فيها المتردد في إلحاقها من باب أولى، نعم؟

طالب:........

الشهيد نعم، عدم تغسيل الشهيد لئلا يذهب الأثر الذي يدل عليه في القيامة، الذي يدل عليه، ولذلك لما صار الشهيد جنباً غسلته الملائكة.

إن ما ليس بعمل لا تشترط فيه النية، قالوا: كجمع التقديم، دخلت مسجد وأقيم لصلاة المغرب أو لصلاة الظهر، وأنت ما عندك نية تجمع، لما سلم الإمام أقام المؤذن وصلوا العصر أو العشاء، أنت ما نويت، هل نقول: صل معهم وإلا إن اعتبارك ما نويت ما تصلي معهم؟ ما نويت الجمع أو الإمام أيضاً ما نوى، ما كان نيته يجمع، لكن قاموا عليه الجماعة وقالوا: مشقة، مشقة اجمع وجمع، لأن هذا يتصور في المأموم ويتصور في الإمام، يصح الجمع وإلا ما يصح؟ ننظر ما قال أهل العلم، يقول: إن ما ليس بعمل لا تشترط فيه النية كجمع التقديم فإن الراجح من حيث النظر أنه لا تشترط له نية بخلاف ما رجحه كثير من الشافعية والمشهور عند الحنابلة، يقول الموفق في المغني: ومن شرط جواز الجمع نية الجمع في أحد الوجهين، والآخر لا يشترط وهو قول أبي بكر، من أبو بكر؟ غلام الخلال، أبو بكر عبد العزيز بن جعفر غلام الخلال.

واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقول في مجموع الفتاوى: والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما كان يصلي بأصحابه جمعاً وقصراً لم يكن يأمر أحداً منهم بنية الجمع والقصر، بل خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع، ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع وهذا جمع تقديم، وكذلك لما..، يعني جمع التأخير يحتاج إلى نية وإلا ما يحتاج؟ نعم؟

طالب:.......

كل، النفوس متجهة ما يحتاج، مقصود في الجمع، سواءً نواه وإلا ما نواه، يعرف أنه ما صلى المغرب لا بد أن يصلي المغرب والعشاء هذه هي النية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من المدينة إلى مكة يصلي ركعتين من غير جمع ثم صلى بهم الظهر بعرفة ولم يعلمهم أنه يريد أن يصلي العصر بعدها، ثم صلى بهم العصر ولم يكونوا نووا الجمع وهذا جمع تقديم، وكذلك لما خرج من المدينة صلى بهم بذي الحليفة العصر ركعتين ولم يأمرهم بنية قصر".

يقول شيخ الإسلام: "والإمام أحمد لم ينقل عنه فيما أعلم أنه اشترط النية في جمع ولا قصر، ولكن ذكره طائفة من أصحابه كالخرقي والقاضي، وأما أبو بكر عبد العزيز وغيره فقالوا: إنما يوافق مطلق نصوصه، يعني ترك الجمع، مطلق النصوص يوافق ذلك، وقالوا: لا يشترط للجمع ولا للقصر نية وهو قول الجمهور من العلماء كمالك وأبى حنيفة وغيرهما.

سجود التلاوة...

طالب:.......

من الإمام، ركن من أركان الإمام، نعم؟

طالب:.......

لا، بس هناك تروك ما يترتب عليها شيء، ليس بمطرد.

طالب:.......

الأصل الخصوص وإلا العموم؟

طالب:.......

لا، لا في قضايا العكس.

طالب:.......

وفيه العكس، في قضايا العكس، فليس بمطرد هذا.

طالب:.......

نعم فيه، فيه.

المسألة التي تليها وهي الحادية عشرة أن النية تشترط لسجود التلاوة لأنه عبادة، وهذا قول الجمهور.

يقول ابن قدامة في المغني: "وجملة ذلك أنه يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس، وستر العورة، واستقبال القبلة، والنية".

في كتاب من أفضل ما كتب في مسائل النية اسمه: (نهاية الإحكام في بيان ما للنية من أحكام) لشخص معاصر يعني الكتاب مطبوع من ثمانين أو أكثر من ثمانين سنة، اسمه أحمد بك الحسيني، هذا الكتاب مطبوع ببولاق قديماً، لكنه من أفضل ما كتب في مسائل النية، يعني يوافق على جلها وبعضها قد لا يوافق عليه، وفيه بحوث وتحريرات جيدة.

يقول المؤلف: تنبيه: من مشكلات هذا الأصل -يعني اشتراط النية لسجود التلاوة- يقول: من مشكلات هذا الأصل ما سمعته من بعض مشايخي أن الأصح إيجاب نية سجود السهو دون نية سجود التلاوة في الصلاة، وعلل الأخير بأن نية الصلاة تشمله، سجود التلاوة نية الصلاة تشمله، لكن سجود السهو مقتضى الكلام أن نية الصلاة لا تشمله، يعني متى يكون مثل هذا القول وجيه؟ إذا كان السجود بعد السلام، يقول: من مشكلات هذا الأصل ما سمعته من بعض مشايخي أن الأصح إيجاب نية سجود السهو دون نية سجود التلاوة في الصلاة، وعلل الأخير بأن نية الصلاة تشمله، وعندي أن العكس كان أولى؛ لأن سجود السهو أعلق بالصلاة من سجود التلاوة، أعلق بالصلاة من سجود التلاوة؛ لأنه آكد بدليل..، كيف يكون سجود السهو آكد من سجود التلاوة؟ أنه يجب في بعض الصور، سجود التلاوة لا يجب مطلقاً إلا عند من يقول بوجوب سجود التلاوة كما هو معروف عند الحنفية واختيار شيخ الإسلام، أما من عداهم سجود التلاوة لو ما سجد ما صار شيء.

وعندي أن العكس كان أولى لأن سجود السهو أعلق بالصلاة من سجود التلاوة؛ لأنه آكد بدليل أنه يشرع للمأموم إذا سها الإمام ولم يسجد بخلاف ما إذا تلا الإمام ولم يسجد، متى يشرع للمأموم أن يسجد ولم يسجد إمامه؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

لو كان السجود واجب مثلاً وما سجد الإمام يسجد المأموم وإلا ما يسجد؟ هاه؟ الإمام ترك التشهد الأول، يجب عليه أن يسجد للسهو قبل السلام الإمام سلم وأصر وقال: ما عليه سجود سهو، نعم هذا ترك واجب، ترك التشهد ورفض يسجد الإمام، سلم يلزم المأموم أن يسجد؛ لأن هذا السجود واجب، ولذلك قال: بدليل أنه يشرع للمأموم إذا سها الإمام ولم يسجد بخلاف ما إذا تلا الإمام ولم يسجد.

إذا تلا الإمام ولم يسجد عندنا إذا تلا ولم يسجد، أو سجد ولم يسجد المأموم، ومتى يصير مثل هذا؟ إذا تلا الإمام ولم يسجد في سجدة حتى على قول الجمهور بأن السجود سنة، ما سجد، تلا آية فيها سجدة فلم يسجد هنا لا يسجد المأموم، لكن قد يسجد الإمام ولا يسجد المأموم، متى؟ إذا تلا الإمام سجدة ص مثلاً، والمأموم يرى أنها سجدة شكر، وسجدة الشكر عند الحنابلة وغيرهم تبطل الصلاة، فاستمر المأموم واقف ما سجد.

طالب:........

ولو كان الإمام يرى صحته، ولو كان يرى صحته، الأمر شديد عندهم، الصلاة تبطل فلا يسجد عندهم وإلا الأصل أن سجدة ص وإن لم تكن من العزائم إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد، سجد في صلاته، في صحيح البخاري باب: سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجسٌ، ليس له وضوء يعني ولا نية، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يسجد على غير وضوء، يعني لما يورد مثل هذا الكلام ليبين انفكاك سجود السهو عن الصلاة وأنه ليس بصلاة على هذا القول، يعني الجمهور يرونه صلاة، ويلزمون الساجد بما يلزم في الصلاة، طيب، البخاري يقول: باب: سجود المشركين المسلمين مع المشركين أو العكس، هاه؟

طالب:.......

التلاوة، التلاوة، نعم.

في صحيح البخاري باب: سجود المسلمين مع المشركين والمشرك نجس ليس له وضوء، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يسجد على غير وضوء.

قال ابن حجر: فائدة: لم يوافِق بن عمر أو لم يُوافَق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح، وأخرجه أيضاً بسند حسن عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسلم، يقرأ السجدة ثم يسلم، لعل صواب هذه العبارة: "ثم يسجد" نعم، وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماءً، وعلى هذا إذا قلنا: إنه ليس بصلاة لا تشترط له نية أيضاً، وأما جماهير أهل العلم فإن حكمه حكم الصلاة تشترط له النية.

الخطبة الواجبة والمستحبة كلاهما من العبادات، خطبة الجمعة، خطبة العيد، خطبة الاستسقاء، هذه لا شك أنها عبادات، قالوا: تشترط النية في الخطبة، وفيه وجهان للشافعية كهما في الأذان، يعني هل يشترط له نية أو لا يشترط؟ وجهان، والصحيح أنها شرط فيهما؛ لأنهما عملان مشروعان، وفي الإقناع وشرحه في شروط المؤذن، يعني لو أن مؤذناً أذن وفي تقديره أن الوقت ما دخل لكنه يعلم شخص الأذان، قال: أبي أعلمك الأذان قبل ما يدخل الوقت لكي تذهب فتؤذن لبني فلان ما عندهم مؤذن، ثم تبين أن الوقت قد دخل يجزئ وإلا ما يجزئ؟ يعني مؤذن أذن ما أذن للصلاة أذن للتعليم أو رأى غولاً فبادر بالأذان، فبادر بالأذان ثم وافق أن الوقت دخل هذا لم ينوِ أذان الوقت، وأدى الأذان بغير نية وهل نقول: إنه لا يوجد أذان إلا للإعلام بدخول وقت الصلاة، نعم؟ إذا قلنا: إنه لا أذان إلا للإعلام بدخول وقت الصلاة قلنا: ما يحتاج إلى نية؛ لأن الوقت مخصص له، كما قالوا في صيام رمضان بالنسبة للمقيم، قالوا: ما دام الوقت بقدر الفعل مثل هذا لا يحتاج إلى نية؛ لأنه مخصص لهذه العبادة.

قال في الإقناع وشرحه في شروط المؤذن: وإسلامه، يعني من شروطه الإسلام، لاشتراط النية، وهي لا تصح من كافر، أي من شروط المؤذن الإسلام؛ لأن الإسلام من شروط النية، والنية من شروط الأذان، نعم إذا قلنا: عبادة يحتاج إلى نية؛ لأنه داخل في الأعمال التي جاء الحديث بها: ((إنما الأعمال بالنيات)) وهو عمل، فيحتاج إلى نية، وكذلك الخطبة على ما تقدم، وقيل: لا تحتاج إلى نية، أو لا يحتاج إلى نية، كما في نهاية الإحكام للحسيني: وأما الأذان فالمشهور أنه لا يحتاج إلى نية، وفيه وجه في البحر وكأنه رأى... كتاب البحر لمن؟

طالب:.......

لا، كتاب فروع.

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

لا هو ما ينقل عن الزيدية، هو ينقل في الغالب عن المذاهب، البحر... هاه؟

طالب:.......

لا.

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

معروف كتاب حنفي البحر الرائق معروف وهو مشهور عند الحنفية: (البحر الرائق في شرح كنز الدقائق) وفيه أيضاً (بحر المذهب) عند الشافعية، كتاب اسمه: (بحر المذهب) عند الشافعية، على كل حال وأما الأذان فالمشهور أنه لا يحتاج إلى نية، وفيه وجه في البحر وكأنه رأى أنه يستحب لغير الصلاة كما سيأتي، يعني ليس مخصص للصلاة بحيث لا يحتاج إلى نية كتخصيص رمضان لصيام الفرض.

قال: وكأنه رأى أنه يستحب لغير الصلاة كما سيأتي، وعرفنا أنه يستحب للتعليم، يستحب إذا تغولت الغيلان، لكن هل فيه صور يستحب فيها الأذان؟ نسمع الأذان كاملاً في نغمات جوال وإلا شيء هل نقول: إن هذا يمكن أن يذكر هذا الأذان بترتيبه وترتيله في غير وقت الأذان أو نقول: بدعة؟ إذا تعبد به في غير وقته قلنا: بدعة، لكن إذا كان مجرد تلذذ بهذا الصوت، يعجبه صوت مؤذن فيسجله في الجوال ويسمعه أحياناً، إذا كان لمجرد التلذذ فقط أو لأنه ذكر، لكن ذكر مرتب على هيئة معينة، مخصص في وقت معين لا يجوز أن يتعداه للتعبد به على أي وجه كان، أما إذا كان مجرد التلذذ فكما يسمع أي صوت للتلذذ به.

وكأنه رأى أنه يستحب لغير الصلاة كما سيأتي، فأوجب فيه النية للتمييز، يعني ليميز بين أذان التعليم، وبين أذان الغيلان، وبين أذان الصلاة، وأما خطبة الجمعة ففي اشتراط نيتها والتعرض للفريضة فيها خلاف، لماذا؟ لأنه جاء الخطيب قبل صلاة الجمعة وعلا المنبر ثم خطب هل في خطبة غير هذه؟ ما في خطبة، ما فيه خطبة، ومثل هذا يقال إذا أذن المؤذن في الوقت في أول الوقت للإعلام بدخوله فنقول: إنه ما في غيره، فهما مشتركان في هذا أنه لا تشترط لهما نية؛ لأن مجرد قصد المنبر أو قصد المنارة المكان المرتفع للأذان، نقول: هذه هي النية، لكن لو جاء في غير الوقت ليتمرن على الخطبة مثلاً جاء ضحى الخميس وإلا ليلة الجمعة تمرن، نقول: هذه لا تجزئ عن شيء نواها أو لم ينوها، إنما هي متمحضة للتعليم، الإشكال فيما لو جاء ليعلم شخص الخطابة أو يعلمه الأذان نعم ويصادف دخول الوقت أو وقت إما وقت الأذان أو وقت الخطبة وهو لم ينوها، هذا محل.....

إيراد الحديث في خطبة يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر يقول: "إنما الأعمال بالنيات" هذا كلام لا يمكن أن يشكل على أحد، والخطب النبوية كلها تدل عليه؛ لأنها كلها أحاديث يعني كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- نعم بمجرد نطقه به يكون حديث، فهل يمكن أن يقال: إن استعمال الحديث في الخطبة يحتاج إلى دليل؟ نعم، يعني قراءة آية مثلاً في الخطبة يشترطها جمع من أهل العلم، طيب حديث نحتاج إلى إيراد دليل على أن الخطبة يجوز أن تشتمل على حديث أو غيره؟ لا، لكن هل يشترط إيراد حديث كما تشترط إيراد آية؟ نعم ما ذكر.......، إيراد الحديث في خطبة قالوا: دليل على جواز ذلك، وهذا لا خلاف فيه، انتهينا من الآية والحديث هذا لا إشكال فيه، بل المطلوب من الخطيب أن يكون معوله على الآيات والأحاديث، لكن ماذا عن إيراد الشعر مثلاً؟ ماذا عن إيراد الشعر؟ المالكية يشددون في إيراد الشعر في الخطب، وهو مخل بالخطبة عندهم، وما كانت الأشعار تتناشد على المنابر في الخطب لا سيما الواجبة ولكن الناس تواطئوا على ذلك، وأهل العلم يقولون: البيت والبيتان والثلاثة لا تؤثر، أما إذا كثرت الخطبة فلا شك أنها مؤثرة لا سيما وأن الشعر مرغوب عنه شرعاً، الشعر مرغوب عنه شرعاً ((لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير من أن يمتلئ شعراً)) والآية في آية الشعراء يقول: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [(224) سورة الشعراء] إلا أن الذي استقر عليه الأمر عند أهل العلم أن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، فلا يقال: بأنه يكره إلا إذا كثر، وإذا صد عن ما هو أهم منه تشتد الكراهة لا سيما إذا صد عن نصوص الوحيين يتجه القول بتحريمه إذا خصص نفسه لحفظ الشعر وإلقاء الشعر وترك الكتاب والسنة، لأن التشبيه ((لأن يمتلأ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه)) يعني يصل إلى حد الرئة، يمتلأ، بحيث لا يستوعب لا آيات ولا أحاديث، فإنه حينئذٍ يكون مذموماً ولا شك أن الشعر حفظ به خير كثير، حفظ به خير كثير، وأنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يقال بمنعه، اللهم إلا إذا غلب على حال الشخص وعرف به بحيث يمنعه ويصده عما هو أهم منه فينطبق عليه الحديث، كم باقي؟

طالب:........

هاه؟

طالب:........

يعني الشروط التي اشترطها أهل العلم لصحة الخطبة منها: الوصية بتقوى الله، إذ لا يتصور موعظة تخلو من وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين، فهذا أمر لا بد منه، إضافة على التنبيه إلى ما يحتاج التنبيه إليه من مخالفات أو مما حصل فيه غفلة من بعض الناس فكثيراً ما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا رأى ما يقتضي التنبيه: ((ما بال أقوام يفعلون)) أو يتركون، هكذا كان هديه -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر مطلوب للأمر به، نعم؟

طالب:.......

باقي، باقي، الحديث طويل، لو نتعرض للمسائل التي لم نتعرض لها في طرق الأحاديث الأخرى، وفي تراجم البخاري، وفي تراجم غيره؛ ليكون الحديث أنموذجاً للشرح، وإن لم نواصل على هذه الطريقة، لا سيما إذا رأى بعض الإخوان الاختصار أو ترك الحديث في الكتب الأخرى، فعلى كل حال المسألة لا تخلو من فائدة.

يقول: هل صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- جالساً في النافلة من غير مرض؟

نعم، يختم صلاة الليل بركعتين جالساً، وكونه أيضاً -عليه الصلاة والسلام- لم يصلِ جالساً لأنه يقول: وكيف التوجيه مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم)) أو كما قال؟

يعني كونه يقتنع بالنصف في آخر ركعتين وهو قادر، أولاً: ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأكمل في حقه وأجره كامل؛ لأنه يفعله بصفته قدوة وأسوة مشرع، قد يفعل المفضول، قد يفعل خلاف الأولى لبيان الجواز، ويكون بالنسبة له هو الأولى؛ لأن هذا تشريع، نعم؟

طالب:........

بحيث يغلب على ظنه أنه إذا وقف لا يسقط، لا يسقط، لكن لو غلب على ظنه أنه يسقط إذا وقف، يعني من الغرائب، يعني من عدم اكتراث بعض الناس اليوم بأمور الدين، وعدم رفعهم بها رأس، ولا يهتمون بها، ولا يلتفتون إليها، دخلنا مسجد الراجحي في صلاة عصر وإذا بالصفوف ثلاثة أو أربعة يعني العدد ما هو بكثير، والصفوف بعيدة عن الباب المؤخر فإذا برجل يركض ركضاً، يجري جرياً شديداً، فقلت له: السكينة السكينة، فالتفت فإذا به شيخ كبير، يجري، وتعجبت من هذا النشاط، أنا لا أستطيع أن أجري، فلما وصل إلى الصف جلس وشبك بين أصابعه تربع وصلى وهو متربع، فلما سلم الإمام قام واقفاً ليصلي على الجنازة قائماً، فقلت: هذا إما أن في عقله شيء أو جهله مركب، من بعض البوادي التي لا تهتم بالدين، ولا ترفع به رأساً، كيف يجري هذا الجري ثم يجلس ويتربع ويشبك بين أصابعه ويتم صلاته من أولها إلى آخرها الفريضة جالس؟! وإن جاءت صلاة الجنازة.... قام بمجرد السلام، يعني ما انتظر إلى أن يقال: الجنازة لأنهم يتأخرون في المسجد وهو واقف إلى أن تمت صلاة الجنازة ومثل ما دخل خرج، من السرعان، يوم التفت إلا وهو واصل للباب، هذه الأمور على المسلمين أن يهتموا بها...... الصلاة هذه فريضة، هذا رأس مال، يعني ما عليها مساومة، والقيام ركن، يعني لو جلس في صلاة الجنازة، لو جلس ما في مشكلة، لو خرج وترك الجنازة أسهل من كونه يصلي جالساً، وذكر عن مثيل له أنه على مدى عشرين سنة يصلي جالس، فلما جاء يوم العيد وجاءت العرضة يقول: من شاهده أنه على مدى ساعتين يعرض واقف، لما قالوا له: قال: والله إن كنتم تعلمون ما الذي حملني إني أعرف، أنا ما أقدر أعرف، كل هذا دليل أو برهان على أن بعض الناس حقيقة لا يهتم بدينه، وإذا تساهلنا في الصلاة، وفي ركن من أركانها الذي هو القيام فماذا يبقى لنا؟! ولا شك أن المسئولية تقع أعظم على طلاب العلم، يعني هذا في بلده أكيد أنه يصلي على هذه الطريقة، وفي مسجده، وفي حيه، وله أقارب، وله معارف، ويراه طلاب العلم على هذه الحال، أو على هذه الكيفية، لماذا لا يوجه إلى أن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة؟ يعني الجهل عند الناس مطبق، يعني يسمع مثلاً في المطار شخص يقول: الحمد لله أنهم شالوا الخط، الآن أنت حر من أي مكان أنت تكبر من أول ملزمينا بها الخط الآن كبر من أي مكان، هذا كلام صحيح؟ يعني يوجد الجهل بهذا المستوى، لكن هي وظيفة طلاب العلم، يعني من سمع هذا يتعين عليه؛ لأن هذا بيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، من رأى...، هذا منكر عليه أن يغير، وأقل الأحوال أن يوجه مثل هذا، والله المستعان.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد.

"
هذا يقول: بالنسبة لما ذكرتم من أن الإمام ابن حجر يحيل إلى الشرح الكبير في فتح الباري لعل ابن حجر -رحمه الله- قصد تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، المعروف بالشرح الكبير؟

هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن مقدمة التلخيص ليس فيها هذا الكلام ولا شيء من هذا، والرافعي لم يتعرض لهذه المسألة لا من قريب ولا بعيد، فهذا كلام ليس بصحيح، إضافة إلى أن تلخيص الحبير مختصر، بل معتصر من البدر المنير.

هذا يقول: ذكرتم في الدرس الماضي العبرة بالحال ليس بالمآل، نريد مثال على هذه القاعدة لأنه لم يفهمها يقول: حتى أفهمها؟

ذكرنا لها مثال نية الدخول في النسك قبل دخول رمضان في شعبان ولو بلحظة العبرة بالحال، يعني أنها عمرة شعبانية، وإذا دخل في النسك قبل خروج رمضان ولو بلحظة إذا قلنا: العبرة بالحال قلنا: العمرة رمضانية، ومن يقول: لا العبرة بالمآل قال: إنها في الصورة الأولى رمضانية باعتبار أن العمرة وقعت كلها بل جلها في رمضان، قال: رمضانية والعكس، في الصورة الثانية، إذا كبر قبل خروج الوقت أو كبر قبل دخول الوقت، العبرة بالحال أو بالمآل؟ إذا كبر تكبيرة الإحرام قبل دخول الوقت، إذا قلنا: العبرة بالحال قلنا: صلاته باطلة، وإذا قلنا: العبرة بالمآل قلنا: صلاته صحيحة، مع أنه لم يقل أحد بهذا، وكذلك لو كبر قبل خروج الوقت قلنا: صلاته أداء، ولو أداها بعد خروج الوقت.
طالب:........
هاه؟
طالب:........
يعني من أدرك ركعة، والرواية الأخرى من أدرك سجدة، والجمهور على أنه إذا أدرك أي جزء من السجدة؛ لأن الركعة والسجدة لمجرد التمثيل.

يقول: هل صحيح أن ابن حزم ضعف حديث؟

يعني حديث في البخاري حديث هشام بن عمار الذي يقول فيه: ((ليكن في أمتي)) لأنه ما جاء بالحديث على وجهه: ((أقوام يستحلون الحر والحرير)) ابن حزم ضعف جميع بل حكم بالوضع على جميع ما جاء في المعازف، ولذا يقول الحافظ العراقي:
"لا تصغ لابن حزم المخالفِ"
..........أما الذي
عنعنة كخبر المعارفِ
لشيخه عزا بـ(قال) فكذي
لا تصغ لابن حزم المخالفِ
والخلاف بين من يعتد بقوله من أهل العلم بالنسبة لهذا الحديث هل هو موصول أو معلق بصيغة الجزم؟ وعلى كلا الحالين صحيح، حتى من يقول: بأنه معلق صحيح عنده.