التعليق على الموافقات (1431) - 12

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد....

فلا يزال الحديث في النظر الثاني في عوارض الأدلة، يقول العلامة الشاطبي –رحمه الله-: "الفصل الثاني: في الإحكام والنسخ.

ويشتمل على مسائل:

المسألة الأولى:

اعلم أن القواعد الكلية هي الموضوعة أولاً، وهي التي نزل بها القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة، ثم تبعها أشياءٌ بالمدينة، كمُلت بها تلك القواعد التي وضع أصلها بمكة، وكان أولها الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، ثم تبعه ما هو من الأصول العامة؛ كالصلاة، وإنفاق المال وغير ذلك، ونُهى عن كل ما هو كفرٌ أو تابعٌ للكفر، كالافتراءات التي افتروها من الذبح لغير الله تعالى، وما جُعل لله وللشركاء الذين ادعوهم افتراءً على الله، وسائر ما حرموه على أنفسهم أو أوجبوه من غير أصلٍ مما يخدم أصل عبادة غير الله، وأُمر مع ذلك بمكارم الأخلاق كلها كالعدل، والإحسان، والوفاء بالعهد، وأخذ العفو، والإعراض عن الجاهل، والدفع بالتي هي أحسن، والخوف من الله وحده، والصبر، والشكر ونحوها.

ونُهى عن مساوئ الأخلاق من الفحشاء، والمنكر، والبغي، والقول بغير علم، والتطفيف في المكيال والميزان، والفساد في الأرض، والزنى، والقتل، والوأد، وغير ذلك مما كان سائرًا في دين الجاهلية، وإنما كانت الجزئيات المشروعات بمكة قليلة، والأصول الكلية كانت في النزول والتشريع أكثر".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فإن المؤلف –رحمه الله تعالى- يُقرر في هذه المسألة أن القواعد الكلية وضِعت أولاً قبل فروعها، قاعدة وضعت قبل فروع، والمؤلفون في القواعد سواءً كانت أصولية أو فرعية تختلف مناهجهم ومسالكهم، فمنهم من يُقرر القاعدة أولاً، ثم يذكر فروعها، ومنهم من يذكر النظائر والأشباه من المسائل، ثم يذكر القاعدة المُستنبطة الكلية من جميع هذه الفروع، وإن كان ذلك التأليف في الأصول أو في القواعد الفقهية.

والمؤلف في هذه المسألة يُقرر، بل يحكي واقع التنزيل وأنه في أول الأمر بمكة جاءت الشريعة في قواعد عامة يقل فيها ذكر الفروع والأمثلة على هذه القواعد، ثم كثر التمثيل والتنظير لهذه القواعد بالمدينة.

وهو يُريد أن يُقرر أنه مادام الأمر كذلك، والمبحث كله في الإحكام والنسخ يُريد أن يصل إلى نتيجة، وهي أن النسخ في الآيات المكية قليل، والنسخ في الآيات المدنية أكثر؛ لأن ما جاء في النصوص المكية قواعد عامة، والنَّسخ فيها لا يكاد يوجد، نعم قد يوجد بعض الفروع والتفريعات على هذه القواعد من مكة، لكنه قليل، وهو الذي يحصل فيه النسخ على قِلته، بينما التفريع بالمدينة أكثر فيكثر فيها النسخ، هذا ما يُريد المؤلف –رحمه الله- أن يُقرره.

ومن وجهٍ آخر إن أكثر ما نزل بمكة إنما هو في أصول الدين، وفروع الدين كثر نزولها وتنزيلها بالمدينة، ومعلومٌ أن النسخ لا يدخل في العقائد وأصول الدين؛ لأن الأنبياء دينهم واحد الذي هو أصوله، عقيدتهم واحدة، والنسخ لا يدخل العقائد كما هو مقرر عند أهل العلم، وأكثر ما نزل من العقائد إنما كان بمكة، والفروع الفقهية أكثرها بالمدينة.

فالمؤلف وصل إلى النتيجة التي أرادها، وهو أن النسخ قليل بمكة، بل نادر، وكثير بالمدينة من خلال ما اتجه إليه من أن ما نزل بمكة إنما هو قواعد كلية، وما نزل بالمدينة هو في الغالب تفريعات على هذه القواعد، والقواعد الكلية لا تُنسخ، قد يُنسخ بعض فروعها، لكن لا تُنسخ، والفروع والتفريعات هي التي يدخلها النسخ.

وتوصل إلى هذه النتيجة من باب تقرير القواعد، وأنها نزلت بمكة، والفروع بالمدينة، وهذا مسلك مرضي، لكن يبقى النظر في التصنيف هل الأولى أن يكون التصنيف بادئً بالقواعد الكلية، ثم ذِكر الفروع والأمثلة على هذه القاعدة أو العكس تُذكر الفروع والأشباه والنظائر، ثم بعد ذلك يُستنط من مجموعها قواعد سواءً كانت كلية أو أغلبيه؟

والمصنفون يختلفون حتى في التصيف في الأصول طريقة المتكملين تختلف عن طريقة الحنفية، والنتيجة واحدة سواءٌ قلنا: إن أكثر ما نزل بمكة تقرير القواعد الكلية، والمدينة الفروع، أو قلنا: إن اكثر ما نزل بمكة تقرير للعقائد والأصول، وما نزل بالمدينة تقرير للفروع الفقهية النتيجة واحدة هو أن النسخ في النصوص المدنية أكثر من النسخ في النصوص المكية.        

"ثم لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، واتسعت خطة الإسلام كمُلت هنالك الأصول الكلية على تدريج، كإصلاح ذات البين، والوفاء بالعقود، وتحريم المسكرات، وتحديد الحدود التي تحفظ الأمور الضرورية وما يُكملها ويُحسنها، ورفع الحرج بالتخفيفات والرُّخص، وما أشبه ذلك، وإنما ذلك كله تكميلٌ للأصول الكلية".

مما ذكره هنا، يقول: "كمُلت هنالك الأصول الكلية على تدريج، كإصلاح ذات البين، والوفاء بالعقود، وتحريم المسكرات، وتحديد الحدود..." إلى آخره، هل هذه على الاصطلاح المعروف عند أهل العلم؟ هل هذه قواعد أم ضوابط؟

طالب: أقرب للضوابط.

نعم هي إلى الضوابط أقرب منها إلى القواعد، نعم.

"فالنّسخ إنما وقع معظمه بالمدينة؛ لِما اقتضته الحكمة الإلهية في تمهيد الأحكام، وتأمَّل كيف تجد معظم النَّسخ إنما هو لما كان فيه تأنيسٌ أولاً للقريب العهد بالإسلام واستئلافٌ لهم، مثل كون الصلاة كانت صلاتين ثم صارت خمسًا".

يعني يكون التشريع في أول الأمر بالتسهيل والتيسير، ثم يُزاد فيه إذا ألف الناس هذا الحكم ودانت به قلوبهم، يُزاد فيه كما ذكر في الصلاة، لما كانت صلاتين في أول النهار وفي آخره عند غروب الشمس، يعني في أول النهار وعند الغروب، في العشي والإبكار، ثم بعد ذلك صارت خمسًا مع أن أصل الفرض خمسين، فخُففت إلى خمس.

فالنظر الأول من حيث كونها اثنتين، ثم زيد فيها إلى خمس من جهة التأليف والتأنيس.

والنظر الثاني في كونها خُففت من خمسين إلى خمس من جهة القدرة والطاقة، يعني هم يستطيعون أن يصلوا خمسًا، فلماذا كانت صلاتين، ثم صارت خمسًا؟ تأليف وتأنيس، لمَّا ألفوها ودانوا بها، واطمأنت قلوبهم زِيد فيها، لكن لو كان الأمر خمسًا، ثم نزلت إلى صلاتين كان القلوب قد يشق عليها خمس صلوات في أول الأمر، ثم تُخفف إلى صلاتين.

وأما بالنسبة للتشريع ليلة الإسراء، فكانت خمسين، ثم خففت؛ لأنه قد يقول: هذا افتراء، كيف يقول: صلاتين، ثم خمس تأنيسًا، معناه أنها نُسخت من الأخف إلى الأشد، ثم بعد ذلك في ليلة الإسراء يُشرَع الأشد، ثم يُنسخ الأخف، فيه تأنيس أم ما فيه؟ أولاً: أن هذا نسخ قبل التمكن من الفعل، وهو نسخ ليس من باب التأليف والتأنيس، إنما هو من باب النظر في القدرة والطاقة والتحمل يتحملون خمسين صلاة، نعم.

"مثل كون الصلاة كانت صلاتين ثم صارت خمسًا، وكون إنفاق المال مطلقًا بحسب الخيرة في الجملة، ثم صار محدودًا مُقدرًا، وأن القبلة كانت بالمدينة بيت المقدس ثم صارت الكعبة، وكحِل نكاح المتعة ثم تحريمه، وأن الطلاق كان إلى غير نهايةٍ على قول طائفةٍ، ثم صار ثلاثًا، والظِّهار كان طلاقًا ثم صار غير طلاق، إلى غير ذلك مما كان أصل الحكم فيه باقيًا على حاله قبل الإسلام، ثم أُزيل، أو كان أصل مشروعيته قريبًا خفيفًا ثم أُحكم".

يعني ما ثبت حكمه بالبراءة، ثم غُيِّر هذا الحكم بخطابٍ شرعي هل هذا يدخل في النَّسخ أو لا يدخل؟ باقٍ على البراءة الأصلية التي هي الإباحة، ثم حرِّم، يُسمى هذا نسخًا أم لا؟

طالب: لا.

لأنه يقول هنا: "وأن القبلة كانت بالمدينة بيت المقدس" هذا حكم شرعي بدليلٍ شرعي وهو فعله –عليه الصلاة والسلام- إلى بيت المقدس هذا ما فيه إشكال، ونُسخ إلى الكعبة.

"وكحِل نكاح المتعة ثم تحريمه" حِله ثبت بدليل أم على البراءة؟ هو فيه دليل.

طالب: إذا أراد الحِل الثاني.

نعم؟

طالب: إذا أراد الحِل الثاني إلى كونها حرِّمت، ثم أُحِلت، ثم حرِّمت.

يعني هي في الأصل على البراءة، ثم حرِّمت، ثم أُبيحت، عام خيبر فأُبيحت في فتح مكة، ثم حرِّمت التحريم النهائي إلى قيام الساعة.

"والظِّهار كان طلاقًا ثم صار غير طلاق" لكنه شُدد فيه، شُدد فيه صار أشد من الطلاق؛ لأن فيه الكفارة.

"إلى غير ذلك مما كان أصل الحكم فيه باقيًا على حاله قبل الإسلام ثم أُزيل" يُفهم من كلامه أن رفع البراءة الأصلية نسخ أو كان أصل مشروعيته قريبًا خفيفًا ثم أُحكِم.

ما كان باقيًا على حاله قبل الإسلام هذا على البراءة الأصلية "ثم أُزيل" يعني رُفِع بخطابٍ شرعي، هذا في الحقيقة ليس بنسخ تأسيس لحكم؛ ولذلك يُعرفون النسخ ما ثبت بخطابٍ شرعي، أو رفع حكمٍ شرعيٍّ ثابت بدليلٍ شرعي بحكمٍ شرعيٍّ آخر متراخٍ عنه.

لعل في المسألة الثانية ما يوضح هذا.

"المسألة الثانية: لما تقرر أن المُنزل بمكة من أحكام الشريعة هو ما كان من الأحكام الكلية والقواعد الأصولية في الدين على غالب الأمر، اقتضى ذلك أن النسخ فيها قليلٌ لا كثير؛ لأن النسخ لا يكون في الكليات وقوعًا، وإن أمكن عقلاً.

ويدل على ذلك الاستقراء التام، وأن الشريعة مبنيةٌ على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وجميع ذلك لم يُنسخ منه شيء، بل إنما أتى بالمدينة ما يقويها ويحكمها ويحصنها، وإذا كان كذلك؛ لم يثبت نسخ لكلي البتة، ومن استقرأ كُتب الناسخ والمنسوخ تحقق هذا المعنى، فإنما يكون النسخ من الجزئيات منها، والجزئيات المكية قليلة.

وإلى هذ فإن الاستقرار يبين أن الجزئيات الفرعية التي وقع فيها الناسخ والمنسوخ بالنسبة إلى ما بقي محكمًا قليلة، ويقوى هذا في قول من جعل المنسوخ من المتشابه وغير المنسوخ من المُحكم؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7]".

"ويقوى هذا في قول من جعل المنسوخ من المتشابه" كون غير المنسوخ مُحكمًا هذا ما فيه إشكال، لكن كون المنسوخ من المتشابه؛ لأن المحكم يُقابله المتشابه، ويُقابله أيضًا المنسوخ، عندما يقول: الآية مُحكمة أو منسوخة؟ هذ من جهة بقاء الحكم ورفعه، ونقول: هل الآية مُحكمة أو متشابهة من حيث الوضوح في المعنى وعدم الوضوح، فالتقابل لا يتم هنا على قول من يقول: من جعل المنسوخ من المتشابه، وغير المنسوخ من المُحكم.

"لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7]" مضى الكلام في الإحكام والتشابه، فهل هناك تلازم بين التشابه والنسخ، قد يكون المتشابه مُحكمًا لم يُنسخ، فلا تلازم بين التشابه وبين ما يُقابل النسخ، وعلى كل حال هذا قول، لكن ما يظهر وجهه.

"ويقوى هذا في قول من جعل المنسوخ من المتشابه، وغير المنسوخ من المُحكم" إن كان القصد من جعل المنسوخ من المتشابه أنه لا يُعمل به كشأن المتشابه الذي لا يُعمل به حتى يتضح أمره، من هذه الحيثية ظاهر، أما جعله في مقابل الناسخ، فهذا فيه نوع تشابه بينهما من جهة أن كلًّا منهما لا يُعمل به المتشابه لا يُعمل به، وإنما يؤمن به، والمنسوخ لا يُعمل؛ لأنه رُفِع حكمه إن كان القصد من هذه الحيثية فلا بأس، وإن كان القصد من حيث إنه جاء ما يرفعه، ما يرفع الحكم المتضمن الذي تضمنه النص في المتشابه، وما تضمنه النص المنسوخ ففيه بُعد.

المتشابه إذا جاء بيانه وإحكامه في نصٍّ آخر أو استطاع من استطاع من أهل العلم مَن يرفع هذا التشابه وهذا الاشتباه؛ لأن الإحكام والتشابه أمور نسبية قد يكون هذا من المتشابه عند فلان، ويكون من المُحكم عند فلان، وبينهما أمور مشتبهات أو متشابهات «الْحَلالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ» هذا الاشتباه نسبي، فقد يترجح عند بعض العلماء ما يجعله من الحلال البيِّن، فيرتفع حينئذٍ التشابه أو يترجح عنده أو عند غيره ما يُلحقه بالحرام البيِّن، فيرتفع التشابه، ويبقى التشابه عند جمعٍ من أهل العلم.

فإذا ارتفع التشابه كان مشتبهًا عند فلان من أهل العلم ثم ارتفع، زاد المسألة بحثًا واتضحت له هل نقول: إنه بهذا البحث وبمزيد العناية والاستقراء لِما ورد في المسألة أنه ارتفع التشابه أو أن أقول: إنه لا تشابه أصلاً؟

لما كانت متشابهة عند زيد من الناس مثل المسائل التي يتوقف فيها بعض أهل العلم ما فيه مسائل توقف فيها بعض أهل العلم؟ إذا توقف فيها فهي من المتشابه، ثم بعد ذلك يترجح له أحد الجانبين هذا الترجيح، وهذا التشابه الذي ارتفع عنده هل يُقال: إنه نسخ؟ ليس بنسخ؛ لأنه ليس برفعٍ للحكم الحكم باقٍ.

فقوله: "ويقوى هذا في قول من جعل المنسوخ من المتشابه وغير المنسوخ من المُحكم" الآن المنسوخ من المتشابه أو المتشابه من المنسوخ؟ هو يقول: "من جعل المنسوخ من المتشابه" إن من جهة أن المنسوخ لا يُعمل به بعد النسخ، وكذلك المتشابه لا يُعمل به قبل التبين والإحكام، فهذا مقبول، أما أن نُنزل الحد حد المتشابه وحد المحكم المنسوخ على المتشابه فلا.     

"فدخول النسخ في الفروع المكية قليل، وهي قليلة، فالنسخ فيها قليلٌ في قليل، فهو إذًا بالنسبة إلى الأحكام المكية نادر.

ووجهٌ آخر وهو: أن الأحكام إذا ثبتت على المكلف، فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمرٍ مُحقق؛ لأن ثبوتها على المكلف أولاً مُحقق، فرفعها بعد العلم بثبوتها لا يكون إلا بمعلومٍ محقق؛ ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر؛ لأنه رفعٌ للمقطوع به بالمظنون، فاقتضى هذا أن ما كان من الأحكام المكية يُدعي نسخه لا ينبغي قبول تلك الدعوى فيه إلا مع قاطعٍ بالنسخ، بحيث لا يُمكن الجمع بين الدليلين ولا دعوى الإحكام فيهما".

نعم يقول: "ووجهٌ آخر وهو: أن الأحكام إذا ثبتت على المكلف، فادعاء النسخ فيها لا يكون إلا بأمرٍ مُحقق" بعض العلماء إذا ضاق عليه التوفيق بين نصين قال: إن هذا منسوخ، طيب النسخ الذي يثبت باحتمال، بمجرد احتمال يثبت النسخ؟

طالب: لا يثبت.

لا بُد من معرفة التأريخ، ولا بُد من ثبوت وتحقق التعارض الذي لا يُمكن رفعه، أما ما أمكن رفعه فإنه لا يُلجأ إلى القول بالنسخ، بعض العلماء إذا أشكل عليه نصان متعارضان في الظاهر لجأ إلى النسخ، والنسخ لا يُلجأ إليه إلا إذا انسدت جميع الأبواب، وجميع المسالك التي من مقتضاها أن يُعمل بالنصين؛ لأن النسخ إبطال لأحد النصين، والعمل بهما معًا ما أمكن مُتعين، فالنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولا يُلجأ إليه إلا إذا انسدت جميع الأبواب أبواب التوفيق بين النصوص، وأيضًا عُرِف التأريخ عُرف المتقدم من المتأخر.

فمثلاً: أفطر الحاجم والمحجوم مع حديث ابن عباس أن النبي –عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، العلماء يختلفون في هذا الحكم؛ منهم من يقول: إن الحجامة تُفطِّر الصائم، هذا قول معروف عند أهل العلم، وكأنهم يوهِّمون ابن عباس في كون النبي –عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، وأن الصواب احتجم وهو مُحرِم.

ومن صحح حديث ابن عباس وهو في الصحيح ومتأخر؛ لأنه في حجة الوداع، وحديث شداد بن أوس في عام الفتح، وهو خارج الصحيح في السُّنن، ورجَّح عليه حديث ابن عباس قال: إن حديث شداد منسوخ.

فمسالك أهل العلم للتوفيق بين النصوص مختلفة ومتباينة، مع أنهم يتفقون في الجملة أنه إذا انسدت الأبواب وعُرف المتقدم من المتأخر أنه يُلجأ للنسخ، والنسخ مقرر ومجمعٌ عليه، النسخ معروف ومجمعٌ عليه عند جميع من يُعتد بقوله من علماء الإسلام {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة:106] ثابت بالنصوص القطعية ولا مجال ولا احتمال للقول بالتشكيك فيه، خلافًا لليهود ومن يقول بقولهم من طوائف البدع بأنه يلزم عليه البدء، مادام النسخ مُقررًا في الشرع فلا مانع من الحكم به إذا لم يُمكن التوفيق بين النصوص، هل يُمكن التوفيق بين هذين النصين دون القول بالنسخ؛ لأن النسخ يقتضي إبطال أحد النصين والعمل بأحدهما، إذا قلنا: إن حديث شداد متقدم، وحديث ابن عباس متأخر، والمتأخر ينسخ المتقدم.

ومن جهةٍ أخرى هناك الترجيح، وهو أن حديث ابن عباس أرجح؛ لأنه مُخرَّجٌ في الصحيح، وحديث شداد خارج الصحيح.

فهناك مسالك للتوفيق بين النصوص آخرها القول بالنسخ؛ ولذا يُشدد أهل العلم ويحتاطون لهذا الأمر، لكنهم عند التطبيق هم يتفقون على الأصول العامة، وأن النسخ يُقال به، لكن عندما تنسد جميع الأبواب.

هم عند التطبيق يلحظون ملاحظ على القول بما دون النسخ مثل ما قلنا في هذه المسألة، بعضهم حكم على حديث ابن عباس بأنه فيه وهم، وأن صوابه احتجم النبي –عليه الصلاة والسلام- وهو مُحرِم، فلجئوا إلى القول بالنسخ، على القول بإحكام تفطير الصائم بالحجامة.

مثالٌ آخر: وهو أن النبي –عليه الصلاة والسلام- لما خطب في حجة الوداع بالمدينة «مَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا» هذا النص متقدم على خطبته –عليه الصلاة والسلام- بعرفة بالموقف الذي قال فيها: «وَمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» بدون قطع، هل نقول: نُسخ القطع بالمتأخر؟ هذا مقتضاه -لأنهما نصان متعارضان-، هذا مقتضاه أنه نُسخ القول بالقطع.

لكن من أهل العلم من لحظ ملحظًا آخر يتعلق بالبيان في وقت الحاجة، يعني الأنظار في النصوص المتعارضة، كل عالم ينظر إليها من جهةٍ تهجم على قلبه قبل غيرها، فمنهم من ينظر إليها من حيث التقدم والتأخر، فيقول: النص الذي فيه القطع منسوخ؛ لأنه متقدم على النص الذي ليس فيه قطع، ومنهم من ينظر إليها من جهةٍ أخرى، وهي من جهة الإطلاق والتقييد، فخطبة المدينة فيها التقييد، وخطبة الموقف ليس فيها تقييد، فهي مطلقة، والمطلق يُقيد، يعني أيهما المقدَّم المطلق أم المقيد؟ المقيد بلا شك لا سيما وأن الحكم واحد، والسبب واحد، فيُحمل المطلق على المقيد، وحينئذٍ نقطع أم ما نقطع؟ نقطع، ومن نظر إليها من جهة التقدم والتأخر قال: القطع منسوخ، لاسيما وأن عدم ذكر القطع بالموقف وهو مما يلزم فيه البيان، وقد حضر الخطبة الثانية من لم يحضر الخطبة الأولى، وعدم ذكر القيد في الخطبة الثانية يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان القطع مرادًا لبُيِّن وهذا وقت حاجة؛ لأن الذين حضروا الخطبة الثانية أضعاف من حضر في الخطبة الأولى.

ومن جهةٍ أخرى للطرف الثاني أن يقول: إن البيان حصل، وإذا قامت الحجة بنقله من جهة الثقات العدول، ولو قل عددهم، من يثبت الخبر بنقله يكفي، ولا يلزم أن يكون البيان في كل مناسبة، إذا حصل البيان في مناسبة يكفي ويُحال عليها، والقيد ذُكِر ونُقل، فلا يلزم نقله في كل مناسبة.

فالآن الأنظار عند أهل العلم في تطبيق المسائل، وإن كانوا يتفقون على الأصول، لكن في المسائل في كل مسألة ينظرون إليها بمفردها؛ ولذلك حينما يهجم بعض الطلاب الذين ما عندهم مثل هذه الأمور، فيقولون: خلاص متقدم ومتأخر مثل ما يقولون: خاص وعام، والخاص مقدَّم على العام في بعض القضايا التي هي من عُضل المسائل، ويخرجون منها بسهولة، وهي في الواقع من أصعب المسائل، ولا يقدرها قدرها إلا من رسخ قدمه في العلم، وإلا فبإمكانه أن يقول: والله خطبة عرفة ناسخة لخطبة المدينة، وانتهى الإشكال، لكن يُقابلهم من يقول: إن المطلق يُقيد، يُحمل المطلق على المقيد، هذه قواعد مقررة عند الجميع، لا هذه ولا هذه، لكن الأنظار في مفردات المسائل لكل عالمٍ طريقته ومنهجه، وما يهجم على قلبه أثناء بحث المسألة؛ لأنه قد يهجم على قلبه القول بالنسخ، ويخفى عليه أو يغيب عن باله أو يرى ضعف المقابل.

طالب: لذلك -أحسن الله إليك- توهيم ابن عباس يكون له وجه، ويقوى إذا كان له نظائر في مثل زواج النبي –عليه الصلاة والسلام- من ميمونة وهو مُحرم؟

ابن عباس صحابي، ومن حُفاظ الصحابة معروف، لكنه ليس بالمعصوم، في كل مسألة تُقدر بقدرها، يعنى لمَّا يكون المعارض لابن عباس صاحب الشأن صاحب القصة مثل ميمونة، ومثل أبي رافع السفير بينهما، لا شك أن ابن عباس في مثل هذا يتجه أن يكون قوله أن يكون قد وهِم في نقله وليس بالمعصوم، ومن يعرى من الخطأ والنسيان؟

لكن إذا لم يكن له معارض، وأمكن تصحيح ما نقله الثقات، وأمكن حفظ هؤلاء الثقات من التوهيم، لا شك أن هذا أولى.

طالب: لكن حفظ الصوم يكون إذًا من المقاصد؛ لأنه يترتب عليه إفطار الصائم، يعني هذ الملحظ اللي ألحظه في توهيم ابن عباس؟

لا لا هم قالوا: ما ثبت أن النبي –عليه الصلاة والسلام- صام في حجة الوداع، وشرب اللبن وهم ينظرون في يوم عرفة هو من هذه الحيثية، على كل حال المسألة معروفة والخلاف لن ينحسم، نعم.

طالب: شيخ –أحسن الله إليك- ذكر مسألة "أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر".

نعم قال: "ولذلك أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر" هذا معروف عند جماهير أهل العلم، لكن من أهل التحقيق من يرى جواز ذلك بخبر الواحد إذا صح، هم يقولون: إن الأضعف لا ينسخ الأقوى.

يذكرون من الأمثلة: حبس الزواني أو الزانيات في البيوت {حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء:15] هذا بالنص القطعي في سورة النساء، جاء حديث عُبادة وهو في الصحيح: «خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اَللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، اَلْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّاني جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ» هل نقول: إن حديث عُبادة نسخ الآية أو بيِّن الآية، والآية فيها أمد، وانتهى هذا الأمد بالبيان في حديث عُبادة، هل هذا يُقال: إنه من باب النسخ أم لا؟

طالب:........

هل هو بيان أم نسخ؟ ومن المحققين من يستدل بهذا على أن الآحاد يرفع القطعي.

طالب: من وجه ينطبق عليه حد النَّسخ، الحكم الشرعي الذي في الأول ما هو؟ الحبس.

نعم، لكن عندك يرد على هذا أمور.

الجزية ثابتة بالنص القطعي، إذا جاء المسيح ألغى الجزية، نسخ أو حكمها إلى أمد وانتهى الأمر؟       

طالب: لكن ما يُمكن يكون نسخ معلق وأصلاً الشارع نسخه ابتداءً، إذا ظهرت هذه العلامة ارتفع الحكم؟

إذًا يكون بيان ما يكون نسخ؟

طالب: لكن من حيث......

إذا توسعنا في معنى النَّسخ وأدخلنا فيه النَّسخ الكلي والجزئي ممكن.

"فصل: وهكذا يقال في سائر الأحكام مكية كانت أو مدنية، ويدل على ذلك الوجهان الأخيران، ووجهٌ ثالث، وهو أن غالب ما ادعي فيه النسخ إذا تُؤمِّل وجدته متنازعًا فيه، ومحتملاً، وقريبًا من التأويل بالجمع بين الدليلين على وجه، من كون الثاني بيانًا لمُجمل، أو تخصيصًا لعموم، أو تقييدًا لمطلق، وما أشبه ذلك من وجوه الجمع مع البقاء على الأصل من الإحكام في الأول والثاني".

ويُطلق كثيرٌ من السلف على هذه الوجوه المذكورة أنها نسخ، يطلقون على بيان المُجمل نسخ، ويُطلقون على التخصيص والتقييد نسخ.

هو صحيح أنه نسخ من جهة، ورفع جزئي وليس بكلي للحكم ومن هذه الحيثية نسخ، ووجِد في تعابير السلف مثل هذا، لكن النسخ بمعناه الأخص وهو الرفع الكلي للحكم لا تدخل فيه هذه الأمور.

"وقد أسقط ابن العربي من الناسخ والمنسوخ كثيرًا بهذه الطريقة، وقال الطبري: أجمع أهل العلم على أن زكاة الفطر فُرضت، ثم اختلفوا في نسخها.

قال ابن النحاس: فلما ثبتت بالإجماع، وبالأحاديث الصحاح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجز أن تُزال إلا بالإجماع أو حديثٍ يزيلها ويُبين نسخها، ولم يأت من ذلك شيء. انتهى المقصود منه.

ووجهٌ رابع يدل على قِلة المنسوخ وندوره".

النَّسخ.

"يدل على قِلة النَّسخ وندوره أن تحريم ما هو مباح بحكم الأصل ليس بنسخٍ عند الأصوليين كالخمر والربا؛ فإن تحريمهما بعد ما كانا على حكم الأصل لا يُعد نسخًا لحكم الإباحة الأصلية؛ ولذلك قالوا في حد النسخ: إنه رفع الحكم الشرعي بدليلٍ شرعيٍّ متأخر، ومثله رفع براءة الذمة بدليل".

"مثله" وهل المثل يدخل في الحد أو لا يدخل؟ لأنه قال: "حد النسخ إنه رفع الحكم الشرعي بدليلٍ شرعيٍّ متأخر" وهل يلزم أن يكون الحكم الشرعي الأول ثابتًا بدليل؟ وهل إقرار الحكم الثابت بالبراءة الأصلية إقرار البراءة الأصلية هل يُسمى حكمًا شرعيًّا ثابتًا بدليل أو لا؟ الإقرار يُستمر.

طالب: هو أنه دليل.

يعني ما ثبت بالبراءة الأصلية هل نقول: إنه حكم شرعي؛ لأنه ثبت بالإقرار فإذا رُفِع نقول: نسخ؟ إذا قررنا أنه حكم شرعي انظر الحكم "إنه رفع الحكم الشرعي بدليلٍ شرعيٍّ متأخر" إذا قلنا: البراءة الأصلية يعني ثبت الحكم الذي تضمنته بالإقرار قلنا: حكم شرعي ورفعها نسخ، وإذا قلنا: إن بقاء الأصل، بقاء ما كان على ما كان على البراءة الأصلية ليس بحكم؛ لأنه قال: "ومثله رفع براءة الذمة بدليل" قال: "ومثله" يعني ما أدخله في الحكم.

طالب:.......

هو كونه حكمًا شرعيًّا لا بُد أن يكون بدليلٍ شرعي.

طالب:.......

ما فيه إلا الإقرار، ما تثبته...

طالب:.......

إقرار ما كان عليه الناس إلى أمد، ثم جاء دليل شرعي يرفع هذا الإقرار، يرفع ما كانوا عليه.

فإذا قلنا: إن الإقرار دليل، ومعلومٌ أن السُّنَّة المضافة إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- ما كان منها بقول أو فعل أو تقرير، فما نحتاج إلى دليلٍ شرعي، الحكم ثابت شرعي ما نحتاج إلى دليلٍ شرعي.

وإذا أردنا أن نرفع ما رفع البراءة الأصلية والبراءة الأصلية التي رُفِع حكمها من حد النسخ لا بُد أن نقول بدليل.

طالب:.......

معروفة..معروفة.

طالب:.......

بقوله: ورفعوا الحكم القطعي الذي كانوا عليه.

المسألة في تقابل وتكافؤ الآحاد مع القطعي مسألة خلافيةٌ بين أهل العلم، وفي إفادة خبر الواحد القطع أو الظن معلومٌ الكلام الكثير فيه، والجمهور على أنه يُفيد الظن، فكيف يُرفع القطعي بالظني في خبر تحويل القبلة؟ انفصل عن هذا الاعتراض باختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر وجمع من أهل العلم: إن خبر الواحد إذا احتفت به قرينة أفاد القطع، وهذا الخبر الذي نقله المُخبر الواحد لأولئك المصلين الذي يُصلون إلى جهةٍ ثابتةٍ عندهم بالقطع، وتحولهم عنها بمجرد خبره؛ نقول: لأنه احتف بقرينة، والقرينة ما عرفوه من حاله– عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتشوَّف لتحويل القبلة؛ ولذا قال الله -جلَّ وعلا-: { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [البقرة:144] هذه قرينة، والله-جلَّ وعلا- يستجيب لرغبته –عليه الصلاة والسلام- فما كان عندهم تردد في قبول الخبر؛ لِما احتف به من القرينة.

"وقد كانوا في الصلاة يكلم بعضهم بعضًا إلى أن نزل: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين} [البقرة:238] وروي أنهم كانوا يلتفتون في الصلاة إلى أن نزل قوله: {الَّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2] قالوا: وهذا إنما نسخ أمرًا كانوا عليه، وأكثر القرآن على ذلك، معنى هذا أنهم كانوا يفعلون ذلك بحكم الأصل من الإباحة، فهو مما لا يُعد نسخًا، وهكذا كل ما أبطله الشرع من أحكام الجاهلية.

فإذا اجتمعت هذه الأمور، ونظرت إلى الأدلة من الكتاب والسُّنَّة؛ لم يتخلص في يدك من منسوخها إلا ما هو نادر، على أن هاهنا معنى يجب التنبه له؛ ليُفهم اصطلاح القوم في النسخ، وهي: المسألة الثالثة".

قف عليها.

هذا يقول: هل يُلجأ إلى النَّسخ بمجرد معرفة المتقدم والمتأخر، وإن أمكن الجمع فهل يُلجأ إلى النَّسخ مع إمكانية الجمع، مثل: مسألة الحجامة للصائم، فالجمع ممكنٌ بأن الفطر يكون فقط إذا أدت الحجامة إلى الضعف والوهن، أما ما دون ذلك فلا تُفطِّر، وفي هذا إعمال الأدلة كلها، فهل يصح مثل هذا الجمع؟

إذا أدت الحجامة إلى الضعف يلزم عليه أن كل ما يؤدي إلى الضعف يُفطِّر، عمل الصائم في الأعمال الشاقة التي تُتعبه مع طول النهار وشدة الحر يُفطِّر أم ما يُفطِّر؟

طالب:........

هذا إذا احتاج، ومثله الحجامة، فلا يُقال بمثل هذا، إن كان المراد أن المحجوم مآله إلى الفطر؛ لأنه سوف يضعف ويفطر، هل مقتضى هذا أن تكون مُفطرة، وإذا كان الضعف والوهن بالنسبة للمحجوم، فماذا عن الحاجم؟ وفي الحديث «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

طالب:........

كلما أمكن حفظ النص من الإهمال فإنه لا يجوز أن يُتعدى إلى سواه أو إلى غيره.

طالب:........

ما يخالف، البعض أسهل من الكل؛ ولذلك إذا أمكن الجمع بالتقييد أو بالتخصيص، وفيه رفع للحكم من بعض الصور، من بعض الأفراد، وبعض الأوصاف ما يُتردد فيه.