كتاب الغسل (04)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ.

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما-، قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنها- قَالَتْ: «صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ"، المضمضة والاستنشاق، المضمضة إدخال الماء وتحريكه ثم مجه، ومنهم من لا يدخل المج في حد المضمضة، فلو ابتلعه لصح أنه على هذا القول تمضمض، إذا أدخل في فمه وحرَّكه بشدقيه ولسانه، ثم مجه هذا على حد الأول، وهو القول الأكثر، وعلى القول الثاني أن المج لا يدخل في حد المضمضة فيصدق أنه تمضمض ولو لم يمجه لو ابتلعه. والاستنشاق: جذب الماء إلى الأنف بالنفس، والاستنثار: إخراجه من الأنف بالنفس أيضًا. فعندنا مضمضة واستنشاق واستنثار، وبعضهم يكني بالاستنثار عن الاستنشاق؛ لأنه من لازمه، ما يمكن أن يستنثر إلا إذا استنشق. وعلى كل حال العلماء يختلفون في المضمضة والاستنشاق فيما كان في الوضوء أو في الغسل، مع أن ما جاء فيهما في الغسل أكثر، وما جاء في الاستنشاق أكثر مما جاء في المضمضة. ويختلفون هل من مسمى الوجه الواجب غسله، المفترض غسله بالنص بالكتاب والسنة، هل من مسماه الأنف والفم فيكون تبعًا له وجزءًا منه؟ أو ليس من مسماه فلا يدخل في وجوب غسل الوجه المبين بفعله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لمجمل ما جاء في الكتاب.

فالذين يقولون: هما جزآن من الوجه «سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره»، فيكون السمع والبصر من الوجه، مع أن الخلاف، يعني هذا في الخلاف في مسح الأذنين، يأتي هذا في الخلاف في مسح الأذنين. النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- تمضمض، وجاء عنه: «إذا توضأت فمضمض»، وجاء عنه: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا». الذين يقولون: ليس من الوجه؛ لأن الوجه ما تحصل به مواجهة، ولا تحصل مواجهة بالأنف والفم، بمعنى أنك لو استقبلت شخصًا فاغرًا فاك لا يقال واجهه، فليس من الوجه، وليس من المواجهة. والذين يقولون بوجوب المضمضة والاستنشاق يقولون: يكفينا ما جاء عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بيانًا للمجمل في الآية. وهنا في الجنابة، وأما ما يتعلق بالمضمضة والاستنشاق في الوضوء فقد تقدم.

يقول -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي" حفص بن غياث، "قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ" سليمان بن مهران، "قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ" ابن أبي الجعد، "عَنْ كُرَيْبٍ" مولى ابن عباس، "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ" أم المؤمنين خالة ابن عباس، بنت الحارث "قَالَتْ: «صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً»" يعني ماءً يغتسل به. هناك في الوُضوء: «وَضوءًا»، والوَضوء هو الماء. والغُسل هنا يراد به الماء الذي يُغتسل به. "

«فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا»"، أفرغ بيمينه سواء كان أكفأ الإناء بيمينه على يده اليسرى فغسلهما، أو اغترف بيمينه فأفرغ بها على يده الشمال اليسار "«فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ»"، وهنا يتعين غسل الفرج قبل الوضوء وقبل الغسل إذا كان عليه ما يوجب الغَسل من نجاسة من أثر حدث أو من قذر، فيغسل الفرج وما لوَّثه.

 "«ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ»" قال بيده، يعني ضرب بيده الأرض "«فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ»"، وهذا من إطلاق القول على الفعل، وهذا كثير، كما أنه يأتي إطلاق الفعل على القول، "«ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ»" وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة، "«ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى»"، «وأفاض على رأسه» يعني أنه عمم بدنه بالماء؛ لأنه إذا أفاض على رأسه نزل على بقية بدنه، "«ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ»". جاءت الأحاديث المجملة أنه قبل الغسل يتوضأ وضوءه للصلاة، وجاء فيها أنه يبقي غسل الرجلين، ثم بعد ذلك إذا اغتسل تنحى كما هنا: "«ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا»"، يعني لم يتنشف بها، التنشف يطلق عليه انتفاض مثل ما يحصل من نفض اليدين لإزالة الماء العالق بهما، والمنديل يزيل الماء، وسمي نفضًا لجامع إزالة الماء.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب المضمضة والاستنشاق في الجنابة" أي في غسل الجنابة، والمراد هل هما واجبان فيه أم لا؟ وأشار ابن بطال وغيره إلى أن البخاري استنبط عدم وجوبهما من هذا الحديث؛ لأن في رواية الباب الذي بعده في هذا الحديث: «ثم توضأ وضوءه للصلاة»، فدل على أنهما للوضوء، وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب، والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء، فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه، ويُحمل ما روي من صفة غسله -صلى الله عليه وسلم- على الكمال والفضل".

إذا كان الوضوء غير واجب مع الغسل؛ لأن الغسل المجزئ أن يعمم بدنه بالماء ولو لم يتوضأ، والوضوء قبله محمول على الاستحباب. وإذا كان هذا الوضوء للاستحباب فأفراده مستحبة أو واجبة، التي منها المضمضة والاستنشاق؟

طالب: مستحبة.

ماذا؟

طالب: ....... على الاستحباب.

يعني لو توضأ وضوءه للصلاة وترك يدًا، ماذا نقول؟

طالب: .......

ما اكتمل وضوؤه. أنا أريد أن أقرر أنه ليس كل ما يُستحب بعمومه يستحب بأفراده، الذي يتوضأ وضوءه للصلاة أو يتوضأ قبل الغسل ولا يغسل وجهه مثلاً. طيب إذا طاف طوافًا مندوبًا وقال: أنا لن أصلي ركعتين؛ لأن أصل الطواف مندوب. ماذا يقال له؟

طالب: .......

طوافه صحيح، لكن هل تم أمره؟ يعني من لوازم الطواف الركعتين، وبعض العلماء يقول: إذا كان الطواف واجبًا فالركعتان واجبتان، ولأنه عند أهل العلم يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً، من أهل العلم من يرى وجوب الركعتين إذا شرع في الطواف، كما أنه إذا شرع في الطواف وهو مسنون أو في الحج وهو مسنون أو في العمرة وهو مسنون يلزمه الإتمام، ويلزم إتمام توابعه التي لا تنفك عنه. فهنا إذا كان الوضوء مسنونًا، إذا كان يوافق على أنهما واجبان في الوضوء الواجب، إن كان يوافق ابن بطال إذا كان يوافق على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء الواجب.

طالب: .......

إذا كان يراه في الوضوء الواجب، ففي المستحب نفس الشيء؛ لأنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً، لأن الإخلال بشيء من الوضوء الشرعي عبث. للإنسان أن يقول: أنا أصلي ركعتين، ثم بعد ذلك يقول: السجدة الأخير ما أنا بساجد. الصلاة سنة، يجوز؟ يقول: الصلاة أصلها سنة، تطوع، أريد أن أترك جزءًا منها، يجوز له ذلك؟ ما يجوز؛ لأنه إذا شرع في عبادة فلا بد أن يأتي بها على الوجه الشرعي، وأما إذا أخلَّ بشيء منها باعتبار أنها في الأصل ندب هذا تلاعب في الشرع، وهذا كلامه: "قام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب، والمضمضة والاستنشاق من توابع الوضوء"، لكن ليس من أركان الوضوء المستحب، ليس من أركانه غسل الوجه؟

طالب: .......

إذا قلنا بوجوبهما في الوضوء الواجب يلزم الإتيان بهما في الوضوء المستحب ليكون شرعيًّا، أما عبثًا تأتي ما تريد، وتترك ما تريد باعتبار أن الأصل مندوب؟ نظير ما قلنا في ركعة من صلاة مستحبة أو سجدة في صلاة، «المتطوع أمير نفسه» حُر يسجد أو ما يسجد؟ نقول: لا، بل تسجد؛ لأنك دخلت في هذه العبادة تأتي بها على وجهها الشرعي وإلا تكون حينئذٍ ابتدعت.

المضمضة والاستنشاق معروف الخلاف فيهما بين أهل العلم سواء كانا في الوضوء أو كانا في الاغتسال، وأشرنا إلى شيء منها.

طالب: .......

على أن الوضوء مع الغسل.

طالب: .......

ذكر الخلاف، معروف الخلاف موجود، لكن على تسليم الإجماع.

طالب: "قوله: "حدثنا عمر بن حفص" أي ابن غياث كما ثبت في رواية الأصيلي. قوله: «غُسلاً» بضم أوله، أي ماء الاغتسال كما سبق في باب الغسل مرةً. قوله: «ثم قال بيده الأرض» كذا في روايتنا، وللأكثر: «بيده على الأرض»، وهو من إطلاق القول على الفعل، وقد وقع إطلاق الفعل على القول في حديث: «لا حسد إلا في اثنتين» قال فيه في الذي يتلو القرآن: «لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت مثل ما يفعل»".

وهو قول، قراءة القرآن يقول: «لفعلت» وهو قول، ولا شك أن القول فعل اللسان، لكنه من باب التقسيم القول قسيم للفعل وليس بقسم منه.

طالب: "وسيأتي في باب نفض اليدين قريبًا من رواية أبي حمزة عن الأعمش في هذا الموضع، «فضرب بيده الأرض» فيفسَّر «قال» هنا بـ«ضرب».

قوله: «ثم تنحى» أي تحول إلى ناحية".

في الغالب أنه إذا تنحى إنما هو لوجود ما يلوث في المكان، وهذا موجود في السابق أماكن من الطين، فإذا ابتلت بالماء لوثت القدم، فيتنحى عن هذا المكان فيغسل قدميه ليزيل هذا الأثر.

طالب: "قوله: «فلم ينفض بها»، زاد في رواية كريمة: قال أبو عبد الله يعني لم يتمسح، وأنَّث الضمير على إرادة الخرقة؛ لأن المنديل خرقة مخصوصة، وسيأتي في باب من أفرغ على يمينه. قالت ميمونة: فناولته خرقةً. وبقية مباحث الحديث تقدمت في باب الوضوء قبل الغسل".

نعم.

طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِتَكُونَ أَنْقَى.

 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، عَنْ مَيْمُونَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الحَائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»".

يقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِتَكُونَ أَنْقَى"، صاحب بذل المجهود يقول: إن مسح اليد بالأرض أو بالحائط يزيل الرائحة مما لا يزيله الماء بمفرده، فإذا مسح يده بالتراب أو بالحائط أو بالأرض زالت الرائحة ثم أتبعه الماء. ولا شك أنه أنقى من مجرد الماء، ولذا يقول البخاري: "بَابُ مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِتَكُونَ أَنْقَى"، ولئلا يباشر عين النجاسة.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الحُمَيْدِيُّ" شيخ البخاري في أول حديث من أحاديث الصحيح، وهو مكي، "قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عيينة، وهو شيخ الحميدي في أول حديث، "قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ" وبينا مرارًا أن عبد الله بن الزبير الحميدي هذا شيخ البخاري غير الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين، ويوجد من بعض من يدعي التحقيق، ويتطاول على كتب أهل العلم من يترجم لهذا في موضع هذا وهذا في موضع ذاك، وهذا جهل، كيف يكون هذا شيخ البخاري ويصنف في الجمع بين الصحيحين؟ مثل ما قلنا ممن ترجم لأبي موسى راوي حديث: «في آخر الزمان يكثر الهرج»، قال أبو موسى: والهرج بلسان الحبشة القتل، ثم ترجم لأبي موسى المديني المتوفى سنة 560، والكلام في صحيح البخاري. يوجد مثل هذا من بعض المتطاولين على كتب العلم. ووجد في مكتبات كتب يدعى تحقيقها وفيها ما يضحك الجهال فضلاً عن طلاب العلم: باب جزء القراءة خلف الصلاة! كتاب الإمام البخاري، كتاب جزء القراءة خلف الصلاة! تجيء؟

 كتاب البخاري جزء القراءة خلف الإمام. والعنوان الكبير هذا غلط، وما الباقي؟ ماذا يصير الباقي؟ يوثّق بمثل هذه المطابع ومثل هؤلاء الذين يدعون تحقيق الكتب؟ الآن يوجد في المطابع اللبنانية وغيرها ممن يطبع الكتب ويتولى طباعة الكتب بنات من غير المسلمين، ومع الأسف أنهم يطبعون مصاحف، من بنات النصارى يطبعون مصاحف وتطلع مشوهة، وتطبع الكتب وحدث ولا حرج.

ومن الدعاوى العريضة التي وُجدت في الكتب الموجودة في المكتبات، طالعت كتابًا مكتوب عليه: تحقيق وتعليق فلان، أبحث في الكتاب، أدور عن حرف تعليق ما وجدت، ولا حرف تعليق، ولا فيه مقابلة نسخ، فمن أين جاء التحقيق والتعليق؟ وليته اكتفى بهذا، جاء إلى التصويب الخطأ والصواب في الآخر قال: صفحة العنوان خطأ، تحقيق وتعليق صواب: تحقيق وشرح! هذا استغفال للناس، والله استغفال لعقول الناس. فمثل هذه المطابع، ومثل هؤلاء المدعين الأدعياء على التحقيق يوثق بهم؟ يزاحمون كتب العلم، يزاحمون الأعمال المتقنة المجودة، ثم يأتي طالب العلم يتلقى ويأخذ مثل هذا الكتاب، ويكون تعلمه على هذه الكتب، لا سيما إن كان يقرأ من الكتب، ولا يحضر دروسًا ولا شيء.

قال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الحُمَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ" سليمان بن مهران، "عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" وهذا تقدم في السند الماضي، "عَنْ مَيْمُونَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ»" بيده يعني اليسرى، ولا يقوم مقامها شيء، وهذا من مباشرة النجاسة المعفو عنها، لأنها لا بد منها. "«ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الحَائِطَ، ثُمَّ غَسَلَهَا»"، قد يقول قائل: قد يعلق بالحائط شيء من أثر النجاسة، ويبقى لونها وتبقى رائحتها، وهذا خلاف النظافة المأمور بها. لكن هذا فعله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وهو المشرع، وهو القدوة والأسوة، ومع ذلك يأتيه ما يأتي ما يعقبه ويزيله.

 "«ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ»"، «توضأ وضوءه للصلاة» مقتضاه أنه وضوء كامل بما في ذلك غسل الرجلين، لكنه قال في آخره: "«فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ»"، فوضوؤه للصلاة يطلق على الغالب، وأنه ما عدا غسل الرجلين، فلما اغتسل غسل رجليه، تنحى إلى مكان آخر كما في الرواية السابقة فغسل رجليه.

طالب: .......

الأصل أنها من الباطن؛ لأن الأصل أنها لا تفتح.

طالب: .......

إذا كانت من الظاهر قلنا: يلزم، لكن ظاهر الأمر أنها ليست من الظاهر، وأنه لا يكون الفم ظاهرًا حتى يُفغر، ما دام مغلقًا ما هو بظاهر. الناحية الشرعية التي فسّرها فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين المجمل في الآية يدل على أنها منه، وحقيقتها تكون شرعية حينئذٍ.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى"، أي لتصير اليد أنقى منها قبل المسح.

قوله: "حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي" كذا في روايتنا، واقتصر الأكثر على: حدثنا الحميدي، و"سفيان" هو ابن عيينة".

"كذا في روايتنا" وعرفنا مرارًا أن الحافظ يعتمد رواية أبي ذر، ويشير إلى ما عداها، فقال: "في روايتنا" والمراد بها رواية أبي ذر، "واقتصر الأكثر" من الرواة "على: حدثنا الحميدي" فقط، كما جاء الخلاف في أول حديث.

طالب: "قوله: «فغسل فرجه» هذه الفاء تفسيرية وليست تعقيبيةً؛ لأن غسل الفرج لم يكن بعد الفراغ من الاغتسال".

«واغتسل من الجنابة فغسل فرجه» يقول: هذه تفسيرية، وقد يقال لها: الفصيحة، وهي التي تفصح بما بعدها بيانًا لما قبلها. ومثل هذه الفاء قد يدرس الطالب، طالب العلم في مراحل التعليم النظامي من أول سنة إلى آخر سنة ما تمر عليه، لماذا؟ لأنا تركنا الكتب المعتمدة عند أهل العلم والمرتبة على طبقات المتعلمين، وإلا فالآجرومية وشروحها موجودة. فلا بد من الرجوع على طبقات المرتبة للمتعلمين، الطبقة الأولى، الثانية، الثالثة، فيمر عليك أشياء في كتب الطبقة الأولى لا تمر عليك في كبار المؤلفات، يعني في شرح الكفراوي أشياء ما تخطر على بال طالب العلم الآن، وهو مقرر على أولى ابتدائي، ويمر في شرح العشماوي أشياء ما تمر على من اقتصر على الكفراوي، وهكذا، وهي كتب صغيرة يقرؤها طالب العلم في أسبوع أو أقل أو أيام.

طالب: "وقد تقدمت مباحث هذا الحديث أيضًا، ومن فوائد هذا السياق الإتيان فيه بثُم الدالة على ترتيب ما ذُكر فيه من صفة الغسل".

نعم.

طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: هَلْ يُدْخِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الجَنَابَةِ؟ وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، قال: أَخْبَرَنَا أَفْلَحُ، عَنِ القَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها-، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ».

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها-، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ».

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها-، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ». وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنها- مِثْلَهُ.

حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ». زَادَ مُسْلِمٌ، وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ: «مِنَ الجَنَابَةِ»".

يقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: هَلْ يُدْخِلُ الجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا، إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الجَنَابَةِ؟"، وأن ما على يده من أثر الجنابة طاهر، فإذا أدخله في الإناء لم يؤثر. "إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الجَنَابَةِ"، فأثر الجنابة طاهر، ولا يؤثر في الماء إذا أدخل يده. يعني ما حكمه؟ هل يُدخل الجنب يده قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة أو لا يدخلها؟ "وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ"، وعادة البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- أنه إذا جاء بالترجمة على سبيل التردد ولم يجزم بشيء، فالراجح عنده ما يذكره بعده من أثر.

هنا قال: "هل يدخل" فقط، أورده على سبيل التردد ولم يرجح، لكن الراجح عنده مما ظهر بالاستقراء أنه إذا أردفه بأثر عن صحابي فإنه يكون هو الراجح عنده. "وأدخل ابن عمر والبراء بن عازب يده في الطهور ولم يغسلها ثم توضأ"، يعني أنه يجوز أن يدخل يده في الطهور وإن كان فيها شيء من أثر الجنابة. "وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الجَنَابَةِ"، يعني الرشاش الذي يتناثر من بدن المغتسل على الماء الذي يغتسل منه، ما فيه بأس؛ لأنه ليس بنجس، وإن كان بعض الحنفية يرون أن المستعمل نجس، يرى بعض الحنفية، رواية عند الحنفية معروفة أن الماء المستعمل نجس. ولا شك أن هذا مستعمل، لكنه ليس بنجس، «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم»، وفي رواية: «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة»، أو «منه». فدلالة الاقتران تدل على أن الاغتسال بالماء الدائم مثل البول في الماء الدائم، وبهذا استدل بعض الحنفية على نجاسة الماء المغتسل فيه. ولكن دلالة الاقتران عند أهل العلم ضعيفة، ولذا جمهور أهل العلم لا يرون أنه ينجس، على خلاف بينهم هل يتأثر أو لا يتأثر؟ فالحنابلة والشافعية قالوا: إذا كان قليل وتغير اسمه بما يضاف عليه أو كان باشره شيء من النجاسة ولو قلت ولو لم يتغير من أوصافه شيء كما هو معروف، عندهم ينجس. لكن المرجح واختاره أو ما ذهب إليه الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام أنه لا ينجس إلا إذا تغير. "ولم ير ابن عمر وابن عباس بأسًا بما ينتضح من غسل الجنابة" أي يتطاير من جسد المغتسل ويعود إلى الإناء الذي يغتسل منه، ما يرون فيه بأسًا. والاحتراز من مثل هذا فيه مشقة.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ" ابن قعنب القعنبي وهو من الرواة عن مالك، وله أيضًا موطأ من الموطآت، "قال: حدثنا أَفْلَحُ" وهو ابن حميد، "عَنِ القَاسِمِ" ابن محمد، "عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ»" الضمير «أنا» ضمير فصل يؤتى به لتصحيح العطف على الضمير المتصل، فلا يقال: كنت أغتسل والنبي- صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه في هذه الحال لا بد من الفصل بأي فاصل، لكن الضمير المتصل هو أكثر ما يُفصل به،

وإن على ضمير رفع متصل          عطفتَ فافصل بالضمير المنفصل

 أو فاصل ما وبلا فصل يرد              في النظم فاشيًا وضعفه اعتقد

 «كنت أغتسل أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- من إناء واحد، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ»، مرة تسبقه، ومرة يسبقها. وقدمت ضميرها على النبي -صلى الله عليه وسلم-، تقول: «كنت أغتسل أنا»؛ لأن الأصل تقديم المتكلم على الغائب، المتكلم ثم المخاطب ثم الغائب ، هذا الأصل في ترتيب الضمائر.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب هل يدخل الجنب يده في الإناء"، أي الذي فيه ماء الغسل، "قبل أن يغسلها" أي خارج الإناء، "إذا لم يكن على يده قذر" أي من نجاسة وغيرها، "غير الجنابة" أي حكمها؛ لأن أثرها مختلف فيه فدخل في قوله: "قذر"، وأما حكمها فقال المهلب: أشار البخاري إلى أن يد الجنب إذا كانت نظيفةً جاز له إدخالها الإناء قبل أن يغسلها؛ لأنه ليس شيء من أعضائه نجسًا بسبب كونه جنبًا. قوله: "وأدخل ابن عمر والبراء بن عازب يده" أي أدخل كل واحد منهما يده، وفي رواية لأبي الوقت: يديهما، بالتثنية. قوله: "في الطَّهور" بفتح أوله أي الماء المُعَد للاغتسال".

وكيف يستقيم قوله: "وأدخل ابن عمر والبراء بن عازب يده"، يد واحدة للاثنين، أو يد المتأخر ويضمَر للمتقدم خبر أو مفعول، وأدخل ابن عمر يده والبراء بن عازب يده، وهذا معروف.

طالب: "وأثر ابن عمر وصله سعيد بن منصور بمعناه، وروى عبد الرزاق عنه أنه كان يغسل يده قبل التطهر، ويُجمع بينهما بأن يُنزلا على حالين، فحيث لم يغسل كان متيقنًا أن لا قذر في يده، وحيث غسل كان ظانًّا أو متيقنًا أن فيها شيئًا، أو غسل للندب وترك للجواز. وأثر البراء وصله ابن أبي شيبة بلفظ: أنه أدخل يده في المِطهرة قبل أن يغسلها، وأخرج أيضًا عن الشعبي قال: كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلون أيديهم الماء قبل أن يغسلوها وهم جنب.

قوله: "ولم ير ابن عمر وابن عباس" أما أثر ابن عمر فوصله عبد الرزاق بمعناه، وأما أثر ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة عنه وعبد الرزاق من وجه آخر أيضًا عنه. وتوجيه الاستدلال به للترجمة: أن الجنابة الحكمية لو كانت تؤثر في الماء لامتنع الاغتسال من الإناء الذي تقاطر فيه ما لاقى بدن الجنب من ماء اغتساله".

"وتوجيه الاستدلال به للترجمة: أن الجنابة الحكمية لو كانت تؤثر في الماء لامتنع الاغتسال من الإناء الذي تقاطر فيه ما لاقى بدن الجنب من ماء اغتساله"، ولكن في الترجمة ما يدل على خلاف ذلك عن ابن عمر وابن عباس، ويصعب التحرز منه لا سيما حينما كان الاغتسال في الأواني من الأواني، أما الآن فما فيه محظور.

طالب: "ويمكن أن يقال: إنما لم يرَ الصحابي بذلك بأسًا؛ لأنه مما يشق الاحتراز منه، فكان في مقام العفو كما روى ابن أبي شيبة عن الحسن البصري قال: ومن يملك انتشار الماء؟ إنا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا".

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "حدثنا عبد الله بن مسلمة" زاد مسلم: ابن قعنب. قوله: "حدثنا"، ولكريمة: أخبرنا "أفلح" وهو ابن حميد كما رواه مسلم، ولم يخرج البخاري عن أفلح بن سعيد شيئًا".

وتعيينه بأفلح بن حميد وإن كان في طبقته أفلح بن سعيد؛ لأن البخاري لم يُخرج عن أفلح بن سعيد، فتعين أن يكون المراد أفلح بن حميد.

طالب: "و"القاسم" هو ابن محمد، وقد تقدم هذا المتن في باب غسل الرجل مع امرأته من طريق أخرى مع مغايرة في آخره، وزاد مسلم في آخره: من الجنابة أي لأجل الجنابة، ولأبي عوانة وابن حبان من طريق ابن وهب عن أفلح أنه سمع القاسم يقول: سمعت عائشة، فذكره وزاد فيه: «وتلتقي»، بعد قوله: «تختلف أيدينا فيه»، وللبيهقي من طريقه: «تختلف أيدينا فيه» يعني وتلتقي، وهذا يشعر بأن قوله: «وتلتقي» مدرج، وسيأتي في باب تخليل الشعر من وجه آخر عنها: «كنا نغتسل من إناء واحد نغترف منه جميعًا»، فلعل الراوي قال: «وتلتقي» بالمعنى، ومعنى «تختلف» أنه كان يغترف تارةً قبلها وتغترف هي تارةً قبله، ولمسلم من طريق معاذة عن عائشة: «فيبادرني حتى أقول دع لي»، زاد النسائي: «وأبادره حتى يقول دعي لي».

 وفي هذا الحديث: جواز اغتراف الجنب من الماء القليل، وأن ذلك لا يمنع من التطهر بذلك الماء ولا بما يفضل منه، ويدل على أن النهي عن انغماس الجنب في الماء الدائم إنما هو للتنزيه كراهة أن يُستقذر، لا لكونه يصير نجسًا بانغماس الجنب فيه؛ لأنه لا فرق بين جميع بدن الجنب وبين عضو من أعضائه. وأما توجيه الاستدلال به للترجمة فلأن الجنب لما جاز له أن يُدخل يده في الإناء ليغترف بها قبل ارتفاع حدثه لتمام الغسل كما في حديث الباب؛ دل على أن الأمر بغسل يده قبل إدخالها ليس لأمر يرجع إلى الجنابة، بل إلى ما لعله يكون بيده من نجاسة متيقَّنة أو مظنونة".

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ" ابن مسرهد، "قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ" هو أبو زيد، "عَنْ هِشَامٍ" ابن عروة، "عَنْ أَبِيهِ" عروة بن الزبير، "عَنْ عَائِشَةَ" خالته -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، "قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ»" يعني قبل أن يبدأ بالغسل يغسل فيفرغ على يده اليسرى بيده اليمنى، كما تقدم.

ثم قال: "حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ" وهو الطيالسي هشام بن عبد الملك، "قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ" هو ابن الحجاج، "عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ»" كما تقدم. "وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ" يعني ورد من أكثر من طريق عن عائشة -رَضِيَ اللهُ عَنها-.

ثم قال: "حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ" وهو الطيالسي أيضًا، "قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ" وهو ابن الحجاج، "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ»" وهذا متلقى عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أو عن نسائه؛ لأن أنسًا لا يحضر مثل هذا الفعل. "زَادَ مُسْلِمٌ، وَوَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ: «مِنَ الجَنَابَةِ»" «يغتسلان من الجنابة من إناء واحد» وهذا تقدم من أقوال نسائه من ميمونة وعائشة -رضي الله عنهما-. نعم.

 طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "حدثنا مسدد قال: حدثنا حماد" هو ابن زيد، ولم يسمع من حماد بن سلمة، و"هشام" هو ابن عروة.

قوله: «غسل يده» هكذا أورده مختصرًا، وقد أخرجه أبو داود تامًّا عن مسدد بهذا السند، لكن قال: «يديه» بالتثنية، وزاد: «يصب على يده اليمنى» أي من الإناء، «فيغسل فرجه يفرغ على شماله ثم يتوضأ وضوءه للصلاة» الحديث".

نعم، تطلق اليد ويراد بها اليدان من باب الجنس، وإذا قيل: «غسل يديه» تأكدت الحقيقة، ولكن اليد يراد بها الجنس.

طالب: "وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طرق عن حماد بن زيد، وسيأتي نحوه".

«لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء»، والرواية الأخرى: «ليس على عاتقيه منه شيء»، فيحمل العاتق على الاثنين؛ لأن المراد جنس العاتق، وإن استنبط بعضهم من الحديث أنه يكفي أن يستر أحد المنكبين.

طالب: "وسيأتي نحوه من وجوه أخر عن هشام في باب تخليل الشعر، قال المهلب: حمل البخاري أحاديث الباب التي لم يذكر فيها غسل اليدين قبل إدخالهما على حال تيقن نظافة اليد، وحديث هشام يعني هذا على ما إذا خشي أن يكون علق بها شيء، فاستعمل من اختلاف الحديثين ما جمع بينهما ونفى التعارض عنهما، انتهى. ويمكن أن يُحمل الفعل على الندب والترك على الجواز، أو يقال: حديث الترك مطلق، وحديث الفعل مقيد، فيحمل المطلق على المقيد؛ لأن في رواية الفعل زيادةً لم تذكر في الأخرى".

لا سيما مع اتحاد الحكم والسبب، فإنه يحمل المطلق على المقيد، والحديث واحد والصورة واحدة والواقعة واحدة، وحينئذٍ يطلق المطلق على المقيد. والجمع الأول يُحمل الفعل على الندب، يعني فعل من باب الاستحباب وتركه لبيان الجواز، وهذا أيضًا مسلك معروف عند أهل العلم.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "حدثنا أبو الوليد" هو الطيالسي".

واسمه هشام بن عبد الملك.

طالب: "قوله: «من جنابة»، وللكشميهني: «من الجنابة» أي لأجل الجنابة.

قوله: "وعن عبد الرحمن بن القاسم" هو معطوف على قوله: "شعبة عن أبي بكر بن حفص"، فلشعبة فيه إسنادان إلى عائشة حدَّثه أحد شيخيه به عن عروة، والآخر عن القاسم، وقد وهم من زعم أن رواية عبد الرحمن معلقة، وقد أخرجها أبو نعيم والبيهقي من طريق أبي الوليد بالإسنادين وقالا: أخرجه البخاري عن أبي الوليد بالإسنادين جميعًا، وكذا قال ابن مسعود وغيره".

أبو مسعود.

"أبو مسعود وغيره في الأطراف".

"أبو مسعود" الدمشقي "في الأطراف". نعم.

طالب: "قوله: "مثله" أي مثل المتن المذكور، وللأصيلي: بمثله، بزيادة موحدة في أوله".

وإذا قيل: بمثله، فهو بلفظه، وإذا قالوا: بنحوه، فهو بمعناه.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "حدثنا أبو الوليد" هو الطيالسي أيضًا، وهذا إسناد ثالث له عن شعبة أيضًا في هذا المتن لكن من طريق صحابي آخر، وهذا الإسناد بعينه تقدم لمتن آخر في باب علامة الإيمان.

قوله: «والمرأة» يجوز فيه الرفع على العطف والنصب على المعية واللام فيها للجنس. قوله: "زاد مسلم" هو ابن إبراهيم وهو من شيوخ البخاري.

 قوله: "ووهب" زاد الأصيلي وأبو الوقت: ابن جرير أي ابن حازم، وبذلك جزم أبو نعيم وغيره، ووقع في رواية أبي ذر: ووهيب بالتصغير، وأظنه وهمًا فإن الحديث وُجد بعد تتبع كثير من رواية وهب بن جرير ولم نجده من رواية وهيب بن خالد، ووهب بن جرير من الرواة عن شعبة وأما وهيب فهو من أقرانه، ومراد البخاري أن مسلم بن إبراهيم ووهب بن جرير رويَا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو الوليد فزادا في آخره: «من الجنابة»، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية وهب بن جرير بدون هذه الزيادة، والله أعلم".

«كان النبي -صلى الله عليه وسلم- والمرأة من نسائه»، قال: يجوز في «المرأة» أن تكون معطوفة على «النبي» -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وتكون مرفوعة، ويجوز النصب على المعية، الواو واو المعية: «والمرأةَ»، كما تقول: جئت والطريقَ، وقد يترجح الرفع تارة، ويترجح النصب تارة أخرى، والنصب مختار لدى ضعف النسق، يعني إذا ضعف العطف ترجح النصب على المعية، وإذا أمكن العطف والرفع فهو الأصل.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

"