التعليق على الموافقات (1433) - 09
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة السادسة:
"فصل: وكما أن من حقيقة استقرار المندوب أن لا يسوى بينه وبين الواجب في الفعل، كذلك من حقيقة استقراره أن لا يسوى بينه وبين بعض المباحات في الترك المطلق من غير بيان، فإنه لو وقعت التسوية بينهما لفهم من ذلك مشروعية الترك كما تقدم، ولم يُفهم كون المندوب مندوبًا؛ هذا وجه".
نعم. لما قرر المؤلف -رحمه الله تعالى- في المسألة: أنه لا يسوى بين الواجب والمندوب؛ لئلا يُظن وجوب هذا المندوب من قبل العامة. وقد يَظن من يقرأ هذا الكلام أن المندوب يُترك في بعض الأحيان، لكن قد يُخيل إلى بعض العامة أن هذا الترك يقلل من قيمته ومنزلته، بحيث يسوى بينه وبين المباح. النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يترك الوتر ولا ركعتي الفجر سفرًا وحضرًا، فهل تُترك مثل هذه التي داوم عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- لئلا يسوى بينها وبين الواجب، فيُترك الوتر أحيانًا، وتترك ركعتا الفجر أحيانًا من أجل أن لا يسوى بينها وبين الواجب؟
طالب: لا.
نعم؟
طالب: لا، ما يُترك.
ماذا؟
طالب: ما يُترك.
يعني تُترك؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ما تركها سفرًا ولا حضرًا.
طالب: ما تُترك.
ما تُترك. إذًا وما معنى أن يسوى بينها وبين الواجب؟ ما الفرق بين ركعتي الصبح النافلة والفريضة عند العامي الذي يرى مواظبة أهل العلم عليها؟
طالب: .......
ماذا؟
طالب: .......
والبيان حاصل، هو حاصل في كل شيء، في المباحات ومثله، إذًا لا داعي لهذا الكلام كله إذا حصل البيان؟
طالب: إذا وقعت يُبين، إذا وقع اللبس يبين.
هو إذا حصل البيان بالقول وكفى هذا شيء، لكن العامة لا يفهمون، تداوم على شيء ما فيه فرق بينه وبين غيره، إذا تركته انتبهوا أن فيه فرقًا.
طالب: .......
نعم، لكن أيضًا قد يُخيل إلى بعضهم أنه -وهو قول لبعض أهل العلم- أنه يصير واجبًا، لا شك أن هذه المسألة دقيقة وتحتاج إلى مزيد عناية؛ لئلا يتذرع بمثل هذا الكلام من يريد التخفف من بعض الوظائف الشرعية لا سيما المستحبات، يعني بعض الناس إذا سمع هذا الكلام فرح فرحًا شديدًا يوافق هوى في نفسه، يقول: لئلا يُظن وجوبها، وقد قيلت.
المسألة معلقة فيمن يُقتدى به، يقتدي به العامة. فمثل هذه الأمور تعالج بطرق تترتب عليها آثارها، فلا تلحق بالواجبات، ولا تُترك لمزيد الحث عليها وما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها، فلو فعلها أحيانًا في بيته وأحيانًا أمام الناس، وما يُشرع في البيت ويتأكد في البيت أحيانًا يُفعل أمام الناس؛ لئلا يفرط به الناس، يعني إذا تصورنا عالمًا ما يجيء إلى المسجد صلاة الصبح إلا مع الإقامة كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، الناس يقولون: لو أن التقدم فيه مزيد أجر تقدم الشيخ هنا، فيتقدم أحيانًا لرفع هذا الوهم. فمثل هذه التصرفات لا شك أنها تقضي على ما يتصور.
طالب: يقال إن النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على أمور ولم يبين، لكن عُرفت من قرائن أخرى دون التباس ذلك على الناس، وفيه أمور تركها؛ لبيان أنها ليست بعزيمة.
هو المسألة أن الصحابة حرصهم عليه وعلى سنته وعلى اتباعه وعلى الاقتداء به وعلى ملازمته، قد لا يوجد نظيره فيمن جاء بعدهم، قد لا يوجد نظيره يحتاجون إلى مزيد بيان.
طالب: يا شيخ أحسن الله إليك،.......
لكن معنى هذا أن السنة غير مطلوبة؟
طالب: مطلوبة،.......
تقرير علمي صحيح أنه ما فيه غير الخمس، لكن العامة ماذا يدريهم الذين جاؤوا من قبل أن يؤذن وهم جالسون بالمسجد؟ ماذا يدريهم أنك جالس ببيتك تطلب علمًا أو تشتغل بنوافل عبادة، وأن الصلاة في البيت أفضل. لا بد أن يتضافر الفعل مع القول في البيان بالنسبة للعامة.
طالب: واللبس حاصل حتى في العهد الأول، يا شيخ.
كيف؟
طالب: يعني مثلًا قيل بالركعتين بعد العصر، وقول من.......
قطر الناس على فهم واحد وعلى قول واحد وعدم خروج بعضهم على الجادة، هذا ما يمكن، مستحيل هذا، والأجور رُتبت على مثل هذا.
طالب: يعني أقصد ما بينه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه من النوافل، تقول عائشة: أثبته وما تركه، والكثير يحملها على الخصوصية، فاللبس واقع.......
لا، الخصوصية هذا تصرف أهل العلم للتوفيق بين النصوص، لكن العامي ما يدرك مثل هذا. كمّل كمّل.
طالب: "ووجه آخر وهو أن في ترك المندوب إخلالًا بأمر كلي فيه، ومن المندوبات ما هو واجب بالكل، فيؤدي تركه مطلقًا إلى الإخلال بالواجب؛ بل لا بد فيه من العمل به ليظهر للناس فيعملوا به، وهذا مطلوب ممن يُقتدى به، كما كان شأن السلف الصالح".
"ومن المندوبات ما هو واجب بالكل"، يعني كفروض الكفايات، إن نظرت إلى عموم الناس لا بد من أن يقام فيها من هذا الفرض الكفائي، واجب بالكل، لكنه بالنسبة لأفرادهم إذا قام به من يكفي صار من المندوبات.
طالب: "وفي الحديث الحسن عن أنس، قال: قال لي رسول الله : «يا بني! إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال لي: يا بني! وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة»، فجعل العمل بالسنة إحياءً لها، فليس بيانها مختصًّا بالقول".
تقدم أن البيان بالفعل أقوى من البيان بالقول؛ لأن البيان بالفعل يوضح الصورة، والبيان بالقول قد يخفى بعض الصورة، وإلا فقد لا يفي البيان بالقول بالتفاصيل المطلوبة، بخلاف البيان بالفعل، حاشا بيانه -عليه الصلاة والسلام- الذي هو أفصح الخلق. الحديث الذي ذكره مخرج من الترمذي، فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو مضعف عند أهل العلم.
طالب: "وقد قال مالك في نزول الحاج بالمحصب من مكة، وهو الأبطح: أستحب للأئمة ولمن يقتدى به أن لا يجاوزوه حتى ينزلوا به، فإن ذلك من حقهم؛ لأن ذلك أمر قد فعله النبي والخلفاء".
نعم، قد يقال خلاف هذا، لو طبقناه على ما مضى من كلام المؤلف، قلنا: لو تتابع الناس عليه لظُن...
طالب: .......
وجوبه وأنه من مناسك الحج، نعم. من المسائل مثل هذه اجتهادية، المسائل الاجتهادية لا يمكن أن يُصدر فيها قول مطرد.
طالب: "فيتعين على الأئمة ومن يقتدى به من أهل العلم إحياء سننه والقيام به؛ لئلا يُترك هذا الفعل جملة، ويكون للنزول بهذا الموضع حكم النزول بسائر المواضع، لا فضيلة للنزول به؛ بل لا يجوز النزول به على وجه القربة. هكذا نقل الباجي. وهو ظاهر من مذهب مالك في أن المندوب لا بد من التفرقة بينه وبين ما ليس بمندوب، وذلك بفعله وإظهاره. وقال بعضهم في حديث عمر: «بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أرَ»، في هذا الحديث أن عمر رأى أن أعماله وأقواله نهج للسنة".
"نهج للسنة"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر باتباع سنته: «واقتدوا باللذين من بعدي»، «عليكم بسنتي سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي»؛ لأنه يُنظر إليه أكثر مما يُنظر إلى غيره؛ لأنه مأمور باتباعه.
طالب: "وأنه موضع للقدوة، يعني: فعمل هنا على مقتضى الأخذ عنه في ذلك الفعل، وصار ذلك أصلًا في التوسعة على الناس في ترك تكلف ثوب آخر للصلاة، وفي تأخير الصلاة لأجل غسل الثوب. وفي الحديث: «واعجبًا لك يا ابن العاص! لئن كنت تجد ثيابًا، أفكل الناس يجد ثيابًا! والله لو فعلتُها لكانت سنةً» الحديث. ولمكان هذا ونحوه اقتدى به عمر بن عبد العزيز حفيده".
وفي الحقيقة هو سبط لعمر بن الخطاب من أمه...
طالب: فاطمة بنت عاصم.
بنت عاصم بن عمر.
طالب: "ففي العتبية قيل لعمر بن عبد العزيز: أخرتَ الصلاة شيئًا. فقال: «إن ثيابي غُسلت»".
هذا احتمال أن يكون عمر بن عبد العزيز مثل جده، ما عنده إلا ثوب واحد، يعني عمر يخطب في الثوب فيه بضع عشرة رقعة، خليفة المسلمين! نعم. وليس في أيام الشدة، بعد أن فُتحت الفتوح وفتحت الدنيا على الناس.
طالب: "قال ابن رشد: يحتمل أنه لم يكن له غير تلك الثياب لزهده في الدنيا، أو لعله ترك أخذ سواها مع سعة الوقت تواضعًا لله ليُقتدى به في ذلك، ائتساءً بعمر بن الخطاب، فقد كان أتبع الناس لسيرته وهديه في جميع الأحوال. ومما نحن فيه ما قال الماوردي فيمن صار ترك الصلاة في الجماعة له إلفًا وعادةً، وخيف أن يُتعدى إلى غيره في الاقتداء به: إن للحاكم أن يزجره. واستشهد على ذلك بقول النبي : «لقد هممت أن آمر أصحابي أن يجمعوا حطبًا...» الحديث".
وهذا، كلام الماوردي على أن صلاة الجماعة سنة عنده، وأما لو كانت واجبة ما قال هذا الكلام.
طالب: "وقال أيضًا فيما إذا تواطأ أهل بلد على تأخير الصلاة إلى آخر وقتها، أنه له أن ينهاهم. قال: لأن اعتياد جميع الناس لتأخيرها مفض بالصغير الناشئ إلى اعتقاد أن هذا هو الوقت دون ما تقدمه. وأشار إلى نحو هذا في مسائل أخر، وحكى قولين في مسألة اعتراض المحتسب على أهل القرية في إقامة الجمعة بجماعة اختُلفت في انعقاد الجمعة بهم في بعض وجوهها، وذلك إذا كان هو يرى إقامتها وهم لا يرونها، ووجه القول بإقامتها على رأيه باعتبار المصلحة".
عند من يشترط العدد مثلًا أربعين، حضر عشرين ممن تنطبق عليهم الشروط وتلزمهم الجمعة، والعشرون الآخرون ممن لا تنطبق عليهم الشروط، فلتقام أو لا تقام؟ قال: لئلا يُظن بأهل البلد أنهم يتركون هذه الشعيرة، والناظر إليهم وعددهم قد اكتمل يظن فيهم التفريط فيتهمهم، فيقيمونها من هذه الحيثية، مع أن العدد واشتراط الأربعين مبني على حديث واهٍ. نعم.
طالب: "وذلك إذا كان هو يرى إقامتها وهم لا يرونها، ووجه القول بإقامتها على رأيه باعتبار المصلحة؛ لئلا ينشأ الصغير على تركها، فيظن أنها تسقط مع زيادة العدد كما تسقط بنقصانه. وهذا الباب يتسع، ومما يَجري مجراه في تقوية اعتبار البيان في هذه المسائل وأشباهها مما ذُكر أو لم يُذكر: قصة عمر بن عبد العزيز مع عروة بن عياض حين نكت بالخيزرانة بين عينيه، ثم قال: هذه غرتني منك لسجدته التي...".
يعني الأثر الذي في الجبهة، لا شك أنها تغر عند بعض الناس، وتغر بعض الناس، وإلا فليست هي المقصودة في آية الفتح: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29]؛ لأنها وجدت عند بعض الفساق أيضًا، وُجدت. إذا قصدها وقصد أن توجد، وتوجد، فليست هي العلامة المشار إليها: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29].
طالب: "هذه غرتني منك، لسجدته التي بين عينيه، ولولا أني أخاف أن تكون سنةً من بعدي، لأمرت بموضع السجود فقُوِّر".
يعني تزال؛ لئلا يغتر بها أحد -رحمه الله-.
طالب: "وقد عول العلماء على هذا المعنى وجعلوه أصلًا يطرد، وهو راجع إلى سد الذرائع الذي اتفق العلماء على إعماله في الجملة، وإن اختلفوا في التفاصيل، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة: 104]".
لأن الذي يقول: {رَاعِنَا} بمعنى: انظرنا، يعني بعض أهل الشمال يقول: راعنا وراع، يعني انظر. نعم. هذه الكلمة من نوعها؛ لأنها تشبه ما كان يقوله اليهود للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فيقولون: {رَاعِنَا} يعني من الرعونة. فإذا اشتبه الكلام والتبس الحق بالباطل، يُمنع الحق من أجل ألا يلتبس بالباطل، وذلك سواء كان بالقول أو بالفعل؛ لأن بعض التصرفات التي يُظن أو يُذكر أنها احتراف شبيهة بأعمال السحرة، وإن كان صاحبها لا يتعامل مع جن ولا يقرب لهم شيئًا، تُمنع؛ لأنه يأتي من يتعامل معهم، ويقدم لهم، ويقرب لهم القرابين، ويشرك بالله ويقول: أنا مثل فلان، كله احتراف.
طالب: "وقوله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]. وقد منع مالك لمن رأى هلال شوال وحده أن يُفطر؛ لئلا يكون ذريعةً إلى إفطار الفساق محتجين بما احتج به".
يقولون: رأى فلان فيكفي، أو يقولون قد يقولون: رأيناه مثل فلان.
طالب: "وقال بمثله فيمن شهد عليه شاهدَا زور بأنه طلق امرأته ثلاثًا ولم يفعل، فمنعه من وطئِها إلا أن يخفى ذلك عن الناس. وراعى زياد مثل هذا في صلاة الناس في جامع البصرة والكوفة، فإنهم إذا صلوا في صحنه ورفعوا من السجود مسحوا جباههم من التراب، فأمر بإلقاء الحصى في صحن المسجد، وقال: لست آمن أن يطول الزمان فيظن الصغير إذا نشأ أن مسح الجبهة من أثر السجود سنة في الصلاة".
ونظير ذلك صنيع كثير، أول شيء أول الأمر كانوا شبابًا، والآن كبار ونساء، بالمشي على سور المقبرة، هذا موجود قبل خمس عشرة سنة، وزاد الآن صار فيه نساء، وفيه بنات، وفيه أشياء، وفيه شباب، وفيه منكرات. المحظور في هذا أن يطول العهد بالناس، ويقولون: كنا في عهد العلماء والمشايخ، ويعددون من شاءوا، كنا نطوف على المقابر ولا يقال لنا شيء. فتنتقل من كونها رياضة إلى اعتقاد، فيجب المنع حينئذٍ، من قبل خمس عشرة سنة وجهت رجال الحسبة ومنعوهم، لكن الآن قد لا يتمكنون من المنع، ما يملكون المنع هذا الحين، والله المستعان.
طالب: .......
كيف؟
طالب: .......
يزينونه، والله المستعان، أمور الدنيا صارت مقدمة على كل شيء، الرياضة تدخل في كل شيء.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ، زياد هذا المقصود به زياد بن أبي سفيان؟
الذي يسمونه زياد بن أبيه؟
طالب: نعم، هو.
نعم.
طالب: "ومسألة مالك مع أبي جعفر المنصور حين أراد أن يحمل الناس على الموطأ، فنهاه مالك عن ذلك من هذا القبيل أيضًا".
نعم؛ لئلا يُظن أن هذا الموطأ له شرعية وخصوصية من الشرع دون غيره من كتب البشر، فمنع من ذلك إن صحت القصة.
طالب: "ولقد دخل ابن عمر على عثمان وهو محصور، فقال له: انظر ما يقول هؤلاء؟ يقولون: اخلع نفسك أو نقتلك. قال له: أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا".
يعني: لا تخلع؛ لأنه يصير وسيلة، كلما كره الناس من خليفة شيئًا قالوا له: اخلع نفسك أو نقتلك، إذا صار الإنسان بمجرد ما يقال له: اخلع نفسك، يخلع نفسه. إذًا ما يستقر للناس إمام. نعم.
طالب: "قال له: أمخلد أنت في الدنيا؟ قال: لا. قال: هل يملكون لك جنةً أو نارًا؟ قال: لا. قال: فلا تخلع قميص الله عليك فتكون سنة، كلما كره قوم خليفتهم خلعوه أو قتلوه. ولما همَّ أبو جعفر المنصور أن يبني البيت على ما بناه ابن الزبير على قواعد إبراهيم، شاور مالكًا في ذلك، فقال له مالك: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت ملعبةً للملوك بعدك، لا يشاء أحد منهم أن يغيره إلا غيره، فتذهب هيبته من قلوب الناس. فصرفه عن رأيه فيه؛ لما ذكر من أنها تصير سُنة متبعةً باجتهاد أو غيره، فلا يثبت على حال.
المسألة السابعة: المباحات من حقيقة استقرارها مباحات أن لا يُسوى بينها وبين المندوبات ولا المكروهات".
يعني مثل ما سبق أن المندوب لا يُسوى بالواجب من جهة، ولا يسوى بالمباح من جهة، كذلك المباح لا يسوى بالمندوب كما أنه لا يسوى بالمكروه.
طالب: "فإنها إن سُوي بينها وبين المندوبات بالدوام على الفعل على كيفية فيها معينة أو غير ذلك، تُوهمت مندوبات كما تقدم في مسح الجباه بأثر الرفع من السجود، ومسألة عمر بن الخطاب في غسل ثوبه من الاحتلام وترك الاستبدال به".
عائشة تغسل ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- ويخرج إلى المسجد وإن أثر بقع الماء في ثوبه موجودة. قارن بين عيشه -عليه الصلاة والسلام- وبين عيشنا، يوجد بيننا من يخيط في السنة ثلاثمائة وستين ثوبًا، كل يوم ثوبًا، بحيث لا يعود إليه أبدًا، والله المستعان.
طالب: "وقد حكى عياض عن مالك أنه دخل على عبد الملك بن صالح أمير المدينة، فجلس ساعةً ثم دعا بالوضوء والطعام، فقال: ابدءوا بأبي عبد الله. فقال مالك: إن أبا عبد الله -يعني نفسه- لا يغسل يده. فقال: لِمَ؟ قال: ليس هو الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا".
ما يغسل يديه قبل الطعام، هذا قبل الطعام ما يغسل يديه. وبعد الطعام أُثر عن بعض السلف أنه يقول: لم يكن لنا مناديل، إنما مناديلنا بطون أقدامنا. هذا بدل الفازلين وبدل غيره !!
طالب: .......
لا، هو ترك الترفه هذا المقصود، ترك للترفه. نعم.
طالب: "قال: ليس هو الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا، إنما هو من رأي الأعاجم. وكان عمر إذا أكل مسح يده بباطن قدمه، فقال له عبد الملك: أأترك يا أبا عبد الله؟ قال: إي والله، فما عاد إلى ذلك ابن صالح".
وهذه المسألة يسيرة جدًّا، لكن هم على جادة وعلى سَنن، ما يريدون التغيير لأدنى سبب.
طالب: "قال مالك: ولا نأمر الرجل أن لا يغسل يده، ولكن إذا جعل ذلك كأنه واجب عليه فلا، أميتوا سنة العجم، وأحيوا سنة العرب، أما سمعت قول عمر".
ليس لذات النسب يُفعل مثل هذا، لكن العرب هم أول من دخل في الإسلام، وهم الذين تبعوا النبي -عليه الصلاة والسلام- واقتدوا به، وهم الصدر الأول من الأمة، والأعاجم جاءوا فيما بعد، فليست منزلتهم ومكانهم في اقتدائهم به -عليه الصلاة والسلام- مثل العرب.
طالب: "أما سمعت قول عمر: «تمعددوا، واخشوشنوا، وامشوا حفاةً، وإياكم وزي العجم»؟ وهكذا إن سوَّى في الترك بينها وبين المكروهات ربما تُوهمت مكروهات".
التَّمعدد: اتباع سيرة أو سنة معد بن عدنان، الذين ما عرفوا التنعم والترفه، إنما عاشوا على الخشن من المأكول والملبوس.
طالب: "وهكذا إن سوى في الترك بينها وبين المكروهات ربما توهمت مكروهات، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يكره الضب ويقول: «لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه»، وأُكل على مائدته، فظهر حكمه".
نعم، قال خالد -رضي الله عنه وأرضاه-: فاجتررته فأكلته، على مائدته -عليه الصلاة والسلام-، فإباحته بالتقرير، تقريره -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: "وقَدِم إليه طعام".
"قُدِّم".
طالب: "وقُدِّمَ إليه طعام فيه ثوم لم يأكل منه، قال له أبو أيوب، وهو الذي بعث به إليه: يا رسول الله! أحرام هو؟ قال: «لا، ولكني أكرهه من أجل ريحه»".
وفي صحيح مسلم: «أنا لا أحرم ما أحل الله»، نعم.
طالب: "وفي رواية أخرى أنه قال لأصحابه: «كلوا، فإني لست كأحدكم، إني أخاف أن أؤذي صاحبي». وروي في الحديث أن سودة بنت زمعة خشيت أن يطلقها رسول الله فقالت: لا تطلقني، وأمسكني، واجعل يومي لعائشة. ففعل، فنزلت: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} الآية [النساء: 128] ".
يعني كون القصة قصة سودة هي سبب النزول، هذه ضعيفة، وكونها حاصلة حاصلة أنها وهبت نوبتها لعائشة خشية أن تُطلق، فإذا خشيت المرأة من زوجها، وظهرت عليها الأمارات والعلامات أنه استغنى عنها، وتنازلت عن شيء من حقها، هذا ما فيه ما يمنع؛ لأن الأمر لا يعدوها.
طالب: "فنزلت: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} الآية [النساء: 128]، فكان هذا تأديبًا وبيانًا بالقول والفعل لأمر ربما استُقبِح بمجرى العادة، حتى يصير كالمكروه، وليس بمكروه. والأدلة على هذا الفصل نحو من الأدلة على استقرار المندوبات".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب: الشواهد لسبب النزول هذا في الصحيح؟
ماذا؟
طالب: .......
لكن ما هو مرتبط بالآية، وإلا القصة ثابتة.