كتاب بدء الوحي (066)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبدِه ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمازال الكلام حول حديث هرقل الطويل، ما زلنا في أوائله، كان من آخر ما قيل في الدَّرس السابق هو "فأتوهم وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه" فدعاهم في مجلسه، "وحولَه عظماء الروم، ثم دعاهم، ودعا بترجمانه" دعاهم: يعني هرقل في مجلسه، يعني حال كونه في مجلسه، وفي كتب اللغة، المجلس: موضع الجلوس. موضع الجلوس، وهل يُطلق على وقته –وقت الجلوس- كالمَقام؟ موضع الإقامة ووقت الإقامة كما أشرنا إلى ذلك في مناسبات متعددة عند الحديث على مقام إبراهيم، وما يترتب على ذلك من الاحتمالين: احتمال إرادة موضع القيام وهو الحَجَر، أو مكانه الذي قام فيه، أو زمانه الذي قام فيه.
لكن الاحتمال الثالث وهو الزمان غير وارد. {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125]، المراد به: المكان الذي قام فيه، وهل المراد به المكان الثابت أو ما يُقام عليه من مُتحرك؟ وهذا مضى الكلام فيه، لكن الكلام هنا في المجلس، المجلس: موضع الجلوس، وجمعه مجالس، وقد يُطلق المجلس على أهله مجازًا، يطلق المجلس على أهله مجازًا. هذا عند من يقول بالمجاز، لكن عند من لا يقول به لا يُخالِف في إطلاق المجلس على أهله، لكن يخالف في إطلاق هذه الكلمة، أسلوب من أساليب العرب تستعمل هذا وتستعمل هذا، تطلق المحل وتريد الحال، والعكس، كما أطلقوا الغائط على الخارج من الإنسان، والأصل فيه المكان، الذي هو المكان المطمئن من الأرض فأطلقوه على الخارج من إطلاق المحل وإرادة الحال.
وهنا يُطلق المجلس على أهله من هذا الباب، من إطلاق المحل، من إطلاق المحل وإرادة الحالّ، وهذا مستعمل كثيرًا في لغة العرب، وما زال استعماله ساريًا، وجاريًا إلى وقتنا هذا، يطلق المجلس على أهله مجازا، من باب تسمية الحال باسم المحل، فيُقال: اتفق المجلس على كذا، اتفق المجلس، يعني: اتفق أهله، يعني: كما يقال الآن: قرر مجلس الوزراء، المجلس هو الذي يقرر أم أهله؟ أهله. قرر مجلس الجامعة، كذلك لا يُراد به المكان، المكان لا يقرر، إنما الذي يقرر أهله.
"وحوله" بالنصب؛ لأنه ظرف مكان. "عظماء الروم" عظماء الروم. من الذي يقول: حوله عظماء الروم؟ أبو سفيان يروي القصة لابن عباس، فمصدر هذه الكلمة أبو سفيان، "وحولَه عظماء الروم". يقول النووي: يُقال: "حوله وحوالَه وحوليه وحواليه، واللام مفتوحة فيهنّ، وأما الرُّوم فهم هذا الجيل المعروف، قال الجوهري: هم من ولد الروم بن عيصو، هم من ولد الروم بن عيصو، واحدهم روميّ، كزنجي وزنج. يقول الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري: غلب اسم أبيهم عليهم، غلب اسم أبيهم عليهم؛ لأنهم من ولد الروم على ما سمعنا، غلب اسم أبيهم عليهم، فصار كالاسم للقبيلة، قال: وإن شئت قُلْت، وإن شِئتَ قلت: وجمع رومي كزنجي وزنج".
يقول القسطلاني: "هم من ولد عيص"، هناك في كلام الجوهري يقول: من ولد الروم بن عيصو، هنا القسطلاني يقول: "هم من ولد عيص بن إسحق بن إبراهيم، من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم على الصحيح، ودخل فيهم، ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء، وغيرهم من غسان كانوا بالشام، فلما أجلاهم المسلمون دخلوا بلاد الرُّوم، واستوطنوها فاختلطت أنسابهم. وعند ابن السكن: وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان. يقول: دخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وغيره من غسان كانوا بالشَّام" إذًا الروم كانوا بالشام أو وراء الشَّام؟ وراء الشام. نعم. وراء الشام. لكن سيأتي أو تقدم أنه كان بإيلياء، فلم يرم حمص، وسيأتي أنه كله في مدن الشَّام، موطن هرقل وقومه كانوا بالشام يعني بسورية وفلسطين، الاسم القطر الأعم، الذي يشمل سورية وفلسطين والأردن ولبنان هذا كله يُقال له: الشَّام، بالإطلاق الأعم، لكن يقول: كانوا بالشام، هذه القبائل العربية كانوا بالشام، فلما أجلاهم المسلمون دخلوا بلاد الروم واستوطنوها.
يعني كان الشام إطلاقه سابقًا يمتدّ إلى داخل الجزيرة العربية، فكانت تبوك من أرض الشام، وما دونها من تيماء مثلًا التي أجلى إليها عمر بن الخطاب اليهود كانت العمق الجغرافي السَّابق يصل إلى أثناء الجزيرة العربية، كما كان الأمر البحرين، كان الإطلاق الأعم يشمل هجر والأحساء وتلك الجهات كلها يقال لها: بحرين. فالمسمَّيات لاشكَّ أنها تختلف باختلاف الزمان، تختلف باختلاف الزمان، وباختلاف الدُّول التي تحكم هذه الأماكن، قد يتوسعون فيمتد مسمَّى بلدهم إلى ما يصل إليه، تصل إليهم قدرتهم، وقد تَضْمُر هذه البلدان بحسب ضعف من يحكمها، فيكون الإطلاق تبعًا لذلك، يعني: ما كان ما في الزمان السابق كل ما جنوب الطائف كله يقال له: اليمن، اليمن، هذا بالحد السَّابق، لكن الحدود الآن تختلف، فالإشكال أن مثل هذه الاصطلاحات الحادثة قد تُشْكل في فهم بعض النصوص التي ترد في هذه الأماكن، ما يقول: كانوا بالشام، نحن نستصحب ما نعرفه من حدود الشَّام، كانوا بالشام، فلما أجلاهم المسلمون دخلوا بلاد الروم، يعني تعدَّوْا ذلك إلى تركيا وما وراء البحر المتوسط، يعني هذا مفهومه على حسب فهمنا الآن، لكن هرقل كان بإيلياء بيت المقدس، وهي من الشَّام، فلا شك أن المصطلحات الحادثة إذا استصحبها القارئ لا بد أن يحصل الخلل في فهمه للنص.
وقُلْ مثل هذا في جميع الاصطلاحات في سائر العلوم، في سائر العلوم إذا استصحبت اصطلاحًا حادثًا لتفهم به المصطلحات الشَّرعيَّة التي وردت في النصوص قد يحصل شيء من الخلل، وقد ترد نص صريح من كلام الله –جل وعلا-؛ لأنك استصحبت اصطلاحًا حادثًا، مرَّ بنا مرارًا من الأمثلة أن لو أن إنسانًا أقسم بالله أنه -ولو كان من أصحاب الإبل- أمضى سبعين، ثمانين في رعاية الإبل، وأقسم بالله أنه ما رأى جملًا أصفر، والله –جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات:33]، نقول: هذا مكذِّب لله أو نستصحب الحقيقة العرفية التي تعارف عليها أهل زمانه؟ واضح أم ليس بواضح؟
لأنه يرد علينا في المصطلحات في الأحكام أحيانًا نستصحب حكمًا تبعًا لاصطلاح حادث وننزِّل عليه النص، ننزل عليه النص ثم يحصل الخلل، مثلًا غسل الجمعة واجب على كل محتلم، هل المُراد به الوجوب الشرعي الذي يأثم تاركه حتى يقول القائل: إني لأبرأُ إلى الله أن يقول النبي –عليه الصلاة والسلام-: الغسل واجب، وأقول: مستحب، هل المراد به الاصطلاح الحادث في عرف أهل العلم، إذًا الزنا والشِّرك وقتل النفس كلها مكروهات كما جاء في سورة الإسراء في عظائم الأمور {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:40]، إذا نزلته على اصطلاحه هذا ضاع الدين كله، فننتبه لمثل هذه الأمور؛ لأن استصحاب المصطلحات العرفيَّة سواء كانت العامة أو الخاصة عند أهل العلم يوقع في لَبسٍ كبير وخلل في فهم النصوص.
فلابد أن نَفهم النصوص بمراد الشارع، لا بما قُرِّر وقعِّد، الصحابي يقول: فرض رسول الله –صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان. تسأل الحنفي يقول: ليست فرضًا، صحابي يقول: فرض، يقول: لا ليست فرضًا، واجبة؛ لأنه استصحب مصطلحًا عنده، وطبقه حتى على النص.
هنا يقول: "فلما أجلاهم المسلمون دخلوا بلاد الروم واستوطنوها، فاختلطت أنسابهم. وعند ابن السكن: وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان.
يقول الكرماني في قوله: "فدعاهم في مجلسه" فدعاهم في مجلسه: فإن قلت: الدعاء مستعملٌ بـ إلى، يعني يعدى بـ إلى، لا بـ في ، قلتُ: الدعاء مستعمل بـ إلى نحو {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:25]"، يعني الأصل أن يقال: دعاهم إلى مجلسه ما يقول: دعاهم في مجلسه، فالمناسب: فدعاهم إلى مجلسه، يقول الكرماني: قلت: "(في) ليس الأصل الدعاء هنا، يعني: (في) ليست متعلقة بالدعاء، دعاهم في مجلسه، إنما دعاهم حالة كونه في مجلسه، هو الذي في المجلس"، يعني: الجار والمجرور متعلق بحال، حال، من صاحب الحال؟ هم أم هرقل؟
طالب: هرقل.
هرقل، فإذا كان صاحب الحال هرقل انتهى الإشكال؛ لأنه في مجلسه، أي: في محل حكمه لا حالة كونه في الخَلوة، أو في الحرم ونحوه، يعني: حرم القصر أو حرم المجلس.
يقول: "وفي بعض الكتب: دعاهم وهو جالس في مجلسه، فهو في مجلس ملكه عليه التاج، وفي شرح السنة: دعاهم لمجلسه. يقول ابن حجر: وللمصنف في الجهاد: فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج. قول الكرماني في بعض الكتب، وابن حجر يقول: وللمصنف في الجهاد. نفس الرواية". ابن حجر له عناية بالبخاري وروايات البخاري، ويفرق بين الروايات بدقة، الكرماني ما يهتم بهذه الأمور، لكن يعرف أن هذه الرواية مروية، وهي في الكتاب الذي يشرحه، قال: في بعض الكتب. هو يحفظُها، لكن لا يدري أين وردت، لكن قال: في بعض الكتب، وكثيرًا ما يقول ابن حجر حينما يستظهر الكرماني معنًى باحتمالٍ عقليٍّ مجرَّد: والرواية الثانية في بابٍ آخر ترد هذا الاحتمال؛ لأن الاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، يورد احتمالات عقلية، فإن قلت قلنا. قد يكون في بعض روايات الحديث في الكتاب نفسه ما يرد هذا الاحتمال الذي ذكره، ويقول ابن حجر: "وهذا جهل منه بالكتاب الذي يشرحه"، وهذا جهل منه بالكتاب الذي يشرحه.
وهذا يبين لنا أهمية جمع الروايات قبل الشروع في شرح الكتاب؛ لأنه قد تكون جملة أو عبارة مستغلقة في موضع، وفي موضع آخر مبسوطة، ولذلك قالوا: من أَوْلى ما يفسر به القرآن القرآن؛ لأن الكلام قد يوجد في موضع مجملًا، وفي الثاني مفصلًا، ثم تورد احتمالات لبيان هذا الإجمال والتفصيل في القرآن، قل مثل هذا في البخاري، يعني: من مثل ابن حجر له عناية بمثل هذه العناية بالبخاري؟ ابن حجر في موضع أملى شرحًا لحديث، فلما جاء في موضع آخر قال: وقد كنت أمليت في كتاب الوضوء كذا، ثم تبين لي من جمع الروايات المراد كذا، والذين ينقلون عن ابن حجر، نقلوا عنه في الموضع الأول نفس الكلام الأول، ونقلوا عنه في الموضع الثاني نفس الكلام الثاني، بمثل هذا يفتضح الناقل، يفتضح الناقل، لماذا ما عدَّل؟! لأنه بين الموضعين مفاوز، ابن حجر يستحضر ما فات وإن طالت المفازة يستحضر –رحمه الله-؛ لأنه عايش الكتاب معايشة، فهو يستحضر.
هذا الشارح الذي نقل، هؤلاء الشراح الذين نقلوا عن ابن حجر في الموضع الأول الكلام الذي رجع عنه مع طول الكتاب نسوا أنهم نقلوا؛ لأن النقل سهل، غير التحرير، التحرير يثبت في الذهن، تستحضر ما قلت، لكن النقل إذا نقلت تنسى، كما هو صنيعنا وصنيع أمثالنا، تنسى أنك نقلت عنه في موضع، لكن الذي يعيش مع الكتاب، ويحرر مسائله تحريرًا ما ينسى، ما فات إلا ما ندر.
في قول للرشاطي: يقول: "الروم منسوبون إلى رومي بن لنطا بن يونان بن يافث بن نوح، فهؤلاء الروم من اليونانيين، وقوم من الروم يزعمون أنهم من قضاعة، من تنوخ وبهراء وسليخ، وكانت تنوخ أكثرها على دين النصارى.
وقوم من الروم يزعمون أنهم من قضاعة". هؤلاء الذين انضموا إلى الروم كما في الكلام السابق من العرب.
طالب:...
ليس كل ولاد إسحاق يهود. يعني على أحد الأقوال في تسمية اليهود أنهم يعودون إلى يهوذا بن إسحاق، يختلفون عنهم، كل هذه القبائل خرجوا مع هرقل عند خروجهم من الشام، فتفرقوا في البلاد، وهذا كلام الرشاطي نقله ابن الملقن.
"وحوله عظماء الروم" وقلنا إن هذا الكلام مصدره أبو سفيان يصف الحال، ونقله عنه ابن عباس، "عظماء" جمع عظيم، وفي المفردات للراغب: "عظُمَ الشيء، عظم الشيء كَبُر عظْمُه، عظم الشيء كبر عظمه، يعني كبرت جثته، ثم استعير لكل كبير فأجري مجراه محسوسًا كان أو معقولًا" يعني إذا كان عظيم القدر، وصغير الحجم الأصل أن: عظم الشيء كبر عظمه، هذا المحسوس، ثم استعير لكل كبير، يعني ولو كان الكبر معنويًّا لا حسيًّا، "فأجري مجراه محسوسًا كان أو معقولًا، عينًا كان أو معنى، قال –جل وعلا-: {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15]، {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} [ص:67]، {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} [النبأ: 1-2]، {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31]، {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}" "وعنده عظماء قومه" وهذا نحتاجه فيما سأذكره فيما بعد.
قالوا: "والعظيم إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يقال في الأجزاء المتصلة، فيما كان متصل الأجزاء، بينما كان منفصل الأجزاء يقال له: كثير، والعظيم إذا استعمل في الأعيان فأصله أن يُقال في الأجزاء المتصلة، والكثير يقال في المنفصلة، ثم قد يقال في المنفصل: عظيم، نحو: جيش عظيم، ومال عظيم، وذلك في معنى الكثير".
إذًا ما الفرق بين الكبير والكثير؟ إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وفي رواية: كبيرًا، ما الفرق بينهما؟
طالب:...
هل نقول: إن كبير مثل عظيم، والكثرة للأجزاء المتعددة؟ يمكن. طيب عندنا: هؤلاء قوم كفار، والوصف يشعر بالتعظيم، "حوله عظماء" يُشعر بالتعظيم، {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} لكن هذا القول بالنسبة لما في الآية على لسان كافر، اقتراح على لسان كافر، والله– جل وعلا- نقله عنه بحرفه، هذا ما فيه إشكال؛ لأن حتى قول: أنا ربكم الأعلى على لسان كافر، فإطلاقه على لسان كافر، ونقله عن كافر ما فيه إشكال، لكن إطلاقه على لسانِ مسلم، هل يجوز أن يصف المسلم الكافر بأنه عظيم؟
طالب:....
نعم؟
طالب:....
إضافة ماذا؟
طالب:....
نعم، في الخطاب الذي سيأتي «إلى هرقل عظيم الروم» «إلى هرقل عظيم الروم»، إذًا التسمية، الوصف...
طالب:....
كيف؟
عظيمهم، حتى الإضافة تنبئ عن أنه معظَّم.
طالب:.....
يعني: هل يجوز أن تقول لفلان سيد كذا، سيد الروم، يجوز؟ وجاء النهي عن إطلاق سيد على المنافق والفاسق فضلًا عن الكافر.
طالب:....
نعم؟
طالب:....
نعم. ماذا فيه؟
طالب:....
وجاء النهي عن إطلاق السيد على المنافق أو الفاسق، يعني من باب أولى الكافر، ما تقول: فلان سيد اليهود، سيد النصارى، سيد كذا، على كل حال أنا قلت: هل يقال للكافر عظيم إن كان على حد زعمه وزعم قومه؟ إن كان على حد زعمه وزعم قومه فلا مانع، وأما أن يقوله المسلم إجلالاً له وتعظيمًا، فلا، كما جاء النهي عن قول سيد للمنافق والفاسق فضلًا عن الكافر. الآن الحديث الموضوع، هذا معروف أنه مختلق ومصنوع ومكذوب على النبي –عليه الصلاة والسلام- لا تجوز نسبته إلى النبي –عليه الصلاة والسلام-، والعلماء يقولون: شرُّ الأحاديث، شرُّ الأحاديث الموضوع، شرُّ الأحاديث، يعني: إضافة هذا الموضوع إلى الأحاديث قد يُفهم منه أنه حديث، فإن كان المراد به المعنى الأعم، وهو أنه مما يتحدث به، أو على حد زعم واضعه فلا بأس، وإلا فليس هو بحديث.
قال: "ثم دعاهم ودعا بترجمانه" دعاهم أولاً.
طالب:....
نعم.
طالب:...
أيّ؟
طالب:....
نعم، لكن اللفظ يوحي بتعظيم، فهل للمسلم أن يقول: فلان عظيم كذا، من باب استشعار عظمته، أو أنه على حدِّ زعمهم أنه عظيم، وأنه عند الله حقير، ما يخالف، هذا على حد زعمهم هم، على حد زعمهم هم، فوصف واقعهم لا يعني الإقرار بأننا نعظمهم أو نرفع شأنهم.
"ثم دعاهم ودعا بترجمانه" يقول ابن حجر: "وللمستملي بالترجمان مقتضاه أنه أمر بإحضارهم، أمر بإحضارهم، فلما حضروا استدناهم؛ لأنه ذكر أنه دعاهم ثم دعاهم"، ننظر في النص، قال:
"فدعاهم في مجلسه، ثم دعاهم ودعا بترجمانه" دعاهم ثم دعاهم، قال: "ومقتضاه أنه أمر بإحضارهم، فلما حضروا استدناهم، دعاهم إلى المجلِس"، فكأنهم جلسوا في طرفه ثم دعاهم إلى، ليقربوا منه، "فلما حضروا استدناهم؛ لأنه ذكر أنه دعاهم ثم دعاهم، فيُنَزَّل على هذا.
ولم يقع تكرار ذلك إلا في هذه الرواية، ولم يقع تكرار ذلك إلا في هذه الرواية"، "والترجمان بفتح التاء المثناة، وضم الجيم: تَرجُمان، ورجحه النووي، وفي شرح مسلم، ويجوز ضم التاء إتباعًا، ويجوز ضم التاء إتباعًا، تُرجمان، كما يقال في الترمذي: تُرْمذي، من باب الإتباع.
ويجوز ضم التاء إتباعًا ويجوز فتح الجيم مع فتح أوله تَرْجَمان، حكاه الجوهري ولم يصرِّحوا بالرابعة، وهي: ضم أوله وفتح الجيم: تُرجَمَان، ويدعى الإنسانُ يوم القيامة إلى ربِّه –جلّ وعلا- فيخاطبه ليس بينه وبينه تُرْجُمَان"، على الروايات، وفي رواية الأصيلي وغيره "بتَرْجُمانه"، يعني: أرسل إليه رسوله؛ لأنه يقول: ودعا بترجمانه، يعني: "أرسل إليه رسولاً أحضره صحبته، والتُّرجمان، أو التَّرجمان المعبِّر عن لغةٍ بلُغة، وهو معرَّبٌ، وقيل: عربي"، المعبر عن لغةٍ بلغة، يعني لغة مغايرة، لغة مغايرة، أو من لهجة إلى لهجة، أو ليُوصل الصَّوْت إلى من لا يسْمعه؛ ليبلغ عنه، أبو جمرة نصر بن عمرن الضبعي كما سيأتي في كتاب "العلم" يقول: كنت أترجم بين يدي ابن عباس، ابن عباس عربي، والحضور عرب، كيف يترجم لهم؟ يبلغ صوته على ما سيأتي، قال: والتَّرجُمان المعبر عن لغة بلغة، ومعرَّبٌ وقيل: عربي.
يقول الكرماني: "التاء فيه أصلية، تَرجمان، التاء فيه أصلية، وقيل: زائدة، يقال: ترجمت الشيء إذا بيَّنتَه، ترجمت الشيء إذا بينته ووقفتَ عليهِ غيرَك، ووقفت عليه غيرك ممن لا يقف عليه بنفسه، يقول: فإن قلت: الدعاء متعدٍّ بنفسه فلا حاجة إلى الباء"، دعا بترجمانه، "فلا حاجة إلى الباء، قلت: الباء زائدة، الباء زائدة، للتوكيد نحو قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}" [البقرة:195]، وفي بعض النُّسخ بدون الباء، دعا ترجمانَه؛ لأن الفعل يتعدى بنفسه، يقول العيني: وفي "الجامع" لمن؟ للقزاز، نعم، عرفنا مرارًا، وفي "الجامع" "الترجمان الذي يبين الكلام، يقال بفتح التاء وضمها، والفتح أحسن عند قوم، وقيل: الضم يدل على أن التاء أصل؛ لأنه يكون فُعْلُلَان كعُقْرُبَان، ولم يأتِ فَعْلَلَان".
وفي "الصحاح": "والجمع التراجم، والجمع: التراجم". الآن: التراجم يكثر إطلاقها على الكُتُب التي تترجم الرجال من أي جنسٍ كان، تراجم مفسرين، تراجم محدثين، تراجم مؤرخين، تراجم أدباء، تراجم علماء، عامة، جمعُ تَرجَمَة، والترجمة من هذا النُّوع؛ لأن الذي يترجم لهذا العالِم يبين للناس ما كان خفيًّا عنهم، ما هي بنفس اللغة التي تُقرأ، قد يكون بلغة مغايرة فيحتاج إلى ترجمة ثانية، يعني لو احتجنا أن نترجم "تاريخ البخاري الكبير" إلى أي لغة كانت، وهو أصله كتاب تراجم، تُرجم بنفس اللغة بمعنى أنه أُبين عن أحوال هؤلاء الرواة وهذه ترجمة وهي: الإبانة، ثم احتيج إلى نقله إلى لغة أخرى، وهذه أيضا: ترجمة، بعض الناس يقول: هذه كتب التراجُم، تراجُم، والصواب..
طالب:....
الكسر نعم، التراجِم؛ لأن التراجُم بالحجارة، تفاعل.
وفي الصحاح: "والجمع التراجم، مثل: زعفران وزعافر، والتاء فيه أصلية، وأُنكر على الجوهري قوله، أنكر على الجوهري قوله: إنها زائدة، وتبعه ابن الأثير في نهايته، والتاء والنون زائدتان" هذا كلام ابن الأثير.
في "عمدة القارئ" للعيني يقول: "ثم دعاهم، عطفٌ على قوله: فدعاهم، ثم دعاهم عطف على قوله: فدعاهم، فإن قلت: هذا تكرار، فما الفائدة فيه؟ قلت: ليس بتكرار؛ لأنه أولًا دعاهم بأن أمر بإحضارهم من الموضع الذي كانوا فيه، أمر بإحضارهم من الموضع الذي كانوا فيه، فلما حضروا استؤذن لهم فتأمل زمانًا حتى أُذن لهم، وهو معنى قوله: ثم دعاهم". يعني الصورة تتكرر في كل عصر وفي كل وقت، يُستدعى وفود من البلدان، فإذا حضروا عند المسؤول مباشرةً يفتحون الباب ويدخلون، أم يجلسون بصالة الانتظار عند مدير المكتب، ثم مدير المكتب يبلغ المسؤول، ثم يتركهم برهة من الزمان؟ ثم، ولو لم يكن عنده عمل، هذه طبيعة البشر؛ لئلا يظهر للناس أنه من السهولة بهذه المثابة وبهذه المكانة فيستهين النَّاس به- على حدِّ زعمه-، وهذا خلاف الهدي النبوي، النبي –عليه الصلاة والسلام- تمسك به المرأة وهو في الطريق، والكبير والصغير على حد سواء، لا يُقهر الناس عنه، ثم يستدعيهم ويتجشمون الأميال ثم ينتظرون في صالة انتظار، ويُخَبر المسؤول عنه أنهم حضروا، ما يقول مباشرة هاتوهم! إلا إذا كان ما هو براضٍ عنهم؛ ليسرع في تفريغ ما في جعبته عليهم، المقصود: أن هذه جبلة بشرية، لكنها خلاف الهدي النبوي، وهذا مازال يُستعمل في كثير من الأوقات، يجلسون، يستأذن مدير المكتب، ما يخالف، لو ما عنده شغل، بعد برهة من الزمن يقول: ادعهم!
دعاهم إلى أن حضروا ثم دعاهم أن يدخلوا، عادي يعني ما في فهمه غموض، أقول: ليس في فهمه غموض، وقد ينتظرون الوقت الطويل على حسب ما جُبل عليه هذا الشخص، والله المستعان.
"لأنه أولًا دعاهم بأن أمر بإحضارهم من الموضع الذي كانوا فيه، فلما حضروا استؤذن لهم فتأمل زمانًا، فتأمل زمانًا حتى أَذِنَ لهم، وهو معنى قوله: ثم دعاهم، ولهذا ذكره بكلمة ثم"، قد دعاهم فدعاهم ما انتظروا كثيرًا، لكن ثم دعاهم، يعني انتظروا طويلاً، "ولهذا ذكره بكلمة ثم التي تدل على التراخي، وهكذا عادة الملوك الكبار إذا طلبوا شخصًا يحضرون به ويوقفونه على بابهم زمانًا حتى يأذن لهم بالدخول، ثم يؤذن لهم بالدخول، ولا شك أن ههنا لا بد من دعوتين، الدعوة في الحالة الأولى، والدعوة في الحالة الثانية" إذًا ما فيه تكرار، أقول: ليس في هذا الفعل تكرار، فقال -أي الترجمان-، والفاء أيضًا فصيحة، تقدم الكلام عن الفاء الفصيحة، أي فقال للترجمان: "قل لهم أيكم أقرب؟ فقال: الترجمان" يعني فيه كلام محذوف دلَّت عليه هذه الفاء الفصيحة، أي فقال للترجمان يعني قال هرقل للترجمان: قل لهم أيكم أقرب؟ فقال الترجمان، لماذا لا نقول: إن القائل هرقل؟ فقال: أيكم أقرب؟
أين؟
طالب:......
طيب، فقال هرقل: أيكم بلغته، أيكم أقرب، بلغته، وهذا جارٍ على الأقوال التي سيقت في القرآن بغير العربية ونقلت لنا إلى العربية؛ لأنه يوجد كلام في القرآن قاله غير العرب بلغاتهم، الله –جل وعلا- أنزله إلينا بلغاتنا لنفهم، {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:195]، فما المانع أن يكون القائل: أيكم أقرب، هو هرقل بنفسه، لكن بلغته فترجمها الترجمان، ولا مانع من أن يكون هرقل قال: أيكم أقرب بلغته، بالرومية، لكن المذكور المصرح به هنا باللغة العربية وهو من كلام الترجمان بلا شك، وفي "فتح الباري" أي: "قال الترجمان على لسان هرقل، فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل، أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل.
يقول العيني: وأصله في الكرماني".
هذا الكلام للكرماني ما هو بالعيني، لكن العيني نقله بتصرفٍ يسير جدًّا لا يكاد يذكر، وكثيرًا ما ينقل العيني من الكرماني، والغالب أنه لا يتعقبه، ما هو مثل ابن حجر، ابن حجر ينقل عن الكرماني ويصرح باسمه ويتعقبه، العيني ينقل عن الكرماني وعن ابن حجر، لكن ما يتعقب الكرماني إلا في القليل النادر، وقد ينقل كلامه وينقل تعقب ابن حجر ويرد على ابن حجر، المقصود أن هذا الكلام أصله للكرماني، ونقله العيني فقال: لفظة أقرب، إن كان أفعل التفضيل فلا بد أن تستعمل بأحد الوجوه الثلاثة، إن كان أفعل التفضيل، بمعنى: أن المجوعة كلهم قريبون منه –عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا يفوقهم في هذا الوصف فهو أفعل تفضيل، وإن كان المراد مجرد القرب، بمعنى: أن المجموعة كلهم بعيدون عنه، ويختص أبو سفيان بالقرب فليست أفعل تفضيل.
قال: "إن كان أفعل تفضيل فلا بد أن تستعمل بأحد الوجوه الثلاثة: الإضافة: أقرب القوم، أو اللام: يعني الأقرب أيكم الأقرب، أو بمن: أيكم أقرب من غيره إلى هذا الرجل"، لابد من أحد الثلاثة الأمور، وقد جاء هاهنا مجردًا عنها، يعني: عن الثلاثة، فليس فيه إضافة، يعني في أقرب القوم أيكم أقرب القوم أو الوفد، وليس فيه (أل) أيكم الأقرب، ولا فيه (من) المفضل عليه، قال: وقد جاء ها هنا مجردًا عنها، وأيضًا معنى القرب لا بد أن يكون من شيء فلابد من صلة. لأننا كررنا مرارًا أن القرب والبعد أمرٌ نسبي، فلابد أن يُذكر هذا المنسوب إليه، القرب والبعد أمر نسبي، فلابد من صلة تبين هذا المنسوب إليه، طيب، {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] أفضل الجنتين الأُوليين، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، أو الجنتين الأخريين، أيهما أفضل؟ بدليل: دونهم إلى ماذا؟ إلى أي شيء؟
طالب:...
دونها أقرب إلى الله –جل وعلا- فتكون أعلى، وإذا كانت دون بمعنى الأقل، يعني المسألة ما هي بإجماع، فالناس يقرؤونها هكذا، مستقر في أذهانهم دونها يعني أقل منها؛ لأن الدون بمعنى الأقل. أقول: القرب والدنو أمور نسبية، أقرب إلى ماذا؟ أدنى إلى ماذا؟ فقد يكون أعلى وقد يكون أقل، المفاضلة بين الجنتين الأوليين والأخريين مذكورة في كتب التفسير المطولة، ولا داعي لذكرها.
لكن من باب الفائدة، أنبه إلى أن الحافظ ابن كثير رجح الأوليين؛ لقوله –جل وعلا- في الجنتين الأخريين {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68]، قال: نكرة في سياق الإثبات فلا تعم بخلاف الأولى، علمًا بأن أهل الأصول مثَّلوا بهذه الآية بأنها نكرة في سياق الامتنان، فتفيد العموم. بهذه الآية، يقول في الجواب عن هذا السؤال: وأجيبَ بأن كليهما محذوفان، والتقرير أيكم أقرب من النبي من غيركم؟ ومنقول -كما قلت- من الكرماني، قال الكرماني بعده: "أيكم أقرب من النبي –صلى الله عليه وسلم- من غيركم، وإنما سأل أقربهم، وإنما سأل أقربهم؛ لأنه أعلم بحاله؛ ولأنه أبعد من أن يكذب في نسبه ويقدح فيه؛ لأن نسَبه نسبُه"، يعني نسب النبي –عليه الصلاة والسلام- هو نسب القريب هذا.
"وأما القرابة بينهما فرسول الله –صلى الله عليه وسلم- هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وأبو سفيان: هو ابن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف" قال أبو سفيان: "وليس في الركب يومئذ أحد من عبد مناف غيري".
طالب:.....
لا، هذا من أجل أن يحصل توازن، العداوة في الدين فوق كل شيء، العداوة في الدين فوق كل شيء، والموالاة من أجل الدين أعظم من كل نسب، ومن كل قرابة.
فمثل هذا يُحدث توازنًا، يعني لو كان من غير القبيلة لاجتمعت العداوة في الدين وبعد في النسب، ما فيه شيء يرده.
"بهذا الرجل"، يقول ابن حجر: "زاد ابن السكن الذي خرج بأرض العرب يزعم أنه نبي"، قلت، هنا "فقلت: أنا أقربهم" قلت، القائل أبو سفيان: "أنا أقربهم نسبًا"، وفي رواية ابن السكن، "فقالوا: "هذا أقربنا نسبًا"، ولا يمنع أن يكون قاله هو وقيل من قبل غيره، قالوا: "هذا أقربنا به نسبًا وابن عمه أخي أبيه"، هم يجتمعون في عبد مناف، عبد مناف الأب الرابع للنبي– عليه الصلاة والسلام- كما أنه الأب الرابع لأبي سفيان، "هو ابن عمه أخي أبيه" وإنما كان أبو سفيان أقرب؛ لأنه من بني عبد مناف، وقد أوضح ذلك المصنف في "الجهاد"، الإمام البخاري– رحمه الله- في كتاب "الجهاد، أوضح ذلك بقوله: "قال ما قرابتك منه؟" ما قرابتك منه؟ "قلت: هو ابن عمي" قال أبو سفيان: ولم يكن في الركب من بني عبد مناف غيري.
وعبد مناف: كما سمعنا هو الأب الرابع للنبي –صلى الله عليه وسلم- وكذا لأبي سفيان، وأطلق عليه ابن عم، لأنه قال: ابن عمي؛ لأنه نزَّلَ كلَّا منهما منزلة جدِّه، فعبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن عم أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
الآن: هذه النسبة إذا استووا في العدد صح أن يقال: ابن عم، لكن إذا كان أحدهما أنزل من الثاني صار مثل ما تقول خديجة: "اسمع من ابن أخيك"، اسمع من ابن أخيك، يعني لو كان لك عم مثلاً وله ولد، صار الولد ابن عمك، لكن ولد هذا الولد لو قلت: هذا ابن عمي، فُهم من كلامك أن عمك الولد ليس بالأب، فحصل لبس. وعلى هذا: ففيما أُطلق في رواية ابن السكن تجوُّز، يعني: ابن ابن عمه فيه تجوز؛ لأن ابن العم هو ابن أخي الأب القريب.
"وإنما خص هرقل الأقرب؛ لأنه أحرى بالاطلاع على ما تقدم على أموره ظاهرًا وباطنًا أكثر من غيره؛ ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، وأظهر ذلك سؤاله بعد ذلك: كيف نسبه فيكم؟ كيف نسبه فيكم؟" وقلت: إن اختيار القريب في النسب ليحدُث التوازُن، ليوجد ما يردع ويوجد... يوجد السبب –سبب العداوة في الدين-. قد يكذِب في كلامِهِ، مع أنَّهُ الذي منعه من الكذِب خشيةَ أن يؤْثَر عليه الكذب، فيوجد التوازن، لو كان بعيدًا عنه –عليه الصلاة والسلام- في نسبه مع وجود العداوة في الدين فهذا لا يؤمَن، وبالمقابل لو وُجد مسلم وقريب في النسب بغض النظر عن كونه النبي –عليه الصلاة والسلام- يعني: لو وجد في سائر الناس تسأل واحدًا عن نسب فلان وهو ابن عمه وموافق له في الدين، ما بينهما عداوة، يبالغ، لاشك أنه يبالغ، فمثل هذه الأمور لا شك أنه يوجد فيها إحداث شيء من التوازن، وأسئلته تدل على عقلِهِ كما سيأتي، هرقل.
طالب:...
هو ما طلب مسلم، ما طلب مسلم، طلب هؤلاء وقال ما رأيكم.
وقوله: "بهذا الرجل" بهذا الرجل ضمَّن أقرب معنى أوصل، فعداه بالباء، وإلا فالأصل أقرب إلى، وهل الأولى تضمين الفعل أو تضمين الحرف؟ نقول: ضمَّن الباء معنى إلى، {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71]، قالوا: الفاء بمعنى: على، أو ضمَّنَ: أصلِّبنكم معنى: أدخلنَّكم في، وهذا أقوى في المبالغة وفي النكال، يعني: كونه يصلبهم فوق جذوع النخل سهل، لكن كونه يدخلهم في جذوع النخل هذا أبلغ في النكاية، فتضمين الفعل فعلًا يتعدى بالحرف أولى من تضمين الحرف حرفًا يتعدَّى به الفعل، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- وقال: "بهذا الرجل" ضمَّن أقرب معنى أوصل فعداه بالباء، ووقع في رواية مسلم: من هذا الرجل، وهو على الأصل".
وقوله: "الذي يزعم".
"أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي" "الذي يزعم"، في رواية ابن اسحاق عن الزهري: "يدعي، يدَّعِي، وزعمَ -كما قال الجوهري- بمعنى: قال، وحكاه أيضًا ثعلب وجماعة كما سيأتي في قصَّة ضمام بن ثعلبة في كتاب "العلم": زعم رسولك أنك قلت كذا وكذا وكذا، بمعنى: قال، قاله الجوهري وثعلب وجماعة من اللغويين، وحكوا عن العرب، يقول ابن حجر: وهو كثيرٌ، وهو كثير –يعني إطلاق الزعم بمعنى القول-، ويأتي موضع الشك غالبًا، ويأتي موضع الشك غالبًا".
وفي "صحيح البخاري" في "كتاب الأدب"، باب "ما جاء في زعموا" باب "ما جاء في زعموا"، وأورد بإسناده خبر أم هانئ، وفيه: يا رسول الله زعمَ ابن أمي. أم هانئ بنت أبي طالب، وابن أمها هو ابن أبيها أيضًا، وهو علي –رضي الله عنه- فهي شقيقته، زعم ابن أمي أنه قاتلٌ رجلًا، أنه قاتلٌ رجُلًا قد أجرتُهُ. أجارته أم هانئ، فعليّ زعم أنه قاتله، أيهما أفصح: قاتلٌ رجلًا، أو قاتلُ رجلٍ.
لا، السياق واضح.
طالب:....
نعم.
طالب:...
قاتلٌ رجلًا للاستقبال، فهو يهدده، وإذا قال: قاتلُ رجلٍ يعترف على نفسه بأنه قتله في الماضي، ولذلك اسم المشتق الذي يعمل عمل فعله، عمل الفعل، يلاحظ فيه متى ترجح الإضافة ومتى يرجح القطع والعمل، {مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:45]، أيهما أولى: منذرٌ من يخشاها أو منذرُ من يخشاها؟ وعند هذه الآية في سورة النازعات، ذكر القرطبي هذه القاعدة، وأفاد في هذا الموضع، يعني في مواضع ما، أحيانًا يُضاف، وأحيانًا يقطع عن الإضافة، متى تكون الإضافة أولى؟ ومتى يكون القطع عن الإضافة أولى؟ مثل ما قررنا: إذا كان الفعل قد مضى، والحدث انتهى ترجح الإضافة، وإذا كان مستقبلًا ما حصل شيء يرجح القطع، ولذا قالوا: إن من قال: أنا قاتلُ زيدٍ، معناه: أنه يعترف على نفسه أنه قتل، وإذا قال: أنا قاتلٌ زيدًا فهو يهدد زيدًا ما قتله.
زعم ابن أمي أن قاتلٌ رجلًا قد أجرته. يعني: يهدده. فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ»، المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، يسعى بذمتهم أدناهم، فهل تجير المرأة وهي ليست من أهل الجهاد؟ الحديث دليل على ذلك، لكن المخالف يقول: إن الإجارة حصلت بإقراره –عليه الصلاة والسلام- وبإجارته –عليه الصلاة والسلام-، «قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ».
قال ابن حجر: "قوله "باب ما جاء في زعموا" كأنه يشير إلى حديث أبي قلابة، قيل لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول في زعموا: قال: «بئس مطية الرجل، بئس مطية الرجل». أخرجه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا، وكأن البخاري أشار إلى ضعفِ هذا الحديث، وكأن البخاري أشار إلى ضعف هذا الحديث بإخراجه حديث أم هانئ، وفيه قولها: زعم ابن أمي، فإن أم هانئ أطلقت ذلك بحقِّ علي، ولم ينكر عليها النبي –صلى الله عليه وسلم-".
طالب:.....
"ولم ينكر عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول ابن حجر: والأصل في زعم أنها تقال في الأمر الذي لا يوقف على حقيقته، في الأمر الذي لا يوقف على حقيقته، وقال ابن بطَّال: معنى حديث أبي مسعود، حديث أبي مسعود أن من أكثر من الحديث، من أكثر من الحديث مالا يتحقق صحته، ما لا يتحقق صحته لم يؤمن عليه الكذب".
"وقال غيره: كثر استعمال الزعم بمعنى القول، وقد وقع في حديث ضمام بن ثعلبة الماضي بكتاب "العلم": زعم رسولك، ابن حجر: يقول سيأتي"، لأنه يتحدث عن زعم في هذا الموضع، وابن بطال يتحدث عنه في كتاب الأدب، ويقول: مضى في كتاب العلم، وقد وقع في حديث ضمام بن ثعلبة الماضي في كتاب العلم: زعم رسولك، وقد أكثر سيبويه في كتابه من قوله في أشياء يرتضيها: زعم الخليل، كثيرًا ما يقول زعم الخليل ويوافقه، فدل على أن زعم عنده بمعنى قال.
وفي "فيض القدير" للمناوي: "وأكثر ما ورد في القرآن، يعني: من زعم، فهو في معرض الذم، وأكثر ما ورد في القرآن فهو في معرض الذم، وإنما صح الإسناد إليه"، ما الإسناد إليه؟ «بئس مطية الرجل زعموا»، عندنا شيء اسمه مسند، ومسند إليه، «بئس مطية القوم زعموا»، فهو مسند إليه، مسند إليه هذا الذم. قال: "وإنما صح الإسناد إليه والفعل لا يسند إليه؛ لأن المراد منه هو المعنى دون اللفظ؛ لأن الإسناد من خصائص الأسماء".
بالجر والتنوين والنداء وأل |
| ومسند للاسم تميز حصل |
الإسناد من خصائص الأسماء، لكن قد يُسند إلى الحرف، إذا قلت: من، حرف جر، أعرب هذه الجملة.
من: مبتدأ، وحرف: خبر، وجر: مضاف إليه.
كيف مسند إليه المبتدأ؟ نعم لأننا الآن نتحدث عن اللفظ باعتباره حرفًا، لا باعتباره شيئًا يُتحدَّث عنه، وهنا: زعموا باعتباره شيء يمكن مدحه أو ذمه، والفعل لا يسند إليه؛ لأن المراد منه هو المعنى دون اللفظ، قال الخطابي: "وأصل هذا أن الرجل إذا أراد الظفر لحاجة أو بحاجة والسير لبلدٍ ركب مطيَّةً وسار، فشبه المصطفى –صلى الله عليه وسلم- ما يقدم الرجل أمام كلامه، ويتوصل به لحاجته من قوله: زعموا، بالمطية، وإنما يقال: زعموا في حديثٍ لا سند له، ولا يثبت. قدم المصطفى –صلى الله عليه وسلم- من الحديث ما هذا سبيله، وأمر بالتوثق فيما يحكى، والتثبت فيه، لا يرويه حتى يجده معزوًّا إلى ثبت"، ثبْت أو ثبَت، ثبْت بالسكون: هو الراوي الموثق، ثبْت، فلان ثبْت يعني ثقة، وثبَت هو الكتاب الذي تُودع فيه إما الأسانيد يُقال: أثبات، أو الأحاديث التي يُثبتها صاحب الكتاب مما يرويه بأسانيده، وسواء قال: قلنا هنا حتى يجده معزوًّا إلى ثبْت يعني راويًا ثقة، أو إلى كتابٍ متقن محرر فيه هذا الخبر، يعني من دواوين الإسلام؛ لأنهم نصوا على أن من الأمارات على وضع الخبر أن يفتَّش عنه في دواوين الإسلام فلا يوجد.
والحديث مخرَّجٌ في المسند للإمام أحمد، وسنن أبي داود في كتاب الأدب عن حذيفة، عن حذيفة، بالجامع الصغير و "شرح المناوي" عن حذيفة، وفي كلام ابن حجر أنه من حديث أبي مسعود، قال الذهبي في "المهذَّب": "فيه إرسال، وقال ابن عساكر في "الأطراف": حديث منقطع؛ لأنه من رواية عبد الله بن زيد الجرمي عن حذيفة، وهو لم يسمع منه"، وسبق أن قال ابن حجر في حديث أبي مسعود إنه منقطع، كذا قال: عن حذيفة، وتقدم النقل عن "فتح الباري" أنه من رواية أبي قلابة عن أبي مسعود، وفي "المسند" قال: "حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله، وهو ابن المبارك، قال: حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي مسعود الأنصاري، قال: قيل له: ما سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول في زعموا؟ قال: «بئس مطية الرجل»، وفيه ما ذُكر من الانقطاع الذي أشار إليه ابن حجر".
وفيه أيضًا: يعني في "المسند" قال: "حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة قال: قال أبو عبد الله لأبي مسعود، أو قال أبو مسعود لأبي عبد الله. أبو عبد الله المراد به حذيفة. أو قال أبو مسعود لأبي عبد الله –يعني حذيفة-: ما سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول في زعموا؟ قال: سمعته يقول: «بئس مطية الرجل»".
الآن كلام ابن حجر يدل على أنه من رواية أبي مسعود، وكلام صاحب "الجامع الصغير" وشارحه على أنه من حديث حذيفة، ورأينا في الموضعين: في الموضع الأول مجزوم بنسبته لأبي مسعود، وفي الموضع الثاني التردد، هل هو من قول أبي عبد الله لأبي مسعود أو العكس، والمرجح هنا أنه من حديث أبي مسعود، لماذا؟ لأن نسبته إلى حذيفة مشكوك فيها، ونسبته إلى أبي مسعود مجزوم بها، ويبقى الانقطاع في الموضعين، الانقطاع في الموضعين، وجزم ابن حجر في "التهذيب" بأن رواية أبي قلابة عن حذيفة مرسلة، والحديث مخرج عند أبي داود أيضًا، والبخاري في "الأدب المفرد.
فقال أبو سفيان: فقلت أنا.
ونقف على هذا.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"