كتاب الإيمان (20)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: سأقرأ شرح الآجرومية على شيخ، وأنا بين شرحين: شرح الكفراوي أو العشماوي، فأيهما يُقدم؟

لا بد من الشرحين معًا؛ لأن كل واحد له مزية لا توجد عند الآخر، الكفراوي يُعنى بالإعراب، ولا يَفرغ طالب العلم من قراءته مع الفهم إلا وقد تكونت لديه ملَكة إعرابية، فيُعرب كل مثال يمر حتى ما يورده هو، أورد في موضع واحد ثمانية عشر مثالاً ثم أعرب ستة عشر، قال: والباقي كما مر! العشماوي فيه قواعد وضوابط لا توجد حتى في المطولات على اختصاره. فهذان الشرحان لا يستغني عنهما طالب علم، وإن كان يعني بعض طلاب العلم لا يصبرون على بعض أساليبهم وعاداتهم، يبغون شروحًا سهلة، التحفة السنية. أنا أعجب كيف تُجعل دروس في التحفة السنية أو ما أشبهها؟ التحفة السنية لمحمد محيي الدين عبد الحميد، أنا أعجب مع أنه يوجد مثل الكفراوي والعشماوي!

كتب المتأخرين ما تحتاج إلى دروس، ولا تحتاج شيئًا، اجلس ببيتك واقرأ، ما يربي طالب علم إلا أساليب المتقدمين، هذه الأساليب المعاصرة ما تربي طالب علم، يعني قرأنا في النحو الواضح في القسم المتوسط من المعاهد العلمية وخرجنا كما دخلنا، ما فهمنا شيئًا، ما استفدنا شيئًا، ثم قرأنا شرح ابن عقيل في الثانوية إلى الآن نستذكره ونستحضره، قرأنا بعده أوضح المسالك وكتبًا أخرى، لكن هو ابن عقيل الذي عندنا إلى الآن بشواهده. وشرحنا الآجرومية في حدود ما أدري خمسة وعشرين شريطًا أو ما أدري واللهِ كم؟ موجودة، لكن ما أنصح طالب علم يريد أن يبني نفسه بناءً متينًا فيقرأ شروح المعاصرين، يحضر الدروس لا بأس، أما أن يعتمد على مؤلفات المعاصرين ما ينبني بناءً متينًا كما ينبغي.

الآن الذي يقرأ شرح المعاصر سواء كان من شرحنا أو شرح الشيخ ابن عثيمين أو محيي الدين عبد الحميد أو غيره أو الجارم وهو من كتب المعاصرين، ثم يقرأ كتب المتقدمين، يمشي أم ما يمشي؟ ما يمشي، ما يمشي. في حاشية الحامدي على الكفراوي تنبيهات لا توجد في المطولات، وباعتبار أن هذا الكتاب ليس على طريق المتعلمين الآن ما يمرون به، أنا أجزم أن بعض الدكاترة في اللغة العربية يخفى عليهم بعض القواعد التي ذُكرت في هذه المتون سواء كانت عند العشماوي أو في حاشية الحامدي. كل هذا لأنهم اعتمدوا على أساليب ومذكرات وأشياء ما تبني طالب علم في العربية وغيره، كل العلوم.

 تقام دورة علمية يُدعى لها من المتخصصين في الفنون مما ينفع الله بهم لو رُتبت الدورة على ما ينبغي، لكن يقال: يا فلان، تعال لك مصنف في فن كذا، تعال درِّسه في الدورة، كلهم خمسة، كل واحد يُدرس كتابًا من مؤلفاته، وأنا من بينهم أدرِّس البخاري، مؤلفات هؤلاء يجلس طالب العلم بالملحق وهو واضع رِجلًا على رجل ويفهم كل شيء؛ لأنها أُلفت بأسلوبهم وما يفهمونه، أُلفت لهم. لكن هات هذا الذي ألّف وصنّف وعانى العلم من سنين من عقود خله يشرح التدمرية، إذا جلس طالب العلم ما يدري ماذا يقول.

هذا خلل في منهجية التعليم. أنا أعرف أنه يخالفني كثير، ويقول: أنت لماذا تتعب الطلاب؟ ليس من باب تعذيب الطالب أو تكليف الطالب ما لا يطيق أن يدرس زاد المستقنع أو مختصر خليل أو أي كتاب وعر أو منتهى الإرادات أو غيره؛ لأنه هو ما يبني الطالب بناءً متينًا بحيث لو جلس في أي قرية استطاع أن يمشي نفسه ويمشي الناس من كتب العلم، ما تمشيه على مذكرات يفهمها العامي، ثم إذا احتاج إلى مسألة في أي كتاب ما يستطيع يتعامل مع الكتب.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

على ماذا؟

طالب: .......

ابن هشام عنده شرح القطر وشرح شذور الذهب وشرح.

طالب: .......

جيدة ماشٍ، لكن قبل القطر يحتاج إلى الآجرومية، وبعده يحتاج إلى الألفية، ولابن هشام شرح على الألفية وعر جدًّا، ابن عقيل أسهل منه، وابن هشام ما ذكر الأبيات، ولا ارتبط بالأبيات، يعني في ظلال الألفية.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،

فيقول الإمام البخاري: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب"، قال الكرماني: (قوله: "من الإيمان" قدَّم لفظ "من الإيمان" بخلاف أخواته)، هذا تعرض له الحافظ ابن حجر والعيني وغيرهم نقلاً عن الكرماني. (قدَّم لفظ "من الإيمان" بخلاف أخواته حيث يقول: حب الرسول من الإيمان، وقال: "إطعام الطعام من الإيمان" إما للاهتمام بذكره، وإما للحصر، فكأنه قال: المحبة المذكورة ليست إلا من الإيمان؛ تعظيمًا لهذه المحبة وتحريضًا عليها)، وعرفنا ما قاله ابن حجر حيال هذا الكلام وما تعقبه به العيني.

(قوله: "يحب" بلفظ معروف المضارع)، يعني المبني للمعلوم لا المبني للمجهول.

(من باب الأفعال في اللفظين، وفاعلهما مضمر فيهما، وهو المكلف أو المؤمن أو الرجل، وكذا "من الإيمان" أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه، ولم يذكره اتباعًا للفظ الحديث، وسنجيب عليه إن شاء الله تعالى).

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: ("حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ".

قوله: "مُسَدَّد" بفتح السين والدال المشددة المهملتين ابن مُسَرْهَد بن مُسَرْبَل بن مُغَرْبَل بن مُرَعْبَل بن أَرَنْدَل بن سَرَنْدَل بن عَرَنْدَل أبو الحسن البصري مع اختلاف كبير في نسبه).

 كثير من أهل العلم يشكك في هذا النسب. (مع اختلاف كبير في نسبه. قال أحمد بن عبد الله)، المصري، أحمد بن عبد الله المصري المعروف: (كان أبو نعيم يسألني عن اسمه ونسبه فيقول: يا أحمد هذه رقية للعقرب)؛ لأنها طلسم كأنها طلسم.

(واعلم أن الخمسة الأوَل كلها بصيغة المفعول: سَرْهَدْتُه أي أحسنتُ غِذاءه، وسَمَّنتُه وسَرْبَلْتُه أي ألبستُه القميص، وغَرْبَلْتُه أي قطعتُه، ورَعْبَلْتُه أي مزَّقتُه، والثلاثة الأخيرة الباقية لعلها عجميات)، أرندل وسرندل وعرندل. (لعلها عجميات، وهي في الثلاثة بالدال المهملة وبالنون وبالراء، وكذا السين والعين مهملتان، وقيل: نَقْطُ العين هو الصحيح)، (نَقْط العين) يعني غرندل. (هو الصحيح، والله أعلم. اتفق العلماء على الثناء عليه، توفي سنة ثمانٍ وعشرين ومائتين.

قال: "حدثنا يحيى" وهو أبو سعيد بن سعيد بن فَرُّوخ بالفاء والراء المشددة المضمومة والخاء المعجمة، غير منصرف للعلمية والعُجمة، القطَّان الأحول التميمي مولاهم البصري، سمع يحيى بن سعيد الأنصاري المدني المذكور في حديث «إنما الأعمال بالنيات»، أجمعوا على جلالته وإمامته. قال أحمد بن حنبل: ما رأيت مثله في كل أحواله، وقال: إليه المنتهى في التثبُّت بالبصرة. قال ابن معين: أقام يحيى عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة).

طالب: .......

ماذا.

قال: (أقام يحيى عشرين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة).

 كيف ما يفته الزوال؟ يعني يأتي قبل الزوال؟

طالب: .......

يأتي إلى المسجد قبل الزوال أربعين سنة.

(قال: وقال لي عبد الرحمن بن مهدي: لا ترى بعينك مثل هذا)، ترى بعض الكتاب يرون أن مثل هذا تعطيل للحياة التي أمرنا الله بعمارتها، يغفلون عن أن الهدف الذي من أجله خُلق الإنس والجن تحقيق العبودية، ينظرون إلى هدف: {وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، ما يدرون أن العمارة من أجل تحقيق العبودية: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، من أجل هذا.

(وقال لي عبد الرحمن بن مهدي: لا ترى بعينك مثل يحيى. وقال ابن منجويه: كان يحيى من سادات أهل زمانه حفظًا وورعًا وفهمًا وفضلاً، وهو الذي مهَّد لأهل العراق رسمَ الحديث وأمعن النظر في البحث عن الثقات وتركِ الضعفاء)، يعني (مهَّد لأهل العراق رسمَ الحديث وأمعن النظر في البحث عن الثقات وتركِ الضعفاء) يمشي مع كونه يختم كل ليلة؟ يمكن الجمع بينها؟ ممكن، ممكن.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

الوقت الوقت، ما يزال إلى وقتنا هذا فيه بركة، لكن ما نحفظ الوقت. من يحفظ الوقت؟ سهر باستراحات واجتماعات وقيل وقال ونوم نهار ونبغي بركة، من أين؟ ما تجيء!

لما كنا طلابًا، قال واحد من المشايخ السوريين: إن الإمام أحمد له في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة. قال واحد من الطلاب عليه آثار الفسق حليق: هذا ما هو معقول. قال: صحيح يا عبد الرحمن - اسمه عبد الرحمن -، هذا ما هو بمعقول؛ لأنه عنده صالون يتحلق فيه ثلاث ساعات باليوم!

يعني الأمور تغيرت تغيرًا جذريًّا، حياة الناس تأثرت بهذا الانفتاح وهذا التوسع غير المرضي عند كثير من طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس.

(روى له أصحاب الكتب الستة. نُقل أنه كان يصلي العصر فيستند إلى أصل منارة مسجده فيقف بين يديه الإمام أحمد وعلي بن المديني وابن معين وغيرهم يسألونه عن الحديث، وهم قيام على أرجلهم إلى المغرب، لا يجلسون هيبة له وإعظامًا، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة).

الله المستعان. ذكرنا في أكثر من مناسبة ما ذُكر عن الطيبي، شرف الدين الطيبي شارح المشكاة أنه يجلس بعد صلاة الصبح إلى زوال الشمس يفسر القرآن، ثم يصلي الظهر ويجلس إلى أذان العصر يشرح البخاري، وبعد صلاة العصر ما أدري ماذا قالوا بعد وماذا عنده، قالوا: ومات وهو ينتظر صلاة الظهر في يوم من الأيام بعد التفسير بالمسجد.

(قوله: "شُعبة" بضم الشين ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، أمير المؤمنين في الحديث المشهور بالخليفة الصغير، وقد تقدم)، كيف الخليفة الصغير؟

 (أمير المؤمنين في الحديث المشهور بالخليفة الصغير)، ما أدري ما هذا؟ تراجع هذه ما أدري واللهِ. أما كونه (أمير المؤمنين في الحديث)، فهذا معروف.

(قوله: "قَتادة" بفتح القاف ابن دِعامة السَّدوسي البصري أبو الخطاب الأكمه)، (الأكمه) الذي وُلد أعمى. (وسَدُوس بفتح السين المهملة أحد أجداده)، يعني ما ينسب إلى سَدوس التي عندنا؟

طالب: .......

عندكم سَدوس؟

طالب: .......

بلد أم ماذا؟

طالب: قرية.......

قرية؟

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

يُخشى أن يلزم عليه الدور، أو القبيلة منسوبة إليها؟

طالب: سدوس من بني وائل.......

نعم، طيب.

(وقال الزمخشري: لم يكن في الأمة أكمه، أي ممسوح العين، غير قتادة السدوسي صاحب التفسير)، يعني كأن الزمخشري يرى أنه ممسوح تمامًا، ما له شيء، والوجه كله جبهة. لكن هم يقولون: الأكمه من وُلد أعمى. (لم يكن في الأمة أكمه، أي ممسوح العين، غير قتادة السدوسي صاحب التفسير. وقال ابن المسيب: ما أتانا عراقي أحفظ من قتادة. وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال: رأيت حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت أعظم مما دخلت، ورأيت حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت أصغر مما دخلت، ورأيت حمامة التقمت لؤلؤة فخرجت كما دخلت؟ فقال ابن سيرين: الأولى الحَسَن يسمع الحديث ثم يصل فيه من مواعظه، والثانية محمد بن سيرين ينتقص منه)، لماذا  ينتقص منه؟

طالب: ورع.

ورع. (ويشك فيه، والثالثة قتادة فهو أحفظ الناس، وأجمعوا على علمه وحفظه وإتقانه. توفي بواسط سنة سبع عشرة ومائة.

قوله: "أنس" هو ابن مالك بن النضْر، بالضاد الساكنة المعجمة، ابن ضَمضَم بفتح المعجمتين الخزرجي الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، خدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين. رُوي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألفَا حديث ومائتان وستة وثلاثون حديثًا، ذكر البخاري منها مائتين وإحدى وخمسين، ومناقبه أظهر من أن تَحتاج إلى بيان، وسيأتي في كتاب المناقب بعضها. وقالت أمه: يا رسول الله خُويدمك أنس ادع اللهَ له، فقال: «اللهم بارك له في ماله وولده، وأطل عمره، واغفر ذنبه»، قال: لقد دفنت من صلبي مائة إلا اثنين وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين، ولقد بقيت حتى سئمت الحياة، وأنا أرجو الرابعة.

قيل: عُمِّر مائة سنة وزيادة، وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة، وغسله محمد بن سيرين سنة ثلاث وتسعين زمن الحجاج، ودفن في قصره على نحو فرسخ ونصف من البصرة -رضي الله عنه-).

 مات سنة ثلاث وتسعين وهو في الهجرة عمره عشر سنين يعني مائة وثلاث سنين، تصحَّفت في بعض الكتب إلى مائة وثلاث وستين.

(قوله: «لا يؤمن» أي لا يكمل إيمانه. فإن قلتَ: فإذا حصلت هذه المحبة يلزم أن يكون مؤمنًا كاملاً وإن لم يأت بسائر الأركان؟

قلتُ: هذه مبالغة كأن الركن الأعظم فيه هذه المحبة نحو: «لا صلاة إلا بطهور»، وهي مستلزمة لها، أو يلتزم ذلك لصدقه في الجملة وهو عند حصول سائر الأركان؛ إذ لا عموم للمفهوم. وفي بعض الروايات: «لا يؤمن أحدكم»، وفي بعضها: «عبدٌ»، وفي بعضها: «أحدٌ»، ولفظة «حتى» هاهنا جارة لا عاطفة ولا ابتدائية، وما بعدها خلاف ما قبلها، و[أنْ] بعدها مضمرة؛ ولهذا نُصب «يحب»، ولا يجوز رفعه هاهنا؛ لأن عدم الإيمان ليس سببًا للمحبة.

قوله: «لأخيه» أي للمسلمين تعميمًا للحكم، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. و«ما يحب» أي مثل ما يقول يحب)؟ لا «ما يحب» يعني «ما» مثل)، يعني مثل الذي يحب (إذ عين ذلك المحبوب محال)، يعني مثل ما ذكرنا وبينا في الدرس الماضي (محال أن يحصل في محلين، واللام تدل على أن المراد الخير والمنفعة؛ إذ هو للاختصاص النافع، وكذلك محبته)، هذا كلام طيب، الآن المراد الخير والمنفعة، لكن إذا كان يحب لنفسه معصية، فهل يجوز أن يحبها لأخيه؟ لا يجوز.

طالب: .......

إذا كان يحب لنفسه معصية لا يجوز أن يحبها لأخيه، وإن أحبها لنفسه.

(إذ هو للاختصاص النافع، وكذا محبته لنفسه تدل عليه؛ إذ الشخص لا يحب لنفسه إلا الخير. وجاء في رواية النسائي: «حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه». قال أبو عمرو بن الصلاح: وهذا يُعد من الصعب الممتنع وليس كذلك؛ إذ القيام بذلك يحصل بأن يحب له حصولَ مثلِ ذلك من جهةٍ لا يزاحمه فيها، بحيث لا يَنقص النعمةَ على أخيه شيئًا من النعمة له، وذلك سهل على القلب السليم. تم كلامه.

وكذا من الإيمان أن يُبغض لأخيه ما يبغض لنفسه، ولم يذكره إما لأن حب الشيء مستلزم لبُغض نقيضه، فيدخل تحت ذلك، وإما لأن الشخص لا يبغض شيئًا لنفسه فلا يحتاج إلى ذكره. والمحبة معناها على ما عرفها أكثر المتكلمين: الإرادة)، المحبة الإرادة، (فقيل: هي إما اعتقاد النفع أو ميلٌ يَتبع ذلك أو صفة مخصِّصة لأحد الطرفين بالوقوع)، (صفة مخصِّصة لأحد الطرفين بالوقوع) الذي هو المحبوب بحيث يترجح على غيره فيُحَب دون غيره.

(قال النووي: أصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحِب، ثم الميل قد يكون بما يستلذه بحواسه كحسن الصورة، ولِمَا يستلذه بعقله كمحبة الفضل والكمال، وقد يكون لإحسانه إليه ودفع المضار عنه. قال التَّيمي: دلَّك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على معرفة الإيمان من نفسك، فانظر فإن اخترت لأخيك في الإسلام ما تختار لنفسك فقد اتصفت بصفة الإيمان، وإن فرقت بينك وبينه في إرادة الخير فلست على حقيقة الإيمان، وقد ذكرنا أن المؤمن مشتق من الأمن، أي أنه يُؤمِّن أخاه عن الضَّيم والشر، وإنما يصح منه هذا إذا ساوى بينه وبين نفسه، فأما إذا كان وصول الشر إلى أخيه أهون عليه من وصوله إلى نفسه أو حصوله على الخير أكثر من حصول أخيه عليه؛ فلم يُؤمِّنه أمانًا تامًّا.

قوله: "وعن حسين" هو عطف إما على "حدثنا مسدد" فيكون تعليقًا، والطريق بين حسين والبخاري غير طريق مسدد، وإما على "شعبة" فكأنه قال: حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى عن حسين، وإما على "قتادة" فكأنه قال: عن شعبة عن حسين عن قتادة، ولا يجوز عطفه على "يحيى"؛ لأن مسددًا لم يسمع عن الحسين، والحسين هو ابن ذَكوان بالذال المعجمة المُكَتِّب المعلِّم البصري، وروايته عنه إنما هو من باب التعليق على التقدير الأول ذكره على سبيل المتابعة، وفيه تحويل أيضًا؛ لأنه تحول من الإسناد قبل ذِكر الحديث إلى إسناد آخر، وربما يكتب بعض أهل الفن لفظة: ح بين الإسنادين؛ إشارةً إما إلى التحويل وإما إلى الحائل أو الحديث).

 قلنا: إن البخاري في هذا الموضع يضع [ح] غالبًا، ويضعها بعد نهاية السند، هذا كثير عند الإمام البخاري، وغيره يضعها في أثناء السند عند نقطة الالتقاء، فإذا وضعها بعد نهاية السند ما استفدنا اختصارًا. على كل حال إما أن تكون من حاء التحويل أو الحائل بين الإسنادين، وبعضهم يقول: هي خاء وليست بحاء، يعني عاد الحديث إلى البخاري المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ-.

ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ- يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (فصل: خرَّج البخاري ومسلم من حديث قتادة عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». لما نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه دلَّ على أن ذلك من خصال الإيمان بل من واجباته، فإن الإيمان لا يُنفى إلا بانتفاء بعض واجباته، كما قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن». وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلِم من الحسد والغل والحقد والغش، وذلك واجب كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا»، فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر»، فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلةً من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه، كما قال ابن عباس: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم).

 ما يحب أن يكون له مزية على غيره، لكن انظر تر في صفوف المتعلمين الآن قد يبخل بالفائدة على غيره؛ لئلا يساويه، ومع الأسف بعض الناس يرى أنه لا يمكن أن يصل إلى مرتبة أو إلى منزلة بين الناس إلا على أكتاف غيره، فتجده يتوصل بذلك إلى ذم غيره؛ ليرتفع عنه فضلاً عن كونه يتركه من شره، فضلاً عن كونه يحب له ما يحب لنفسه.

(وقال الشافعي: وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم يُنسب إليَّ منه شيء. فأما حب التفرد عن الناس بفعل ديني أو دنيوي فهو مذموم، قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: 83]. وقد قال عليٌّ وغيره: هو أن لا يحب أن يكون نعله خيرًا من نعل غيره ولا ثوبه خيرًا من ثوبه).

 يعني يسعى بعض الناس أن يتميز عن غيره، ولذلك لو يبني بيتًا أخفى المخطط عن غيره وما أخبره بالمقاول لئلا يسوي مثله، وإذا صُنع مثل بيته اغتم غمًّا شديدًا، صار ما لنا ميزة الآن! هذا موجود في الناس الآن، موجود وجود كثرة ما هو بقليل. (وفي الحديث المشهور في السنن: «من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوأ مقعده من النار»)، لولا أن الترك ما هو بحل، لولا أن الترك لا يحل المشكلة، لكان من سمع مثل هذا الكلام يترك العلم؛ لأن الخلاص من حظوظ النفس بعد أن تراكمت على القلوب ما تراكمت فيه صعوبة لكن ليس بحل، يعني الإنسان يسمع أن «أول من تُسعر بهم النار ثلاثة»، ويسمع منهم: «رجل تعلم العلم وعلم الناس ثم يؤتى به: ماذا صنعت يا فلان؟ قال: تعلمت فيك العلم وعلمتُ الناس، فيقال: كذبتَ تعلمت ليقال عالم، فيؤمر به فيسحب إلى النار»، وهو أحد الثلاثة الذين هم أول من تُسعر بهم النار. هل يجد الإنسان من نفسه مثل ما ذُكر عن ابن عباس أو الشافعي في هذا المجال؟ يعني ما هي بمسألة فلتات لسان أو شيء يَبدر من الإنسان من غير قصد، لا، أمور مقصودة تدل على ما في القلوب ويتحدث بها. هذا مر علينا وعلى غيرنا.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

هو ما فيه شك أن هذه الشهادات ساهمت، والتعليم النظامي ساهم في الخدش في النيات، وكثيرًا ما يعاني طلاب العلم في الكليات الشرعية ويسألون بجد: دخلنا كلية الشريعة نطلب العلم، لكن أمامنا أشياء لا نستطيع أن نتخلى عنها، أمامنا تخرُّج، وأمامنا شهادة، أمامنا وظائف، أمامنا بناء بيوت وأسر، لا نستطيع أن نتخلى من هذه المقاصد، فيرون أن الترك هو الأسلم. نقول: لا، الترك ما هو بعلاج، يعني أي عمل صالح يتقدم عليه يجيئك الشيطان يقول لك مثل ها الكلام.

لنا زملاء من أيام الصبا درسوا معنا على المشايخ وفي الكتاتيب قبل ثم على المشايخ وواصلوا على المشايخ ما درسوا دراسات نظامية، وحفظوا القرآن، وأموا الناس في الصلوات، وتعلموا بقدر ما أتيح لهم، وعلموا الناس بطريقتهم وطريقة شيوخهم، واللهِ إننا نغبطهم؛ لأن هذا التعليم الذي مشينا فيه، ونسأل الله أن يحسن لنا العواقب ويجعل العواقب حميدة، ما فيه شك أنه صار له أثر في تغيير شيء من النيات، يعني ما يستطيع الإنسان أن ينكر واقعًا. ومع ذلك يعني خفي عليهم أشياء وأمور لا بد منها للتعلم والتعليم، يعني ما مرت عليهم، وصار في طريقة تحصيلهم شيء من الخلل في تعلمهم وتعليمهم، لكن بقيت نياتهم، مما نحسبهم -والله حسيبهم- بقوا على الأصل، لا شهادات ولا وظائف ولا كذا.

وليس معنى هذا أننا نقول: تُترك الدراسة والمواصلة، يتركها الأخيار، ويتركون الوظائف، لا، هذا ما هو بحل أبدًا. لكن الحل المجاهدة، مجاهدة النفس لتصحيح النيات، وإلا الترك ما هو بحل أبدًا.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (وأما الحديث الذي فيه: «أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أحب الجمال، وما أحب أن يفوقني أحد بشِراك أو بشسع نعلٍ؟ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس ذلك من الكبر»، فإنما فيه أنه أحب أن لا يعلو أحد عليه، وليس فيه محبة أن يعلو هو على الناس).

 لكن هل يكفينا هذا؟

يكفي في عُرف الناس أنه مجرد ما يعلو عليه أحد، ولا يعلو هو على الناس؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا هو ما فيه تلازم؛ لأننا أمرنا بالمسارعة وأمرنا بالمسابقة وأمرنا بالمنافسة، ومثل ما قلنا: ما فيه أحد يُتصور منه أن يكون زملاؤه في القاعة كلهم الأول مكررًا.

طالب: أقصد بالنسبة لأمور الدنيا التي ذكرها الآن.

نعم.

طالب: .......

لا، يكون مثله، أما مصنع يصنع على هيئة واحدة ألوفًا مؤلفة..

طالب: .......

ما عنده مانع أنك تشري مثل هذه النوعية، وإذا سألك أجبته: وين أخذت هذا؟ من المحل الفلاني. لكن بعض الناس إذا ظفر بشيء كتمه على الناس، ما يبغي أحدًا يصير مثله أو قريبًا منه.

(فإنما فيه أنه أحب أن لا يعلو أحد عليه، وليس فيه محبة أن يعلو هو على الناس، بل يصدق هذا أن يكون مساويًا لأعلاهم، فما حصل بذلك محبة العلو عليه والانفراد عنه، فإن حصل لأحد فضيلة خصصه الله بها على غيره، فأخبر بها على وجه الشكر، لا على وجه الفخر كان حسنًا، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول شافع ولا فخر»).

 لكنه في المقام الذي ظن أنه يُنتقص من غيره، ويُرفع على غيره بما يلزم منه انتقاص الآخرين قال: «لا تفضِّلوني على يونس» و«لا تفضلوا بين الأنبياء»، -عليه الصلاة والسلام-.

(وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيتُه)، هذا من التحدث بنعمة الله والإغراء لطلاب العلم بالأخذ عنه، كثيرًا ما نسمع من أئمة التحقيق مدح ما توصلوا إليه من نتائج، ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- كثيرًا ما يغري بما كتبه: وأنك لا تجده في مصنف آخر البتة، في مبحث التوبة في مدارج السالكين أطال وأبدع ثم قال: (فاظفر بهذا العلم علك ألا تجده في مصنف آخر ألبتة)، هل هو يترفع به على الناس أو يُغري به طلاب العلم أن ينتفعوا به؟

طالب: .......

هذا المظنون به -رَحِمَهُ اللهُ-.

* * *

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الإِيمَانِ.

حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ».

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ح وحَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»".

يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-:

طالب: .......

 "بَابٌ: حُبُّ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الإِيمَانِ". ثم ذكر الحديث بإسناده: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ». في حديث عمر: أنت أحب إلي من كل أحد إلا من نفسي، قال: «بل ومن نفسك»، فقال عمر: بل ومن نفسي، قال: «الآن يا عمر».

 يعني المشاعر هل يمكن أن يتصرف بها الإنسان بهذه السرعة، إلا من كان هواه تبعًا لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-: بل ومن نفسي، مباشرة. طيب، قد يقول قائل: أنا ما أحببت الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلا من أجل نفسي.

طالب: .......  

ماذا؟

طالب: لنجاته.

أحببته؛ لأنه سبب نجاتي من النار، فيرجع الأمر إلى أن يكون أحببته من أجل نفسي. هذه مسائل يأتي إن شاء الله الكلام فيها مع قراءة كلام أهل العلم إن كانوا أشاروا إليها، أظن أنهم أشاروا إلى بعض شيء من هذا، نوضحه فيما بعد.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حدثنا أبو اليمان واسمه"؟

طالب: الحكم بن نافع.

الحكم بن نافع نعم.

"قال: أخبرنا شعيب" هو ابن أبي؟

طالب: حمزة.

حمزة.

"قال: حدثنا أبو الزناد"، هم سبعة أخبرنا، بعض الروايات: أخبرنا أبو الزناد عبد الله بن؟

طالب: ذكوان.

ذكوان نعم.

"عن الأعرج" عبد الرحمن بن هرمز، "عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال"، "أن رسول الله" في رواية أبي ذر: عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. "قال: «فوالذي نفسي بيده»" هم تسعة أبو ذر والأصيلي والمستملي: "«فوالذي»" «والذي» بدون فاء.

"«فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»".

في "«نفسي بيده»" فيه إثبات اليد لله -جَلَّ وعَلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، على ما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة من سلف الأمة وأئمتها، خلافًا لما عليه أهل البدع النفاة المؤولة يقولون: «الذي نفسي بيده» روحي في تصرفه! النفس هي الروح، ما فيه إشكال أن تُؤوَّل النفس بالروح، لكن «بيده» في تصرفه هذا لازم، ولا ينكر أحد أن تكون الأرواح في تصرف الله -جَلَّ وعَلا-، لكن يُقبل هذا الكلام ممن يُثبت الصفة، أما من يفر من إثبات الصفة إلى هذا التأويل فما يقبل منه؛ لأنه قد تجدون مثل هذا الكلام في بعض المصنفات للمعروفين بالاعتقاد السليم، هو لا يفر من إثبات اليد، لكن يفسر باللازم أحيانًا، ويثبت اليد. أما من لا يثبت الصفة فما يقولون هذا الكلام؛ لأنه ما قال هذا الكلام إلا فرارًا من إثبات الصفة.

"«فوالذي نفسي بيده»"، هذا قسَم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم في نحو ثمانين موضعًا، وأمره الله -جَلَّ وعَلا- أن يُقسم على البعث في ثلاثة مواضع؛ في يونس وسبأ والتغابن: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [يونس: 53]، {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [سبأ: 3]، {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ}.

طالب: {بَلَى وَرَبِّي} [التغابن: 7].

نعم. في ثلاثة مواضع أمره الله -جَلَّ وعَلا- أن يُقسم فيها على البعث، وأقسم فيما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- في نحو ثمانين موضعًا.

"«فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده»"، وبعض الروايات بالتقديم والتأخير: «من ولده ووالده».

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حدثنا"، عند أبي ذر: أخبرنا، والإمام البخاري لا يفرِّق بين الصيغتين، عنده أخبرنا وحدثنا بمعنًى واحد. خلافًا لمسلم الذي يفرق بينهما بدقة، ويرى أن التحديث لما تُحمل بطريق السماع، والإخبار بما تُحمل بطريق العرض.

"حدثنا يعقوب بن إبراهيم" الدورقي "قال: حدثنا ابن علية" إسماعيل بن إبراهيم الذي يقال له: ابن علية كما يقول الإمام أحمد؛ لأنه لا يرضى أن يُنسب إلى أمه، فالإمام أحمد يقول: الذي يقال؛ لأنه اشتهر بهذا، الذي يقال له ابن علية.

 "عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"، وفي بعض الروايات: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 "عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ح" هذه الحاء التي تسمى حاء التحويل، والمغاربة يكتبون مكانها: الحديث، التحويل من إسناد إلى إسناد، وقلنا: إنه عند البخاري لا تفيد اختصارًا؛ لأنه يذكر الإسناد كاملاً، ما اختصر شيئًا، لكن غيره يذكر من الإسناد ما يلتقي فيه مع الإسناد الثاني، فيكون فيه اختصار.

"ح وحدثنا آدم، وقال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»". "قال النبي -صلى الله عليه وسلم-" في رواية أبي ذر: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وعلى كل حال إبدال لفظ الرسول بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا أثر له؛ لأن المتحدث عنه ذات واحدة موصوفة بالرسالة وبالنبوة لا تتأثر، بخلاف ما جاء في ذِكر النوم، الذي جاء في ذكر النوم في حديث البراء قال: ورسولك الذي أرسلت، قال: «لا، نبيك الذي أرسلت»؛ لأن المعنى يختلف.

يقول الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح الباب.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

نعم، فيه، النبوة غير الرسالة تحمل معنًى آخر، الأمر الثاني أن يكون فيه تكرار: رسولك الذي أرسلت، لو لم يكن فيه إلا التنويع في العبارة.

طالب: .......

ما هي؟

طالب: .......

منهم من قال هذا، منهم من قال: إن ألفاظ الأذكار لا يجوز تغييرها، لكن إذا رأينا بعض الأذكار المخرجة في البخاري من طريق فيها شيء نوع اختلاف عن طريق آخر، ومخرجها واحد، وإلا قولهم معتمد عند أهل العلم أن الأذكار تعبدية، لكن يرد عليها.

قال ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ-: (قوله: "باب حب الرسول" اللام فيه للعهد، والمراد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقرينة قوله: «حتى أكون أحبَّ»، وإن كانت محبة جميع الرسل من الإيمان، لكن الأحبيَّة)، المحبة من الإيمان، محبة الرسول محبة أولياء الله من الإيمان، لكن أفعل التفضيل: «حتى أكون أحب» خاص به -عليه الصلاة والسلام-.

(لكن الأحبية مختصة بسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قوله: "شعيب" هو ابن أبي حمزة الحمصي، واسم أبي حمزة دينار، وقد أكثر المصنف من تخريج حديثه عن الزهري وأبي الزناد، ووقع في غرائب مالك للدارقطني إدخال رجل وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بين الأعرج وأبي هريرة في هذا الحديث، وهي زيادة شاذة فقد رواه الإسماعيلي بدونها من حديث مالك ومن حديث إبراهيم بن طهمان، وروى ابن مندة من طريق أبي حاتم الرازي)، ابن منده معروف أنه بالهاء ليس بالتاء في الوقف والدرج، ومثله ابن ماجه وابن داسه كلها بالهاء.

(من طريق أبي الحاتم الرازي عن أبي اليمان شيخ البخاري هذا الحديث مصرَّحًا فيه بالتحديث في جميع الإسناد، وكذا النسائي من طريق علي بن عياش عن شعيب.

قوله: «والذي نفسي بيده» فيه جواز الحلف على الأمر المهم توكيدًا وإن لم يكن هناك مستحلِف)، وقلنا: إن النبي- عليه الصلاة والسلام- أقسم في مواضع كثيرة من غير استحلاف، لكن ينبغي أن يكون الحلف غير ممتهن في كل مناسبة: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224]، لكن في المواطن المهمة يحلف عليها الإنسان، وإذا اقتضى الحال الحلف لاستخراج حق وما أشبهه وهو صادق فيه لا مانع من أن يحلف.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

سيدنا رسول الله.

طالب: .......

ما فيه إشكال إلا في مواضع التعبد، يعني في محل التشهد مثلاً لا يجوز أن تزيد على ما ورد، وأما «أنا سيد ولد آدم» ما فيه إشكال إن شاء الله، لكنه ما هو بمسلوك عند سلف الأمة، ما قالوا إلا عند المتأخرين، وهذا الداعي إليه تعظيمه -عليه الصلاة والسلام- وتوقيره واحترامه، حتى إن بعضهم يقول: إن التوقير والتعظيم أولى من الاتباع، ويتوسعون في هذا، ويقعون في بدع بهذه الحجة، ويقولون: الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر أبا بكر أن يَثبت، ما امتثل، تقهقر، ويقولون: أمره وخالف أمره؛ من أجل تعظيمه وتوقيره واحترامه، ويطردون مثل هذا. هذا التوقير اكتسب الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، فأعطونا نصوصًا فيها إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى العين والرأس، أما أن تُوجدوا شيئًا ما أقره -عليه الصلاة والسلام- وتطردونه وتبالغون في توقيره وتعظيمه وتصرفون له ما لا يجوز صرفه إلا لله -جَلَّ وعَلا- بهذه الحجة فلا، وتقعون فيما نهى عنه وحذر منه: «إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو»، وتقولون: من باب التوقير. لا، المحبة لا تأتي بالمخالفة، لكن لو أنت خالفت وأقرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فعلى العين والرأس. بلال يتوضأ ويصلي ركعتين بعد كل وضوء، يجوز أن يفعله اليوم أحد من غير تشريع؟

ما يجوز، لكن اكتسب فعل بلال الشرعية من تقريره -عليه الصلاة والسلام-، وقد انتهى بموته -عليه الصلاة والسلام- فلا مجال للاجتهاد.

طالب: أحسن الله إليك، توقير النبي -صلى الله عليه وسلم-.......

كيف؟

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

نعم، ما يخالف، لكنك ما تقدر أن تنكر شيئًا له أصل، وإلا ففي النفس منها شيء، وفرق بين من اعتادها ودرج عليها منذ نعومة أظفاره إلى شيخوخته في مجتمع لا ينكرها أو مجتمع ما ألِفها. ولا يعني هذا أن حب هؤلاء للرسول -عليه الصلاة والسلام- أعظم من حب غيرهم، هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن حقيقة الحب إنما تكمن بالاتباع.

طالب: أحسن الله إليك يا شيخ.

نعم.

طالب: .......

لا.

طالب: فلما قال...

ما حُفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صلى بعد الوضوء ولا مرة.

طالب: .......

في وقت التشريع، مثله الذي يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة هذا ما سبق له تشريع، لكن أقره النبي -عليه الصلاة والسلام-. ثم يأتي خلوف بعد عصور ودهور، ويحدثون أشياء يقولون: من باب التعظيم، هذا ليس بصحيح، هذا من باب الغلو، نسأل الله العافية.

طالب: .......

مثل ما أقر بلالاً ولا يُحفظ عنه أنه توضأ.

طالب: .......

سواء بسواء، صلِّ ركعتين، تقرأ الإخلاص، سواء بسواء.

طالب: .......

يمكن؛ لأنها بعد قصة بلال.

طالب: .......

نعم.

طالب: وإن كان.......

صارت أصلاً ما فيه إشكال، لكن التشريع بإقراره -عليه الصلاة والسلام- لبلال مثل إقراره -عليه الصلاة والسلام- للذي يقرأ سورة الإخلاص، بينما بعض العلماء يقولون: هذه سنة، وهذه ليست بسنة.

طالب: .......

ولو ورد نهي لذاك الذي يقرأ بسورة الإخلاص.

طالب: .......

ما ورد لا هذا ولا...

طالب: .......

لا، أما في وقت التشريع فما فيه إشكال، يُقَر ما يقر، وينكر ما ينكر، ولو كان شيء نهى عنه القرآن لنهانا عنه، لكن بعض انقطاع الوحي ليس لأحد يورد مثل هذه الأشياء.

(قوله: «لا يؤمن» أي إيمانًا كاملاً.

قوله: «أحب» هو أفعل بمعنى المفعول، وهو مع كثرته على خلاف القياس)، («أحب» هو أفعل بمعنى المفعول، وهو مع كثرته على خلاف القياس) «حتى أكون أحب»، كيف (بمعنى المفعول)؟ محبوب؟ وهذا أصل الفعل محبوب، محبة -عليه الصلاة والسلام- فهو محبوب -عليه الصلاة والسلام-، لكن يكفي أن يكون محبوبًا؟ لا بد أن يكون «أحبَّ» على أصله، الذي هو أفعل تفضيل، حتى يكون أحب من غيره. (وفُصل بينه وبين معموله بقوله: «إليه»؛ لأن الممتنع الفصل بأجنبي)، يعني ما تفصل بين أفعل التفضيل ومعموله بأجنبي. كيف تفصل بأجنبي؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

معمولها الجار والمجرور، لكن هات بين الجار والمجرور وبين أفعل التفضيل «إليه»، هذا ليس بأجنبي؛ لأن الضمير يعود إلى المفضَّل. ما تفصل بينها وبين معموله بأجنبي، فلا تقول: حتى أكون أحب، ما تجيء، اللسان ما يطاوع.

طالب: .......

 فيه مثال؟

طالب: .......

لا، صارت من متطلبه.

(قوله: «من والده وولده»)، يبينها العيني إن شاء الله تعالى.

(قوله: «من والده وولده»، قدم الوالد للأكثرية)، (قدم الوالد للأكثرية) لماذا؟ لأن كل ولد له والد ولا عكس، ولو قيل الأكثرية بالولد؛ لأنه ليس والد إلا واحد، وقد يكون الأولاد عشرة، وهنا تتجه الرواية الثانية.

طالب: .......

والد الجنس يشمل الأجداد كلهم؟

طالب: .......

نعم، ما فيه شك.

طالب: ....... قد ينقطع.......

ينقطع، لكن مع ذلك إذا نظرنا إلى الوالد الذي حقيقته في المباشر قلنا الأولاد أكثر.

(«من والده وولده» قدم الوالد للأكثرية؛ لأن كل أحد له والد من غير عكس، وفي رواية النسائي في حديث أنس تقديم الولد على الوالد)، وله وجه على ما ذكرنا. (وذلك لمزيد الشفقة، ولم تختلف الروايات في ذلك في حديث أبي هريرة هذا وهو من أفراد البخاري عن مسلم).

طالب: .......

قال: (أفعل بمعنى المفعول، وهو مع كثرته على خلاف القياس)، وقلنا: إنه على بابه، والمقصود فيه التفضيل في المحبة، والزيادة في محبته -عليه الصلاة والسلام- على محبة غيره، والعيني ما هو بتاركه، ونجعله  في الدرس القادم، إن شاء الله.

اللهم صل على محمد.

"