كتاب البيوع (09)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ إِذَا كَانَ البَائِعُ بِالخِيَارِ هَلْ يَجُوزُ البَيْعُ؟

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ».

حَدَّثَنَي إِسْحَاقُ، قال: حَدَّثَنَا حَبَّانُ، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: «يَخْتَارُ - ثَلاَثَ مِرَارٍ-، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا، وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا».

 قَالَ: وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَارِثِ، يُحَدِّثُ بِهَذَا الحَدِيثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد...

فيقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ إِذَا كَانَ البَائِعُ بِالخِيَارِ هَلْ يَجُوزُ البَيْعُ؟" يعني هل يمضي؟ أو هل يكون العقد جائزًا؟ معروف أنه إذا تم الإيجاب والقبول صار العقد لازمًا إذا توافرت الشروط، وهنا إذا كان البائع بالخيار فهل يكون العقد لازمًا؟ معلومٌ أنه ما لم تتم مدة الخيار فلا لزوم لمن له الخيار، وأما الطرف الثاني إن اشترط الخيار اشتُرِط بينهما فالعقد ليس بلازم بإمكان كل واحدٍ منهما أن يفسخ، لكن إذا اشترطه أحدهما، فالثاني يكون في حقه لازمًا وفي حق من اشترط يكون جائزًا إن أراد أمضى، وإن أراد فسخ.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عُيينة.     

"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ»" يعني: بائع ومشترٍ، ويُطلق على المشتري بائع حقيقة أو من باب التوسع. 

«كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا» يعني لا بيع لازم بينهما؛ حتى يحصل التفرق، والمراد به التفرق بالأبدان -كما تقدم- لا بالأقوال كما يراه الحنفية والمالكية، وتقدم بسط هذه المسألة.

«حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ» بيع الخيار إذا اشترطه واحد دون الثاني فمن اشترط الخيار فله الخيار، والذي لم يشترط يكون في حقه لازمًا، أو اشترط أحدهما على الآخر ألا خيار، أن يُسقط أحدهما خيار المسجد والتزم به، فيكون هذا مستثنى «إِلَّا بَيْعَ الخِيَارِ» يعني القصد من ذلك إسقاط خيار المجلس، فحينئذٍ يلزم من حين العقد.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَي إِسْحَاقُ" وهو ابن منصور.

"قال: حَدَّثَنَا حَبَّانُ" وهو ابن هلال.

"قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الخَلِيلِ" همام بن مُنبه، عن قتادة بن دعامة، عن أبي الخليل.

"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: «يَخْتَارُ ثَلاَثَ مِرَارٍ»هذا خيار الشرط يشترط له الخيار ثلاثة أيام، والخلاف فيما زاد على الثلاث معروفٌ عند أهل العلم، بعضهم يقول: لا يجوز الخيار أكثر من ثلاثة؛ لأنه إذا زاد على الثلاثة تغيرت السلعة، فكيف تُرد وقد تغيرت؟ ويتضرر بذلك البائع إذا حبسها المشتري مدة طويلة ثم ردها إليه، لا شك أنه يتضرر، ومن أهل العلم من يقول: المسلمون على شروطهم، فإذا اشترط الخيار أكثر من ذلك أو أقل ورضي الطرف الثاني فالأمر لا يعدوهما.

"قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي" هذه الرواية بالوجادة، وهي معروفةٌ عند أهل العلم طريقًا من طرق التحمل، أن يجد المحدِّث في كتابه بخط شيخه الذي لا يشك فيه، فيروي عنه بهذه الوجادة.

وفي مسند الإمام أحمد أحاديث كثيرة تُروى بهذه الطريقة، وعبد الله ابن الإمام أحمد كثيرًا ما يقول: وجدت بخط أبي، في المسند، وهذه طريقة معروفة ومألوفة عند أهل العلم.

طالب:.........

لا، الوجادة أن يجد بخط شيخه ما هو بخطه، سيأتي سيتكلم عليها الشارح، الرواية بالوجادة أن يجد بخط شيخه، الآن في المسند وهو مسند الإمام أحمد: حدثني عبد الله، قال: وجدت بخط أبي. 

"وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: «يَخْتَارُ -ثَلاَثَ مِرَارٍ- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا»" صدقا في أقوالهما في بيان القيمة مثلًا ومدة الاستعمال إذا كان هناك استعمال للسلعة يقول: ما استعملها إلا شهرًا يصدق في هذا، واشتراها بكذا إلى غير ذلك مما يدخله الصدق والكذب.

«وَبَيَّنَا» بيَّنا العيوب التي في السلعة والمحاسن التي فيها.

«بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا» قال: اشتريتها بكذا وهو كاذب، أو قال المشتري: وجدتها تُباع بكذا بأقل مما عُرِضت به وهو كاذب.

«وَكَتَمَا» كتما العيوب، فالبائع يكتم العيوب، والمشتري يكتم المحاسن؛ لأنه قد يكون في السلعة محاسن لا يعرفها البائع، أو ما خطرت على باله، أو لا يظنها محاسن، هذا موجود في السلع تجد سلعة –كثيرًا ما يكون هذا في المستعمل- حرَّج على بيعة أثاث ويتزاودها الشريطية -على ما قالوا- ثلاثمائة، أربعمائة، خمسمائة، ويرى واحد من هؤلاء شيئًا ثمينًا في هذه البضاعة، والذي باع باع ما يدري عن شيء، والناس إذا أقلعوا عن شيء ما سألوا عنه، الأثاث يُباع بأبخس الأثمان، وفيه ورَّاث لا يعرفون قيمة هذه السلع.

ذكرت أنا عن شخص من القضاة القدامى، ولديه مكتبة نفيسة عند أهل الكتب، لكنها عند النساء والذرية لا يعرفون لها قيمة.

طالب: ورق.

يا ليتها ورق، ذهبت أراها وأنا أعرف الشيخ متوقع أنها مكتبة، يوم ذهبت قالوا: والله نحن نزلنا من البيت القديم إلى البيت الجديد، وقال لنا الحريم: والله ما تدخل البيت هذه الكتب المعفنة، تأتي لنا بالحشرات، ورموها بالشارع، هذه الكتب لو ذهبوا بها للحراج ورآها شخص يعرف قيمتها، وحُرِّج عليها وبيعت بمائتين، ثلاثمائة، خمسمائة وهي تساوي خمسين ألفًا، المشتري سيكتم أنها تسوى أكثر، فرصة، لكن إن بيَّن بورك له في البيع، وإن كتم مُحقت البركة، وقس على هذا، واحد رأى بضاعة حرَّج عليها ولمح له ساعة من أنواع الساعات النفيسة الغالية، يقولون: اشتراها بخمسمائة ريال، اشتري البضاعة كلها ملء السيارة كلها بخمسمائة ريال، وأخذ الساعة ونظَّفها وباعها بثلاثين ألفًا، هي من نوعٍ خاص، هذا كتم ولن يُبارك له فيه.

لكن الإشكال إن بيَّن له لهذا الشريطي الذي اشترى بثلاثمائة..

طالب: ضاعف السعر.

لا، ليست مسألة مضاعفة، لا بُد أن يُبيَّن لمن باعها الأول، هؤلاء المساكين الوارثون لازم أن يُبين لهم، وإلا أُكل حقهم بغير حق، هم يقولون له: بألف بدل خمسمائة، ما استفادوا.

طالب:.........

 لا، هو الإشكال أن البائع المباشر ليس هو صاحب الشأن، هذا كسبان، لكن الكلام فيمن باعها من الأصل.

طالب:.........

 والله إذا كنت تُريد براءة الذمة والبركة فبيِّن حقيقتها، مثل جابر مع الجمل.

طالب:...........

جابر اشترى الفرس بثلاثمائة، ثم قال له: فرسك يستحق أكثر، قال: أربعمائة، وما زال به حتى وصل إلى ثمانمائة، لكن لو وُجِد مثل هذا في أسواقنا اليوم، ماذا يقولون عنه؟ مُغفل مسكين.  

«وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا» يربح أضعافًا.  

«وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا»، البائع إن كتم باع السلعة بضعف ما تستحق، المشتري إن كتم اشتراها بأقل من قيمتها بكثير أو قليل، لكن الفرق هذا الذي بين الواقع الذي اشتُريت به، وبين ما لو حصل البيان فهذا سوف يذهب عليه، لن يستفيد منه.   

"قَالَ: وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الحَارِثِ، يُحَدِّثُ بِهَذَا الحَدِيثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

اقرأ الشرح.  

"قوله: "هل يجوز البيع؟" أي: هل يكون العقد جائزًا حينئذٍ أم لازمًا؟ "ولا بيع" هو خبر المبتدأ أي: لا بيع لازمًا بينهما.

قوله: "همام" أي: ابن يحيى العوذي، بفتح المهملة وسكون الواو وبالمعجمة".

 هذا متقدم همام بن مُنبه، وهذا متأخر.

"قوله: "قال: وجدت في كتابي" يعني: المحفوظ".

طالب: همام بن مُنبه من أي طبقة يا شيخ؟

همام عن أبي هريرة.

طالب: تابعي؟

تابعي نعم.

"وجدت في كتابي" يعني: المحفوظ، هو الذي رويته لكن الموجود في كتابي بخيارٍ منكرًا بدون الألف واللام، وهو مكتوبٌ ثلاث مرات، وفي بعضها إضافته إلى ثلاث مرار، وفي بعضها يختار بلفظ الفعل، وحينئذٍ يُحتمل أن يكون ثلاث متعلقًا بقوله: «يَخْتَارُ» فإن قلت: «فَإِنْ صَدَقَا» إلى آخره، هل هو داخلٌ تحت الموجود في الكتاب أو هو مروىٌّ من الحفظ متعلقٌ بما قبله؟ قلت: يحتملهما والظاهر هو الثاني.

قوله: "حدثنا همام" هو مقول حبان، فإن قلت: لم قال هاهنا: حدَّثنا، وقال فيما قبله: قال همامٌ؟

قلت: الثاني سمع منه في مقام النقل والتحمل، والأول في مقام المذاكرة والمحاورة".

كرر الكرماني وبعض الشُّراح أن البخاري إذا روى بصيغة (قال) فإنه لا على سبيل التحديث، وإنما هو من باب المذاكرة، والحافظ ابن حجر قال: لا يُوجد ما يدل على أن المروي بصيغة قال خاصٌّ بحال المذاكرة.

وقوله: "هو مقول حبان، فإن قلت: لم قال هاهنا: حدَّثنا، وقال فيما قبله: قال همامٌ؟ قلت: الثاني سمع منه في مقام النقل والتحمل، والأول في مقام المذاكرة والمحاورة" يعني: لا على سبيل الرواية.

ابن حجر يقول: "قوله: وحدَّثنا همام القائل هو حبان بن هلال المذكور، وقد تقدم قبل بابين من وجهٍ آخر عن همام" يعني بصيغة عن.

"قال الكرماني: القائل هو حبان، فإن قيل: لم قال: حدَّثنا، وقال قبل ذلك: قال همام؟ فالجواب أنه حيث قال: قال كان سمع ذلك في المذاكرة، وحيث قال: حدَّثنا سمع منه في مقام التحديث. انتهى، وفي جزمه بذلك نظر، والذي يظهر أنه حيث ساقه بالإسناد عبَّر بقوله: حدَّثنا، وحيث ذكر كلام همام عبَّر عنه بقوله: قال" ما الفرق بينهما؟ "والذي يظهر أنه حيث ساقه بالإسناد عبَّر بقوله: حدَّثنا، وحيث ذكر كلام همام عبَّر عنه بقوله: قال".

طالب:........

لا يعني حيث ذكر بصيغة حدَّثنا يكون ببقية الإسناد السابق، وحيث ذكر كلام همام يعني علقه عنه بدون الإسناد السابق، قال: قال همام.

طالب:.......

لا، تعليق.

طالب:.......

القائل عند الكرماني كلاهما القائل حبان، وهو يروي عن همام مرة رواه عنه تحديث، ومرة عنه رواه مذاكرة، هذا كلام الكرماني.

ابن حجر يقول: لا، لما قال: حدثنا فهو بالإسناد السابق، وحيثما قال فقد نقل كلام همام من تلقاء نفسه، فيكون تعليقًا.

وما فيه شك أن ابن حجر أعرف بمقاصد البخاري "قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي"؛ لأن هذا لا يُراد به التحديث بالسند السابق، هذا كلام عادي، ما هو جزء من الحديث، خبر يُنقل عن همام من قوله.

نعم.   

"بَابُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، وَلَمْ يُنْكِرِ البَائِعُ عَلَى المُشْتَرِي، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ: وَقَالَ طَاوُوسٌ: فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ بَاعَهَا: وَجَبَتْ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ.

وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي، فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «بِعْنِيهِ» قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بِعْنِيهِ» فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ».

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَالًا بِالوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي البَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ «المُتَبَايِعَيْنِ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ، رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ، بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلاَثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى المَدِينَةِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ".

يقول الإمام –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ" يعني: مباشرة اشتراه، وقال: هو لك، فهل المراد به قبل أن يتم القبض أو أنه تم القبض فوهب؟

"بَابُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا، فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا" ما فيه ما يدل على ذلك.

"وَلَمْ يُنْكِرِ البَائِعُ عَلَى المُشْتَرِي" قبل أن يتفرقا فوهب، وهل يُقصد من ذلك إسقاط الخيار ولم ينكر البائع على المشتري؟ خلاص أقر، هذه الهبة على المشتري، وهل إذا كان الموهوب غير ابن عمر قد يقول قائل: إن عمر أقر؛ لأن الموهوب ابنه، فكأن السلعة رجعت إليه؛ لأن ماله هو مالٌ لأبيه؟

الآن هم في مكان البيع، مكان العقد، ولكل من الطرفين البيِّعين أن يستقيل ويفسخ البيع، الرسول –عليه الصلاة والسلام- وهو في مكان العقد وهب السلعة لعبد الله بن عمر، ماذا لو قال عمر مثلاً: يا رسول الله، أنا رجعت عن البيع؟ ماذا عن الموهوب؟ وهل سكوت عمر عن فسخ البيع؛ لأن الموهوب ولده أو لأنه أمضاه؟

الآن لو افترضنا أن زيدًا باع على عمر سيارة، فقال عمر: هي لك يا بكر، ثم تبين لزيد أن السيارة فيها غبن تستحق من الثمن أكثر، قال: أنا فسخت البيع، ترجع السيارة إليه، أو نقول: إن الخيار إذا كانت العين باقية؟ افترضنا أنهما في مجلس العقد، والسلعة موجودة، وطال الوقت لمدة ساعة مثلاً، ما تفرقوا، وفي أثناء هذه الساعة تلفت السيارة تكون من ضمان البائع أو من ضمان المشتري؟

طالب: ضمان المشتري.

هل لزم البيع قبل التفرق؟

طالب: الأصل أنها الآن في ضمان المشتري.

يعني إذا تلفت السلعة يثبت البيع، ويفوت الخيار.

طالب: نعم.

إن تلفت السلعة قبل أن يستقيل المشتري يطلب الإقالة.

يقول ابن حجر: "قوله: باب إذا اشترى شيئًا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا، ولم ينكر البائع على المشتري، أي: هل ينقطع خياره بذلك؟

قال ابن المنير: أراد البخاري إثبات خيار المجلس بحديث ابن عمر، ثاني حديثي الباب، وفيه قصته مع عثمان، وهو بينٌ في ذلك، ثم خشي أن يعترض عليه بحديث ابن عمر في قصة البعير الصعب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- تصرف في البكر بنفس تمام العقد، فأسلف الجواب عن ذلك في الترجمة بقوله: "ولم ينكر البائع" يعني: أن الهبة المذكورة إنما تمت بإمضاء البائع، وهو سكوته المُنزَّل منزلة قوله" يعني أتممت العقد.

"وقال: ابن التين هذا تعسفٌ من البخاري، ولا يُظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وهب ما فيه لأحدٍ خيار ولا إنكار؛ لأنه إنما بعث مبينًا".

الآن في الهبة هل يجلب مصلحة لنفسه أم لا؟

طالب: ما فيه مصلحة.

شخص عنده عمارة يُعدها للبيع، يوم بقي على تمام الحول شهر أوقفها، هل نقول: إن هذا فارُّ من الزكاة؟ ما يُظن به أنه فارٌّ من الزكاة، والذي وهب هل هو فارٌّ من الخيار؟ لا يُظن به أنه فارٌّ من الخيار. 

"وقال: ابن التين هذا تعسفٌ من البخاري، ولا يُظن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه وهب ما فيه لأحدٍ خيار ولا إنكار؛ لأنه إنما بعث مبينًا.

وجوابه: أنه -صلى الله عليه وسلم- قد بيَّن ذلك بالأحاديث السابقة المصرِّحة بخيار المجلس، والجمع بين الحديثين ممكن، بأن يكون بعد العقد فارق عمر بأن تقدمه أو تأخر عنه مثلاً، ثم وهب".

النبي –عليه الصلاة والسلام- فارق بأن تقدم من غير قصدٍ لإبطال الخيار كما سيأتي في فعل ابن عمر –رضي الله عنه- ثم وهب؛ لأنه ما فيه ما يدل على أنه وهب من ساعته قبل لزوم البيع.

طالب:.........

ما يلزم، شيء يسير ما تحتاج إلى وقت، التفرق ما يحتاج إلى وقت.

طالب: هذا مُحتمل يا شيخ أن تبقى الأصول على....

"وليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ما ينفيه، فلا معنى للاحتجاج بهذه الواقعة العينية في إبطال ما دلت عليه الأحاديث الصريحة من إثبات خيار المجلس، فإنها إن كانت متقدمة على حديث البيعان بالخيار، فحديث البيعان قاضٍ عليها، وإن كانت متأخرة عنه حُمل على أنه -صلى الله عليه وسلم- اكتفى بالبيان السابق، واستُفيد منه أن المشتري إذا تصرف في المبيع ولم ينكر البائع كان ذلك قاطعًا لخيار البائع كما فهمه البخاري، والله أعلم".

شخص اشترى طعامًا من شخص، وبدأ المشتري يأكل ولا أنكر عليه ذلك، يكون له خيار؟ انتهى؛ لأنه لو كان له اعتراض بيَّنه قبل أن يأكل.

"وقال ابن بطال: أجمعوا على أن البائع إذا لم ينكر على المشتري ما أحدثه من الهبة والعتق أنه بيعٌ جائز، واختلفوا فيما إذا أنكر ولم يرضَ، فالذين يرون أن البيع يتم بالكلام دون اشتراط التفرق بالأبدان يجيزون ذلك"، وهو مذهب الحنفية والمالكية.

"ومن يرى التفرق بالأبدان لا يجيزونه، والحديث حُجةٌ عليهم. انتهى.

وليس الأمر على ما ذكره من الإطلاق، بل فرقوا بين المبيعات، فاتفقوا على منع بيع الطعام قبل قبضه كما سيأتي، واختلفوا فيما عدا الطعام على مذاهب:

أحدها: لا يجوز بيع شيءٍ قبل قبضه مطلقًا، وهو قول الشافعي، ومحمد بن الحسن.

ثانيها: يجوز مطلقًا إلا الدور والأرض، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف.

ثالثها: يجوز مطلقًا إلا المكيل والموزون، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق.

رابعها: يجوز مطلقًا إلا المأكول والمشروب، وهو قول مالك وأبي ثور، واختيار ابن المنذر".

النبي –عليه الصلاة والسلام- نهى أن يُبتاع الطعام قبل قبضه، يبيعه للمشتري قبل قبضه، وفي حديثٍ نهى أن تُباع السلع مما يشمل الطعام وغير الطعام، وابن عباس لما روى حديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، لا بُد من الحيازة للطعام وهو منصوصٌ عليه، قال ابن عباس: وما أرى بقية السلع إلا كذلك، يعني: مثل الطعام، مع أن الحديث العام يشمل نهى أن تُباع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم.

والآن التفريط والتساهل موجود في المعاملات الكبيرة والصغيرة؛ ولذلك تساهلوا في بيع الأسهم، وتساهلوا في بيع مواد بعيدة بآلاف الأميال يُباع خشب بالبرازيل، كيف يُقبض هذا؟ أو حديد في اليابان، والبنك يقول للمشتري: وكِّلنا نقبض لك، ووكِّلنا نبيع لك، وسنُعطيك الثمن فورًا، كل هذه حيل، وإلا فحقيقة الحال أنهم لا بائعين ولا شاريين ولا خشب ولا حديد؛ لأن المشتري لو قال: أعطوني الحديد أُريد أن أبني به بيت، أو أعطوني الخشب يُعطونه؟ ما يُعطونه، ويبيعون كميات أضعافًا مضاعفة عن الموجود إن وجِد، كل هذه ذرائع وتحايل على الربا، خشب بالبرازيل!

ولذلك كثيرًا ما يأتي مُريد التورق ويسأل، نقول: أفضل شيء تشتري سيارة، السيارة بإمكانك أن تشغل وتحوزها إلى رحلك وتبيعها على كيفك.

طالب:........

لكن من يقبض عنه.

طالب:........

القبض قبض السلعة، ثم تأتيه السيارة يبعثونها له.

طالب:........

لا، ما يصح إلا سيارة معينة يكون عليها البيع برقم كذا، وحينئذٍ يكون له خيار الخُلف في الصفة إذا وصلت السيارة ووجدها غير السيارة التي تم تصويرها، أو كان التصوير غير واضح وما بانت من جميع الجهات يكون له الخيار.   

طالب:........

المهم أنه ما يثبت العقد حتى تُقبض لا بُد أن يحوزها.

طالب:........

المقصود أنه لا ينزلها من سيارته يقدم السيارة ويطلع لا بُد من حيازتها، الأصل أن يحوزها إلى رحله، لكن قد يكون شخص غريب ما له رَحل يُخرجها من مكانها وخلاص.

أولًا: لا بُد أن يشتريها التاجر ويقبضها قبضًا مُعتبرًا، ويملكها ملكًا تامًّا مستقرًّا، قبل أن يُلزمه بشيء، حتى لو أراد الثاني أن يترك العقد ولا يشتري، فهي لازمة للمشتري الأول الذي هو التاجر، إذا تمت حيازتها وملكها ملكًا تامًا مستقرًا فباعها على مُريد السلعة لا بأس سواءً كانت بقيمةٍ حاضرة أو مؤجلة.

طالب:.........

لا يُلزمه بشيء.

طالب:.........

هذا الأصل هذا الصحيح؛ لأن الضمان نوع من التأمين؛ لأنه إذا كانت له قيمة لها وقع في الثمن يعني هذا الجوال بألف مضمون، بثمانمائة غير مضمون، هل المائتين لها وقع؟

طالب:.........

هذا نوع من التأمين؛ لأنك تدفع مبلغًا معينًا ومقابله مجهول، يمكن ألا ترجع للمحل مرة ثانية تروح عليك المائتان، ويمكن أن تشغلهم إشغال كل يوم تذهب لهم، خرب وقف، وتأخذه وتصير إصلاحاته أكثر من قيمته، هذا هو التأمين.

طالب:........

القضاة يحكمون به؛ لأنه يترتب عليه آثار ومفاسد، يترتب على العقد مفاسد قد يتضرر أحد الطرفين إذا لم يجد مثل هذا الشرط، مقاول مسك عمارة أو منشأة واتفقوا على أن تُنجز في سنتين، المقاول مسك ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وعلى الفراغات يشتغل، وما أنجز هذه العمارة إلا بعد خمس سنوات، صاحبها ما يتضرر؟

يقول: إذا ما تمت خلال العقد سنتين فعليك في كل يوم كذا؛ من أجل حفظ حقه، وإلا بعض المقاولين ما يخاف الله- جلَّ وعلا-.

طالب:........

بعد صلاة العشاء فيه شتاء وجلسة وما قام واحد منهم وشربوا القهوة وسهروا، ثم ناموا ولا أيقظهم إلا الحر؛ لأن الجلسة طويلة جدًّا المسألة عُرفية، المسألة فيما يتفرق به الناس، ولو قام واحد خلاص انتهى الخيار.

"وَلَمْ يُنْكِرِ البَائِعُ عَلَى المُشْتَرِي، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ: وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا، ثُمَّ بَاعَهَا: وَجَبَتْ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ.

وَقَالَ الحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ".

 صعب غير مذلل، الذلول الذي ينقاد لصاحبه، والصعب لا ينقاد.

"فَكَانَ يَغْلِبُنِي".

 لأنه صعب ليس بذلول لا ينقاد.

"فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «بِعْنِيهِ» قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بِعْنِيهِ»، فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ»".

 ما قال عمر: والله ما بعد تفرقنا، ولا مازالت في مجلس الخيار، وهو بذلك إقرار منه للبيع للعقد.

"قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ".

 البخاري المصنِّف.

"وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي".

 هذا معلَّق.

"وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مَالًا بِالوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ".

 بالوادي وادي القرى، أين الوادي هذا؟

طالب:........

يكون من المال هنا وهو العقار -ما هو بالوادي- عقار الأرض هذا الذي يظهر؛ لأنه سيأتي في بقية الحديث أنه يقول: أنا أبعدته عن المدينة ثلاثًا، وهو أدناني من المدينة بثلاث.

"مَالًا بِالوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي".

 من أجل أن يُبطل خيار المجلس، هذا ابن عمر، وكأنه لم يبلغه النهي عن ذلك «ولا يفارقه خشية أن يستقيله».

"رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي؛ حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي البَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ «المُتَبَايِعَيْنِ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ، رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ، بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودَ بِثَلاَثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى المَدِينَةِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ".

 يعني فرقًا، لو أن شخصًا يُبدل أرضًا له بأي بلد بالرياض أو جيزان أو الإحساء بأرضٍ بجوار الحرم فأيهما المغبون؟

طالب:.........

اصنع به ما شئت، ملك لك.

طالب:.........

لا لا.                    

"قوله: "بابٌ إذا اشترى شيئًا فوهبه من ساعته" قوله: "فأعتقه" أي: قبل أن يتفرقا، وهذا مما ثبت بالقياس على الهبة الثابتة بالحديث.

قوله: "على الرضا" أي: على شرط أنه لو رضي به أجاز العقد، "ووجبت" أي: السلعة والمبايعة، "والحميدي" بضم المهملة عبد الله".

عبد الله بن الزبير، الذي روى عنه البخاري أول حديث في الصحيح.

"والبَّكر" بفتح الموحدة الفتى من الإبل".

الفتى أو الفتي؟

طالب: الفتي.

"الفتي من الإبل، "وأصعب الجمل" إذا لم تركبه ويمسه حبل".

يمسسه.

"قوله: "الوادي" اللام للعهد، وهو عبارةٌ عن وادٍ معهودٍ عندهم، والمال هنا هو العقار، "وعقبى" بلفظ المفرد والمثنى، وهذا صريحٌ في أن المراد بالتفرق هو تفرق الأبدان".

رجعت على عقِبي أو على عقِبيَّ بلفظ المفرد والمثنى.

طالب:..........

عبد الله بن الزبير اسمه، حسبه ابن الزبير بن العوام.

"والسُّنَّة" أي: طريقة صاحب الشريعة.

قوله: "وثمود" قبيلةٌ من العرب الأولى وهم قوم صالح، يُصرف ولا يُصرف، وأرضهم قريبةٌ من تبوك.

 فإن قلت: ما وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة؟ قلت: ذُكر بمناسبة أن للمتبايعين التصرف على حسب إرادتهما قبل التفرق إجازةً وفسخًا".

"بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الخِدَاعِ فِي البَيْعِ.

 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ»".

يعني لو أن شخصًا بدَّل المصحف، المصحف قيمته ثلاثون ريالًا في السوق بكتاب ألف ليلة وليلة المطبوع بأوروبا، ويُباع بعشرة آلاف ريال، فأيهما المغبون؟

طالب:..........

الذي أخذ أم الذي أعطى؟

طالب: الذي أعطى يا شيخ.

لأنه بإمكانه أن يبيع هذا الكتاب ويشتري كم؟ ثلاثمائة نسخة، يشتري ثلاثمائة مصحف، لكن إذا نظرنا إلى القيمة المعنوية مع القيمة المادية، فالدنيا كلها لا تقوم في مقابل كلام الله؛ ولذا أنكر بعضهم، ومعروفٌ عند المالكية ما يُسمى بخيار الغبن، وما فيه شيء اسمه خيار الغبن، اشتريت بسبعة ريالات أو بألف ما فيه غبن، الدنيا كلها ما فيها غبن؛ لأن الله –جلَّ وعلا- يقول: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9] إذًا الدنيا ما فيها تغابن ما تساوي شيئًا.

والحديث لا خلاف أنه يأتي الآن من يثبتون له خيار الغبن، نقول: ما فيه غبن، لو اشتريت بألف ضِعف فما فيه غبن، الدنيا كلها ما فيها غبن ما تساوي؛ لأن الله –جلَّ وعلا- يقول: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9] هذا أسلوب حصر.

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الخِدَاعِ فِي البَيْوعِ" الخداع والخديعة والخَدعة بفتح الخاء بلغة النبي –عليه الصلاة والسلام-: «الْحَرْب خَدْعَة» بالفتح كما في سُنن أبي داود.

الخَدعة والخديعة: الغرر والتمويه والاحتيال.

"بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الخِدَاعِ فِي البَيْعِ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ" وهو التنيسي.

"قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ" الإمام.

"عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ".

 ومثله كثير، وهو في النساء أكثر، بعض الناس مسترسل، يشتري بأي قيمة تُذكر له، سلعة بمائة ريال لو قلت له: بألف، قال: نزلني، قال لك: عشرة من الألف،  قال: اشتريت، واحد طلع بسيارة يبيعها، وباعها بخمسة عشر ألفًا، وطلعوا ليفحصوها وما تفوِّر، وتولع اللمبات كل شيءٍ ولع، قال: لا والله، ما أبيعها بخمسة عشر، قال: مائة، قال: اشتريت بدون فحص هذا مسترسل، ويوجد في أسواق المسلمين من هذا النوع كثير، مثل هذا لازم أن الطرف الثاني يخاف الله –جلَّ وعلا- فيه، وله الخيار إذا بان أنه مغبون فله الخيار. 

"أَنَّ رَجُلًا" اسمه حبان.

طالب: ذكر هذا وهذا الرجل هو حبان بفتح المهملة.

ابن منقذ؟

طالب: نعم ابن منقذ.

حبان بن منقذ نعم.

"أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي البُيُوعِ فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ»" «لاَ خِلاَبَةَ» يعني: لا خديعة، بمعنى أنه نفى وجود الخديعة والخلابة، وكان في لسانه لِثَّة فكان يقول: لا خذابة.

فإذا اشترط ألا خديعة، فإذا وجِدت الخديعة واشترى بثمنٍ مرتفع أن يكون له الخيار.

اقرأ الشرح:   

"قوله: «لاَ خِلاَبَةَ» بكسر المعجمة وبالموحدة أي: لا خديعة، أي: لا يلزمني خديعتك أو بشرط أن لا يكون فيه خديعة، وهذا الرجل هو حبان بفتح المهملة وشدة الموحدة وبالنون ابن منقذ بلفظ الفاعل من الإنقاذ وهو: التخليص، الصحابي بن الصحابي المازني، شهد أحدًا وما بعدها، مات في زمن عثمان -رضي الله عنه- قيل: بلغ مائة وثلاثين سنة، وقد شج في بعض مغازيه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ببعض الحصون بحجرٍ فأصابته في رأسه فتغير بها لسانه وعقله، لكن لم يخرج عن التمييز".

لأنه لو خرج عن التمييز لَما صح بيعه ولا شراؤه.

"قال النووي: في بعض الروايات لا خيابة بالمعجمة والتحتانية وبالموحدة، وفي بعضها بالنون، وفي بعضها خذابة بإعجام الذال، وكان الرجل البائع ألثغ يقولها بهذه العبارة، ولا يمكنه أن يقول على الصواب وهو لا خلابة.

الخطابي: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا القول من حبان بمنزلة خيار الشرط؛ ليكون له الرد إذا تبين أنه قد خُدِع، وقد قيل: إنه جاء فيه خاصة، وقيل عامٌّ في كل أحد".

"عامٌّ في كل أحدٍ" يتصف بما اتصف به.

"وحُكي عن أحمد بن حنبل أنه قال: إذا قال لا خلابة، فله الرد، وقال بعض الفقهاء: إنما يكون هذا فيما يتغابن به لكثرته، وأما اليسير فلا يرد به".

ويقدرونه بالثلث؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ» يعني إذا كانت السلعة قيمتها زائدة على حقيقة الحال بثلث قيمتها فإنه يثبت له الخيار، لكن لا بُد من الأخذ في الاعتبار تكاليف البائع، يعني إذا كان البائع مستأجرًا دكانًا بمائة ألف، وآخر مستأجرًا دكانًا بثلاثين ألفًا أو بعشرة آلاف فلا بُد أن توضع التكاليف على السلع، فقد يكون الفارق الثلث أو أكثر من الثلث، الأحياء تختلف، بعض الأحياء شعبية، ويبيعون بالقيم الرخيصة؛ لضعف التكاليف عليهم، وأما بعض الأحياء فيتعبون على المحلات والديكورات وغير ذلك، فيحتاجون إلى مزيدٍ في الثمن.

والإشكال أن بعض من يُريد الشراء لسلعةٍ بعينها إن ذُكِرت له القيمة الحقيقية ما اشترى، قماش تقول له: المتر بعشرة ريالات ما يشتري يقول: رديئة، لكن لو قلت له: بثلاثمائة ريال المتر، وهو بعشرة، قال: هذا أفضل، وهذا موجود في أوساط النساء وأشباه النساء، بعض التجار يتذرع بهذا يقول: والله ما نبيع شيئًا لو رخصنا لازم نرفع السعر حتى يأتينا الناس يشترون؛ لأنه مع الأسف الناس يُقارنون الجودة بالقيمة، وليتهم يقتصرون على الضعف أو الثلث أو أكثر أو قليل، عشرة أضعاف، عشرين ضعفًا؛ من أجل أن يُقال: هذه السلعة جيدة.

فيه شخص ذهب إلى الإمارات، وأتى بقماش لزوجته من دبي، وقالت: كم قيمته؟ قال: ثلاثمائة درهم المتر، خاطته، حضرت به مناسبة، واجتمع عليها الناس –ما شاء الله- هذا القماش بكم بكم؟ بثلاثمائة درهم، فامتلأت حقيبتها من الدراهم وصايا، النساء أعطوها وصايا، أعطوها مبالغ؛ لأنهم يُريدون مثله؛ لأنهم يعرفون إن زوجها يتردد على دبي، جزاكم الله خيرًا نُريد من هذا القماش، يوم أن ذهبت الزوجة قال: ما المسألة هذه؟ المتر بعشرة، وبدلًا من أن تقول: جزاك الله خيرًا، الناس يشكرون ويمدحون ويُثنون، التفتت إليه وقالت له: ضيعت وجهي عند الناس تلبسني خيشة؟ قال: ما هو الإشكال هذا؟ كيف تردين الفلوس عليهم؟ ما نحن آخذين بثلاثمائة، أم نأتي لهم بهم ببضائع يبيعونها بالسوق قدر فلوسهم، بدل أن تجيء بثلاثة أمتار ثوبًا واحدًا، تجيء بسبع أو أكثر بالقيمة الحقيقة.

فأقول: الناس كلهم أو جُلهم النساء بالذات عمومًا، والرجال بعضهم فيه طبع النساء يقيس الجودة بالقيمة، وهذا لا شك أنه ما هو بعقل هذا.

طالب:........

قطعًا الجودة تختلف باختلاف القيمة بالنسبة للمصانع، الصين أعطها عشرة ريالات يعطيك سلعة، وأعطها ألفًا يعطيك نفس السلعة بنفس المواصفات إلا الجودة.

طالب:..........   

لا بُد من أن يشترط؛ لأن الناس اليوم كثيرٌ منهم ما يُوثق، لو زادت القيمة على الثلث فله الخيار. 

"بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الأَسْوَاقِ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ قُلْتُ: هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ، وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ، يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ».

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ، تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، وَقَالَ: أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ».

حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا القَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي».

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَعَا رَجُلٌ بِالبَقِيعِ يَا أَبَا القَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ قَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ، لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ، حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ «أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ» فَحَبسَتُهُ شَيْئًا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا، أَوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ، وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ»، قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ.

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ، حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ".

قال –رحمه الله-: "بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الأَسْوَاقِ" وسرد عدة أحاديث فيها كلها ذكرٌ للسوق بهذا اللفظ إما بالإفراد أو بالجمع، فالمناسبة بينه وبين الترجمة ذكر ما ذُكِر فيها من الأسواق.

"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ قُلْتُ: هَلْ مِنْ سُوقٍ" هذا الشاهد.

"وفِيهِ تِجَارَةٌ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ" فيه بيع وشراء وحركة تجارية.

"وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ"؛ لأنه تاجر يحتاج إلى سوق تُتداول فيه السلع، فيبيع ويشتري -رضي الله عنه وأرضاه-.

"وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ" يعني عن حفظ جميع ما يُروى عن النبي –عليه الصلاة والسلام- ليس كأبي هريرة متفرغ.

قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ" يعني الرواية عن محمد بن سوقة مناسب للترجمة هي مقصودة؟

طالب: لا يا شيخ.

يعني ليس مقصودًا.

"عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ»" أرض فسيحة مستوية.

"«يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ" وناس ما لهم ذنب خرجوا مع الناس من غير قصد، ليس قصدهم غزو الكعبة، إنما قصدهم أحدهم للتجارة، وأحدهم سمع الناس، ولا يدري أين يُريدون فخرج معهم، وبعض الناس يمشون في طريقهم من الأصل، وهم في هذا الطريق، فوجدوا الناس يمشون مشوا معهم.

"وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟" يعني ناسًا ما هم منهم أصلاً ماشيين في هذا الطريق.

"قَالَ: «يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ»" كلٌّ يُبعث على نيته.

وهكذا إذا جاءت العقوبات تعم الصالح والطالح، والمُنكِر والمغيِّر، والمذنب والموافق والمخالف إذا جاءت عمَّت، ثم يُبعثون على نياتهم.  

"حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ، تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ»" هذا الشاهد.

«وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» حديث أبي هريرة: خمس وعشرين، وحديث ابن عمر: سبع وعشرين.

«وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ» يعني لا يُخرجه من بيته إلا الصلاة.

«لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ» يعني: المسجد الذي صلى فيه، وإن جلس في مكانه الذي أدى فيه الصلاة فهو أكمل، لكن إذا اقتضى الحال أن ينتقل من مكان إلى مكان في المسجد؛ لأنه أرفق به، أو لأنه يُعينه على طول البقاء، يحتاج إلى أن يُسند ظهره إلى جدار أو إلى عمود انتقل من أجل ذلك، فهو مازال في مصلاه؛ لأنه في المسجد.

«وَالمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ» هل يُراد به الحدث المعروف الناقض للوضوء، أو يُراد به الإحداث في الدِّين يبتدع؟

«مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ» إذا آذى الناس فبدلًا من أن يكتسب الحسنات فيجني على نفسه السيئات إذا آذى. 

«مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ» ولا تظنون أن الإنسان أو أن الأذى يقتصر على أن يضرب فلانًا، أو يُسيء إلى فلان، أو يتهجم على فلان، أو يغتاب فلانًا، لا، إذا وُجِد المنكر من شخص ويتأذى به الصالحون فقد آذاهم، الآن الذين جوالاتهم موسيقى وأغانٍ، وخيار الناس يتأذون بها، هذا أذى، ويدخل في الحديث.  

«وَقَالَ: أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ».

قال: "حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السُّوقِ"، وهذا هو الشاهد.

"فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا القَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا"، يعني: ما أقصدك، وما فيه شك أن هذا فيه نوع إساءة، يا أبا القاسم، ثم يلتفت النبي –عليه الصلاة والسلام- ويقول: أنا لا أريدك!

"فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي»لئلا يحصل مثل هذا الذي فيه نوع استخفاف بالنبي –عليه الصلاة والسلام-، فلا يجوز الجمع بين اسمه وكُنيته، وقد جاء النهي عن الكُنية، والإذن بالاسم، وهو محمولٌ على ما كان في عصره –عليه الصلاة والسلام-، أما ما كان بعد وفاته فلا يدخل في النهي؛ لأن العِلة ارتفعت.

"حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَعَا رَجُلٌ بِالبَقِيعِ يَا أَبَا القَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ قَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي»".

قال: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" وهو ابن المديني الإمام المعروف.

"قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عُيينة.

"عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ" يعني: في أثناء النهار بعدما انقضى منه جزء، مضى منه وقت، وفي بعض الروايات: (في صائفة) يعني في وقتٍ شديد الحر.

"فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ، حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ" بنته -عليه الصلاة والسلام-.

"فَقَالَ «أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ»" يعني: هل موجود لُكع؟ يعني: الولد، يعني: الحسن أو الحسين، والأصل في اللكع واللكيع هو الرجل اللئيم، لكنه لا يُقصد معناه هنا.

"فَحَبسَتُهُ شَيْئًا" يعني تأخرت عليه ما طلَّعت الولد.

"فَحَبسَتُهُ شَيْئًا" ما استعجلت عليه؛ لأنها تُنظِّفه وتلبسه وتجهِّزه.

"فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا، أَوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ، وَقَبَّلَهُ" - عليه الصلاة والسلام-.

"وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ»، قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ" ليُبين أنه أدركه إدراكًا بينًا.

قال: "حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ" يعني: في نفس السوق.

"حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ" لا بُد من القبض، وقبض كل شيءٍ بحسبه، فالعقار له قبض، والنخيل والثمار والزروع لها قبض، وعلى كل حال القبض لا بُد منه.

وهنا بعض من يُعاني الاقتصاد ويتعاون في ذلك مع البنوك يتسمَّح كثيرًا في القبض، ويرى أنه اعتباري لا حقيقي، ويتساهل في ذلك تساهلاً شديدًا؛ حتى وقعوا في المخالفة الصريحة للنص. 

اللهم صلِّ على نبينا محمد.