شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (162)

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة من برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. لا زلنا في باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى من يكره، وبالذات في حديث زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه-، والذي يتولى شرح هذا الحديث وأحاديث الكتاب، صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الكريم بن عبد الله الخضير، والذي نسعد بالترحاب به في أول هذه الحلقة، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.

حياكم الله، وبارك وفيكم وفي الإخوة المستمعين.

المقدم: نستكمل -أحسن الله إليكم- ما تبقى في ألفاظ الحديث.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، في قوله عليه الصلاة والسلام: «ثم استمتع بها» هذا معطوف على قوله: «ثم عرفها» قال العيني قالوا: الإتيان بـ«ثم» هنا دال على المبالغة في التثبت في تعرُّف العفاص والوكاء إذ كان وضعها للتراخي والمهلة، فكأنه عبارة عن قوله: لا تعجل وتثبت في عرفان ذلك؛ لئلا يترقب الإنسان تمام السنة بحيث يتعجل الأمر، بحيث تحمله هذه العجلة إلى عدم التثبت في معرفة أوصافها وعدم استكمال المدة المحددة شرعًا. أتى بـ«ثم» التي هي للتراخي. قال: «ثم استمع بها»، فكأنه عبارة عن قوله: لا تعجل وتثبت في عرفان ذلك، واستُدل به على أن الملتقط يتصرف فيها سواء كان غنيًّا أو فقيرًا. وعن أبي حنيفة: إن كان غنيًّا تصدق بها، فإن جاء صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه. يقول يستوي في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «ثم استمتع بها».

المقدم: فإن جاء ربها فأدها.

«ثم استمتع بها» هذا خطاب للملتقط بغض النظر عن وصفه بكونه غنيًّا أو فقيرًا محتاجًا، أو غير محتاج؛ لأنه يشمل من غير استفصال، وعن أبي حنيفة: إن كان غنيًا تصدق بها، فلا يجوز له أن يتملكها إن كان غنيًا ليس بحاجة إليها، كما أنه لا يجوز له أن يتصدق بها على غني يتصدق بها على فقير، وإن جاء صاحبها تخير بين إمضاء الصدقة أو تغريمه  الصاحب هذا صاحب العين الذي ضلّت منه وضاعت عنه يتخير إن شاء أمضى الصدقة ويكون الأجر له، وإن شاء غرّم هذا الذي تصرف في ماله، وإن كان هذا التصرف مأذونًا به شرعًا..

المقدم: يعني كونه مأذونًا به شرعًا لا يلحقه إثم فيه.

لا يلحقه إثم، لكن إذا تصدق وتصرف على نية الضمان لصاحبها.

المقدم: تلزمه الأداء.

نعم يلزمه الأداء، «فإن جاء ربها» أي مالكها، ولا يطلق الرب على غير الله تعالى إلا مقيدًا «فأدها إليه» أي يستمتع بها وينفقها بنية الرجوع، أي أنه متى جاء صاحبها فإنه يدفعها إليه، قال السائل: "يا رسول الله فضالة الإبل؟" مبتدأ خبره محذوف، أي ما حكمها، أكذلك هي أم لا؟ وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف من إضافة الصفة إلى الموصوف الأصل: الإبل الضالة، "فغضب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-" إما لأنه كان نهى قبل ذلك عن التقاطها، وإما لأن السائل قصّر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين.

 "فغضب" الفاء هذه للسببية، سبب الغضب منه -عليه الصلاة والسلام- وقد جاء النهي منه عن الغضب في وصيته -عليه الصلاة والسلام- الصحابي الذي قال: أوصني قال: «لا تغضب»، وأمر بالرفق وحث عليه، فكونه غضب -عليه الصلاة والسلام- لمجرد سؤال لاشك أنه مشكل، والذي يجزم به ويقطع به من خلال ما استفاضت به السنة من خلقه -عليه الصلاة والسلام- أنه لا بد أن يكون هناك أمر وراء هذا السؤال، لا لمجرد السؤال، إنما هناك أمر وراء هذا السؤال، وكأن هذا السائل قد عرف الحكم، لكن أراد أن يستغل فرصة يعني مناسبة لأن يكون يأتي بأن يجاب بغير ما عرف، فإما لأنه كان نهي قبل ذلك عن التقاطها، وإما لأن السائل قصر في فهمه فقاس ما يتعين التقاطه على ما لا يتعين.

 "حتى أحمرت وجنتاه" -عليه الصلاة والسلام- تثنية وجنة وهي ما ارتفع من الخد، ويقال: ما علا من لحم الخدين وفيها لغات، وَجنة بفتح الواو وبكسرها وِجنة وبضمها وُجنة، وأُجنه أيضًا  بضم الهزة، و"حتى" للغاية بمعنى إلى أن أحمرت وجنتاه، وهذا هو الشاهد من حديث الترجمة.

المقدم: الغضب.

نعم، الغضب، أو قال: أحمر وجهه شك من الراوي، يقول الخطابي في "أعلام الحديث" هذا شرح مختصر جدًّا للبخاري من أوائل الشروح إن لم يكن أول الشروح، غضبه -عليه الصلاة والسلام- إنما كان استقصارًا لعلمه وسوء فهمه.

المقدم: أي السائل.

إذ لم يراعِ المعنى الذي أشار إليه ولم ينتبه له فقاس الشيء على غير نظيره، وذلك أن اللقطة إنما هو اسم الشيء الذي يسقط من صاحبه فيضيع لا يدرى أين موضعه، وليس للشيء الذي في نفسه حول تقلب وتصرف، هداية الوصول إلى صاحبه، يقول: وذلك أن اللقطة إنما هو اسم الشيء الذي يسقط عن صاحبه فيضيع لا يدرى أين موضعه، وليس لهذا الشيء في نفسه حوْل تقلبٍ، ولا تصرف هداية للوصول لصاحبه، والإبل مخالفة لذلك اسمًا وصفةً، وإنما يقال له: الضالة، ولا يقال لها: لقطة، السؤال في الأصل عن ماذا؟

المقدم: عن ضالة الإبل.

عن اللقطة.

المقدم: الأول.

نعم، هذا أصل السؤال سأله رجل عن اللقطة فأجابه -عليه الصلاة والسلام- بجواب كامل كافٍ شافٍ عن اللقطة، فأراد أن يدخل في هذا المسمى اللقطة ما لا يدخل فيها، هذه تسمى ضالة وليست لقطة جاءه الجواب عن سؤاله بالتمام والكمال، سأل عن اللقطة فأجيب، فسأل وأراد أن يدخل في مسمى اللقطة ما لا يدخل فيها حقيقة ولا عرفًا، هذه ليست لقطة وإنما هي ضالة، وهو أيضًا سماها ضالة قال: فضالة الإبل يريد أن يكون جوابه -عليه الصلاة والسلام- شاملًا للّقطة والضالة، لكن هذه لها حكمها، وهذه لها حكمها، وقلنا: إن مثل هذا قد يتصور أنه لا يقتضي الغضب، لكن مثل هذا السؤال ووراءه ما وراءه من دفع النفس إلى حب التملك وحب المال بحيث يكون هذا الجواب الذي فيه الغضب لهذا السائل ولغيره ممن يأتي بعده.

المقدم: أن يحذر من هذا.

أن يحذر من مثل هذه الأمور، ولا يستشرف لأموال الناس.

المقدم: وإلا بعض الصحابة طرحوا أسئلة على النبي -عليه الصلاة والسلام- يمكن يكون أغرب من هذا السؤال.

هو ما غضب، لكن هناك أمور قد يكون وراءها من غريزة، من غريزة حب المال مثلاً، لو تساهل النبي- عليه الصلاة والسلام- في الجواب ماذا يكون وضع الناس الذين يقفون على هذه الأمور إلى قيام الساعة، جيل الصحابة جيل فريد يعني يؤثر آخرته على دنياه، لكن يأتي من يؤثر الدنيا على الآخر بحيث يتذرع بأدنى سبب ليتملك هذا المال الذي غاب عنه صاحبه، فاقتضى الأمر مثل هذا الغضب منه -عليه الصلاة والسلام-، والإبل مخالفة لذلك اسمًا وصفة -هذا كلام الخطابي- يقال لها: الضالّة؛ لأنها تضل لعدولها عن المحجة يعني الطريق، في مسيرها وهي لا تعدم أسباب القدرة على العود إلى ربها لقوة سيرها وإمعانها في الأرض، وذلك معنى الحذاء المذكور في الخبر، ومعنى السقاء أنها ترد المياه ربعًا وخمسًا فتمتلئ شربًا وريًا لأيام ذات عدد، ثم هي تمتنع على الآفات من سبع يريدها أو بئر تتردى فيها، ولذلك جعل الأمر في الغنم على العكس منها فقال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب»؛ إذ كان لامتناع بها لضعفها وانقطاعها إذا انقطعت عنها رعاية الحفاظ والذابين عنها، فجعل سبيلها سبيل اللقطة، وأمره بالاستمتاع وردها إذا جاء صاحبها بالنسبة للإبل تمتنع من السباع وأيضًا....

المقدم: الهلاك.

وأيضًا تصبر على الجوع والعطش وتقطع الفيافي وجعل في تركيبها ما يجعلها تتحمل الترك، بينما الغنم.

المقدم: أبدًا.

الغنم أدنى سبع من صغار السباع تقتضي عليها، ولذلك قال: «لك أو لأخيك أو للذئب»، ومع ذلك ليس في الحديث فرصة لأولئك الذين يخرجون إلى البراري وينظرون إلى أدنى شيء من الأغنام لحاجتهم إليه مثلًا في رحلة أو نزهة.

المقدم: ويقولون لقطة.

ويقولون لقطة لا ليس معنى هذا أبدًا، لكن المسألة مسألة ديانة وأمانة؛ لأن هذه حقوق الناس مبينة على المشاحة، فإذا كان الغالب على الظن أنها تهلك إذا تركت لك أو لأخيك أو للذئب؛ لأن قوله لك في مقابل قوله: لأخيك أو للذئب فكونها للذئب معناه التلف فهي ليست لك مع السعة، ومع احتمال وصول ربها إليها غلبة الظن بذلك، إنما إذا جعلنا التقسيم الثلاثي هذا: لك، أو لأخيك، أو للذئب، فإنها لا تكون لك إلا في موازاة كونها للذئب يعني ليس في هذا ما يبرر التعدي على أموال الناس لأدنى سبب، فقال- عليه الصلاة والسلام-: «ما لك ولها» هذه في الإبل، وفي بعض النسخ «وما لك» بالواو في بعضها: «فما لك» بالفاء، وكلمة ما استفهامية ومعناه: ما تصنع بها، أي لم تأخذها؟ ولمَ تتناولها؟ وأنها مستقلة بأسباب تعيشها قاله الكرماني، «معها سقاؤها» بكسر السين هو للبن، السقاء للبن، للبن والماء والجمع أسقية والكثير أساقي كما أن الوطب للبن خاصة، والنِّحي للسمن والقربة للماء، و «سقاؤها» مبتدأ خبره معها مقدم، والمراد به جوفها، وقيل: عنقها يعني الذي يعينها على تناول الشيء البعيد، وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط. «وحذاؤها» معطوف على سقائها، «معها سقاؤها وحذائها»، والحذاء بكسر الحاء المهملة وبالمد ما وطِئ عليه البعير من خفه، والفرس من حافره، والحذاء النعل أيضًا، يقول الكرماني: وأشار بقوله «معها سقاؤها وحذاؤها» إلى أن المانع من التقاطها استقلالها بالتعيش، وذلك إنما يتحقق فيما يوجد في الصحراء، وأما ما يوجد في القرى والأمصار فيجوز التقاطها لعدم المانع ووجود الموجب، الآن التقاطها لكونها في الصحراء خشية الهلاك، أما يوجد في القرى والأمصار فيجوز التقاطها لعدم المانع، لو افترضنا أنه وجد في القرى وفي الأمصار ما يغلب على الظن هلاكه هل نقول يلتقط؟ أو ينحّى عن موضع الخطر؟ لو وجدنا مثلًا.

المقدم: ماعز تحت جدار يمكن ينقض.

أو في الدائري في الطريق الدائري سيارات مسرعة، هل نقول إن هذا مبرر لالتقاطها؟ إن ما أخذتها هلكت، أو نقول: تنحيها عن هذا الطريق المخُوف إلى طريق آمن.

المقدم: هذا صحيح.

بلا شك نقول تنحيها عن الطريق وتجعلها في مأمن من الهلاك والتلف، فأما ما يوجد في القرى والأمصار فيجوز التقاطها لعدم المانع ووجود الموجب وهو كونها معرضة للتلف مطمحة للأطماع، «ترد الماء لتشرب منه» قال القسطلاني: وهي جملة بيانية لا محل لها من الإعراب أو محلها الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي ترد الماء، «وترعى الشجر» فلا حاجة لأخذها لعدم الخوف عليها «فذرها» أي: اتركها، ولا تلتقطها والفاء في جواب شرط محذوف أي إذا كان الأمر كذلك فذرها حتى يجدها حتى يلقاها، يعني يجدها ربها صاحبها ومالكها، إذ إنها غير فاقدة أسباب العود إليه لقوة سيرها، يعني في الغالب أن الإبل كما وصف في الحديث، جاء الوصف في الحديث وهي أيضًا توسم بحيث لا تختلط بأموال الآخرين والوسم شرعي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وسم إبل الصدقة، فتكون معروفة حينئذ يعرفها صاحبها ويعرفها من رآها أنها لفلان أو لقبيلة أو لآل فلان فتصل إليه.

المقدم: يعني الوسم كافي لعدم التقطاها.  

لكونها تمتنع، الأصل كونها تمتنع، والوسم أيضًا مع هذا الامتناع بحيث تصل إلى صحابها كأنها اللقطة مكتوب عليها اسم صاحبها، يعني لو وجدت كيسًا فيه دراهم.

المقدم: محفظة.  

وعليه اسم صاحبه، أو فيه..

المقدم: بطاقة.

بطاقة الأحوال مثلًا، أو رخصة قيادة هذه مثل الوسم، ما تكون لقطة وصاحبها معروف. «ربها» صاحبها ومالكها إذ إنها غير فاقدة أسباب العود إليه لقوة سيرها لكون الحذاء والسقاء معها؛ لأنها ترد الماء وتمتنع من الذئاب وغيرها من صغار السباع ومن التردي وغير ذلك، قال السائل: يا رسول الله، فضالة الغنم ما حكمها؟ أي هي مثل ضالة الإبل أم لا؟ انظر حرص الصحابة- رضي الله عنهم- للخير، لما سأل عن الإبل وغضب النبي-عليه الصلاة والسلام- حتى احمرت وجنتاه.

المقدم: ما توقف.

ما توقف عن السؤال؛ لأنه مريد للحق، وكثير من الناس الآن لا يحتمل مثل هذه التصرفات، ولا يصبر على التعلم، ولذا يوصي أهل العلم في آداب طالب العلم أن يصبر طالب العلم على جفاء شيخه؛ لأنه بشر، أحياناً يعرض له من الأمور، أو قد يتوقع أمرًا من الأمور، ثم بعد ذلك يقسو على الطالب؛ لأنه توقع شيئًا، بخلاف المعصوم -عليه الصلاة والسلام- يعني الدافع لغضبه أمر محقق بينما الدافع لغيره.

المقدم: أمر محتمل.

أمر مظنون محتمل. ولذلك يقول أهل العلم: على طالب العلم أن يصبر على جفاء شيخه، كما أنه أيضًا على العالم والمربي أن يصبر على بعض التصرفات من طلابه، لاسيما إذا كان الباعث عليها الخير وطلب العلم، قال -عليه الصلاة والسلام-: «ليست كضالة الإبل»، مفاد الجواب أنها ليست كضالة الإبل، بل هي لك إن أخذتها أو لأخيك من اللاقطين.

المقدم: إن تركتها.

إن تركتها ولم تأخذها أو للذئب يأكلها إن لم تأخذها أنت ولا غيرك فهو إذن في أخذها دون الإبل. يقول الكرماني: ونبه ذلك على جواز التملك للملتقط وعلى ما هو العلة، يعني أجاب بالجواب بالعلة المقتضية لجواز الالتقاط، : فضالة الغنم «لك أو لأخيك أو للذئب» يعني يجوز لك أن تلتقطها لهذه العلة، يقول: ونبه بذلك على جواز التملك للملتقط، وعلى ما هو العلة وهي كونها معرضة للضياع؛ ليدل على اطراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعي بغير راعٍ؛ لأن الجواب بالعلة يقتضي القياس، ينعي يندرج فيه كل ما يشترك مع الغنم في هذه العلة، فظهر أن الفرق بين الإبل والغنم الاستقلال بالمعاش، وقال الكرماني أيضًا: وفي الحديث دليل على أن من عرفها سنة ولم يظهر صاحبها كان له تملكها سواء كان غنيًّا أو فقيرًا،  وهو مذهبنا ومذهب أحمد، وقال الحنفية: لا يتملك الغني، والحديث حجة عليهم كما في تجويزهم التقاط الإبل، يعني الحنفية يقولون: الغني لا يتملك، والحديث لم يستفصل. «ثم استمتع بها» لم يستفصل بين كون الملتقط غنيًّا ولا فقيرًا.

 أيضًا الحديث لما سئل -عليه الصلاة والسلام- عن ضالة الإبل فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: «فذرها حتى يلقاها ربها» الحنفية يقولون: يجوز التقاط الإبل، والحديث حجة عليهم في المسألتين، في كتاب "الهداية" من كتب الحنفية المشهورة للمرغيناني، لفتح القدير شرح له، و"الهداية" أيضًا شرح لمتن صغير اسمه "بداية المبتدئ" يجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير، هذا من كتب الحنفية، يجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير، طيب ماذا عن الحديث الصحيح الصريح، وقال مالك والشافعي -رحمهم الله تعالى-: إذا وجد البعير والبقر في الصحراء فالترك أفضل، وعلى هذا الخلاف في الفرس، وعلى هذا الخلاف في الفرس يقول الحنفية: يجوز الالتقاط في الشاة والبقر والبعير، وقال مالك والشافعي-رحمهم الله تعالى-: إذا وجد البعير والبقر في الصحراء فالترك أفضل، يعني ما الفرق بين مذهب الحنفية والشافعية والمالكية؟ الحنفية يجيزون على حد سواء الالتقاط وعدمه، بينما الشافعية والمالكية الترك أفضل عندهم، لكن هل هذا مفاد الحديث؟

المقدم: لا.

في الإبل، الرسول-عليه الصلاة والسلام-يقول: «فذرها».

المقدم: أمر.

هل معنى هذا أن تركها أفضل؟

المقدم: أبدًا.

يقول صاحب الهداية: لهما -يعني المالكية والشافعية لهما- أن الأصل في أخذ مال الغير الحرمة، والإباحة مخافة الضياع، وإذا كان معها ما تدفع عن نفسها يخل الضياع، ولكنه يتوهم، فيقضى بالكراهة والندب إلى الترك، هذه حجة المالكية والشافعية يقول: لهما -أي للمذهبين- أن الأصل في أخذ مال الغير الحرمة، والإباحة إباحة الالتقاط عمومًا في جميع ما يوجد مما غاب عن صاحبه، والإباحة مخافة الضياع، وإذا كان معها ما تدفع به عن نفسها كالإبل مثلًا، والبقر يقل الضياع، ولكنه يتوهم فيقضى بالكراهة والندب إلى الترك، هذه حجة من يقول: الترك أفضل، ومقتضى كون الترك أفضل أنه يجوز الالتقاط، بينما عند الحنفية يجوز الالتقاط على حد سواء خذها أو دعها من دون مفاضلة، يقول صاحب الهداية: ولنا -يعني مما يدل لمذهبنا-.

المقدم: الحنفية.

أنها لقطة يتوهم ضياعها، فيستحب أخذها وتعريفها؛ صيانة لأموال الناس كما في الشاة، الآن هم استعملوا القياس، الشاة، النبي-عليه الصلاة والسلام- قال: «لك أو لأخيك أو للذئب» يعني أنها مظنة للضياع، وقاسوا عليها الإبل، ولنا أنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها؛ صيانة لأموال الناس كما في الشاة، الآن استعملوا القياس، والقياس في مقابل النص...

المقدم: مرفوض.

فاسد الاعتبار كما يقول أهل العلم، فاسد الاعتبار، ولا قياس مع النص، أقول: الحديث لاسيما بالنسبة للإبل حجة على الجميع لا على الحنفية ولا على الشافعية والمالكية فيما نقله صاحب الهداية عنهم، فيحرم أخذها، كيف وقد غضب النبي-عليه الصلاة والسلام-وقال: «ما لك ولها؟ وقال: فذرها حتى يلقاها ربها» ومع ذلك نقول: يجوز التقاطها أو الأفضل تركها، نقول: لا يجوز التعرض لها.

المقدم: أحسن الله إليكم يا شيخ، لعلنا نبدأ إن شاء الله الحلقة القادمة الحديث عن هذه المسألة على الأقل نلملم أطرافها للإخوة والأخوات، أيها الإخوة والأخوات بهذا انتهت هذه الحلقة من برنامج شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، ولازلنا في حديث زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه-، نستكمل بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة، وأنتم على خير.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.