كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 01

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

"بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى-:

كتاب النكاح

 عن علقمة قال: كنت أمشي مع عبد الله بمنى فلقيه عثمان فقام معه يحدثه فقال له عثمان: يا أبا عبد الرحمن، ألا نزوجك امرأة شابة، لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك؟ فقال عبد الله: لئن قلت ذاك لقد قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء».

 وعن أنس رضي الله عنه أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله وأثنى عليه فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» متفق عليهما، واللفظ لمسلم.

 وعنه- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا ويقول: «تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة»، رواه الإمام أحمد وسمويه وابن حبان.

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، متفق عليه. وعنه -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفأ إنسانًا قد تزوج قال: «بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والنسائي في اليوم والليلة، والترمذي وصححه.

 وعن أبي الأحوص عن عبد الله -رضي الله عنه- قال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة، قال: التشهد في الحاجة «إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ويقرأ الثلاث آيات»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن.

 وعن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل»، قال: فخطبت جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ لها تحت الكرب، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها، فتزوجتها، رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود من رواية ابن إسحاق، وهو صدوق، عن داود بن الحصين، وهو من رجال الصحيحين، عن واقد بن عبد الرحمن، وهو ثقة عن جابر.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بيع بعض، فلا يخطب الرجل على خطبة أخيه، حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب، متفق عليه، واللفظ للبخاري، وعن سهل بن سعد الساعدي.."

حسبك حسبك يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- "كتاب النكاح"، وزاد المحقق باب أحكام النكاح، والكتاب مر التعريف به مرارًا، وأنه مصدر كتب يكتب كتابًا وكتابة وكتبًا، والأصل في المادة الجمع، ذكرنا هذا مرارًا وكررناه في كل مناسبة حتى مُلّ، والنكاح مصدر نكح ينكح نكاحًا، والأصل فيه الضم والجمع يقال: تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض.

ويا منكح سهيلا الثريا

 

 

 

 

عمرك الله كيف يجتمعان

 

 

هي شامية إذا ما استقلت

 

 

 

وهو إذا ما استقل يماني

 

 

كيف تجمع بين الشامي واليماني والمقصود مُنكح سهيل الثريا يريد أن يجمع بينهما، فالأصل في هذه المادة الضم والجمع والنكاح يطلق ويراد به العقد على الزوجة، كما أنه يطلق ويراد به الوطء، وهل هو حقيقة فيهما حقيقة شرعية في الأمرين في اللفظين، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر أو هو لفظ مشترك بينهما، منهم من يقول: هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء، ومنهم من يقول العكس، ومنهم من يقول: لا مانع من أن يكون حقيقة شرعية فيهما، ولا شك أنه إذا قيل: نكح زوجته فالمراد أنه وطئها، وإذا قيل: نكح بنت فلان فالمراد عقد عليها، وإطلاقه في النصوص الغالِب على العقد، الغالب على العقد في قوله -جل وعلا- في المطلقة ثلاثًا، {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [سورة البقرة:230] قالوا: المراد بالنكاح هنا الوطء، كما في الحديث الصحيح «لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك».

 فالنكاح هنا المراد به الوطء، فلا تحل للزوج المطلق ثلاثًا حتى يطأها الزوج الثاني، وعلى كل حال هذا من الأمور الواضحة الظاهرة التي لا يتعرض المتقدمون لتعريفها لوضوحها، وأما المتأخرون الذين شغفوا بالتعاريف، ولبعد العهد خفيت الحقائق على كثير من المتعلمين، فاحتيج إلى هذه التعاريف يقال مثل هذا الكلام.

 قال -رحمه الله-: "عن علقمة قال: كنت أمشي، كنت أمشي" علقمة بن قيس النخعي من خواص ابن مسعود، "كنت أمشي مع عبد الله" يعني ابن مسعود، عبد الله بن مسعود بن غافل الهذلي الصحابي الجليل المعروف المشهور، «من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد»، "كنت أمشي مع عبد الله بمنى" المشعر المشهور المعروف، "فلقيه عثمان" ابن عفان الخليفة الراشد ثالث الخلفاء الراشدين.

 "فلقيه عثمان فقام معه يحدثه" لما رأى علقمة قرب عثمان من ابن مسعود، وعرف أنه سوف يسر إليه بشيء ابتعد، ابتعد، "قام معه يحدثه" يحدثه قائلاً له، قال عثمان لعبد الله بن مسعود، عثمان الخليفة، أمير المؤمنين، وابن مسعود من العلماء الجِلَّة، لكنه كبير سن في ذلك الوقت، يناهز السبعين، ومن سطة الناس بالنسبة لأمور الدنيا.

 "قال له عثمان يا أبا عبد الرحمن" كنية ابن مسعود "ألا نزوجك امرأة شابة؟"، وفي رواية جارية، "لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك" عثمان -رضي الله عنه وأرضاه- رغب في هذا الحبر عبد الله بن مسعود، رغب فيه لماله أو لجماله؟ لا، والله، رغب فيه لعلمه ودينه، فهذه منقبة لعثمان -رضي الله عنه وأرضاه-، منقبة من مناقب أمير المؤمنين عثمان بن عفان، حيث قصد هذا الشخص؛ لعلمه ودينه.

 "لعلها تذكرك بعض ما مضى من زمانك" الرجل قد بلغ أو ناهز السبعين، وعمر -رضي الله عنه وأرضاه- يقول: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشوابّ، صحيح فإياه وإيا الشواب. "تذكرك بعض ما مضى من زمانك" لا شك أن الشابة تعين، تنشط الكبير، لكن الذي عنده المادة أصلها موجود، ليس أصلها مفقودًا، عبد الله بن مسعود ما قال: هذه فرصة العمر، لو بحثت ما وجدت، ما قال هذا.

 "فقال عبد الله لئن قلتَ ذلك" وقال لعلقمة لما ابتعد قال: تعال، لما صار هذا الموضوع تعال، ما فيه سر، "لئن قلت ذلك لقد قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا معشر الشباب»" ما قال: يا معشر الشيوخ، ما قال: يا معشر الشيوخ، «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، خاطب الشباب؛ لأنهم هم مظنة الشهوة، ومظنة القدرة، بخلاف الشيوخ وإن وجد في بعضهم شيء من هذا، لكن الشباب هم أغلب على الظن في هذه المظنة، وقد يوجد من الشيوخ من يضاهي الشباب، لكنه قليل، ما هو في الكثرة مثل الشباب، مع أن الشباب في وقتنا هذا كثير منهم يشكو الضعف، شباب في العشرين، والخمس والعشرين، والثلاثين يشكون الضعف، والسبب في ذلك المأكول تغير، كان الأكل في السابق كله طبيعي، ما أدخل عليه أشياء تغيره وتؤثر فيه من كيماويات وغيرها.

 المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث يخاطب الشباب؛ لأنهم هم الذين لديهم الشهوة الغالبة، والقدرة على هذا الشأن، «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، فمن قدر على الوطء بتحصيل مؤنه من قدرة على الوطء، بتحصيل مؤنه، فليتزوج، واللام لام الأمر، فالشاب إذا استطاع أن يتزوج، وقادر على ذلك، عنده ما يدفعه مهرًا، وعنده ما يستطيع أن ينفق منه على هذه الزوجة، ولديه القدرة الجنسية فهو مأمور بالزواج، «فليتزوج»، واللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، والأصل في الأمر الوجوب، وقال به، أعني الوجوب داود الظاهري وبعض العلماء، وإن نقل النووي الإجماع على أنه مستحب، على أنه مستحب، لكن الأصل في الأمر هو الوجوب، وحمله بعض العلماء على من يخشى العنت، يخشى الوقوع في الزنى، ولا شك أن هذا جارٍ على القواعد الشرعية أن تحصين الفرج من الوقوع في الزنى واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، إضافة إلى الأمر هنا، والأصل فيه الوجوب، فمن يخشى على نفسه العنت، وهو الوقوع في الزنى، ولا يستطيع أن يغض بصره بغيره يلزمه أن يتزوج، إذا عجز عن مؤن الزواج، وانغلقت في وجهه الأبواب فالتوجيه في هذا الحديث «فمن لم يستطع، فعليه بالصوم»، من لا يخشى الوقوع في الزنى، ولديه الرغبة في الوطء، ولديه أيضًا القدرة على الإنجاب الذي يتحقق به المكاثَرة والمباهاة بين الأمم للنبي -عليه الصلاة والسلام- عند أهل العلم يقولون: هو مستحب، مع أننا نستصحب ما جاء في قوله -عليه الصلاة والسلام- «فليتزوج»، هذا استطاع، ولديه قدرة فهو مأمور بالزواج.

 أحيانًا الزواج المأمور به يحرم إذا أريد به الضرر، قال: يريد أن يتزوج فلانة؛ ليضر بها، هذا يحرم عليه الزواج، وهو مستصحب لهذه النية، قد يكون الزواج مباحًا، وقد يُكرَه على حسب الأسباب والموانع والدوافع والقدرة.

 وعلى كل حال الحكم الشرعي في النكاح تنتابه الأحكام الخمسة، والأصل فيه كما في هذا الحديث أنه مأمور به، والأصل عند أهل العلم في الأمر الوجوب، وهو أيضًا من سنن المرسلين، وسيأتي في الحديث الآتي الذي بعده «فمن رغب عن سنتي فليس مني، من رغب عن سنتي فليس مني»، وذُكر عن بعض أهل العلم أنه لم يتزوج، شُهِر هذا عن النووي، وعن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعن جمع من أهل العلم، وأُلِّف في ذلك المؤلفات، وادُّعِيَ أنهم آثروا العلم على الزواج، آثروا العلم على الزواج، كيف يؤثِرون ويرغبون عن سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- إيثارًا للعلم؟

 وكثيرًا ما يسأل طلاب العلم، ويدَّعون أن الزواج يعوقهم عن تحصيل العلم، ولكن الواقع يشهد بأن الزواج يعين على تحصيل العلم، وييسر أسباب التحصيل، وتعين الزوجة وزوجها، وتيسر له أموره، ولو لم يكن من ذلك إلا اجتماع الفكر؛ لأن الشاب إذا كانت لديه القدرة ولم يتزوج، ولو زعم أنه يقضي وقته في العلم وتحصيل العلم إلا أن ذهنه مشتت إذا لم يتزوج، فإذا تزوج انحصر الذهن، وهذا مجرَّب، والشاب إذا ما لم يتزوج فالجلوس في المنزل يصعب عليه، تجده يجوب الأماكن، الطرقات، الاستراحات، يسافر كثيرًا؛ لأنه ما عنده شيء يربطه، لكن إذا وجدت الزوجة ارتبط معها، وإذا ارتبط تيسر له تحصيل العلم، والله المستعان.

 على كل حال هذه علل عليلة، لا ترد بها السنة، فلا إيثار للعلم على الزواج، بل لا تناقض ولا تنافر بين طلب العلم والزواج، وما يذكر عن كبار أهل العلم، عن بعضهم، وهذا قليل نادر جدًّا، أنهم لم يتزوجوا إما أن يكون السبب في ذلك انشغالهم كما قيل أن شيخ الإسلام منشغل بالردود الواجبة على المبتدعة، وبالجهاد، وغير ذلك، ومع ذلك وددنا أن الشيخ -رحمه الله- تزوج؛ لئلا يكون فيه مستمسك وذريعة لبعض الطلاب، لكن عذره معه، ما ندري.

 أما النووي فقالوا: إنه لا قدرة فيه على النكاح، ولا رغبة له فيه، أشبه ما يكون بالمتبتل، رجل طعامه كسرة الخبز مع الماء والملح، من أين له الوقود؟ هذا أشد مما أوصى به النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو الصيام، رجل لا ينام مضطجعًا، حمل نفسه على أقسى العزائم -رحمه الله-، وأنتج، لكن مع ذلك دين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي، ولا نقول إلا خيرًا، رجال صالحون، ونياتهم طيبة، وإنتاجهم حسن، لكن مع ذلك الضابط ما سيأتي في الحديث اللاحق، إن شاء الله تعالى.

 «فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج»، وهذا لمن صدق مع الله -جل وعلا-، وإلا فنرى بعض الناس إذا تزوج ازداد إرسال البصر إلى ما حرم الله -جل وعلا-، ولا يغض بصره، ولا يحصن فرجه؛ لأنه قد يكون قبل الزواج في غفلة عن شيء من الأمور، فإذا تزوج تفتحت عيونه على ما قالوا: هذا إذا لم يعصمه الله -جل وعلا-، ولم يبذل السبب لهذه العصمة، وهذا نسأل الله -جل وعلا- الحماية والعفاف، هذا ذمه أعظم، شأنه أشد؛ لأنه محصن، «أغض للبصر، وأحصن للفرج»، لا شك أن الأصل أن الشخص إذا كان عنده من يعفه فإنه يغض بصره، هذا الأصل، لكن قد يوجد خلاف هذا الأصل.

 «وأحصن للفرج»؛ لأن هذه الشهوة إذا فرغها في زوجته فلا عذر له ولا مبرر في أن يبحث، كما أنه لا عذر للجميع لا المتزوج ولا غير المتزوج ألا يحصن فرجه، وألا يغض بصره، فهو مأمور بذلك، سواء كان متزوجًا أو غير متزوج؛ {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [سورة النــور:30]، «ومن لم يستطع» يستطع الباءة، ما عنده قدرة، {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة النــور:33]، «من لم يستطع فعليه بالصوم»، إغراء بديل، «فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء». الصوم لا شك أن تقليل الطعام له دور في الذبول في الجسم، الذبول في الجسم، وضعف النشاط، نشاط الجسد بجميع أنواعه وبجميع أعضائه، ومنها الآلة التي تستعمل في هذا الشأن، والصوم له خاصية في إضعاف هذه القدرة، ولذا يقول أهل العلم: لو احتمى وترك الأكل من غير صوم ما صارت لديه هذه القدرة على غض البصر وإحصان الفرج، كما هو شأن الصوم الذي وجَّه إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.

 «ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء»، الوجاء الخصاء، الخصاء، فإنه وجاء يعني كالوجاء، كأنه اختصى، استنبط أهل العلم من هذا الحديث تحريم الاستمناء، تحريم الاستمناء؛ لأنه لو كان جائزًا لأرشد إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولوجَّه إليه، إنما أرشد إلى الصوم، إضافة إلى قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ =  إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ =   فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[سورة المؤمنون:5 -7]، هذا عدوان إذا بحث عن غير الزوجة وملك اليمين فقد اعتدى، فلا يجوز الاستمناء لا باليد ولا بغيرها، لكن لو قال قائل: إنه يستمني بيد زوجته مثلاً هل هو كاستمنائه بيده، أو نقول: إن هذا داخل في قوله: إلا على أزواجهم، وقال به جمع من أهل العلم، بعض الناس يقول: لا فرق، لكن واضح أن دخول هذا في قوله -جل وعلا-: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [سورة المؤمنون:6]، والمراد بملك اليمين الأمة، السرية التي يشتريها بماله.

 في عصرنا هذا مع وجود الانفتاح الإعلامي، والمغريات، وتيسير سبل الفساد، يكثر السؤال عن العادة السرية التي هي الاستمناء مع صعوبة النكاح، والمشقة في تحصيله، كثير من الشباب لا يستطيع؛ لغلاء المهور، وما يتبعها، الآن وضع مشكل بالنسبة لكثير من الشباب، فيسألون عن العادة السرية ويقولون: جربنا الصيام، وبالفعل كثير من الشباب يصوم ولا تنكسر شهوته، طيب الحديث في الصحيحين لماذا؟

لأنه في سحوره يأكل ويخزن أكل أيام، ليس يومًا واحدًا، فيفطر من صيامه وما في معدته لم يتحرك، هذا ما يحقق الهدف، هذا الصيام لا يحقق الهدف، لا شك أن الأسباب لا بد من بذلها، ولا بد من انتفاء الموانع، شخص يعرض نفسه للفتنة، ويسأل بعد ذلك عن تفريغ شهوته بوسيلة محرَّمة بالعادة السرية أو غيرها، أقول: يجب عليك ألا تغشى مواقع الفتن، لا تدخل الأسواق، ولا تعرض نفسك لرؤية هذه الشاشات التي فيها النساء العاريات أو الصحف والمجلات، لا يجوز له أن يعرض نفسه للفتنة ثم يسأل يقول: أنا لا أستطيع، بل، تستطيع. بعضهم يقول: أنتم تقولون: لا تروحوا للأسواق، ولا تروا دشوشًا ولا شيئًا، نجيء نطوف ونفتتن، تغض بصرك، يلزمك أن تغض بصرك، يلزمك أن تغض بصرك.

 على كل حال الإنسان  إذا بذل السبب بصدق، صدق مع الله -جل وعلا- أعانه على ذلك وإلا لا شك أن على النساء وعلى أولياء أمورهن كفل من هذا الضياع الذي يعاش، كفل عظيم، أن سبب الفتنة، وأول فتنة بني إسرائيل في النساء، فعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله- جل وعلا- في نفسها وفي غيرها، لا تفتتن، ولا تفتن، وعلى ولي أمرها إذا رأى منها تساهلًا أو تراخيًا أن يأخذ على يدها، ويأطرها على العفاف والستر والصيانة، ولا يترك لها الحبل على الغارب، تلبس ما شاءت، وتخرج كيف شاءت، وكم من القضايا التي يندى لها الجبين، وتعتصر لها القلوب مما يعرفه رجال الحسبة، ولهم مواقف، ولهم جهود في صد كثير من الشرور المتعلقة بهذا الباب، فجزاهم الله خيرًا، وثبتهم وأعانهم وقواهم.

 قد يقول قائل: خلاص أنا الآن ما أمامي خيار، أنا لمحت شيئًا، أو شاهدت فيلمًا أو فعلت شيئًا، ما أمامي شيء إلا أن أفرغ هذه الشهوة بكذا، أو يقع في الفاحشة، نقول: ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع؛ لأنك الآن، نقول لك: عليك الاحتياط، لا يجوز لك أن تعرض نفسك للفتنة، لكن حصل هذا، وهو مع ذلك عاصٍ آثم؛ لأنها محرمة، وعليه أن يندم ويقلع، ولا يعرض نفسه للفتنة.

 قال -رحمه الله-: "وعن أنس -رضي الله عنه- أن نفرًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم"- هم ثلاثة، "سألوا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمله في السِّر". أما عمله في العلانية الذي يؤديه في مسجده وفي طريقه، وبين أصحابه فهذا ما يحتاج إلى أن يسأل عنه، لكن يريدون أن يطلعوا على ما يعمله -عليه الصلاة والسلام-؛ ليعملوا به، ويقتدوا به؛ لأنه هو الأسوة، وهو القدوة، عن عمله، بالسر، فأخبروا بذلك، فكأنهم تقالوا فعله -عليه الصلاة والسلام-، تقالوا فعله -عليه الصلاة والسلام-، نعم الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- ما فيه مشقة، ما قام ليلة كاملة ولا صام شهرًا كاملاً إلا أن يكون رمضان، تقالُّوا عمله، وقالوا: الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليس كحالنا، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

 "فقال واحد منهم: لا أتزوج النساء" هذا على حد زعمه أنه يريد أن ينقطع للعبادة ويتبتل، لا أتزوج النساء. "وقال بعضهم: لا آكل اللحم" يعني لا يترفَّه، يكتفي بالبلغة، لا يأكل اللحم، ومن باب أولى لا يتفكَّه، لا يزيد على ما يقيم صلبه. "وقال بعضهم: لا أنام على فراش، لا أنام على فراش"، إنما يقطِّع الليل في الصلاة والتلاوة، ولا ينام، النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قام ليلة حتى الصباح، حتى أصبح، وإنما كان يصلي وينام، وأخبر عن أفضل القيام قيام داود- عليه السلام-، ينام نصف الليل، ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، ثم ينام سدسه {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [سورة المزمل:20]، هذه عادته -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأواخر من رمضان، جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يشد المئزر، ويحيي ليله، ويوقظ أهله في العشر الأواخر فقط، يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها؛ التماسًا لليلة القدر.

طالب: ............

جمع من أهل العلم أنه لا ينام، ومنهم من يقول: إن عموم قوله: ما أحيا ليلة قط يدخل فيها حتى العشر، لكن افترض أن العشر ما نام فيها، يعني هي ليالي معدودة وتنتهي، لكن بقية العام قد يقول قائل: إذا كان القصد المشقة في السهر، وعدم النوم، فالآن الناس يسهرون إلى الصباح بأمور مباحة، وأحيانًا قد يكون فيها شيء من الحرام، فكونه يصلي الليل كله أفضل من القيل والقال، ومع ذلك نقول: الخير كله في اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس البديل أن يسهر على قيل وقال، البديل أن ينتهج النهج المحمدي الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط.

"قال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله، وأثنى عليه" خطب النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ليبين هذا الخطأ، "فقال: «ما بال أقوام»" هذه عادته -عليه الصلاة والسلام- التعريض، لا يسمي، ما قال: ما بال فلان وفلان وفلان بالتشهير الذي يسلكه بعض الناس، ما بال أقوام، هذه القاعدة النبوية القاعدة الشرعية إذا أخطأ أحد لا يسمى إذا ترجحت المصلحة في تسميته وتعيينه؛ لأن القصد من التنبيه إزالة اللبس وبيان الخطأ والصواب، فإذا تم هذا المقصد بهذا القدر كفى، بعض الناس تقول له: ما بال أقوام وهو يفعل هذا الفعل، ولا ينتبه، ما يظن أنه هو المقصود، وقد يكون قدوة يقتدى به بين الناس، والأتباع لا يظنون أن شيخهم هو المقصود، فتترجح المصلحة في وصفه وصفًا دقيقًا، بحيث لا يلتبس بغيره، وإذا لم يكن إلا الأسنة مركبًا فلا بد أن يسمى بما يزول به هذا اللبس، وإلا فالأصل ما بال أقوام؛ لأن بعض الأتباع عندهم، أو بعض العامة الذين يتلقفون بعض الأمور عندهم من الغفلة والغباء ما لا يدركون معه المعاريض.

 «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ ولكني أصلي وأنام»، والمسلم إذا احتسب النوم، وأنه يستعين به على طاعة الله، فإنه يؤجر عليه كما يؤجر على القيام إذا نام؛ ليتقوى بذلك على طاعة الله -جل وعلا-، ويتقوى به على الواجبات في اليوم التالي اللاحق فإنه يؤجر على هذه النية، والمسلم حياته خير له بلا شك سواء نام أو قام مع النية الصالحة، مع النية الصالحة، فالنية تجعل العادات عبادات، تجعل العادات عبادات، فإذا استعمل المباح مما يحتاجه الناس ويعتادون عليه بنية التقوِّي به على ما أوجب الله عليه وندبه إليه صار له حكمه.

 «لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر»، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام- النهي عن صوم الدهر، «ولا صام من صام الأبد»، فمتابعة الصيام ليس من سنته -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك الوصال الذي نهى عنه -عليه الصلاة والسلام-، وكان يواصل -عليه الصلاة والسلام-، لكن بيَّن ذلك بقوله: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني»، «وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء»، في الأيام التي ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصومها مع اندراجها تحت ما جاء الحث عليه على الصيام ما جاء النهي عن الصيام هذا مفروغ منه، لكن جاء الحث على الصيام بإطلاق، وأنه من أفضل الأعمال، «ومن صام يومًا في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا»، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بوصفه إمام الأمة، وهو في حاجتها يحتاج إلى شيء من الراحة، ويحتاج إلى أن يقتدي به من يقوم على هذا الأمر، فيحتاج إلى شيء من الفطر، يحتاج إلى شيء من الراحة، فتكون هذه الراحة أفضل له من الزيادة في العمل، ثبت عن عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صام العشر عشر ذي الحجة مع أنه جاء عن بعض نسائه -عليه الصلاة والسلام- أنه صام، لكنه ثبت أنه ما من أيام العمل الصالح خير فيها خير وأحب إلى الله من هذه العشر، هذا أصل لفضل صيام هذه الأيام العشر، وبيَّن أنه -عليه الصلاة والسلام-، وبين -عليه الصلاة والسلام- أن الصيام من أفضل الأعمال من الأعمال الصالحة تندرج، لكن كونه ما صام؛ لأن صيامه وصيام من يقوم بالأمر بعده قد يعوقه عن بعض المصالح العامة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي»، ومع ذلك ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه اعتمر في رمضان، وقد يترك العمل؛ خشية أن يشق على أمته، وأنتم ترون المشقة في عمرة رمضان، وهو ما اعتمر -عليه الصلاة والسلام-، فكيف لو انضاف إلى قوله: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي»، لو انضاف إلى ذلك أنه اعتمر -عليه الصلاة والسلام- كان يقتتل الناس.

 «وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»؛ لأن فيه أمورًا حث عليها النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعلها؛ شفقة على أمته من جهة، وقيامًا بالأعباء التي كلفه الله -جل وعلا- بها لعموم الأمة قيامًا بأعباء الدعوة وأعباء الرسالة، فنصيب أتباعه -عليه الصلاة والسلام- كل فيما يخصه، فالمكلَّف بأمور العامة يسلك مسلكه وهو قدوته في هذا، والإمام في مسجده يقتدي به باعتباره إمامًا، وعامة الناس الذين تشملهم التوجيهات العامة والترغيب في الأعمال الصالحة بما لا يعوقهم عما هو أوجب وأولى منه، والمسألة مسألة تسديد ومقاربة، «سددوا وقاربوا»، «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، رغب عنها، تركها، وأعرض عنها، بخلاف من رغب فيها، فمثل هذا قال عنه -عليه الصلاة والسلام-: «ليس مني»، أي ليس على طريقتي ولا هديي، وإن زعم أن ما يفعله أفضل من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- وأكمل فهذا على خطر عظيم، فيكون قوله: فليس مني على حقيقته.

 "متفق عليهما، واللفظ لمسلم" وبهذا نعرف خطأ كثير من الطوائف التي تنتسب إلى شيء من الزهد والتصوُّف والإغراق في العبادة، فدين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي، وهذا المغرق وهذا المكثر من هذا التعبد، وإن شملته النصوص العامة إلا أنه يُخشى عليه من تضييع فرائض وواجبات أخرى؛ لأن القدرة محدودة، والزمن محدود، والخير كله في اتباعه- عليه الصلاة والسلام-، أناس يجلسون في زوايا، ويلزَمون أماكن يعدونها، يزعمون أنه من باب التعبد، ويتعبدون بما لم يشرعه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهم أوراد وأذكار لم ترد عنه -عليه الصلاة والسلام-، مع أن ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- مما صح فيه كفاية وغنية، وفي الغالب، بل هذا شيء مجرَّب أن الذي ينشغل بما لم يثبت لا يُوفَّق لفعل ما ثبت، تجده يردد أذكارًا أُثرت عن شيوخ، ثم سألته عن أذكار في الصحيحين ما يحفظ منها شيئًا، ولا يقرأ منها شيئًا، أو تجده يحافظ على صلوات ما ثبتت بأدلة شرعية، تجده يُحرَم من صلوات ثابتة بالأدلة الشرعية، جاء الترغيب فيها فيما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، وشرط القبول لكل عبادة- كما هو مقرَّر عند أهل العلم- الإخلاص والمتابعة، أن يكون خالصًا لله- جل وعلا- صوابًا على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ «صلوا كما رأيتموني أصلي». فالعمل إذا لم يكن خالصًا لله -جل وعلا- فإنه لا يقبل، وإذا لم يكن صوابًا على سنته -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يقبل.

 فليحرص الإنسان على تحقيق هذين الشرطين، ولينشغل بما ثبت عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وتجد بعض طلاب العلم مع الأسف ينشغل بأجزاء حديثية ومعاجم ومشيخات وفوائد، فوائد فلان وفوائد فلان، ويعتني بها، والوقت كله لها، ثم سألته عن عنايته بالبخاري أو مسلم ما فيه شيء، وهذا من باب حب الإغراب، من باب حب الإغراب، بعض الناس مغرَم بهذا يقول لك: حققت جزء كذا، نعم الأجزاء فيها أحاديث، وفيها شيء مما يثبت، لكن تُقَدَّم على الصحيحين؟ هذا خلل في المنهجية، ويترتب عليه ضعف في التحصيل.

وبالمهم ابدأ لتدركه

 

 

 

 

وقدم النص والآراء فاتهم

 

 

فعلينا أن نهتم بكتاب الله -جل وعلا-، ثم بالصحيحين على الجادة المعروفة عند أهل العلم بالمنهجية المطروقة عندهم، يبدأ بحفظ المتون الصغيرة، ثم يترقى منها إلى ما هو أكبر منها إلى أن يصل إلى الكتب المسندة في الصحيحين والسنن، ثم بعد ذلك المسانيد والمصنفات والمعاجم، وإذا بقي فضل وقت يستكثر، فالعلم لا نهاية له.

 "وعنه -رضي الله تعالى عنه-" يعني أنس بن مالك -رضي الله عنه-، "قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأمر بالباءة"، يعني يأمر بالزواج الذي يُتَوصَّل به إلى الباءة التي هي الوطء يعني يأمر بالنكاح، "يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا"، ينهى عن التبتل، وهو ترك الزواج، والانقطاع للعبادة، والانقطاع للعبادة نهيًا شديدًا، ويشدد قائلًا فيما تقدم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، وهذا نص شديد جدًّا، «من رغب عن سنتي فليس مني»، "ويقول: «تزوجوا الودود الولود» تزوجود الودود، تزوجوا المرأة المتوددة إلى زوجها، الولود التي تلد، وبعض الناس يبحث لاسيما إذا كان عنده زوجة وأولاد، يبحث عن زوجة لا تلد يقول: عنده من الأولاد ما يكفي، وبعضهم إذا جاء بولد أو ولدين قال: كفاية، وتحديد النسل هذا ينادى به، ينادي به الكفار؛ خشية من كثرة المسلمين، ويتلقف هذه الدعاوى بعض المفتونين من أتباعهم وأذنابهم؛ خشية الفقر، أكثر الناس من أين يأكلون، أعوذ بالله سوء ظن بالله -جل وعلا- ظلمات بعضها فوق بعض، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «تزوجوا الودود الولود»، وبعض البلدان المنتسبة إلى الإسلام تحدد النسل، ما تجيء بأكثر من ثلاثة أو أربعة، كل هذا تلقفًا لدعاوى المغرضين من الكفار، أعداء الملة والدين وأتباعهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر ومباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، مكاثر الأمم التي هي أتباع الأنبياء، لماذا؟

 لأنهم بكثرتهم، وقد دلهم على الهدى، ومن دل على هدى فله مثل أجر فاعله، فله مثل أجر فاعله، فإذا كثر أتباعه فله مثل أجورهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر الأنبياء أتباعًا، «إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».

 "رواه الإمام أحمد وسمويه وابن حبان"، نعم سَمَوَيْه متقدم، ولذلك قدَّمه على من خرَّج الأحاديث كالطبراني والبيهقي وغيرهما، وهو متقدم، وله فوائد سمويه، له فوائد من الفوائد التي أشرنا إليها قريبًا، لكن بعض الناس يقدم مثل هذه الفوائد من باب الإغراب؛ ليتحدث في المجالس: أنا قرأت كتاب سمويه كذا، طيب البخاري، لكن قرأ البخاري؟ قرأ مسلمًا؟ عرف ما في السنن من زوائد على الصحيحين؟ لا مانع، كلها علم، وكلها خير، وكلها أحاديث تنسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-..