كتاب الجهاد والسير من المحرر في الحديث - 06

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

 قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.."

...

"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولوالدينا وللحاضرين والمستمعين، قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

 وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يوم الفتح فتح مكة «لا هجرة، ولكن جهاد ونية، وإذا استُنفِرتم فانفروا»، متفق عليهما.

 وعن عبد الله بن السَّعدي.

 وعن عبد الله بن السعدي رجل من بني مالك بن حسل أنه قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ناس من أصحابه فقال له: احفظ لنا رحالنا، ثم تدخل، وكان أصغر القوم، فقضى لهم حاجتهم ثم قالوا له: ادخل، فدخل فقال حاجتك، قال: حاجتي أن تحدثني أنُقِضت الهجرة فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «حاجتك خير من حوائجهم، لا تنقطع الهجرة، ما قُوتِل العدو»، رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، والنسائي وابن حبان، وقد اختلف في إسناده.

 وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فكوا العاني أي الأسير، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض»، رواه البخاري.

 وعن علي -رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها»، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا حاطب، ما هذا؟» قال: يا رسول الله، لا تعجل علي، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش يقول: كنت حليفًا ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهاليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه قد صدقكم»، فقال عمر -رضي الله عنه-: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال: «إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك، لعل الله اطلع على من شهد بدرًا قال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم»، فأنزل الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} [سورة الممتحنة:1]، إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة الممتحنة:1]، متفق عليه، واللفظ للبخاري.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر للفرس سهمين، وللراجل سهمًا، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

 وفي لفظ أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسهم للرجل، ولفرسه ثلاثة أسهم: سهمًا له وسهمين لفرسه، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.

 وعن أبي الجويرية الجَرْمي قال: أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية، في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من بني سليم يقال له: معن بن يزيد، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلاً منهم ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نفل إلا بعد الخمس» لأعطيتك، ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت، رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.

 وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ينفّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش، متفق عليه.

 زاد مسلم: والخمس في ذلك واجب كله.

 وعن حبيب بن مسلمة -رضي الله عنه- قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- نفّل الربع في البداءة والثلث في الرجعة، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه وابن ماجه وابن حبان، وتكلم فيه ابن القطان.

 وعن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه، وعن نافع أن عبدًا لابن عمر أبق فلحق بالروم فظهر عليه خالد بن الوليد فرده على عبد الله وإن فرسًا لابن عمر عارّ فلحق بأرض الروم، فظهر عليه فردّه على عبد الله، رواهما البخاري. وعن عمر.."

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فمازال الكلام في كتاب الجهاد والسير من كتاب المحرر لابن عبد الهادي يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياءً أي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»".

 الجهاد عبادة من العبادات لا يجوز فيها التشريك، لا يجوز فيها التشريك، وقد جاء في خبر الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار رجل قُتل في سبيل الله، فجيء به فقيل له: وقُرِّر ماذا صنعت؟ فقال: قاتلت في سبيلك حتى قتلت فيقال له: كذبت إنما فعلت ذلك ليقال: جريء، وقد قيل، ثم يؤمر به فيلقى في النار، نسأل الله العافية والسلامة خسر الدنيا والآخرة، «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله».

 سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، يعني من أجل الشجاعة، من أجل أن يقال: شجاع، ومن أجل أن يقال: جريء، هل هم في سبيل الله؟ ليس في سبيل الله، بل هو من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار ومثل هذا المقصد، وهو حب الشرف وحب الظهور هذا مع حب الدنيا من أضر الأمور على دين المسلم كما جاء في الحديث «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم لأضر لها من حب المال والشرف لدين المسلم»، بعض الناس يستدل على إخلاص بعض الناس أنه لا يأخذ مقابلًا.

 يقول: هذا معلِّم مخلص يعلم الناس الخير، والدليل على إخلاصه أنه لا يأخذ مقابل هذا، ليس بدليل، قد يقع في الأمر الثاني الذي هو حب الشرف، وهو أضر على المرء من حب المال؛ لأن هذه شهوة خفية يعسر علاجها بخلاف حب المال شهوة ظاهرة، علاجها أسهل، تجد بعض الرقاة عندهم مخالفات، مخالفات قد تصل إلى باب الاعتقاد أو باب ما يخل بالأخلاق ثم يقال: هذا رجل مخلص، لماذا؟

 لأنه ما يأخذ من الناس شيئًا، ألا يكفيه أن يقال: شفى الله على يده كذا وكذا؟! كما قيل في شخص أنه أمشى الله على يديه سبعين مقعدًا من باب الفتنة له ولغيره به، فهذه مسألة لا بد أن يهتم بها، ويحتاط لها؛ لأن الإنسان قد يعمل الأعمال الصالحة فيما يبدو للناس، وفي النهاية يختم له بخاتمة سوء؛ لأن عمله صالح فيما يظهر للناس، كما جاء في الحديث: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها».

 وجاء في بعض الروايات، وفي بعض الأحاديث: «فيما يبدو للناس»، وكان السلف يتخوفون أشد الخوف من قوله -جل وعلا-: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [سورة الزمر:47]، نعم تجد الرجل يعلم الناس العلم قال الله وقال رسوله، وتجده يؤثر في كلامه أحيانًا، ثم في النهاية يبدو له ما لم يكن يحتسب؛ لخلل في قصده، والنية شرود، فعلى الإنسان أن يتعاهدها في كل ما يأتي، وفي كل ما يذر.

 سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، يعني من أجلها، ويقاتل حمية، حمية لقومه وعشيرته وأقاربه من أجلهم لا لله، ولا لإعلاء كلمة الله، ويقاتل رياءً، ويقاتل رياءً وهو قريب من الأول إلا أن الرياء أعم؛ من أجل أن يقال: شجاع، ولغير ذلك، ليقرب من ولي الأمر، لا يلزم أن يقال: شجاع، لكن من أجل هدف آخر؛ لتكون له يد عند المسلمين، فيثقون به ويولى وما أشبه ذلك.

 المقصود أن القتال رياء أعم أي ذلك في سبيل الله؟ جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بكلام عام شامل «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»، يعني وما عدا ذلك ليس في سبيل الله، يعني مما ذكر وغير ما ذكر الرجل يقاتل لإعلاء كلمة الله، وللمغنم هل هو في سبيل الله أو لا؟

رجع بما رجع فيه من أجر أو غنيمة مفهومه أن من خلا عن هذه الخصلة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فليس في سبيل الله، ويبقى الكلام فيما إذا انضم إليها إلى هذه النية؛ لتكون كلمة الله هي العليا إذا انضم إليها قصد غيرها كالمغنم مثلاً كالمغنم من حج واتجر في حجه أو غزا وزاول شيئًا من التجارة مما لا يصده عن حجه أو تجارته، {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} [سورة البقرة:198]، مثل هذا لا يؤثر، وإن كان من تمحض قصده للحج أو الجهاد، أن هذا أفضل وأعلى، لكن يبقى أن مثل هذا التشريك لا يؤثر في صحة العمل بخلاف الرياء بخلاف المقاصد المذكورة في هذا الخبر.

 "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح فتح مكة يوم الفتح فتح مكة" الفتوح في الإسلام كثيرة، فهل يحتاج على التنصيص على المراد بالفتح هنا أنه فتح مكة؟ يحتاج إلى التنصيص؟ لماذا؟

طالب: .........

في إيش؟

سورة الفتح؟

طالب: .........

هذه يقولون صلح الحديبية.

طالب: .........

{لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [سورة الحديد:10]، لكن نحتاج إلى التنصيص في مثل هذا مع أن الفتح فتح مكة فاصل أو مفصل في تاريخ الأمة بعد الفتح؛ لأن الحديث يتعلق بمكة الحديث يتعلق بمكة «لا هجرة بعد الفتح، لا هجرة بعد الفتح»، والمراد من مكة أن الهجرة كانت واجبة قبل الفتح، ثم بعد الفتح بعد أن صارت دار إسلام «لا هجرة» من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام.

 «ولكن جهاد ونية، ولكن جهاد ونية» يقول النووي: إن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة من مكة يمكن تحصيله بالجهاد والنية والنية الصالحة فقد يدرِك من فاته العمل بغير تفريط منه أجر العامل، وجاء في الخبر «أن في المدينة أقوامًا ما قطعتم واديًا ولا..» إيش؟

طالب: .........

نعم «ولا سرتم مسيرًا إلا شركوكم في الأجر، منعهم العذر» منعهم العذر، ولذا جاء في الحديث في الصحيح، «إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له من الأجر ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا»، والخلاف في المرأة إذا حاضت هل يكتب لها ما يفوتها من الصلوات والصيام، أو لا يكتب لها مسألة خلافية بين أهل العلم لا نسترسل بذكر خلافهما، مع أنها تقدمت في موضعها، «لا هجرة بعد الفتح» من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام أو لا هجرة بعد الفتح، فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح لا هجرة بعد الفتح، فضلها وأجرها وثوابها كثواب الهجرة قبل الفتح، ومن ذلك مثل الإنفاق {لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [سورة الحديد:10].

 لا شك أن النفقة في وقت الحاجة أفضل منها في وقت السعة بعد الفتح، توسعت الأمور وزانت الظروف، والحال ليس حكمها حكم الإنفاق قبل الفتح في حال الشدة والضيق، وهكذا على مر التاريخ، إذا توسع الناس قل الأجر وإذا ضاقت الأمور على الناس عظم الأجر.

 «وإذا استنفرتم فانفروا»، يعني إذا دعيتم إلى الجهاد فانفروا، ومن استنفره الإمام للجهاد يتعين عليه، وهذه من الصور التي يتعين فيها الجهاد إذا استنفره الإمام أو دهم العدو بلدًا إسلاميًّا، وهو فيه أو وجد بين الصفين، فإنه لا يجوز له أن يفر من الزحف؛ لأن الفرار من الزحف من الموبقات، نسأل الله العافية.

 «وإن استنفرتم فانفروا»، متفق عليهما.

 وعن عبد الله بن السعدي رجل من بني مالك بن حِسْل أنه قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ناس" جد حذيفة بن اليمان، ما اسمه؟

طالب: .......

ما هو؟

طالب: .......

حسل أو حسيل بالتكبير أو بالتصغير.

 "أنه قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في ناس من أصحابه فقالوا له: احفظ رحالنا ثم تدخل" يريد أن يدخل على النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن باعتباره أصغر القوم قالوا له: احفظ رحالنا، احفظ متاعنا، احفظ دوابنا، ثم بعد ذلك تدخل.

 "وكان أصغر القوم فقضى لهم حاجتهم فقضى لهم حاجتهم ثم قالوا له: ادخل فقال: «حاجتك»"، يعني ما حاجتك؟

لأنهم لما دخلوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- كل ذكر حاجته، والذي يظهر أن حاجات القوم مطالب دنيوية، مطالب دنيوية فقال: «حاجتك» يعني ما حاجتك؟ "قال: حاجتي أن تحدثني أنقضت الهجرة؟" يعني انتهت ذهب أجرها؟

"فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «حاجتك خير من حوائجهم»"؛ لأنه يسأل عن أمر ديني ينفعه في الآخرة، وهكذا ينبغي للمسلم أن يحرص على أمر دينه أكثر من حرصه على أمر دنياه لماذا؟

لأن الهدف من وجوده في هذه الدنيا، هو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأما ما يتعلق بأمر الدنيا فإنه من أجل تحقيق هذا الهدف، ولذا جاء الأمر أو النهي عن ترك الدنيا بإشارة يُفهم منها عدم الاهتمام بشأنها وعدم صرف الوقت من أجلها، وألا تصرف المسلم عن تحقيق ما خلق من أجله، {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77]؛ لأنه من عظم ما أمر به من تحقيق العبودية بجميع ما تطلبه العبودية من أقوال وأفعال ظاهرة وباطنة قد يسترسل في هذا، وينسى نصيبه من الدنيا، فيكون عالة على الناس بحيث لا يستطيع تحقيق الهدف الذي من أجله خلق، {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77]، لكن الإشكال أن كثيرًا من المسلمين صار الهدف عنده عكس ما خلق من أجله، وقته كله لدنياه إلا أشياء يسيرة لصلاته أو صيامه أو شيء من ذلك، فهو بحاجة إلى أن يقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة، هذا حال كثير من الناس اليوم.

وليس في هذا تعطيل للحياة، مثل هذا الكلام ليس فيه تعطيل للحياة، الحياة لا بد أن تقوم، وعمارة الدنيا لا بد منها، لكن بقدر ما يحقق الهدف الذي من أجله خلق الإنس والجن، لا يكون الهدف اللهث وراء هذه الحياة، ثم الإنسان ينسى ما خلق من أجله فيكون عبدًا للدرهم والدينار، نسأل الله السلامة والعافية.

 الإشكال أنه يُسخَر من مثل هذا الكلام، فإذا حُثَّ على الزهد الذي جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، ومُدح به بعض من سلف، مُدح بأنه زاهد؛ سفيان، والفضيل، وابن المبارك، وابن حنبل، سلف هذه الأمة زهاد، ثم يكتب من يكتب ما معنى الزهد؟ الزهد تعطيل الحياة، يُمدح سفيان بأنه يعطل الحياة وينزوي في بيته أو في مسجده هذه صفة مدح؟

نعم صفة مدح؛ لأنه خلق للعبودية، ما خلق للدنيا، نعم الدنيا لا بد من عمارتها، استعمركم فيها يعني طلب عمارتها بقدر ما يحقق الهدف، بقدر الحاجة، ونظير ذلك الإنسان يحتاج إلى قدر معيَّن من الأكل والشرب، لكن إذا زاد الأكل والشرب يضره أم ما يضره؟ يضره، لكن لو نقص لا شك أن صحته تتأثر؛ {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [سورة الأعراف:31].

 «حاجتك خير من حوائجهم، لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو، لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» فهذا الحديث دل على بقاء حكم الهجرة، وأنها واجبة إلى قيام الساعة؛ لأن قتال العدو مستمر إلى يوم القيامة، قتال العدو مستمر، فما علق عليه أيضًا مستمر، ما قوتل العدو، فحكمها باقٍ إلى قيام الساعة، فمن وجد من المسلمين في بلاد الكفر تلزمه الهجرة، ولا يُعذَر إلا إذا كان مستضعفًا من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً.

 وما ذكرت الحيلة منصوصًا عليها في أمر من الأمور في غير هذا الموضع، مع أن الحيلة شرعية، قد تكون شرعية إذا توصل بها إلى فعل الواجب أو ترك المحظور، هذه حيل شرعية، أما بالعكس إذا توصل بالحيل إلى ارتكاب محظور، أو ترك واجب فهذه حيل اليهود، «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا ما حرم الله، بأدنى الحيل»، نعم، ففرق بين حيلة شرعية وبين حيلة يهودية.

"رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، والنسائي وابن حبان، وقد اختلف في إسناده، اختلف في إسناده".

 لأنه مرة يُذكَر فيه حسان الضمري، ومرة يسقَط، ومرة يروى بواسطة، ومرة بغير واسطة، مع أن الرواية بالواسطة قد تكون من المزيد في متصل الأسانيد، كما هنا، ولذا يحكم بصحة الطريقين المزيد والناقص.

 "وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فكوا العاني»" العاني الأسير، «وأطعموا الجائع، وعودوا المريض»، رواه البخاري".

 «فكوا العاني» الأسير المسلم بيد الكفار يجب على المسلمين فكاكه، فك أسره، يقول ابن العربي في آخر سورة الأنفال من أحكام القرآن: وفك العاني واجب على الأمة، يعني الأسير المسلم بيد الكفار ولو لم يبقَ في بيت المال درهم، يعني هذا مع القدرة، كل شيء مشروط بالقدرة والاستطاعة، أما مع العجز كما حال الأمة الآن التي وصلت فيه من الضعف إلى ما وصلت فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، أما مع القدرة فلا بد من فكاك الأسرى، «فكوا العاني»، أي الأسير.

 «وأطعموا الجائع» لا يجوز أن يبيت مسلم جائعًا، وجاره شبعان، أو حيه شبعان، أو من يطلع عليه ممن ولي أمر المسلمين وبلغه أمره، لا يجوز له أن يتركه يجوع.

 «وأطعموا الجائع، وعودوا المريض» عيادة المريض زيارته جاء الأمر بها في أكثر من نص، ولذا قال بوجوبها الإمام البخاري، وترجم في صحيحه باب وجوب عيادة المريض، باب وجوب عيادة المريض، والنووي يقول: أجمع العلماء على أن عيادة المريض سنة، والبخاري يقول: باب وجوب عيادة المريض؛ لأن الأوامر صريحة، وهذا أمر يكاد أن يكون معطَّلا إلا من ذي قرابة أو صُحْبَة أو مقاضاة؛ لأن بعض الناس لا يعمل إلا بمقابل، ما تزور فلانًا؟ قال: والله ما زارني يوم مرضت، ما زارني، والد فلان مريض في المستشفى يقول: والله لما كان الوالد مريضًا ما زاره، طيب صلِّ على فلان قال: والله ما صلى على ميتي.

 هذا حرمان حرمان، فعيادة المريض أوجبها البخاري -رحمه الله تعالى-، وجماهير أهل العلم على أنها سنة، لكن من تركها فهو محروم، ولا يقول قائل: إنها تعوق عن تحصيل أمور الدين أو أمور الدنيا أبدًا، لكنه الحرمان، يعني معروف بعض الناس موظف يداوم من السابعة والنصف إلى الثانية والنصف، ثم إذا خرج من الدوام صلى العصر في مسجد شُهِر بالصلاة فيه على الجنائز، وشيَّع إلى المقبرة، وحاز الأجور من القراريط، ثم ذهب إلى أهله وقضى معهم بعض الوقت، وخرج لزيارة وعيادة المرضى وزيارة الأقارب، وإن كان من طلبة العلم حضر درسًا، وإذا كان من أهل العلم أدى درسًا وتمشي أمورهم.

 ونعرف من هم بهذه الصفة، ويختم القرآن في كل ثلاث، الوقت فيه بركة لمن استغله، ومن وُفِّق لاستغلاله، لكن الحرمان ما له نهاية، واحد جالس هنا في الحرم يصلي الناس على الجنائز، قلت له: لماذا لا تصلي؟ قال: صليت أمس على واحد. {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [سورة الليل:4]. فالإنسان يحرص على ما ينفعه، احرص على ما ينفعك. البخاري يقول: باب وجوب عيادة المريض، وبعض الناس يقول: أزور هذا المريض وهو ما يشعر، ما يدري، في العناية، تزوره له أو لله -جل وعلا-؟

 نعم، من الحِكَم ما يعود إلى المريض المزور، لكن أيضًا أنت تراقب الله -جل وعلا-، وترجو ما عند الله، الرسول -عليه الصلاة والسلام- زار جابر بن عبد الله وهو مغمى عليه، ترجم البخاري باب زيارة المغمى عليه، لا تقل: والله هذا ما يشعر حضرت أو ما حضرت، ما يفرق، لا، يفرق، فأنت مستفيد، والمريض مستفيد.

 "رواه البخاري.

 وعن علي -رضي الله عنه- قال: بعث لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد، بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد" نحن بحاجة إلى ضمير الفصل هنا؟ بحاجة إليه؟ من حيث العربية لسنا بحاجة إليه، هو ضمير رفع مبدل من ضمير نصب. على كل حال هكذا الرواية، بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا والزبير والمقداد، علي والزبير والمقداد بن الأسود، علي ابن عم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والزبير ابن عمة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والمقداد مولى.

 "فقال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ»" موضع بين مكة والمدينة، وهو إلى المدينة أقرب، «فإن بها ظعينة»، يعني امرأة «معها كتاب، فخذوه منها، معها كتاب فخذوه منها»، فانطلقنا تعادى بنا خيلنا" يعني مسرعين، تعادى تسرع.

 "حتى أتينا الروضة" إعادة المعرفة معرفة أو إعادة النكرة معرفة تدل على أنها هي الروضة الأولى هي الروضة الثانية لو قال: حتى تأتوا روضة ثم قال: حتى أتينا روضة، أعاده نكرة تكون الروضة الثانية غير الأولى، لكن هنا معرفة، تكون هي الروضة حتى أتينا الروضة التي ذكرت في أول الكلام.

 "فإذا نحن بالظعينة" بالمرأة "قلنا لها: أخرجي الكتاب قالت: ما معي كتاب" لكن مَن الذي قال معها كتاب؟ الذي لا ينطق عن الهوى، يعني حتى لو فتشوها وما وجدوا كتابًا قلنا: لا بد أن يكون معها كتاب ولو تكون ابتلعته؛ لأن الذي قال معها كتاب الرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا يحصل أحيانًا في الامتحانات تجد طالبًا يغش من ورقة، فإذا أقبل المراقب ابتلعها، ثم يحلف أن ما معه شيء، هذه المرأة لو ما وجدوا معها شيئًا فتشوها تفتيشًا دقيقًا ما وجدوا شيئًا قلنا: معها كتاب.

 "أخرجي الكتاب قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب" يجوز أن يلقوا الثياب من أجل إخراج الكتاب؟ استجابة لأمره -عليه الصلاة والسلام- يعني لو أصرت ولا أخرجت الكتاب فماذا عن هذا التهديد أو لنلقين الثياب، أظن الناس في ذلك الوضع وفي ذلك الوقت مسألة إلقاء الثياب أشد من القتل، أشد من القتل، امرأة مسلمة يلقى عنها الثياب؟! أو حتى غير المسلمة اللهم إلا في المطاف تعبدًا لله -جل وعلا- ألا يطاف بثوب عصي فيه، يعني من هذه الحيثية وإلا فإلقاء الثياب أمره شديد، والآن انظر تر ماذا في بلاد المسلمين فضلاً عن غيرهم.

 "لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قا:ل فأخرجته من عقاصها" من ضفائرها، ذوائبها، من عقاصها، "فأتينا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة" صحابي بدري شهد بدرًا، وشهد معها مشاهد أخرى.

 "من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة" هذا لفظه أو تعبير عنه؟ هذا لفظ الخطاب، فيُقَدَّم اسم الكاتب، كما هي السنَّة من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، أو هذا تعبير عنه {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [سورة النمل:30]؟ يعني هل بلقيس تقرأ نص الخطاب أو تعبر أن هذا جاء خطاب من سليمان مفتتح بالبسملة؟

يقول: "من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة من المشركين" السنة أن يبدأ الكاتب بنفسه، كما بدأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه؛ من محمد بن عبد الله أو محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد إلى آخر الكتاب، طريقة الناس اليوم اختلفت، فلا يُذكَر مرسِل الكتاب أو الكاتب إلا في آخره، مع أن السنة أن يُبدَأ بالكاتب قبل المكتوب إليه، وبعضهم يستحسن أن يُبدَأ بالمكتوب إليه تواضعًا، والإمام أحمد عنده رواية يفرق بين ما إذا كان الكاتب أكبر من المكتوب إليه أو العكس، فيبدأ بالأكبر من باب: كَبِّر كَبِّر، المقصود أن هذه هي السنة، لكن بحيث لا يتصور أو يتعاظم الإنسان على غيره، أو يطرأ على قلبه شيء من الغرور بأنه يبدأ بنفسه، أو يظن بالمكتوب إليه أنه يتوقع أنه أهين بهذا الكتاب، ولذا هرقل لما قرئ عليه الكتاب، فإذا فيه من محمد بن عبد الله قال له ابن أخ له عنده: مزِّق الكتاب هذا، بدأ بنفسه، لكن هرقل رجل عاقل، والقصة تدل على وفور عقله، المقصود أن هذه السنة.

 "من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة من المشركين" إلى أناس، كذا يكتب إلى أناس أم إلى فلان وفلان وفلان؟

يذكر الأسماء، يذكر من يريد، "من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس بمكة" إلى أناس ذكروا بالتعيين، لكن لا فائدة من ذكرهم، فطويت أسماؤهم.

 "إلى أناس بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم"- هذا من عمل ما يسمى تجسسًا، تجسسًا، الذي يخبر الأعداء بأعمال المسلمين، وبشوكة المسلمين وقوة المسلمين، وما يريده المسلمون، هذا عمل جاسوسي، وحكم الجاسوس عند أهل العلم معروف، لكن هل حاطب توفَّر فيه السبب للحكم، وانتفى المانع؟ وُجِد مانع من إطلاق الحكم عليه، ولذا خُوطِبَ باسم الإيمان؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [سورة الممتحنة:1]، ودخول السبب في النص إيش؟ قطعي.

 ما يقال: إن الخطاب لغيره، هو سبب نزول الآية، فدخوله في النص قطعي، كما قرر أهل العلم.

 "يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا حاطب ما هذا؟!»" أسلوب إنكاري، استفهام إنكاري، ما هذا الذي صنعت؟! هل يليق بمسلم أن يفشي سر الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟! «ما هذا؟!»، قال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ"، يذكر العذر والمانع والداعي إلى هذا الصنيع، "لا تعجل عَلَيّ، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش، إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش يقول: كنت حليفًا" يعني ليس منهم، وإنما هو حليف لهم.

 "إني كنت امرءًا ملصقًا في قريش، يقول: كنت حليفًا، ولم أكن من أنفسها"، ومعلوم أن الملصَق والحليف لا يوجد من يدافع عن أهله وماله مثل ما يوجد بالنسبة لمن له قرابة يدافعون عن أهله وولده وماله.

 "وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهاليهم وأموالهم، يحمون أهاليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب، إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي"، هذا هو السبب الذي حمله على كتابة ذلك الكتاب، هذا عذره، لكن هل عذر مقبول أم غير مقبول؟

العذر مع كونه من أهل بدر رفع عنه الحكم، رفع عنه الحكم، قال: "فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني، ولم أفعله ارتدادًا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام"، يعني ما فيه اعتقاد، ما حمله على ذلك اعتقاد، "ولا ارتدادًا عن ديني، ارتدادا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه قد صدقكم، أما إنه قد صدقكم»".

 الثلاثة الذين خلفوا صدقوا في العذر، وحصل ما حصل من هجرهم خمسين ليلة عوقبوا، مع أنهم صدقوا، ثم تاب الله عليهم توبة تتلى إلى يوم القيامة بحيث صارت من مناقبهم.

 "«أما إنه قد صدقكم»، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، دعني أضرب عنق هذا المنافق"، عمر عنده غيرة، ولكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أغير منه، دعني أضرب عنق هذا المنافق، هل هذا الحكم على حاطب صادف محلًّا بحيث يكون نافق حاطب أم ما نافق؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} [سورة الممتحنة:1] ما نافق، "دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال: «إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك»" يعني يا عمر، «لعل الله اطلع على من شهد بدرًا فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم»، اعملوا ما شئتم من كل شيء حتى من الشرك؟ {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [سورة النساء:48]؛ لأن الشرك مستثنى بالنص، وإن كان قوله: «اعملوا ما شئتم» من صيغ العموم، لكن يبقى أنه مخصوص بالشرك، فالمسألة فيما دون الشرك، ولذا يقرر أهل العلم أن مثل هذا الصنيع من حاطب إذا لم يقارنه اعتقاد فإنه لا يخرجه عن دائرة الإسلام.

 «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}" [سورة الممتحنة:1] لا شك أن مثل هذا الخطاب ظاهره المودة وعدم إيصال الضرر إلى المشركين، الظاهر المودة، لكن يبقى أن الباطن كما قال: لم أفعله ارتدادًا عن ديني، ولا رضى بالكفر بعد الإسلام، بل هو يبغض الكفار، لكن العذر ما ذكره أنه ليس له قرابة، وهو بدري ممن اطلع الله عليهم وقال: اعملوا ما شئتم، قد يأتي مثل هذا الأسلوب للتهديد: اعملوا ما شئتم، السياق سياق مدح، وقد يأتي للتهديد، لكنه في هذا السياق مدح، فلا يُحمَل مثل هذا الأسلوب على مثل هذا التخيير بالنسبة لمن لم يشهد بدرًا، فقد غفرت لكم، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ} [سورة الممتحنة:1]، ومنهم حاطب، فهو مؤمن؛ لأن دخول السبب في النص كما يقرر أهل العلم قطعي، فهو مؤمن، وليس بمنافق كما قال عمر، فالذي يقول الشيء غيرة لله ولدينه هذا لا يُثَرَّب عليه الرسول، ما ثَرَّب على عمر، إنما بين له الحق.

 "إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [سورة الممتحنة:1] متفق عليه، واللفظ للبخاري" فمن يصنع مثل هذا الصنيع لا يخلو من أحوال، لكل إنسان ظروفه وما يحتف به مما يكون سببًا في تخفيف الحكم عليه أو تغليظه، وهذا ظرف حاطب مما جعل الحكم عليه لا يصل إلى درجة أنه جاسوس يجب قتله، أو أنه كفر بهذه المقالة؛ لأنه لم يفعل ذلك ارتدادًا عن دينه، وإنما فعله لما ذكر.

 "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر للفرس سهمين، وللراجل سهمًا" يعني واحدًا "متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهمًا له وسهمين لفرسه، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه".

 يعني هل الفرس أفضل من المسلم؟

كيف يُعطَى سهمين وهو دابة، والمسلم الذي خرج يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله يُعطَى سهمًا واحدًا؟

النظر للأثر، النظر للأثر والغناء في الجهاد، تصور شخصًا يمشي على رجليه، وشخصًا على فرس، أيهم أعظم أثرًا في الجهاد؟ نعم صاحب الفرس أكثر أثرًا، أعظم أثرًا في الجهاد، ولذا قُدِّم المال على النفس في جميع نصوص الجهاد إلا في موضع واحد، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} [سورة التوبة:111] المال له أثر كبير في الجهاد، وقد يكون أكثر من أثر البدن، وإن كان المال لا يقوم إلا بأبدان، لكن تصور مالًا اشتري به أسلحة للجهاد، دبابات وطائرات وقنابل، أي هذه أثر أم أفراد يمشون على أرجلهم ليس معهم مال؛ لأن المنظور إليه في هذا السياق الأثر والغناء في الجهاد.

 "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم، سهمًا له، وسهمين لفرسه، رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه".

 وبهذا قال جمهور العلماء، له سهم، ولفرسه سهمان، وقال الحنفية: لا يمكن أن تزاد الدابة على المسلم، إنما سهم له، وسهم لفرسه؛ لحديث أعطى للفارس سهمين، وللراجل سهمًا، لكن هذا مجمل، هذا مجمل، وحديث الباب مبين. الأمر الثاني أن الحديث في الصحيحين والحديث المعارض ليس في واحد منهما، واختلف العلماء فيما إذا حضر الفارس بفرسين أو أكثر إذا جاء بفرسين هل يعطى خمسة أسهم؟

 

جاء بثلاث يعطى سبعة فقال الجمهور: لا يسهم إلا لفرس واحد؛ لأنه لا يتصور أن يستعمل فرسه.

"