كتاب بدء الوحي (020)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بعد أن فرغنا من المواضع السبعة التي خرج فيها البخاري الحديث حديث عمر، المواضع السبعة الأصول الإمام البخاري علق الحديث في موضعين، والتعليق معناه: أن يحذف من أول الإسناد راوٍ أو أكثر ولو إلى آخره، ولو قال: لحديث كذا، أو قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا، أو قال عمر كذا، ولم يذكر بقية الإسناد، هذا هو التعليق.
علقه في كتاب الطلاق في باب الطلاق في الإغلاق والكره -لعله المكره-، والسكران والمجنون، باب: الطلاق في الإغلاق، مقتضى الإغلاق أن يقال: الكره أو الإكراه، وعطف السكران والمجنون عليه يقتضي أن يكون المكره، وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيرهما، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى)) التعليق هنا: لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى)) هل لقائل أن يقول: إن المعلق من قبيل الضعيف؟ والحديث موصول في الصحيح نفسه؟ ليس له ذلك؛ لأن معلقات الصحيح وعدتها ألف وثلاثمائة وواحد وأربعين، هذه معلقات صحيح البخاري، وكلها موصولة في الصحيح نفسه سوى مائة وستين أو مائة وتسعة وخمسين ما وصل في الصحيح هذا لا إشكال فيه، لا يمكن أن يقال بضعفه، بحذف بعض إسناده مع أنه موصول في الصحيح في مواضع، وما علق مما لم يصله في موضع آخر يبلغ مائة وستين أو مائة وتسعة وخمسين هذه هي التي فيها الكلام، وهي معلقات البخاري، هذه منها ما هو صحيح على شرطه؛ لأنه بحث عن أسانيده فوجدت برجال خرج لهم البخاري في صحيحه، هذا صحيح على شرطه، ومنها ما هو صحيح على شرط مسلم، بل منها ما هو مخرج في صحيح مسلم، ومنها ما هو صحيح على شرط غيره، مما توافرت فيه شروط الصحة، ومنها: ما هو حسن، ومنها: ما هو دون ذلك، وما ضعفه شديد يبينه وينص عليه، يروى عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه ولم يصح" ضعفه شديد فبينه، وأما ما ذكره بصيغة التمريض يروى ويذكر فمنه الأقسام التي تقدمت، وما لم يصل إلى حد الاحتجاج والقبول إلا إن إيراده كما يقول أهل العلم في كتاب اشترطت فيه الصحة، وتلقته الأمة بالقبول، وإيراده في هذا الكتاب يقتضي أن له أصلاً يؤنس به، ويركن إليه، هذا ما يتعلق بمعلقات البخاري.
وأما معلقات مسلم فعدتها أربعة عشر حديثاً وصلها كلها في مواضع أخر من الصحيح، أو وصلها ثم قال نعم بعد أن حذف بعض الإسناد وذكر ما بقي منه في نفس الموضع؛ لأن مسلم لا يفرق الأحاديث فيصل في نفس الموضع ثم يعلق، أو في موضع آخر -وهذا نادر- وصلها جميعها سوى واحد، سوى حديث واحد، وهذا هو الذي يمكن أن يقال فيه: إنه حديث معلق في صحيح مسلم، وهذا الحديث المعلق في صحيح مسلم موصول في صحيح البخاري، إذن معلقات مسلم تحتاج إلى نظر وإلا ما تحتاج؟ لا تحتاج إلى نظر.
هذا الموضع: "لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى))".
يقول ابن حجر -رحمه الله-: اشتملت هذه الترجمة –باب الطلاق في الإغلاق- اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر، عندك في الإغلاق والكره والسكران والمجنون، والغلط والنسيان، في الطلاق والشرك وغيره، هذه الترجمة جمع فيها أمور، هذه الأمور يجمعها أن الحكم إنما يتوجه على العاقل المختار، لا سكران ولا مجنون ولا مكره ولا ناسي، العاقل المختار العامد، الغلط غير المقصود ولا يسمى غلط إلا إذا كان غير مقصود، يقول: يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث؛ لأن غير العاقل المختار لا نية له؛ لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء هذا لا نية له، لم يقصد.
المجنون {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ] يدل على أن الذي يفتري على الله الكذب ممن يقصد الكذب يقابله من به جنة، الذي لا يقصد قد يحصل في كلامه من الكذب وما لا معنى له والهذيان لكنه لم يقصد، فلا يؤاخذ به لعدم القصد ولعدم النية.
الإشكال في مقابلة الكذب بالجنون، هذا الإشكال تمسك به من يقول: إن هناك واسطة في الكلام بين الصدق والكذب، وأن هناك كلام لا صدق ولا كذب، وهذا قول المعتزلة، لماذا؟ لأنه قوبل الكذب بالجنون، أو بكلام المجنون، فدل على أن كلام المجنون ليس بكذب، وإذا خالف الواقع هل نستطيع أن نقول: إنه صدق؟ لا، يعني هل نستطيع أن نثبت واسطة بين الصدق والكذب من هذه الآية {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ} [(8) سورة سبأ]؟ أو نقول: إن الكلام غير المقصود لا يطلق عليه كلام اصطلاحاً فيخرج كلام المجنون والهاذي والناسي والغلطان والسكران وغيرهم؟ نقول: هذا لا يدخل في مسمى الكلام، نعم؟ نية الكلام الآن في هذه الترجمة ترفع الأحكام المرتبة على الكلام من غير نية وغير قصد، وكل ما ذكر لا نية لهم ولا قصد لهم، فالأحكام مرتفعة عنهم، لكن كلامهم يسمى كلام أو لا يسمى كلام؟ نعم، يعني إذا رجعنا إلى تعريف الكلام عند أهل العلم يعني نبدأ بما يبتدئ به المبتدئون من كتب النحو، في الأجرومية يعرف الكلام بأنه هو اللفظ المركب نعم المفيد بالوضع، هو الكلام المركب المفيد بالوضع، قالوا: الوضع اختلفوا في المراد بالوضع، هل هو الوضع اللغوي العربي فيخرج كلام الأعاجم فلا يسمى كلام عندهم أو أن المراد بالوضع بالقصد فيخرج بذلك كلام الناسي والساهي والمجنون الذي يهذي ولا يعرف ما يقول؟ لا شك أن من افترى على الله الكذب هذا عنده قصد ويؤاخذ به، ومن به جنة لم يقصد، فالمؤاخذة مرتفعة، لكن يبقى إذا كان كلامه مطابقاً للواقع فهو صدق، وإن كان كلامه مخالفاً للواقع فهو كذب، فليست مقابلة الكذب بالجنة أو بمن به جنة، مقابلة من افترى على الله الكذب بمن به جنة ليست من باب المطابقة في الصدق والكذب ومطابقة الواقع، ومخالفة الواقع، إنما هي من باب المؤاخذة، هذا يؤاخذ وهذا لا يؤاخذ، وكلامه مع عدم مؤاخذته فإن طابق الواقع فهو صدق، وإن خالف الواقع فهو كذب، وبهذا يستقيم كلام أهل السنة وهو أنه لا واسطة بين الصدق والكذب؛ لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي والذي يكره على الشيء، وحديث الأعمال بهذا اللفظ وصله المؤلف في كتاب الإيمان بقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى)) وصله المؤلف في كتاب الإيمان أول الكتاب، ووصله بألفاظ أخرى في أماكن أخرى وتقدم شرحه مستوفاً هناك، هذا كلام الحافظ، ومرت بنا هذه المواضع كلها، كل المواضع التي أشار إليها كلها مرت، بألفاظها يعني ما اختصرنا منها شيء، بأسانيدها ومتونها.
الموضع الثاني: مما علق الإمام البخاري الحديث فيه في كتاب الإكراه، في كتاب الإكراه، كتاب الإكراه وقول الله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [(106) سورة النحل] إلى أن قال: وقال النبي... ذكر البخاري كلام طويل، إلى أن قال: وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((الأعمال بالنية)).
يقول ابن حجر: الإكراه وهو إلزام الغير بما لا يريده، الإكراه وهو إلزام الغير بما لا يريده، يعني هل يتصور أن يكره الإنسان على شيء يريده؟ يكره على شيء يريده؟ من هنا نستحضر ما قاله أهل العلم في الإكراه على الزنا، في الإكراه على الزنا، المرأة تكره على الزنا، لكن الرجل هي يمكن أن يكره على الزنا؟ نعم؟ يعني بقية الأمور يمكن أن يتصور الإكراه فيها، لكن الزنا ينازع كثير من أهل العلم في دخوله تحت الإكراه؛ لأنه إذا كان لا يريده بالفعل نعم لا يتمكن منه، لا يستطيع أن يتمكن منه، وإن تمكن منه فهو إكراه بما يريده، وحينئذٍ يرتفع مسمى الإكراه.
يقول هنا: الإكراه وهو إلزام الغير بما لا يريده، وهل يمكن الإكراه على الإرادة؟ الإكراه على الفعل ممكن، والإكراه على الإرادة ممكن وإلا غير ممكن؟ يعني افعل وإلا قتلناك، هاه؟ قلنا: إنه إذا كان لا يريد فإنه لا يستطيع أن يفعل؛ لأنه لا يمكن أن ينتشر، لكن الإكراه على الإرادة يعني رجل صالح لا يفكر في هذه الأمور ورأى بارقة السيف -نسأل الله السلامة والعافية- كما يوجد في بعض الأقطار أكره، أكرهوا على وطأ المحارم -نسأل الله السلامة والعافية-، في وقت اشتدت فيه غربة الإسلام، بارقة السيف لها رهبة ولها هيبة، تجعل الإنسان يفكر في غير التي بين يديه، فيعالج نفسه من أجل أن يقع عليها خشيةً من القتل، وهنا يتصور الإكراه على الإرادة، وإلا فمن الأصل يعني يقول: اقتلوا وإلا افعلوا ما شئتم، هذا إذا لم نتصور الإكراه على الإرادة، يعني كما أن الإنسان وهذا يسأل عنه كثيراً عنده زوجة تقدمت بها السن أو مستواها من الجمال أو غيره لا يجعل الإنسان ينشط لمعاشرتها فتجده يتخيل غيرها، وهي زوجته، هذا يسأل عنه كثير، ولولا هذا التخيل ما استطاع أن يعاشرها، فإذا تخيل غيرها استطاع، وهنا في حال الإكراه، الإكراه على الإرادة الأصل لا يمكن أن يكون إلا إذا تخيل أنها غير هذه المرأة المحرمة عليه اتقاءً للسيف، ومن هنا قال بعضهم: إنه يتصور الإكراه على الزنا بالنسبة للرجل، يعني من هذا الوجه الدقيق، يعني الكلام الأول ظاهر في كونه لا يمكن الإكراه، كلام من قال: بأنه لا يمكن الإكراه ظاهر؛ لأن الإكراه على الفعل غير الإكراه على الإرادة، لكن إذا وصل الأمر إلى أنه بين خيارين: إما أن يقتل وهذا قد يضحي بنفسه فيقتل ولا يعاشر المرأة المحرمة لا سيما -نسأل الله السلامة والعافية- إن أكره على شيء من محارمه، هذا لا يمكن، يمكن يقدم نفسه دون ذلك، لكن إذا حصل خيار بين الزنا وبين ما هو أعظم منه من المحرمات، يكره إما أن تقتل فلان أو تقع على فلانة، إذا أكره على هذين الخيارين، وأراد أن يرتكب أخف الضررين يتصور أو لا يتصور؟ يا الإخوان مثل هذه المسائل تراها الآن -نسأل الله السلامة والعافية- قائمة ما هي بنظرية، الكفار لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، يعني ذكروا أن الشيوعيين لما دخلوا بلاد البوسنة والهرسك ماذا صنعوا بهم؟ أدخلوهم في مفارم وعلبوهم وصدروهم يباعون لحم، يعني ما هي المسألة..، يعني المسألة إذا استولى الكافر عنده ما عنده من الحقد على الإسلام والمسلمين، والتاريخ يعيد نفسه، الآن نعيش..، يعني نشرت وسائل الإعلام أن جنود من الأمريكيين معهم أسير ويصبون في أنفه الماء، وهذا من ضمن ما يفعلونه من ألوان التعذيب -نسأل الله العافية-.
المقصود نعود إلى مسألتنا أن الإكراه هو إلزام الغير بما لا يريد، وهذا التفصيل يعني ما نحتاج إلى أن ندخل فيه الآن، وإن كانت الحاجة قائمة إليه.
يقول ابن حجر: كأن البخاري -رحمه الله تعالى- أشار بإيراده وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الأعمال بالنية)) كأنه أشار بإيراد يعني حديث الأعمال هنا إلى الرد على من فرق في الإكراه بين القول والفعل، كأنه أشار بإيراد يعني حديث الأعمال هنا إلى الرد على من فرق في الإكراه بين القول والفعل؛ لأن العمل فعل، وإذا كان لا يعتبر إلا بالنية كما دل عليه الحديث فالمكره لا نية له، بل نيته عدم الفعل الذي أكره عليه، بل نيته عدم الفعل الذي أكره عليه.
يعني في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يخافون في الله لومة لائم)) هل هذا الخوف من قول وإلا من فعل؟ القول، هذا بالقول، لكن إذا وصل الخوف إلى الفعل من المهدد بالفعل، يعني إذا هدد بقول لا يخاف في الله لومة لائم، لكن إذا هدد بفعل مفهومه أنه يستجم ويترخص برخصة الله، إذا كان هناك فعل يضر به أو يضر بولده أو ماله يترخص، لكن إذا أكره بقول أو..، الذي يخافه هو من قبيل الكلام فهو لا يخاف في الله لومة لائم؛ لأن اللوم كلام، فإذا تخطى ذلك إلى الفعل جاءت الرخصة والترخص إلى أن يستجيب إلى ما يراد ما لم يكن أعظم مما هدد به.
الحديث بهذا اللفظ: ((الأعمال بالنية)) وصله الإمام البخاري على ما تقدم في كتاب الأيمان والنذور، وانتهينا من تخريج الإمام البخاري للحديث.
مسلم -رحمه الله تعالى- وهو ثاني الكتب بالاتفاق أخرج الإمام مسلم في صحيحه هذا الحديث في كتاب الإمارة، قال: حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب، قال: حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
هكذا بإسناده ومتنه في صحيح مسلم، ثم قال: حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر قال: أخبرنا الليث ح وحدثنا أبو الربيع العتكي قال: حدثنا حماد ابن زيد ح وحدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب يعني الثقفي ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم قال: أخبرنا أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا حفص يعني ابن غياث ويزيد بن هارون ح وحدثنا محمد بن العلاء الهمداني قال: حدثنا ابن المبارك ح وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان كلهم عن يحيى بن سعيد بإسناد مالك ومعنى حديثه، ومعنى حديثه يعني ليس بلفظه، قد تذكر إنما وقد تحذف، قد تجمع الأعمال وقد تفرد، وتذكر إنما الثانية، وقد تحذف وقد تجمع النيات وقد تفرد، المقصود أنه بمعناه على ما تقدم.
بإسناد مالك ومعنى حديثه، وفي حديث سفيان سمعت عمر بن الخطاب على المنبر يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مر بنا في بعض طرق البخاري.
يقول: حدثنا محمد بن رمح بن المهاجر: أخبرنا الليث ح، هذه الحاء يختلفون في المراد بها، والأكثر على أنها حاء تحويل من إسناد إلى إسناد، فبدلاً من أن يسوق الإسناد كاملاً يقف عند النقطة التي تلتقي فيها الأسانيد فيضع عندها حاء مهملة، وكذا تنطق حاء، ويمر بعدها مروراً على بقية الإسناد الثاني، هذا قول وهو قول الأكثر، وفي هذه الموضع، وفي مثل هذا السياق ظاهرة أنها حاء تحويل من إسناد إلى آخر، بعض المغاربة يقول: إنها اختصار لكلمة الحديث، لكلمة الحديث، ولا يتجه هنا إرادة الحديث إنما التحويل هنا هو المتجه.
الإمام البخاري يستعمل الحاء نادراً، مسلم مكثر منها، الآن في هذا الموضع خمس، خمسة مواضع، مسلم مكثر، لكن البخاري مقل جداً، البخاري أحياناً يذكر هذه الحاء حينما يذكر الإسناد كاملاً ويذكر الصحابي ثم يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ح، هذا يتجه قول المغاربة أنها الحديث اختصار لكلمة الحديث، ويتجه أيضاً قول من يقول: إنها رمز البخاري، وأن أصلها خاء، يعني رجع الإسناد إلى المؤلف، بعد أن انتهى بذكر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
الإمام البخاري ساق الحديث عن عدد من شيوخه، عن عبد الله بن مسلمة، ومحمد بن رمح، وأبو الربيع العتكي، ومحمد بن مثنى، وإسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن العلاء وابن أبي عمر، كلهم يروونه عن سفيان بعضهم بواسطة وبعضهم بغير واسطة.
فمثلاً في الموضع الأول: قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال: حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد، في المواضع الأخرى الآن الملتقى عند يحيى بن سعيد، الملتقى والمدار على يحيى بن سعيد، ففي الموضع الأول يرويه عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، في الثاني قال: أخبرنا محمد بن رمح بن المهاجر قال: أخبرنا الليث، الثالث قال: أبو الربيع العتكي قال: حدثنا حماد بن زيد، الموضع الرابع: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب يعني الثقفي ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم قال: حدثنا أبو خالد الأحمر قال: ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا حفص بن غياث ويزيد بن هارون، ثم الموضع قبل الأخير: قال: ح وحدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا ابن المبارك ح وحدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان كلهم هنا تلتقي هذه الأسانيد كلهم عن يحيى بن سعيد بإسناد مالك ومعنى حديثه، وفي حديث سفيان: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر.. إلى آخره.
ننظر ما قاله شراح مسلم مما يمكن أن يفاد مما زاد على ما تقدم:
أولاً: المعلم بفوائد مسلم لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري المتوفى سنة ست وثلاثين وخمسمائة، في الموضع الذي ذكر فيه هذا الحديث في صحيح مسلم لم يذكره المازري، لم يذكره المازري، وتصفحت الكتاب من أوله إلى آخره تصفحاً سريعاً لا أجزم بأنه لم يذكره، لكنني لم أقف عليه في المعلم، وإذا ترك حديث: (الأعمال بالنيات) فماذا يذكر؟ نعم يعني هو شرح لصحيح مسلم فما ذكره على حد اطلاعي، فمن وجده فليزودنا به مشكوراً.
في كتاب الإمارة والجماعة في الجزء الثالث صفحة (34) إلى صفحة (40) لم يذكر حديث عمر، وإنما ذكر حديث: ((لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)) وهذا قبل حديث: (الأعمال) في صحيح مسلم، انتهينا من المازري.
هناك سلسلة ركب بعضها على بعض بدأت من المازري في كتاب أسماه: (المعلم بفوائد مسلم) وفيه إعواز كبير؛ لأنه مختصر، شرح في ثلاثة أجزاء صغيرة، يفي بحقوق صحيح مسلم؟ لا يمكن، جاء القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، يعني بعد المازري بكم؟ ست وثلاثين وأربعة وأربعين بينهم ثمان سنوات في الوفاة، كمل المعلم في كتاب أسماه: (إكمال المعلم) ترجم عليه نحتاج إلى تراجم الشراح، لماذا؟ في صحيح البخاري التراجم للإمام البخاري، فالشراح ليسوا بحاجة إلى أن يترجموا على المواضع، لكن صحيح مسلم غير مترجم، وإن أشار بعضهم إلى أنه وقف على نسخة عتيقة أظنه في كتاب القاضي عياض، أنه وقف على نسخة عتيقة فيها تراجم.
التراجم الكبرى التي هي الكتب موجودة في كثير من النسخ في صلب الصحيح، لكن التراجم الفرعية تحت كل كتاب غير مترجم، وهذا هو الذي جرى عليه أهل العلم، وكل واحد من الشراح يضع ترجمة حسب ما يستنبطه من الحديث، يترجم بما يفهمه من معنى الحديث، ترجم القاضي عياض على الحديث بقوله: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنية)) وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، ((إنما الأعمال بالنية)) وأنه يدخل فيه الغزو وغيره من الأعمال، بني على هذا الكتاب -الحديث في (إكمال المعلم) في الجزء السادس صفحة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة- هذا الكتاب بني عليه إكمال؛ لأنه فيه نقص أيضاً، أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي، الأُبي بضم الهمزة، وليست نسبة إلى إب باليمن، إنما في بلاد المغرب وليس الأقصى، أظنه في تونس أو في الجزائر، متوفى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، سمى كتابه: (إكمال إكمال المعلم) كلهم يدورون في فلك المازري، القاضي عياض له: (إكمال المعلم) والأبي هذا له: (إكمال إكمال المعلم)، قال: حديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) وأورد الحديث يعني ترجم بقول..، ترجم حديث قوله -صلى الله عليه وسلم-، أو حديثٌ قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) هذه الترجمة، استنبط شيء وإلا ما استنبط؟ ما استنبط شيء، ولذلك لا نستفيد من هذه الترجمة شيئاً، لكن مما يستطرف مما ذكره الأبي في شرحه، مما يستطرف قال: الأظهر أن النساء من الدنيا، الأظهر أن النساء من الدنيا فعَطف، أو فعْطف امرأة يتزوجها على دنيا يصيبها من عطف الخاص على العام، من عطف الخاص على العام.
وقال الغزالي: ليس النساء من الدنيا، ما هو اللي يستطرف في كلام الأبي؟ لا، المستطرف في كلام الغزالي، وقال الغزالي: ليس النساء من الدنيا، واحتج على ذلك بأن علي -رضي الله عنه- كان أزهد الصحابة، وكان عنده أربع، قال: مهيرات أو كذا، يعني مما يدفع لهن المهر من الحرائر، وسبع عشرة جارية، يعني علي لم يتوسع في أمور الدنيا فكيف توسع في النساء؟ إلا لأنهن لسن من أمر الدنيا، وكان الشيخ يستضعف هذا من قوله ويقول: إنهن من الدنيا ويدل على ذلك: ((حبب إلي من دنياكم ثلاث)) وعرفنا ما في كلمة: (ثلاث) من عدم الثبوت وأنها لا تثبت: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب)) فنص الحديث على أنها من الدنيا ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) وحديث ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)).
يقول الأبي: قلت: وذكر ابن بشير أنه اختلف في النكاح هل هو من باب الأقوات أو من باالمتفكهات؟ إيش يقصد؟ يقصد هل هو من باب الضرورات أو من باب الكماليات؟ المتفكهات كماليات ومستحسنات، هل هو من باب الأقوات فيلحق بالقوت فيكون من باب الضرورات، أو من باب المتفكهات ولا يبعد إجراء كلام الغزالي وغيره على هذين القولين، ولا يبعد إجراء كلام الغزالي وغيره على هذين القولين، بمعنى أن الغزالي يراه من الضرورات، يراه من الأقوات، ولذلك توسعوا فيه، توسع فيه أزهد الناس، وما أدري لماذا عدل إلى علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نعم؟ لماذا عدل في الاستدلال بأن علياً كان أزهد الصحابة والنبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق وأشرف الخلق ومع ذلك عدل عنه وهو معدد؟ يعني تزوج عدد، بضع عشرة، منهم من يحدهن باثنتي عشرة، لا سيما التي تدخل بهن، ومات عن تسع نسوة -عليه الصلاة والسلام-.
قال: ولا يبعد إجراء كلام الغزالي وغيره على هذين القولين، نعم؟
طالب:.......
طيب.
طالب:.......
هاه؟ يعني تركه لما له من خصوصية في هذا الباب، لكن ومع ذلك إذا استدل على تفضيل التعدد يستدل بفعله -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:.......
المقصود أنه مكثر يعني -عليه الصلاة والسلام-، وإذا قيل بالتعدد قيل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- معدد بغض النظر عما أبيح له من عدد.
طالب:.......
يعني قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خير أمتي أكثرهم نساء)) ما يدخل فيه هو؟
طالب:.......
إذن أمر واضح....