كتاب الغسل (05)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ وَالوُضُوءِ. وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: «أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ».

 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنها-: «وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ تَفْرِيقِ الغُسْلِ وَالوُضُوءِ. وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: «أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ»"، تفريق الغسل والوضوء هل المراد به أن يتوضأ ثم يفصل بمدة ثم يغتسل؛ لأنه قبل الغسل يتوضأ وضوءه للصلاة، وهنا يقول: "تفريق الغسل والوضوء"، يعني التفريق هو الفاصل بين الغسل والوضوء؟ أو المراد به التفريق بين الأعضاء في الغسل والوضوء؟ هذا هو الظاهر؛ لأن التفريق بين الوضوء والغسل لا يضر؛ لأن الوضوء سنة، ولا يؤثر في الغسل إذا فُرق بينه وبينه. المؤثر والذي فيه الخلاف القوي بين أهل العلم تفريق الأعضاء، بأن يغسل بعض بدنه، ويؤجل غسل البعض الثاني، أو يغسل وجهه ويديه ثم يفصل، وبعد ذلك بمدة يمسح رأسه، ويغسل قدميه، أو يغسل وجهه ويؤخر الباقي، أو يغسل الجميع ويؤخر غسل الرجلين. هذا هو المقصود؛ لأنه هو المؤثر؛ لأن الموالاة عند جمع من أهل العلم فرض من فرائض الوضوء، لا يصح بدون موالاة عند جمع من أهل العلم.

 البخاري- رَحِمَهُ اللهُ تعالى- أورد الترجمة: "باب تفريق الغسل والوضوء"، يعني ما حكمه؟ ولم يقل جوازه أو منعه، لكنه أردف هذا الكلام بأثر ابن عمر: "وَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ»"، يعني بعدما جف وجهه ويداه ورأسه غسل قدميه.

 البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- عادة يرجح الاحتمال الذي يدعمه بأثر من صحابي أو تابعي، فالمترجح عند البخاري على هذه القاعدة أنه يرى جواز التفريق، وأن الموالاة ليست بفرض عنده، ولا تؤثر في الوضوء؛ ولذلكم من غسل الأعضاء ولم يوالِ بينها هل يتم امتثاله لما أُمر به في آية المائدة: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]، هذا غسل الأعضاء المذكورة، الفروض المذكورة فعلها، لكنه لم يوالِ بينها، هل يصح أنه امتثل أو لم يمتثل؟

 طالب: .......

ماذا؟

طالب:.....

كيف؟

طالب: .......

هل تم امتثاله إذا غسل وجهه ثم جلس الغداة تغدى، ثم قام وغسل يديه ومسح رأسه وغسل رجليه، هل يتم امتثاله للآية: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] إلى آخرها، بأن غسل الأعضاء المذكورة في الآية وحينئذٍ يتم امتثاله؛ لأنه غسلها أو قد أُمر بغسلها وفعل. هذه حجة من يرى جواز التفريق، ولا يرى الموالاة فرضًا من فرائض الوضوء.

طالب: .......

لا لا لا، هذه لها أدلتها، وهذه لها أدلتها.

طالب: .......

الترتيب، ذُكرت فروض مرتبة، وأدخل الممسوح بين المغسولات، وفُرق بين النظير ونظيره، وبهذا يستدل من يرى الترتيب. لكن الموالاة، الآية تأمر بغسل هذه الفروض على أي وجه كان. لكن الذين يرون الموالاة يقولون: هذا الكلام مجمل بينه النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بفعله، وفعله للوضوء متواليًا، ولم يخل بهذا الفعل وبهذا الترتيب وبهذه الموالاة ولا مرة واحدة ليستدل بها على الجواز. الذين يقولون بالموالاة يقولون: الحد الفاصل نشوف الأعضاء، إذا نشف عضو قبل غسل الذي يليه تكون الموالاة انقطعت، فيستأنف الوضوء من جديد. ومنهم من يقول: مرد ذلك إلى العرف. أثر ابن عمر ذكره البخاري بصيغة التمريض: "يُذكر"، وهذه لا يلزم منها الضعف عند البخاري، وصدَّر أحاديث معلقة بصيغة التمريض وهي مروية عنده في أصول الكتاب، في الأصول، أو صحيحة عند غيره، المقصود أنها لا تدل على الضعف مطلقًا، وإنما يعدل عن صيغة الجزم لنكتة. ولماذا عدل عن صيغة الجزم إلى صيغة التمريض: "ويذكر"؟ لأن الخبر الوارد عن ابن عمر أنه غسل وجهه ويديه ومسح رأسه، ثم لما ذهب إلى المسجد من السوق، غسلها بالسوق، ثم لما ذهب إلى المسجد مسح على خفيه. والبخاري ما ذكر أثر ابن عمر بدقة باللفظ، وإنما جاء به بمعناه، وإذا عدل عن اللفظ إلى المعنى لنكتة يراها فإنه لا يجزم به، ولهذا السبب علقه بصيغة التمريض.

طالب: .......

هو مما يُستدل به على الموالاة، وسيأتي إن شاء الله.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ" البصري، "قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ" وهو أبو زياد، "قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ" سليمان بن مهران، "عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ" خالته، ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين: "«وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا»"، وعرفنا فيما تقدم في الوضوء أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثًا ثلاثًا، وتوضأ ملفقًا بمعنى أنه غسل بعض الأعضاء مرتين وبعضها ثلاثًا.

المقصود أن هذا كله جائز: «فغسلهما مرتين أو ثلاثًا»، "«ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ»" بيده اليمنى على يده الشمال، "«فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ»" يعني بشماله، "«ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ»" ليزول ما علق بها من الأذى، "«ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا»" هذا في الوضوء أم في الغسل؟ في الغسل، "«ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ»" يعني عمم الجسد بالماء، "«ثُمَّ تَنَحَّى»" يعني انتقل من مكانه الذي غسل فيه ما غسل إلى مكان آخر، وقلنا في دروس مضت ما قاله أهل العلم في ذلك أنه لاحتمال أن تكون الأرض ملوثة، فيها من الماء والطين ما يلوث القدمين، فيؤخر غسل القدمين، ويتنحى عن مكانه إلى مكان أنظف فيغسل قدميه فيهما.

قد يقول قائل: سواء غسل قدميه في هذا المكان الذي فيه الطين أو المكان الثاني سيكون فيه طين إذا غسل قدميه؟ لكن احتمال أن يكون المكان الثاني صخريًّا مثلاً ما يكون فيه طين، يصير مثل المبلط. "«ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ»" هم قالوا: إن التنحي هذا سبب، لعل السبب أن يكون فيه ما يلوث قدميه، ثم يحتاج إلى غسلهما ثانية.

طالب: .......

المذاكير ما لها علاقة بالطين، لا هو يقولون: آخر غسلة تزول بها النجاسة طاهرة، والماء إذا صب على الأرض ولو كانت نجسة ولو كانت من بول وهو أنجس مما ينشأ من هذه العملية؛ لأن مسألة المني والمذي هذه نجاسته مخففة، والمني طاهر، فالأمر سهل ما هو مثل البول، والبول يزيله نضح الماء عليه، صب الماء عليه يزيل النجاسة.

اقرأ.

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب تفريق الغسل والوضوء" أي جوازه، وهو قول الشافعي في الجديد، واحتج له بأن الله تعالى أوجب غسل أعضائه، فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرَّقها أو نسقها، ثم أيَّد ذلك بفعل ابن عمر، وبذلك قال ابن المسيب وعطاء وجماعة، وقال ربيعة ومالك: من تعمد ذلك فعليه الإعادة، ومن نسي فلا، وعن مالك: إن قرب التفريق بنى وإن طال أعاد، وقال قتادة والأوزاعي: لا يعيد إلا إن جف، وأجازه النخعي مطلقًا في الغسل دون الوضوء".

وهذا الضابط موجود عند كثير ممن يشترط الموالاة، يربطونه بالجفاف، وبعضهم يقول: إن طال عرفًا أعاد وإلا فلا.

طالب: "وأجازه النخعي مطلقًا في الغسل دون الوضوء، ذكر جميع ذلك ابن المنذر وقال: ليس مع من جعل الجفاف حدًّا لذلك حجة، وقال الطحاوي: الجفاف ليس بحدث فينقض كما لو جف جميع أعضاء الوضوء لم تبطل الطهارة".

يعني إذا تمت الطهارة ثم جف الماء لم تبطل الطهارة، وهذا لم يقل به أحد، ولا يتصور؛ لأنه لا بد أن يجف سواء كان نُشف أو نَشف من الجو.

على كل حال: القياس ما هو منتظم، قياس البعض على الكل لا ينتظم ولا يستقيم. الوضوء الكامل جفافه بعد فراغه هذا متفق عليه، وجفاف بعض الأعضاء مختلف فيه، والخلاف قوي بين الأئمة فيه. وإذا غسل عضوًا وتركه حتى يجف ثم غسل الذي يليه، ففي حقيقة الأمر كأنه لم يغسله؛ لأنه حينئذٍ لا فرق بينه وبين ما لم يغسل؛ لأن ما لم يُغسل ما عليه نجاسة حتى يغسل، هو حدث معنوي وليس بحسي. فإذا لم يأتِ الوضوء على الصورة الثابتة عنه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يكون بيان المجمل فيه نوع خلل إذا لم يكن على الصورة مكتملاً، وقياس تفريق الأعضاء حتى يجف بعضها قبل غسل العضو الآخر على جفاف جميع الأعضاء إذا اكتمل الوضوء فيه ما فيه؛ لأن من لازمه أن يجف إذا اكتمل الوضوء، لكن ليس من لازم غسل البعض وتركه حتى يجف ثم غسل الباقي، ليس من لازمه أن يجف إلا بنوع تفريق وترك. وعلى هذا فالمسألة خلافية بين أهل العلم، ولكل قول وجهه.

طالب: "قوله: "ويذكر عن ابن عمر" هذا الأثر رُويناه في الأم عن مالك عن نافع عنه، لكن فيه: «أنه توضأ في السوق دون رجليه ثم رجع إلى المسجد فمسح على خفيه ثم صلى» والإسناد صحيح، فيحتمل أنه إنما لم يجزم به؛ لكونه ذكره بالمعنى، قال الشافعي: لعله قد جف وضوؤه؛ لأن الجفاف قد يحصل بأقل مما بين السوق والمسجد.

 قوله: "حدثنا محمد بن محبوب" هو البصري، و"عبد الواحد" هو ابن زياد البصري، وقد تقدم هذا المتن من رواية موسى بن إسماعيل عنه في باب الغسل مرةً وسياقهما واحد غالبًا، إلا أن في ذلك: «ثم تحول من مكانه»، وفي هذا: «تنحى من مقامه»، وهما بمعنًى، وأبدى الكرماني من هذا احتمال أن يكون اغتسل قائمًا".

ما وجه هذا الاحتمال عند الكرماني؟ "وأبدى الكرماني من هذا احتمال أن يكون اغتسل قائمًا"؟ طالب: ........

الاحتمال الذي أبداه الكرماني؛ لأن اغتسال القائم. احتمال المبدى هنا من قبل الكرماني أنه اغتسل قائمًا؛ لأن من يغتسل قائمًا يؤثر في الأرض، الماء يؤثر في الأرض أكثر مما يؤثره إذا كان قاعدًا، لأن نزول الماء من علو أقوى من نزوله من قرب، مع أنه احتمال، يعني ما له وجه، يعني ما فيه فرق بين أن يكون اغتسل قائمًا أو اغتسل قاعدًا.

طالب: .......

تأخير القدمين.

طالب: .......

لا، ما يلزم، تنحى.

طالب: "بَابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ.

 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنهم-، قَالَتْ: «وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ - قَالَ سُلَيْمَانُ: لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لاَ؟- ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ بِالحَائِطِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً، فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا»".

هذه الإشارة: «وقال بيده» إشارة فعل، وفي هذا إطلاق القول على الفعل، وقد تقدم نظيره، والإشارة التي تدل على عدم الإرادة كيف تكون؟ «قال بيده هكذا ولم يردها»، هل «قال بيده» إشارة إلى ردها، كأن يقول هكذا، أو أنه «قال بيده» ينفض الماء عن يديه فلا حاجة له في الخرقة هذه؟

طالب: .......

جاءت الرواية بنفض اليدين، لكن الإشارة التي تدل على عدم الإرادة لا يعني أنها هي التي سبقت في نفض اليدين النفض المغني عن التنشف بالمنديل ونحوه.

يقول -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الغُسْلِ"، وفي الوضوء أيضًا يفرغ بيمينه على شماله، إذا كان فم الإناء واسعًا فإنه يُدخل يده بعد أن يغسلها الغسل المسنون ثلاثًا قبل أن يدخلها في الإناء، فيأخذ بيده اليمنى من الإناء فيفرغه على شماله، فيغسل به ما يراد غسله. وإن كان الإناء ضيق الفم جعله عن يساره وأصغاه بيده اليسرى فصب على اليمنى فأفرغ ما فيها على شماله. وهذا يكون في الغسل كما يكون في الوضوء.

قال: "حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ" التبوذكي، "قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ" الوضاح بن عبد الله اليشكري، "قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ" سليمان بن مهران، "عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللهُ عَنهم-، قَالَتْ: «وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً»" يعني ماءً يغتسل به، "«وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ، فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ»" كل هذا على سبيل الاستحباب إذا لم يكن عليها نجاسة، أو يقوم قائمًا من النوم فإنه يغسلها ثلاثًا، "قَالَ سُلَيْمَانُ" من سليمان؟ الأعمش، "لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ" يعني سالم بن أبي الجعد "أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لاَ؟

«ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ بِالحَائِطِ»" كما تقدم مرارًا، وقلنا: إن صاحب بذل المجهود يقول: إن الدلك بالأرض أو بالحائط يزيل الرائحة، "«ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَغَسَلَ رَأْسَهُ»" في الغسل، وإلا فالوضوء فالرأس يُمسح، "«وغسل رأسه ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ»" أفاض على جسده الماء وعممه، "«ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ»" وهذا كما تقدم في الحديث السابق.

 "«فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً»" أعطته خرقة يتنشف فيها، لينشف الأعضاء، "«فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا»" لم يردها، فتبقى الأعضاء رطبة يتقاطر منها الماء؛ لتزول ذنوبه مع الماء أو مع آخر قطر الماء كما جاء، لكن إذا تنشف؟ خلاف الأولى، ولو قيل بالكراهة فالكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني لو كان الجو باردًا، وخشي أن يخرج وفيه بلل يتضرر أو يتأذى بالبرودة مع الماء فالتنشف لا إشكال فيه؛ لأنه حاجة، والحاجة تزيل الكراهة.

طالب: .......

لأنه لم يردها، المقصود لم يرد الخرقة، ولكن هذا مما قيل، وله وجهه أنه ينتظر، وهذا أثر عبادة، وأثر العبادة الأصل أن يستدام، ولا يبادر بإزالته، وجاء النهي عن مسح التراب من الجبهة والأنف، قال: «فإن الرحمة تواجهها».

طالب: قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قوله: "باب من أفرغ" هذا الباب مقدم عند الأصيلي وابن عساكر على الذي قبله، واعتُرض على المصنف بأن الدعوى أعم من الدليل، والجواب: أن ذلك في غسل الفرج بالنص وفي غيره بما عُرف من شأنه أنه كان يحب التيامن كما تقدم، ومحله هنا فيما إذا كان يغترف من الإناء؛ قاله الخطابي، قال: فأما إذا كان ضيقًا كالقمقم فإنه يضعه عن يساره، ويصب الماء منه على يمينه.

 قوله: "حدثنا موسى بن إسماعيل" تقدم هذا الحديث من روايته أيضًا في باب الغسل مرةً، لكن شيخه هناك عبد الواحد وهنا أبو عوانة، وهو الوضاح البصري".

أبو عوانة من الثقات من الرواة، وحفظه في كتابه وضبطه فيه، وهو معتمد عند الأئمة، وروى عنه البخاري وغيره من الأئمة، لكن أصحاب الهوى حينما روى حديثًا لا يؤيد مذهبه من المبتدعة، ووجد خطأً في كتاب طُبع بدون تحقيق لما سئل أحد الأئمة عن أبي عوانة، قال: ذاك وضاع، يريد وضاح كما في النسخ الصحيحة، اسمه وضاح، فاستغل هذا الخطأ، وضعَّف الحديث، بل حكم عليه بالوضع، والحديث صحيح، لا إشكال فيه، لكن أهل الهوى يتتبعون مثل هذه الزلات وهذه الأغلاط، وإلا فأبو عوانة إمام في الحفظ والضبط والإتقان، لا سيما من الكتاب، وضبط الكتاب معتمد عند أهل العلم، وجعله بعضهم أولى من ضبط الحفظ، من ضبط الصدر، نعم.

طالب: "قوله: «وسترته»، زاد ابن فضيل عن الأعمش: «بثوب» والواو فيه حالية".

يعني والحال أنها سترته.

طالب: "قوله: «فصب» قيل: هو معطوف على محذوف، أي فأراد الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء فصب على يده؛ قاله الكرماني، ولا يتعين ما قاله، بل يحتمل أن يكون الوضع معقَّبًا بالصب على ظاهره، والإرادة والكشف يمكن كونهما وَقَعَا قبل الوضع، والأخذ هو عين الصب هنا، والمعنى: وضعتْ له ماءً فشرع في الغسل ثم شرحت الصفة".

فتكون الفاء هذه تفريعية على ما تقدم.

طالب: "قوله: "قال سليمان"، أي الأعمش، وقائل ذلك أبو عوانة، وفاعل "أذكر" سالم بن أبي الجعد، وقد تقدم من رواية عبد الواحد وغيره عن الأعمش: «فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا»، ولابن فضيل عن الأعمش: «فصب على يديه ثلاثًا» ولم يشك، أخرجه أبو عوانة في مستخرجه، فكأن الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم؛ لأن سماع ابن فضيل منه متأخر.

 قوله: «ثم تمضمض»، وللأصيلي: «مضمض» بغير تاء.

 قوله: «وغسل قدميه» كذا لأبي ذر، وللأكثر: «فغسل» بالفاء. قوله: «فقال بيده»، أي أشار، وهو من إطلاق القول على الفعل كما تقدم مثله. قوله: «ولم يُردها» بضم أوله وإسكان الدال من الإرادة، والأصل: يريدها، لكن جُزم بلم، ومن قالها بفتح أوله وتشديد الدال فقد صحف وأفسد المعنى".

يعني ولم يَرُدَّها، هذا تصحيف؛ لأنه يقلب المعنى. لم يَرُدَّها يعني أخذها واستعملها، ولم يُرِدْها يعني رفضها.

طالب: "ومن قالها بفتح أوله وتشديد الدال فقد صحف وأفسد المعنى، وقد حكى في المطالع أنها رواية ابن السكن، قال: وهي وهمٌ".

صاحب المطالع مطالع الأنوار على صحاح الأخبار فرع عن المشارق للقاضي عياض ومختصر منه، والمطالع لابن قرقول، وقد اشتهر عند المتأخرين من الشراح أكثر من أصله، ولعل ذلك لوفرة نسخه وإلا فالأصل أفضل منه.

 مشارق أنوار تبدت بسبتة           ومن عجب كون المشارق بالغرب

 فالمشارق كتاب نفيس للقاضي عياض، وقد طُبع في المغرب وطبع أيضًا في مصر قديمًا ثم طبع أخيرًا، وأما المطالع فلم يطبع إلا متأخرًا.

طالب: قال: "وقد حكى في المطالع أنها رواية ابن السكن، قال: وهي وهمٌ، وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن أبي عوانة بهذا الإسناد وقال في آخره: «فقال هكذا وأشار بيده أن لا أريدها»، وسيأتي في رواية أبي حمزة عن الأعمش: «فناولته ثوبًا فلم يأخذه» والله أعلم".

طالب: .......

هو ساتر، جعل الستر، لا شك أنه بعد التجرد، الستر بعد التجرد، لكن هل هو قائم مع وضع الماء أو بعده؟ يحتمل.

طالب: .......

الدعوى، شف الترجمة: "باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل" هذه أعم من الدليل الذي فيه فيما يتعلق باليدين، و"من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل" يعني في جميعه، أنه يغسل بدنه بيده الشمال بعد أن يفرغ عليها بيمينه، فهذه أعم.

طالب: قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.

 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا».

 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ»، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ «أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ»، وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ «تِسْعُ نِسْوَةٍ»".

يقول المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: إِذَا جَامَعَ" الرجل امرأته أو نساءه "ثُمَّ عَادَ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ"، لا شك في جواز ذلك، وأن له أن يجمع بالغسل الواحد أكثر من جماع، سواء كان من واحدة أو أكثر من واحدة. ولا شك أيضًا أن الغسل بعد الجماع أنشط عند إرادة العود، ولكنه ليس بواجب. واختلفوا في الوضوء هل يجب أو يتأكد استحبابه، والمراد بالوضوء هل هو الوضوء الشرعي أو الوضوء اللغوي كما أشار إليه ابن خزيمة على ما سيأتي، كل هذا سيأتي في كلام الشارح -رَحِمَهُ اللهُ-.

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ" وهو القطان، "عَنْ شُعْبَةَ" ابن الحجاج، "عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْتَشِرِ، عَنْ أَبِيهِ" محمد بن المنتشر، "قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ" هذا الحديث مختصر، وسيأتي بيانه في الحج، وتوضيحه في الشرح على ما سيأتي، "ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ»" الأصل أن المحرم ممنوع من الطيب، وكأن ابن عمر يرى أن المنع يشمل ما قبل الإحرام وما بعده، قال: "فقالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن" وهي كنية عبد الله بن عمر، "«كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيطوف على نسائه ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا»" كانت تطيبه -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لإحرامه قبل أن يُحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت، فلا مانع أن يستمر الطيب: «كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» يعني بعد الإحرام، فابن عمر لعله من زيادة تحريه وشدة احتياطه كما يفعله بعض الناس اليوم ما يتطيب عند الإحرام يقول: أخشى أن أمس هذا الطيب وأنقله من مكان إلى مكان، أو ينتقل إلى ثياب الإحرام، وهذا محظور، فيجتنب الطيب من أجل هذا، لكن السنة أولى بالاتباع من هذا الاحتياط.

 "يرحم الله أبا عبد الرحمن، «كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيطوف على نسائه»" وسيأتي عددهن في الحديث اللاحق، وعلى خلاف بينهم في العدد هل هن تسع أو اثنتا عشرة؟ ولا شك أنه توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن تسع نسوة، ووصل عدد اللاتي تزوج بهن ودخل بهن إلى اثني عشر، وبعضهم ذكر النساء اللاتي خطبهن واللاتي لم يدخل بهن مع ما دخل بهن فوصل العدد إلى ثلاثين -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-.

طالب: "قوله: "باب إذا جامع ثم عاد"، أي ما حكمه؟ وللكشميهني: عاود، أي الجماع، وهو أعم من أن يكون لتلك المجامعة أو غيرها، وقد أجمعوا على أن الغسل بينهما لا يجب، ويدل على استحبابه حديث أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع: «أنه -صلى الله عليه وسلم- طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه»، قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحدًا؟ قال: «هذا أزكى وأطيب وأطهر». واختلفوا في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف: لا يستحب، وقال الجمهور: يستحب، وقال ابن حبيب المالكي، وأهل الظاهر: يجب، واحتجوا بحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ بينهما وضوءًا»، أخرجه مسلم من طريق أبي حفص، عن عاصم، عن أبي المتوكل عنه".

أبو المتوكل من هو؟ يقولون له: الناجي؛ نسبة إلى بني ناجية، وفيه ناجٍ متأخر. نذكر النظائر لعله يثبت شيء في أذهاننا: ناجٍ متأخر شارح للترغيب والترهيب، وسبب تسميته أو تلقيبه بالناجي أنه انتقل من مذهب الحنابلة إلى مذهب الشافعية فقيل له: ناجٍ؛ لأن مذهب الحنابلة موصوف بالشدة. وإن طلعتم لنا معلومات عنه فزين.

طالب: "وأشار ابن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي، فقال: المراد به غسل الفرج، ثم رده ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة عن عاصم في هذا الحديث فقال: «فليتوضأ وضوءه للصلاة». وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه، فقد نقل ابن المنذر عنه أنه قال: لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود".

وغسل الفرج فقط هذا وضوء لغوي؛ لأنه تنظيف.

طالب: "ثم استدل ابن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب لا للوجوب بما رواه من طريق شعبة عن عاصم في حديث أبي سعيد المذكور كرواية ابن عيينة وزاد: «فإنه أنشط للعود»".

ما هو العود؟ كبير السن، كبير السن يقال له: عود؟

طالب: .......

هو عود. يقال له: عود. هو هو.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

وكبير السن إذا بغى أن يعاود ما هو بأنشط له!!

طالب: .......

على كل حال المعاودة هو الرجوع مرة ثانية عند من يقدر، ماذا نقول يا أبا عبد الرحمن؟ ما رأيك؟ عندك الوصف كله، هو أنشط أم ما عليك اعتراض على الحديث؟ يعني ما عندك اعتراض على الحديث، ويؤيده تجربة!!

طالب: "فدل على أن الأمر للإرشاد أو للندب".

يعني العلة تدل على الندب، وتصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لأن الصرف قد يكون بالعلة.

طالب: "ويدل أيضًا على أنه لغير الوجوب ما رواه الطحاوي من طريق موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجامع ثم يعود ولا يتوضأ».

قوله: "ويحيى بن سعيد" هو القطان، وينبغي أن يثبت في القراءة قبل قوله: "عن شعبة" لفظ كلاهما".

هذا في الأصل حتى في القراءة ينبغي أن تقرأ؛ لأنهما راويان يرويان عن شيخ واحد، فيقال: كلاهما عن فلان، وهذه يثبتها مسلم كثيرًا.

طالب: "وينبغي أن يثبت في القراءة قبل قوله: "عن شعبة" لفظ كلاهما؛ لأن كلًّا من ابن أبي عدي".

ابن أبي؟ كذا عندك؟

طالب: عندي وفي السند .......

لا عندي لا في المتن ولا في الشرح.

طالب: .......

لا، هذا في الأصل: "حدثنا ابن أبي عدي".

طالب: .......

أضيفت يعني صُححت، يعني موجودة في جدول الخطأ والصواب. غريب، ما صُحح في الخطأ والصواب! لا لا لا. التصويب هنا في الأخير. نعم صوب: ابن عدي صوابه: ابن أبي عدي. هو مصوب في الشرح، ما صوب الذي في المتن.

طالب: .......

لكن المتن ما صوب. ما صوب بالمتن.

طالب: "لأن كلًّا من ابن أبي عدي ويحيى رواه لمحمد بن بشار عن شعبة، وحذفُ كلاهما من الخط اصطلاح".

مع أنه ينبغي ذكره في القراءة في اللفظ، مثل قال.

طالب: .......

لا ما يلزم في ....... تأكيد، ما يلزم. كلاهما تأكيد.

طالب: "قوله: "ذكرته"، أي قول ابن عمر المذكور بعد باب وهو قوله: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضخ طيبًا، وقد بينه مسلم في روايته عن محمد بن المنتشر قال: سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرمًا فذكره، وزاد: قال ابن عمر: لأن أطلى بقطران أحب إليَّ من أن أفعل ذلك، وكذا ساقه الإسماعيلي بتمامه عن الحسن بن سفيان عن محمد بن بشار، فكأن المصنف اختصره لكون المحذوف معلومًا عند أهل الحديث في هذه القصة، أو حدثه به محمد بن بشار مختصرًا.

قوله: "أبا عبد الرحمن" يعني ابن عمر، استرحمت له عائشة إشعارًا بأنه قد سها فيما قاله؛ إذ لو استحضر فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل ذلك. قوله: «فيطوف» كناية عن الجماع، وبذلك تظهر مناسبة الحديث للترجمة، وقال الإسماعيلي: يحتمل أن يراد به الجماع وأن يراد به تجديد العهد بهن. قلت: والاحتمال الأول يرجحه الحديث الثاني لقوله فيه: «أعطي قوة ثلاثين»، و«يطوف» في الأول مثل «يدور» في الثاني".

ولذا جزم البخاري ترجم: "باب: إذا جامع ثم عاد".

طالب: "قوله: «ينضخ» بفتح أوله وبفتح الضاد المعجمة وبالخاء المعجمة، قال الأصمعي: النضخ بالمعجمة أكثر من النضح بالمهملة، وسوَّى بينهما أبو زيد".

النضخ يعني الدفق بقوة: {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66] يعني بقوة، ومن يرجح الجنتين الأخريين على الأوليين قال: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: 66] أقوى من مجرد {تَجْرِيَانِ} [الرحمن: 50]. والمفاضلة بين الجنتين الأوليين والأخريين معروفة عند أهل العلم، لكن الأكثر على تفضيل الأوليين، قوله: {وَمِنْ دُونِهِمَا} [الرحمن: 62] يعني في المنزلة، والذين يرجحون الأخريين يقولن: {دُونِهِمَا} [الرحمن: 62] يعني أقرب إلى العرش. نعم.

طالب: "وسوَّى بينهما أبو زيد، وقال ابن كيسان: إنه بالمعجمة لِما ثخن وبالمهملة لما رقَّ، وظاهره أن عين الطيب بقيت بعد الإحرام، قال الإسماعيلي: بحيث إنه صار كأنه يتساقط منه الشيء بعد الشيء، وسنذكر حكم هذه المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى".

أنت قرأت هذا؟

طالب: .......

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ" الدستوائي، وهشام الدستوائي هشام بن أبي عبد الله، واسم أبيه؟ سمبر على وزن جعفر.

 "قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي" هشام الدستوائي من مشاهير الرواة، "عَنْ قَتَادَةَ" ابن دعامة السدوسي، وكنيته كنية قتادة.

طالب: .......

لا، أبو بسطام شعبة، كتب بعض المحققين في ترجمة شعبة قال: أبو سطام! المهم: قتادة بن دعامة السدوسي كنيته أبو الخطاب، "قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الوَاحِدَةِ»" وهي الجزء من الوقت من الليل أو من النهار، ولا يراد بذلك الساعة التي تعارف عليها الفلكيون وأهل الهيئة المعادلة للستين دقيقة، ليس المراد هذا، قال: فتحدثا ساعة، يحتمل أنها ساعتان أو أكثر أو ربع ساعة، المهم أنها مقدار من الزمان لا يتحدد بحد. "«على نسائه في الساعة الواحدة، مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»" الواو هنا بمعنى أو، ويمكن حملها على معناها الأصلي، وتكون ساعة مشتركة فيها جزء من الليل وجزء من النهار، "«وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ»" على خلاف بين العلماء في عدد نسائه سواء من دخل بهن أو لم يدخل بهن، لكن المراد هنا من دخل بهن، واللواتي توفي عنهن -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- تسع، توفي رسول الله عن تسع نسوة إليهن تعزى المكرمات وتنسب.

كمل.

طالب: .......

بعض الشباب إذا وُجه إليه أسئلة، كثر ذلك ابتعد، يبتعد لكن الشيخ عبد الله ما يقدر يبتعد. إلقاء الأسئلة والإجابة أو عدم الإجابة، كله مفيد سواء أجيب بعد السؤال فيرسخ الجواب، أو تُرك الجواب ليبحث الطالب بنفسه عن الجواب فيرسخ أيضًا.

"قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟" يعني تسع، "قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ «أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ»" وفي حديث: «أربعين»، وفي حديث: «من أهل الجنة» والواحد من أهل الجنة يُعطى قوة مائة من أهل الدنيا، فيكون النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطي قوة ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف؟ ثلاثين في مائة ثلاثة آلاف، والرواية الأخرى «أربعين»: أربعة آلاف. "«أنه أعطي قوة ثلاثين»، وَقَالَ سَعِيدٌ" ابن أبي عروبة، "عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ «تِسْعُ نِسْوَةٍ»" يعني أنهن تسع نسوة.

اقرأ.

طالب: "قوله: "معاذ بن هشام" هو الدستوائي، والإسناد كله بصريون".

طالب: .......

الذي توفي عنهن تسع.

طالب: .......

ما الدليل على ذلك؟ سيجيء يتكرر ........

طالب: "قوله: «في الساعة الواحدة» المراد بها قدر من الزمان لا ما اصطلح".

في الحديث: «وهن إحدى عشر».

طالب: "قوله: «في الساعة الواحدة» المراد بها قدر من الزمان لا ما اصطلح عليه أصحاب الهيئة. قوله: «من الليل والنهار» الواو بمعنى أو جزم به الكرماني، ويحتمل أن تكون على بابها بأن تكون تلك الساعة جزءًا من آخر أحدهما وجزءًا من أول الآخر. قوله: «وهن إحدى عشرة»، قال ابن خزيمة: تفرد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه، ورواه سعيد بن أبي عروبة وغيره عن قتادة فقالوا: «تسع نسوة» انتهى. وقد أشار البخاري إلى رواية سعيد بن أبي عروبة فعلقها هنا ووصلها بعد اثني عشر بابًا بلفظ: «كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة»، وقد جمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين".

الباب رقم 24، 284 الحديث.

طالب: "وقد جمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، لكنه وهم في قوله أن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأةً. وموضع الوهم منه: أنه -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة وحفصة وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور.

واختُلف في ريحانة وكانت من سبي بني قريظة، فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب، فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل، قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثةً، فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وَهبت يومها لعائشة كما سيأتي في مكانه، فرَجَحت رواية سعيد، لكن تُحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبًا، وقد سرد الدمياطي في السيرة التي جمعها من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين، وفي المختارة من وجه آخر عن أنس: تزوج خمس عشرة دخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع، وسرد أسماءهن أيضًا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاي".

من هو أبو الفتح اليعمري؟

طالب: .......

ابن سيد الناس، وكتابه؟

طالب: .......

لا.

طالب: .......

نعم، ما اسمه؟ من أفضل ما كتب في السيرة.

طالب: .......

كتاب ابن سيد الناس، ما اسمه؟

طالب: .......

لا، ذاك ابن حزم، ابن حزم جوامع السيرة. هذا اسمه: عيون الأثر في شمول المغازي والشمائل والسير.

طالب: "وفي المختارة من وجه آخر عن أنس: «تزوج خمس عشرة، دخل منهن بإحدى عشرة ومات عن تسع»، وشرد أسماءهن أيضًا أبو الفتح اليعمري ثم المغلطاي فزدن على العدد الذي ذكره الدمياطي، وأنكر ابن القيم ذلك. والحق أن الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء، وبمقتضى ذلك تنقص العدة، والله أعلم.

قوله: "أوَكان" بفتح الواو هو مقول قتادة، والهمزة للاستفهام، ومميَّز «ثلاثين» محذوف، أي ثلاثين رجلاً، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي موسى عن معاذ بن هشام: «أربعين» بدل «ثلاثين» وهي شاذة من هذا الوجه، لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك وزاد: «في الجماع»، وفي صفة الجنة لأبي نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد: «من رجال أهل الجنة»، ومن حديث عبد الله بن عمرو رفعه: «أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع»، وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه: «إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة»، فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف".

لكن القوة في هذا الباب هل هي مما يمدح به الرجل أم لا؟ يقول أهل العلم: كانت العرب تتمدح بقوة الجماع، وتذم بكثرة الأكل، وابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- في الوابل الصيب قال: الجماع أعظم متع الدنيا، ولو قال: من أعظم لكان أدق.

طالب: "قوله: "وقال سعيد" هو ابن أبي عروبة كذا للجميع، إلا أن الأصيلي قال: إنه وقع في نسخةٍ: شعبة بدل سعيد، قال: وفي عرضنا على أبي زيد بمكة: سعيد، قال أبو علي الجياني: وهو الصواب.

قلت: وقد ذكرنا قبل أن المصنف وصل رواية سعيد، وأما رواية شعبة لهذا الحديث عن قتادة فقد وصلها الإمام أحمد. قال ابن المنير: ليس في حديث دورانه على نسائه دليل على الترجمة، فيحتمل أنه طاف عليهن واغتسل في خلال ذلك عن كل فِعلة غُسلاً، قال: والاحتمال في رواية الليلة أظهر منه في الساعة".

فِعلة أم فَعلة؟

طالب: فَعلة.

مَرة، مَرة يعني فَعلة.

طالب: "قلت: التقييد بالليلة ليس صريحًا في حديث عائشة، وأما حديث أنس فحيث جاء فيه التصريح بالليلة قيَّد الاغتسال بالمرة الواحدة، كذا وقع في روايات للنسائي وابن خزيمة وابن حبان، ووقع التقييد بالغسل الواحد من غير ذِكر الليلة في روايات أخرى لهم ولمسلم، وحيث جاء في حديث أنس التقييد بالساعة لم يحتج إلى تقييد الغسل بالمرة؛ لأنه يتعذر أو يتعسر فيها تكرير المباشرة والغسلِ معًا".

لكن إذا قلنا: المراد بالساعة مقدار من الزمان، قد يكون أكثر من ساعة أو ساعتين. نقول: إن العصر ساعة مثلاً، وأحيانًا يصل العصر إلى ثلاث ساعات في الصيف.

طالب: "وعُرف من هذا أن قوله في الترجمة: «في غسل واحد» أشار به إلى ما ورد في بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصًا فيما أخرجه كما جرت به عادته، ويحمل المطلق في حديث عائشة على المقيد في حديث أنس؛ ليتوافقا، ومن لازم جماعهن في الساعة أو الليلة الواحدة عودُ الجماع كما ترجم به، والله أعلم. واستدل به المصنف في كتاب النكاح على استحباب الاستكثار من النساء، وأشار فيه إلى أن القَسْم لم يكن واجبًا عليه".

وإلا كيف يطوف عليهن في ليلة واحدة أو في يوم واحد، العصر كان يمر على نسائه كلهن، يطوف على نسائه كلهن والقسم واجب عليه؟ فقالوا: إن القسم ليس بواجب عليه، وفيه أقوال أخرى ستأتي.

طالب: "وهو قول طوائف من أهل العلم، وبه جزم الإصطخري من الشافعية، والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب، ويحتاج من قال به إلى الجواب عن هذا الحديث، فقيل: كان ذلك برضا صاحبة النوبة كما استأذنهن أن يمرَّض في بيت عائشة، ويحتمل أن يكون ذلك كان يحصل عند استيفاء القسمة ثم يستأنف القسمة، وقيل: كان ذلك عند إقباله من سفر؛ لأنه كان إذا سافر أقرع بينهن، فيسافر بمن يخرج سهمها، فإذا انصرف استأنف، وهو أخص من الاحتمال الثاني، والأول أليق بحديث عائشة، وكذا الثاني، ويحتمل أن يكون ذلك كان يقع قبل وجوب القسمة ثم ترك بعدها، وأغرب ابن العربي فقال: إن الله خصَّ نبيه بأشياء منها أنه أعطاه ساعةً في كل يوم لا يكون لأزواجه فيها حق يدخل فيها على جميعهن فيفعل ما يريد، ثم يستقر عند من لها النوبة، وكانت تلك الساعة بعد العصر، فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب، ويحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلاً".

إذا كان هذا الفعل والمرور على الجميع برضا الجميع واتفاقهم فالأمر لا يعدوهم.

طالب: "وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم: ما أعطي النبي -صلى الله عليه وسلم- من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية وصحة الذكورية، والحكمةُ في كثرة أزواجه أن الأحكام التي ليست ظاهرةً يَطلِعن عليها فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، ومن ثَم فضلها بعضهم على الباقيات، واستدل به ابن التين لقول مالك بلزوم الظهار من الإماء بناءً على أن المراد بالزائدتين على التسع مارية وريحانة، وقد أطلق على الجميع لفظ نسائه، وتُعقب بأن الإطلاق المذكور للتغليب كما تقدم فليس فيه حجة لما ادعى، واستدل به ابن المنير على جواز وطء الحرة بعد الأمة من غير غسل بينهما ولا غيره، والمنقول عن مالك أنه لا يتأكد الاستحباب في هذه الصورة، ويمكن أن يكون ذلك وقع؛ لبيان الجواز فلا يدل على عدم الاستحباب".

"واستدل به ابن المنير على جواز وطء الحرة بعد الأمة من غير غسل بينهما"، هل يتصور المنع أو أن المنع قد قيل به؟ نعم؟ استدل به على جواز وطء الحرة بعد الأمة.

طيب لو قيل: استدل به على جواز وطء الأمة بعد الحرة، أشد وقعًا عليها، والأمة لا يلزم لها القسم، لا شك أنها أدنى درجة من الحرة.

والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"