كتاب بدء الوحي (047)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فما زلنا في الفوائد التي انتقاها ابن المُلقن من بهجة النفوس لابن أبي جمرة والدُرر التي التقطها من ذلك الكتاب الذي هو في الأصل شرح لمختصر ابن أبي جمرة لصحيح البخاري، انتقى فيه ثلاثمائة حديث من الصحيح، ثم شرحها بشرح فيه فوائد كثيرة جدًّا، وفيه أيضًا مخالفات. وذكرنا مرارً هذا الشرح تكلمنا عنه في مناسبات كثيرة، ولا يخلو من فائدة، فيه فوائد، والشرح أيضًا الأصل موجود معنا الآن لو احتجنا إليه، لكن اعتمدنا انتقاء ابن المُلقن لهذه الفوائد وهذه الدُرر، ومضى منها إحدى وعشرون فائدة.

تلك الثانية بعد العشرين يقول: (فيه دلالة) يعني في حديث عائشة وحديث جابر؛ لأن الفوائد من الحديثين، (فيه دلالة لما تقوله الصوفية أن التحلي لا يكون إلا بعد التخلي، يتخلى أوّلًا بالجهد، ثم تحلى بإلقاء الوحي إليه) يقول المعلق على هذا: هذا الكلام فيه حقًّ وباطل، الصوفية يقولون إن على المريد أن يختلي، وأن يُفرغ قلبه من كل شيء، بل قد يؤمر أن يجلس في مكانٍ مظلم ويغطي رأسه ويقول: الله الله الله، أو: هو هو هو، فإذا فعل ذلك فرّغ قلبه واستعد كي ينزل على قلبه من المعرفة ما هو المطلوب، بل قد يقولون: إنه يحصل له من جنس ما يحصل للأنبياء، منهم من يزعم أنه حصل له أكثر مما حصل للأنبياء، لذا فهم يقولون: إن النبوة مكتسبة، فإذا صفا قلبه فاض على قلبه من جنس ما فاض على الأنبياء. التحلي لا يكون إلا بعد التخلي، الآن حينما يراد أن يُصبغ هذا الجدار الذي فيه ألوان، وألوان طارئة عليه تشوهه، ومن يريد إصلاح هذا التشويه يقوم أوّلًا بإزالة هذا التشويه، وهذا هو التخلي، ثم يقوم بصبغه ثانيًا، وهذا هو التحلي.

 هذا أمرٌ معروف يعني في عند أهل العلم ومعروفٌ أيضًا عند العامة، يعني في دعاء الاستفتاح، في دعاء الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني بالماء والثلج والبرد، بينما في دعاء الجنازة على هذا النسق أو فيه اختلاف؟ اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب، يعني الترتيب متحد أم مختلف؟ أيهما أولى؟

طالب:...

لكن حال الحي يختلف عن حال الميت؟

طالب:...

الآن الحال الراهنة للحي والميت هو الآن بين يدي الله -جل وعلا- يدعوه، والميت بين يدي المصلي يدعو له، في دعاء الاستفتاح ما الذي قُدِّم؟

طالب:...

التخلية قبل التحلية، وفي دعاء الجنازة الدعاء للميت العكس، فأيهما أولى؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

الأول أولى، حتى الميت، لكن إذا كان الحديث منقولًا بلفظه وعلى نَسَقه وعلى ترتيبه فلا شك أننا نحتاج إلى الجواب، إما أن نقول: إن هذا الحي يليق به كذا، والميت يليق به كذا، وبهذا نسلم من الاعتراض، أو نقول: إن الواو لا تقتضي ترتيبًا، ذكر كلام عن شيخ الإسلام يقول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى أن هذه الطريقة لو كانت حقًّا فإنما تكون في حق من لم يأته رسول، فأما من أتاه رسول وأُمر بسلوك طريقٍ فمن خالفه ضل، وخاتم الرسل -عليه الصلاة والسلام- قد أمر أمته بعبادات شرعية من صلاةٍ وذكرٍ ودعاءٍ وقراءة لم يأمرهم قط بتفريغ القلب من كل خاطر، وانتظار ما ينزل.

الآن هو علّق على كلام الأصل بكلامٍ ثم ردّ على هذا الكلام من كلام شيخ الإسلام، يعني هو وضع الأصل ما فيه إلا دلالة لما تقوله الصوفية أن التحلي لا يكون إلا بعد التخلي، فتخلى أوّلًا بالجهد، ثم تحلى بإلقاء الوحي إليه، ثم ذكر ما يحصل في التخلي أو في الخلوة عند الصوفية، ثم ردّ على ما يحصل، هل هذا مناسب؟ لأنه استطراد بعد استطراد، يعني الأصل يمكن يمشي على وجهٍ صحيح، ولذلك هو قال: فيه حق وباطل، لكن لما عُرف من حالهم وسُبر من طريقتهم أنهم يستعملونه في الباطل.

طالب:...

نعم، لكن الكلام، الكلام يعني في سطرين أصله ثم يُعلق عليه بخمسة أسطر، ثم يعلق عليه بصفحة؟

طالب:...

نعم لو قال هذا الكلام فيه حق وباطل احتمال أن يكون كذا، واحتمال أن يكون كذا انتهى الإشكال، لا يغتر به أحد.

طالب:...

يقول: فهذه الطريقة لو قُدِّر أنها طريق لبعض الأنبياء لكانت منسوخة بشرع محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكيف وهي طريقة جاهلية لا توجب الوصول إلى المطلوب إلا بطريق الاتفاق، بأن يقذف الله تعالى في قلب العبد إلهامًا ينفعه، وهذا قد يحصل لكل أحد ليس هو من لوازم هذا الطريق، ولكن التفريق أو التفريق والتخلية التي جاء بها الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يفرغ قلبه مما لا يحبه الله ويملؤه بما يحبه الله، ويفرغه من عبادة غير الله، ويملؤه بعبادة الله، وكذلك يفرغه عن محبة غير الله ويملؤه بمحبة الله. وكذلك يُخرج عنه خوف غير الله، ويدخل فيه خوف الله تعالى، وينفي عنه التوكل على غير الله ويثبت فيه التوكل على الله، وهذا هو الإسلام المتضمن للإيمان الذي يمده القرآن ويقويه، لا يناقضه وينافيه كما قال جُندب وابن عمر: تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانًا.

 قلتُ: أما إذا كان التخلي تخليًا عن الرذائل –هذا المُعلِّق- قلتُ: أما إذا كان التخلي تخليًا عن الرذائل والتحلي تحليًا بالفضائل فهذا لا بأس به، بل مطلوب شرعًا كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسُّنَّة، والله أعلم. على كل حال إذا أًطلقت هذه الجملة فهذا هو المُراد، إلا إذا صرَّح القائل بأن مراده غير ذلك.

الثالثة بعد العشرين: (حكمة الغط ثلاثًا من غير زيادة ولا نقصان وجهان: أحدهما أن البشرية فيها عوالم مختلفة منها العقل وموافقة الملَك، ومنها النفس والطبع والشيطان، وموافقتهم الهوى والغفلة والعادة المذمومة، وهي أشدها؛ لقول الأمم الماضية: إنا وجدنا آباءنا على أمة، قال الأطباء: إن العادة طبع خامس، فكانت تلك الغطات مذهبة لتلك الخصال الثلاث وموافقيها، وبقي العقل والملَك اللذين هما قابلان للحق والنور، وإن كان -صلى الله عليه وسلم- مُطهرًا من الشيطان مثل ذلك قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [سورة المدثر:4]، وثيابه لا شك بطهارتها على كل تأويل، لكن هذا مقتضى الحكمة في تكليف البشرية بترقيها، الثاني أن الدين على ثلاث مراتب: إيمان وإسلام وإحسان، فكانت تلك الغطات مبالغة في التخلي بكلها؛ لأن إيمانهم أقوى من إيمان أتباعهم؛ لعُلو مقامهم).

 ظاهر هذا الكلام من الحديث من الغطات؟ بعيد، حكم الغط ثلاثة من غير زيادة ولا نقصان هو لا شك أن له حكمة من أجل أن ينتبه ويهتم لما يلقى عليه، سوف يلقى عليه قول ثقيل، لا بد أن يكون له مقدمات، وكذا في سائر مدته -عليه الصلاة والسلام- في الوحي يحصل له ما يحصل من الشدة.

الرابعة بعد العشرين: (فيه دلالة على أن التحلي مكتسب وفيض من الرب -جل جلاله-، وقد جُمع -صلى الله عليه وسلم- بالتحنث والغَط، وقد يجتمعان لأفراد من أمته، وقد ينفرد بعضٌ، وقد ينفرد بعضٌ بالكسب، وبعضهم بالفيض، كالفضيل وابن أدهم وكثير ما هم) يعني هل الفضيل وإبراهيم بن أدهم وغيرهما اكتسبوا هذا بالفيض الإلهي من غير عملٍ منهم أو بالكسب واتباعهم للكتاب والسُّنَّة؟ بالعمل الصالح، بالإيمان الصحيح والعمل الصالح، لكن لما كان هذا مألوفًا عندهم وعند شيوخهم، يريدون أن يُقحموا هؤلاء الأئمة ويكسبوهم ويجيروهم إلى صفهم.

الخامسة بعد العشرين: (أن الإنسان إنما يُخاطب أوّلًا بما يعرف أنه يصل إلى فهمه بسرعة من غير مشقة ولا بحثٍ يحتاج إليه؛ لأن الله تعالى قد أحال نبيه على أن ينظر أوّلًا في خلق نفسه، لقوله: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[سورة العلق: 2]، ولم يقل له: الذي خلق السموات والأرض والأفلاك وغيرها، وإنما قال ذلك بعد ما تقرر خلق نفسه) يعني ينظر في أقرب الأشياء إليه، ويتفكر في أقرب الأشياء إليه، في نفسه، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[سورة الذرايات: 21]، لكن من هذه النفس ما لا يمكن إدراكه، فلا يشتغل به كالروح، وما عدا ذلك مما يدرك إدراكه هذا يمكن التفكر، حتى التفكر فيما لا يمكن إدراكه من جهة أنه مع قُربه لا يمكن إدراكه، مما يدل على عظمة الخالق، ابن القيم –رحمة الله عليه- له كلام مُفصل ونفيس في التبيان في أقسام القرآن على: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}[سورة الذرايات: 21]، وذكر من الحِكم في خلق الإنسان في مفتاح دار السعادة ذكر أشياء ينتفع بها طالب العلم نفع عظيمًا في تقوية إيمانه، وفي معرفته قدر نفسه.

السادسة بعد العشرين: (أن الفكرة أفضل الأعمال أن الفكرة أفضل الأعمال؛ لأن في ضمن قوله: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[سورة العلق: 2]، ما يستدعي الفكرة فيما قيل حتى يحصل بذلك القطع، وليس الإيمان به بعد الفِكرة كالإيمان به بديهة) يعني هل يلزم الإنسان قبل أن ينطق بالشهادتين أن ينظر ويتفكر ينظر ويتفكر ثم بعد ذلك يؤمن؟ أو يُعلن الشهادتين ثم بعد ذلك يدخل الإيمان في قلبه شيئًا فشيئًا حتى يتكامل؟

طالب:...

الكلام يقول النظر أو القصد إلى النظر أو الشك، لكن ألا يوجد من الناس من دلّه النظر إلى الإيمان؟ فآمن من غير دعوة؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

لكنه لا يُحكم بإيمانه حتى ينطق بالشهادتين حتى يقول: لا إله إلا الله، ولا يعصم دمه وماله إلا أن ينطق بالشهادتين؛ لأن بعض الناس يقر الإيمان في قلبه ويعزم على الإيمان ثم يعوقه عائق، يعوقه عائق فتخترمه المنية قبل أن ينطق بالشهادتين، وقد وقر الإيمان في قلبه، هذه مسألة يبحثها أهل العلم، كنتُ أظنها نظرية، ما الذي يمنع من النطق بالشهادتين مباشرة حتى سُئلت من قِبل طالب أفريقي يقول: كان له في أفريقيا زميل نصراني، فوقر الإيمان في قلبه، فقلت له: نذهب إلى الشيخ فلان يُلقنك وتُسلِم على يديه، يقول: ذهبنا إلى الشيخ ووجدناه يتأهب لصلاة الظهر، قد بقي على الأذان ربع ساعة، يقول: فقال الشيخ: بعد الصلاة إن شاء الله، يقول: خرجنا من عنده، فإذا هناك تبادل إطلاق نار فقُتل الرجل فهل هو مسلم أو كافر؟ لأنه في الظاهر كافر، ما بعد نطق بالشهادتين وفي الباطن يتولاه الحكم العدل الذي لا يظلم، يتولاه الله -جل وعلا-.

طالب:...

لا لا نقول: آثم، نقول: محروم، هو محروم، وإلا لو أسلم على يديه لاستفاد الجميع.

طالب:...

نعم، تكلم.

طالب:...

ماذا يدريه؟ يظنه الوثائق الرسمية والتلقين والنطق بالشهادتين يكون على يد عالم كما عندهم.

طالب:...

لا يرث، في الظاهر كافر. أحكام الدنيا كافر، وأما في الآخرة فالله يتولاه؛ لأنه المُطلع على السرائر. قال: (إن الفكرة أفضل الأعمال؛ لأن في ضمن قوله: {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[سورة العلق: 2]، ما يستدعي الفكرة فيما قبل، حتى يحصل بذلك القطع، وليس الإيمان به بعد الفكرة كالإيمان به بديهةً) يعني الذي يُسلِم ويدخل في الإسلام عن قناعة يختلف عن الذي يدخل في الإسلام تقليد، يعني وُجد بين أبوين مسلمين، وجد نفسه في هذا المجتمع المُسلم فأسلم، والآخر لا، ليس من بين أبوين مسلمين، اقتنع بالإسلام، نظر بعين البصيرة ثم اقتنع فأسلم، لا شك أن هذا يكون إيمانه أقوى، والدخول عن قناعة يُؤمَن معه الرجوع بإذن الله، وجاء في الخبر أنه ينقض عُرى الإيمان من لا يعرف الجاهلية. من لا يعرف الجاهلية، وهل معنى هذا أن الشخص المستقيم من ولادته ليست له صبوة؟

 استمر حتى كُلِّف استمر في عبادته، تحصيل العلم، كمن كانت له صبوة وعرف الشر ومداخل الشر ومخارج الشر، ثم بعد ذلك تاب وتاب الله عليه، وبدّل السيئات حسنات عمل صالح هل نقول: إن هذا أفضل من هذا؟ هذا ما عرف هذا غافل ما يعرف طرق الشرّ، وهذا لا، عاش بين الأشرار والفُجار والعصاة، ثم منّ الله عليه بالهداية، لا شك أن هذا يستفاد منه في كثير من الأمور، هذا الذي عرف الشر ووسائل الشر وطرق أهل الشر هذا يستفاد منه، بينما الشخص الذي لا خبرة به في ذلك يبقى في نفسه رجلًا صالحًا، وينفع الله به في مجالات كثيرة، لكن إذا احتيج إليه في بعض القضايا قد يكون غافلًا عنها، وكلٌّ على خير، ما دام أن الله -جل وعلا- وفقه للتوبة النصوح بشروطها، وبدّل الله سيئاته حسنات فهو على خير إن شاء الله، لكن يبقى أن الذي ليست له صبوة أفضل من الذي له صبوة، والذي لم يزاول المعاصي والجرائم والموبقات أفضل من الذي اقترف شيئًا من ذلك؛ لأنه وإن بُدِّلت سيئاته حسنات إلا أن البدل له حكم المُبدَل فالحسنات المُبدلة عن سيئات غير مضاعفة، والحسنات التي اكتسبها الإنسان المسلم ابتداءً مضاعفة، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أما الحسنات المنقلبة عن سيئات فهذه لها حكم أصولها. أنها لا تُبدل أنها لا تضاعف.

طالب:...

وما فيه شك أن الذي اقترف شيئًا ثم بعد ذلك الكافر إذا أسلم وخالطت بشاشة الإيمان قلبه، أن هذا يعضد عليه بالنواجذ، يعني يختلف عن الذي وُجد بين أبوين مسلمين من الأصل إلا أن يتعلم العلم الشرعي ويسعى لتقوية إيمانه بالطرق الشرعية. قال: (ولهذا المعنى أشار -صلى الله عليه وسلم- فيما رُوي عنه: تَفَكّر ساعة خير من عبادة سنة.

طالب:...

الأمر أعظم من ذلك، حُكم عليه بالوضع.

طالب:...

لا، خير من عبادة سنة بهذا اللفظ حُكم عليه بالوضع، وجاء أيضًا: فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة، فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة. هناك ضوابط جعلها أهل العلم لما لا أصل له من الحديث، الأحاديث الموضوعة قالوا: أجور عظيمة على أعمال يسيرة، وهذه القاعدة إنما يُلجأ إليها إذا لم يكن الخبر مُدونًا في الدواوين المتداولة بين العلماء بأسانيد ثابتة، أما إذا وُجد في الكتب المتداولة بين أهل العلم المعروفة عندهم بأسانيد ثابتة فلا؛ لأنه لو جاء إنسان اقترف من السيئات الشيء العظيم، ولو كانت مثل زبد البحر، ثم قال: سبحان الله وبحمده مئة مرة في دقيقة ونصف حُطَت عنه خطاياه، هل نقول: إن هذه أجور عظيمة على أمر يسير؟ هذا في الصحيحين، فالقاعدة التي ذكروها إنما هي لما لا سند له يُحكم عليه مباشرة، أو لما لا يوجد في الدواوين المعتبرة عند أهل العلم، وفي لفظ: خيرٌ من عبادة الدهر؛ لأن المرء إذا تفكر قوي إيمانه.

السابعة بعد العشرين: (أن المتفكر ينظر بعد العظمة والجلال في العفو والكرم، أن المتفكر ينظر بعد العظمة والجلال في العفو والكرم؛ لأنه عقّب ما مضى بقوله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}[العلق: 3].

 الثامنة بعد العشرين: أن من أصابه أمرٌ له أن يتداوى بحسب ما اعتاد ما لم يكن حرامًا، أن من أصابه أمرٌ له أن يتداوى بحسب ما اعتاد ما لم يكن حرامًا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لما أصابه الرعب رجع إلى ما اعتاد من التدثير فقال: «زملوني زملوني».

 التاسعة بعد العشرين: طلب الاختصار لقوله: «وأخبرها الخبر» ولم يأتِ به الراوي مفصلاً) اختصار الحديث معروف عند أهل العلم، وأنه يجوز أن يُقتصر على ما يُحتاج إليه من الحديث، ولا يلزم سياق الحديث كاملاً ما لم يكن ما ذُكِر لا يتبين إلا بما حُذف، لا يُعرف معناه إلا بما حُذف، حينئذٍ لا يجوز حذفه، ذكرنا أنه إذا كان الاختصار في القرآن فلك أن تقتصر على ما تشاء من الآيات ثم تقول: الآية، وتقتصر على ما شئت من الحديث ثم تقول: الحديث، يعني أكمل الآية واقرأ الحديث.

الثلاثون: (أن الواقع إذا وقع لأهل الطريق وكان يحتمل التخويف والبشارة بحثوا عن الخوف، وإن كان ضعيفًا) أن الواقع إذا وقع لأهل الطريق وهم الصوفية، وكان يحتمل التخويف والبشارة بحثوا عن الخوف، وإن كان ضعيفًا، يعني كلام نصّ يحتمل البشارة والنذارة، ترغيب ويحتمل الترهيب، له أكثر من وجه، ويُفهَم على أكثر من وجه حملوه على الترهيب، بناءً على ما يختاره بعض أهل العلم من ترجيح جانب الخوف حال الصحة، وإن كان المحققون يرون أن المسلم عليه أن يتوازن في أموره كلها، فيبقى خائفًا راجيًا، خائفًا راجيًا، ويكون الخوف والرجاء بالنسبة له كجناحي الطائر؛ لأنه إن زاد عنده الخوف خُشي عليه مذهب الخوارج، وإذا زاد عنده الرجاء خُشي عليه من الإرجاء، خُشي عليه. فعليه أن يتوازن، وهنا يرجحون جانب الخوف.

ومن أهل العلم من يرجح بحال السعة جانب الخوف؛ ليحدوه إلى العمل؛ لأن الخوف الذي لا يحدو إلى العمل لا قيمة له، وكذلك الرجاء إذا لم يدلك على العمل الصالح والرغبة فيما عند الله- جل وعلا- لا قيمة له، مجرد أماني، يغلبون في حال الاحتضار وما قبله إذا ظهرت علامات تدل على قرب الأجل يُرجحون ويُغلبون جانب الرجاء؛ ليُحسن الظن بربه، ليحسن الظن بربه.

الحادية بعد الثلاثين: (جواز الحكم بالعادة، وذلك حيث لا خلل) جواز الحكم بالعادة، وذلك حيث لا خلل؛ لأن خديجة بما أجرى الله تعالى من عادته فيما ادعته، وورقة أخبر أنه الناموس عملاً بالعادة. يعني كيف أقسمت والله لا يخزيك الله أبدًا ولا يحزنك الله أبدًا؟ لأن العادة جرت بأن من اتصف بهذه الصفات لا يحصل له شيء من الخزي ولا من الحزن، والروايتان في الصحيحين: لا يحزنك ولا يخزيك. ذكرنا أن المرجَّح منهما: لا يخزيك، لماذا؟ لأنه في الخبر نفسه أُخبر بما يحزنه، «أو مخرجي هم؟».

الثانية بعد الثلاثين: (جواز الحلف على العادة المجراة على العباد، جواز الحلف على العادة المجراة على العباد؛ لأن خديجة حلفت) الحلف على العادة، العلماء يقررون أنه يجوز الحلف على غلبة الظن، فهل العادة المُطردة تورث غلبة ظن أو لا؟ تورث نعم، فكلامه يرجع إلى ما قرره أهل العلم، يستدلون بحلف الأعرابي الذي وطئ زوجته في نهار رمضان لما جيء له بالمكتل الذي فيه الطعام وقيل له: تصدق به، أقسم أنه لا يوجد بين لابتيها أفقر من أهله، وهذا قطع أم غلبة ظن؟ غلبة ظن؛ لأنه ما فتش البيوت، ومع ذلك كل إنسان يقع في مصيبة أو يرى أن نفسه قد بلغ مبلغًا لم يبلغه غيره لا بد أن يُفتش، وأن يجد من هو دونه، ولذا جاء الخبر وهو موجه لجميع المسلمين أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأنه أجدر وأحرى ألا تزدري نعمة الله عليك، وهذا في أمور الدنيا، أما في أمور الدين فلا، تنظر لمن هو فوقك، ما تنظر لمن هو دونك؛ لأنك إذا نظرت إلى من هو دونك لا تلبث أن تنسلخ، تتساهل وتتراخى كل يوم تتنازل عن شيء؛ لأن أكثر الناس ما يفعلونه.

الثالثة بعد الثلاثين: (أن المرء إذا أصابه أمر مهم له أن يُحدث بذلك أهله ومن يعتقد من أصحابه إذا كانوا ذا دين ونظر) يعني من باب التنفيس والمشاركة في الهم، ولا شك أن هذا له دور كبير في التخفيف على النفس، بينمت الشخص الذي كل ما جاءه من مصيبة وكارثة يكتمها لا من استطاع أن يكتم ويصبر ويحتسب لا بأس جيد هذا، وقد يكون أعظم لأجره وأقرب إلى إخلاصه، لكن إذا كان يُخشى عليه في يوم من الأيام أنه ينفجر أو يتضمن هذا الخبر أو هذه المصيبة أو يتوقع أن لها حلًّا عند أحد، فلا مانع من أن يُشرك فيها من يثق بعلمه ودينه.

طالب:...

النبي -صلى الله عليه وسلم- استشار، والبخاري ترجم -رحمه الله-: باب تحديث النساء بعضهن بعضًا، واستشار النبي -عليه الصلاة والسلام- بريرة في شأن عائشة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

لا هذا أمر قلبي، إذا كان الشكوى تذمر من هذا المخلوق الذي وقعت عليه المصيبة ويشكو الله- جل وعلا- إلى خلقه هذا شيء، لكن إن كان يُخبر أحدًا يثق بعلمه ودينه ورأيه؛ ليجد عند مخرجًا فهذا ليس من الشكوى، فرق بين هذا وهذا.

طالب:...

الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: «وأنا وارأساه»، «وأنا وارأساه».

الرابعة بعد الثلاثين: (أن من ادعى شيئًا فعليه أن يأتي بالدليل على صدق دعواه)، خديجة لما قالت: والله لا يخزيك الله أبدًا استدلت على ذلك.

 الخامسة بعد الثلاثين: (أن المرء إذا وقع له واقع أن يسأل عنه أهل العلم والنُهى) يسأل عنه أهل العلم والنُهى لذلك سألوا ورقة، خديجة أحضرت ورقة وسأله النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ذهبت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إليه فسألوه؛ لأنه عنده علم من الكتاب.

السادسة بعد الثلاثين: (جواز خروج المرأة مع زوجها) لأن خديجة خرجت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- إلى ورقة.

 السابعة بعد الثلاثين: (أن من وصف أمرًا لا يزيد على ما فيه من الصفات الحميدة) أن من وصف أمرًا لا يزيد على ما فيه من الصفات الحميدة؛ لأن الراوي أخبر عن ورقة بما فيه من غير زيادة. الراوي أخبر عن ورقة بما فيه من غير زيادة، يعني بما فيه مما يُعاب، ومما يُمدح. شيخًا كبيرًا قد عَمي، وقرأ الكتاب والعبراني، ويكتب العربية، المهم أنهم وصفوه بما فيه، مع الأسف أننا نعاني من بعض التصرفات من طلاب العلم أو غيرهم أنه إذا أثنى زاد في المدح، وهذا لا يجوز؛ لأن الإنسان مؤتمن وكلامه إن كان معتمدًا فسوف يُغرِّر بالسامع أو القارئ، العدل والإنصاف مطلوب للقريب والبعيد.

 الثامنة بعد الثلاثين: (أن أهل الفضل إذا استشاروا أمرأً في شيء بادر المستشار في عونهم ومشاركتهم) يعني لو أن راويًا وُصف بأكثر مما يستحق تبعًا للفائدة الماضية السابقة ماذا يترتب عليه؟

طالب:...

هو ثقة، لكن زِيد في مدحه، حديثه صحيح، ترجيحه، ترجيحه على حديث غيره وهذا غِش للأمة. قال: الثامنة بعد الثلاثين: (أن أهل الفضل إذا استشاروا أمرأً في شيء بادر المستشار في عونهم ومشاركتهم)، لذا لم يتردد ورقة في عونهم ومشاركتهم؛ لأن خديجة بادرت إلى الخروج من غير أن تقول: أمضي إلى فلان، بادرت إلى الخروج من غير أن تقول: أمضي إلى فلان، وأيضًا ورقة ما تردد في جوابهم.

التاسعة بعد الثلاثين: (أن المرء إذا عرضت له حاجة أن المرء إذا عرضت له حاجة عند أهل الفضل فالسُّنة فيه أن يُقدم إليهم من يدل عليهم إن وُجد ذلك؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يمض وحده لورقة وإنما مضى مع خديجة التي هي من قرابة ورقة) يعني يُقدِّم معه من هو أقرب إلى من عنده الحاجة.

الأربعون: (أن من كان سفيرًا بين أهل الفضل أن يتحرز في كلامه بينهم ويعطي لكل واحد منهم مرتبته ومنزلته) أُمرنا أن ننزل الناس منازلهم؛ لأن خديجة قالت لورقة: اسمع من ابن أخيك؛ لأنه أعز وأرفع له -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا لم تُعبِّر بالابن، ما قالت: اسمع من ابنك، إنما قالت: اسمع من ابن أخيك، ولهذا لم تعبر بالابن لاقتضائه رفعة الأب عليه، ولا بالأخ لاقتضائه المساواة، وهذا ظاهر.

 الحادية بعد الأربعين: (التّقَدُّم في الكلام بين أهل الفضل نيابة عنهم وترفيعًا لهم، التّقَدُّم في الكلام بين أهل الفضل نيابة عنهم وترفيعًا لهم) يعني يتكلم الوسيط، يتكلم السفير، ويُسدِّده أو يُصوِّبه إن أخطأ صاحب الشأن، وهل هذا كلام مُطرد سواء كان السفير أكبر أو أصغر، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أراد أن يتكلم عبد الرحمن بن سهل قال: «كبّر كبّر»، مع أنه أخو القتيل؟

 الثاني بعد الأربعين: (أن صاحب الواقعة أولى بذكرها من غيره، أن صاحب الواقعة أولى بذكرها من غيره؛ لأن خديجة -رضي الله عنها- أحالت عليه: اسمع من ابن أخيك) تقدمت وكلمت ورقة، لكن عند شرح القضية وما يحتاج إليه بدقة يُحال فيها على صاحب الشأن؛ لأنه مهما عبّر الوسيط فلن يكون تعبيره مثل تعبير صاحب الشأن. ولذا يقولون: صاحب البيت أدرى بما فيه، وأهل مكة أدرى بشعابها، نسمع بعض المتسرعين قد يُصحح على صاحب الشأن حتى في اسمه، سمعنا من هذا، نطق باسمه صحيحًا، لكنه على خلاف ما يتوقعه هذا الحاضر، هذا حُمق، طيب، العراقي شرح ألفيته وشرحها السخاوي وعارضه في فهم بعض الألفاظ، عارضه في فهم بعض الألفاظ، فمع من يكون الصواب؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ضمير ضمير، ما يعرف الضمير إلا الذي وضع الكلام، إلا صاحب الكلام، وابن شهابٍ عنه به، هذا في أصح الأسانيد شطر بيت، العراقي يقول: به يعني بالحديث، والسخاوي يقول: لا، بالإسناد، يقول السخاوي؛ لأن الكلام في أصح الأسانيد، ليس في أصح الحديث، هل نقول: إن صاحب الكتاب أدرى بما فيه أو نقول: إن هذا واضح؟

طالب:...

من إنشاء العراقي، لكن أنت ما تتكلم عن أحاديث، أنت تتكلم عن أسانيد، به بالإسناد المُتقدِّم واضح الكلام واضح، واضح أن الضمير يعود إلى الإسناد المتقدِّم.

طالب:...

ما يمنع، ما هو معصوم.

 الثالثة بعد الأربعين: (تمني الخير لنفسه) الإنسان يتمنى الخير لنفسه؛ لأن ورقة تمنى أن يكون جذعًا عند الرسالة، التمني يكون للمستحيل، وهذا مستحيل، وهذا مستحيل، وتمنى الخير لنفسه.

الرابعة بعد الأربعين: (أن العالم بالشيء يعرف مآله، العالم بالشيء يعرف مآله على جري العادة له أن يحكم بالمآل إذا رأى المبادئ؛ لأن ورقة لما أن علِم برسالته علِم بإخراجه، وفيه أيضًا الحُكم بالعادة) الحكم بالعادة، أحيانًا يكون الحُكم ظنًّا، وأحيانًا يكون وهمًا، وأحيانًا يكون يقرُب من اليقين والعلم، إذا وجدتَّ طالبًا في المراحل الأولى ولديه علامات النبوغ ظاهرة، مع ما أُعطي من جمالٍ في الخِلقة وذكاء وفهم ونباهة، الآن يغلب على ظنك أن يصاب بعين أم ما يغلب؟ يغلب على ظنك أن يكون الأول على دفعته أم ما يغلب؟ يكون يترتب على هذا وعلى هذا.

طالب:...

العادات تحصل، كل ذي نعمة محسود، لكن إذا رتبنا الآن غلب على ظننا يحصل له هذا وهذا، فيبقى وراء ذلك العمل لتحقيق هذا ومنع هذا، إذا أمكن. أما مجرد غلبة ظن، ثم ماذا؟ هل يقال بدلاً من تحصد وتصير الأول اترك الدراسة؟ بعض الناس أنا أعرف امرأة رشت مدير المدرسة من أجل أن يرسب الولد؛ خشية العين.

طالب: ...........

 ولدها نعم. خشية العين، فهل هذا هو الحل مثلاً؛ لأنه يقول: إذا كان العالم بالشيء يعرف مآله على جري العادة فله أن يحكم بالمآل إذا رأى المبادئ؛ لأن ورقة لما أن علم برسالته علم بإخراجه، وفيه أيضًا الحكم بالعادة، نسعى لتحقيق ما فيه المصلحة، ونسعى أيضًا لحجب ما فيه المفسدة.

 الخامسة بعد الأربعين: (أن التجربة تُحدث علمًا زائدًا، أن التجربة تُحدث علمًا زائدًا، فإنه- صلى الله عليه وسلم- طرد الحكم وقاس عليه، وورقة أخبر بما جرت به العادة وأفادته التجربة، ولهذا قال لقمان لولده: يا بني عليك بذوي التجارب) النبي -عليه الصلاة والسلام- طرد الحكم وقاس عليه، من أين؟ أنه عرف أن هذا الأمر سيتكرر، وأن المسألة هذه واقعة وانتهت ما احتاج إلى أن يسأل وأن يذهب عنه الروع وخلاص، لكنه طرد العادة قال بتكرر، فسأل عنه، ولذا قال لقمان لولده: يا بني عليك بذوي التجارب.

السادسة بعد الأربعين، وهي الأخيرة.

طالب:...

راح يسأل، خشي على نفسه، نعم خشي على نفسه، وأصابه ما أصابه من الخوف، فسأل، المسألة لو أنت أنت لو كان لما خرجت من بيتك لصلاة الصبح في يوم من الأيام فإذا بالباب سبع، خفت ورجعت، فإن كان يغلب على ظنك أنه يتكرر كلما طلعت، ألا تستصحب سلاحًا؟ ما تقول مرة وانتهت، ما عمرنا رأيناه ولا ذُكر في بلادنا، تستصحب سلاحًا؟ ما يحتاج، ما يحتاج سلاحًا أبدًا؛ لأن غلبة الظن هذه المرة ما أدري ما الذي جابه، لكن إذا كنت تخشى منه أن يتكرر فالاحتياط يكون أكثر، فلذلك سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه رأى أنه يتكرر. لا إله إلا الله.

طالب:...

نعم.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

لكن مسألة التخلية والتحلية تحلٍّ بالفضائل وتخلٍّ عن الرذائل هذا إنما يكون عند التعارض، وإلا إذا أمكن فعل الجميع فهذا ما فيه إشكال.

طالب:...

لا، هذا ما فيه إشكال إذا أمكن الفعل فعل الجميع، ونظير هذا ما يُذكر من خلاف أهل العلم في الأهم فعل الواجب أو ترك المحظور؟

 أيهما أهم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

جمهور أهل العلم على أن ترك المحظور، أن فعل المحظور أعظم من ترك الواجب، فعل المحظور أعظم من ترك الواجب، يطلقون هكذا، ويستدلون «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ما فيه استثناء، ما فيه تعليق بالاستطاعة، وشيخ الإسلام –رحمة الله عليه- يرى العكس، يقول: ترك المأمور أعظم من فعل المحظور؛ ويستدل على ذلك بأن معصية آدم فعل محظور، ومعصية إبليس ترك مأمور، معصية إبليس أعظم من معصية آدم.

طالب:...

يعني النظر في مثل هذه القضايا وإطلاق القواعد العامة والأحكام العامة لا شك أنه غير مناسب؛ لأن المأمورات متفاوتة والمحظورات متفاوتة، فكم من محظورٍ كلا شيء بالنسبة لبعض المأمورات، والعكس والعكس، يعني محظور الغِش، كونك تغش في سلعة قيمتها تافهة يحرُم عليك، لكن أيها المأمورات مثل الصلاة مثلاً أو الزكاة أو الصيام، يقال لفلان: ما تصوم؟ قال: والله الحمد لله أنا أحسن من فلان يغش بالسوق، طيب غش التمر أم حبة عيش مثل الصيام ومثل أركان الإسلام أو العكس ؟موبقات أمرها أعظم من كثير من المأمورات.

 يعني يرجح بعض أهل العلم المعاصرين، لكن لو أتينا إلى ما يتعلق باللحية التغيير مأمور به، والحلق منهي عنه، أيهما أعظم؟ يعني شخص ترك لحيته بيضاء وهو مأمور بتغييرها، والآخر ارتكب المحظور فحلقها، أي الجرمين أعظم؟ يعني مقتضى قول من يقول: إن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور نقول: لا، الأول أعظم، ولا يقول به أحد لا هذا القائل ولا غيره، حتى شيخ الإسلام لو عرضت عليه مسألة ما يمكن أن يقول هذا الكلام.

طالب:...

المقصود أن إطلاق الحُكم العام ليس بمُتّجه ليس بمُتّجه.

 السادسة بعد الأربعين يقول: (فيه دلالة للصوفية في قولهم: استصحاب العمل وترك الالتفات ودوام الإقبال، في قولهم: استصحاب العمل وترك الالتفات ودوام الإقبال؛ لأن النظر إلى كثرة العمل تورث الكسل، فكيف به إذا كان النظر لغير العمل، ومنه قولهم للسيف، ومنه قولهم للوقت: سيف، ومنهم للوقت سيفٌ المراد أقطع، اقطع الوقت بالعمل؛ لئلا يقطعك بالتسويف)  فيه دلالة للصوفية، نقل عن شيخ الإسلام عن مسمى ولفظ الصوفية قال: أما لفظ الصوفية فإنه لم يكن مشهورًا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، وقد نُقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة الشيوخ كالإمام أحمد بن حنبل وأبي سليمان الداراني وغيرهما. وقد روي عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري.

 وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي، فإنه من أسماء النسب كالقرشي والمدني وأمثال ذلك، فقيل: إنه نسبة إلى أهل الصُفة، وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: صُفّي، وقيل: نسبة إلى الصف المقدم بين يدي الله تعالى، وهو غلطٌ أيضًا، فإنه لو كان كذلك لقيل: صَفّي، وقيل: نسبة إلى الصفوة من خلق الله، وهو غلط؛ لأنه لو كان ذلك كذلك لو كان كذلك لقيل: صفوي، وقيل: نسبة إلى صوفة بن بشر بن إد بن طابخة، قبيلة من العرب كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم ينسب إليهم النُّساك، وهذا وإن كان موافقًا للنسب من جهة اللفظ فإنه ضعيف أيضًا؛ لأن هؤلاء غير مشهورين ولا معروفين عند أكثر النُّساك، ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى، ولأن غالب من تكلم باسم الصوفي لا يعرف هذه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافًا إلى قبيلة في الجاهلية ولا وجود لها في الإسلام.

 وقيل هو معروف أنه نسبة إلى لُبس الصوف، وقال -رحمه الله-: والنسبة الصوفية إلى الصوف؛ لأنه غالب لباس الزُّهّاد. الآن قد يتبنى الإنسان كلمة ويرددها، ويكثر من ذكرها وأصلها محظور ما يدري ما أصلها، فإذا عرف الأصل تركها، يعني قيل في سبب المقالة المشهورة البساط أحمدي، البساط أحمدي هذا يردده كثير من الناس على أنه مرفوع الكُلفة فيه، وأنه يتسع لكل أحد، قالوا: أصله أن هذا البساط منسوب للبدوي أحمد، وأنه ببركته يتسع لكل من حضر، يعني الذي يقول مثل هذه الكلمة يرضى أن يقول مثل هذا وهو يعرف السبب؟ سببه الجهل، فقد يقول: صوفي وينتسب إليه بمعنى أنه رأى قومًا ينتسبون هذه النسبة، ولا يعرف أصلها.

طالب:...

أنا لا أناقش في هذا، نقول كونه لا يعرف الأصل لا يعني أنه لا ينتسب إليه، يعني بعض ما تتصورون أن بعض الحنفية من عامة الناس أنه ينتسب إلى إبراهيم الخليل، ولا يعرف أبا حنيفة أصلاً من العوام، تسأل عامة الناس ما يدري، فإذا قيل: حنبلي؟ قال: حنبلي حنبلي إيش؟ حتى إنه قيل لشخص: ما مذهبك؟ ما يدري، عامي من عوام الناس يُسأل، فأشار إليه أحد الحضور على البساط، بعض الناس يسمي البساط حنبلًا، وهذا البادي يسمونه حنبلًا، وهو مستعمل، يسمونه حنبلًا، أشار إليه قال: بساط. فكونه ينتسب ولا يعرف هذا كثير ما فيه إشكال، الإشكال في مثل أبي نُعيم الأصبهاني في الحلية ترجم لخيار الأمة بدءًا من أبي بكر إلى عصره وكلهم صوفية عنده؛ لأنه يذكر الاسم ثم يقول: ومن التصوف فعل كذا وكذا، الذي يتصف به هذا، فجعلهم كلهم صوفية.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

أبو بكر الخليفة الراشد، نعم. ماذا فيه؟

طالب:...

أبو نعيم مُحدِّث معروف، أبو نعيم الأصبهاني صاحب الحلية مُحدِّث مشهور، لكنه هذه الكلمة في وقته اشتهر التصوف، ويعرف عنهم الخير والفضل والعبادة، وليس من يعني قد يكون الشطح والشيء الشديد لم يكن في بلده أو شيء منها فصار يحسن الظن بهم، قال: (فيه دلالة للصوفية في قولهم: استصحاب العمل وترك الالتفات ودوام الإقبال؛ لأن النظر إلى كثرة العمل تورث الكسل) اترك العمل، يعني بعضهم ينظر إلى عمله وما الذي ترتب عليه من الحسنات ويحسب، أنت عمِلت مدون في كتاب لا يضل ولا ينسى، نعم أنت تبحث عن أسباب القبول، وأما العمل فلن يضيع منه شيء، نعم قد يبحث بعض المسائل من جهة علمية، من جهة علمية يُبحث في بعض الأعمال من حيث عِظم قدرها، وخفة وزنها من أجل المفاضلة بين هذه الأعمال، لا ليرى أنه عمل هذا العمل الفاضل.

 يعني مثل ما يقال: ختمة القرآن فيها أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، ثم يأتيك من يقول: فيها كم؟ سبعمائة ألف، سبعمائة ألف حسنة، الربع، أو أقل من الربع، وسببه الخلاف في المراد بالحرف، هل هو حرف المبنى أو حرف المعنى؟ من قال: حرف المبنى، قال: ثلاثمائة ألف حرف في عشرة ثلاثة ملايين، ومن قال: حرف المعنى، قال: سبعون ألف كلمة في عشرة سبعمائة ألف، يعني كون مثل هذا يُبحث من أجل تقرير فضل هذا العمل، وتشويق الناس إليه وترغيبهم فيه؛ لأنه لما تقول للعامة: الختمة فيها ثلاثة ملايين حسنة، وأنت تستطيع أن تقرأ القرآن في أسبوع، في سبع بطريقة لا تعيقك عن تحصيل أمر دين ولا دنيا يتشجع، يتشجع أكثر، فهذا من أساليب الترغيب، فالبحث في مثل هذا لا شيء فيه.

ابن أبي جمرة ذكر أكثر من سبعين فائدة، ذكر أكثر من سبعين فائدة، وبعضها دُرر كما قال ابن المُلقن، اقتصر منها ابن المُلقن على هذا القدر، وفيه كفاية إن شاء الله تعالى.

طالب:...

من الجميع، من الجميع، يعني استظهر من الجميع أن هذا وحي؛ لأنه لا يمكن أن يحصل بهذه الصورة المكتملة.

طالب:...

المقصود أنه بمجموعها، بمجموع القصة، وما نزل فيها، وما حصل من فعل حكم ورقة بأنها وحيٌ صحيح هو الذي أنزل على موسى. إذا كان شخص كافرًا، وأقاربه مسلمين، ثم مات، فهل يرثه المسلمون؟

لا يرثونه.

يقول: ما حكم الجمعيات، وهي اشتراك بعض الناس في جمع رواتبهم كل شهر ويأخذها واحد وهكذا إلى أن ينتهي العدد، نرجو الجواب.

الذي عندي أنه ليس فيها شيء إن شاء الله تعالى، مما يعين على التوفير، ومما يعين على قضاء حاجات بعض المشتركين.

طالب:...

يقول: هل المطلوب من المسلم تطبيق أصول العبادة محبة والخوف والرجاء في كل عبادةٍ أم في حياته إجمالاً؟

تصور الباعث على العبادة ما الذي يبعثه على العبادة؟

طالب:...

الخوف والرجاء مع المحبة، والتعظيم لله -جل وعلا-، عزوبه مع وجودها في الأصل يعني استصحاب ذكرها ليس بشرط، لكنه مطلوب.

يقول: هل يؤخذ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أو مخرجي هم؟» في الدلالة على حب الوطن؟

ما فيه إشكال أنه دليل على حب الوطن، لكن هل حب الوطن يُقدَّم على غيره من الأوامر الشرعية وتُرتكب بسببه المحظورات؟ هنا يأتي الكلام، أما إذا لم يترتب على ذلك ترك مأمور ولا فعل محظور، ولا أحدث ذلك إحَنًا وعداوات بين المسلمين، كلٌّ ينتصر لبلده، ويقدح في البلد الثاني هذا محظور.

بعض الصوفية يدعون أنهم صوفية على الكتاب والسنة، فهل هذا صحيح؟ هم قد يتسمون بصوفية، يعني بعض الزهاد قد يُطلق عليهم، قد أطلق عليهم كثير من أهل العلم أنهم صوفية، لكن يصفونهم بالاعتدال، وليس لديهم مخالفات ولا شطحات، فمجرد التسمية لا تضيرهم، لكن عليهم أن ينفوا هذا الاسم الذي يشترك فيه معهم من ليس على الجادة.

يقول: امرأة ذهبت مع أختها التي توفي زوجها للسلام عليه قبل دفنه، فقامت بالسلام على زوج أختها، فما حكم ذلك؟

ما معنى السلام؟ ألقت إليه السلام بصوت أو قبّلته كزوجته؟ المصافحة لا يجوز لها أن تمس يد رجل ولو كان ميتًا.

يقول: هناك شخص من الصوفية وأهله صوفية، ثم ترك التصوف، فهل يعيش معهم مع العلم أن أهله من المتعصبين للصوفية؟ إذا طمع في دعوتهم وردهم إلى الحق تعيّن عليه ذلك، إذا خشي أن يتأثر بهم ويرجع إلى التصوف لم يجُز له ذلك، لا يجوز له أن يبقى بينهم.

طالب:...

لا، ترك المحظور أولى، قول الجمهور ترك المحظور أولى، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"