كتاب البيوع (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا يقول: ما علاج من ابتُلي بالعشق؟

لابن القيم –رحمه الله- في (الجواب الكافي) كلام نفيسٌ جدًّا، فإن كان في القلب حياة يستفيد من هذا الكلام، وإن كان القلب ميتًا ففيه علاجٌ لدوائه، ففيه علاج لهذا المرض، فليُرجع إلى (الدواء الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام المحقق ابن القيم، وله أيضًا كلام في (زاد المعاد) وفي غيره من الكتب، لكن في هذا الكتاب أطال فيه، والله المستعان.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

على كل حال يقرأ منها حتى لا يشق عليه الأمر، نترك بعض ما ذُكِر إلا أنه بهذا الوصف إذا قرأها طردت الشيطان لا تستطيعها البطلة.

طالب:.........

الله أعلم هذا شيء ما بُيِّن بحيث لا يشق عليه.

طالب:........

نعم يشق عليه.

نعم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام أبو عبد الله البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ شِرَاءِ الإِمَامِ الحَوَائِجَ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: اشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَلًا مِنْ عُمَرَ وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِنَفْسِهِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: جَاءَ مُشْرِكٌ".

ما فيه (عنهما) في الموضعين؟

طالب: عنه يا شيخ.

(عنهما) الأول والثاني.

"عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ، فَاشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَاةً، وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا.

وقال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام المؤلف –رحمه الله تعالى-: "بَابُ شِرَاءِ الحَوَائِجَ بِنَفْسِهِ" ولأن به سقطًا وكذا في الشرح باب شراء الحوائج بنفسه.

الكرماني يقول: "فإن قلت –مظنة أن هذا السقط مطبعي أو شيء- يقول: فإن قلت: أين مرجع الضمير؟ قلت: تقدير الكلام شراء الرجل الحوائج بنفسه".

وهنا قوله: "بَابُ شِرَاءِ الإِمَامِ الحَوَائِجَ بِنَفْسِهِ" ابن حجر: "كذا لأبي ذر عن غير الكشميهني، وسقطت الترجمة للباقين" بدون ترجمة أصلًا.

"ولبعضهم شراء الحوائج بنفسه أي: الرجل، وفائدة الترجمة رفع توهُّم من يتوهم أن تعاطي ذلك يقدح في المروءة" ففي بعض النُّسخ بدون ترجمة أصلًا لا يوجد باب شراء الحوائج بنفسه، وفي بعضها- وهي التي اعتمد عليها الكرماني وشرحها- باب شراء الحوائج بنفسه.

 ولأبي ذر عن غير الكشميهني –كما يقول ابن حجر-: باب شراء الإمام الحوائج ينفسه، يعني هو من باب أولى غير الإمام، وحينئذٍ لا ينبغي للمرء أن يستنكف عن أن يُباشر الأعمال بنفسه اللهم إلا إذا ترك ذلك؛ لكونه يشغله عمَّا هو أهم منه من علم أو عمل أو تعليم أو ما أشبه ذلك، فإنه حينئذٍ يكِل ذلك إلى غيره، أما أن يترك ذلك استنكافًا من غير سببٍ مقبول، فهذا خلاف سُنَّته وهديه –عليه الصلاة والسلام- فقد باشر الشراء، وباشر البيع –عليه الصلاة والسلام- بنفسه، فمثل هذا لا يليق بالمسلم الكِبِر والاستنكاف، وأنه يزعم أنه يُخل بالمروءة، وهذه مسألة البيع والشراء في الأمور المُباحة.

أما العبادات وما يتعلق بها فالأصل أن يؤديها الإنسان بنفسه، وبعض الناس يرى أن مثل هذه الأمور تحط من قيمته، وتقدح في مروءته، حتى الأمور المشروعة يتخفف منها بهذه النية، شخص يُقال له: لا تجلس في المسجد، أنت قدوة يراك الناس يتقدمون ويجلسون بعد الصلاة وكذا، قال: انظروا الناس يقولوا: ليس له شغل هذا؟ هذا الكلام لشخصٍ ليس بعادي، وأسوأ من ذلك من لا يُسلِّم إذا دخل المجلس على الناس، وحُفظ عن بعض القضاة أنه إذا دخل مجلس القضاء ما سلَّم، ويقول: إن في بعض كُتب أدب القضاء أنه إذا كان بذل السلام يحط من قيمته أنه لا يُسلِّم، هذا التصور فاسد، إذا كان ما أمر به النبي –عليه الصلاة والسلام- وحثَّ عليه، وأن هذا هو السبب في جلب المودة والمحبة بين المسلمين هو يقول: يحط من قيمته! هذا لا يليق بعامي مثل هذا الكلام، فضلاً عن طالب علم.

مباشرة الأسباب، الإنسان لا يستعين بأحد إلا عند الحاجة إلى ذلك أو على قدر الحاجة، الصحابة لما بايعوا النبي –عليه الصلاة والسلام- كان سوط أحدهم يقع في الأرض فلا يطلب من أحدٍ أن يناوله إياه، لا يستعينون إلا بالله –جلَّ وعلا-، وكان ينزل من الدابة ويأخذ السوط ويرجع ليركبها، فلا يستعينون بأحد، بعض الناس يستنكف حتى عن الوضوء، يطلب من يوضئه، يطلب من ينشفه، هل هذه هي المروءة؟

 لا والله، ليست هذه المروءة، المروءة أن تخضع لربك وتتواضع له، وتُحقق ما خُلِقت من أجله عبودية الله –جلَّ وعلا- وإطاعته مع حبه وتعظيمه، أما أن يترفع بزي أهل الكِبر والخيلاء والفخر هذا يُوجد في بعض العامة ممن أوتي مالًا أو أوتي منصبًا أو أوتي سيادة أو رئاسة، أما العالم وطالب العلم وهو مسلم ومُريد الآخرة فلا يفعل مثل هذا.

أبو بكر –رضي الله عنه- كان من التجار، يضربون في الأسواق –رضي الله عنه-، لكن لما تولى الخلافة قيل له: خلاص لا تبع ولا تشترِ؛ لأن هذا يشغله، يعني للتجارة ما هو للاستهلاك، كونه يشتري ليأكل أو يشتري ليركب الرسول –عليه الصلاة والسلام- فعل ذلك، أما التجارة فهي تشغله؛ ولذلك ضُمِن له رزقه من بيت المال، وقيل له: خلاص ما عاد تباشر البيع والشراء، أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- فضُمِن له نصف شاة، هذا رزقه من بيت المال نصف شاة.

والآن بعض من يولى الولايات والمناصب يُضيق على الناس أرزاقهم، ويُشاركهم في تجاراتهم، ولو أحد يمتنع يا ويله، لا يُباشر بنفسه، هذا يعتمد على هذا الشريك ويأخذ نصف ماله، هذا الظلم بعينه، يعني مضايقة الناس في أرزاقهم هذا لا يجوز بحال.

الآن المطلوب الفضل، يعني كونه يترك الناس هذا شيء، المطلوب أنه ما يزاحمهم بعمله، كما فُعِل لأبي بكر –رضي الله عنه- قيل له: لا تبع ولا تشترِ خلاص، الخليفة مشغول بأحوال المسلمين ومصالحهم، وإذا بعت واشتريت...وبعد؟ يوجد حرج مع من تولى ولاية، الناس يُلاحظونه والذي ينزِّل ولا يمكن يخسر، وإذا صار ما معه فلوس ما يقولون له: أين الدراهم؟ ما أحد يقول له شيئًا، فهذا فيه تضييق على الناس.

أما مباشرة الأسباب فيشتري حاجاته اليومية، وحوائجه الأصلية له ولولده هذه السُّنَّة.                      

"وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: اشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَلًا مِنْ عُمَرَ" الذي ركبه عبد الله وأعياه، ثم ضربه النبي –عليه الصلاة والسلام- واشترى من جابر –عليه الصلاة والسلام-.

"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ، فَاشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَاةً، وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا".

 هكذا كان –عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك لا يُضيق على الناس، الخليفة إذا ثمّن السيارة بمبلغ مائة ألف، مائتين، قال: لا لا نزِّل نزِّل، لا، لا يُضيق على الناس، النبي –عليه الصلاة والسلام- لما اشترى من جابر الجمل ماكسه؛ ليعرف قيمة الجمل، ثم لما أراد دفع المال قال: خُذ القيمة وخُذ الجمل «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟» «رحم الله امرأً سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى».

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عبد الله بن يوسف" وهو التنيسي.

"قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ" هو محمد بن خازم الضرير.

طالب: يوسف بن عيسى يا شيخ.

يوسف بن عيسى نعم.

طالب: المروزي؟

ما أدري، عندك شيء يا أبا عبد الله؟

طالب:........

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ" الضرير محمد بن خازم.

"قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ" سليمان بن مهران.

"عَنْ إِبْرَاهِيم" النخعي.

"عَنِ الأَسْوَدِ" كذلك "عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ" قد يقول قائل: ألا يُوجد مثل هذا الطعام عند مسلم؟ قد لا يُوجد، وقد يُوجد، ولمصلحةٍ اشترى من اليهودي من أجل أن يُسلِم، ومن باب التأليف، أو لئلا يُحرج المسلم، الرسول –عليه الصلاة والسلام- يشتري وليس معه قيمته يُحرج المسلم.

يقول الكرماني –رحمه الله تعالى-: "باب شراء الحوائج بنفسه" فإن قلت: أين مرجع الضمير؟ قلت: تقدير الكلام شراء الرجل الحوائج بنفسه، و"البعير" من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس، يُقال للجمل: بعيرٌ، وللناقة بعير، و"الغنم" اسمٌ موضوعٌ للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث.

قوله: "أبو معاوية" هو محمد بن خازم بالمعجمة والزاي الضرير".

"بَابُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالحُمُرِ: وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ عَلَيْهِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا".

الأول شراء الإمام من إضافة المصدر إلى فاعله، وهنا شراء الدواب من إضافة المصدر إلى مفعوله؛ لأنه ما يتبين المعنى إلا إذا عرفنا هذا، مثل ما قالوا: من فوائد الحديث –أي حديث من الأحاديث- من فوائده: جواز ذبح المرأة، هذا إضافة إلى فاعل أو إلى مفعول؟

طالب:........

لا لا من الحديث.

طالب: بحسب السياق.

من حديث في الصحيحين يُستفاد منه جواز ذبح المرأة، ومن إضافة المصدر للفاعل، النصوص تضرب على ذلك، ومن باب أولى الرجل يُستفاد منه العموم.

طالب:........

لا، إذا كان فيه إحراج على أحد لا.

"وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ عَلَيْهِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «بِعْنِيهِ» يَعْنِي جَمَلًا صَعْبًا.

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قال: قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «جَابِرٌ» فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا، فَتَخَلَّفْتُ، فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ".

يعني يضربه بمحجنه.

"ثُمَّ قَالَ: «ارْكَبْ»، فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَزَوَّجْتَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: «أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟» قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ، وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: «أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ، فَالكَيْسَ الكَيْسَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى المَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، قَالَ: «آلْآنَ قَدِمْتَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلًا أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ، فَأَرْجَحَ لِي فِي المِيزَانِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ، فَقَالَ: «ادْعُ لِي جَابِرًا»، قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالَ: «خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ»".

يقول –رحمه الله تعالى-: "بَابُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالحُميرِ" من عطف الخاص على العام، فيها لا يُقال: إن الشراء الخاص بما ورد فيه النص من الجِمال والأغنام والحمير مثلها؛ لأنها مباحة النفع من غير حاجة، وكل ما كان هذا وصفه يجوز بيعه وشراؤه.

"وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ عَلَيْهِ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا"، أو لا يتم القبض إلا بالتخلية والانتقال من ملك البائع إلى ملك المشتري؟ أما البيع فلا يتم إلا بذلك، البيع لا يتم إلا بالقبض التام قد نهى النبي –عليه الصلاة والسلام- أن تُباع السلع حتى يحوزها التجار على رحالهم، والمسألة في كيفية القبض هل يلزم أن يُنقل كل شيء، ولا شك أن هناك أمورًا يتم قبضها بالتخلية، كالأراضي والزروع وغيرها مما لا يُمكن نقله، وأمور لا يتم قبضها إلا باستلامها ونقلها من مكانها، ويختلفون في معنى ذلك حتى قالوا: إن قبض كل شيءٍ بحسبه، وتوسع بعض العلماء في مسألة القبض، وجعلوه اعتباريًّا لا حقيقة له، ونهى أن تُبتاع السلع، في بعض الأحاديث أن يُبتاع الطعام حتى يحوزها التجار في رحالهم.

"هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «بِعْنِيهِ» يَعْنِي جَمَلًا صَعْبًا" وهذا من شراء الدواب.

"قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار" المعروف ببندار.

"قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ" عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي.

"قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ" قد يُقال: غزوة وغزاة.

"فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا" تأخر وراء الناس.

"فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «جَابِرٌ؟» فَقُلْتُ: نَعَمْ" يعني أنت جابر؟

"فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا، فَتَخَلَّفْتُ، فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ" يعني يضربه بالعصا الذي معقوفٌ طرفه، وتُسمى بالمحجن.

"بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «ارْكَبْ» فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" إذًا يتقدم على النبي –عليه الصلاة والسلام- وجابر يكفه.

"قَالَ: «تَزَوَّجْتَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: «أَفَلاَ جَارِيَةً»" بكر صغيرة؛ لأنك شاب «تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟» قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ" يعني رجح مصلحة أخواته على مصلحة نفسه، وهذا قليل من يفعله.

"فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: «أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ»" قادم يعني على زوجتك.

«فَالكَيْسَ الكَيْسَ» ترفَّق، شاب قادم من سفر، ويُخشى أن يُبالغ في الأمر فيتضرر.

«فَالكَيْسَ الكَيْسَ» أو اطلب الولد، واطلب ما تستمتع به وزوجتك ومع ذلك الولد أو الرفق كلاهما محتمل.

"ثُمَّ قَالَ: «أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ" فالنصح لو أراد التجارة "قَالَ: «أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟»" وهو يُبطئ ويُعيي، صحيح أم لا؟

أنت تذهب للورشة سيارتك ما تمشي أو تقف وتقطِّع، وهي تحتاج ربط سلك، سلك تربطه بعضه ببعضه وخلاص وانتهينا، يقول لك: صاحب الورشة أو المعرض تبيعها علي قبل ما يربط السلك ويعرف أن يربطه، لو ربط السلك ومشى لها قيمة، وهذا المسكين صاحب السيارة يظن أن بها علة تحتاج إلى مبالغ، إذا قيل له: تبيع؟ يبيعها برخص، النصيحة أن تُصلحها قبل كما فعل النبي –عليه الصلاة والسلام- حجن الجمل حتى سار أمام الناس، ثم قال: «أَتَبِيعُ» يعني ما يختلف الثمن لو قال: أتبيعه وهو يُبطئ ويُعيي؟ فيه فرق كبير.   

"ثُمَّ قَالَ: «أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلِي، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ" يعني من الغد.

"فَجِئْنَا إِلَى المَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، قَالَ: «آلْآنَ قَدِمْتَ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَدَعْ جَمَلَكَ»" خارج المسجد.

"«فَادْخُلْ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلًا أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً" أوقية أربعون درهمًا.

"فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ، فَأَرْجَحَ لِي" زاد.

"فَأَرْجَحَ لِي فِي المِيزَانِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ، فَقَالَ: «ادْعُ لِي جَابِرًا»" وقت أن سمع الصوت يا جابر يا جابر قال: الآن يرد علي الجمل، وقلق من البضاعة إذا رُدت.

"قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ" ما يبيع الواحد إلا راغبًا عن الشيء، إذا رغب عن الشيء كرهه أراد التخلص منه، ثم يبيعه ويأتي فرحًا إلى أولاده قائلًا: بعنا السيارة التي كانت تقف بكل عاير، ثم طرق عليه الباب إذا صار المشتري، ماذا يتوقع؟ يتوقع أنه يردها.    

"وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ قَالَ: «خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ»في بعض الروايات «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ؟» فأعطاه الثمن، وأعطاه الجمل -عليه الصلاة والسلام-.

يقول الشارح: قوله: "وهو عليه" أي: البائع عليه لا المشتري، و"الصعب" نقيض الذلول، يُقال: أصعبت الجمل إذا تركته فلم تركبه ولم تمسسه بحمل؛ حتى صار صعبًا وسيجيئ إن شاء الله قريبًا الحديث بتمامه".

خرَّجه الإمام البخاري في نحو عشرين موضعًا، حديث جمل جابر، وفيه اختلاف في بعض الجُمل، بل في بعض المعاني.

"قوله: "وهب بن كيسان" بفتح الكاف وسكون التحتانية وبالمهملة وبالنون، مولى عبد الله بن الزبير بن العوام مات سنة تسعٍ وعشرين ومائة.

قوله: "أعيا" يُقال: أعيا الرجل في المسير، وأعياه الله أي: لازمًا ومتعديًّا.

قوله: «جَابِرٌ» ليس هو فاعل، قال: ولا منادى، بل هو خبر المبتدأ المحذوف".

يعني أنت جابر؟

"و"المحجن" بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم الصولجان، وحجنت الشيء إذا اجتذبته بالمحجن إلى نفسك".

بعض كبار السِّن يصير عنده أمامه المصحف وهو على كرسي جالس، يصير أمامه المصحف، فإذا انتهى من الراتبة والمصحف على كرسي حامل والحامل على كفرات، يأتي بهذا المجن ويجرها إليه، يستعمله كبار السِّن هذا، وهو مريح بالنسبة لهم، والمحجن يستعمله أكثر ما يستعمله المسافر، يتناول به الأشياء والمتاع، ويُعلق به ما يُريد، وعلى كل حال فوائده كثيرة.

طالب: الآن جابر كان متأخرًا، والنبي –عليه الصلاة والسلام- كان متأخرًا أكثر.

نعم وراءه.

طالب: كان في آخر الرَّكب.

في آخر الرَّكب، لكنه ليس بدائم، تأخَّر لحاجة أو شيء، لحاجة.

طالب:.........

 {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18]، وكانت علامة إما على كِبر السِّن أو أهل العلم وإن كانوا صغارًا ما يمشون قبلنا بعصا، وإلى وقتٍ قريب وهي علامة على الوظيفة، ويُكنى بها عن الوظيفة، خذ العصا، هات العصا، يعني وليناك عزلناك.

طالب:.........

ما ندري غيره، لكن هذه العصا علامة على الوظيفة، قال: خذ عصاك يا فلان، يعني افصله خلاص انتهى.  

"قوله: "أكفُّه" أي: أمنعه متجاوزًا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «أَفَلاَ جَارِيَةً» أي: أفلا تزوجت جارية؟ و«أَمَّا» هو حرف التنبيه، و«الكَيْسَ» بفتح الكاف وسكون التحتانية.

الخطابي: ذكر البخاري في كتابه أن الولد هو مُشكِل".

أنه الولد.

"أنه الولد وهو مُشكِل، وله وجهان: إما أن يكون حضه على طلب الولد، واستعمال الكيس والرفق فيه؛ إذ كان جابرٌ لا ولد له إذ ذاك، أو يكون أمره بالتحفظ والتوقي عند إصابة أهله مخافة أن تكون حائضًا فيقدم عليها؛ لطول الغيبة وامتداد العزبة، والكيس شدة المحافظة على الشيء.

وفيه من الفقه: أن الهبة الشائعة جائزةٌ؛ إذ مقدار الرجحان هبةٌ شائعةٌ غير معلومة القدر.

التيمي: انتصب الكيس بفعلٍ مُضمر، والتقدير فالزم الكيس، وقيل: الكيس هاهنا الجماع، وقيل: العقل أنه جعل طلب الولد عقلاً".

كأنه.

"كأنه جعل طلب الولد عقلاً".

ما الطبعة التي معك؟

طالب:..........

نعم.

طالب:.........

ماذا؟

طالب:.........

قبل أن تسمع عنه.

"قوله: "الأوقية" بضم الهمزة على المشهور، وفيها ما يتعارفها الناس اليوم فهي وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم".

"وأما الجوهري: الأوقية في الحديث" عندك.

طالب: بالحديث؟

لا لا بالشرح ارجع سطرين فقط.

طالب: قرأناها.

اقرأ.

"الأوقية" بضم الهمزة على المشهور، وفيها ما يتعارفها الناس اليوم فهي وزن عشرة دراهم".

كلام الجوهري أين هو؟

طالب: ما عندي كلام الجوهري.

"الأوقية" بضم الهمزة على المشهور، وفيها لغة أخرى، وهي بحذف الألف وفتح الواو" الوَقية.

"قال الجوهري: الأوقية في الحديث أربعون درهمًا، وأما ما يتعارفها الناس" لا تصحح با أبا عبد الله عبارته، ألقها، لا تصحح ولا تترك؟

طالب: أخطاؤها كثيرة يا شيخ.

بمائتي ريال مصورة، انظر هذه مجلدة تجليدًا فاخرًا وبتصوير طيب بخمسمائة ريال أو ستمائة أو أربعمائة، انظر الحرف هنا، ما شاء الله.

طالب: سنلقيها.

وإن أردت أصلًا غير موجود.

طالب:.........

الكتب الكبيرة ما تصلح الطبعات الجديدة، هؤلاء التجار من المتأخرين ما يصبرون على العلم، همهم تجارتهم، وهذه تحتاج إلى وقت، تحتاج إلى جهد، تحتاج إلى عناء، تحتاج إلى علماء يُصححون، المطابع في بيروت يطبعون المصحف، ويطبعون كتب العلم يُديرها بنات نصارى ونشتري نحن منهم، هي تجارة، ليسوا ذكورًا ولا مسلمين. 

"الجوهري: الأوقية في الحديث أربعون درهمًا، وأما ما يتعارفها الناس اليوم فهي وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم.

قوله: "ولَّيت" بفتح اللام المشددة أي: أدبرت و"منه" أي" من رد الجمل، فإن قلت: ليس في الباب ما يدل على الترجمة، قلت: إما أن يكون غرضه منها أنه لم يجد حديثًا بشرطه في شراء الدواب والحمير، وإما أن يُقاس شراؤهما على شراء الجمل، وإما أن يُراد بالدواب ما يدب على الأرض، وأما عطف الحمير على الدواب فمن باب عطف الخاص على العام سواءً حَمل الدابة على معناها اللغوي".

حُمِل الدابة.

"سواءً حُمِل الدابة على معناها اللغوي أو العُرفي أي: ما يدب أو ذوات الحوافر".

طالب:.........

«فَادْخُلْ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» لعلها ركعتي السفر.

قال البخاري...

وفي الحديث.

نعم.

"وفي الحديث أنه لا بأس بطلب البيع من المالك، واستحباب سؤال الرجل الكبير أصحابه عن أحوالهم، والإشارة عليهم بمصالحهم، ونكاح البكر، وملاعبة الزوجين، والابتداء بالمسجد للقادم من السفر وأداء الركعتين، وأن نافلة النهار ركعتان، والزيادة في الأداء، وإرجاح الوزن، وجواز الوكالة في أداء الحقوق، وفضيلة جابر –رضي الله عنه-، حيث بدَّل حظ نفسه بمصلحة أخواته.

وفيه: أن أجرة وزن الثمن على المشتري، وكرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأما انبعاث جمل جابر وإسراعه بعد إعيائه فهي معجزةٌ واضحةٌ لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-".

نعم.

قال البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الأَسْوَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَبَايَعَ بِهَا النَّاسُ فِي الإِسْلاَمِ.

 قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِوٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة:198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ، قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا".

قال –رحمه الله تعالى-: "بَابُ الأَسْوَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَبَايَعَ بِهَا النَّاسُ فِي الإِسْلاَمِ"، المسألة بيع وشراء وليست تعبدًا، ليس هذا من باب العبادة، وإنما هو من مباشرة العادات والمباحات والأرض هي الأرض، هي الأرض في الجاهلية وفي الإسلام، هي الأرض إلى أن تُبدَّل فيما بعد، إن كان عليها من السكان مسلمون أو كفار هي الأرض، فالأرض لا حكم لها.

"بَابُ الأَسْوَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَبَايَعَ بِهَا النَّاسُ فِي الإِسْلاَمِ: قال –رحمه الله-: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" وهو ابن المديني. 

"قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو الثوري.

"عَنْ عَمْرِوٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ".

طالب: الثوري أم ابن عُيينة؟

لا ابن عُيينة، ابن عُيينة، واحد ابن عُيينة، لو اثنان قلنا: هو الثوري؛ لأنه قديم، ما تبحث.

طالب:........

وقد يأتي، لكن الغالب أنه إذا كان بين صاحب الكتاب وسفيان اثنان فهو الثوري هذا الغالب؛ لأنه متقدم، وإذا كان بينه وبينه راوٍ واحد فهو ابن عُيينة؛ لأنه متأخر.

"قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ" لكن لا يعني هذا أننا نبحث عنها ونُعيدها من جديد، ونُذكِّر بها أعمال الجاهلية، وأفعال الجاهلية، ورموز الجاهلية، لكن إذا كانت موجودة وقائمة بأسمائها نتبايع فيها، ونشتري، ونُزاول فيها ما يُزاول من المباحات. 

"فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة:198] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ" {أَنْ تَبْتَغُوا} [البقرة:198] "قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا" في مواسم الحج، وهي قراءةٌ تفسيرية.

يقول الشارح: "باب الأسواق التي كانت".

"قوله: "بها" أي: فيها و"تأثموا" معناه تجنبوا عن الإثم، و"من التجارة" متعلقٌ بالإثم حالاً عنه أي: احترزوا من الإثم حاصلاً من التجارة، أو بيانًا يعني: الإثم الذي هو التجارة، أو معناه: احترزوا من الإثم.

قوله: "كذا" أي بزيادة (في مواسم الحج) على ما هو المشهور في التلاوة، وليس المراد أنه قرأ بنقصان {أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:198] منه أيضًا، إذ هو متواتر لا سبيل إلى القول بنقصانه، ومر الحديث في أول كتاب البيع".

هكذا قرأ ابن عباس "قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا" بزيادة (في مواسم الحج) كما قلنا: هي زيادةٌ تفسيريةٌ توضيحية، وليس معنى هذا أنه ما أكمل الآية {أَنْ تَبْتَغُوا} [البقرة:198] إلى آخره، وأنه حذفها من الآية، لا، إنما أراد أن يُثبت هذه الزيادة في قراءة ابن عباس التفسيرية.

قال البخاري: "بَابُ شِرَاءِ الإِبِلِ الهِيمِ، أَوِ الأَجْرَبِ، الهَائِمُ: المُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ، فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: وَيْحَكَ، ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلًا هِيمًا، وَلَمْ يَعْرِفْكَ قَالَ: فَاسْتَقْهَا، قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا، فَقَالَ: دَعْهَا، رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى»، سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا".

قال -رحمه الله-: "بَابُ شِرَاءِ الإِبِلِ الهِيمِ، أَوِ الأَجْرَبِ" الهيم: الإبل الهائمة الضالة التي يغلب عليها العطش؛ ولذا فُسِّرت بها الإبل العطشى {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] يعني عطشى، والسبب في عطشها غالبًا أنها هامت على وجهها وضاعت.

"الأَجْرَبِ" أي: باب شراء الأجرب يعني: شراء ما به عِلة، شراء ما به عيب، المخالف للقصد في كل شيء.

"الهَائِمُ: المُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ" ماشٍ في طريق، ثم يضل يمينًا أو يسارًا أو يرجع فهو مخالفٌ للقصد.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ" وهو ابن المديني كسابقه.  

"قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ" وهو ابن عُيينة.

قَالَ: قَالَ عَمْرٌو" ابن دينار.

"كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ، فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا" أخذ يصفه.

"فَقَالَ: وَيْحَكَ، ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ، فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلًا هِيمًا" يعني معيبة.

"وَلَمْ يَعْرِفْكَ قَالَ: فَاسْتَقْهَا، قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا، فَقَالَ: دَعْهَا" يقول ابن عمر: دعها.

"رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى» سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا".

طالب:.........

نعم صرَّح بالسماع.

الآن ابن عمر لما جاء يشتري من شريك نواس هذه الإبل المعيبة، ثم علم شريكه نواس بأن المشتري ابن عمر ما هو برجل عادي تذهب تبيع عليه إبلًا معيبة، مع أن العيب مردود من كل أحد، العيب فيه الخيار من ابن عمر وغير ابن عمر، معروف أو غير معروف الحكم واحد.

فلما ذكر شريكه لابن عمر أن هذه صفتها قال: استقها، ما لي بها حاجة، ثم قال: دعها "رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى»" يعني إذا كانت معيبة، ويُخشى أن تُعدي إبلنا السابقة فقد رضينا بقضاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم– في قوله: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» كأنه ينفي وجود العدوى أصلًا، مع أن من أهل العلم من يقول بهذا القول وهو الظاهر من «لاَ عَدْوَى»، ومنهم من يقول: إنها موجودة، العدوى، ويقول: إن الواقع يشهد بذلك.

وكونه يَرد بلفظ النفي من باب أن يجتنب الناس شراء المعيب بما أجرى الله فيه العادة أنه ينتقل من مريضٍ إلى آخر، فالعدوى موجودة، لكن قوله: «لاَ عَدْوَى» من باب ألا يُقدم الإنسان على شراء شيءٍ معيب، فينتقل المرض بإذن الله، يعني لا ينتقل بنفسه، ثم يظن أن هناك عدوى، وهو من باب حسم المادة، فيقع في المحظور.  

يقول الشارح: "قوله: "الهيم" جمع الأهيم، والهائم هو: المخالف للقصد في كل شيء، والقصد هو: الوسط.

 فإن قلت: المُعتبر في الإبل إما معنى الجمع فلا يوصف بالأجرب، وإما معنى المفرد فلا يوصف بالهيم، قلت: هو اسم جنسٍ يحتمل الأمرين، فإن قلت: تأنيثه لازم فالصحيح أن يُقال: الجربات أو الجرب بلفظ الجمع، قلت: لئن سلمنا لزوم التأنيث فهو عطفٌ على نفسها لا على صفتها.

قوله: "نواس" بفتح النون وشدة الواو وبالمهملة، والبيع يستعمل بمن وبدونه، يُقال: بعته وبعت منه و"استقتها" بصيغة الأمر من افتعال السوق.

قوله «لاَ عَدْوَى» الجوهري: العدوى طلبك إلى والٍّ ليعديك على من ظلمك، أي: ينتقم منه، والعدوى أيضًا ما يعدي من جربٍ أو غيره، وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره".

لكن من المتفق عليه بين الأطباء أن من الأمراض ما يُعدي، وينتقل من مريض إلى مريض، ويتحرزون في هذا الباب، ومن أُصيب بمثل هذا النوع من الأمراض يُحجر عليه، ولا تُباشر أعماله إلا بواسطة ومن بُعد، وفعل الاحتياطات من لبس ما يمنع من وصول هذا المرض إلى غيره، مع وجود هذا تجد بعض الناس يُباشر المرضى ويُمرِّضهم سواءً كان في بيته أو في المستشفى أو غيرها ويسلم.

قوله: «لاَ عَدْوَى» متجه، وأنها لا عدوى بالكلية، وهذا قول جمع من أهل العلم، وأنه لا يوجد مرض ينتقل من شخص إلى آخر، ولكن البُعد من باب سد الذريعة عن المريض من باب «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ»؛ لئلا تُصاب بجزام، ثم تقول: انتقل إلي المرض، لو أنا ما قاربت هذا المريض ما انتقل إلي.

ومنهم من ينفي العدوى بمعنى انتقال المرض وسريانه بنفسه من غير تقدير الله –جلَّ وعلا-، والأقوال في هذا معروفة.

ومنهم من ينفي العدوى مطلقًا إلا في الجُزام الذي ورد فيه «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ» إلى غير ذلك من الأقوال. 

وعلى كل حال بذل السبب مطلوب، لكن لا ينبغي أن يُعلق المرء قلبه إلا بالله، فهو مُسبب الأسباب، وهو بيده كل شيء- جلَّ وعلا-.  

طالب:.........

نعم.

طالب:.........

ماذا ؟

طالب:........

نفس الشيء لا تقرب مثل «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ»؛ لئلا تُصاب، ثم تقول: والله يا ليتني ما ذهبت لفلان، لقد عدانا، فتقع في المحظور الذي تُصدِّق ما نفاه النبي –عليه الصلاة والسلام- تقع في حرج، الرسول يقول: «لاَ عَدْوَى» ثم تقول: عداني، لا تأتي لهم أصلًا.

طالب:.........

 فهمت؟

طالب:.........

سد ذريعة نعم.    

"الخطابي: الهيم جمع الأهيم، والهيماء هو: العطشان الذي لا يروى، وقد يكون من الهيام وهو جنونٌ يصيبها، فلا تلزم القصد في سيرها، قال: ومعنى العدوى أني رضيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصحة هذا البيع على ما فيه من التدليس والعيب، ولا أعدي عليكما حاكمًا ولا أرفعكما إليه.

 أقول: أو يكون معناه رضيت بقضائه ولا ظلم في ذلك القضاء أو لا ظلم علي؛ لأن هذه الإبل تساوي الثمن الذي أديته، أو لا سراية في هذا العيب فمضرته سهلة، والظاهر هذا المعنى، لكن بأن يكون لا عدوى تفسيرًا للقضاء حكايةً عن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي: رضيت بقضائه، وهو أنه لا عدوى وسيجيئ في كتاب الطب أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ»".

نعم.

قال البخاري: "بَابُ بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الفِتْنَةِ. قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَاهُ -يَعْنِي دِرْعًا- فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ".

قال –رحمه الله-: "بَابُ بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا" بيع ما يُستعمل فيما يضر في الدِّين أو في البدن أو في أمور الدنيا، كل ما يضر لا يجوز بيعه ممن يتضرر به أو يضر به، السلاح في الفتنة لا شك أنه يُستعمل في قتل مسلم أو أذى مسلم أو أذى من لا يجوز أذاه.

كذا بيع العصير لمن يتخذه خمرًا، أو التمر، أو ما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز، وإن قال بعضهم- وهو مالك-: بِعه ممن شئت، لكن المقرر في الشرع أن ما يؤدي على مفسدة أنه ممنوعٌ كالمفسدة نفسها، كما أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والوسائل لها أحكام الغايات.

"وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الفِتْنَةِ" تعرف أن إنسانًا يتهدد ويتوعد بقتل آخر، ثم يأتي ليشتري منك سلاحًا.

طالب:.......... 

تعرف أنه يُريد أن يقتل فلانًا أو شخصًا غير معلوم يُريد، وعلامات الشر بادية على وجهه، أو علامات ارتفاع العقل عنه بِسُكرٍ أو غيره، أو يكون من مروجي المخدرات، وما أشبه ذلك، يشتري منك سلاحًا تبيع عليه؟

ما يجوز؛ لأنك لا تأمن أن يقتل به مسلمًا، أو يعتدي على ما لا يجوز له قتله من إنسانٍ أو حيوان وغير ذلك، لا شك أنك معينٌ له، وميسرٌ له ما أراد.

وإذا عرفت أن فلانًا ممن يشرب الخمر أو يصنع الخمر فلا يجوز أن تبيع عليه لا التمر ولا غير التمر؛ لأن هذا يغلب على الظن أنه يستعين به على معصية الله.

قال –رحمه الله-: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ" وهو القعنبي.

"عَنْ مَالِكٍ" الإمام المشهور.

"عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ" الأنصاري أو القطان؟

طالب: الأنصاري.

"عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ" الحارث بن ربعي.

"رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَاهُ، يَعْنِي دِرْعًا" أعطى مَن؟

أعطى أبا قتادة.

قال:" فَبِعْتُ" ما قال: فأعطاني فبعت، ولا قال: فأعطاه فباعه، وهذا من باب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.

"فَأَعْطَاهُ -يَعْنِي دِرْعًا- فَبِعْتُ الدِّرْعَ" يعني درعًا، فبعت الدرع إذا أُعيد النكرة معرفة فهو عينه، لو قال: أعطاني درعًا فبعت درعًا يمكن أن يكون غيره، فأعطاه درعًا فبعت الدرع هو عينه، {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15-16] هو هو.

"فَابْتَعْتُ" يعني: اشتريت "بِهِ مَخْرَفًا" بستانًا.

"فِي بَنِي سَلِمَةَ" في حيِّهم "فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ" اقتنيته "فِي الإِسْلاَمِ".

يقول الشارح: "قوله: "عمران بن حصين" بضم المهملة الأولى وفتح الثانية وسكون التحتانية وبالنون، الخزاعي من فضلاء الصحابة، مر في التيمم، و"ابن أفلح" بأفعل التفضيل من الفلاح بالفاء والمهملة، عمر بن كثير ضد القليل، ابن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، و"أبو محمد" اسمه: نافع، مر في باب جزاء الصيد، و"أبو قتادة" هو الحارث بن ربعي، مر في الوضوء.

قوله: "حنين" بضم المهملة منصرفًا: وادٍ بين مكة والطائف وراء عرفات، و"ابتعت" أي: اشتريت، و"المخرف" بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء: البستان الذي يخترف منه التمر، و"بنو سلمة" بفتح السين وكسر اللام، "وتأثلت" بصيغة متكلم ماضي التفعيل من الأثل بالمثلثة وهو الأصل أي: اتخذته أصلاً للمال، وقد اختُصر من الحديث شيءٌ لا يتم الكلام إلا به، وهو أنه قاتل رجلاً من الكفار، فأعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الدرع وسلبه، وهو مشهور، وسيأتي في المغازي في غزوة حنين، إن شاء الله تعالى".

يقول البخاري –رحمه الله تعالى-: "بَابٌ فِي العَطَّارِ وَبَيْعِ المِسْكِ.

 قال: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً»".

يقول -رحمه الله تعالى-: "بَابٌ فِي العَطَّارِ" يعني بائع العطر، "وَبَيْعِ المِسْكِ" أي: بيع هذا النوع الطَّيب من العطر الذي هو الطِّيب، وأصله مما يتحجَّر في سُرة الغزال عند جريها، ومنهم من يقول: إنه دم يخرج منها فيه كلامٌ طويل لأهل العلم، لكنهم يفضلونه على غيره وجاءت فيه نصوص.

ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) من فوائده الشيء الكثير، قال: من فوائده أنه يصلح للشيوخ والمبرودين، يعني يُدفئ، المسك فيه حرارة إذا تطيبت تغير معك، والشيوخ في الغالب أنهم يبردون، فالشيوخ مطلقًا يصلح لهم؛ لأن البرد يُسرع إليهم أكثر من الشباب.

وأما بالنسبة للمبرودين فهذا وصفٌ يتناول بعض الشباب، من الناس من طبعه فيه برودة.

"قال: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ" التبوذكي.

"قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ" ابن زياد.

"قال: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" يعني ابن أبي بُردة بن أبي موسى.

"قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ" يعني سمع أباه.

"أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ" أبي موسى الأشعري.

"رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ»" صاحب المسك تشم الروائح الطَّيبة، إن اشتريت استفدت، وإن أهداك استفدت، وإلا فأقل الأحوال الرائحة.

«وَكِيرِ الحَدَّادِ لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ» يتطاير منه الشرر فيحرق ثيابك، وقد يصل إلى بدنك.

«يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» ما هو مثل اللي يجلس عند شخص مهتم بنفسه مقتدٍ بنبيه –عليه الصلاة والسلام- يستعمل الطِّيب بكثرة، ومثل الذي يجلس بجوار المدخنين جاء بجوار مدخن، فهذا فيه مضرة من كل وجه الرائحة، وقد تسرى المادة الضارة من هذه الدخينة –على ما قالوا- فيتضرر بها، والله المستعان.

اقرأ.  

يقول الشارح: قوله: "أبو بردة" بضم الموحدة في اللفظين واسم الأول بُريد مُصغر البرد، والثاني عامر تقدما في باب أي: الإسلام أفضل.

قوله: «كِيرِ الحَدَّادِ» هو زقٌ أو جلدٌ غليظ يُنفخ به النار، وفي الكلام لفٌ ونشر".

مرتب أم غير مرتب؟

طالب: مرتب يا شيخ.

«مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ» صاحب المسك الجليس الصالح، كير الحداد جليس السوء.

طالب: مرتب.

«لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ» ثم عرَّج على كير الحداد فهو مرتب، لف ونشر مرتب.

"فإن قلت: المشبه به الكير أو صاحب الكير؛ لاحتمال عطف الكير على الصاحب وعلى المسك؟ قلت: ظاهر اللفظ أنه الكير والمناسب للتشبيه أنه صاحبه.

قوله: «لاَ يَعْدَمُكَ» بفتح الدال من عَدِم الشيء بالكسر أعدمهُ أي: فقدته، فإن قلت: ما فاعله؟ قلت: كلمة «إِمَّا» زائدة، ويشتريه فاعله سواءً كان مع أن الناصبة أو بدونها؛ لجواز وقوع المضارع موقع المصدر، وإن كان بدون الناصبة نحو: وقالوا: ما تشاء؟ فقلت: ألهو، ويجوز أن يكون الفاعل ما يدل عليه إما أي لا يعدمك أحد الأمرين".

قف على الحجام.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.