كتاب بدء الوحي (037)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ففي الحديث، وأظن قد وقفنا على: قال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله-صلى الله عليه وسلم-خبر ما رأى، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله-صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى، يقول ابن حجر: هذا فيه حذفٌ يدل عليه سياق الكلام، كثير من الأخبار والقصص سواء كانت في القرآن أو في السنة أو على ما يدور في ألسنة الناس تُحذَف منه جُمل وأدوار أحيانًا مما لا يحتاج إليها السامع، إنما يساق من هذه القصص ما يُحتاج إليه.

 هنا يقول ابن حجر: فيه حذفٌ يدل عليه سياق الكلام، وقد صرّح به في دلائل النبوة لأبي نعيم بسندٍ حسنٍ إلى عبد بن شداد في هذه القصة قال: فأتت به ورقة ابن عمها، فأخبرته بالذي رأى. يريد أن هذا الحذف قبل هذه الجملة، قال: فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرأً تنَصَّر، هذا موجود في القصة، قال: فأتت به ورقة ابن عمها فأخبرته بالذي رأى، وهنا قالت: يا ابن عمي اِسمع من ابن أخيك، كأنها أخبرته بالذي رأى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ليس موجودًا، يعني أخبرته بمفردها، ثم أتت به كأنه طلبه، فلما حضر قالت له: اسمع من ابن أخيك خبر ما رأى. وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: بخبر ما رأى، بخبر ما رأى.

 فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، فقال له ورقة: هذا الناموس، كلام في الناموس كثير في الشروح، ونقتصر منه على ما يكشف ما نريد، هذا الناموس بالنون والسين المهملة قال: هو صاحب السر، صاحب سر الرجل مطلقًا سواء كان خيرًا أو شرًّا، يقول ابن دريد: هو صاحب سر الوحي والمراد به جبريل -عليه السلام- وأهل الكتاب يسمونه الناموس الأكبر الناموس الأكبر يسمونه، يعني يسمون جبريل -عليه السلام- الناموس الأكبر، مع أن اليهود من خبثهم وتعنتهم يعادونه، قال: وزعم بعضهم أن الناموس صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، وهذا القول نسبه ابن الملقن إلى ابن ظَفْر في شرح المقامات.

ثم قال: وقد سوَّى بينهما رُؤبة بن عَجَاجَ الراجز المشهور قال: وهو الصحيح، سوَّى بينهما، في شرح النووي على القطعة من أوائل صحيح البخاري قال: الناموس بالنون والسين المهملة هو جبريل -عليه السلام-، قال أهل اللغة وأصحاب غريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير، والجاسوس صاحب سر الشر، ويقال: نَمستُ الشر بفتح النون والميم أنمِسه بكسر الميم نَمْسًا أي كتمته، ونمستُ الرجل ونامسته أي ساررته، واتفقوا على أن جبريل -عليه السلام- يسمى الناموس، وعلى أنه هو المراد في هذا الحديث.

 قال الهروي: سُمِّي بذلك؛ لأن الله -عز وجل- خصَّه بالغيب والوحي. كذا قال. بالغيب والوحي، لو قال خصَّه بالوحي، أما الغيب فلا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، وإن كان يعلم من الغيب ما يطلعه الله عليه مما لا يعلمه غيره، بهذا القيد فلا بأس.

في شرح ابن الملقن: قيل: إن الناموس والجاسوس بمعنى واحد، حكاه القزاز في جامعه، وصاحب الواعي، وقال الخُشني في شرح السيرة: أصل الناموس صاحب سر الرجل، في خيره وشره، وقال ابن الأنباري في زاهره، الزاهر، لابن الأنباري مطبوع في مجلدين مطبوع في العراق، قال ابن الأنباري في زاهره: الجاسوس الباحث عن أمور الناس، وهو بمعنى تحسَّس، تجسَّس بمعنى تحسَّس سواء يقول، وقال بعض أهل اللغة: التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس، وبالحاء المهملة الاستماع لحديث القوم، وقيل: هما سواء. {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا} [يوسف: 87] يعني تَسَمَّعوا أخبار الناس وأقوالهم من أجل أن تصلوا إلى مفقودكم.

يقول ابن الأعرابي فيما حكاه القاضي: لم يأت في الكلام فاعول لام الكلمة فيه سين إلا الناموس، صاحب سر الخير والجاسوس للشر، والجاروس الكثير الأكل، والفاعوس الحيّة، والبابوس الصبي الرضيع، البابوس في قصة جُريج قال له جُريج: يا بابوس من أبوك؟ والبابوس الصبي الرضيع، والداموس القبر، والقاموس وسط البحر، والقابوس الجميل الوجه، القاموس وسط البحر، والقابوس الجميل الوجه.

 إذا نظرنا إلى كتاب القاموس الكتاب المشهور القاموس المحيط والقابوس الوسيط، هذا اسمه القاموس المحيط والقابوس الوسيط الجامع لما تفرّق من لغة العرب شماطيط، ننزل هذا الكلام الذي معنا على عنوان الكتاب، القاموس وسط البحر، وسط البحر المحيط بما فيه، والقابوس الجميل الوجه يعني كأنه يريد أن يقول: هذا الكتاب محيط، لكنه أيضًا جميل في جمال ورونق، ولا شك أن الكتاب على اختصاره من أجمع كتب اللغة مع اختصاره، ومن أنفعها، يعني على ما ذكروا فيه ستون ألف مادّة على اختصاره؛ لأنه مطبوع في أحجام مختلفة من أربعة مجلدات ومجلدين، ثم طُبع في مجلد واحد، وطُبع في بلاد العجم قديمًا في مجلد واحد قديم، ثم طُبع في مصر مرارًا، طُبع في بولاق سنة ألف ومئتين وسبعين، مع أن ترجمته التركية مطبوعة قبل في ثلاث مجلدات كبار، ثم طُبع مرارًا في أربعة مجلدات منها في بولاق ثانية وثالثة، ثم تداوله الناشرون إلى أن طُبع في مجلد واحد، علمًا بأن مثل هذا الكتاب لا يعتمد فيه على الطبعات الحديثة، إنما يعتمد على الطبعات التي تولّاها علماء؛ لأنه مع اختصاره كثيرٌ من كلماته مضبوطة بالشكل، وهذه يحصل فيها الخلل كثيرًا.

 قال: والعاطوس دابة يتشاءم بها، ويبين واقعًا لا يبين حكمًا، والفانوس النمام يقال له: فانوس، طيب المصباح يسمونه فانوسًا، ألا يسمى فانوسًا؟ ما وجه العلاقة بينه وبين النمام؟

طالب:...

والفانوس فيه نار.

طالب:...

ممكن، والجاموس ضربٌ من البقر، وقيل: أعجمي تكلمت به العرب، وقيل: الحاسوس بالحاء غير المعجمة من تحسس، وفي صحيح مسلم: إن كلماتك بلغن ناعوس البحر، ناعوس في صحيح مسلم في كتاب الجمعة، في باب الخطبة، قال ذلك ضماد الأزدي من أزد شنوءة، لما قرأ عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- خطبة الحاجة لما وفِد إلى مكة قالوا له: هذا ساحر ومجنون قال: ائتوني به لأعالجه؛ لأنه يرقي، من الرقاة المشهورين في وقته، ائتوني به، قال: ما عندك؟ قال: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه» إلى آخره، ثم قال له: إن هذا ليس بكلام لا كُهّان ولا مجانين ولا سحرة، ثم قال ما ذُكر: إن كلماتك بلغنَ ناعوس البحر. قال النووي في شرح مسلم: ناعوس ضبطناه بوجهين أشهرهما ناعوس بالنون والعين، وهذا هو الموجود في أكثر نُسخ بلادنا، والثاني قاموس بالقاف والميم، وهذا الثاني هو المشهور في روايات الحديث في غير صحيح مسلم، في غير صحيح مسلم. وقال القاضي عياض: أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها قاعوس بالقاف والعين، بالقاف والعين. قال: ووقع عند أبي محمد بن سعيد: تاعوس بالتاء المثناة فوق قال: ورواه بعضهم ناعوس بالنون والعين قال: وذكره أبو مسعود الدمشقي في أطراف الصحيحين، والحميدي في الجمع بين الصحيحين، قاموس بالقاف والميم، قال بعضهم: والصواب قال أبو عبيد: قاموس البحر وسطه، وقال ابن دُريد: لُجَّتُه، وقال صاحب العين: قعره الأقصى. المقصود أن الذي عندنا ناموس ثم انجر الكلام إلى ما جاء على زِنة هذه الكلمة.

هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، وفي الكُشمَيهَنِي: أنزل الله، وفي التفسير: أُنزِل يعني في التفسير من صحيح البخاري أُنزل على البناء للمفعول، وأشار بقوله: هذا إلى الملك الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في خبره ونزّله منزلة القريب؛ لقرب ذكره، قاله ابن حجر.

مرّ بنا أن ورقة تنصَّر فهو على النصرانية، والنصارى هم أتباع عيسى، وهنا قال: الذي نزّل الله على موسى، فكيف تخطى عيسى، وهو يتدين لله -جل وعلا- باتباعه إلى موسى؟ في هذا كلام كثير لأهل العلم، وقد جاء في بعض الروايات: عيسى بدل موسى، لكن الأصحّ ما جاء في هذه الرواية، فكيف يتخطى نبيه إلى من قبله؟ من كلام أهل العلم في هذه المسألة يقول ابن حجر: قوله: على موسى، ولم يقل: على عيسى مع كونه نصرانيًّا؛ لأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى، وكذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- مشتملٌ على أكثر الأحكام بخلاف عيسى، وكذلك النبي -عليه الصلاة والسلام-، شريعة موسى هي الأصل، وشريعة عيسى متممة لشريعة موسى، متممة لشريعة موسى -عليهما السلام-. قال مما قاله أو لأن موسى -وهذا بعيد جدًّا، هذا الكلام-؛ لأن موسى بُعِث بالنقمة على فرعون ومن معه بخلاف عيسى كذلك، وقعت النقمة على يد النبي -صلى الله عليه وسلم- بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر، يعني هل يمكن أن يتصور أن يدور بخاطره مثل هذه الموافقة وهذا الاتفاق؟

لا يمكن، يعني يلتمس في مثل هذا الكلام إذا وقع في كلام لا بد من تأويل كلامه، وأنه قد لا يخفى عليه ما يحصل في المستقبل، إذا وقع مثل هذا في كلام الله -جل وعلا- أو كلام نبيه المؤيد بالوحي حينما ينقله عن الله -جل وعلا-، نقول: إنما يحصل فيما بعد على يده -عليه الصلاة والسلام- من قتل لفرعون هذه الأمة، وما وقع سابقًا على يد موسى -عليه السلام-من هلاك لفرعون يمكن، أما في كلام بشر، نحاول أن نوجد مناسبة بين هذا وهذا، فقد لا يدور بخاطره ما قلناه.

طالب:...

نعم، يعني الخوف الذي حصل له -عليه الصلاة والسلام- حينما رجع بهذه الكلمات يرجف فؤاده، يرجف بوادره، وموسى -عليه السلام- خاف لما أُنزل عليه، لماذا خاف؟ لأنه قتل منهم نفسًا، خشي أن يقتلوه، يعني هل هذه مناسبة يعني يستحضرها مثل ورقة في هذا الوقت وفي هذا الظرف؟ عرفنا أن ما قورن به من قتل فرعون وقتل أبي جهل هذا بعيد جدًّا أن يقع مثل هذا في هذا الظرف من شخص لا يستحضر مثل هذه الأمور، قد يكون استحضارها ولو كانت واقعة فضلاً عن كون بعضها لم يقع. في الكلام الذي أبداه الأخ، وأن وجه الشبه هو الخوف وقع الخوف من موسى -عليه السلام-، ووقع الخوف من محمد -عليه الصلاة والسلام- لما أُنزل إليه هذا لا يبعد، لكن هل يستقل مثل هذا الكلام وهذا الوجه للشبه أن يتجاوز النبي الذي تبعه ويتدين باتباعه؟

طالب:...

هو لما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- خائفًا، وموسى أوّل ما أُنزل إليه خاف يعرف قصة موسى، ويعرف ما حصل لعيسى -عليهما السلام- وما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- من هذا الخوف لا شك أنه نظير ما حصل لموسى -عليه السلام-، إلا أن السبب والداعي لهذا الخوف مختلف.

على كل حال الكلام طويل، وكله مجرد التماس لما حصل، يعني لم يكن عيسى معروف عند العرب والنصارى ليس معروف عندهم وهو يتدين بالنصرانية؟ قالوا: أو قاله تحقيقًا للرسالة أو قاله تحقيقًا للرسالة؛ لأن نزول جبريل على موسى متفقٌ عليه بين أهل الكتاب، متفق عليه بين أهل الكتاب بخلاف عيسى، فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته. لكن إنكار اليهود لنبوة عيسى -عليه السلام- يجعل هذا النصراني يتنزل لهذا الإنكار ويتخطى عيسى -عليه السلام- إلى موسى؟

طالب:...

خروج موسى -عليه السلام- كان قبل الرسالة، خروجه خائفًا يترقب قبل الرسالة، قالوا: وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى، ودعواهم أنه أحد الأقانيم يعني فوق مرتبة النبوة، فهو محالٌ لا يعرّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل، ولم يأخذ عمن بدّل، على أنه ورد عند الزبير بن بكار من طريق عبد الله بن معاذ عن الزهري في هذه القصة أن ورقة قال: ناموس عيسى، أن ورقة قال: ناموس عيسى، والأصحّ ما تقدم، وعبد الله بن معاذ ضعيف، قال في دلائل النبوة لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشان بن عمرو عن أبيه في هذه القصة أن خديجة أول ما أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يُعلِّمه بنو إسرائيل أبناءهم، لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يُعلِّمه بنو إسرائيل أبناءهم، فعلى هذا فكان ورقة يقول: تارةً ناموس عيسى وتارة ناموس، تارة يقول: ناموس عيسى وتارة يقول: ناموس موسى، فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها: ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- له قال له: ناموس موسى؛ للمناسبة التي قدّمناها، وكلٌّ صحيح، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.

الآن النصّ الذي نعالجه، الجملة التي نعاجلها هل هي في إخبار خديجة لورقة، أو في إخبار النبي -عليه الصلاة والسلام- لورقة؟

طالب:...

لما أخبره الخبر قال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خبر ما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يعني كونه جاء هذا الذي نزّل الله هذا الناموس الذي نزّل الله على عيسى، وجاء أيضًا هنا هذا الناموس الذي نزّله الله على، في الأول: عيسى، وهنا قال: موسى، بعض الاختلاف لا يمكن التوفيق فيه بين الروايات، بل لا بد أن يُحكم للراجحة بأنها هي المحفوظة، وما عداها تكون شاذة، الآن المورد واحد أو اثنين؟

طالب: ..............

لا ، النصّ الذي نعالجه واحد، وكوننا نجيب على هذا بما جاء في بعض الروايات من قوله بعد إخبار خديجة له: هذا الناموس الذي نزّل الله على عيسى نعالج به هذا النصّ أو هذه الجملة التي معنا يستقيم  أم ما يستقيم؟ أنتم معنا يا إخوان أم....؟

طالب:...

هذا ما فيه إشكال، لكن هذا النصّ الذي معنا الذي نعالجه ونحاول الإجابة عنه أي الخبرين؟ الثاني، بعد قول النبي بعد إخبار النبي -عليه الصلاة والسلام- له قال: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، فكوننا نأتي بالروايات الأخرى ونقول: إن هذه قيلت بعد أن أخبرته عائشة أخبرها بما كان عليه من اتباع لعيسى، واستحضار لمن يتبعهم من هؤلاء الأنبياء، ثم لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأخبره الخبر قال: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى.

طالب:...

الآن كلامي الذي ذكرت في الأخير الروايات كلها نجيب فيها عن موردٍ واحد، عن موردٍ واحد، وهو هذا الكلام الذي قاله ورقة بعد إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- له، فكيف نجيب بروايةٍ وقعت قبل إخباره -عليه الصلاة والسلام- له بعد إخبار خديجة؟

طالب:...

هو القائل واحد، القائل واحد، والاحتمال قائم أنه قال لما قالت له خديجة كذا قال: عيسى، ولما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: موسى، هذا ما فيه إشكال، كل هذا ما فيه إشكال، لكن الإشكال في كونه في هذه الجملة حينما أخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- ولتصحيح الرواية الثانية ماشٍ، لكن الكلام في الجواب عن قوله: هذا الذي نزّل الله على موسى. كيف يقول على موسى وهو نصراني؟

طالب:...

يبقى الإشكال قائمًا في الجملة التي نعالجها.

طالب:...

ثم يكون أولى بالذكر فيكون أولى بالذكر عيسى؛ لأنه جمع بين الأمرين، وإذا لم يذكره قال موسى.

طالب:...

بلا شك.

طالب:...

يعني إذا نظرنا إلى أولي العزم من الرسل وجدنا أن مرتبة موسى فوق مرتبة عيسى، ومن لازم الإيمان بعيسى الإيمان بموسى هذا شيء مقرر ومفروغ منه، قال: فشبّه ما جاء النبي، ما نزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- بما نزل على الأعلى مرتبة، لماذا ما قال إبراهيم وهو فوق موسى؟

طالب:...

النبي -صلى الله عليه وسلم- أشبه بإبراهيم من موسى وعيسى.

طالب:...

ما نُظِر إلى مرتبة التكليم بقدر ما يُنظر إلى مرتبة التنزيل؛ لأنه نصّ على التنزيل هنا.

 اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

طالب:...

نعم، لكن بالنسبة لورقة لما عنده من علم ما سبق ولم يقع في تحريف ولا تبديل ما يبعد أن يكون عنده هذه.

طالب:...

لا هو ما طابق الشرائع.

طالب:...

ولعله مما جاء في صفته -عليه الصلاة والسلام- في الكتابين، الذي يبعد كله وكيف أتعجب كيف يورد في الشروح ويعتنون به كون موسى -عليه السلام- هلك على يده فرعون، والنبي- عليه الصلاة والسلام- يهلك على يديه فرعون هذه الأمة! يعني مثل هذه الأمور فيها بُعد، وتعجب كيف يلتمس مثل هذه المناسبات. وعلم المناسبات يقع فيه القريب جدًّا المتصور، ويقع فيه البعيد جدًّا الذي لا يمكن تصوره، وهذا أيضًا في كل العلوم حتى في مناسبات الآيات والسور، يذكر كثير من المفسرين مناسبات بين آية وأخرى أو بين سورة وأخرى لا يمكن أن تخطر بالبال، ويذكر قريبًا كلٌّ يتصوره، وكتاب البقاعي في تناسب الآيات والسور نظم الدُرر المطبوع في اثنين وعشرين مجلدًا فيه أشياء التمحُّل فيها ظاهر، وفيها بُعد شديد عما يسمى مناسبة، ولذا الشوكاني ينكر هذا النوع من أنواع علوم القرآن جملةً وتفصيلاً، وهاجم البقاعي بكلامٍ قوي في أوائل تفسيره، في أوائل فتح القدير هاجم الشوكاني -رحمه الله- البقاعي في تمحُل هذه المناسبات.

 هذا يقول: الجواب معجزة عيسى -عليه السلام- كانت منذ ولادته، أما موسى -عليه السلام- فكانت نبوته بعد أن بلغ أشده واستوى، مثل محمد -صلى الله عليه وسلم- جاء لورقة بعد أن استوى وبلغ أشده، لكن هناك إرهاصات قبل النبوة حصلت لمحمد -عليه الصلاة والسلام-.

يقول: الأمر سهلٌ مرة ذكر موسى ومرة ذكر عيسى ما رأيك بهذا الكلام؟

سواء ذكر موسى أو عيسى، لكن نحن أمام كلام لا بد من الإجابة عنه؛ لأنه كيف تجاوز عيسى وهو يتبعه؟ كيف تجاوزه؟ فلا يسوغ أن يقال: إنه لا يرى نبوته، وقد اعتنق ما جاء به ولم يدخل في تحريف ولا يسوغ أيضًا أنه يرفعه فوق منزلة النبوة إلى أن يشارك في الإلهية.

طالب:...

أما صاحب الوحي فهو جبريل، وهو الذي نزل على موسى وعلى عيسى وعلى محمد -عليه الصلاة والسلام-. ومن هنا جاء الإشكال؛ لأنه لو وُكل بعيسى ملَك غير جبريل، واشترك محمد وموسى بالتلقي بواسطة جبريل انتهى الإشكال، انتهى الإشكال، على كل حال الأمر هذا ما قاله أهل العلم في هذه المسألة، قالوا: فعند إخبار خديجة بالقصة قال لها: ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- له قال له: ناموس موسى؛ للمناسبة التي قدمناها، يقول: وكلٌّ صحيح، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.

قال بعد ذلك: يا ليتني فيها جذعًا.

طالب:...

ما من نبي إلا ويخبر عنه -عليه الصلاة والسلام-، ويأخذ على قومه الميثاق أنه لو خرج أنه يتبعه، يا ليتني فيها جذعًا؛ يقول النووي: الضمير في فيها يعود إلى أيام النبوة، يعود إلى أيام النبوة ومدتها، ويقول الكرماني: الضمير راجع إلى أيام النبوة أو الدعوة.

 وجذعًا: بالذال المعجمة المفتوحة؛ لأن أيام النبوة وُجد فيها أيام النبوة، وُجد فيها من أول الأمر من نزلت عليه اقرأ وهو نبي؛ لأنه نُبِّئ باقرأ فهو موجود في أيام النبوة، لكن هل هو موجود في أيام الدعوة؟ لا، الضمير في فيها يعود إلى أيام النبوة ومدتها، هذا كلام النووي، والكرماني يقول: الضمير راجع إلى أيام النبوة أو الدعوة، والثاني هو الظاهر.

 وجذعًا بالذال المعجمة المفتوحة يعني شابًّا فتيًّا حتى أبالغ في نصرتك، والجذَع في الأصل للدواب، ثم استُعير للإنسان، وجذعًا المشهور في الصحيحين النصب؛ لأنه يقول: يا ليتني فيها جذعًا، المشهور في الصحيحين النصب، نحو قول الشاعر:

يا ليت أيام الصبا رواجعَ

 وفي بعض الروايات الرفع، وهو ظاهر، وهي رواية الأصيلي، كما في الفتح، يقول ابن حجر: وهي عند الباقين بالنصب على أنه خبر كان المُقدَّرة، يا ليتني أكون فيها جذعًا. على أنه خبر كان المقدرة، قاله الخطابي، وهو مذهب الكوفيين في قوله تعالى: {انتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}[النساء:171].

طالب: يكن خيرًا لكم؟

نعم، خبر كان المقدَّرة، وقال ابن بري: التقدير يا ليتني جُعلت فيها جذعًا، وقيل: النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت، والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار، من معنى الاستقرار، قاله السُهيلي؛ لأن الجار والمجرور لا بد لهما من متعلق يُقدَّر فيه كائنٌ أو مستقر، ويقول الكرماني: أو يكون ليت بمعنى أتمنى، أو يكون ليت بمعنى أتمنى فينصب الجزأين، وهو قول الفراء، يا ليتني، يا هذه حرف نداء، وهل ليت وهي حرف تمنٍ يصلح لأن ينادى؟ يصلح لأن ينادى؟ الذي ينادى الذي يعقل ويتصور منه الجواب، يا في قوله: يا ليتني حرف نداء والمنادى محذوف تقديره يا هؤلاء ليتني، أو يا محمد ليتني، يقول في لسان العرب في ثنايا ذكره لمعاني يا قال: ومنها ياء النداء وحذف المنادى وإضماره كقوله -عز وجل- على قراءة من قرأ: {أَلَا يَسْجُدُوا}[النمل:25] في سورة النمل {أَلَا يَسْجُدُوا} بالتخفيف يا هؤلاء اسجدوا لله، وأنشد:

يا قاتل الله صبيانًا تجيء بهم

 يا قاتل الله، ويكثر في كلام الناس يا رعاك الله، يا رعاك الله استمع، انتبه يا رعاك الله.

يا قاتل الله صبيانًا تجيء بهم

 

أم الهنينين من زندٍ لها واري

 

كأنه أراد: يا قوم قاتل الله صبيانًا، ومثله قوله:

يا من رأى بارقًا اكفكفه

 

بين ذراعي وجبهة الأسد

 

كأنه دعا يا قومِ، يا إخوتي فلما أقبلوا عليه قال من رأى، يا من رأى بارقًا.

طالب:...

إي استفهامية منصوبة جاز نداؤها، في عمدة القاري نقلاً عن أبي البقاء العُكبري، وأبو البقاء له كتابان أحدهما في إعراب القرآن، والثاني في إعراب الحديث، والثاني هو المقصود، يقول: المنادى ها هنا محذوفٌ تقديره يا محمد ليتني كنت حيًّا نحو: يا ليتني كنت معهم تقديره يا قوم ليتني، والأصل فيه أن يا إذا وَلِيَها ما لا يصلح للنداء كالفعل في نحو ألا يسجدوا، والحرف في نحو: يا ليتني، والجملة الاسمية نحو: يا لعنة الله والأقوام كلهم، فقيل هي للنداء والمنادى محذوف، وقيل هي لمجرد التنبيه، وقيل هي لمجرد التنبيه؛ لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها، وقيل: لمجرد التنبيه؛ لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها. كيف حذفت الجملة كلها؟ قلنا: يا ليتني جذعًا، هنا يا ليتني فيها جذعًا، كيف حُذفت الجملة والتقدير: يا محمد ليتني فيها أكون جذعًا، يا ليتني يا محمد، ليتني يتمنى أن يكون في أيام الدعوة جذعًا؛ لأن الجذع أقوى على الإعانة والدفاع، وواقعه على خلاف ذلك، شيخ كبير قد عَمي كما تقدَّم، ويتمنى أن يعود إليه الشباب؛ ليُساهم في نصر الدعوة ودين النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأين حذف الجملة الذي يجحف بالكلام؟

وقيل: لمجرد التنبيه؛ لئلا يلزم الإجحاف بحذف الجملة كلها. إنما حُذف المنادى فقط، وحذفه لما يدل عليه، ولا يمكن أن يُدَّعى الحذف مع عدم ما يدلُّ عليه إذا لم يوجد ما يدلُّ على المحذوف لا يجوز الحذف، وإذا وُجد وكثُر في الاستعمال ما يدلُّ على المحذوف ساغ حذفه، قد يكون المحذوف لا دلالة في السياق عليه، لكن هو مستحضر في أذهان السامعين {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}[ص:32]، ما فيه ما يدلّ على الشمس في السياق، لكن ما في مخاطب من المخاطبين ما يعرف أن المراد الشمس.

ابن مالك في شواهد التوضيح والتصحيح في أوّله هذا الكتاب كتابٌ مختصر جدًّا ونفيس يحتاج إليه كل من يطالع صحيح البخاري ويعانيه ويحرص على فهمه اسمه: شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، ألّفه ابن مالك لما قرأ عليه اليونيني صحيح البخاري، قرأ عليه الصحيح، اليونيني اعتنى بجمع روايات الصحيح، وقارن بينها، وذكر الفروق، يعني قلّ أن يوجد من اعتنى بصحيح البخاري مثل اليونيني بالنسبة لألفاظه، وجد اليونيني بعض الإشكالات التي يُحتاج إلى حلّها من جهة العربية، وابن مالك صاحب الألفية إمام في هذا الباب فاستفاد رواية البخاري عن طريق اليونيني، واستفاد اليونيني تصحيح بعض الألفاظ التي لم يجد لها مخرجًا في العربية، فعلّق الإمام ابن مالك هذا الكتاب في مشكلات الجامع الصحيح من حيث العربية.

يقول: البحث الأول في يا ليتني وفي استعمال إذ مكان إذا وبالعكس، وفي تركيب «أو مخرجي هم؟» هذه كلها نحتاج إليها، فمنها قول ورقة بن نوفل: يا ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أو مخرجيّ هم؟» قلتُ –ابن مالك- : يظن أكثر الناس أن يا التي تليها ليت حرف نداء والمنادى محذوف، يظن أكثر الناس أن ياء التي تليها ليت حرف نداء والمنادى محذوف فتقدير قول ورقة على هذا: يا محمد ليتني كنت حيًّا. يا محمد ليتني كنت حيًّا. وتقدير قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ}[النساء:73] يا قوم ليتني كنت معهم، يقول ابن مالك: وهذا الرأي عندنا ضعيف، وهذا الرأي عندنا ضعيف -مع أنه يقول به عامة من يتكلم على الحديث أو الآية-، وهذا الرأي عندنا ضعيفٌ؛ لأن قائل يا ليتني قد يكون وحده -قد يكون وحده، فمن ينادي إذا كان وحده؟  لأن قائل يا ليتني قد يكون وحده فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف. ما فيه شيء يُنادى، إذًا ياء هذه حرف نداء أم ليست حرف نداء؟ إذا لم يكن ثم منادى لا محذوف ولا مثبت ليست بحرف نداء. فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف كقول مريم -عليها السلام-: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}[مريم:23].

طالب:...

يا نفسِ، يدعوها يناديها، يعني يناديها وهي حاضرة.

طالب:...

يا رب ليتني، هنا يقول كقول مريم -عليها السلام-: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا}[مريم:23] ، قال: ولأن الشيخ إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه، ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه. إذا صحّ المعنى بدونه هل هناك حذف هل نحتاج إلى أن نقول هناك محذوف؟ إذا صحّ المعنى بدونه.

طالب:...

إذا صحّ المعنى بدونه ما نحتاج إلى أن نقول: هناك محذوف، وهو يقرِّر أنه إنما يسوغ الحذف إذا صحّ المعنى بدونه، هذا الكلام يسوغ إذا قلنا بأن هذه الكلمة أو هذه اللفظة زائدة نحكم عليها بالزيادة متى؟ إذا صحّ المعنى بدونها أما إذا قلنا محذوفة فكيف ندَّعي أن هناك كلمة محذوفة مع أن السياق يقوم بدونها؟ ما الذي دلّنا على الحذف؟ إلا أن السياق يطلبها، كلامه ما هو بواضح كلامه مع إمامته. ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادُّعي فيه حذفه مستعملاً فيه ثبوته، يعني مرة يُثبت، ومرة لا يُثبت، مرة يُثبت ومرة لا يُثبت، ويستقيم المعنى مع ذكره ومع حذفه يعني نظير هذا في علم الأسانيد المزيد في متصل الأسانيد يعني إنسان ذكرته أو ما ذكرته، يعني إن حذفته فالواسطة يمكن أن يستغنى عنها؛ لأن الراوي المذكور سمع من الراوي الذي معه فوقه، وإذا أثبتَّ المزيد فإن الراوي سمع من هذا المزيد أو سمع من شيخه بواسطة هذا المزيد وسمعه منه مرة أخرى مباشرة، وحينئذٍ نقول: يسوغ إثباته، ويسوغ حذفه، لكن إذا قلنا محذوف ما الذي دلَّنا على أنه محذوف؟ يدلُّنا عليه أنه وُجد في موضع آخر مذكور، كأن ابن مالك يقرر هذا الذي دلّ على أنه محذوف يعني ما يلزم السياق لا يحتاجه يستقيم بدونه، لكن ما الذي دلّنا أن في حذف أنه وُجد في سياق آخر مذكور، مثل المزيد في متصل الأسانيد سواء بسواء.

يقول: ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادعي فيه حذفه مستعملاً فيه ثبوته، كحذف المنادى قبل أمرٍ أو دعاء فإنه يجوز حذفه لكثرة ثبوته، فإن الآمر والداعي يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو بتقديمه على الأمر والدعاء. واستُعمل ذلك كثيرًا حتى صار موضعه مُنبَّهًا عليه إذا حُذف فحسُن حذفه، فمن ثبوته قبل الأمر: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:35]، وعلى هذا لو جاء السياق يسكن {أَلَا يَسْجُدُوا} نعم يُفهم، {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ}[البقرة:40] و{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ }[الأعراف:31] يعني لا بد من تقدير محذوف لو حُذف، {أَلَا يَسْجُدُوا}لا بد من تقدير محذوف، يا هؤلاء، يا بني آدم و{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ }[الأعراف:31] و{يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[هود:76]، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:12]، {{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ}[لقمان:17]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ}[الأحزاب:1]، ومن ثبوته قبل الدعاء ومن ثبوته قبل الدعاء {يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}[الأعراف:134]، {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}[يوسف:97]، {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}[الزخرف:77]، ومنه قول الراجز:

يا رب هب من لدنك مغفرة

 

 

تمح الخطايا وأُلقَّى المعذرة

 

من حذف المنادى المأمور قوله تعالى في قراءة الكسائي: {أَلَا يَسْجُدُوا} أراد ألا يا هؤلاء اسجدوا. ومثال ذلك في الدعاء قول الشاعر:

ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى

 

 

ولا زال منهلاً بجرعائك القطر

 

فحسّن حذف المنادى أو فحسّن حذف منادىً، نعم فحسّن حذف منادى قبل الأمر والدعاء اعتياد ثبوته في محل ادِّعاء الحذف بخلاف ليت، فإن المنادى لم تستعمله العرب قبلها ثابتًا، فادعاء حذفه باطلٌ لخلوُّه من دليل، فتعيّن كون ياء التي تقع فيها أو التي تقع قبلها يعني قبل ليت لمجرد التنبيه مثل: ألا، في نحو:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

 

 

بوادٍ وحولي إذخر وجليل

 

ومثلها في قوله تعالى: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران:119] وفي قول السائل عن أوقات الصلاة: ها أنا ذا يا رسول الله. وقد يُجمع بين ألا ويا توكيدًا للتنبيه كما جُمع بين كي واللام ومعناهما واحدٌ في قول الشاعر:

أردت كيما أن تطير بقربتي

 

 

فتتركها شنا ببيداء بلقع

 

في كلام طويل، نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.