كتاب بدء الوحي (077)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ففي الحديث الطويل حديث ابن عباس في قصة هرقل أبي سفيان والركب الذين معه يقول: (وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر).

 يقول ابن حجر: السبب في ذلك أن الرسل لا تطلب حظًّا من حظوظ الدنيا؛ لأن الدنيا هي التي تحمل على الغدر، لا تطلب حظًّا من حظوظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة. لماذا لا تغدر الرسل؟ لأنها لا تطلب حظًّا من حظوظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة.

 قد يقول قائل: إن بعض من يطلب الآخرة يتقرب إلى الله- جل وعلا- ببعض صور الغدر ممن يعظُم ضرره وشره على الإسلام والمسلمين، هل نقول: إن هذا غدر أو نقول: إنه نوع من الغدر، لكن الحاجة دعت إليه، والمصلحة فيه راجحة، أو نقول: إنه ليس بغدر، إنما هو أمر مشروع؟ يعني ما يمكن أن يتصور هذا؟ أنه يعطيه أمانًا ولو لم يكن باللفظ الصريح أو باللفظ الصريح أحيانًا بعض الجهال يحصل منه هذا حتى باللفظ الصريح؟

طالب:...

لكنها ليست بلفظ صريح، أمنوه أمانًا على حسب فهمه. هل نقول: إن هذا غدر؟ قصة كعب بن الأشرف بعلم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالخطة، بالخطة، وأذن لهم أن يتكلموا فيه -عليه الصلاة والسلام-، فهل نقول: إن هذا غدر، لكنه مباح اقتضته الحاجة والمصلحة الراجحة أو نقول: إنه لا يدخل في الغدر؟ أو نقول: إن المنفي هنا الرسل غدر الرسل، ومنزلتهم أعلى من منزلة أتباعهم مهما بلغوا في الاتباع، ولذلك لما أحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يُقتل ذلك الكافر قبل أن يستأمِن فقالوا: لو أشرت إلينا؟ فقال: «ما يكون لنبيٍ أن تكون له خائنة أعين» منزلة النبوة والرسالة تنبو عن هذا كله، فهل يدخل في مسمى الغدر؟ أو لا يدخل أصلاً؟ بل هذا أمر مشروع في حق هذا، في حق من يستحق الغدر يكون مشروعًا، فلا يدخل في الغدر المنفي، لماذا؟ لأن الحامل على مثل هذا الذي صورته غدر ليس حظًّا من حظوظ الدنيا، وإنما هو من حظوظ الآخرة؛ لأنه يقول: لأنها لا تطلب لا حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة.

طالب:...

نعم الحربُ ماذا؟

طالب:...

بالضم أم بالفتح؟

طالب:...

في سنن أبي داوود: «الحرب خَدعة» لغة النبي -عليه الصلاة والسلام- بفتح الخاء، وضبطه الأكثر بضمها، وأكثر الروايات على هذا.

طالب:...

نعم اقتضته المصلحة الراجحة؛ لأنه إذا أُعلم الخصم، إذا أُعلم الخصم ماذا يُراد به احترس.

طالب:...

أين؟

طالب:...

لا لا، قد يستدرج ويستأمن، قد لا يكون باللفظ الصريح.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

لكن إذا وُجد من المشركين من الكفار من أذاه بالغ للمسلمين، ووضع له كمين أو فخ واستدرج بكلام صريح أو تلميح..

طالب:...

تختلف نعم.

طالب:...

يعني حقيقة الغدر الشرعية تُخرج بعض الصور التي يظن أنها غدر.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

من النظائر التي هي موجودة الآن رجال المرور في الطرق السريعة، يستخفون أمام أكمة أو جسر أو شيء من أجل ألا يعلم بهم هذا الذي أسرع أكثر من السرعة المطلوبة، هذا ماذا يصير؟

طالب:...

لأن بعض أهل العلم يقول: لا يجوز لهم أن يفعلوا هذا، لا بد أن يكون بارزًا للعيان، إذا كان بارزًا للعيان ما أدرى الدور الذي أنيط به، من رآه خفف السرعة.

طالب:...

لا، هو في الطريق ما يرى أحدًا فهو آمن بالفعل، هو ما يرى أحدًا، أنا جئت بهذا المثال؛ لأن من أهل العلم من قال: لا يجوز لهم أن يختفوا، هذا غدر، وهذه خيانة، لكن إذا تبينوا للناس ورأوهم من بعد وخففوا السرعة ما حققوا ما أنيط بهم من قطعٍ لدابر هذه السرعة التي أحدثت المصائب والكوارث، فالذي يظهر أن مثل هذا ما فيه إشكال إطلاقًا.

طالب:...

كيف؟

طالب:...

لا، قل: إن هذه القسيمة وهذه العقوبة لا تردعه، فينبغي أن تزاد عليه.

طالب:...

نعم، ما يجوز استعمال هذا الجهاز؛ لأن هذا النظام شُرع لمصلحة راجحة، فهو ملزِم ومخالفه آثم، فالتحايل على إسقاط الواجب حيل اليهود، هذا ليس بواجب في أصل الشرع، لكن من باب وأولي الأمر منكم، لا بد من طاعتهم في المصالح الظاهرة التي لا معارض لها، مثل هذا الأمر متعين؛ لأن المصلحة مثل الشمس، أنا جئت بهذا المثال؛ ليكون نظيرًا لما نحن فيه.

طالب:...

بدون استثناء، طيب ما حصل من قصة كعب بن الأشرف؟

طالب:...

خَدعة.

طالب:...

يعني يكون الغدر مسبوقًا بأمان صريح، إذا كان الغدر مسبوقًا بأمانٍ صريح، طيب وُجد الأمان الصريح لهذا الشخص المؤذي، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، أمنه شخص من الأشخاص وهو مؤذٍ، هل نقول: يُنظر في المصالح والمفاسد، أو نقول: يُترَك هذا المؤذي، أو نقول: إنه بأذاه اللاحق قد نقض ما اتفق عليه من هذا الأمان؟ لأن الأمان لا  يستمر إلى لا حد له. كما هو في العهد والأمان، ألا ينتقض العهد مع أهل الذمة إذا فعلوا أشياء؟ ذكرها أهل العلم، وهذا منها، فيكون تسميته غدرًا من باب المشاكلة مثل المخادعة {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[سورة النساء: 142]، {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [سورة البقرة: 15].

طالب:...

من؟ ما أُعطي أمانًا صريحًا، لكن جميع القرائن التي تقرب من الصريح كلها أعطته الأمان بعلم النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنهم اتفقوا معه على الخطة قبل الوصول إليه.

طالب:...

يعني ما هو باللفظ، إن كانوا أعطوه أمانًا باللفظ أنا ما أحفظ باللفظ، لكن إن أعطوه الأمان باللفظ فهو نص في المسألة.

طالب:...

نعم هو ليس بالصريح.

طالب:...

كل هذه قرائن نعم.

طالب:...

طيب.

طالب:...

أنهم غدروا به.

طالب:...

قبل هذه القصة أم بعدها؟

طالب:...

قبل أم بعد؟

طالب:...

والله ما أدري، لكن يحتاج إلى تاريخ.

طالب:...

طيب ممكن، نحن نبحث مسألة: وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، يقول ابن حجر: لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة، نقول: قد يوجد ممن يطلب الآخرة في بعض صور الغدر، ويطلب الآخرة ما يطلب حظ الدنيا، وجاء الإخوان بقصة كعب بن الأشرف وما حصل معه من الصحابة أنهم أعطوه أمانًا كالصريح، ما يقال: إنهم أمنوه صراحة كالصريح، يعني يقرب جدًّا من الصريح، ومع ذلك غدروا به، فهل نقول: لأنهم يطلبون حظ الدنيا؟ لا، لا يطلبون حظ الدنيا في هذا.

طالب:...

قلنا هذا.

طالب:...

لكن لو حصل خائنة أعين من صحابي أشار إليهم قال ... أمر يده على حلقه، يعني اقتلوه، هل يلام أم ما يلام؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «ما كان لنبيٍ» مفهومه أنه لغيره أن يكون له في مثل هذه الصورة، واضح أم لا؟ يعني مثل هذه لا تسمى خائنة أعين إلا على سبيل التنزل، ومثل هذا مثل ما حصل في قصة كعب لا يسمى غدرًا إلا على سبيل التنزل، أو نقول: إنه غدر، لكنه من الغدر المباح لمسيس الحاجة إليه ودعاء المصلحة التي تقرب أحيانًا من الضرورة.

طالب:...

أبو لبابة، مثل هذه الإشارات هل تلحق بخائنة الأعين أو نقول: إنها إشارات مشروعة، لكن للنبي ممنوعة خاصةً.

طالب:...

لكل غادر لواء، وذكرنا هذا في أول الأمر، نعم ذكرنا هذا سابقًا، لكن هل يمكن أن يسمى هذا غدرًا؟ يعني بعض رجال الحسبة يستدرج بعض الذين جرائمهم كبيرة جدًّا، وفسادهم عريض في البلد، يستدرجونه إلى أن يوقعوه، هذا غدر أم ما هو بغدر؟

طالب:...

لا، كل التصرفات تدل على شيء من الأمان، وقد يقال له بالصراحة تخبرنا عن كذا وكذا وأنت ما عليك شيء، لكن الجرائم العظيمة التي تجلب المصائب والكوارث على البلد هل يغتفر فيها مثل هذا أو لا؟ لأن عندنا لأنها لا تطلب حظ الدنيا، هذا الرسل، وعرفنا أن خائنة الأعين ما ينبغي لنبيٍ أن تكون له خائنة الأعين، لكن غيره، لو أشار غيره نقول: خائنة أعين أم نقول: مباح بالنسبة له دون النبي؟

طالب:...

يعني مثل ما ضُبط قبل يومين أو ثلاثة أكثر من ثمانية ملايين حبة أظنها هيروين ولا ما أدري إيش، قيمتها ثلاثمائة مليون، هذه تدمر البلد كلها، هذه تدمر بلدًا كاملًا، طيب لو ما عثر عليها ما المصيبة التي تحصل منها، يعني فرق بين شخص تجد معه حبة يمكن أن تمشيه وتمرر عليه النصوص، لكن تدمر بلدًا كاملًا، يعني عظم الجرم يقاس بعظم الأثر المترتب عليه.

طالب:...

إذا أُعطي أمان لا يكون غدرًا؟ ولو كان محاربًا؟

طالب:...

لكنها تقرب تقرب جدًّا من الصريح، الخدعة موجودة، لا، نناقش عبارات الحافظ مع النص هل نقول: وكذلك الرسل خاص بهم؟ ولأتباعهم كما لهم أن يفعلوا خائنة الأعين بالإشارات لهم أن يفعلوا هذا؟

طالب:...

ما عندنا إشكال في هذا إذا لم تترتب مفسدة راجحة، مفسدة راجحة، لو أن شخصًا أحدث ضررًا عظيمًا في الإسلام وشرخًا في المسلمين وقتلاً ذريعًا فيهم مثل هذا يُترَك؟ الأمور القاصرة أمرها أخف، ويمكن أن تعالج بدعوة، ويمكن أن تعالج بحكمة، لكن القتل إزهاق النفوس، المنكرات التي تفوت تختلف عن المنكرات التي يمكن أن تعالج بالتدريج، ولذلك يقرر أهل العلم أن المنكر الذي يفوت لا يجوز تفويته، ولا يحتاج إلى مراجعة أحد، رجل خلا برجل ليقتله، بامرأة ليفجر بها، لا بد أن يحال بينهما.

طالب:...

لا.

طالب:...

نعم، لكن يقول: ما دام يسعى بذمتهم أدناهم، وأجرنا من أجرت يا أم هانئ، المرأة تجير وتؤمِن، لكن إذا كان هذا الأمان في حق من لا يستحق الأمان شرعًا، في حق من لا يستحق الأمان شرعًا، هل ينفذ هذا الأمان أم لا ينفذ؟ إن قلنا: لا ينفذ، فما يترتب عليه ليس بغدر، وإذا قلنا: هو نافذ شرعًا فما يترتب عليه غدر، لكنه في مقابل مفسدة أعظم.

طالب:...

نعم.

طالب:...

قوله: يسعى بذمتهم أدناهم هذا يعطيه أي مسلم، لكن ألا يستحق في مثل وضعنا الذي نعيشه مع اختلاف الآراء، واختلاف الأهواء، واختلاف المصالح، ورعاية المصالح، وتقديم المصالح الخاصة على العامة عند كثير من المسلمين، مثل هذا ينبغي أن يُنظَر في المسألة من جذرها، نعم.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ.

طالب:...

كبف؟

طالب:...

رجل حربي مستحق للقتل من الأصل، فأعطاه مسلم أمانًا، ويسعى بذمتهم أدناهم.

طالب:...

يعني ما صنعه جبريل مع فرعون لما كاد أن ينجو، ما صنعه جبريل مع أن النصوص كلها تدل على أن رحمة الله سبقت غضبه، وأن من تاب تاب الله عليه، وجبريل ماذا كان يصنع؟ يحفي التراب في فِيه طين، لماذا؟ لأن ضرر مثل هذا الشخص ما يمكن أن يُنسى، ضرره بالغ وفادح في المسلمين، ويقاس عليه مثله من رؤوس الفساد الموجودين الآن، يعني الأصل أن يدعى لهم بالهداية والصلاح، لكن إذا كان هذا وضعهم يا أخي ما يدعى عليهم بأن الله يهلكهم؟

طالب:...

كيف؟

طالب:...

وقع بأمر، لكنه أمر يصلح أن يكون أصلاً، يصلح أن يكون أصلاً، يصلح أن يكون أصلاً.

طالب:...

الغدر نقض العهد.

طالب:...

الإطلاق في حال المشاحنة وفي حال المشاحة لا يُدقَّق في تطبيق الصورة بحذافيرها كم قيل في حضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- من منافق، هل يعني أنه فعل المنافق وسكت النبي- عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

نعم، لكن حتى لو قال: يا غُدر، لو قيلت لمن؟ أي غُدَر قيلت لامرأة، نسيت القصة، المقصود أن مثل هذه الإطلاقات في حال المشاحنة والمشاحة لا تترتب عليها آثارها.

طالب:...

فيكون المعنى أعم، يعني المعنى اللغوي أعم من المعنى الاصطلاحي. بخلاف من طلب الآخرة، لكن قد يتصور ممن يطلب الآخرة إما بتأويل، أو في حال غضب، أو جهلاً منه أن يحصل شيء منه، أن يحصل منه شيء يخالف هذا.

طالب:...

يعني اقتضى نظر الإمام المصلحة في منع أو منح الأفراد من الأمان لا سيما عند وجود الاضطراب الذين نعيشه في زماننا إشكال كبير، إشكال كبير، يعني لو يدخل أي كافر وأي واحد يأمنه.

طالب:...

لا لا، ما أن ترفع عنه اسم الغدر؛ لأنه في الحديث: «لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان»، فالغدر أمره عظيم، وشأنه خطير، «ولا تخن من خانك» جاء في الخبر: «ولا تخن من خانك».

 على كل حال هذه الأمور لا بد من علاجها؛ حتى ما يحصل من بعض التصرفات التي يفعلها بعض أهل الغيرة لا بد أن تقدر بقدرها، وأن تكون على نظر أهل العلم الذين يقدرون المصالح والمفاسد، فإذا أعطوا الإذن في مثل هذا يكتسب الشرعية، إن شاء الله.

قال: ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم يقول: وسقط من هذه الرواية، رواية الباب إيراد تقرير السؤال العاشر والذي بعده، وسقط من هذه الرواية إيراد تقرير السؤال العاشر والذي بعده وجوابه، وقد ثبت الجميع في رواية المؤلف التي في الجهاد، وسيأتي الكلام عليه ثمّ، إن شاء الله تعالى.

طالب:...

قاتلتموه. السؤال الأخير نعم. قال: وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم إلى آخره، كيف قتاله لكم؟ هذان السؤالان.

طالب:...

لا لا موجود فيما يمر، موجود هنا عندي، فكيف قتالكم إياه؟ هو ما يتعلق بالقتال. قال المازري في فتح الباري في جميع طبعاته، المازِني بالنون صوابه المازري بالراء، وهو صاحب المُعلِم في فوائد صحيح مسلم، وكلامه في الجزء الثالث صفحة اثنين وعشرين من الكتاب المذكور يقول: الذي استدل به هرقل على نبوته -صلى الله عليه وسلم- مما لا ينتصب دليلاً قاطعًا عند المحققين، مما لا ينتصب دليلاً قاطعًا عند المحققين، وإنما الدليل القاطع على النبوءة المعجزات الخارقة للعادات المعدوم فيها المعارضات. الذي استدل به هرقل من هذه الأسئلة التي سألها أبا سفيان وأجاب عنها وعلّق عليها هرقل بعد ذلك، يقول: لا ينتصب دليلاً قاطعًا عند المحققين، وإنما الدليل القاطع على النبوءة المعجزات الخارقة للعادات المعدوم فيها المعارضات.

وأما قوله: ذو حسب، وكون أتباعه شرفاء أو ضعفاء، ويزيدون أو ينقصون، وهل الحرب سجال أم لا فليست بأدلة قاطعة على نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قلنا، ولعل هرقل كان عنده أخبار عن كون هذه علامات في هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- بعينه، قال بعد ذلك: قد كنتُ أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم. قد كنتُ أعلم أنه هنا وقد كنتُ أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، قال ابن حجر: وما أورده احتمالاً جزم به ابن بطال، وهو ظاهر، ما أورده احتمالاً، ما أورده صاحب المعلِم احتمالاً جزم به ابن بطال، وهو ظاهر. لأنه قال هنا: ولعل هرقل كان عنده أخبار عن كون هذه العلامات في هذا النبي -عليه الصلاة والسلام-، ابن بطال يقول: إنما علم ذلك من التوراة والإنجيل، يعني هذا جزم. وسألتك بما يأمركم؟ وسألتك بما يأمركم، ما إذا دخل عليها الجار ما المقصود بها الاستفهامية دخل عليها الجار تبقى الألف أم تحذف؟ نعم {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [سورة النبأ: 1].

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

نعم، بدون ألف، قال: وسألتك بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا. يقول القسطلاني بإثبات الألف مع ما الاستفهامية، وهو قليل، وهو قليل، كذا قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح صاحب المصابيح الدماميني نقلنا عنه مرارًا واهتمامه بل جُلّ اهتمامه باللغة.

 وتعقبه في المصابيح بأنه لا داعي هنا إلى التخريج على ذلك لا داعي هنا إلى التخريج على ذلك؛ إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن، متعلقة بسأل، نحو: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}[سورة الفرقان: 59]، وما موصولة، والعائد محذوف، ثم أورد سؤالاً وهو أن أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتك بكذا فالعائد حينئذٍ مجرور بغير ما جُرّ به الموصول، فالعائد حينئذ مجرور بغير ما جُر الموصول معنىً فيمتنع حذفه، وأجاب بأنه قد ثبت حذف حرف الجر من المفعول الثاني، فينصب حينئذٍ، نحو: أمرتك الخير، أمرتك الخير. وعليه حمل جماعة من المعربيِن قوله تعالى: {مَاذَا تَأْمُرِينَ} [سورة النمل: 33] فجعلوا ماذا المفعول الثاني، وجعلوا الأول محذوفًا لفهم المعنى، أي تأمريننا، وإذا كان كذلك جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضير.

تقرير هذه المسألة يقول: لا مانع من أن تكون الألف باقية، وليست من النوع الذي يقل بقاؤها؛ لأنه خرّج الباء على أنها بمعنى عن، وما موصولة، وسألتك عن الذي يأمركم به وسألتك عن الذي يأمركم به. فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، الأوثان جمع وثن بالمثلثة، وهو الصنم، مع أنه يفرق بعضهم، يفرق بين الوثن والصنم، وأن الصنم صُوِّر، والوثن على أي شكلٍ كان. واستفاده هرقل من قوله: ولا تشركوا به شيئًا، استفاده هرقل من قوله: ولا تشركوا به شيئًا، ينهاكم عن عبادة الأوثان، هل جاء ذكره فيما تقدم؟ لكن فُهم النهي عن عبادة الأوثان من قوله: ولا تشركوا به شيئًا. قاله القسطلاني، وقال العيني: هو مُعرَّب شنم صنم أو وثن، وثن مُعرَّب شنم أم صنم؟

طالب:...

والكلام في إيش؟ الكلام في الوثن وتفسيره بالصنم وهو الصنم هذا من الشراح؛ لأنه مثل ما قال القسطلاني: الأوثان جمع وثن، بالمثلثة، وهو الصنم، قال: وهو مُعرَّب شنم، الحديث عن الوثن أم عن الصنم؟ الحديث عن الوثن الذي جمعه أوثان، والتعريب للوثن أم للصنم؟ نعم هذا الذي يظهر.

 ماذا؟

طالب:...

يعني يكون ذكر تعريبه من باب الاستطراد، من باب الاستطراد فقط وإلا ما يلزم ذكر التعريب، والكلمة ليست هي المُعرَّبة.

طالب:...

من قوله: ولا تشركوا، نفس الشيء، المقصود أنه ما نُصّ عليه في الكلام، وفي شرح الكرماني يقول: فإن قلتَ: ما قال أبو سفيان يأمرنا بل قال: يقول بلفظ القول، يقول اعبدوا الله ما قال يأمرنا بعبادة الله، قال: يقول بلفظ القول لا بلفظ الأمر، فلمَ غيّر هرقل عبارته؟ فلم غيّر هرقل عبارته؟ قلت: تعظيمًا للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتأدبًا له، يعني إذا كان أبو سفيان حال شركه يُعبِّر عن الأمر الذي فيه الاستعلاء بالقول بمجرد القول، ويختلف القول أضعف من الأمر، فهرقل يستشعر هذه العظمة؛ لأنه صاحب كتاب، تعظيمًا للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتأدبًا له، ولهذا سأل فيما تقدم أيضًا بلفظ: يأمركم، وعدل أبو سفيان عن لفظ: يأمرنا إلى أن يقول بخلاف ذلك، يعني بخلاف هذا التعظيم الذي جاء في عبارة هرقل. فإن قلت: ولا تشركوا به شيئًا –هذا كلام الكرماني- كيف يكون مأمورًا به والعدم لا يؤمر به؟ إذ لا تكليف إلا بفعلٍ سيما في الأوامر. المنهي عنه وأصله معدوم العدم لا يؤمر به، طيب، هل الأمر يكون بالموجود أم بالمعدوم؟

بالمعدوم؛ لأنهم بصدد أن يوجد، يؤمر به أن يوجد إذا أُمر بإيجاد موجود علمنا أن وجوده مثل عدمه، فنُزِّل منزلة المعدوم: «صلِّ فإنك لم تصلِّ» يعني صلاة لا قيمة لها، فأنت مطالب بها، والذمة ما زالت مشغولة بهذا الواجب.

طالب:...

هذا قالوا للاستمرار وللزيادة في الإيمان.

طالب:...

يستمروا على إيمانهم ويزيدوا فيه، أما القدر الموجود فلا يمكن أن يؤمر به، فإن قلت: ولا تشركوا به شيئًا كيف يكون مأمورًا والعدم لا يؤمر به؛ إذ لا تكليف إلا بفعل سيما في الأوامر؟ قلت: المراد به التوحيد. المراد به التوحيد. فإن قلت: لا تشركوا نهي، فما معنى ذلك؛ إذ لا يقال به أمر؟ قلت: الإشراك منهيٌ عنه، وعدم الإشراك مأمور به، مع أن كل نهي عن شيء أمرٌ بضده، وكل أمر بشيء نهي عن ضده، وهذه المسألة تقدمت، تقدم بحثها بإفاضة.

 فإن قلت هذه ميزة الكرماني يورد إشكالات ويجيب عنها، يورد إشكالات ويجيب عنها، وبعضها إشكالات مفيدة جدًّا جدًّا، وبعض إجاباته تدل على فهم، والشراح كلهم يستفيدون منه وينقلون عنه، ومع ذلك يُسلطون على الرد عليه، وكأنه لا يفهم شيئًا حتى قالوا: إنه يجهل الكتاب الذي يشرحه، يجهل الكتاب الذي يشرحه، نعم ما هو مثل الحافظ ابن حجر يتصور هذه الرواية كما يتصور الرواية التي سترد بعد خمسة آلاف حديث، ابن حجر إحاطته بالكتاب لا نظير لها بين الشراح، لكن يبقى أن الكرماني أفاد منه الشُرّاح فوائد عظيمة، وقالوا: إن سبب الأوهام التي يقع فيها أنه يأخذ من الصحف عند العوام مثل يقولون: فلان شغير مأكول مذموم، مثل الكرماني استفادوا منه، وفتح لهم أبوابًا وآفاقًا حتى فيما يخطئ فيه فتح لهم أبوابًا، ومع ذلك يُذم!

يقول: فإن قلت: وينهاكم عن عبادة الأوثان لم يذكرها أبو سفيان، فلمَ ذكره هرقل؟ قلت: قد لزم ذلك من قول أبي سفيان من لفظ: وحده، ومن: ولا تشركوا، ومن: واتركوا ما يقول آباؤكم، ومقولهم كان الأمر بعبادة، ومقولهم كان الأمرَ بعبادة الأوثان. نعود إلى شرح الكرماني، يعني شرح سلس وسهل، ويمكن أن يُقرأ بأقصر مدة، يمكن في ثلاثة أشهر يُقرأ، مع أن فتح الباري ما يكفيه سنتان ولا ثلاث، لكن يبقى بالنسبة للكرماني أمران: أولًا التعليق على المسائل العقدية؛ لأنه على طريقة الأشاعرة، الأمر الثاني: الأخطاء التي وقع فيها، وتعقبه ابن حجر فيها يُعلق عليها، كلها ميسورة، ولو دُونت على نسخة من الطبعة المصرية الفاخرة هذه وصُورت بالتعليقات العقدية وبتعقبات ابن حجر يكمل الكتاب، ويكون من أفضل ما يُقرأ في هذا الباب.

طالب:...

لا، ما يعاد طباعته، ما فيه أجمل من الطبعة البهية، وأفضل حرف ما فيه، لا لا، يوجد تصوير الآن دقيق جدًّا، تصوير دقيق جدًّا، لكن الإشكال أنه بدون تعليقات، وإلا لو وجدت هذه التعليقات خلاص انتهى، ما نحتاج إلى طباعته ثانية.

قال: ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، وذكرنا سابقًا في كلام الحافظ أن هرقل لم يعرج على الدسيسة التي دسها أبو سفيان، قال الكرماني: فإن قلت: ما ذكر هرقل لفظ الصلة التي ذكرها أبو سفيان، فلمَ تركها؟ قلت: لأنها داخلة في العفاف؛ إذ الكف عن المحارم وخوارم المروءة تستلزم الصلة، يعني بالجر الثقيلة على ما يقولون.

طالب:...

فإن قلت: فلمَ راعى هرقل الترتيب وقدّم في الإعادة سؤال التُّهمة على سؤال الاتباع والزيادة والارتداد؟ قلت: الواو ليست للترتيب، أو أن شدة اهتمام هرقل بنفي الكذب على الله عنه بعثه على التقديم.

 فإن قلت: السؤال عن أحد عشر وجهًا أو السؤال من أحد عشر وجهًا، والمعاد في كلام هرقل تسعة حيث لم يقل: وسألتك عن القتال، وسألتك كيف كان قتالكم، فلمَ ترك هذين الاثنين؟ قلت: لأن مقصود هرقل بيان علامات النبوة، وأمر القتال لا دخل له فيها إلا بالنظر إلى العاقبة، قلت: لأن مقصود هرقل بيان علامات النبوة، وأمر القتال لا دخل له فيها إلا بالنظر إلى العاقبة، وذلك عند وقوع هذه القصة كانت في الغيب وغير معلوم لهم، ولأن الراوي اكتفى بما سيذكره في رواية أخرى يوردها في كتاب الجهاد في باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام بعد تكرار هذه القصة مع الزيادات. إذًا ما نحتاج إلى الجواب الأول، ما نحتاج إلى الجواب الأول إلا في مناقشة من حذف، لماذا حذف في هذا الموضع وذكر في ذلك الموضع؟

يعني البخاري مثلاً يعني في الحديث الأول: «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» ما ذكرت في الموضع الأول، والحذف المرجح أنه من البخاري، فلمَ ذكرها في موضع آخر ولم يذكرها هنا؟ أجبنا عنه في قوته، يناقش من حذف وإلا فهي في الأصل موجودة، فلا داعي لتعليل الحذف من قبل هرقل، هرقل ما حذف بدليل أنها ثبتت في أبواب أخرى.

طالب:...

الجملتين نعم، وهو أنه قال: وسألتك هل قاتلتموه وقتالكم وما قتالكم فزعمت أنه قد فعل، وأن حربكم وحربهم يكون دولاً، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة. وأقول: وإنما يبتليهم بذلك ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم وبذلهم وسعيهم في طاعته. يعني في الظروف التي تكثر فيها الفتن يتمنى بعض أهل الإخلاص والصلاح والإصلاح أنه ما وُجد في هذا الظرف الذي كثرت فيه الفتن، يعني أنه لو وُجد في فترة قبل هذه، المقصود أنه لئلا يتعرض، إن كان مراده بذلك أنه يخشى على نفسه، ويغلب على ظنه أنه لا يستطيع المقاومة هذا لا شك أنه له وجه، وإلا مع وجود هذه الفتن طوبى للعالم؛ ليعظم أجره، لتعظم الأجور لبعض الناس، وتكثر الأوزار بالنسبة لبعض الناس، يعني أوقات الركود والمشي على الجادة ما فيه مخالفات كبيرة ولا في هذا لا يحتاج إلى معاناة كبيرة يعظم بها الأجر، فالإنسان لا يدري ما مصلحته في وجوده في هذا الزمان أو قبله أو بعده، الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-، وعليك أن تفعل وتبذل ما في طوقك ووسعك؛ لرفع مثل هذه الفتن، والمساهمة في دفعها أو تخفيفها بقدر جهدك وطاقتك، ويأتي على الناس زمان العامل فيه له أجر خمسين قال: منا أو منهم؟ قال: «منكم»، ما جاء من فراغ.

 يعني لو المسألة ماشية ما يستحق الإنسان أجر خمسين. لكن مع وجود هذا الاضطراب، وقلة المعين، بل وجود من يدفع ويمنع ممن يُظن به العون، هنا يستحق الأجور العظيمة.

طالب:...

عندنا شيء لا يمكن أن يدرك الصحابة أبدًا الذي هو شرف الصحبة وفضل الصحبة، هذا ما يمكن أن يدركه أحد كائنًا من كان، لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه هذا مفروغ منه، لكن ذات العمل المجرد لا شك أن الفعل مع عدم المعين يتضاعف أجره أكثر من وجود المعين، وأقول: إنما يبتليهم بذلك؛ ليعظم أجرهم بكثرة صبرهم وبذلهم وسعيهم في طاعته.

ثم قال هرقل لأبي سفيان: فإن كان ما تقول حقًّا، فإن كان ما تقول حقًّا، لماذا؟ لأنه خبر، والخبر يحتمل الصدق والكذب، فسيملكُ. طيب هذا التردد مع وجود ما عنده من أثارة علم، فإن كان ما تقول حقًّا هذا يقوله الإنسان الذي ليس عنده شيء من علم يأوي إليه أو أثارة يرجع إليها، لكن هذا عنده كتب سابقة، وفيها صفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإن كان ما تقول حقًّا.

طالب:...

لكن هذه الأوصاف مطابقة لما عند هرقل.

طالب:...

لا، هو يعرض ما سمع من أبي سفيان على ما عنده من علم، ولذلك سيأتي في آخر الكلام أو في أثناء الكلام ما يدل على هذا، فإن كان ما تقول حقًّا فسيملك، أي النبي -صلى الله عليه وسلم- موضع قدمي هاتين، يعني بذلك بيت المقدس أو أرض مُلكه كما يقول القسطلاني، وقال ابن الملقن: يعني الشام، فإنه قاله به.

طالب:...

هذا سيأتي، يعني السبب الذي من أجله ثاروا عليه وكذا.

طالب:...

لا، قال أشهد بذلك، وقد كنتُ أعلم، وقد كنت أعلم أنه، كنتُ أعلم يعني دخلت على كنت أعلم، يعني هل نقول: إنها دخلت على ماضٍ ومضارع في آنٍ واحد؟ أو نقول: هي دخلت على الماضي فهي للتحقيق، قد كنت أعلم أنه، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- خارجٌ، قال ابن الملقن: إنما علم ذلك من التوراة والإنجيل، وفي مسلم: فإن يك ما تقول حقًّا فإنه نبي. لم أكن أظن أنه منكم، كأنه استبعد أن يتنبأ من العرب.

 وقال الكرماني: قوله: وقد كنت أعلم هذا العلم، وكل الذي قاله هرقل مأخوذ مأخذه إما من القرائن العقلية، وإما من الأحوال العادية، وإما من الكتب القديمة. كثيرًا ما يأتي الكرماني باحتمالات، يورد أكثر من احتمال، وبعضها احتمالات عقلية مجردة، وابن حجر هو بصدد رده على الكرماني يقول: والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن. يعني يعتمدها الكرماني، ويتردد في هذه الاحتمالات تبعًا لهذه الاحتمالات العقلية، يقول: وكل الذي قاله هرقل مأخذه إما من القرائن العقلية، وإما من الأحوال العادية، وإما من الكتب القديمة. فإنه ونحوه من علامات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها.

الآن في كتب السياسات، ومن أفضل ما يقرأ فيها ما كتبه ابن خلدون في مقدمته وتأريخه، عنده أحكام مبنية على نظائر سابقة، عنده أحكام على أمور مستقبلية، مستقبلة على مسائل سابقة، أو على نظائر سابقة، فهل يمكن بناء مثل هذه الأمور اللاحقة على النظائر السابقة؟ غير أنه ممكن، وأن أسباب سقوط الدول واحدة، لماذا؟ لأن السنن الإلهية لا تتغير هذا مرجعه. السنن الإلهية ثابتة.

 طيب، هل نقول: إن هرقل في حكمه على ما ذكر أنه سيملك، مرده القرائن العقلية، يعني قرائن استدل بها بعقله على أن ملكه سيزول على يد هذا النبي، أو من الأحوال العادية التي جرت العادة بها أن الملك إذا وصل إلى هذا الحد، ووجد مقاوِم بهذا المستوى أنه سيملك، أو ما بما عنده من الكتب القديمة؟ وهذا الذي يظهر.

طالب:...

هو يجزم أنه خارج. لكن يتردد في كونه من العرب.

طالب:...

افترض أنه تردد من أنه، جزم من أنه من العرب، ومن ولد إسماعيل، لكن لا يظن أنه من قريش مثلاً.

طالب:...

حرفوا نعم.

طالب:...

قوله: منكم، أعم من أن تكون من العرب أو من قريش أو من كذا، معرفته بلا شك أنهم يعرفون ويجزمون بأن هذا هو النبي، واعترف به كثيرٌ منهم.

على كل حال في إرشاد الساري يقول في سورة آل عمران: فإن كان ما تقول حقًّا فإنه نبي، وفي الجهاد: وهذه صفة نبي، يقول ووقع في أمالي المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصرى أخذه وناسًا معه في تجارةٍ، فذكر القصة مختصرة دون الكتاب، وزاد في آخرها: قال: فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها؟ قلت: نعم، قال: فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره، ثم أدخلت أخرى، فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر. واضح أن ضعفها ظاهر.

 لم أكن أظن أنه منكم بإسقاط الواو، ولابن عساكر وفي نسخة: ولم أكن أظن أنه منكم أي من قريش، فلو أني أعلم أني، وسقطت أني الأولى في نسخة، ولأبي الوقت أنني أخلص بضم اللام أي أصل يقال: خلص إليه أي وصل إليه، لتجشمتُ، يقول الكرماني: الجيم والشين المعجمة أي تكلفت على مشقة لقائه أي حملت نفسي على الارتحال إليه، لو كنت أتيقن الوصول إليه، لكني أخاف أن يعوقني عنه عائق، فأكون قد تركت ملكي ولم أصل إلى خدمته.

 ويقول ابن بطال: قول هرقل: لو كنت أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه دون خلع من ملكه ولا اعتراض عليه في شيء، وهذا التجشم هي الهجرة، وكانت فرضًا على كل مسلم قبل فتح مكة، يقول: لو كنت أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه، أي تكلفت وركبت المشقة دون خلعٍ من ملكه، يعني يبقى على ملكه ويهاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا اعتراض عليه في شيء مع كونه ملكه مع إسلامه مع الاعتراض، وهذا التجشم هي الهجرة، وكانت فرضًا على كل مسلم قبل فتح مكة.

يقول ابن بطال: فإن قيل: فإن النجاشي لم يهاجر قبل فتح مكة وهو مؤمن، فكيف سقط عنه فرض الهجرة؟ فكيف سقط عنه فرض الهجرة؟ قيل له: هو في أهل مملكته أغنى عن الله وعن رسوله وعن جماعة المسلمين منه لو هاجر بنفسه، هو في أهل مملكته أغنى عن الله وعن رسوله وعن جماعة المسلمين منه لو هاجر بنفسه فردًا؛ لأن أول غنائه، لأن أول غنائه حبسه الحبشة كلهم عن مقاتلة النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذه مصلحة أم لا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

يعني أفاد من الغناء ما هو، من الغناء وليس من الغِنى، المقصود أنه من الغَناء.

طالب:...

يعني ما قام به، ما قام به من بقائه في بلده أفضل بكثير مما لو هاجر فردًا؛ لأن أول غنائه حبسه الحبشة كلهم عن مقاتلة النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين مع طوائف الكفار، مع أنه كان ملجأً لمن أوذي من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ورِدءًا لجماعة المسلمين، وحكم الردء في جميع أحكام الإسلام حكم المقاتل، حكم الردء حكم المقاتل، يعني الذي له أثر في إعانة المقاتلين ولو لم يشارك.

طالب:...

لهم كغيرهم الأصل أنهم كغيرهم، الهجرة في عهده -عليه الصلاة والسلام- واجبة. نكمل هذا، وحكم الردء في جميع أحكام الإسلام حكم المقاتل، وكذلك في ردء اللصوص والمحاربين عند مالك وأكثر الكوفيين يقتل بقتلهم، ويجب عليه ما يجب عليهم، يعني هذا الردء الذي لولاه ما تمكن هؤلاء اللصوص وهؤلاء المحاربون من أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، هذا أثره بالغ فيهم.

 قال: وكذلك في ردء اللصوص والمحاربين عند مالك أكثر الكوفيين يقتل بقتلهم، ويجب عليه ما يجب عليهم، وإن كانوا لم يحضروا الفعل.

 ومثله تخلف عثمان وطلحة وسعيد بن زيد عن بدر، فضرب لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسهامهم من غنيمة بدر وقالوا: وأجرنا يا رسول الله؟ قال: «وأجركم». قال: «وأجركم».

والله أعلم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"