كتاب العلم (19)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذا يقول: انتشرت فتوى للشيخ ابن باز -رحمه الله- بجواز الرياضة للبنات، واستدلت بها وزارة التربية؟ يقول: فما توجيهكم؟

في فتاوى الشيخ -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- في الجزء التاسع صفحة ثلاثمائة وثلاث وثمانين قال في منتصف وفي نهاية الفتوى قال: ومرادي بالنوادي النسائية النوادي التي تقام فيها المحاضرات والمسابقات العلمية بين الطالبات والمعلمات، فالشيخ بيَّن. حتى لو وجد مثلاً فتوى مطلقة بجواز النوادي النسائية فلا بد من حملها على هذا المقيد؛ لأن طريقة التعامل مع فتاوى أهل العلم وتقريرات أهل العلم على هذه الطريقة، تعامل كما تعامل النصوص، ونص على ذلك أهل العلم، يعني لو وجد، مثل ما قال الحنابلة، لو وجد عن الإمام أحمد فتوى مطلقة وأخرى مقيدة، فتوى تخالف فتوى، قالوا: لا بد من التوفيق بينهما مهما أمكن، ولو بحمل مطلقها على مقيدها، وعمومها على خصوصها، هذا ذكره الحنابلة في مقدمة الإنصاف وفي خاتمته وفي غيره من الكتب.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

هم يتتبعون المتشابه.

طالب: .......

لا لا.

طالب: .......

لا، رياضة في بيتها، تزاول أشياء تعينها على إحراق بعض ما يزيد من أكل؛ دهون وسعرات وما شابه ما فيه إشكال، لكن بين الناس؟ حتى بين الناس لا، والله المستعان.

طالب: .......

لا لا، ما هم ينتظرون فتوى، هم يمشون بطريقهم وما هم ينتظرون فتوى.

طالب: .......

واحدة تستدل على أن نساء الصحابة يزاولن الرياضة تقول: قمنا برحلة إلى جبل ثور مع مجموعة من الطالبات في المرحلة الثانوية، تقول: ما استطعنا أن نقطع نصف المسافة ولا ثلث المسافة. عجزن. وأسماء ذات النطاقين تصعد ثلاث مرات باليوم، فلا بد أنها كانت تزاول رياضة وإلا صارت مثلنا ما تقدر! شف الدليل! الله المستعان.

طالب: .......

هي خطط تغريبية وماشييون فيها ما هم منتظرون فتوى ولا منتظرون الحكم ولا دليلًا ولا شيئًا، وإلا فالفتاوى صريحة وواضحة ومحررة، وزُودوا بها، وطبعت في كتب، ونشرت في وسائل إعلام، لكن ما هم ينتظرون.

طالب: .......

....... الفتوى، يقولون: الفتوى بيان الحكم من غير علم، ما هو مثل ....... الحكم الشرعي بدليله ملزم.

نعم.

طالب: .......

أنا منشور لي فتوى قبل عشر سنين، أول سنة أربع وعشرين فتوى مفصلة في صفحة كاملة بالأدلة.

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا، واغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خيرًا.

قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- في صحيحه في كتاب العلم: بَابُ كِتَابَةِ العِلْمِ.

 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وَفكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ -عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ- بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ القَتْلَ، أَوِ الفِيلَ» شك أبو عبد الله «وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ وَالمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ القَتِيلِ». فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «اكْتُبُوا لِأَبِي فُلاَنٍ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلَّا الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلَّا الإِذْخِرَ إِلَّا الإِذْخِرَ».

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ: يُقَادُ بِالقَافِ، فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَيُّ شَيْءٍ كَتَبَ لَهُ؟ قَالَ: كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الخُطْبَةَ.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ». قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَهُ الوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ، قَالَ: «قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ»، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ، مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ كِتَابِهِ".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ كِتَابَةِ العِلْمِ"، والمقصود بذلك السنة، والعرب كما جاء في الحديث الصحيح «أمة أمية لا يكتبون ولا يحسبون» معولهم على الحفظ واشتهروا به وانتشر بينهم فلم يحتاجوا إلى الكتابة، وجاء النهي عن الكتابة في الحديث الصحيح عن أبي سعيد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب شيئًا غير القرآن فليمحه»، وكان هذا في أول الأمر خشية أن يختلط بكتاب الله ما ليس منه، وخشية أن يعتمد الناس على الكتابة فيضيع الحفظ كما حصل بعد ذلك. وبعد ذلك حصل الإذن من النبي -عليه الصلاة والسلام- بالكتابة فقال: «اكتبوا لأبي فلان» كما في حديث الباب: «اكتبوا لأبي شاه» وهو المقصود، وجاءت أخبار عن الصحابة كأبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عنهُ- أنه قال: ما كان أحد أكثر مني حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

«لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن» ....... ليس ضعيفًا.

طالب: .......

أنا أشرت إلى شيء من الجامع، ويأتي إن شاء الله تفسيره، أنا قلت: إنه خشية أن يلتبس بالقرآن، حتى قال بعضهم: إن النهي لمن أراد أن يكتب الحديث مع القرآن في صفحة واحدة، بعضهم قال: النهي لئلا يعتمد الناس على الكتابة فيضيع الحفظ.

الآن بعد انتشار الكتابة وبعد انتشار الطباعة وبعد انتشار الآلات من يحفظ العلم؟ الآلات كلها ما حفظت نصف ما حفظ الإمام أحمد من الأحاديث، كل الآلات الموجودة الآن والبرامج ما فيها نصف ما يحفظه الإمام أحمد. أُذن بعد ذلك في الكتابة، وكتب الناس، وأمر عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، أمر ابن شهاب بتدوين السنة، وتتابع الناس على ذلك، وألفوا وصنفوا مدونات كتبوها، لكن ذلك كله على حساب الحفظ، هذا شيء مجرب الآن.

لما كان كل واحد في جيبه دليل هاتف يكتب الأرقام، كان يعتمد على الحفظ، هذا كل ما يحتاجه من الهواتف حافظه، لكن إذا كان يسجل ما حفظ. لكن الآن لما كان الحفظ بالأجهزة، كثير من الناس لا يحفظ ولا رقمه، يوم اعتمد على هذا التسجيل، كثير من الناس إذا طُلب منه رقمه قال: والله اصبر خلنا أتصل عليك حتى يطلع عندك؛ لأنهم اعتمدوا على الآلات. انتشرت الكتابة واضطر الناس إليها، وكتب بعضهم إلى بعض من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من غير نكير، وألفت المصنفات، بينما طالب العلم إذا احتاج شيئًا حفظه، انتقل إلى مرحلة صار إذا احتاج إلى شيء كتبه، وهو إذا كتبه صار على علم منه؛ لأن الكتابة أيضًا فيها معاناة، وفيها تعب، صحيح ما هي بمثل الاعتماد على الحفظ، لكن يبقى أن فيها معاناة وفيها تعبًا.

 واستمر الحفظ مع الكتابة، لكنه أضعف من قبل، نعم من كتب ليراجع ويتعاهد هذا شيء طيب، العلماء عندهم ما يسمى بضبط الصدر وضبط الكتاب. تتابع الناس على الكتابة قرونًا حتى جاءت الطباعة، في أول الأمر لو احتجت كتابًا لا بد أن تنسخه أو تؤجر عليه من ينسخه لك، وإذا تعبت عليه فإنك لا محالة أن تحافظ عليه، وتكرر النظر فيه حتى تحفظ، وإلى وقت قريب قبل انتشار الطباعة كان الناس يستعيرون الكتب ويستأجرونها من أجل أن ينسخوها، وفي النسخ معاناة يثبت بها العلم، نسخ الكتاب عن قراءته عشر مرات.

 ثم جاءت الطباعة وتردد شيوخ الأزهر في حكمها، ومنعوا من طباعة الكتب الشرعية، وأجازوا كتابة التواريخ والأدب واللغة. قد يقول قائل: هذا تحكم! الآن لو أنت محتاج إلى البخاري وما فيه طباعة ماذا تفعل؟ تجلس تتعب عليه وتكتبه وذهنك حاضر، وبصرك يشتغل، ويدك تعمل، لا شك أن هذا يثبت العلم، ما هو مثل أن تنظر عليه نظرة، فضلاً عن كونك تشتري الكتاب عشرة مجلدات، عشرين مجلدًا، ثم تضعه في الدالوب، ثم يطلع كتاب ثانٍ تشتريه وتضيفه إليه، متى تقرأ؟

إلى وقت قريب شيوخنا لو تجد مكتبته ما تجيء مثل هذا الكمية، ثلاثة دواليب أربعة بالكثير، فيها أربعمائة مجلد، خمسمائة مجلد، يتردد عليها، ويقرأهم، تقطعت من كثرة القراءة. الآن طالب علم صغير ما زال طالب عنده عشرة آلاف، عشرون ألفًا أو أكثر أو أقل، متى يفرغ لترتيبهم مع الملهيات والمشكلات، فضلاً عن كونه يقرأ هذه الكتب بكاملها؟

الطنطاوي في مذكراته -رحمه الله- يقول: إنه مكث سبعين سنة معدل قراءته في اليوم الواحد مائة صفحة، يعني على الأقل، وإلا أحيانًا يقرأ مائتين، يعني ألوفًا مؤلفة من المجلدات. لكن عندنا سهل، تريد شيئًا اضغط هذا الذر ويطلع لك، ما عليك تعب ولا عناء، ولا أي كلفة. طيب جاءت الطباعة وصار أثرها السلبي على طلاب العلم أن جمعوا الكتب، وكدسوا الكتب، واعتمدوا عليها، وصار الحفظ ضعيفًا والهمة أضعف، والله المستعان، وصار أثره على التحصيل أقل.

نعم من أراد أن يستغلها استغلالاً مناسبًا يليق بمنزلة العلم لا شك أن توفر الكتاب زين، لكن إذا كان يتوفر لترصه بهذا الدالوب وخلاص ما فيه غير هذا، ما تنتفع. وكثرة التصانيف يعني يكون عندك عشرون ألفًا، ثلاثون ألفًا، يقول ابن خلدون: إن كثرة التصانيف مشغلة عن التحصيل، عندك خمسون تفسيرًا، ستون تفسيرًا وأنت تريد أن تراجع تفسير آية يضيع وقتك ما اخترت واحدًا من هذه التفاسير، وإذا اخترت يمكن تختار المفضول، ما تختار الفاضل، ولو كان تفسيران، ثلاثة فالتفسير له توجه، وقل من كتب الحديث الأصول الستة وما يخدمها وكتب العقائد وكتب الأئمة ومن يوثق بعقيدته وهكذا، تستطيع أن تراجع من كل فن أنفس ما فيه، وكثرة هذه التصانيف لا هنا وقت لمن يوفي، حتى الاختيار يصعب مع الكثرة.

الآن مثلاً تريد أن تشرح حديثًا، والحديث مخرج في الكتب الستة، كم شروح البخاري إذا أردت أن تستوعب من مطبوع ومخطوط ذُكر عليه أكثر من ثلاثمائة شرح المعروفة أسماؤهم، ثم اذهب إلى مسلم ثم بقية الكتب، قد تصل إلى الألف، وتريد أن تطالع هذه الشروح، لكن فاضل بين هذه الشروح وانتق منها أفضلها، واقتصر عليه.

بعد الطباعة والناس انتشرت الكتب والمصنفات ورصوها بالدواليب والمكتبات، وأكلتها الأرضة؛ لأنها ما تجد من يقرأها، حكمة إلهية كأن الأرضة تقول: اقرءوا وإلا قرأت، الكتاب الذي يقرأه ما تجيئه الأرضة، سبحان الله العظيم، الذي يراجع ويتعاهد ما تجيئه، حتى لو جاءته في بداياته تطلع عليه، لكن الذي ما يقرأ يقعد سنة، سنتين مرصوصًا في الدالوب تأكله ودالوبه! عقوبة من الله -جَلَّ وعَلا-.

بعد الطباعة وتيسر اقتناء الكتب جاءت هذه الأجهزة والحواسيب عشرة آلاف مجلد، عشرين ألف مجلد في قرص بقدر الكف، ثم ماذا؟ بدلاً من أن تتعب على تخريج حديث بالليالي من المصادر، وتجمع طرق الحديث، وتتعب على رجال، وتصحح وتضعف بنفسك ويثبت هذا الجهد في حافظتك إلى أن تموت، خلاص اضغط على زر ويطلع لك عشرين طريقًا، ثلاثين طريقًا تناظرهم مثل ما السراب يمشي أمامك. متى نحتاج مثل هذه الآلات؟

 نحتاجها إذا ضاق الوقت، تقول: أنا والله خرجت الحديث وأختبر عملي، هل بقي طرق يمكن أن يصح بها أو لا بعد أن استنفدت جميع الطرق، نعم أنا خرجت الحديث من عشرين طريقًا سأتأكد يمكن فيه طريق ما وقفت عليه أهم من هذه الجملة، أستعمل الآلة، وأشوف الزائد، ثم هذا القدر الزائد الذي استخرجته بواسطة الآلة ظفرت به بعد عدم، سوف يثبت عندك، فتضيفه.

 الخطيب يدخل إلى خطبة الجمعة ومعه حديث في الخطبة يحتاجه في الخطبة، لكنه ما يدري وما درجته؟ فكيف يلقيه على عامة الناس؟ ينظر في الناس، ويشوف لضيق الوقت.

المقصود أن هذه الآلات لا يمكن أن يُخرج عليها طالب علم، بل لا بد من الطريقة والجادة المسلوكة عند أهل العلم هي التي يربى عليها طلاب العلم، وإذا تخرجوا وعرفوا وتمرنوا وتمرسوا وتأهلوا، عند ذلك الأمر سهل، أما أن يربى طالب علم من البداية على هذه الآلات فلن يتخرج طالب علم، فضلاً عن أن يكون عالمًا، فالإشكال أن طلاب العلم معهم الأجهزة وإذا أشكل عليهم شيء ضغطوا وانتهوا.

 يعني الآن الذي يمشي بالسيارة بسرعة يحفظ كل ما مر به في الطرق والسكك والشوارع والمحلات، لكن الذي يمشي على رجليه يحفظ، ما فاته شيء، هذا مثله؛ لأن العلم لا بد أن يؤخذ بالتدريج، ولذلك ألفت الكتب من قبل أهل العلم على مستويات المتعلمين، يبدأ بصغار العلم قبل كباره، وما يقال: والله هذا الكتاب درسنا هذا الكتاب المختصر جدًّا للطبقة الأولى من طبقات المتعلمين وانتهينا منه، نبدأ بكتب الطبقة الثانية ونحذف من هذه الكتب ما تعلمناه سابقًا أم يبقى كما هو؟ يبقى الكتاب كما هو ويكرر ثانية؛ من أجل أن يرسخ، ويكرر ثالثة في كتب الطبقة الثالثة، وهكذا من أجل أن يصير مثل البنيان رص بعضه على بعض. هذه مناسبة كتابة العلم والتدرج إلى وقتنا هذا الذي -والله أعلم- ما ندري ماذا تصير النتيجة بعد الاعتماد على هذه الآلات.

قال -رحمه الله-: "باب كتابة العلم. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ" وهو ابن الجراح، "عَنْ سُفْيَانَ"، وعلى القاعدة التي ذكرناها مرارًا أنه إذا كان بين البخاري وسفيان راويان فالمراد به الثوري، وإذا كان واحدًا فالمراد به ابن عيينة؛ لأن الثوري متقدم. "عن سفيان، عَنْ مُطَرِّفٍ" ابن عبد الله بن الشخير السيد الجليل المعروف، "عَنِ الشَّعْبِيِّ" عامر بن شراحيل، "عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ" واسمه وهب بن عبد الله السوائي، "قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟" يعني أنتم أهل البيت، أخص الناس برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عندكم شيء؟ بضعته عندك في بيتك بنته، عندكم شيء تختصون به من دون الناس؟ فما الجواب؟

الآن عند شيعته من يدعون التشيع له من الروافض عندهم أسفار يختصون بها من دون المسلمين كلهم، عندهم تضامن على التأليف، تجد كتابًا مائة وعشرين مجلدًا مائة وخمسين مجلدًا ألفه غلام، وتتابع عليه أمة، وفيه علم لا يوجد عند غيره، وإمامهم الذي ينتسبون إليه يقول ما عنده شيء.

"قَالَ: لاَ، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ" هذا موجود عن المسلمين كلهم يصير خاصًّا له، "أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ" منا أم من غيرنا، فهم، لكن فهم يكون على الجادة، ما هو بأي فهم، يقول الله: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} أيش؟

طالب: {لَفَشِلْتُمْ} [الأنفال: 43].

نعم، {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} [الأنفال: 43]، شف الفهم الذي أعطيه هذا النابغة صاحب تفسير الجواهر، يقول: هذا لا يمكن أن يكون في الحقيقة، لا بد أن يكون بالتصوير هو الذي يصور لك الحقيقة ويكبرها لك، يقلل ويكثر، وفي هذا دليل على جواز التصوير! "أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ"، ففي هذا دليل على جواز التصوير؛ لأن الحقيقة ما تغير الواقع، القليل قليل، والكثير كثير، والكبير كبير، والصغير صغير، لكن التصوير هو الذي يغير الحقيقة، ففي هذا دليل على جواز التصوير.

قال: وعرضت هذا الفهم، شف الأنبغ، عرضت هذا الفهم على شيخ من شيوخ الأزهر فقال: لا، هذا دليل على وجوب التصوير! شف الضلال، كيف يفهم كتاب الله وفي البخاري: «ولعن المصور»، «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ولعن المصور»؟ فَهم، الفهم، ما فيه علم إلا بفهم، ما فيه علم إلا بحفظ، لكن ما فهمه، فهم هؤلاء الذين يطلعون لنا يوميًّا في وسائل الإعلام بطوام الطوام، وينسبوبها إلى الكتاب والسنة.

"أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ"، عندنا غير هذه الصحيفة. هل أخفاها؟ الآن عند القوم علوم خفية لم يطلع عليها أحد وعلوم عند المنتظر شيء ما يخطر على البال على حد زعمهم، هل أخفى الصحيفة علي -رَضِيَ اللهُ عنهُ-؟ "قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟" ثلاثة "قَالَ: العَقْلُ" وهو الدية، "وَفكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ"، وهذا هو الشاهد أن هذه الصحيفة مكتوب فيها، هو الشاهد لكتابة العلم.

طالب: .......

ما فيها شيء زائد عما عند غيرهم، لكن هو يبيِّن الذي عنده؛ خشية الكتمان يقول: عندنا هذه الصحيفة فقط. فعلي -رَضِيَ اللهُ عنهُ- إما أن يكون صادقًا فيكون هؤلاء القوم كذبة يفترون عليه، وإما أن يكون كاذبًا -وحاشاه- ويكون هم الصادقون. ما دام علي -رَضِيَ اللهُ عنهُ- الخليفة الراشد ذو المناقب ذو الفضائل ومشهود له بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين هذا كلامه، لكن انفكاكهم من مثل هذا الكلام صعب أم سهل؟

طالب: سهل.

سهل، هذا كلامكم أنتم، هذا كتابكم ما هو بكتابنا. ومن الغريب أن جميع الطوائف تنتسب إلى السنة إلا هم يعادون السنة ، وينابذون السنة، ويذمون السنة، ولا ينتسبون إليها، والله المستعان.

قال الشارح -رحمه الله-: (قوله: باب كتابة العلم، طريقة البخاري في الأحكام التي يقع فيها الاختلاف أن لا يجزم فيها بشيء بل يوردها على الاحتمال) ما قال: باب وجوب كتابة العلم، أو منع أو تحريم كتابة العلم، ما جزم بشيء، أوردها على الاحتمال. (وهذه الترجمة من ذلك) لوقوع الخلاف في حكم كتابة العلم في الصدر الأول، أما بعد ذلك فقد وقع الإجماع على جوازه.

(لأن السلف اختلفوا في ذلك عملاً وتركًا، وإن كان الأمر استقر والإجماع انعقد على جواز كتابة العلم بل على استحبابه، بل لا يبعد وجوبه)؛ لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. (بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم.

قوله: حدثنا ابن سلام، كذا للأصيلي واسمه محمد، وقد صرح به أبو داود وغيره) الآن قال: (حدثنا ابن سلام، كذا للأصيلي واسمه محمد، وقد صرح به أبو داود وغيره) التنصيص على الأصيلي يدل على أن بقية الرواة خالفوه، ماذا قالوا؟

طالب: .......

قالوا: حدثنا محمد بن سلام؟

طالب: .......

أين؟ حدثنا ابن سلام هذا الأصيلي، الذي غيره من الرواة أيش قالوا؟ قالوا: محمد بن سلام، أو محمد فقط؟

طالب: .......

لكن لا بد أن يبين لو فيه أحد قال: محمد فقط. إذًا ما الفائدة من قوله: (وقد صرح به أبو داود وغيره)؟ للترجيح بين روايات الصحيح، مما يدل على أن رواية الرواة الآخرين أرجح من رواية الأصيلي؛ لأنه صرح به أبو داود.

(قوله: عن سفيان هو الثوري؛ لأن وكيعًا مشهور بالرواية عنه، وقال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف: يقال: إنه ابن عيينة. قلت: لو كان ابن عيينة لنسبه؛ لأن القاعدة في كل من روى عن متفقَيِ الاسم أن يُحمل من أُهمل نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه كما قدمناه قبل هذا، وهكذا نقول هنا؛ لأن وكيعًا قليل الرواية عن ابن عيينة بخلاف الثوري).

طالب: .......

 ماذا يقول؟

طالب: .......

ارفع صوتك.

طالب: قال الجياني في تقييد المهمل: وهذا الحديث محفوظ عن سفيان بن عيينة بعد نقل قوله أبي مسعود الدمشقي، ثم ساق هذا الحديث بإسناده، وفيه التصريح بأن سفيان هو ابن عيينة ووثق رجاله، وقال الكرماني في شرحه: يحتمل أن يراد به الثوري، وأن يراد به ابن عيينة؛ لأن وكيعًا يروي عنهما، وهما يرويان عن مطرف، ولا قدح لهذا الالتباس في الإسناد؛ لأن أيًّا كان منهما فهو إمام حافظ ضابط عدل مشهور على شرط البخاري، ولهذا يروي لهما في الجامع شيئًا كثيرًا.

مثل هذا المهمل حتى لو لم نتوصل إليه فالحديث صحيح على كل حال؛ لأنه أينما دار دار على ثقة، لكن القاعدة في تمييز الحمادين والسفيانين كما ذكر الحافظ الذهبي في آخر الجزء السابع من سير أعلام النبلاء، وهذا ذكرناه سابقًا، ومثل ما ذكره الحافظ -رحمه الله- أنه إذا كانت للراوي به خصوصية فلا مانع من إهماله، وإذا كان مقلًّا عنده فلا بد من نسبته.

(قوله: عن مطَرف هو بفتح الطاء المهملة وكسر الراء، ابن طريف) قد يكون القول بأنه ابن عبد الله وهم مني، هو (ابن طريف بطاء مهملة أيضًا. قوله: عن الشعبي، وللمصنف في الديات: سمعت الشعبي) يعني صرح مطرف بسماعه من الشعبي. (قوله: عن أبي جحيفة، هو وهب السوائي، وقد صرح بذلك الإسماعيلي في روايته، وللمصنف في الديات: سمعت أبا جحيفة) كذلك صرح الشعبي بسماعه من أبي جحيفة، (والإسناد كله كوفيون إلا شيخ البخاري وقد دخل الكوفة، وهو من رواية صحابي عن صحابي) أبو جحيفة صحابي وعلي أيضًا صحابي.

(قوله: قلت لعلي، هو ابن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عنهُ-. قوله: هل عندكم؟ الخطاب لعلي، والجمع إما لإرادته مع بقية أهل البيت أو للتعظيم. قوله: كتاب، أي مكتوب) الكتاب مصدر يراد به اسم المفعول مكتوب، (أخذتموه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما أوحي إليه، ويدل على ذلك رواية المصنف في الجهاد: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟) يعني قدر زائد على ما في كتاب الله. وأيضًا السنة وحي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]، (وله في الديات: هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ وفي مسند إسحاق بن راهويه عن جرير عن مطرف: هل علمت شيئًا من الوحي؟ وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك؛ لأن جماعةً من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت -لا سيما عليًّا- أشياء من الوحي خصهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بها لم يُطلع غيرهم عليها).

 هذا في زمن علي -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، فكيف وهم كل من جاء زاد؟ (وقد سأل عليًّا عن هذه المسألة أيضًا قيس بن عُبادة وهو بضم المهملة وتخفيف الموحدة، والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي).

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

هو الأصل أنه بدون هاء .......

طالب: .......

بدون هاء؟ خلاص هو ابن عُباد. مسند النسائي، نعم، مسند أم سنن؟ أو في مسنده عند النسائي؟ مسند علي.

طالب: .......

 النسائي نعم له مسند علي، لكن في مسند النسائي .......

طالب: .......

لو كان عبادة ما يحتاج إلى أن يقال: (بضم الميم) ما يحتاج؛ لأنه ما يضبط غير المشكل. (حديثهما في مسند النسائي) المسند المعروف مسند علي للنسائي، وإلا فكتاب النسائي سنن النسائي الكبرى أو الصغرى، قد يطلق عليه المسند من باب التجوز؛ لأن أحاديثه مروية بالأسانيد كما صحيح البخاري الجامع الصحيح المسند، ومسند الدارمي عده ابن الصلاح من المسانيد وانتقده الحافظ العراقي: وعده للدارمي انتقد لأنه سنن ليس بمسند، والكلام في هذا معروف عند أهل العلم.

(قوله: قال لا، زاد المصنف في الجهاد: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة. قوله: إلا كتابُ الله، هو بالرفع) إلا كتابُ الله، يعني لا يوجد عندنا إلا كتاب الله، فالاستثناء مفرغ وسالم نعم فيرفع.

(وقال ابن المنير: فيه دليل على أنه كان عنده أشياء مكتوبة من الفقه المستنبط من كتاب الله، وهي المراد بقوله: أو فهم أعطيه رجل؛ لأنه ذكره بالرفع، فلو كان الاستثناء من غير الجنس لكان منصوبًا، كذا قال، والظاهر أن الاستثناء فيه منقطع، والمراد بذكر الفهم)؛ لأنه عُطف على كتاب الله والفهم غيره، فهو استثناء منقطع، يعني إلا كتاب الله وإلا فهم، هذا الأصل.

 (والمراد بذكر الفهم إثبات إمكان الزيادة على ما في الكتاب، وقد رواه المصنف في الديات بلفظ: ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى رجل في الكتاب) فهم في الكتاب (فالاستثناء الأول مفرغ والثاني منقطع معناه: لكن إن أعطى الله رجلاً فهمًا في كتابه فهو يَقدر على الاستنباط فتحصل عنده الزيادة بذلك الاعتبار، وقد روى أحمد بإسناد حسن من طريق طارق بن شهاب قال: شهدت عليًّا على المنبر وهو يقول: والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وهو يؤيد ما قلناه أنه لم يرد بالفهم شيئًا مكتوبًا.

 قوله: الصحيفة أي الورقة المكتوبة، وللنسائي من طريق الأشتر: فأخرج كتابًا من قِراب سيفه. قوله: العقل أي الدية، وإنما سميت به لأنهم كانوا يعطون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل، ووقع في رواية ابن ماجه بدل العقل الديات والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها. قوله: وفكاك بكسر الفاء وفتحها، وقال الفراء: الفتح أفصح) فَكاك (والمعنى أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك) وفكاك الأسير فرض في بيت مال المسلمين، قال ابن العربي: ولو لم يبق فيه درهم.

 (قوله: ولا يقتلُ بضم اللام، وللكشميهني: وأن لا يقتلَ بفتح اللام)؛ لأنه دخلت عليه أن، (بفتح اللام، وعُطفت الجملة على المفرد؛ لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، وسيأتي الكلام على مسألة قتل المسلم بالكافر في كتاب القصاص والديات إن شاء الله تعالى، ووقع للمصنف ومسلم من طريق يزيد التيمي عن علي قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، فإذا فيها: المدينة حرم) يعني ما بين عير إلى ثور (الحديث، ولمسلم عن أبي الطفيل عن علي: ما خصنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء لم يعم به الناس كافةً إلا ما في قراب سيفي هذا، وأخرج صحيفةً مكتوبةً فيها: «لعن الله من ذبح لغير الله» الحديث، وللنسائي من طريق الأشتر وغيره عن علي: فإذا فيها «المؤمنون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم» الحديث، ولأحمد من طريق طارق بن شهاب: فيها فرائض الصدقة.

والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدةً وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه، والله أعلم) يعني مجموع، المجموع موجود لا سيما ما ثبت منه موجود، فكل راوٍ اقتصر على ما ثبت في حفظه. (وقد بيَّن ذلك قتادة في روايته لهذا الحديث عن أبي حسان عن علي، وبيَّن أيضًا السبب في سؤالهم لعلي -رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ- عن ذلك، أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل من طريق أبي حسان أن عليًّا كان يأمر بالأمر فيقال: قد فعلناه، فيقول: صدق الله ورسوله).

 يأمر بالأمر مما ليس بأيدي من يسمع بهذا الأمر، ثم يكون قد فعلوه فيقول علي -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: صدق الله ورسوله، يعني كأنه عنده شيء يستند إليه في هذا الأمر. (فقال له الأشتر: هذا الذي تقول أهو شيء عهده إليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصةً دون الناس؟ فذكره بطوله).

ثم قال المؤلف -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ"، نعم؟

طالب: .......

كيف؟

طالب: .......

نعم، ما فيه وحده، أبو هريرة ما اختص بأشياء ليست عند غيره؟ وجدت النابتة يعني بدايات التشيع هو الذي أورث هذا السؤال والغلو لعلي وآل البيت بداياته في عصره -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، وُجد من سجد له: لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا، ووجد من يؤله -رَضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاه-، فما هو ببعيد أن يقال عنده أشياء، هذا مبعث السؤال وإلا عمر عنده أكثر منها، أبو بكر عنده أكثر منها، أبو هريرة أكثر وأكثر.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لا موجودة عنده.

طالب: .......

على حد علمه -رَضِيَ اللهُ عنهُ-.

قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ -عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ- بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ" يعني قبل، "فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ القَتْلَ، أَوِ الفِيلَ» شك أبو عبد الله" المؤلف البخاري -رحمه الله-، "«وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ وَالمُؤْمِنِينَ»" يعني في الساعة التي أحلت لهم، "«أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ»" يعني يوم الفتح، "«أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ»" انتهت الساعة التي أحل فيها للنبي -عليه الصلاة والسلام- القتل، "«لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا»" يختلى شوكها يعني يحش، ويعضد شجرها يعني يقطع، "«وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا»" اللقطة "«إِلَّا لِمُنْشِدٍ»" يعني لا تُملك، ليست كسائر البقاع يعرفها سنة ثم يملكها، "«إِلَّا لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ»" يعني وليه "«فهو بخير النظرين: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ القَتِيلِ».

 فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «اكْتُبُوا لِأَبِي فُلاَنٍ»" جاء بيانه في روايات أخرى حتى في الصحيح: «اكتبوا لأبي شاه». "فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلَّا الإِذْخِرَ" وهو العباس -رَضِيَ اللهُ عنهُ وأرضاه- "إلا الإذخر يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا؟" البيوت مع الخشب الذي يكون في السقف من أجل ألا ينزل التراب، وكذلك في القبور بين اللبنات، "فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلَّا الإِذْخِرَ إِلَّا الإِذْخِرَ»"، قال ذلك استجابة لعمه أو أنه نزل الوحي لتقرير هذا الحكم؟ "قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ" البخاري "يُقَالُ: يُقَادُ بِالقَافِ، فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَيُّ شَيْءٍ كَتَبَ لَهُ؟" سئل البخاري: أي شيء كتب له؟ "قَالَ: كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الخُطْبَةَ".

(قوله: حدثنا شيبان هو ابن عبد الرحمن يكنى أبا معاوية، وهو بفتح الشين المعجمة بعدها تحتانية ثم موحدة، وليس في البخاري بهذه الصورة غيره. قوله: عن يحيى هو ابن أبي كثير. قوله: عن أبي سلمة، في رواية المصنف في الديات: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا أبو هريرة. قوله: أن خزاعة أي القبيلة المشهورة والمراد واحد منهم، فأطلق عليه اسم القبيلة مجازًا) من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، (واسم هذا القاتل خراش بن أمية الخزاعي، والمقتول في الجاهلية منهم اسمه أحمر، والمقتول في الإسلام من بني ليث لم يُسم. قوله: «حبس» أي منع عن مكة القتل أي بالقاف والمثناة من فوق، «أو الفيل» أي بالفاء المكسورة بعدها ياء تحتانية) في القصة المشهورة التي نزلت فيها سورة الفيل. (قوله: كذا قال أبو نعيم، أراد البخاري أن الشك فيه من شيخه) أبو نعيم الفضل بن دكين. (قوله: وغيره يقول الفيل أي بالفاء ولا يشك، والمراد بالغير من رواه عن شيبان رفيقًا لأبي نعيم، وهو عبيد الله بن موسى).

طالب: .......

 ماذا؟

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

اسمه؟

طالب: .......

في أي باب؟

طالب: .......

من الشرح ما هو من المتن، هذا من ابن حجر، ننبه؟

طالب: .......

لا.

(ومن رواه عن يحيى رفيقًا لشيبان، وهو حرب بن شداد كما سيأتي بيانه عند المصنف في الديات، والمراد بحبس الفيل أهل الفيل، وأشار بذلك إلى القصة المشهورة للحبشة في غزوهم مكة ومعهم الفيل، فمنعها الله منهم، وسلط عليهم الطير الأبابيل مع كون أهل مكة إذ ذاك كانوا كفارًا) يعني صيانة للبيت. (فحرمة أهلها بعد الإسلام آكد، لكن غزو النبي -صلى الله عليه وسلم- إياها مخصوص به على ظاهر هذا الحديث وغيره، وسيأتي الكلام على المسألة في كتاب الحج مفصلاً إن شاء تعالى.

قوله: «وسُلط عليهم» هو بضم أوله، و«رسولُ» مرفوع و«المؤمنون» معطوف عليه) مرفوع؛ لأنه نائب فاعل. في مسجد قام سائل والإمام من كبار أهل العلم، إمام المسجد، قام سائل وقال السائل يسأل يتكفف الناس، لكنه قال: سَلط الله علي الأمراض، فقال هذا الشيخ: قل قدَّر الله، لا تقل: سَلَّط، فهل في اللفظ ما يستدرك؟ «وسُلِّط عليهم رسوله والمؤمنون»؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

لكن الأمراض؟

طالب: .......

ابتلاء بلا شك، لكن هل يسوغ أن يقول: سُلط عليه الأمراض؟

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

تأمله.

طالب: .......

شكاية؟ والتقدير؟

طالب: .......

وإذا قدر المفعول؟

طالب: .......

لا، قد يكون الذكر منفك عن الشيء، مجرد الإخبار به.

(قوله: «ولا تحل»، للكشميهني: «ولم تحل»، وللمصنف في اللقطة من طريق الأوزاعي عن يحيى: «ولن» وهي أليق بالمستقبل.

 قوله: «لا يختلى» بالخاء المعجمة أي لا يُحصد، يقال: اختليتُه إذا قطعتَه، وذِكر الشوك دال على منع قطع غيره من باب أولى) إذا كان الشوك مؤذيًا فلا يجوز أن يقطع، فغيره مما لا يؤذي من باب أولى.

(وسيأتي ذكر الخلاف فيه في الحج إن شاء الله تعالى. قوله: «إلا لمنشد» أي معرِّف، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في كتاب اللقطة، إن شاء الله تعالى.

قوله: «فمن قتل فهو بخير النظرين» كذا وقع هنا، وفيه حذف وقع بيانه في رواية المصنف في الديات عن أبي نعيم بهذا الإسناد: «فمن قُتل له قتيل».

قوله: «وإما أن يقاد» هو بالقاف أي يُقتص، ووقع في رواية لمسلم: «إما أن يفادى» بالفاء وزيادة ياء بعد الدال) بعد الدال يعني الياء هذه يعني رسمها رسم الياء وإلا رسمها الألف المقصورة.

 (والصواب أن الرواية على وجهين: من قالها بالقاف قال فيما قبلها: «إما أن يُعقل» من العقل، وهو الدية، ومن قالها بالفاء قال فيما قبلها: «إما أن يُقتل» بالقاف والمثناة، والحاصل تفسير النظرينِ بالقصاص أو الدية، وفي المسألة بحث يأتي في الديات، إن شاء الله تعالى.

قوله: فجاء رجل من أهل اليمن، هو أبو شاهٍ بهاء منونة) طيب شاه مؤنث ترى ما يمنع من الصرف؟

طالب: .......

أبو شاهٍ؟ هل يصير اسمًا عربيًّا أو أعجميًّا؟

طالب: .......

ما هو؟

طالب: .......

عندنا من رواة الصحيح: عبد الله بن سياهٍ، وسياه أعجمي وصرف، لماذا صُرف وهو أعجمي؟ هذا يصير أوضح من هذا، لماذا صُرف وهو أعجمي؟ حدثنا عبد الله بن سياهٍ؟

طالب: .......

لا لا لا، هذا اسمه. قالوا: لأن استعماله في الأعجمية وصف وليس بعلم، فما اجتمعت العلمية والعجمة في أمر واحد، العلمية في العربية والعجمة وصف، وهذه من دقائق هذا الباب. وأبو شاه مثله.

(وسيأتي في اللقطة مسمًّى، والإشارة إلى من حرَّفه، وهناك من الزيادة عن الوليد بن مسلم: قلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: وبهذا تظهر مطابقة هذا الحديث للترجمة) اكتبوا، يعني الأمر بالكتابة. (قوله: فقال رجل من قريش، هو العباس بن عبد المطلب كما سيأتي في اللقطة، ووقع في رواية لابن أبي شيبة: فقال رجل من قريش يقال له: شاه، وهو غلط) والشاه عند الأعجام الملك.

(قوله: إلا الإذخر، كذا هو في روايتنا بالنصب، ويجوز رفعه على البدل مما قبله. قوله: «إلا الإذخر إلا الإذخر» كذا هو في روايتنا، والثانية على سبيل التأكيد).

والله أعلم.

وصلى الله وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.

"