كتاب الإيمان (07)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 هذا يقول: جاء في العقيدة الطحاوية مع شرحها قال الشارح: قول الطحاوي: وحبهم إيمان يعني الصحابة، قال: وتسمية حب الصحابة إيمانًا مُشكِل على الشيخ -رحمه الله-، يعني الطحاوي؛ لأن الحب عمل القلب، وليس هو التصديق، فيكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وقد تقدَّم في كلامه أن الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان، ولم يجعل العمل داخلاً في مسمى الإيمان، وهذا هو المعروف في مذهب أبي حنيفة.

 يعني يرد عليه مثل هذا الكلام، إلا أن تكون هذه التسمية مجازًا، يعني يُسمى إيمانًا مجازًا، لكن الأصل في الكلام الحقيقة.

طالب:...

مهما أراد من أراد أن يفصل العمل عن الإيمان لا يستطيع، لا يمكن أن يُفصَل العمل عن الإيمان.

 يقول: سمعت أحد الدعاة يقول: إن صيام يوم عاشوراء كان واجبًا في البداية، ثم نُسِخ بصيام رمضان، فهل هذا صحيح؟

 نعم صحيح.

 ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لئن بقيتُ لقابل أو إلى قابل لأصومن التاسع» وهذا يعني أنه قبل وفاته بعام أو أقل من ذلك، والسؤال: هل النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يرَ اليهود يصومون يوم عاشوراء إلا في هذا العام؟ حيث إنه هاجر إلى المدينة قبل ذلك بثمانية أعوام؟ بأكثر من ثمانية أعوام، نعم، قاله بعد، ولم يصم التاسع؛ لأنه ما بقي إلى قابل -عليه الصلاة والسلام-، قاله في آخر عمره.

 والسؤال: هل النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير اليهود يصومون إلا يوم العاشر؟

 لما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى اليهود يصومون، لما هاجر رأى اليهود يصومون يعني في السنة الثانية رآهم يصومون، وأما في السنة الأولى، هو هاجر متى؟ في ربيع، فات عاشوراء، إنما رآهم يصومون من السنة الثانية، وقال في آخر عمره: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» يقول: هل أول مرة يراهم يصومون ليخالفهم؟ نقول: لا، رآهم من أول الأمر، لكنه -عليه الصلاة والسلام- كان يحب موافقة أهل الكتاب، يحب موافقة أهل الكتاب حتى أيس منهم ومن اتباعهم له، فأمر بمخالفتهم، فلما أيس من موافقتهم أمر بمخالفتهم فقال: لأصومن التاسع، هذا بعد ما أيس من موافقتهم وكان -عليه الصلاة والسلام- ماذا يصنع في شعره؟ يفرق شعره، ثم لما أيس ترك.

طالب:...

كان يسدل ثم فرق نعم، كان يسدل شعره ثم فرقه؛ مخالفة لليهود؛ لأنه أيس، كان يحب موافقتهم، لكنه لما أيس منهم خالفهم.

 اللهم صل على محمد.

يقول: كيف نجمع بين قولكم في رجل في أفريقيا الذي أراد الإسلام ثم ذُهِب به إلى إمام المسجد والذي قال: ارجع بعد أداء الصلاة، ثم مات ذلك الرجل، حيث ذكرتم أنه كافر في أحكام الدنيا وبين كلام النووي على مسلم حيث قال: واتفق أهل السُّنَّة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يُحكم بأنه من أهل القبلة ولا يُخلَّد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً إلا إذا عجز عن النطق؛ لخلل في لسانه، أو لعدم التمكن منه لمعالجة المنية أو لغير ذلك فإنه يكون مؤمنًا؟

 كلامنا في معاملته في أحكام الدنيا، كيف يعامل في أحكام الدنيا وهو ما نطق؟ والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» أو حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، هذا ما شهد، فيعامل في الدنيا على أنه كافر، ما دخل في الإسلام أصلاً، أما ما وقر في قلبه من اليقين والإيمان هذا أمره إلى الله، لكن نحن مطالبون بالظاهر، ولا يختلف كلامنا مع كلام النووي -رحمه الله تعالى-؛ لأن هذا تمكَّن من النطق، تمكَّن من النطق، مع أنه وقر الإيمان في قلبه وحدَّث صاحبه بذلك، لكنه ما نطق، ففي الآخرة أمره إلى الله.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب الإيمان وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس»، وهو قول وفعل ويزيد وينقص".

باب الإيمان هو فرع من كتاب الإيمان، يعني هل الفرع يكون بلفظ الأصل، كتاب الإيمان، باب الإيمان؟ أو تكون الترجمة الكبرى بالأعم، ثم يترجم ترجمة صغرى بشيء أخص هو من فروع ذلك الأعم؟

طالب:...

 هذا الأصل، لكن الإمام البخاري قال: كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-.

الشُرَّاح، نسيت هل أشاروا إلى هذا أو لم يشيروا إليه؟

 ابن حجر -رحمه الله- يقول: قوله: كتاب الإيمان هو خبرُ مبتدأٍ محذوف تقديره: هذا كتاب الإيمان، وكتاب مصدر إلى آخره، ومن الكتيب، واستعملوا ذلك فيما يجمع أشياء من الأبواب والفصول الجامعة للمسائل والضم فيه بالنسبة إلى المكتوب من الحروف حقيقة، وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز، والباب موضوعه المدخل، فاستعماله في المعاني مجاز، يعني باب الأصل فيه ما يدخل ويخرج منه، واستعماله في المعاني مجاز، والإيمان لغة التصديق إلى آخره. ثم ذكر ما ذكرناه سابقًا في أول الكتاب أن البخاري لم يستفتح بدء الوحي بكتاب؛ لأنه مقدِّمة كالمقدمة للكتاب، والمقدمة لا تستفتح بما يستفتح به غيرها.

واختلفت الروايات في تقديم البسملة على كتاب أو تأخيره ولكلٍ وجه، ولكلٍ وجه، اختلفت الروايات في تقديم البسملة على كتاب، هنا يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الإيمان. وبعض الروايات، روايات الصحيح: كتاب الإيمان، بسم الله الرحمن الرحيم. لكلٍ وجه، تقديم البسملة على الترجمة بدء بها حقيقةً، بدء بالبسملة حقيقةً، وأما تقديم الكتاب على البسملة فكأن الكتاب جُعِل بمنزلة اسم السورة، بمنزلة اسم السورة من القرآن، والبسملة تكون بعد الاسم، لكن إذا قُدِّم الكتاب أو قُدِّم اسم السورة على البسملة فهل يكون بُدِئ ببسم الله؟

طالب:...

 أو بُدِئ بالترجمة؟

طالب:...

الجواب؟

طالب:...

الآن بدأنا كتاب الإيمان بسم الله الرحمن الرحيم، سورة الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم، هل بدأنا بالبسملة أم لا؟ يعني إذا استدللنا على مشروعية البدء بالبسملة وقلنا: إنها افتتح بها القرآن، هل صحّ أنه افتتح بها القرآن أو افتتح باسم السورة؟

طالب:...

نعم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

واسم السورة والترجمة هنا؟

طالب:...

لكنها داخلة في المصحف، هي- صحيح- ليست داخلة في القرآن، لكنها افتُتِح كتاب الله.

طالب:...

المقصود كلام الله، كلام الله، واسم السورة ليس من كلام الله، المقصود كلام الله واسم السورة ليس من كلام الله، وإذا قلنا: افتُتِح بها القرآن فالمراد به المصحف، احتجنا إلى ضربٍ من التأويل، ليكون افتتح فعلاً بالبسملة.

 يقول المؤلف: واختلفت الروايات في تقديم البسملة على كتاب وتأخيرها ولكلٍ وجه، الأول ظاهر، تقديم البسملة على كتاب الإيمان ظاهر، والأول ظاهر، ووجه الثاني وعليه أكثر الروايات أنه جعل الترجمة قائمة مقام تسمية السورة، والأحاديث المذكورة بعد البسملة كالآيات مستفتحة بالبسملة.

 يعني إذا مشينا هذا بالنسبة للقرآن بأن اسم السورة ليست من القرآن، كيف نمشي الترجمة هنا وهي من كلام المؤلف؟ أو أن نقول: إن الكلام الذي صُدِّر بالبسملة هو الكلام الوحي، الوحي الثاني، والترجمة ليست من الوحي الثاني، الذي هو السُّنَّة.

طالب:...

ماذا؟

 طالب:...

سهل سهل هذا.

طالب:...

 لا، الكلام فيما قبل البسملة وإلا فما بعده ما فيه إشكال. الإشكال فيما قبل البسملة، أما ما بعدها فما فيه إشكال، يعني إذا قلنا: إن القرآن كلام الله افتتح بالبسملة فصحيح؛ لأن اسم السورة ليس من كلام الله، وقسنا عليه ما جاء في كتب الحديث وقلنا: إن الترجمة من كلام البخاري، والبسملة مقدَّمة بين يدي الوحي الثاني، وهو السُّنَّة كالقرآن، فالتنظير مطابق أم غير مطابق؟ مطابق.

طالب:...

ما فيه إشكال، ليس البحث فيما بعد البسملة، البحث فيما قبل البسملة؛ لأن المطلوب البداءة بها.

طالب:...

لا، لا. لكن افترض أن القرآن فيه تفسير ما تبدأ بالبسملة؟

طالب:...

 ما تبدأ باسم السورة قبل البسملة؟ ثم تأتي بالقرآن مفسرًا؟

طالب:...

 نفس الشيء. الإشكال في مسألة البداءة، البدء بالبسملة، التنظير هنا مطابق، فالترجمة في مقابل اسم السورة، ثم تأتي البسملة مصدرًا بها كلام الله -جل وعلا- وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- بِغَض النظر عما أدرج معه من تفسير بالنسبة للقرآن، أو من كلام للمؤلفين، وتعليق للشُرَّاح بالنسبة لكتب السُّنَّة. ظاهر أم أنه ليس بظاهر؟ أو بالجر الثقيل نعم؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

هو المطلوب البداءة بالبسملة، هذا أمر مفروغ منه، وإذا قلنا: إن الدليل على ذلك: «كل أمر ذي بال لا يُبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» أشكل عليه تقديم الترجمة، وإذا قلنا: إن هذا الحديث ضعيف، بجميع طرقه وألفاظه احتجنا إلى دليل آخر، وأنها افتتح بها كلام الله، افتتح بها القرآن، فالبداءة حقيقية أو نسبية؟ إذا اعتبرنا أنها مفتتح لكلام الله فالبداءة حقيقية؛ لأن تسمية السورة ليست من كلام الله، وقل مثل هذا في الوحي الثاني الذي هو السُّنَّة، والتنظير هنا مطابق، هذا إذا قدِّمت البسملة على الترجمة هذا انتهينا البداءة حقيقية، كما تستفتح الكتب الأخرى، صحيح مسلم افتتح ببسم الله، والحمد لله بعده، والصلاة على نبيه -عليه الصلاة والسلام- افتتاحًا حقيقيًّا ولا فيه إشكال، وهنا هنا يرد الإشكال في كون الافتتاح إما حقيقة أو حكمًا، حكمًا؛ لأنه بالفعل افتتح بها كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن أُدرِج معه؛ لأنك لو تريد أن تكتب، لو تجيء بتفسير الجلالين تقول: ما أكتب بسم الله؛ لأنه ليس من كلام الله؟ تبدأ ببسم الله سواء كان تفسيرًا أو غيره من التفاسير، ولو كانت مطولة، وكانت نسبة القرآن فيه أقل، فالتنظير هنا مطابق.

 قال: الأول ظاهر، يعني بداءة حقيقية بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الإيمان، وعليه مشى هنا، وننظر فيمن قدَّمها من الرواة.

 يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، مُقدَّم عند أبي ذر والمستملي والأصيلي، كتاب الإيمان مؤخَّر عند أبي ذر، ومن تقدَّم المستملي والأصليي أو ابن عساكر السين نعم.

طالب:...

{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ}[سورة النمل: 30] نعم.

طالب:...

لا، أنا أقول: إذا عرضنا وأضربنا عن الاستدلال بحديث: «كل أمر ذي بال» نعم، بم نستدل؟ نستدل بأن القرآن افتتح بها، افتتح بها كلام الله، بغض النظر عن اسم السورة، لا تؤثر في الأولية، لا تؤثر في الأولية؛ لأنها ليست من كلام الله، وكتاب الإيمان ليس من مقاصد الكتاب، الترجمة قدر زائد، توضيح لمقصد الكتاب، والمقصد هو كلام الرسول- عليه الصلاة والسلام-.

طالب:...

بعض الروايات نفس الشيء.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

حديث هرقل نعم.

طالب:...

نعم.

طالب:...

فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد». الفرق بين هذا، ما فيه كتاب هرقل وما جاء في كتاب سليمان ما الفرق بينهما؟ الفرق ظاهر.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

نعم، تذكر مصدر الكتاب، هي تذكر مصدر الكتاب، تذكر مصدر الكتاب لا أن من سليمان مكتوب فيها، لا أن من سليمان مكتوب فيها، إنما هي تذكر أن هذا الكتاب جاءنا من سليمان، وأنه مبدوء ببسم الله الرحمن الرحيم، فيختلف عن قصة هرقل.

ووجه الثاني وعليه أكثر الروايات أنه جعل الترجمة قائمة مقام تسمية السورة، والأحاديث المذكورة بعد البسملة كالآيات المفتتحة بالبسملة.

 باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس» يقول: سقطت لفظة باب من رواية الأصيلي، وقد وصل الحديث بعد تامًّا، نعم ذكره بعد الآيات، هل ذكره بترجمة مستقلة أو تحت هذه الترجمة؟ مقتضى قوله: وقول النبي -عليه الصلاة والسلام- أن قوله: باب زائدة فيما بعد، دعاؤكم إيمانكم؛ لأن الحديث جزءٌ من الترجمة، انظروا في الكتاب!

طالب:...

باب الإيمان، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس» ثم قال فيما بعد: بابٌ: دعاؤكم إيمانكم، ثم ذكر الحديث «بني الإسلام على خمس».

 مقتضى قوله: وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بني الإسلام على خمس» أن الحديث داخل في هذه الترجمة، ظاهر أم ليس بظاهر؟ لا يفصل بين الترجمة الأولى وبين الحديث الذي هو مقتضى هذه الترجمة، وإليه الإشارة في أصل الترجمة بباب، وسيأتي ما فيها من الكلام الكثير.

 وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «بني الإسلام على خمس» يقول: سقط لفظ باب من رواية الأصيلي، وقد وصل الحديث بعدُ تامًا، واقتصاره على طرفه في تسمية الشيء باسم بعضه. اقتصر على طرف الحديث، وكثيرًا ما يُعبَّر عن الحديث بجزءٍ منه، ألا يمكن أن تقول حديث الدين النصيحة؟ حديث الأعمال بالنيات؟ ما يمكن أن تقول هذا؟ هل يلزمك أن إذا أردت أن تستشهد بالحديث أن تذكر لفظه؟ إذا كان الملقى إليه يعرفه يعرف الحديث ما يلزمك أن تأتي به كاملاً إنما تأتي بما يدل عليه ويميزه عن غيره. واقتصاره على طرفه فيه تسمية الشيء باسم بعضه، والمراد: باب هذا الحديث. باب الإيمان وباب هذا الحديث.

 قوله: وهو أي الإيمان، قولٌ وفعلٌ ويزيد وينقص. قول وفعل، قال في رواية الكشميهني: قول وعمل، وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك. السلف حينما يتحدثون عن الإيمان يقولون: قول وعمل، البخاري يقول: قولٌ وفعل ويزيد وينقص. يقول ابن ابن حجر: وفي رواية الكشميهني: قول وعمل. الآن رواية الكشميهني هل هي مفضلة عند ابن حجر أم مفضولة؟ مفضولة، وانتقده في كثير من المواضع وقال: إنه ليس من الحفاظ، وإنما هو مجرد راوية، لكن هو راوية ضابط متقن، يروي كما سمع، أو كما رُوِّي، يكفينا؛ لأنا لسنا بصدد استنباطه، وإنما نحن نظرنا إنما هو لروايته.

انظر صفحة سبعة عشر من الكتاب، من الفتح يقول: وحكى ابن مِغْوَر أنا أبا ذر الهروي في آخر أمره كان يحذف كثيرًا من رواية أبي الهيثم الكشميهني حيث ينفرد؛ لأنه لم يكن من أهل العلم. وكرَّرها ابن ابن حجر وإنما هو مجرد راوية في مواضع من الفتح. وقال هنا: قلت: وهذا ليس على إطلاقه، فإن في رواية أبي الهثيم مواضع كثيرة أصوب من رواية غيره، كما سيأتي مبيَّنًا في مواضعه، «لو يعلم المار بين يدي المصلي ما عليه من الإثم» قال: قوله من الإثم، تفرّد بها الكشميهني وليس من الحفاظ، وإنما هو مجرد راوية، وهنا يقول: ليس على إطلاقه، إذا ضممنا كلام ابن حجر في جميع المواضع تبين لنا أن الكشميهني ليس من أهل العلم، وإنما هو راوية، لكنه راوية متقن، والغريب أن ابن حجر -رحمه الله- انتقد صاحب العمدة في ذكر هذا اللفظ: (من الإثم)، انتقده، والأغرب من ذلك أنه ذكرها في البلوغ، قال: «ماذا عليه من الإثم». الكلام يجر بعضه بعضًا. مائة واحد وسبعين. «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه» بدون من الإثم «لكان أن يقف أربعين» قال: ماذا عليه زاد الكشميهني: من الإثم وليست هذه الزيادة في شيء من الرواية عند غيره والحديث في الموطأ بدونها.

 قال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقًا، لكن في مصنف ابن أبي شيبة: يعني من الإثم، فيحتمل أن تكون ذُكِرت في أصل البخاري حاشية فظنها الكشميهني أصلاً؛ لأنه لم يكن من أهل العلم، ولا من الحفاظ، بل كان راوية. وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب العمدة في إيهامه أنها في الصحيحين، وأنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من أثبتها في الخبر فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحًا لما ذكره النووي في شرح المهذب دونها. قال: وفي رواية رُوِّيناها في الأربعين لعبد القادر الهروي الرهاوي هو، ماذا عليه من الإثم إلى آخره، لكنه في البلوغ ذكرها، يعني انتقد ثم وقع فيما انتقد.

والمقصود، الذي يهمنا فظن الكشميهني؛ لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ، بل كان راوية. والذي عندنا هنا، وهو أي الإيمان قول وفعلٌ ويزيد وينقص، وفي رواية الكشميهني: قول وعمل، وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك. هل موافقة هذا اللفظ كلام السلف يعني أنها أرجح في البخاري؟ ما يلزم، ما يلزم، نعم، ما يلزم، يعني كون السلف يقولون: قول وعمل، والبخاري يقول: قول وفعل ولم يذكر من رواة الصحيح أنك قول وعمل إلا الكشميهني مع أن غيره يرجح عليه لا يلزم أن يكون اللفظ الصحيح في البخاري: قول وعمل.

طالب:...

وفي رواية: قول وعمل، وهو اللفظ الوارد عن السلف الذين أطلقوا ذلك. ووهم ابن التين فظن أن قوله وهو إلى آخره مرفوع لما رآه معطوفًا فليس ذلك مراد المصنف، وإن كان ورد ذلك بإسناد ضعيف. باب الإيمان وقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «بني الإسلام على خمس»، وهو قولٌ وفعل، يعني كأنه أثبت المرفوع ما هو برأي للبخاري، وإنما هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد ورد ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أنه قول وعمل، لكنه بإسناد ضعيف.

 والكلام هنا في مقامين: أحدهما كونه قولاً وعملاً، والثاني كونه يزيد وينقص. الحافظ ابن رجب- رحمه الله-  ذكر عن السلف ما ذكر في هذه المسألة، ثم ذكر كلامًا يُستغرَب إلا إذا عُرِف المغزى منه، وقد كان طائفةٌ من المرجئة يقولون: الإيمان قول وعمل. وكان طائفة من المرجئة يقولون: الإيمان قول وعمل. فيه إشكال؟ الإمام أحمد يقول: هذا أخبث قول. يعني وكان طائفة من المرجئة يقولون: الإيمان قول وعمل موافقة لأهل الحديث، ثم يفسِّرون العمل بالقول ويقولون: هو عمل اللسان يعني من باب التمويه، أحيانًا تجد الإنسان يُعرَف منه المخالفة لأهل الحق كثيرًا، حتى في مسائل معينة، ثم يُلبِّس على الناس في بعض هذه المسائل بكلامٍ يقرب من القول الصحيح، أو هو مطابق للقول الصحيح، لكنه يمكن تأويله وحمله على معنىً باطل. ويقولون: إنه عمل اللسان، وقد ذكر الإمام أحمد هذا القول عن شبابة بن سوار، وأنكره عليه وقال: هو أخبث قول. ما سمعتُ أن أحدًا قال به، ولا بلغني، يعني الإمام أحمد ما سمع من يقول: إن الإيمان قول وعمل؟ السلف قاطبة قاطبة قالوه، لكن بهذا المعنى، وأن المراد بالعمل قول اللسان، هذا تلبيس.

طالب:...

من مرجئ، تقبَّله من مرجئ؟ لما يقول رافضي مثلاً، وقد سمعته يقول: التوحيد أهم من كل شيء، وهو رأس المال. وكل الأمور دون التوحيد تهون، والصلاة رأس مال المسلم ووجه الدين، يقول هذا الكلام وهو يقول: يا علي، يا حسين تقبل كلامه أن التوحيد رأس المال؟

طالب:...

 توحيدهم هم، لكن يقول لك: التوحيد .. هذا يقول هذا، هو يقصد هذا، العمل عمل اللسان.

طالب:...

لا، هم يستغفلون الناس لا سيما في الظروف هذه، واحد يقول: لا يجوز أن تزيد في النصوص ولا كلمة، وسمعته أنا، هو رافضي، يقول: لا يجوز أن تزيد في النصوص ولا كلمة. قال أبو عبد الله لشخص من أتباعه: أكثِر من قول: يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك. فلما أعادها عليه هذا التلميذ قال: يا مقلب القلوب والأبصار، قال: نعم، هو مقلب القلوب والأبصار، لكن زيادتك هذه ابتداع. ما بقي إلا هذه!

طالب:...

لكن أنت تعرف مذهب الرجل، هل تحمله على محمل صحيح؟ هذا تلبيس، تمويه، مثل هذا الذي يقول: الإيمان قول وعمل، وهو معروف أنه مرجئ، ما يرى العمل أصلاً، فعلى كل حال الذي يسمع كلام الإمام أحمد أخبث قول وهو قول في ظاهره مطابق لقول السلف يتعجب! لكن إذا فُسِّر ما سمعت أحدًا أن أحدًا قال به ولا بلغني، يعني أنه بدعة لم يقله أحد من السلف، السلف قاطبة يقولون: الإيمان قول وعمل، لكن المراد بالعمل في قول السلف غير المراد بالعمل نعم، كما أن المراد بالتوحيد عند عند أهل السُّنَّة والجماعة غير التوحيد الذي يشير إليه ذلك الرافضي.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

شبابة بن سوار معروف مذهبه، معروف أنه مرجئ لا يرى العمل داخلًا في الإيمان. ثم اضطرته بعض الظروف أن يقول مثل هذا الكلام.

طالب:...

الفرق بينهما؟

طالب:...

سيجيء كل شيء سيجيء هذا.

طالب:...

على كل حال سيجيء هذا الكلام.

 باب من قال: أن العمل هو الإيمان، كلام كثير لابن رجب في هذا، وهو كلام نفيس جدًّا، يعني كلام ابن رجب يُسطَّر بالذهب في جميع كتابه من أوله إلى آخره، وهو كتابٌ فريد في بابه. يعني لا يضاهيه أي شرح في نفسه السلفي، يعني علم السلف موجود، لم يُمزَج بأي شيء من علم الكلام، لكن لا يعني أننا نقول: فتح الباري وفيه مزيج من علم الكلام ودخل فيه بعض المصطلحات أننا نقول: يُترك ويُهمل، لا، نستفيد من هذا ونستفيد من هذا.

 قال ابن رجب: فصلٌ: قال البخاري: الإيمان قول وفعل، قال زين الدين بن رجب -رحمه الله-: وأكثر العلماء قالوا هو قول وعمل، وهذا كله إجماع من السلف وعلماء أهل الحديث، وقد حكى الشافعي إجماع الصحابة والتابعين عليه وحكى أبو ثور الإجماع عليه أيضًا، وقال الأوزاعي: كان من مضى ممن سلف، كان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان والعمل. وحكاه غير واحد من سلف العلماء عن أهل السُّنَّة والجماعة، وممن حكى ذلك عن أهل السُّنَّة والجماعة الفضيل بن عياض ووكيع بن الجراح، وومن روي عنه أن الإيمان قول وعمل الحسن وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وعطاء وطاووس ومجاهد والشعبي والنخعي والزهري، وهو قول الثوري والأوزاعي وابن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وغيرهم، حتى قال كثير منهم: إن الرقبة المؤمنة لا تجزئ في الكفارة حتى يُؤخَذ منها الإقرار، وهو الصلاة والصيام، منهم الشعبي والنخعي، وأحمد في رواية.

 وخالف في ذلك طوائف من علماء أهل الكوفة والبصرة وغيرهم. وأخرجوا الأعمال من الإيمان وقالوا: الإيمان المعرفة مع القول، وحدث بعدهم من يقول: الإيمان المعرفة خاصة، ومن يقول: الإيمان القول خاصة، والبخاري عبّر عنه بأنه قول وفعل، والفعل، من الناس من يقول: هو مرادف للعمل، الفعل، من الناس من يقول: هو مرادف للعمل، ومنهم من يقول: هو أعم من العمل، وهذا تقدَّمت الإشارة إليه في شرح إنما الأعمال، إنما الأعمال بالنيات، وهل هو مطابق للأفعال، لماذا ما قال: إن الأفعال بالنيات، إلى آخره.

 والفعل من يقول: هو مرادف للعمل، ومنهم من يقول: هو أعم من العمل، فمن هؤلاء من قال: الفعل يدخل فيه القول وعمل الجوارح، والعمل لا يدخل فيه القول عند الإطلاق، ولذلك عطفه على القول، عطف الفعل على القول. يعني مقتضى هذا الكلام الفعل يدخل فيه القول وعمل الجوارح والعمل لا يدخل فيه القول عند الإطلاق.

 ويشهد لهذا قول عبيد بن عمير: ليس الإيمان بالتمني، ولكن الإيمان قول وفعل وعمل يُعمل. خرجه الخلال، ومنهم من قال: العمل ما يُحتاج إلى علاج ومشقة، والفعل أعم من ذلك، ومنهم من قال: العمل ما يحصل منه تأثير في المعمول، كعمل الطين آجرًا، والفعل أعم من ذلك.

 ومنهم من قال: العمل أشرف من الفعل، فلا يُطلَق العمل إلا على ما فيه شرفٌ ورفعة بخلاف الفعل، فإن مقلوب عمل، فإن مقلوب عَمِل لمعَ، ومعناه ظهر وأشرَف.

 كيف نستدل بالمقلوب على معنى ما لم يُقلَب؟ يعني الاشتراك في الحروف الاشتراك في الحروف بغض النظر عن التقديم والتأخير والقلب وغيره، يدل على أن هناك اشتراكًا في المعنى، لذلك لو تراجعون مثل معجم مقاييس اللغة أو تهذيب اللغة للأزهري وجدتم هناك تقاربًا؛ لأنهم يذكرون هذه الحروف على جميع الاحتمالات، ويذكرون من معانيها ما هو متقارب، ولذلك قال: فإن مقلوب عمل لمع، ومعناه ظهر وأشرفَ. وهذا فيه نظر، فإن عمل السيئات يُسمى أعمالاً كما قال تعالى: { مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[سورة النساء: 123]، وقال: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا}[سورة غافر: 40]، ولو قيل عكس هذا لكان متوجهًا. يعني الفعل لما فيه شرف، ولو قيل عكس هذا لكان متوجهًا فإن الله تعالى إنما يضيف إلى نفسه الفعل، كقوله تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ}[سورة إبراهيم: 45]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}[سورة الفجر: 6]، {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[سورة الفيل: 1]، {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء}[سورة الحج: 18].

 وإنما أضاف العمل إلى يديه كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}[سورة يس: 71] وليس المراد هنا الصفة الذاتية، بغير إشكال، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا}[سورة يس: 71] وليس المراد هنا الصفة الذاتية بغير إشكال، وإلا استوى خلق الأنعام وخلق آدم- عليه السلام-.

 لأنه لما يقال لآدم: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، هل قال: إنه خلق الأنعام بيده، ليكون الخلق هنا وهناك الإضافة النسبية واحدة؟ لا.

 واشتق سبحانه لنفسه أسماء من الفعل دون العمل، فقال: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[سورة هود: 107].

 كلام ابن رجب نفيس، نفيس جدًّا، فتوح من الله -جل وعلا- لمن اهتدى بهديه، هناك ناس اتصفوا بالذكاء المفرِط، لكنهم بعدوا عن المصادر، عن الوحيين، فتاهوا، ثم في النهاية، منهم من مات على ضلالة، ومنهم من ندم في آخر عمره، نسأل الله العافية، وكثير منهم نقل عنهم الأسى والحزن على ما قرروه من العقائد، والأمر ليس بالسهل؛ لأن مثل هذه الأمور لا يقتصر الضلال على نفسه، إنما يتعدى ذلك إلى من يقرأ فيما كتبه هذا الضال، ولذا يشترط في توبته البيان، {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}[سورة البقرة: 160] لا بد من البيان، والإشكال أن البيان قد يقصُر، قد يبيّن لكن يقصُر بيانه عن تبليغ كل من تأثَّر به، من مات قبل البيان، مثل الآن في الصحف تنشر مقالًا يضل به كثير من الناس، ثم تكذب وترد على هذا المقال، هل تضمن أن كل من قرأ سيقرأ الرد؟ ما تضمن، ولذلك على الإنسان أن يحسب حسابه، وأن يتصور موقفه أمام الله -جل وعلا-، في كل ما ينطق، وفي كل ما يكتب قبل أن يضل أحد بما يقول أو بما يكتب، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووِزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

 يقول ابن حجر..

طالب:...

ماذا فيها؟

طالب:...   

من التأخير، أخروا العمل عن الإيمان.

طالب:...

شبابة بن سوار. نعم.

 ذكر الإمام أحمد هذا القول عن شبابة بن سوار، وأنكرها عليه.

 يقول ابن حجر: والكلام هنا في مقامين: أحدهما: كونه قولاً وعملاً، والثاني: كونه يزيد وينقص، فأما القول فالمراد به النطق بالشهادتين، وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان، ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى، فالسلف قالوا: هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله.

هذا سبق الكلام فيه، وأنه هل هو شرط كمال أو شرط صحة؟ الشيخ -رحمة الله عليه- الشيخ ابن باز ما علّق على هذا الموضع، فهل يؤخذ منه أنه يرتضي هذا الكلام؟ سئل في مقابلة في مجلة المشكاة، وقال: لا، الصواب أنه شرط صحة، ومن قال: شرط كمال فهو مرجئ، يا شيخ ما علقت على فتح الباري؟ ما علقت على فتح الباري. قال: الكلام مضى عليه أربعون سنة، وهل كان اعتقاد الشيخ في ذلك اليوم يختلف عن اعتقاده اليوم؟ لا.

طالب:... 

 لا يختلف، لا يختلف، اعتقاده هو هو، لكن كونه ما علّق ذكرنا في وقتها أن القضايا إنما يُحتاج إلى التعليق عليها حينما تُثار، حينما تثار، لو أن شخصًا قال: علّقت على جميع ما في فتح الباري من المخالفات، ثم مر أكثر من مخالفة عشرات المخالفات ما ينتبه إليها الإنسان؛ لأنها ما أُثيرت، والمسائل التي تُثار يُقصَد بيانها والرد عليها، أما القضايا التي لا تُثار فإنها تمر لا سيما في دقائق مسائل الاعتقاد عند المخالفين مما لم يطلع عليه المُعلِّق؛ لأن كثيرًا من أهل العلم يقتصر في دراسة العقيدة على كتب أهل السُّنَّة، ولا ينظر في كتب المخالفين، وبعضهم لا، بل ينظر في كتب المخالفين، وينظر في دقائق كلامهم؛ ليرد عليهم، وهذا لا شك أنه أولى وأكمل للمتأهل، يعني ما يصلح لكل أحد، إنما المتأهل عليه أن ينظر في كلام المخالفين ليرد عليهم كما فعل شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم.

 ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان، كما سيأتي، والمرجئة قالوا: هو اعتقاد ونطق فقط، والكرامية قالوا: هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته، والسلف جعلوها شرطًا في كماله. وهذا كما قلنا هذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى، وأما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط، فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق، فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل فِعْل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته، وأثبتت المعتزلة الواسطة فقالوا: الفاسق لا مؤمن ولا كافر، ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم.

 غلاة المرجئة يقولون: لو قُبضت روحه وهو ساجد لصنم لا يحكم بكفره، ما تدري ما اعتقاده، ما تدري ماذا يعتقد، احتمال أن يكون اتخذ الصنم سترة، يعني ما فيه أحد يكفر على هذا، قال: حتى ولو قال: إن الله ثالث ثلاثة؟ قال: ولو قال: إن الله ثالث ثلاثة، والنص في القرآن بكفره، المسألة أنه إذا دخل الإنسان في متاهة، وأُلزم بلوازمها، وأصرّ، يصل إلى هذا الحد، ثبت عن بشر المريسي أنه يقول: سبحان ربي الأسفل، نسأل الله العافية، ثبت عنه، ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب، أعوذ بالله، مع أن الله يقول: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[سورة الرعد: 28]، نسأل الله العافية، يعني يصل الإنسان إلى هذا الحد، لماذا؟ لأنها عقوبات، بعضها عقوبات لبعض، حتى يصل إلى هذا الحد، ولو تأملنا ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، هذا العصيان جرهم إلى الكفر، جرهم إلى الكفر، نسأل الله العافية، لماذا كفروا؟ لأنهم عصوا وكانوا يعتدون؛ لأن هذه الذنوب وهذه المعاصي سواء كانت فعلية أو عقدية تجر إلى ما وراءها، تجد الإنسان في أول الأمر خلاف يسير، ثم يصرّ ويعاند عليه، ثم عاقب بما هو أشد منه، ثم تذكر له اللوازم فيلتزم بها، ويصل إلى هذا الحد -نسأل الله السلامة والعافية-.

وأما المقام الثاني: فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين، وقالوا: متى قبِل الزيادة كان شكًّا.

 طيب، الأدلة على الزيادة كثيرة ذكر البخاري من ذلك ثماني آيات، لكن ما الدليل على النقص؟

طالب:...

أي شيء يقبل الزيادة يقبل النقص، أي شيء يقبل الزيادة يقبل النقص، هذا دليل من الواقع، لكن جاء التنصيص على النقصان في حديث ناقصات عقل ودين.

طالب:...

الأجر سهل، لكن الاعتقاد دين، كيف ينقص؟

طالب:...

ليست مسألة نقصان، ترك هذا، الكلام في الإيمان والنقصان، «ما رأيت من ناقصات عقل ودين» فدلّ على أن دين النساء ناقص.

طالب:...

الكلام على لفظ النقص، نحتاج إلى... الزيادة ما فيها إشكال وردت بأدلة كثيرة.

طالب:...

نعم؟

طالب:...

نعم. يعني أنه إن أنكر بيده في الدرجة الأولى، إذا نقص إيمانه أنكر بلسانه، وإذا نقص أنكر بقلبه، ثم ينتهي الإيمان عند عدم الإنكار بالمراحل الثلاثة، لكن المسألة معلقة بالقدرة والاستطاعة، هل نقول: إن الذي أنكر بيده؛ لأنه يستطيع أكثر إيمانًا من الذي أنكر بلسانه؛ لأنه لا يستطيع؟

طالب:...

هذه قدرته نعم.

طالب: فيه آية، يا شيخ.

طيب.

طالب: فيه آية يستدلون بها، {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [سورة التوبة، الآيتان: 124، 125]. قالوا: هذه زيادة ضعف، وزيادة نقص.

الذي في قلبه مرض لا شك أن المرض ضعف، كونه يزيد هذا الضعف ما هو بالمنطوق، بل بالمفهوم، مثل زيادة الإيمان بهذه الآيات.

طالب: هذه أقرب...

على حد زعمهم نعم.

طالب:...

 بنقص الدين أنها تمكث الأيام لا تصوم ولا تصلي.

طالب:...

نعم.

طالب:...

إجماع السلف قد لا يقتنع به المخالف، قد لا يقتنع به المخالف، يعني مثل ما نبغ إلينا من يقول: في عهد أبي بكر مثلاً يقول في عهد أبي بكر ما أحد قال: إن القرآن مخلوق أو غير مخلوق، في عهد أبي بكر وعمر، فيه أحد قال: إن الإيمان ... فيه أحد قال: إن القرآن غير مخلوق في عهد أبي بكر؟ إذًا كيف نقول: إن القرآن غير مخلوق؟ وفي صدر الأمة ما قال. ما فيه داعٍ لقولها، أمور وفِطَر وعقائد ويقين لا يزحزحه شيء، رواسٍ مثل الجبال، ثم بعد ذلك نقول: ما قالوه؟

طالب:...

طيب.

طالب:...

ماذا فيه آخر الحديث؟

طالب:...

لا، الكلام في مقامنا هذا الإيمان يزيد وينقص، فالزيادة ما فيها إشكال، وأما النقصان فالاستدلال له ما هو مثل الاستدلال للزيادة، فمن قال: إن ما قَبِلَ الزيادة يقبل النقصان هذا أمر مقرر ومنتهٍ، لكن نحتاج إلى نصّ مثل حاجتنا يعني مع مع الفارق إلى إثبات أن الأراضين سبع، السماوات سبع بنصّ القرآن، نحتاج إلى إثبات أن الأراضين سبع، {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[سورة الطلاق: 12] مثلهن في إيش؟ في العدد؟ ما يلزم، فنحتاج إلى دليل عليه، «طُوِّقَه من سبع أراضين»، «طُوِّقَه من سبع أراضين»، نحتاج إلى مثل هذه؛ لأن الطرف الأول مقطوع به، والثاني يحتاج إلى شيء من الاستدلال، نعم ما قَبِلَ الزيادة يقبل النقص، لكن نحتاج إلى أدلة أصرح من هذا، ولذلك يذكر عن مالك أن الإيمان يزيد ولا ينقص، أن الإيمان يزيد ولا ينقص.

طالب:...

من في قلبه مثقال ذرة.

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

ماذا؟

طالب:...

الكلام على أصله، أصله موجود.

طالب:...

أنت ما تخاطب شخصًا مقتنعًا، تأتي بمثل هذه الأدلة المحتمِلة، أنت تخاطب شخصًا معاندًا مقتنعًا بكلام غير ما تقول، نعم، فيحتاج إلى دليل مثل أدلة الزيادة، مثل أدلة الزيادة.

طالب: الرجل لما استشكل وسأل ابن عباس: كيف يزول إيمانه وقد زنى وقد سرق...؟

على كل حال حتى في كلام ابن رجب سيأتي أشياء تدل.

طالب:...

ينكت في قلبه، يبقى الإيمان ما يتزعزع عندهم، عندهم هم ما يدل على نقص، خلاص الإيمان مقداره واحد، ما يزيد ولا ينقص؛ لأنه لو زاد أو نقص صار شكًّا، إذا تخلخل؛ لأنه ما معنى الإيمان؟ الاعتقاد الجازم، ما معنى الجازم؟ الذي لا يحتمل النقيض، وعندهم أن الإيمان لا بد أن يبلغ إلى درجة العلم، ما يكفي فيه الظن مثل بقية أحكام الدين. وهذا الذي أوقعهم في مثل هذا.

طالب:...

نعم.

طالب:...

يضعف، يضعف بيانه وظهوره ووضوحه، مثل ما يخفت البياض من الثوب من كثرة الأوساخ إذا اخلولق.

طالب:...

ماذا فيه؟

طالب:...

هذا شيء متفق عليه ومقرر، وسنرى كلام ابن حجر ثم كلام ...

طالب:...

أعلاها وأدناها.

 البخاري -رحمه الله- بنى على هذه القاعدة التي قررها جميع الأبواب اللاحقة، جميع الأبواب اللاحقة بناها على هذا أنه قول وفعل يزيد وينقص، ثم بعد ذلك الصلاة من الإيمان، الزكاة من الإيمان، صيام رمضان من الإيمان بيبين هذا كله -رحمه الله- .

وأما المقام الثاني: فذهب السلف إلى أن الإيمان يزيد وينقص، وأنكر ذلك أكثر المتكلمين، وقالوا: متى قبل ذلك كان شكًّا، قال الشيخ محيي الدين يعني النووي: والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة. التصديق تصديق الخبر مثل ما ذكرنا سابقًا، أنه ليس تصديقك لخبر يأتي به رجل على مستوى من الصدق والديانة والضبط مثل تصديقك لخبر من هو دونه في هذه الأوصاف، وإن كان ممن يُقبَل خبره. فالتصديق، وإذا انضم إلى الأول ثانٍ زاد التصديق، وإن انضم إلى الثاني ثالث، وهكذا يزيد التصديق حتى يصل إلى حد القطع، وكل ما زاد التصديق ضعف مقابله. زيد ثقة قال لك: جاء فلان، وعمرو ثقة وقال لك: لا لم يحضر، زيد عندك أوثق من عمرو، الآن قوله أرجح، ثم جاء بكر وقال: قدِم فلان مثلما قال زيد، ثم جاء ثالث ورابع وخامس كلهم يقولون: قدِم، التصديق يزيد وضده ينقص، حتى فيما قالوه: إن التصديق واحد لا يزيد ولا ينقص، ما هو بصحيح، وهذا شيء محسوس. شخص ذاهب إلى المستشفى، وأبوه مريض، وهو بين اليأس والرجاء، وهو في طريقه إلى المستشفى يزيد الأمل عنده أحيانًا وينقص في حياة والده، اتصل عليه من اتصل قال: الوالد حالته رديئة، ثم اتصل عليه ثانٍ: الوالد في غيبوبة، اتصل عليه ثالث، هل يزيد رجاؤه في صحته؟ يتضاءل من الجهة الثانية.

 نعم، هذا يزيد وهذا يتضاءل، لكن لو كان العكس، يزيد، يزيد الرجاء، كل هذه الأمور معادلات، مثل كفتي الميزان، إذا ارتفعت واحدة نزلت الأخرى، نعم، هما نقيضان.

 قال الشيخ محيي الدين يعني النووي: والأظهر المختار أن التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر ووضوح الأدلة، ولهذا كان إيمان الصديق أقوى من إيمان غيره بحيث لا تعتريه الشبهة، ويؤيده أن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى إنه يكون في بعض الأحيان الإيمان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلاً منه في بعضها، أحيانًا يرد عليه معصية، فيدفعها بقوة، ولا يلتفت إليها، وأحيانًا ترد عليه المعصية فيتردد فيها، وأحيانًا ترد عليه المعصية فيفعلها، هل نقول: إن إيمانه في المرة الأولى مثل إيمانه في المرة الأخيرة؟ ما يمكن، وهذا يلمسه كل إنسان من نفسه، ومن محيطه، هل إيمان أحد الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار الذي أغرى المرأة بالمال ووافقت على أن يزني بها في مقابل هذا المال، هل إيمانه أثناء المراودة مثل إيمانه حينما قال: إني أخاف الله؟ يختلف.

 كل إنسان يجد هذا من نفسه، يسمع الآية وكأنها ليست قرآنًا في بعض الأحيان، ويسمع الآية نفسها من نفس القارئ ويبكي، هل نقول: إن إيمانه مستواه هنا مثل مستواه في الحال الأخرى؟ حتى إنه يكون في بعض الأحيان الإيمان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلاً منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، وقد نقل محمد بن نصر المروزي في كتابه: تعظيم قدر الصلاة عن جماعة من الأمة نحو هذا، وما نُقِل عن السلف صرّح به عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي وابن جريج ومعمر وغيرهم، وهؤلاء فقهاء الأمصار في عصرهم. وكذا نقل أبو القاسم اللالكائي في كتاب السُّنَّة عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم من الأئمة، وروى بسنده الصحيح عن البخاري قال: لقيتُ أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار، فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وأطنب أبو حاتم واللالكائي في نقل ذلك بالأسانيد عن جمع كثير من الصحابة والتابعين، وكل من يدور عليه الإجماع من الصحابة والتابعين، وحكاه فضيل بن عياض ووكيع عن أهل السُّنَّة والجماعة.

 وقال الحاكم في مناقب الشافعي: حدثنا أبو العباس الأصم قال: أخبرنا الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وأخرجه أبو نعيم في ترجمة الشافعي من الحلية من وجه آخر عن الربيع وزاد: يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ثم تلا: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}[سورة المدثر: 31] الآية، ثم شرع المصنف يستدل لذلك بآيات من القرآن مصرِّحة بالزيادة، ثم في الدرس القادم إن شاء الله نعرض لكلام ابن رجب في هذه المسألة، ونستعرض الآيات.

 والله أعلم.

 وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"