كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 05

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في محرره:

باب: الأذان

عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم.

وعن مالك بن الحويرث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) متفق عليه.

وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل ليضرب به للناس.

ليضرب، ليضرب.

ليضر به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.

فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت، فقال: ((إنها لرؤيا حق -إن شاء- الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك)) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلله الحمد)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وروى الترمذي بعضه وصححه، وزاد أحمد: "فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة" قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر، قال البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الأذان.

وعن أبي محذورة -رضي الله عنه-: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله" كذا رواه مسلم، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وذكروا التكبير في أوله أربعاً، وفي رواية أحمد في آخره: والإقامة مثنى مثنى: لا يرجْع.

لا يُرجِّع.

لا يرجِّع.

وروى الترمذي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبعة عشرة كلمة.

سبع.

سبع عشرة كلمة، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: "من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم. رواه ابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني.

وعن أنس قال: "لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" متفق عليه، وزاد البخاري: "إلا الإقامة".

وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالاً يؤذن، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" متفق عليه. ورواه أبو داود وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر" وفي رواية أحمد والترمذي: "رأيت بلالاً يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولابن ماجه: فاستدار في أذانه، وجعل إصبعيه في أذنيه.

يكفي بركة، يكفي.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: الأذان

وبعض الناس يمد الهمزة فيقلب المعنى فيقول: الآذان، الآذان جمع أذن التي هي محل حاسة السمع، فهي مقصورة الأذان.

والأذان هو الإعلام، الأذان في الأصل هو الإعلام، فإن كان في أول الوقت قلنا: إنه الإعلام بدخول وقت الصلاة، وإن كان في أثنائه لقرب الصلاة لمن أراد تأخيرها وأذانه لا يشوش على الناس فإنه يكون حينئذٍ الإعلام لقرب أداء الصلاة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ناموا عن صلاة الفجر حتى خرج وقتها أذنوا،

أما بالنسبة للبلدان التي يحصل فيها التشويش على الناس فالأذان لا بد أن يكون في أول الوقت؛ لأنه تترتب عليه أحكام، والمعذورون في البيوت يغترون بالأذان إذا تقدم عن الوقت أو تأخر عنه، وتلتبس عليهم بعض الأحكام، وتبطل عليهم بعض العبادات، فإذا تأخر الأذان عن وقته بالنسبة لصلاة الصبح في رمضان استمر الناس يأكلون حتى يؤذن، وقد يأكلون بعد طلوع الصبح، وإذا تقدم بالنسبة للمغرب أكلوا قبل غروب الشمس، فلا بد أن يكون الأذان مع دخول الوقت، ولو قدر أن الإمام مثلاً رأى المصلحة في تأخير الصلاة في وقت من الأوقات أو لظرف من الظروف، فإنه يؤذن للصلاة في وقتها التي ترتب عليها الآثار والأحكام الشرعية، وإذا أراد تأخير الصلاة يؤخرونها لا مانع من تأخير العشاء في رمضان نصف ساعة أو ساعة أو أكثر ما لم يخرج وقتها إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك ما لم يشق على الناس، لكن الأذان ينبغي أن يكون في وقته.

ولا شك أن المصلحة راجحة في تأخير صلاة العشاء في رمضان؛ ليتمكن الناس من أكل ما يحتاجون إليه بعد الصيام، وأخذ شيء من الراحة، ولا يكون هذا نوم، لكنه استرخاء وراحة بعد الصيام، واستقبال للعبادات اللاحقة بنشاط كقيام الليل، هذا جيد، لكن ينبغي أن يكون الأذان في وقته؛ لأن هناك أناس لديهم عذر عن حضور الجماعة، والأحكام مترتبة على دخول الوقت، وبعض الجهال -وقد حصل- في رمضان يصلي العشاء في وقتها المعتاد، بعد مضي ساعة ونصف، يعني كما تصلى في شعبان أو شوال، يعني كما يؤذن لها بعد غروب الشمس بساعة ونصف يقيم لصلاة العشاء ثم يصلي من التراويح تسليمتين أو ثلاث، ثم يكون الأذان الرسمي قد حل، ثم يؤذن للصلاة، هذا تأذين مبتدع ذا؛ لأنه بعد الفراغ من الصلاة، فيريد أن يخرج مع جماعته في المسجد قبل الناس، ويتحايل على الأمر المرتب على المصلحة من قبل ولي الأمر، فلا يؤذن إلا في وقت أذان الناس، يعني بعد مضي ساعتين من غروب الشمس، يعني بعد نصف ساعة من دخول الوقت، هذا لا شك أنه يدل على جهل، بل جهل مركب، يصلي الصلاة في أول وقتها، ولا ينتظر إلى التوجيه في تأخيرها مدة نصف ساعة، ثم بعد ذلك إذا صلى الفريضة أربع ركعات، وصلى من التراويح تسليمتين أو ثلاث يكون الأذان الرسمي قد حل، فيؤذن للصلاة في هذا المسجد الذي أديت فيه الفريضة وهذا حصل، وهذا جهل بلا شك، ولو أن الأذان بقي في محله في وقته في أول الوقت، ثم بعد ذلك لا تقام الصلاة إلا بعد مضي نصف ساعة أو ساعة، حسب ما يراه الإمام من اجتهاد مبني على المصلحة، مصلحة الناس، لكن قد يقول قائل: ما ذنب المؤذن يقال له: تقدم وأذن، المؤذن لا يضره -إن شاء الله- المؤذن في الوقت نظراً للمصلحة العامة؛ لأن الناس يتعلقون بهذا الأذان، وهذه حكمة مشروعيته.

فالأذان إنما شرع لجمع الناس، فإذا تعارف الناس أن الصلاة تؤخر في هذا الوقت لظرف من الظروف ولأمر من الأمور عرفوا ذلك، وبلغ بعضهم بعضاً، وصارت عادة مطردة، ما يمنع أن يقدم الأذان ولا تقام الصلاة إلا بوقتها؛ لأن من الناس من لا يعرف دخول الوقت، وقد يترتب على ذلك في رمضان من يؤخر صلاة المغرب إلى قبيل أذان العشاء، وأذان العشاء في رمضان يتأخر عن وقته نصف ساعة، فيكون قد صلاها بعد خروج وقتها؛ لأنه اعتاد أن الوقت أن الأذان على الوقت.

المقصود أنه لو كان الأذان في وقته، والصلاة تؤخر حسب ما تقتضيه المصلحة، والسنة فيها -أعني صلاة العشاء- التأخير.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم" المؤذنون جاء في فضلهم ما جاء منها هذا الحديث، بل من أصحها ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) والمؤذن يشهد له يوم القيامة كل من سمع صوته من مدر وحجر، ولذا يختلف أهل العلم في المفاضلة بين الأذان والإمامة، فمن رأى هذه النصوص مما لم يرد نظيره في الإمامة رجح الأذان، ومن رأى أن الإمامة وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يثبت عنه أنه أذن قال: الإمامة أفضل؛ لأن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وماذا عن الجمع بينهما هل يشرع أو لا يشرع؟ أن يكون الشخص الواحد مؤذن وإمام في آن واحد، وهذا قد يتسنى ممكن، هل نقول: إنه يحصل على فضل الأذان وفضل الإمامة؟ أما إذا وجدت المشاحة من أكثر من شخص يريد أذان، وأكثر من شخص يريد الإمامة، فلا يمكن شخص من الأمرين معاً، بل يمكن من أحدهما، أما إذا لم يوجد ففضل الله واسع، وحينئذٍ يحصل له أجر الإمام وأجر المؤذن، والأجور الواردة في النصوص هي مرتبة على من لم يأخذ على عمله أجراً، الذي يؤذن حسبة، والذي يصلي بالناس حسبة، أما من يأخذ الأجر فهذا لا يدخل في مثل هذه النصوص، لو قدر أن إنسان جاء ليؤذن للناس، أو يصلي بالناس محتسب الأجر من الله -جل وعلا- ثم بعد ذلك فرض له من بيت المال جُعل أو ما أشبه ذلك أو إعانة هذا لا يؤثر عليه إن لم يكن هو قصده وهمه، إن لم يكن ذلك قصده وهمه هذا لا يؤثر عليه، لكن نرى في أوساط الناس من اتخذ الإمام والمأذنة حرفة بحيث يطلب الفئة الأعلى، أنا لا أؤذن في هذا المسجد؛ لأنه فئة جيم، أذن في مسجد آخر، فئة ألف أكثر أجر، ثم بعد ذلك ينظرون إلى مسألة البيت، بيت الإمام وبيت المؤذن وهذا أوسع، وهذا أنظف، يعني صارت الأمور مرتبطة بالدنيا -نسأل الله العافية-، والله المستعان.

المقصود أن هذه النصوص التي تدل على فضل الأذان إنما هي لمن لا يأخذ على أذانه أجراً، من أذن حسبة، ثم إن جاءه ما جاءه من جُعل من بيت المال لم يقصده، ولم يكن هو الدافع له ولا الناهز فإن هذا لا يؤثر عليه.

((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) ومن مقتضى طول العنق أنه يشرف على ما لا يشرف عليه غيره، ويسلم مما لا يسلم منه غيره، حينما العرق يلجم الناس على حسب أعمالهم هذا المؤذن طال عنقه ويسلم من ذلك، وهذا شرف، ومنهم من يقول: إنه يطول عنقه ليرى ما أعد له قبل غيره، ومنهم من يقول: الضبط بكسر الهمزة ((المؤذنون أطول الناس إعناقاً يوم القيامة)) يعني أنهم يسيرون العنق، والعنق ضرب من السير الشديد، فهم يجرون جرياً، والناس يمشون مشياً.

على كل حال كلها أقوال ومفاد الحديث ذكر فضل المؤذنين، وجاء في الخبر وهو ضعيف: ((من أذن ثنتي عشرة سنة لم تمسه النار)) لكنه خبر ضعيف.

والقرطبي ذكر أخبار وآثار وأحاديث جلها لا يثبت في تفسيره في أول موضع ذكر فيه الأذان في القرآن، أين؟ في المائدة؟ {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [(58) سورة المائدة] هذا أول موضع يذكر فيه الأذان.

((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) قد يكون من الناس الذين فضل عليهم المؤذنون ممن هم أفضل منهم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، يدخل في الناس الأنبياء والشهداء والعلماء والصالحون يدخل في هذا سائر الناس، فهل معنى هذا أنهم يختصون بهذه الخصيصة دون غيرهم ممن يفضلهم؟ نعم هل نقول: إن المؤذنين أطول الناس بما فيهم الأنبياء؟ نعم؟

المؤذن يبلغ الناس كلمة التوحيد، ويدعو الناس إلى أفضل العبادات، فله فضيلة، وله مزية، وله شرف، لكن هل يقتضي ذلك أنه أشرف من غيره، ويختص بهذه الخصيصة دون غيره؟ أطول؛ لأنه قد يكون في غيرهم طول، في غيرهم من الشهداء والصالحين والعلماء وقبلهم الأنبياء في أعناقهم طول، لكن هؤلاء –أعني المؤذنين- بما فيهم من متعلمين وعامة لأن الأذان لا يقتصر على المتعلمين، هل نقول: إن هؤلاء العامة الذين لا يحسنون ولا قراءة القرآن أطول أعناقاً من سائر الناس بما فيهم الأنبياء والشهداء والصالحين؟ أو نقول: إن الناس عام يراد به الخصوص وإلا فالأصل العموم؟ أو نقول: إن المراد العموم وهم أطول الناس أعناقاً، ويختصون بهذه الخصيصة دون من سواهم، وكون الإنسان يختص بشيء لا يعني أنه أفضل من غيره من كل وجه.

المؤذن أطول عنق من الإمام، لكن الإمام جاء فيه من الفضائل ما لا يلحقه به المؤذن، الأنبياء منازلهم معروفة، الشهداء منازلهم معروفة، العلماء أيضاً منازلهم ودرجاتهم في الدنيا والآخرة معروفة، ولا يعني هذا أنهم أفضل منهم من كل وجه، يعني من هذا الوجه نعم، أما من عداهم من وجوه كثيرة جداً جداً لا يفضلونهم، ويقرر أهل العلم أن التفضيل من وجه لا يقتضي التفضيل من كل وجه، فأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم -عليه السلام-، هل يعني هذا أنه أفضل من محمد؟ لا، ما قال بهذا أحد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أول من تنشق عنه الأرض وأول من يبعث نقول: أول من تنشق عنه يوم القيامة، فإذا قام فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، يقول: ما أدري هل بعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور، يعني أنه ما صعق أصلاً، ولا يعني هذا أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-، فكون المؤذنين أفضل من هذه الحيثية لا يعني أنهم أفضل من غيرهم من كل وجه.

((أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) وهذا الحديث في صحيح مسلم.

ثم قال:

"وعن مالك بن الحويرث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم))" مالك بن الحويرث جاء مع مجموعة إلى المدينة، ولازموا النبي -عليه الصلاة والسلام- أيام، ورأوا أفعاله، وسبروا صلاته وعباداته وشمائله، ثم انصرفوا إلى أهلهم، وذكر مالك بن الحويرث من صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يذكره غيره، أرادوا الانصراف فأوصاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) ما ذكر مفاضلة بينهم، يؤذن كذا وإلا فكذا وإلا فكذا، كما ذكر في الإمامة، يؤذن أحدكم أي شخص منكم، لكن يلاحظ في الأذان تحقيق الهدف الذي من أجله شرع بأن يكون المؤذن صيتاً، وأن يكون ندي الصوت على ما سيأتي.

((فليؤذن لكم أحدكم)) لو وجد مثلاً مجموعة فيهم شخص أبح أو ألثغ هل يدخل في قوله: ((أحدكم))؟ إنما المأذنة لها شروط واعتبارات؛ لأنها شرعت لحكمة لا بد من تحقق هذه الحكمة، فالألثغ يغير الحروف، والأبح لا يبلغ من حوله فضلاً عن من بعد عنه فلا يصلح، ولا بد أن يكون ثقة، والثقة لا بد منها؛ لأنه بالنسبة للمؤذن مخبر، مخبر للناس عن دخول الوقت، فإذا لم يكن ثقة لا يعتمد على خبره، والثقة كما تكون في دينه تكون أيضاً في معرفته بالأوقات، لا بد أن يكون ممن يعرف الأوقات.

((وليؤمكم أكبركم)) هم جاءوا ومكثوا عند النبي -عليه الصلاة والسلام- مدة وانصرفوا، جاءوا جميعاً وانصرفوا جميعاً، إذاً ما تلقوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- قريب من السواء، ما حفظوه من القرآن قريب من السواء، إسلامهم ومجيئهم في وقت واحد، ورجوعهم في وقت واحد، إذاً لا يتجه إليهم ((يؤم الناس أقرؤهم)) هم متساوون في القراءة، معروف أنهم جاءوا جميعاً ورجعوا جميعاً، وأخذوا شيء واحد من النبي -عليه الصلاة والسلام- على قدر واحد، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، هم لا يتفاوتون في هذا، إنما يتفاوتون..، وإسلامهم واحد، يتفاوتون في شيء واحد وهو السن، بعضهم أكبر من بعض، ولذا قال: ((وليؤمكم أكبركم)) لأن التفاوت بين الناس حينما يتشاحون حول الإمامة مرده إلى حديث أبي مسعود البدري ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) ولو كان أصغرهم ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) ((فأكبرهم سناً)) وفي رواية: ((سلماً)) يعني إسلاماً، المقصود أن هذه هم تساووا في هذه الأمور، ولم يبق إلا السن، ولذا قال: ((وليؤمكم أكبركم)) ولا شك أن الكبر كبر السن له دخل مدخل شرعي في التقديم، وجاء في الحديث الصحيح: ((كبر، كبر)) فالكبير أولى من الصغير ممن هو دونه في السن في كثير من الأمور. "متفق عليه".

"وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه" ومضى في الوضوء عبد الله بن زيد بن عاصم، وهذا غير هذا، ووهم من جعلهما واحداً، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: ليس له إلا هذا الحديث، مع أن الحافظ ابن حجر في التلخيص أثبت له حديثين غير هذا الحديث، فصارت مروياته ثلاثة، يعني حديث في الصدمة: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) عند النسائي، وحديث في تقسيم الشعر، شعر النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن له أكثر من حديث، ومن أثبت حجة، من حفظ حجة على من لم يحفظ.

"وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل؛ ليضرب به للناس لجمع الصلاة" الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وكان الناس في مكة عددهم قليل، ينفذهم الخبر بسرعة، ويجتمعون ويصلون، لكن لما هاجروا إلى المدينة وكثروا احتاجوا على شيء ينبههم ويجمعهم للصلاة، فجاءت الاقتراحات، فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوساً، فقيل: الناقوس للنصارى، وقال بعضهم: لو اتخذنا بوقاً، فقالوا: البوق لليهود، واقترح بعضهم أن يتخذ نار توقد عند دخول الوقت يراها الناس، فقالوا: النار للمجوس، فلا شك أن كل شيء فيه مشابهة للكفار لا يجوز اتخاذه، لا سيما في أمور العبادات، الأمر عام للعبادات والعادات، لكن أمر العبادة أشد وأعظم، ولذا كون الإنسان يشابه النصارى فيتخذ ناقوس في جيبه يصحبه معه، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا تصحبه، بل نهى أن تصحبه رفقة فيها جرس، يضرب الناقوس في سائر الأحوال، يعني الإنسان في بيته أو في سوقه أو منفرد أو عنده جماعة تضرب هذه النواقيس في جيوب المسلمين هذا لا شك أن هذا محرم، لكن أين هذا كونه في عبادة! يعني إما يطوف أو يصلي أو يقرأ القرآن أو ما أشبه ذلك، والناقوس يرن في جيبه، هذه مشكلة، وبعض الساعات في المساجد تصدر أصوات في بيوت الله مثل النواقيس، وبعض نغمات الجوال مثل النواقيس وتسمعها في المطاف، وتسمعها في الصف في الصلاة، وتسمعها في المساجد، ولا شك أن استعمال المعازف والمزامير محرم في كل حال، لكن يشتد التحريم إذا كان في عبادة، فيكف يتخذ من أجل العبادة؟ فيدعى الناس به، ويعلم الناس بدخول الوقت بالناقوس، هذا للنصارى، والبوق لليهود، والنار للمجوس، فتفرقوا من غير اتفاق.

عبد الله بن زيد بن عبد ربه هذا كأنه أهمه هذا الشأن، فلما نام طاف به طائف، يقول: "طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: ندعو به إلى الصلاة" يعني تحقيقاً للاقتراح السابق، ندعو به إلى الصلاة "قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟" يعني أفضل من ناقوس النصارى، شيء تتفرد به هذه الأمة "فقلت: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر" يعني بتربيع التكبير من غير ترجيع.

عبد الله بن زيد فيه التربيع وليس فيه ترجيع، حديث أبي محذورة الآتي في مسلم بتثنية التكبير مع الترجيع، وفي غيره في المسند والسنن تربيع التكبير والترجيع، المقصود أن هذا الحديث وهو الأذان المدني الذي رآه عبد الله بن زيد بتربيع التكبير.

قال: "تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر" والقرن بين التكبيرتين لا شك أنه أرجح من إفراد كل تكبيرة، فيقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، بدليل حديث: إجابة المؤذن، فقال: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، تقول: الله أكبر الله أكبر)) بينما في الشهادتين أفردهما ((فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله)) ولم يجمع بينهما، فالمرجح قرن التكبيرتين الأولى والثانية، ثم الثالثة مع الرابعة.

"أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله" تقول: الله أكبر بهذا اللفظ، والألف أو الهمزة الأولى في لفظ الجلالة همزة وصل، فلا تقطع إلا مع بداية الكلام، ولا تمد لئلا تنقلب استفهام، ولا تشبع الضمة في لفظ الجلالة؛ لئلا يتولد عنها حرف زائد الواو، ولا تمد همزة أكبر؛ لئلا تنقلب أيضاً استفهام، ولا تمد الباء، فيقال: أكبار، كما نص على ذلك أهل العلم؛ لأن أكبار كأسباب جمع كبر كسبب وهو الطبل، كما في كتب اللغة، فينقلب المعنى.

"أشهد أن لا إله إلا الله" بعض الناس حتى من طلاب علم نسمع من يقول: أشهد أنّ لا إله إلا الله، أشهد أنّ لا إله إلا الله، وهي بهذا اللفظ أشهد أنْ لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.

"أشهد أنّ محمداً رسول الله" أشهد أن لا إله حق أو معبود بحق إلا الله -جل وعلا-؛ لأن الآلهة المعبودة بغير حق الذي هي مجرد أسماء لا حقيقة لها كما قال -جل وعلا- موجودة، لكن المعبود بحق هو الله -جل وعلا-.

"أشهد أن محمداً رسول الله" هذه شهادة لنبي الله محمد -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة، وبعض المؤذنين بل كثير من العامة يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله، بفتح الجزأين، واللغة الصحيحة الفصيحة: أشهد أن محمداً رسولُ الله، وإن وجد في لغية عند بعض العرب من ينصب الجزأين، من مدخولي (أن) لكن الكلام الشرعي إنما يحال على اللغة الفصيحة المشهورة لغة قريش.

"حي على الصلاة، حي على الصلاة" يعني تعالوا هلموا إلى الصلاة "حي على الفلاح" مثلها، والفلاح كلمة جامعة للفوز والسعادة في الدنيا والآخرة؛ لجميع أسباب ذلك، ولذا يقال: لا يوجد كلمة تغني عنها، أو كلمة تدل بمفردها على المراد، كما قالوا في النصيحة.

"حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" يعني لا معبود بحق إلا الله -جل وعلا-.

"ثم استأخر عني غير بعيد" ليكون هناك فاصل بين الأذان والإقامة، فاستأجر عنه غير بعيد "ثم قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة" يعني للإقامة "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" فجمل الأذان على حديث عبد الله بن زيد كم؟ سبع عشرة، وجمل الإقامة كم؟ إحدى عشرة؟ كم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

الأذان كم؟ خمس عشرة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله" خمس عشرة، الجمل خمس عشرة، ويأتي أكثر من ذلك، وجمل الإقامة كم؟ إحدى عشرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلا الإقامة، فالأذان شفع، والإقامة وتر، يستثنى من ذلك في الإقامة الإقامة، وهل يستثنى في الأذان شيء؟ كلمة التوحيد وتر، كلمة التوحيد في آخره وتر.

قد يقول قائل: إن الإقامة فيها شفع غير الإقامة الله أكبر، الله أكبر، نعم هذا فيه حجة أيضاً لمن يقول: بقرن التكبير، ليكون التكبيرتان كالواحدة.

"قال: فلما أصبحت" قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه: "فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت في الرؤيا، فقال: ((إنها لرؤيا حق))" قد يقول قائل: إن هذا أمر شرعي، فكيف نبني حكم شرعي على رؤيا؟ وهل الرؤى يبنى عليها أحكام شرعية؟ الجواب: لا، لا يبنى عليها أحكام شرعية، فالدين كامل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، والمعول في ذلك على نصوص الكتاب والسنة، لا على الرؤى والمنامات والأحلام والأضغاث، لا، لكنها اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((إنها لرؤيا حق)) فأقرها فاكتسبت الشرعية من هذا الإقرار.

((إن شاء الله)) هل هذا شك أو تحقيق؟ هل هذا تعليق أو تحقيق؟ تحقيق هذا، فالتأكيد بـ(أن) واللام منه -عليه الصلاة والسلام-، ((إنها لرؤيا حق)) هذا يدل على أنه لم يتردد في ذلك ((فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به)) قد يقول قائل: إن عبد الله بن زيد صاحب الشأن أولى من بلال بالأذان، لماذا لم يتخذ هو المؤذن؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر العلة ((فإنه أندى صوتاً منك)) وهل يمكن أن يجد عبد الله بن زيد في نفسه شيء على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال: ((ألقه على بلال))؟ لا يمكن؛ لأنه ليس هذا من عادة الصحابة أن يجدوا في أنفسهم شيء مما قضى الله ورسوله.

((فإنه أندى صوتاً منك)) هذه العلة، فهي تدل على أن هذا مطلوب في المؤذن أن يكون صيتاً مع نداوة.

"فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته فخرج يجر رداءه" لينظر ماذا حصل؟ يعني أول أذان يسمعه، يمكن للاجتماع من أجل حرب، هو ما يدري عن هذا قبل، فخرج يجر رداءه، والعادة أن مثل هذا يكون فزع "ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى" خرج يجر رداءه ليخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رأى مثل ذلك "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلله الحمد))" حيث تواطأت الرؤيا على مثل هذا وهو حق.

"رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وروى الترمذي بعضه وصححه" وعلى كل حال حديث عبد الله بن زيد في الأذان صحيح.

"وزاد أحمد: "فكان بلال مولى أبي بكر" بلال بن رباح مولى أبي بكر "يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي الرواتب في بيته، ويتأخر إلى قرب الإقامة، حتى يدعوه بلال إلى الصلاة "ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" في من الأسئلة من يقول: هل الأفضل للإمام أن يتقدم إلى الصلاة، ويأتي مع الأذان، ويكتب له ما رتب على ذلك من الأجور كغيره، أو الإمام يتأخر حتى يؤذن بالصلاة كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟

نقول: إن كان ينشغل في هذه المدة بعبادة من صلاة أو تلاوة أو تحضير علم أو ما أشبه ذلك، فكونه لا يحضر إلا مع الإقامة اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- فهو على خير على كل حال، وإن كان لا ينشغل بعبادة فالتقدم إلى الصلاة أفضل بلا شك، مع ما يحصل مع ذلك من عبادات.

"فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم" لأنه إذا صلى ركعتي الصبح اضطجع على جنبه الأيمن.

قال: "فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" لأنه كما تقدم الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوقظ، بل يترك حتى يستيقظ كما تقدم في قصة نومهم عن الصلاة.

"فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" ثم بعد ذلك أدخلت هذه الكلمة في التأذين بإقراره -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يقول قائل من المبتدعة: إن لنا أن نزيد من الأذكار ما يوقظ الناس، وفي البلدان الأخرى يوجد من المؤذنين بعض البدع، منها ما يدخل في أثناء الأذان، ومنها ما يوجد قبله في مكانه، ومنها ما يوجد بعده في مكانه، ولا يجوز الزيادة على ما جاء عن الشرع في أمور العبادات لا تجوز الزيادة، فتجد في بعض الجهات: "حي على خير العمل" هذه بدعة فضلاً عن من يقول: أشهد أن علياً ولي الله، وبعض الجهات يذكرون الله بأذكار في أثناء الأذان، لا شك أن إدخالها في أثنائها -وإن كانت ذكر مطلق- يدخل ذلك في حيز البدعة؛ لأن السامع يظنها من جمل الأذان، وقد يتوسع الناس في ذلك، وقد يأتي على الناس أزمان يقولون: سمعناها في عهد فلان من المشايخ، وما أنكر، فتثبت سنة وهي في الحقيقة بدعة، فلا يجوز الزيادة على جمل الأذان الواردة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، إنما يؤخذ بجميع ما ورد، مما صح وثبت، وإذا ثبت في حديث عبد الله بن زيد ما لم يثبت في حديث أبي محذورة أو العكس نأخذ بالجميع، لكن لا نلفق بين الأذانين أذاناً واحداً، بل نجعله من اختلاف التنوع، نؤذن بهذا أحياناً، ونؤذن بهذا أحياناً، لا مانع، أما أن نجمع بين ما جاء في حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة، والأحاديث الأخرى على ما سيأتي ونسوقها مساقاً واحداً لا شك أن مثل هذا تلفيق غير مرضي، كما يقال في صيغ الاستفتاح أو في صيغ التشهد أو ما أشبه ذلك، مما جاء مما هو من قبيل اختلاف التنوع.

"قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر".

"قال البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الأذان" وعرفنا أن الحافظ ابن حجر في التلخيص قال: فيه نظر، فإن له عند النسائي وغيره حديثاً غير هذا في الصدمة، وعند أحمد في قسمة النبي -عليه الصلاة والسلام- شعره وأظفاره إلى آخره، فله أكثر من حديث، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.