التعليق على تفسير القرطبي - سورة ق (01)
بسم الله الرحمن الرحيم.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم آمين يا رب العالمين.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-: "قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29-23]
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ قَرِينُهُ} [ق:23]، يَعْنِي الملك الْمُوَكَّل بِهِ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ.
{هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق:23] أَيْ: هَذَا مَا عِنْدِي مِنْ كِتَابَةِ عَمَلِهِ مُعَدٌّ مَحْفُوظٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ هَذَا الَّذِي وَكَّلْتَنِي بِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ قَدْ أَحْضَرْتُهُ وَأَحْضَرْتُ دِيوَانَ عَمَلِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى: هَذَا مَا عِنْدِي مِنَ الْعَذَابِ حَاضِرٌ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: قَرِينُهُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: أَنَّهُ قَرِينُهُ مِن الْإِنْسِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِقَرِينِهِ : أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ".
القرين والمقارن، ألقيا على الاثنين، نسأل الله العافية.
"قَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَخْفَشُ: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ الْفَصِيحُ، أَنْ تُخَاطِبَ الْوَاحِدَ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ فَتَقُولُ: " وَيْلَكَ ارْحَلَاهَا وَازْجُرَاهَا ".
هو واحد، لكن على ما ساقه من رواية ابن زيد قال: إنه قرينه من الإنس، قرينه من الإنس يقتضي أن الخطاب موجَّه إلى الملائكة بإلقاء الاثنين في جهنم، نسأل الله العافية، القرين والمقارن فهما اثنان.
"وَخُذَاهُ وَأَطْلِقَاهُ " لِلْوَاحِدِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ لِلْوَاحِدِ: قُومَا عَنَّا، وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى أَعْوَانِ الرَّجُلِ فِي إِبِلِهِ وَغَنَمِهِ وَرُفْقَتِهِ فِي سَفَرِهِ اثْنَانِ فَجَرَى كَلَامُ الرَّجُلِ عَلَى صَاحِبَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْوَاحِدِ فِي الشِّعْرِ: خَلِيلَيَّ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا صَاحَ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس
خَلِيلَيَّ مُرَّا بِي عَلَى أُمِّ جُنْدَبَ |
نُقَضِّ لُبَانَاتِ الْفُؤَادِ الْمُعَذَّب |
وَقَالَ أَيْضًا
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل |
بِسَقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ |
وَقَالَ آخَرُ
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا بْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِر |
وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعَا |
البيت الثالث واضح، في كون المتحدث عنه واحدًا، وإن كان بصيغة التثنية، أما الثاني والثالث فما فيه ما يدل على ذلك إلا أن العادة جرت بذلك، وشرّاح المعلقات كلهم أطلقوا على أنه خطاب لواحد، وأن هذا أسلوب معروف عند العرب، أما بالنسبة للبيت الأخير: فإن تزجراني يا ابن عفان، ما قال: يا ابني عفان، قال: يا ابن عفان، وهو يخاطب واحدًا، وإن وجهه لاثنين في اللفظ.
"وَقِيلَ: جَاءَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَ يَقَعُ لِلْجَمَاعَةِ وَالِاثْنَيْنِ. وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: قَوْلُهُ: " أَلْقِيَا".
أصله من القران والقرن، فلا يُقرن بعير واحد، هل يمكن أن يقرن بعير واحد؟ إنما يُقرن بأخيه، بالثاني.
"يَدُلُّ عَلَى أَلْقِ أَلْقِ".
هو من باب التأكيد، يكون ألقيا من باب التأكيد في أمر الواحد، كأنه قال: ألق ألق، فأمراني بهذا اللفظ ينتج عنهما ألقياني.
طالب:...
نعم، لبيك وسعديك، لكن لا يخاطب اثنين، إنما من لبّى بالمكان أي أقام فيه، فهي تلبية بعد تلبية، إجابة بعد إجابة، فهما إجابتان، ومنهم من يقول: إنها إجابة واحدة مؤكدة، كما في ألقيا ألق ألق.
"وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هِيَ تَثْنِيَةٌ عَلَى التَّوْكِيدِ، الْمَعْنَى أَلْقِ أَلْقِ، فَنَابَ أَلْقِيَا مَنَابَ التَّكْرَارِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ " أَلْقِيَا " تَثْنِيَةً عَلَى خِطَابِ الْحَقِيقَةِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يُخَاطِبُ بِهِ الْمَلَكَيْن".
وهذا أظهر وأوضح.
"وَقِيلَ: هُوَ مُخَاطَبَةٌ لِلسَّائِقِ وَالْحَافِظِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَصْلَ أَلْقِينْ ".
ألقين بنون التوكيد الخفيفة، وهو خطاب لواحد.
"بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ تُقْلَبُ فِي الْوَقْفِ أَلِفًا فَحُمِلَ الْوَصْلُ عَلَى الْوَقْفِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ " أَلْقِينَ "بِالنُّونِ الْخَفِيفَةِ نَحْوَ قَوْلِهِ: {وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ } [يوسف: 32]، وَقَوْلُهُ: {لَنَسْفَعًا} [العلق:15] .
{كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيد} [ق:24] أَيْ: مُعَانِدٍ ; قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعَنِيدُ الْمُعْرِضُ عَنِ الْحَقِّ ; يُقَالُ: عَنَدَ يَعْنِدُ بِالْكَسْرِ عُنُودًا أَيْ: خَالَفَ وَرَدَّ الْحَقَّ وَهُوَ يَعْرِفُهُ فَهُوَ عَنِيدٌ وَعَانِدٌ، وَجَمْعُ الْعَنِيدِ عُنُدٌ مِثْلُ رَغِيفٍ وَرُغُفٌ.
{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} [ق:25] يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَكُلَّ حَقٍّ وَاجِبٍ .
{مُعْتَدٍ} [ق:25] فِي مَنْطِقِهِ وَسِيرَتِهِ وَأَمْرِهِ ؛ ظَالِمٌ".
يعني ما يكفيه أن يمنع ما طُلب منه، مناع للخير يمنع ما وجب الله عليه، ومعتدٍ على مال غيره، فلا يكفيه أن يمنع ما طُلب منه، حتى يعتدي على غيره، فيأخذ من ماله، نسأل الله العافية.
"{ مُرِيبٍ} [ق:25] شَاكٍّ فِي التَّوْحِيدِ قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ. يُقَالُ: أَرَابَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُرِيبٌ إِذَا جَاءَ بِالرِّيبَةِ. وَهُوَ الْمُشْرِكُ".
ومنه قول الله -جل وعل-: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة:2] يعني لا شك فيه.
"يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [ق:26] وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ. وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُ بَنِي أَخِيهِ مِنَ الْإِسْلَامِ ".
الخير أعم ما يكون في المال أو في الدين، فيشمل كل هذا.
"{فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق:26] تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ الْأَوَّلِ .
{قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} [ق:27] يَعْنِي الشَّيْطَانَ الَّذِي قُيِّضَ لِهَذَا الْكَافِرِ الْعَنِيدِ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَكَذَّبَهُ .
{وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [ق:27] عَنِ الْحَقِّ وَكَانَ طَاغِيًا: بِاخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا دَعَوْتُهُ فَاسْتَجَابَ لِي. وَقَرِينُهُ هُنَا هُوَ شَيْطَانُهُ بِغَيْرِ اخْتِلَاف".
بخلاف القرين الأول الذي هو الملك الموكل به.
"حَكَاهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ قَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: قَرِينُهُ الْمَلَكُ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ لِلْمَلَكِ الَّذِي كَانَ يَكْتُبُ سَيِّئَاتِهِ: رَبِّ إِنَّهُ أَعْجَلَنِي، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ أَيْ: مَا أَعْجَلْتُهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَقُولُ الْكَافِرُ: رَبِّ إِنَّهُ زَادَ عَلَيَّ فِي الْكِتَابَةِ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ أَيْ: مَا زِدْتُ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابَةِ ، فَحِينَئِذٍ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ } [ق:28].
ومنه طغى الماء يعني زاد، ما أطغيته يعني ما زدت عليه في كتابة ما لم يصنع، وما لم يفعل.
"يَعْنِي الْكَافِرِينَ وَقُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرِينَ الشَّيْطَانُ ".
وفي البداية قال: قرينه هنا هو شيطانه بغير اختلاف، ثم ساق عن ابن عباس قرينه الملك، كأنه لم يعتد بحكاية الثعلبي عن ابن عباس، ولذلك نقل الاتفاق على أنه الشيطان.
"{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ } [ق:28] أَيْ: أَرْسَلْتُ الرُّسُلَ".
الله -جل وعلا- أرسل الرسل والكتب؛ ليقضي على العذر، ويقطع الحجة، فلا يكون لأحد حجة على الله -جل وعلا-.
"وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِكُلِّ مَنِ اخْتَصَمَ. وَقِيلَ: هُوَ لِلِاثْنَيْنِ وَجَاءَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ.
{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] قِيلَ هُوَ قَوْلُهُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160]".
نعم بالنسبة للإيعاد والسيئات لا يبدل القول لديه، ولا يزاد فيها على أحد، السيئة بمثلها، وأما بالنسبة للحسنات فهي تُزاد الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
"وَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13]، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَا يُكْذَبُ عِنْدِي أَيْ: مَا يُزَادُ فِي الْقَوْلِ، وَلَا يُنْقَصُ لِعِلْمِي بِالْغَيْبِ.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29] أَيْ: مَا أَنَا بِمُعَذِّب مَنْ لَمْ يُجْرِمْ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ".
بخلاف للمخلوقين الذين يعتمدون على الوكلاء، الوكلاء قد يزورون وقد يزيدون وقد ينقصون، لكن من وكل إلى الله وكل إليهم ذلك الأمر، لا يمكن أن يزيد أو ينقص الله -جل وعلا- لا يخفى عليه شيء.
"وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي مَعْنَاهُ فِي " الْحَجِّ " وَغَيْرِهَا".
وما أنا بظلام للعبيد، ما أنا بظلام صيغة مبالغة فعّال، هل المبالغة هنا أبلغ أو غير المبالغة؟ لو قال: ما أنا بظالم.
طالب:.....
المبالغة.
طالب: ....
وما الله يريد ظلمًا، أيها أبلغ؟
طالب: الثانية.
ماذا؟
طالب: ....
نعم؛ لأن عدم إرادة الشيء أبلغ من عدم فعله، وعدم فعله أبلغ من عدم المبالغة فيه؛ لأنه قد يفعله لا على صيغة المبالغة؛ لأن ما أنا بظلام لا ينفي أن يكون ظالمًا، مع أنه حرَّم الظلم على نفسه، لذا لم يرد إلا صيغة المبالغة، إذا قيل: فلان ليس بقتال، دل على أنه قد يقتل، لكن ليس يمبالغ للقتل، وكونه لا يريد القتل أبلغ من كونه لا يقتل.
طالب: شيخ مثل لعن الله زوارات القبور.
نعم زوارات، صيغة المبالغة، قالوا: لا ينفي أن تكون زائرة، لكن إذا مُنع الجنس، فهل يمكن أن يباح أفراده؟ لا يمكن أن يباح أفراده، صيغة اللعن.
طالب:.....
جاء النفي بجميع الصيغ، جاء نفي إرادة الظلم.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]، قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ: " يَوْمَ يَقُولُ " بِالْيَاءِ اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ: { لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ } [ق:28] قرأ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ عَلَى الْخِطَابِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ نُونُ الْعَظَمَةِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ " يَوْمَ أَقُولُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ: "يَوْمَ يُقَالُ، "وَانْتَصَبَ يَوْمٌ عَلَى مَعْنَى مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ يَوْمَ. وَقِيلَ: بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ مَعْنَاهُ: وَأَنْذِرْهُمْ ".
المفسرون كثير يقدرون في مثل هذا الموضوع، اذكر، لأنها صالحة لكل ما جاء "يوم" منصوب، اذكر "يوم".
"يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ لِمَا سَبَقَ مِنْ وَعْدِهِ إِيَّاهَا أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا. وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ التَّصْدِيقِ لِخَبَرِهِ، وَالتَّحْقِيقِ لِوَعْدِهِ، وَالتَّقْرِيعِ لِأَعْدَائِهِ، وَالتَّنْبِيهِ لِجَمِيعِ عِبَادِهِ. وَتَقُولُ جَهَنَّمُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أَيْ: مَا بَقِيَ فِيَّ مَوْضِعٌ لِلزِّيَادَةِ؛ كَقَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ: أَوْ مَنْزِلٍ أَيْ: مَا تَرَكَ ; فَمَعْنَى الْكَلَامِ الْجَحْدُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِفْهَامًا بِمَعْنَى الِاسْتِزَادَةِ ;أَيْ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فَأَزْدَادُ؟"
يعني هاتوا، هاتوا زيادات، فأنا استوعب كل ما يوضع، نسأل الله العافية السلامة، وهذا هو الأظهر.
"وَإِنَّمَا صَلَحَ هَذَا لِلْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِفْهَامِ ضَرْبًا مِنَ الْجَحْدِ. وَقِيلَ: لَيْسَ ثَمَّ قَوْلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى طَرِيقِ الْمِثْلِ أَيْ: إِنَّهَا فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِهَا بِمَنْزِلَةِ النَّاطِقَةِ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي |
مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي" |
يعني هذا القول من جهنم، هل هو بلسان الحال، أو بلسان المقال؟ {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11]، هل ذا بلسان المقال يتكلم بصوت أو حرف يُسمع، أو أن الحال دل على ذلك؟ والحال دل على ذلك، يعني مثلما يُخاطب الجمادات وترد بلسان الحال، لا بلسان المقال، كما خاطب علي -رضي الله عنه- القبور وأهل القبور وهم لا يردون، فأجابت قال: إنها قالت كذا وكذا، يجزم بأنه بلسان الحال لا بلسان المقال.
طالب:.....
هذا الأصل، الأصل أنه نطق حقيقي، والقدرة الإلهية صالحة لذلك، هذا الأصل، لكن من قال إنه بلسان الحال باعتبار أن الجمادات لا تتكلم فله ذلك، لكن الأصل أنه بالنطق.
"وَهَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ. أَيْ: هَلْ فِيَّ مِنْ مَسْلَكٍ قَدِ امْتَلَأْتُ. وَقِيلَ: يُنْطِقُ اللَّهُ النَّارَ حَتَّى تَقُولَ هَذَا كَمَا تَنْطِقُ الْجَوَارِحُ ".
يوم تشهد عليهم جوارحهم تنطق، وإلا فما معنى شهادتها إذا لم تنطق؟
"وَهَذَا أَصَحُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ "الْفُرْقَان"، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يضع".
يضعَ.
" يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا، فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ»، لَفْظُ مُسْلِمٍ".
قد يعحب القارئ من تقديم المؤلف لصحيح مسلم على البخاري، قال في صحيح مسلم والبخاري، هذه طريقة المغاربة في تقديم مسلم على البخاري.
"وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا رِجْلَهُ يَقُولُ لَهَا: قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا» ".
وفي هذا إثبات القدم والرجل لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأما نفاة الصفات فهم يُؤولون الرجل بالجماعة، كما يقال: رجل جراد جماعة جراد.
"قَالَ عُلَمَاؤُنَا- رَحِمَهُمُ اللَّهُ-: أَمَّا مَعْنَى الْقَدَمِ هُنَا فَهُمْ قَوْمٌ يُقَدِّمُهُمُ اللَّهُ إِلَى النَّارِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ وَهُوَ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ، يُقَالُ: رَأَيْتُ رِجْلًا مِنَ النَّاسِ وَرِجْلًا مِنْ جَرَادٍ".
وهذا فرار من إثبات الصفة، والمؤلف -رحمه الله- على طريقة الأشعرية في مثل هذا.
"قَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَرَّ بِنَا رِجْلٌ مِنَ النَّاسِ وَانْزَوَى |
إِلَيْهِمْ مِنَ الْحَيِّ الْيَمَانِينَ أَرْجُلُ |
قَبَائِلُ مِنْ لَخْمٍ وَعُكْلٍ وَحِمْيَر |
عَلَى ابْنَيْ نِزَارٍ بِالْعَدَاوَةِ أَحْفَل |
وَيُبَيِّنُ هَذَا الْمَعْنَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا فِي النَّارِ بَيْتٌ وَلَا سِلْسِلَةٌ وَلَا مِقْمَعٌ وَلَا تَابُوتٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَزَنَةِ يَنْتَظِرُ صَاحِبَهُ الَّذِي قَدْ عَرَفَ اسْمَهُ وَصِفَتَهُ، فَإِذَا اسْتَوْفَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا يَنْتَظِرُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَالَ الْخَزَنَةُ: قَطْ قَطْ، حَسْبُنَا حَسْبُنَا !أَيِ: اكْتَفَيْنَا اكْتَفَيْنَا، وَحِينَئِذٍ تَنْزَوِي جَهَنَّمُ عَلَى مَنْ فِيهَا وَتَنْطَبِقُ إِذْ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُنْتَظَرُ. فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ الْمُنْتَظِرِ بِالرِّجْلِ وَالْقَدَمِ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ: وَلَا يَزَالُ فِي الْجَنَّةِ فَضْلٌ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ، وَقَدْ زِدْنَا هَذَا الْمَعْنَى بَيَانًا وَمَهَّدْنَاهُ فِي كِتَابِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنَ الْكِتَابِ الْأَسْنَى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ".
على طريقتهم، مهَّده وزاده وبيَّنه ووضَّحه على طريق مخالف لما عليه سلف الأمة وأمتها من إثبات الصفات، وهو ممن يُؤول الصفات ولا يثبتها على طريقة الأشاعرة.
طالب:......
ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع؟
طالب: نعم
هو متلقًّى من الإسرائيليات، والله أعلم.
طالب:......
جوابهم هم؟
طالب:......
مخلوقاته وتُنسب إليه، ناقة الله وغيرها تُنسب إليه، ما عندهم مشكلة، الإشكال في كلمه ربه، هذا الذي لا يستطيعون الجواب عليه.
"وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: حَتَّى يَضَعَ الْجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ أَيْ: مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ } [ق:31] أَيْ: قُرِّبَتْ مِنْهُمْ ".
لو أَزلفت قَربت، ولو أُزلفت قُرِّبت.
"وَقِيلَ: هَذَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الدُّنْيَا أَيْ: قُرِّبَتْ مِنْ قُلُوبِهِمْ حِينَ قِيلَ لَهُمُ اجْتَنِبُوا الْمَعَاصِيَ. وَقِيلَ: بَعْدَ الدُّخُولِ قُرِّبَتْ لَهُمْ مَوَاضِعُهُمْ فِيهَا فَلَا تَبْعُدُ. غَيْرَ بَعِيدٍ أَيْ: مِنْهُمْ وَهَذَا تَأْكِيدٌ".
والسياق يدل على أن هذا في الآخرة لا في الدنيا.
"هَذَا مَا تُوعَدُونَ أَيْ: وَيُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْجَزَاءُ الَّذِي وُعِدْتُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: " تُوعَدُونَ" بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بَعْدَ ذِكْرِ الْمُتَّقِينَ.
{لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } [ق:32] أَوَّابٌ أَيْ: رَجَّاعٌ إِلَى اللَّهِ عَنِ الْمَعَاصِي، ثُمَّ يَرْجِعُ يُذْنِبُ ثُمَّ يَرْجِعُ ".
أواب رجّاع مثل تواب.
"هَكَذَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: الْأَوَّابُ الْمُسَبِّحُ مِنْ قَوْلِهِ: { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ:10] وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: هُوَ الذَّاكِرُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْخَلْوَةِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلْوَةِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: هُوَ الَّذِي لَا يَجْلِسُ مَجْلِسًا حَتَّى يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ. وَعَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ الْأَوَّابَ الْحَفِيظَ الَّذِي إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا أَصَبْتُ فِي مَجْلِسِي هَذَا. وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ قَالَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ». وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقُولَ: أَسْتَغْفِرُكَ وَأَسْأَلُكَ التَّوْبَةَ، وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَقُولَ: وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا عَلَى حَقِيقَتِهِ ".
قال بعض العلماء: أنا أحب أن أقول: أستغفرك وأسألك التوبة، يعني أطلب منك التوبة، وأطلب منك المغفرة، يقول: ولا أحب أن أقول: وأتوب إليك؛ لأنه يخبر عن نفسه أنه يتوب، أو يثبت التوبة لنفسه بخبر، بينما قوله: أستغفرك وأسألك التوبة إلى آخره، يطلب من الله -جل وعلا- ولا يخبر عن نفسه بهذا، هذا من حيث الاستحسان اللفظي له وجه، لكن العبرة بما ثبت عن الرسول- عليه الصلاة والسلام-.
"قُلْتُ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَاتِّبَاعُ الْحَدِيثِ أَوْلَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: هُوَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: هُوَ الَّذِي لَا يَشْتَغِلُ إِلَّا بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-." حَفِيظٌ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الَّذِي حَفِظَ ذُنُوبَهُ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهَا ".
حفظ نفسه من مخالفة أمر الله -جل وعلا-، حفظ جوارحه من تقترف المعاصي وتقارفها.
"وَقَالَ قَتَادَةُ: حَفِيظٌ لِمَا اسْتَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ وَنِعْمَتِهِ وَائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ الْحَافِظُ لِأَمْرِ اللَّهِ. وقال مُجَاهِدٌ: هُوَ الْحَافِظُ لِحَقِ اللَّهِ تَعَالَى بالاعترافِ وَلِنِعَمِهِ بِالشُّكْرِ ".
كما يصلح أن يكون اسم فاعل، حافظ لجوارحه، ويصلح أن يكون اسم مفعول، فهو محفوظ بحفظ الله -جل وعلا- من هذه المعاصي والجرائم.
"قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الْحَافِظُ لِوَصِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَبُولِ. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَانَ أَوَّابًا حَفِيظًا» ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ".
لكن المعروف الحديث: «يا ابن آدم اركع أربع الركعات أول النهار أكفك آخره»، هذا الحديث ماذا قال عنه.
طالب: قال: ذكره الماوردي في تفسيره عن مكحول عن أبي هريرة، مقطوعًا وهو منقطع، مكحول لم يسمع أبي هريرة.
على كل حال هو ضعيف، ما خرَّجه غير الماوري؟
طالب: ما الفرق بين الاستغفار والتوبة؟
الاستغفار باللسان، الاستغفار طلب المغفرة باللسان، والتوبة بشروطها تستلزم عدم الرجوع إلى الذنب، والاستغفار ما يستلزم ذلك.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } [ق:33] "مَنْ " فِي مَحَلِّ خَفْضٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ أَوْ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِ " أَوَّابٍ ". وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْخَبَرُ " ادْخُلُوهَا" عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ جَوَابِ الشَّرْطِ وَالتَّقْدِيرُ فيقالُ لَهُمُ: ادْخُلُوهَا. وَالْخَشْيَةُ بِالْغَيْبِ أَنْ تَخَافَهُ وَلَمْ تَرَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي فِي الْخَلْوَةِ حِينَ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَرْخَى السِّتْرَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ.
وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ مُقْبِلٍ عَلَى الطَّاعَةِ ".
يعني ما يكفي أن يكون خاشيًا لله أمام الناس فقط، بل لا بد أن يخشى الله بالغيب، وأن يتقي الله بالغيب، وأن يبتعد عما يغضب بالغيب، لا يكفي أن يكون ذلك في السر، وإذا خلا انتهك محارم الله، نسأل الله السلامة والعافية. وكذلك الإيمان لا يكون إلا بالغيب، الذين يؤمنون بالغيب، أما الإيمان بالشهادة فما له قيمة، الإيمان بالشهادة إذا جاءت الآيات العظمى، طلعت الشمس من مغربها، وخرج الدجال، فما ينفع الإيمان في ذلك الوقت؛ لأنه صار شهادة، {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام:158]، خلاص صار شهادة، ما صار غيبًا، والإيمان إنما ينفع إذا كان غيبًا.
"وَقِيلَ: مُخْلِصٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ: عَلَامَةُ الْمُنِيبِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا لِحُرْمَتِهِ وَمُوَالِيًا لَهُ، مُتَوَاضِعًا لِجَلَالِهِ تَارِكًا لِهَوَى نَفْسِهِ.
قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ الْمُنِيبُ الْقَلْبَ السَّلِيمَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89] عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{ ادْخُلُوهَا} [ق:34] أَيْ: يُقَالُ لِأَهْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ أَيْ بسلَامَةٍ مِنَ الْعَذَاب، وَقِيلَ: بِسَلَامٍ مِنَ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: بِسَلَامَةٍ مِنْ زَوَالِ النِّعَمِ. وَقَالَ: "ادْخُلُوهَا" وَفِي أَوَّلِ الْكَلَامِ مَنْ خَشِيَ لِأَنَّ مَنْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْجَمْعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا}[ق:35] يَعْنِي مَا تَشْتَهِيهِ أَنْفُسُهُمْ وَتَلَذُّ أَعْيُنُهُمْ ".
قد يُكتب على بعض المحلات: ادخلوها بسلام، أخذًا من هذه الآية وغيرها، ويراد بذلك غير الجنة، إما بيت وإما قصر، أي مكان ولو مسجدًا، وإنما هو في الجنة فقط، وكتابتها على غير الجنة اعتداء، تصرف في آيات الله في غير موضعها، لأنه يوجد مثل هذا الكلام يُكتب.
طالب:.....
هذا في القرآن ما نقول شيئًا، مكتوب عندكم في المطار؟ هذا مطابق للآية.
طالب:.....
هو مطابق للآية، لكن الظرف هو الطرف؟ الظرف ليس الظرف، لأنه لما تُقرأ هذه الآية في مطار القاهرة مثلًا، ثم يدخل فيُقتل الإنسان أو يُنهب أو يتعرض لخوف وما أشبه ذلك، فهذا تكذيب للآية، تعريض للآية للتكذيب، لأن الظرف غير الظرف الذي ذُكرت فيه الآية.
طالب:......
غلط.
طالب:........
هذا يختلف باختلاف الأحوال، قد تكون الحال مناقضة لما يُستدل به عليه، جئت على قدر يا موسى، اسمه موسى، وجاء على الموعد، يجوز أن يقال مثل هذا الكلام؟ لا يجوز أن يقال مثل هذا الكلام، ذكروا في كتب الأدب امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، ذكروا لها مواقف كثيرة جدًّا كلها مشتها بالقرآن، هذا تلاعب بالقرآن، القرآن ما أُنزل لهذا، وليست الحال التي عليها هذه العجوز هي الأحوال التي سيقت فيها الآيات.
طالب: اليوم تُستخدم بعض الآيات في غير موضعها......
على كل حال لا يفهم هو أو يفهم المخاطب...
طالب:......
هذا مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا أحد يقول شيئًا، هذا شرع.
طالب:......
أنت تقصد قد نقول ما قاله الرسول في موضع آخر؟
طالب:.....
أو أن الرسول استعمل ما استعمل من جزء الآية؟
طالب: في سياق الآيات، في قصص، حاجة في نفس يعقوب.
استعمالها شيء من الخفة مرة أو شيء من هذا، هذا وارد، لكن التزامه في المناسبات وكذا، لا، لا أصل له، ما سبق به أحد ممن يُعتد بقولهم من أهل العلم.
طالب:.....
اقتباس جزء من آية أو جزء من حديث، تضمين الشعر عندهم، هذا اقتباس عندهم، كان الذي خفت أن يكون إنا إلى الله راجعون، هذا كثير عندهم، لكن مع ذلك لا يجوز أن يكون الكلام كله مطردًا ومتسقًا على الاقتباس من القرآن؛ لأن هذا امتهان للقرآن، وأيضًا تنزيل الأحوال التي ورد فيها القرآن على غيرها من الأحوال التي قد تكون مناقضة، جئت على قدر يا موسى، جئت لتقابل الرب -جل وعلا-، وهذا يقابل مخلوقًا، وقد يكون الموعد بينهما على محرم الذي يقول هذا الكلام.
طالب:.......
نعم؟
طالب: ....
هل للمخلوق أن يقول: كلوا من طيبات ما رزقناكم؟ له أن يقول ذلك؟ ليس له ذلك.
طالب:....
على كل حال إذا قصده من أجل الشكر، وأن هذه النعمة من الله -جل وعلا- فالأمور بمقاصدها، لكن لا ينبغي الإكثار من مثل هذا.
طالب:......
يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم؟
طالب:.....
ابدأ بسم الله مستعينًا.
طالب:.....
البسملة يُبدأ فيها الكلام سواء من كلام الله أو من غيره.
"{وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق:35] مِنَ النِّعَمِ مِمَّا لَمْ يَخْطِرْ عَلَى بَالِهِمْ. وَقَالَ أَنَسٌ وَجَابِرٌ: الْمَزِيدُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا كَيْفٍ. وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَخْبَارٍ مَرْفُوعَةٍ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس:26] قَالَ: الزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ، قَالَا: أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: تَسَارَعُوا إِلَى الْجُمُعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْرُزُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ أَبْيَضَ فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْب"ِ.
يعني على قدر قربهم من الإمام في الجمعة، لذلك جاء الخبر، وإن كان فيه كلام لأهل العلم، منهم من ضعفه، ضعف الخبر، يقول ابن القيم:
قرب بقرب والمباعد مثله بعد ببعد حكمة الديان
ابن مسعود لما جاء إلى الجمعة سبقه ثلاثة قال: رابع أربعة ليس ببعيد. على كل حال القرب من الإمام يوم الجمعة مطلوب، وجاءت فيه أحاديث. الحديث هذا فيه كلام.
"قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: عَلَى قَدْرِ تَسَارُعِهِمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ: لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجُمَعِ فِي الدُّنْيَا، وَزَادَ: فَيُحْدِثُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْلَ ذلك، قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ غَيْرَ الْمَسْعُودِيِّ يَزِيدُ فِيهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ فِي كَثِيبٍ يُرِيدُ أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَيْ وَهُمْ عَلَى كُثُبٍ كَمَا فِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ رَبَّهُمْ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ كَافُورٍ ».. الْحَدِيثَ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ " التَّذْكِرَةِ "، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَزِيدَ مَا يُزَوَّجُونَ بِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَرْفُوعًا".
وأهل السنة كلهم على أن هذه الآية من آيات إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس:26]، {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق:35]، فجاء فيها نصوص قطعية صريحة صحيحة، فهنيئًا لمن تحصل له الرؤية، رؤية الباري -جل وعلا- التي هي أعظم نعيم في الجنة، أعظم ما يتنعم به أهل الجنة النظر إلى وجهه الكريم -جل وعلا-.
طالب:.......
نعم؛ لأنه ورد وأتوب إليه.
طالب:....
تريد أن تلزمه بإعمال الحديث، هو يقول: أنا ما أُنكر الحديث، أؤمن بلفظه، لكن أؤوله ولا أنكره، هذه طريقتهم، حتى رؤيتهم التي يثبتونها لله -جل وعلا- غير ما نثبته للرؤية؛ لأنهم يثبتون الرؤية لا في جهة، لا في جهة علو ولا في يمين ولا شمال، يعني في النهاية نفي لا رؤية.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا } [ق:36]، أَيْ كَمْ أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَ قَوْمِكَ مِنْ أُمَّةٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَقُوَّةً.
{فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}[ق:36] أَيْ سَارُوا فِيهَا طَلَبًا لِلْمَهْرَبِ. وَقِيلَ: أَثَّرُوا فِي الْبِلَادِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.".
نقبوا يعني بحثوا في البلاد ونقروا فيها بدون مسالك وطرق يهربون بواسطتها، لكن لا يجدون، هل من محيص؟ هل من مفر؟ لكنهم لا يجدون، والتنقيب البحث بشدة وبقوة ومثله التنقير.
طالب:......
وكم أهلكنا قبلهم من قرن، كما أهلكنا يا محمد قبل قومك من أمة هي أشد منهم بطشًا. ماذا فيه؟
طالب:.....
لأنه هو المخاطب بهذا الكلام.
طالب:......
لا، هو يفسر الآية بسياقها، فالمخاطب هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، قبلهم قريش الذين كذبوك فالمآل مآلهم.
"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ضَرَبُوا وَطَافُوا. وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: دَوَّرُوا. وَقَالَ قَتَادَةُ: طَوَّفُوا. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: تَبَاعَدُوا ، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الْآفَاقِ حَتَّى |
رَضِيْتُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِالْإِيَابِ |
ثُمَّ قِيلَ: طَافُوا فِي أَقَاصِي الْبِلَادِ طَلَبًا لِلتِّجَارَاتِ، وَهَلْ وَجَدُوا مِنَ الْمَوْتِ مَحِيصًا ؟ وَقِيلَ: طَوَّفُوا فِي الْبِلَادِ يَلْتَمِسُونَ مَحِيصًا مِنَ الْمَوْتِ. قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: نَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ وَجَالُوا فِي الْأَرْضِ كُلَّ مَجَالِ
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: "فَنَقَبُوا "بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِهَا. وَالنَّقْبُ هُوَ الْخَرْقُ وَالدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ. وَقِيلَ: النَّقْبُ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْقَبُ وَالْمَنْقَبَة ".
يعني مما يُذكر من الإسرائيليات أن في مجلس سليمان -عليه السلام- مجموعة من الرجال، فجاء ملك الموت فصار ينظر إلى واحد منهم، فسأله سليمان لماذا ينظر في وجهه؟ قال: أعجب أن هذا الرجل في هذا المكان، وأنا مأمور بقبض روحه في الهند، مسافات طويلة، المقصود كأن الرجل ما سمع كلمة الهند أو شيء من هذا، أو ما بانت له، فأمر سليمان، كان الرجل مأمورًا أن ملك الموت يقبض روحه، فأراد أن يبعده عن هذا المكان الذي فيه ملك الموت، يظن أنه إذا أبعد سلم، فطلب من سليمان أن يأمر الريح أن تنقله إلى الهند؛ لبعدها، فلما وصل إلى الهند فإذا بملك الموت أمامه، هل من مفر؟ هل من محيص؟ لا مفر ولا محيص، يعني يعجبون من بعض القضايا وهي لا تخرج عن هذا، شخص حريص على السفر حرصًا شديدًا جدًّا ففاتته الطائرة، فرجع مهمومًا إلى بيته، ونام في فراشه، ثم أُعلن عن سقوط الطائرة، ووفاة جميع من على ظهرها، فجاءت أمه لتوقظه فتُبشره بذلك، احمد ربك أنك ما رحت، طاحت الطيارة وماتوا، أيقظته فإذا به ميت وهو في فراشه، لا مفر ولا محيص، الله المستعان.
"عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ. وَنَقَبَ الْجِدَارَ نَقْبًا، وَاسْمُ تِلْكَ النَّقْبَةِ نَقْبٌ أَيْضًا، وَجَمْعُ النَّقْبِ النُّقُوبُ أَيْ خَرَقُوا الْبِلَادَ وَسَارُوا فِي نُقُوبِهَا. وَقِيلَ: أَثَّرُوا فِيهَا كَتَأْثِيرِ الْحَدِيدِ فِيمَا يَنْقُبُ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ: " فَنَقِّبُوا "بِكَسْرِ الْقَافِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى الْأَمْرِ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ أَيْ طُوفُوا الْبِلَادَ وَسِيرُوا فِيهَا فَانْظُرُوا هَلْ مِنَ الْمَوْتِ مَحِيصٌ وَمَهْرَبٌ ".
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب، الله المستعان.
"ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَحَكَى الْقُشَيْرِيُّ " فَنَقِبُوا " بِكَسْرِ الْقَافِ مَعَ التَّخْفِيفِ ; أَيْ أَكْثَرُوا السَّيْرَ فِيهَا حَتَّى نَقِبَتْ دَوَابُّهُمْ".
ونقبت أقدامهم وأخفافهم، تمزقت، منها النُقبة ضرب من السراويل كما قال الأزهري في تهذيبه وابن سيده وغيره، ضرب من السراويل ليست لها أكمام، ليست لها أكمام يسمونها نقوبًا من لباس النساء، كما يقول ابن عمر: فألبستني أمي نُقبتها، وهو صبي طفل، هي أشبه ما تكون بما يسمونه الآن بالتنورة، وهي نوع من السراويل، ومن لباس النساء.
"الْجَوْهَرِيُّ: وَنَقِبَ الْبَعِيرُ بِالْكَسْرِ إِذَا رَقَّتْ أَخْفَافُهُ، وَأَنْقَبَ الرَّجُلُ، إِذَا نَقِبَ بَعِيرُهُ، وَنَقِبَ الْخُفُّ الْمَلْبُوسُ أَيْ تَخَرَّقَ. وَالْمَحِيصُ مَصْدَرُ حَاصَ عَنْهُ يَحِيصُ حَيْصًا وَحُيُوصًا وَمَحِيصًا وَمَحَاصًا وَحَيَصَانًا ; أَيْ عَدَلَ وَحَادَ. يُقَالُ: مَا عَنْهُ مَحِيصٌ أَيْ مَحِيدٌ وَمَهْرَبٌ. وَالِانْحِيَاصُ مِثْلُهُ يُقَالُ لِلْأَوْلِيَاءِ: حَاصُوا عَنِ الْعَدُوِّ وَلِلْأَعْدَاءِ انْهَزَمُوا ".
نعم، وبطارقة هرقل لما قال لهم، عرض عليهم الإسلام، حاصوا حيصة حمر الوحش، حاصوا يبحثون عن الأبواب، فإذا بها قد أُغلقت، فخاف على نفسه منهم، فقال مقالته المدونة في الصحيح وغيره: إنه إنما قال ذلك؛ ليختبر صلابتهم في دينهم، نسأل الله العافية.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} [ق:37] أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ تَذْكِرَةٌ وَمَوْعِظَةٌ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَيْ عَقْلٌ يَتَدَبَّرُ بِهِ ، فَكَنَّى بِالْقَلْبِ عَنِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُهُ ".
نعم العقل هو مناط التكليف، والقلب هو مورد الخطاب الشرعي، الخطاب الشرعي كله موجه إلى القلب، والتكليف منوط بالعقل، فدل على التلازم بينهما، بعض أهل العلم يقولون: العقل محله القلب، {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج:46] يدل على أن العقل في القلب، وإن كان الأطباء يشككون في هذا، ويقولون: لا ارتباط بين العقل والقلب، فقد يُغير وقد يتعرض لأمراض والعقل سليم، وقد يتعرض الدماغ لضربة فيتأثر العقل، والقلب سليم، فلا ارتباط بينهما.
لكن نقول: ما جاء في النص أبلغ مما قلتم، وهذه أمور قد لا تدركونها، وهل كل ما في بدن الإنسان يدركه الأطباء؟ لا، خفي عليهم أشياء كثيرة في بدن الإنسان، عجزوا عن درك حقيقتها وكُنهها، وهذا منها. الإمام أحمد يقول: العقل محله القلب، وله اتصال بالدماغ، فالتأثير يأتيه من التأثر بالقلب، ويأتيه أيضًا التأثر إذا تأثر الدماغ.
طالب:......
ما أثبتوا، ونحن ما عندنا شك، لكن ما دام اقتنعوا بذلك فالحمد لله، لأنهم يوردون مثل هذه الشبه وتُؤثر على بعض الناس.
"قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لِمَنْ كَانَ لَهُ حَيَاةٌ وَنَفْسٌ مُمَيِّزَةٌ، فَعَبَّرَ عَنِ النَّفْسِ الْحَيَّةِ بِالْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُهَا وَمَعْدِنُ حَيَاتِهَا ; كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَغَرَّكِ مِنِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي |
وَأَنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي الْقَلْبَ يَفْعَلِ |
وَفِي التَّنْزِيلِ:{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا }[يس:70]. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: الْقَلْبُ قَلْبَانِ: قَلْبٌ مُحْتَشٍ بِأَشْغَالِ الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ الْآخِرَةِ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ، وَقَلْبٌ قَدِ احْتَشَى بِأَهْوَالِ الْآخِرَةِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ؛ لِذَهَابِ قَلْبِهِ فِي الْآخِرَةِ ".
هو المطلوب أن ينتبه الإنسان لآخرته، ولتحقيق ما خُلق من أجله، الهدف الذي خُلق من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- هذا هو الأصل، لكن مع ذلك لا ينسى نصيبه من الدنيا؛ من أجل ما يُحقق به الهدف، وليست الدنيا هدفًا، وإنما هي وسيلة لتحقيق الهدف، فالهدف لا يتحقق إلا إذا انتبه لشيء من دنياه يصل به إلى أخراه.
طالب:.....
لا.
طالب:.....
الله المستعان، الله لا يهتك لنا سترًا يستره علينا، كما أظهر الجميل، وستر القبيح في الدنيا أن يفعل ذلك في الآخرة.
"{أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} [ق:37] أَيِ: اسْتَمَعَ الْقُرْآنَ. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَلْقِ إِلَيَّ سَمْعَكَ أَيِ: اسْتَمِعْ. وَقَدْ مَضَى فِي " طه" كَيْفِيَّةُ الِاسْتِمَاعِ وَثَمَرَتُهُ.
{وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق:37] أَيْ شَاهِدُ الْقَلْبِ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ قَلْبُهُ حَاضِرٌ فِيمَا يَسْمَعُ. وَقَالَ سُفْيَانُ: أَيْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا فيما يسمع".
لا.
أَيْ قَلْبُهُ حَاضِرٌ فِيمَا يَسْمَعُ. وَقَالَ سُفْيَانُ..
"أَيْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا فيما يسمع".
لا، وَقَلْبُهُ غَائِبٌ ".
أي لا يكون حاضرًا وقلبه غائب.
طالب:.....
والحال؟
طالب: ....
جملة حالية.
"أَيْ لَا يَكُونُ حَاضِرًا وَقَلْبُهُ غَائِبٌ. ثُمَّ قِيلَ: الْآيَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهَا فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى خَاصَّةً. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو صَالِحٍ: إِنَّهَا فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ خَاصَّةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، تَقَدَّمَ فِي الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا، وَاللُّغُوبُ التَّعَبُ وَالْإِعْيَاءُ، تَقُولُ مِنْهُ: لَغَبَ يَلْغُبُ بِالضَّمِّ لُغُوبًا".
أركان الانتفاع بالقرآن- كما قرر ابن القيم -رحمه الله- في أول الفوائد- أن يكون له قلب، وليس أي قلب، إنما القلب الحي، ومع ذلك مع حياة قلبه يُلقي السمع، يبذل السبب، يستمع لما يُلقى إليه، فيحفظه قلبه، وينتفع به، وهو شهيد، يعني حاضر، شاهد القلب ليس بغافل، ولا متغافل، فإذا اجتمعت هذه الأمور انتفع بما يسمع وبما يقرأ، وإذا انتفت هذه الأمور أو بعضها لم ينتفع.
"وَلَغِبَ بِالْكَسْرِ يَلْغَبُ لُغُوبًا لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فِيهِ. وَأَلْغَبْتُهُ أَنَا أَيْ أَنْصَبْتُهُ. قَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ، زَعَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام، أَوَّلُهَا يَوْمُ الْأَحَدِ وَآخِرُهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَاسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ ; فَجَعَلُوهُ رَاحَةً، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ".
فقال: {ما مسنا من لغوب} [ق:38]، ما مسنا تعب من أجل أن نستريح، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرا.
طالب:.....
أو ألقى السمع؟
طالب: ....
إما أن تكون بمعنى الواو وربما عاقبت الواو كما في الألفية، تأتي بمعنى الواو، أو تكون للتقسيم، بعض الناس يكون له قلب حي فيكفيه حياة هذا القلب بمجرد أن ينتبه أدنى انتباه، والنوع الثاني قلبه أقل في الوعي في الحفظ في كذا، فلا بد أن يلقي السمع، هذا لا بد أن يهتم بالسمع هذا، وهذا مشاهد في الطلاب.
بعضهم ذكي يفهم ويحفظ، مثل هذا ما يلزم أن ينتبه كثيرا، فيحفظ من العلم ويحصل من العلم أكثر مما يحصله غيره ممن ينتبه، الدارقطني -رحمه الله تعالى- كان ينسخ كتبًا وقت الدرس، فقال له واحد من الحاضرين: أنت ما غير ضيقت علينا، اذهب انسخ في بيتك، أنت ما جئت لتستفيد، فقال له: كم أملى الشيخ من حديث؟ قال: ما أدري، قال الدارقطني: أملى كذا وكذا وكذا وسرد الأحاديث كلها بأسانيدها ومتونها، مثل هذا لا يحتاج أن يلقي السمع، يلقي السمع بدقة وحرص واستماع مثل ما يلقيها الأقل في الذكاء والحفظ، فهذا يعوض بمثلها، فتكون أو للتقسيم نوع كذا ونوع كذا.
طالب: يشهد له أن شخصًا يتوب، سمع آية فألقى سمعه فانتفع...
نعم، الطلاب عندك بعضهم يكتب وينتبه بحرص ودقة، ويكتب كل شيء، وفي النهاية تحصيله ليس مثل تحصيل بعض الذين يتشاغلون ولا ينتبهون، أو ينعس مثلًا.
طالب:....
الحمد لله، هذا من فضل الله -جل وعلا-.
طالب:.....
ما فيه شك، ولذلك قال في آخر السورة: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ}[ق:45]، تجد أن بعض القصاص يعمدون إلى قصص ويعمدون إلى رؤى وما أشبه ذلك، ويتركون ما في القرآن.
طالب:......
الاعتبار بقصص العالم، وما حصل لهم من الأمم السابقة واللاحقة هذا ليس بالأصل، لكنه ينفع، كما قال شيخ الإسلام: هو تابع ورافد، لكن من اقتصر على قصص القرآن والسنة يكفي، لكن لو أراد أن ينشط الناس بمثل هذه القصص التي ليست مكذوبة فلا يجوز أن يتعمد المكذوب أو الذي لا تقبله العقول وما أشبه ذلك، وجاء ما يخالف في شرعنا، ولذلك: «حدثوا عن بني إسرائيل، فإن فيهم الأعاجيب»، نقول: لا نكتفي بالقرآن والسنة؟ الأصل الكتاب والسنة، والمعول على الكتاب والسنة، وإن ذكرنا شيئًا من ذلك فلا شيء.
طالب:.....
لا، ما يصلح تكثير القصص، الأصل الكتاب والسنة، لكن الإشكال أن بعضهم لا يورد إلا هذه القصص، هنا يأتي الذم.
طالب:.....
الاستماع غير السمع، الاستماع لا بد أن تقصد السماع، وتهتم له، وتلقي بسمعك إليه، ولا تتغافل عنه، وتشتغل عنه ولو سكت، وسمعت دخل في سمعك ما لم تقصده لا يكفي.
"{ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40-39].
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } [ق:39] خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ أَيْ: هَوِّنْ أَمْرَهُمْ عَلَيْكَ. وَنَزَلَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ فَهِيَ مَنْسُوخَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ ثَابِتٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَّتِهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْيَهُودُ مِنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ".
هذا على القول بأنها منسوخة قبل الأمر بقتالهم أُمر بالصبر على أذاهم، هذا وارد، لكن يبقى أن الصبر أيضًا له مجال، بعد الأمر بالجهاد، اصبر على ما يقولون حتى لو سمعت ما سمعت مما يؤذيك مما يهمك ويغمك في كلامهم في ربك أو في رسولك أو في دينك، اصبر ولا تأخذك العصبية والحمية أن تبادر بما لا يُحمد عقباه، استعمل العقل والروية والتصبر والتثبت.
"الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } [ق:39]، قِيلَ: إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةُ الصُّبْحِ، وَقَبْلَ الْغُرُوبِ صَلَاةُ الْعَصْرِ. وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَونَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقَبْلَ غُرُوبِهَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَبْلَ الْغُرُوبِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ".
يعني جاء في حديث الرؤية أن الله -جل وعلا- يُرى طرفي النهار، في طرفي النهار، إضافة إلى الرؤية العامة يوم الجمعة، يُرى في طرفي النهار، وهذه لمن حافظ على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كما جاء في الخبر.
طالب:........
لا، هو تضافر عليه العقل والنقل، وإلا فالنص عندهم في بقية، كأنهم تأولوا مثلما تأولوا في غيره.
طالب:.....
نعم شيخ الإسلام يستدل بهذا على وقت الأذكار، وأن الذكر في طرف النهار الأول قبل طلوع الشمس، وأن الذكر في آخر النهار قبل غروبها.
طالب: من بعد العصر؟
من بعد العصر نعم.
طالب:....
في ذكر الصلوات؛ لتكون الآية والتي بعدها شاملة للصلوات الخمس.
"{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [ق:40]، يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءَيْنِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ تَسْبِيحُهُ بِالْقَوْلِ تَنْزِيهًا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ قَالَهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَأَبُو الْأَحْوَصِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ: قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ: رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ".
ولا يمكن أن تكون قبل الغروب، مما يدل على ضعف هذا القول.
"وَقَالَ ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ: كَانَ ذَوُو الْأَلْبَابِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ".
جاء الأمر بهما «صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب»، ثم قال: «لمن شاء»، دل على أنها ليست من السنن الراتبة، وإنما متروكة إلى المشيئة، والصحابة يبتدرون السواري يصلون إذا أذن المغرب.
"وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنَسًا وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ".
ذلك في عهده -عليه الصلاة والسلام- كانوا يبتدرون السواري لما أمرهم بذلك، فلما طال العهد، كأنهم عملوا بقوله لمن شاء، فخفَّ عمل الناس بها فما أدرك إلا أنسًا وأبا برزة.
"الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:40]، فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: هُوَ تَسْبِيحُ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللَّيْلِ، قَالَهُ أَبُو الْأَحْوَصِ. الثَّانِي: أَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ كُلِّهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الثَّالِثُ: أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الرَّابِعُ: أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيحُ فِي اللَّيْلِ فَيَعْضُدُهُ الصَّحِيحُ ".
فيعضده الصحيح يعني الصحيح الوارد في الصحيح.
"«مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ». وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهَا الصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ أَوِ الْعِشَاءِ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْعِشَاءُ أَوْضَحُهُ.
الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَدْبَارَ السُّجُودِ } [ق:40]، قَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ: أَدْبَارَ السُّجُودِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَأَدْبَارَ النُّجُومِ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَرَوَاهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَفَعَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَدْبَارُ السُّجُودِ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ ".
مخرج؟
طالب: قال: إسناده ضعيف......
نعم.
"وَلَفْظُ الْمَاوَرْدِيِّ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَدْبَارُ النُّجُومِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَدْبَارُ السُّجُودِ»".
مخرج؟
طالب: ....
"وَقَالَ أَنَسٌ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كُتِبَتْ صَلَاتُهُ فِي عِلِّيِّينَ» ".
والأفضل أن تكون في البيت، ركعتان بعد المغرب وبعد العشاء وقبل الفجر الأفضل أن تكون في البيت، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يواظب على ذلك.
طالب: والمؤذن؟
المؤذن يصلي بالمسجد.
طالب:.....
أين يصلي ركعتي الفجر؟
طالب:....
لا، قبل الفجر، والمؤذن يصلي في المسجد.
طالب:.....
حتى ركعتي الفجر في البيت.
طالب:.....
جاءت المبادرة أنها تُرفع مع الفريضة، لكن الأذكار، الأذكار قبلها بلا شك، الأذكار بعد الصلاة وقبل النافلة.
طالب: حديث من تعارى.
في صحيح البخاري، ماذا فيه؟
طالب:.....
لا، من غير قصد، تعارى من غير قصد، كل ما انتبه فعل ذلك، تعارى يعني تحرك أو اختلج أو انتبه.
طالب:.....
الذي لا ينتبه، واحد سُمع يكثر الحمد والشكر لله -جل وعلا-، فقيل له: رأيناك في هذه الأيام تكثر من الحمد والشكر، فما النعمة التي حصلت لك؟ قال: إنه أُصيب بالسكري، الذي يسبب له القيام مرارًا في الليل لقضاء الحاجة البول، يسبب له القيام ويتعارى ويتوضأ ويصلي ركعتين، بعض الناس غريب، هذه بلوى من الله -جل وعلا- يُؤجر عليه، لكن كون أن تُحدث له نعمة فهذا لا شك أنه من تمام فضل الله على الناس.
طالب:.......
لا، إذا كان يصنع مثل ما يصنع النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها بعد طلوع الفجر مباشرة ثم يضطجع فإذا قرُبت الصلاة خرج للصلاة فهذا أفضل بلا شك.
طالب:.....
التقويم إلى الآن مطابق، والتقارير كلها تدل على أنه مطابق.
طالب: ....
ماذا فيه؟
طالب: وتر الليل، ما المسافة بينه وبين صلاة الفجر؟
انتهى إلى السحر يعني إذا خشي الصبح، صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح صلى واحدة توتر لك ما صليت.
طالب:......
يعني قبل طلوع الفجر، تستغل هذا الوقت في الاستغفار أو عشر أو ربع أو قبل الأذان مباشرة فالأمر واسع.
طالب: لو أذن وهو يصلي.
يكمل أكثر، أقل، القدر المطلوب، إذا كان في الركعة الأولى يسلم منها، إذا كان في الثالثة يسلم منها، إذا كان في الثانية يتم ثالثة وهكذا.
طالب:.....
يجمع بينهم، لأنه وقت النزول الإلهي فيُستغل، هذه المسائل، والاستغفار جاء مدح المستغفرين بالأسحار.
طالب:....
لا، ما يبادر خلاص، انتهى وتره إلى السحر، انتهى وتره، «فإذا خشيت الصبح صلى واحدة توتر لك»، إذا خشيت، وليس إذا أصبحت، الذي يفوته يصلي بعد أن ينتهي وقت النهي.
طالب:......
بعد ركعتي الفجر، إذا صلى ركعتين يضطجع، هذه سنة.
"قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ مُقَاتِلٌ: وَوَقْتُهَا مَا لَمْ يَغْرُبِ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ ".
بدخول وقت صلاة العشاء ينتهي وقت المغرب براتبته.
"وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ الْوَتْرُ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ النَّوَافِلُ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، رَكْعَتَانِ بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَالظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: هُوَ التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ السُّجُودِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الْأَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ: « أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ»، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْفَرَائِضِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا خَمْسُ صَلَوَاتٍ، نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ.
الْخَامِسَةُ: قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ: " وَإِدْبَارَ السُّجُودِ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ أَدْبَرَ الشَّيْءُ إِدْبَارًا إِذَا وَلَّى. الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا جَمْعُ دُبُرٍ. وَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِثَالُهَا طُنُبٌ وَأَطْنَابٌ، أَوْ دُبْرٌ كَقُفْلٍ وَأَقْفَالٍ. وقَدِ اسْتَعْمَلُوهُ ظَرْفًا نَحْوَ جِئْتُكَ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ. وَلَا خِلَافَ فِي آخِرِ " وَالطُّورِ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور:49] أَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ، وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْئِهَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُنْشَقُّ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ } [ق:41] مَفْعُولُ الِاسْتِمَاعِ مَحْذُوف أَيِ: اسْتَمِعِ النِّدَاءَ وَالصَّوْتَ أَوِ الصَّيْحَةَ وَهِيَ صَيْحَةُ الْقِيَامَة".
الفرق بين أدبار السجود وإدبار النجوم، الأدبار ما يقع بعد الشيء في آخره أو بعده، من قال دبر كل صلاة، والإدبار هو الذهاب، أدبر فلان يعني ذهب.
"وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ، وَالْمُنَادِي جِبْرِيلُ. وَقِيلَ: إِسْرَافِيلُ".
لا شك أن الذي ينفخ في الصور هو إسرافيل. والذي ينادي هل هو إسرافيل بالنفخة أو أن نداءً من جبريل أو غيره من الملائكة، يا أيتها العظام البالية، والأجسام المتقطعة وما أشبه ذلك، هل هو نداء مقال يقع بعد النفخ، أو نداء واستمع يوم ينادي المنادي، على ما ذكره أهل العلم.
"الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقِيلَ إِسْرَافِيلُ يَنْفُخ وَجِبْرِيلُ يُنَادِي، فَيُنَادِي بِالْحَشْرِ وَيَقُولُ: هَلُمُّوا إِلَى الْحِسَابِ فَالنِّدَاءُ عَلَى هَذَا فِي الْمَحْشَرِ. وَقِيلَ: وَاسْتَمِعْ نِدَاءَ الْكُفَّارِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، أَيْ يَسْمَعُ الْجَمِيعُ فَلَا يَبْعُدُ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ النِّدَاءِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: يُنَادِي مُنَادِي الرَّحْمَنِ فَكَأَنَّمَا يُنَادِي فِي آذَانِهِمْ. وَقِيلَ: الْمَكَانُ الْقَرِيبُ صَخْرَة ُبَيْتِ الْمَقْدِسِ ".
يقال: إنها أقرب بقعة في الأرض إلى السماء، تقرب باثني عشر ميلاً وثمانية عشرة ميلاً إلى السماء فهي أقرب من غيرها، وهذا يحتاج إلى نص ملزم، لم يثبت فيه شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجُل ما جاء في ذلك من الإسرائيليات.
"وَيُقَالُ: إِنَّهَا وَسَطُ الْأَرْضِ وَأَقْرَبُ الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا. وَقَالَ كَعْبٌ: بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا، ذَكَرَ الْأَوَّلَ الْقُشَيْرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ، وَالثَّانِي الْمَاوَرْدِيُّ. فَيَقِفُ جِبْرِيلُ أَوْ إِسْرَافِيلُ عَلَى الصَّخْرَةِ فَيُنَادِي بِالْحَشْرِ: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، وَيَا عِظَامًا نَخِرَةً، وَيَا أَكْفَانًا فَانِيَةً، وَيَا قُلُوبًا خَاوِيَةً، وَيَا أَبْدَانًا فَاسِدَةً، وَيَا عُيُونًا سَائِلَةً، قُومُوا لِعَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ إِسْرَافِيلُ صَاحِبُ الصُّورِ.
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ } [ق:42] يَعْنِي صَيْحَةَ الْبَعْثِ. وَمَعْنَى الْخُرُوجِ الِاجْتِمَاعُ إِلَى الْحِسَابِ.
{ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ } [ق:42] أَيْ يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ ".
وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة محمد -عليه الصلاة والسلام-، لذا يقول: «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فأجد موسى آخذًا بقائمة العرش، فلا أدري أُبعث قبلي، أم جُوزي بصعقة الطور».
طالب:......
بعد النفخ في الصور تنشق.
طالب:.....
لقوله: واستمع؟
طالب: واستمع يوم يناد المنادي.
لكن هل المراد استمع النداء السابق، أو استمع ما يُذكر لك في هذا المجال الآن؟
"{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} [ق:43]، نُمِيتُ الْأَحْيَاءَ وَنُحْيِي الْمَوْتَى، أَثْبَتَ هُنَا الحقيقة {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا}[ق:44] إِلَى الْمُنَادِي صَاحِبِ الصُّورِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِس.
{ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ق:44]، أَيْ هَيِّنٌ سَهْلٌ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " تَشَقَّقُ " بِتَخْفِيفِ الشِّينِ عَلَى حَذْفِ التَّاءِ الْأُولَى. الْبَاقُونَ بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي الشِّينِ. وَأَثْبَتَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ يَاءَ " الْمُنَادِ" فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ، وَأَثْبَتَهَا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو فِي الْوَصْلِ لَا غَيْرَ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ.
قُلْتُ: وَقَدْ زَادَتِ السُّنَّةُ هَذِهِ الْآيَةَ بَيَانًا، فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ قَالَ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ فَقَالَ: «مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَفْوَاهِكُمُ الْفِدَامِ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهُمْ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَا يُعْرِبُ عَنْ أَحَدِكُمْ فَخِذُهُ » فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَخِذُهُ وَكَفُّهُ» وَخَرَّجَ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ: ثُمَّ يَقُولُ - يَعْنِي اللَّهَ تَعَالَى - لِإِسْرَافِيلَ: «انْفُخْ نَفْخَةَ الْبَعْثِ فَيَنْفُخُ فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَمْثَالِ النَّحْلِ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".
كأنهم جراد منتشر، لا إله إلا الله.
"فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَيَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الْأَجْسَادِ ثُمَّ تَدْخُلُ فِي الْخَيَاشِيمِ فَتَمْشِي فِي الْأَجْسَادِ مَشْيَ السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْكُمْ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا شَبَابًا كُلُّكُمْ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَاللِّسَانُ يَوْمَئِذٍ بِالسُّرْيَانِيَّة»، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيعَ هَذَا وَغَيْرَهُ فِي " التَّذْكِرَةِ " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
واللسان يومئذ بالسريانية، ماذا يقول؟
طالب: قال تقدم تخريجه وانظر في التذكرة، وهو حديث ضعيف.
نعم.
طالب: ما معنى الفدام؟
السابق؟
طالب: ....
لعله ما يُغطى به الفم.
"قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} [ق:45] أَيْ مِنْ تَكْذِيبِكَ وَشَتْمِكَ .
{وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45]، أَيْ بِمُسَلَّطٍ تُجْبِرُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَتَكُونُ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ. وَالْجَبَّارُ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ وَالتَّسَلُّطِ إِذْ لَا يُقَالُ جَبَّارٌ بِمَعْنَى مُجْبِرٍ، كَمَا لَا يُقَالُ: خَرَّاجٌ بِمَعْنَى مُخْرِجٍ، حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ. النَّحَّاسُ: وَقِيلَ مَعْنَى " جَبَّارٍ" لَسْتَ تُجْبِرُهُمْ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَعَّالٌ مِنْ أَفَعَلَ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ: وَقَالَ ثَعْلَبٌ قَدْ جَاءَتْ أَحْرُفُ فَعَّالٍ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ وَهِيَ شَاذَّةٌ، جَبَّارٌ بِمَعْنَى مُجْبِرٍ ".
الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يلزم، بل عليه البلاغ، {لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية:22]، {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق:45] أن تلزمهم وتجبرهم بما أرسلت به إليهم، ما عليك إلا البلاغ، والقبول من الله -جل وعلا-.
طالب: إذا أحد نصح إنسانًا، هذا الإنسان قريب منه يشفق عليه، فأبى هذا الإنسان......
الأجر ثبت، والهداية بيد الله.
طالب: يصبر على هذا الرجل.
يصبر ويتابع النصح والتوجيه والإرشاد لعل الله يهديه على يده، «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم»، ومع ذلك إذا بذلت السبب فالأجر ثابت، وإن لم يترتب عليه المسبب.
طالب: قول المصلين بعد صلاة الفجر والمغرب "لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. ".
عشر مرات.
طالب:......
عشر مرات سنة هذه.
طالب: بيده الخير.
لا. يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.
طالب:....
نعم له أصل، هي من أذكار المساء وثبتت بعد صلاة الفجر والمغرب، وإذا قالها بعد الصلاتين أجزأت عن أذكار الصباح والمساء.
طالب:.....
ثلاثًا ثلاثًا.
طالب:.....
نعم، هذه من أذكار المساء، ذكرتها على أنها من أذكار المساء لا أنها من أذكار صلاة المغرب.
طالب: إذا جئت وصليت المغرب أقولها ثلاث مرات.
تقولها ثلاث مرات.
طالب:.....
موجود.
طالب:......
ماذا فيها؟
طالب:......
تُجزئ عن الذكر أذكار المساء؛ لأن الأذكار تتداخل، فإذا قاله بعد صلاة الصبح أجزأه من أن يقولها ثانية لأذكار الصباح، وإذا قالها بعد المغرب ثبت أنه قالها في المساء.
"وَدَرَّاكٌ بِمَعْنَى مُدْرِكٍ، وَسَرَّاعٌ بِمَعْنَى مُسْرِعٍ، وَبَكَّاءٌ بِمَعْنَى مُبْكٍ، وَعَدَّاءٌ بِمَعْنَى مُعْدٍ. وَقَدْ قُرِئَ: "وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَّادِ " بِتَشْدِيدِ الشِّينِ بِمَعْنَى الْمُرْشِدِ وَهُوَ مُوسَى. وَقِيلَ: هُوَ اللَّهُ".
فعَّال صيغة مبالغة.
"وَكَذَلِكَ قُرِئَ :" أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَّاكِينَ " يَعْنِي مُمْسِكِينَ. وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الْخَارْزَنْجِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: سَيْفٌ سَقَّاطٌ بِمَعْنَى مُسْقِطٍ. وَقِيلَ: بِجَبَّارٍ بِمُسَيْطِرٍ كَمَا فِي الْغَاشِيَةِ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَمِعْت مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ قَهَرَهُ، فَالْجَبَّارُ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ صَحِيحٌ. وقِيلَ: الْجَبَّارُ مِنْ قَوْلِهِمْ جَبَرْتُهُ عَلَى الْأَمْرِ أَيْ أَجْبَرْتُهُ وَهِيَ لُغَةٌ كِنَانِيَّةٌ، وَهُمَا لُغَتَانِ. الْجَوْهَرِيُّ: وَأَجْبَرْتُهُ عَلَى الْأَمْرِ أَكْرَهْتُهُ عَلَيْهِ، وَأَجْبَرْتُهُ أَيْضًا نَسَبْتُهُ إِلَى الْجَبْرِ، كَمَا تَقُولُ: أَكْفَرْ إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى الْكُفْرِ.
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } [ق:45] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ خَوَّفْتَنَا فَنَزَلَتْ: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ } [ق:45]ِ أَيْ مَا أَعْدَدْتُهُ لِمَنْ عَصَانِي مِنَ الْعَذَابِ فَالْوَعِيدُ الْعَذَابُ وَالْوَعْدُ الثَّوَابُ، قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ |
لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي |
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَخَافُ وَعِيدَكَ وَيَرْجُو مَوْعِدَكَ. وَأَثْبَتَ الْيَاءَ فِي " وَعِيدِي" "يَعْقُوبُ فِي الْحَالَيْنِ، وَأَثْبَتَهَا وَرْشٌ فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ، وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
طالب: الوعد والإيعاد.
الخلاف من أجل الوفاء والإخلاف؟
طالب: لا، الوعد...
الوعد بالخير، والوعيد بالشر، هذا الأصل.
طالب: النار وعدها الله....
ليس بكلي، أغلبي.