كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 37

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:

وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف)) رواه أحمد وأبو داود النسائي وابن حبان البستي، والحذف بالتحريك: غنم سود صغار من غنم الحجاز، الواحدة حذفة، قاله الجوهري.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) رواه مسلم.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه" متفق عليه.

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم، فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا" متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبامرأة فجعله عن يمينه، والمرأة خلفه.

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) رواه البخاري، وفي رواية لأحمد وأبي داود: أن أبا بكرة جاء رسول الله...

جاء.

أن أبا بكرة جاء رسول الله...

جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع.

أن أبا بكرة جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ((أيكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟)) فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً فلا تعد)).

وعن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة. رواه أحمد وحسنه، وأبو داود وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن.

وقال ابن المنذر: ثبّت الحديث أحمد وإسحاق، وقال أبو عمر بن عبد البر: في إسناده اضطراب.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: ((صلِ ما أدركت، واقضِ ما سبقك)) ورواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: ((وما فاتكم فاقضوا)).

وقد وهم بعض المصنفين في قوله: إن لفظ القضاء مخرج في الصحيحين، وقال أبو داود: قال يونس الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري: ((وما فاتكم فأتموا)) وقال ابن عيينة: عن الزهري وحده: ((فاقضوا)) وقال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم من رواها عن الزهري غيره، وفي قول أبي داود ومسلم نظر، فإن أحمد رواها عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وقد رويت من غير وجه عن أبي هريرة، وقال البيهقي: والذين قالوا: فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة -رضي الله عنه-، فهو أولى، والتحقيق أنه ليس بين اللفظين فرق، فإن القضاء هو الإتمام لغة وشرعاً. والله أعلم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:

"وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم))" أمر بالتراص في الصف، وسد الخلل والفرج، وقال بعض أهل العلم بوجوبه، بوجوب التراص في الصف ((ألا تصفون كما تصف الملائكة)) وهم يتراصون في الصف.

((وقاربوا بينها)) قاربوا بين الصفوف، التراص يكون في الصف الواحد، والمقاربة بين الصفوف بألا يكون الصف الثاني بعيداً عن الصف الأول، يعني بقدر الحاجة، والمسافة بين الصف الأول والثاني المتر كافي، أو متر وشيء يسير، أما أن يجعل هناك مسافة بعيدة عن الصفين مخالف للمقاربة بينها.

((وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق)) في رواية: ((بالمناكب)) الأعناق: جمع عنق، وهو معروف الرقبة، والمنكب: المجتمع بين مفصل الكتف والعضد، والمحاذاة تكون بالبدن كله، بالرجلين والركبتين والمناكب؛ لأن بعض الناس يظن أن المحاذاة تكون بالرجلين فقط، مع أنه قد تكون الرجل ملصقة بالرجل ومع ذلك يوجد فجوة في الصف، بعض الناس يظن أن الحل لمسألة الفرج في الصفوف أن يباعد ما بين رجليه، لا، المحاذاة كما تكون بالأقدام والأكعب تكون أيضاً بالمناكب والأعناق.

قد يقول قائل: شخص طويل كيف يحاذي منكبه وعنقه بشخص قصير؟ ألا يتصور هذا؟ يمكن المحاذاة؟ يعني ليس المقصود الحرفية، المقصود ما يتضمنه معنى المحاذاة، المقصود به البدن كله، لا يجعل فجوة لا من أسفل ولا من أعلى، وحينئذٍ يكون الإنسان قد أخذ من الحيز من الصف بقدره من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن النقص يؤثر على صلاته، يؤذيه، يعني لو حصل تراص لا يمكن الإنسان من الخشوع هذا خلل في الصلاة؛ لأن معنى ((رصوا صفوفكم)) هل معناه انضغطوا في الصف بحيث لا يدري الإنسان ماذا يصلي؟ بل يتمنى الفراغ من الصلاة؟ ليس المراد هذا أبداً، إنما المراد ما يحقق عدم الفرج التي تكون مكاناً للشياطين.

((وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف)) يعني في الفجوات والفرج التي تكون في الصف ((كأنها الحذف)) الحذف يقول المؤلف: "غنم سود صغار من غنم الحجاز الواحدة حذفة، قاله الجوهري" يعني موجودة الآن بهذا الاسم؟

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

بهذا الاسم؟

طالب:.......

نعم، حتى بعض الشراح يقول: إنه يؤتى بها من اليمن، كأنها غنم جبلية يعني.

طالب:.......

هاه؟

طالب:.......

قالوا: إنها من غنم الحجاز، والحجاز يمتد "الواحدة حذفة، قاله الجوهري" والحديث رواه أحمد وأبو داود النسائي وابن حبان، وهذا يدل على تسوية الصفوف ورصها، بمعنى أنه لا يوجد فيها فرج تمكن الشيطان من تخلل الصفوف مما يحدث وسوسة للمصلين، وخللاً في صلاتهم.

قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها))" يعني أفضل صفوف الرجال أولها، الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخر صف، وشرها وأقلها أجراً لبعده عن الإمام؛ ولأنه ناشئ عن التأخر عن الصلاة، ناشئ عن التأخر عن الإجابة، والأول ناشئ عن المبادرة بالإجابة، والقرب من الإمام لا شك أن له أثراً في المأموم، لا سيما في الصلوات الجهرية، لا سيما في صلاة الفجر، فإنها مشهودة وقراءتها مشهودة.

((خير صفوف الرجال أولها)) وبعض الناس يأتي قبل الإقامة ويجلس في آخر المسجد حتى إذا أقيمت الصلاة صار في الصف الرابع أو الخامس، وبإمكانه أن يصف في الصف الأول، يصف في الصف الأول بإمكانه.

وهنا مسألة يسأل عنها كثيراً فيما إذا كان في آخر المسجد درس، فهل الأولى القرب من المعلم الذي يشرح الدرس مما يدل على رغبة في تحصيل العلم للقرب من منبعه ومصدره، أو يذهب إلى الصف الأول لا سيما وهو يسمع الدرس من خلال المكبر؟ لو افترضنا أن الدرس هناك، واستمر الدرس إلى إقامة الصلاة، هل نقول للطالب: اقرب من الدرس، كلما قربت من الشيخ كان أفضل، وهذا أدل على الحرص في طلب العلم أو نقول: حصل الصف الأول والعلم يصلك وأنت في مكانك من خلال المكبر؟ هذه مسألة يقع السؤال عنها كثيراً، فبعض الطلاب يجلس من أول الأمر في الصف الأول، ويترك الشيخ في مكانه في آخر المسجد، أو أقل الأحوال إذا أذن بادر بالذهاب إلى الصف الأول وترك الدرس، وأبعد عن المعلم، وإن كان يسمع الدرس من خلال المكبر، وقد يكون الأبعد عن الشيخ أوضح في السماع من القريب منه؛ لأن السماعات تكون على حيطان المسجد.

هذه يسأل عنها كثيراً، ومناسبتها هذا الحديث، هل نقول: اترك الدرس وابعد عن الشيخ ولو اقتضى الأمر ألا يكون عنده أحد؟ لأننا إذا قلنا بهذا امتثل جميع الطلاب، وذهبوا إلى الصف الأول، وتركوا الشيخ يتكلم وحده.

فهل نقول: إن الجلوس بالقرب من الشيخ في حلقة الدرس أولى من المبادرة إلى الصف الأول، أو نقول: أذهب إلى الصف الأول وخير صفوف الرجال أولها، ولو ترتب على ذلك أن تبعد عن الشيخ؟ أحياناً يكون في المسجد مكان أرفق بالمصلي لا سيما مع الحاجة مما يترتب عليه ترك الصف الأول، الصف الأول مثل هذا المسجد ما فيه تكأة يتكي عليها، وقد يكون هناك كبار سن يحتاجون إلى أن يتكئوا، والاتكاء مطلوب من الجميع سواءً من الكبار أو من الصغار، لو قال: هذا ما فيه تكأة أذهب إلى آخر المسجد ولو ترتب على ذلك أني أترك الصف الأول؛ لأن هذا مما يعينني على طول المكث في المسجد، هل نقول له: اذهب واتكأ، أو نقول له: في مثل هذه الصورة يحق لك أن تحجز مكان في الصف الأول وتتكئ في آخره؟ إذا كان موجود في داخل المسجد له أن يحجز مكان وإلا ليس له أن يحجز؟ له أن يحجز، ولو ترتب عليه أن يخرج من المسجد ليعود إليه قريباً هو أحق بالمكان من غيره.

مسألة أخرى: وهي أنه إذا صلى ومكث في مصلاه يذكر الله إلى أن ترتفع الشمس كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، يعني ما زالت الملائكة تصلي عليه وتدعو له، هل المراد به المكان الذي أدى الصلاة فيه، أو أن المسجد كله مكان للصلاة؟ لا سيما إذا كان غير المكان الذي صلى فيه أرفق به وأعون له على الطاعة؟ قد لا يتحمل البقاء والمكث في مصلاه، وهو بحاجة إلى أن يتكئ مما يعينه على المكث، نقول: إذا كان أرفق به فلا يضر -إن شاء الله تعالى-.

((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)) لو قال قائل: إن الصف الأول يترتب عليه الانشغال عن الصلاة، والصف الثاني والثالث يتفرغ الإنسان فيه إلى الصلاة، الصف الأول فيه انشغال عن الصلاة؛ لأن جدران المسجد منقوشة، ومزخرفة فينشغل بها المصلي، وإذا صلى في الصف الثاني ما رأى هذه النقوش وهذه الزخارف، أو الثالث أو الأخير مثلاً، أيهما أفضل؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

الصف الأول، لكن الأثر المرتب على العبادة نفسها...

طالب:.......

جاهد نفسه، وينظر في محل السجود، لكن أحياناً لا يستطيع، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بالخميصة خميصة أبي جهيم قال: ((كادت أن تفتنني)) وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ((اذهبوا بها وآتوني بإنبجانية أبي جهيم)) يعني ما فيها خطوط ولا أعلام، لكن هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام-! يعني إذا كان هناك فضل مرتب على العبادة نفسها، وفضل مرتب على مكانها أو زمانها فأيهما أولى بالمحافظة؟ ما رتب على العبادة نفسها؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، والمرجوح ما يجعله راجحاً.

((خير صفوف الرجال أولها)) يعني هذا في الجملة ((وشرها آخرها)) يعني أقلها فضلاً آخرها، فتُتم الصفوف الأول فالأول، ولا يصف في الثاني وفي الأول فسحة أو فرجة، لا بد أن تُسد.

((من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)) أنت في الصف الثاني وجدت فرجة في الصف الأول أردت أن تصلها لتحصل على هذه الدعوة تتقدم إليها، لكن ما الذي يترتب على تقدمك؟ أنك قطعت الصف الثاني، فالوصل مأمور به، والقطع منهي عنه، وأيهما أولى ارتكاب المحظور أو ترك المأمور؟

طالب: لا يقطع بشيء منهما.

هو لا يقال بقاعدة مستمرة، وإن كان الأكثر يطلقون أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور؛ لأن فعل المأمور مقرون بالاستطاعة، وارتكاب المحظور ما فيه مثنوية، هنا أنت ترتب على فعلك صلة للصف، وقطع لصف، هل نقول: إنك تستحق الدعوة بالصلة وتستحق الدعوة عليك بالقطع؟ لأنه ترتب على فعلك الأمران.

يا الله يا الإخوان أجيبوا؟

طالب: القطع حاصل يا شيخ، القطع حاصل في الصف الأول أو الثاني كونه يسد الأول أفضل.

نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

نعم اجتمع الأمر والحظر فنرجح بينهما، نقدم الحظر يعني ما تقدم الصف الأول.

طالب:.......

نعم؟

طالب: أقدم الصف واللي ورائي يقدم ويسده.

هذا صحيح، لكن نريد من خلال قواعد منضبطة في الأوامر والنواهي، نريد قاعدة منضبطة تمشي مع الأوامر والنواهي، وقواعد أهل العلم للتعامل مع النصوص، نعم؟

طالب:.......

نعم لا يشرع إتمام الصف الثاني أو الشروع في الصف الثاني حتى يتم الأول، يعني المسألة مفترضة فيمن كان في الصف الأول ورجع إلى الثاني هذا قطع صف، هذا قطع صف، والثاني ما دام فيه فرجة ولا يوجد من يسدها ليس مأمور بسدها، إنما مأمور إتمام الصفوف الأول فالأول، فلا يتجه مثل هذا الكلام، ويقال: إنه ارتكب محظور، لا، هو ارتكب مأمور، والمحظور الثاني وظيفة غيره، وظيفة من يأتي بعده، وإلا لقلنا: إن الإنسان يلزمه أن يصلي في أول صف يقف فيه، وهو الآخر، وهو مخالف لحديث: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)).

((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) أولاً: بالنسبة لآخر صفوف الرجال لما يترتب عليه من أنه تأخر عن تلبية وإجابة النداء، ولما فيه من القرب من النساء اللواتي يصلين خلف الرجال، وهذه العلة موجودة في الصف الأول بالنسبة للنساء وهي القرب من الرجال، والنظر إليهم، والافتتان بهم، وسماع أصواتهم، فأين دعاة الاختلاط من هذه النصوص؟ يقولون: الاختلاط موجود في العبادات، النساء يصلين مع الرجال، يعني هذا التحذير من القرب من الرجال في هذا الموطن الذي الأصل فيه أن الرجل والمرأة على حد سواء، جاءوا لأداء عبادة، مقبلين بقلوبهم إلى الله -جل وعلا-، هل يقاس على هذا أماكن تهيأ للالتصاق بين الرجال والنساء، وإتاحة الفرص لهم في الحديث، وعقد العلاقات والصداقات في كرسي واحد، تجلس معه مدداً متطاولة في الدراسة، أو في العمل، أو في غيرهما؟ هل هذا مثل ما يكون في مواطن العبادات؟ لا والله، ولا يقول بهذا إلا مفتون، وإلا فما معنى: ((خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) هذا إذا كان النساء يصلين خلف الرجال من غير فاصل، ومعلوم ما جاء في النصوص الأخرى من القيود على خروج المرأة إلى المسجد، يخرجن تفلات، متلفعات بمروطهن، مجتنبات للزينة والطيب، وكل ما يثير الرجال، بينما إذا قُرر الاختلاط كما هو الحاصل في بعض الأقطار، أو في سائر الأقطار في التعليم، وفي العمل، وفي غيرها، إذا قُرر فكل من الطرفين يسعى لجذب الآخر، هذا هو الحاصل، يسعى لجذب الآخر، وهذا مردوده السيئ على الدين والدنيا على حد سواء، وإن كانت الخسارة والكارثة إنما هي خسارة الدين، لكن أيضاً على حد زعمهم أن هذا أنفع وأوفر بدلاً من أن يجعل مصانع للرجال ومصانع للنساء، مدارس للرجال ومدارس للنساء يكون أوفر، من أين أوفر؟ يعني إذا تصور قرية فيها عشرة طلاب وعشر طالبات وقيل: بدلاً من أن يؤتى بمدرس ومدرسة يؤتى بمدرس أو مدرسة قد يتصور أن يكون هذا أوفر، لكن ماذا عن الملايين من الطلاب والطالبات الذي لا يكفي ألوف مؤلفة من المعلمين والمعلمات؟! يعني كيف يكون هذا أوفر مع إمكان أن الفصل من كل وجه وفي كل مجال مما يترتب عليه خير الدنيا والآخرة، ونحن نعيش في نعمة بسبب هذا الفصل، والكوارث والفساد الأخلاقي والمادي حتى على أمور الدنيا الضرر ظاهر، حتى على مسيرة العمل والدراسة ظاهر في الاختلاط، ودول الكفر تفكر جادة بفصل الجنسين عن بعض؛ لأنها جربت من الويلات، جربوا ما ترتب على الاختلاط من ضياع وفساد وإهدار للجهود والطاقات فيما لا ينفع، وهم يفكرون جادين في فصل الرجال عن النساء، وهم يغبطوننا، كثير منهم لا يصرح بهذا خشية أن نستمسك بما أمرنا به شرعاً.

((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) هذا إذا كن خلف الرجال، لكن إذا كان النساء في مكان مستقل لا يرين الرجال، ولا يرونهن، هل نقول: إن خير الصفوف أولها والقرب من الإمام والقرب من الإمامة إذا اتخذت إمامة للنساء؟ عموم الحديث يشمل، وإن كانت العلة واضحة في أن كون خير صفوف النساء آخرها من أجل الابتعاد عن الرجال، لكن عموم الحديث يشمل فيما إذا كان هناك حاجز أو لم يكن، وأن المرأة تصلي في الصف المتأخر أفضل مطلقاً.

"رواه مسلم".

"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" وهي التي بات فيها عند خالته ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وابن عباس في ذلك الوقت ابن عشر سنين؛ لأن سنه عند موته -عليه الصلاة والسلام- يناهز الاحتلام، يقارب الثالثة عشرة "فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي" أدارني من ورائه "فجعلني عن يمينه" من ورائي يده من ورائي، وأدارني من ورائه حتى جعلني عن يمينه، وهذا هو الموقف بالنسبة للمأموم الواحد مع الإمام، يكون عن يمينه ولا يكون عن يساره، فإذا صلى الواحد مأموماً عن يسار الإمام وتركه الإمام حتى فرغ من صلاته فهل صلاته صحيحة أو باطلة؟ الأكثر على أن صلاته باطلة، ليست بصحيحة، وصححها بعض أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر أو ما قال لابن عباس: استأنف، وابن عباس إن كان قد كبّر..، إن كان لم يكبر هذا ما فيه إشكال، وإن كان قد كبر فأول صلاته معفو عنها للجهل، فيعذر الجاهل في مثل هذا، بينما من يعرف أن موقف المأموم الواحد يمين الإمام فإنه لا تصح صلاته عند أكثر أهل العلم.

المأموم الواحد إذا صف عن يمين الإمام يكون بحذائه مساوياً له، كما يكون في الصف؛ لأنه هو مع الإمام صف، وحينئذٍ لا بد من المحاذاة، وقال بعض الشافعية يتأخر المأموم عن الإمام قليلاً، ولم يذكروا على ذلك دليلاً، اللهم إلا إن منزلة الإمام في الأصل التقدم على المأموم، هذا في الأصل أن الإمام يتقدم على المأموم، فإذا كان واحد يتقدم عليه يسيراً استصحاباً للأصل، وإلا فلا يوجد دليل يدل على أن المأموم يتأخر عن الإمام، والأصل في مثل هذه الحالة المصافة كالاثنين خلف الإمام.

"متفق عليه".

"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم" أم سليم دعته -عليه الصلاة والسلام- إلى طعام، فأكل من الطعام، ثم صلى في بيتها، يقول أنس: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بالماء، فصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-" في بيت أم سليم أم أنس "فقمت ويتيم خلفه" يعني هذه الرواية فيها العطف على ضمير الرفع المتصل من غير فاصل، والأصل أن يقول: فقمت أنا، وجاء في بعض الروايات: فقمت أنا، على الأصل.

وإن على ضمير رفع متصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد
 

 

عطفت فافصل بالضمير المنفصل
في النظم فاشياً وضعفه اعتقد

هنا يقول: "فقمت ويتيم" الأصل أن يقال: فقمت أنا، للفصل بين الضمير، ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه.

"ويتيم خلفه" يعني خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا صحة مصافة الصغير؛ لأن اليتيم لا يطلق إلا على الصغير، ولا يتم بعد احتلام، فتصح مصافة الصبي المميز، ويرى بعض أهل العلم أنها لا تصح لأن صلاته نافلة، وحينئذٍ يكون وجوده قدر زائد على هذه الصلاة التي هي فريضة، يعني تصح مصافاته في النافلة، لكن ما تصح في الفريضة، وهذه الصلاة التي صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، ولا شك أن ما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة هذا الأصل.

"فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا" قال: "فصففت أنا واليتيم من ورائه" في بعض الروايات: "والعجوز من ورائنا" فدل على أن المرأة تصف خلف الرجال ولا تصاف الرجل، فإن صفت مع الرجال كما يحصل كثيراً في المسجد الحرام، يحصل كثير امرأة تصف بين الرجال، أو مجموع من النسوة يكن صفاً مع الرجال، يكملن صف الرجال، أو رجل يأتي متأخر جاهل ويصف مع النساء، يختلف أهل العلم فيما إذا صفت المرأة مع الرجل على ثلاثة أقوال، منهم من يبطل صلاة الاثنين، فالرجل بالنسبة للرجال فذ يصلي خلفهم، والمرأة صلت بجوار رجل، وبعضهم يفرق بين أن يكون أجنبياً أو من محارمها، والأصل في صف المرأة أن تكون خلف الرجال، فصفت في غير صفها فكأنها تقدمت عليهم، ومنهم من يقول: تبطل صلاة الرجل لأنه في حكم الفذ، ومنهم من يقول: تبطل صلاة المرأة، وعلى كل حال موقف المرأة من الصفوف خلف الرجال ولو كانت واحدة، فإنها تصلي خلفهم، فإذا صلت بجانب محرمها صلت المرأة بجانب محرمها ما صلت ورائه، وأنس محرم لأمه بلا شك؛ لماذا لم تصف ورائه؟ كثير من أهل العلم يقول: إذا صلت بجانب محرمها فإن صلاتها صحيحة، هو صلاته صحيحة.

إذا فاتت الرجل الصلاة مع الجماعة، ورجع إلى بيته، وأراد أن يصلي هو وزوجته هل الأفضل أن تصف بجانبه أو تصف ورائه؟ نعم؟ ورائه، قال: "وأم سليم خلفنا" هذا الأصل، لكن إن صفت بجانبه وهو محرم لها وهي محرم له فيرجى أن لا بأس بذلك، لكن الأصل أنها خلفه.

"متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى به" يعني بأنس "وبامرأة فجعله عن يمينه والمرأة خلفه" هنا في هذه الحادثة بدون اليتيم الذي ذُكر في الرواية السابقة، بدون اليتيم واسمه: ضميرة، فجعله عن يمينه والمرأة خلفه، فدل على أن المرأة تصف خلف الرجال، وأنه لا مانع من أن تصلي فذة فردة خلف الصف بخلاف الرجل.

"وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً))" يعني ما الذي دعاه إلى أن يركع قبل الصف هو الحرص على إدراك الصلاة، فدعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بزيادة الحرص ((ولا تعد)) يعني الحرص من غير هذا النوع، الحرص على إدراك الصلاة، لكن من غير هذا النوع، لا تعد إلى مثل هذا الفعل فتركع دون الصف، أو لا تعد إلى التأخر عن الصلاة، أو لا تعد إلى الإسراع إلى الصلاة، ولذا قال في الرواية الأخرى -هذه الرواية للبخاري- وفي رواية لأحمد وأبي داود: "أن أبا بكرة جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ((أيكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصلاة؟)) فقال أبو بكرة: أنا" يحتمل أن يكون سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مشيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرى من ورائه كما يرى من أمامه في الصلاة، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً)) يعني على ما ينفعك من أمور دينك ((ولا تعد)) لمثل هذا العمل، وفي رواية: ((لا تُعِد)) لأن صلاتك صحيحة، وفي رواية: ((فلا تَعْدُ)) لأن العدو خلاف السكينة والوقار الذي أمر به على ما سيأتي.

أبو بكرة أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو راكع فركع دون الصف فلحق به، وفي هذا دليل على سقوط قراءة الفاتحة عن المسبوق، وهو قول جماهير أهل العلم، أن المسبوق تسقط عنه الفاتحة، وذهب أبو هريرة والبخاري والشوكاني وبعض أهل العلم إلى أن المسبوق لا تسقط عنه الفاتحة، بل لا بد أن يأتي بها، فإذا أدرك الإمام راكع فاتته الركعة؛ لأنه لم يأتِ بالفاتحة، يصلي كما يصلي الإمام ثم بعد يأتي بالركعة، ودليل الجمهور هذا الحديث، وهو صريح في الدلالة على سقوط الفاتحة عن المسبوق، نعم؟

طالب:.......

ما في رواية تدل على أنه أمر بالإعادة.

طالب:.......

إيه الأصل أنه ما أعاد، لو في شيء لبين.

قال -رحمه الله-:

"وعن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة" وفي هذا بطلان صلاة الفذ، الذي يصلي وحده خلف الصف؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يعيد الصلاة، وفي بعض الروايات: انتظره حتى سلم فقال له: استقبل صلاتك، يعني أعد صلاتك.

"رواه أحمد وحسنه، وأبو داود وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن، وقال ابن المنذر: ثبّت الحديث أحمد وإسحاق" ولا شك أن الحديث صحيح وثابت، وأما الاضطراب الذي قاله ابن عبد البر يقول: في إسناده اضطراب، فانتفى الاضطراب بترجيح بعض الروايات، والمحقق خرج الحديث وذكر روايات الحديث وأسانيده في عشر من الصفحات خمس ورقات، أطال في تخريجه، وأجاد وفقه الله، فيرجع إليه، فعلى كل حال الحديث ثابت.

عمل بهذا الحديث بعض العلماء، وهو صريح في الدلالة على بطلان صلاة الفذ خلف الصف، من أهل العلم -ولعلهم الأكثر- من يرى صحة صلاة الفذ خلف الصف، استدلالاً بأن الإمام يصلي منفرد في صف بمفرده، والمرأة صلت خلف الصف، وأبو بكرة رجع دون الصف، هذه أدلة من يقول بصحة صلاة الفذ خلف الصف، وهل يصلح واحد منها لمعارضة الحديث؟ قالوا: الإمام يصلي بمفرده في صف فليكن الآخر مثل الإمام، قياس مع الفارق، هذا موقفه الشرعي بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وتقريره، هذا موقف الإمام، وأما بالنسبة لأبي بكرة فلم يصلِ ركعة فذاً، وأقل من ركعة لا يقال له: صلاة، وأما بالنسبة لموقف المرأة فالمرأة معزولة عن الرجال بنصوص السنة المتكاثرة المتظاهرة، فلا تصف مع الرجال، لكن لو كان صفوف من النساء وجاءت امرأة وصلت فذة وراء النساء، هل يقال: إن صلاتها باطلة كما يقال لرجل صلى خلف الرجال فذاً: باطلة؟ أو نقول: إن هذا خاص بالرجال؟ صلاة الرجل فذ خلف الصف ينافي المشروعية لصلاة الجماعة، والرجل مأمور بصلاة الجماعة، بينما المرأة لو نافى المشروعية من صلاة الجماعة فالمرأة أصلاً ليست مأمورة بصلاة جماعة، فلا تقاس على الرجل في مثل هذا.

"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة))" هذا يدل على أن الإقامة تسمع، فلا مانع من أن تسمع سواءً كانت بالصوت العادي أو بمكبر الصوت؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم الإقامة)) ما قال للمؤذن إذا أقمت الصلاة فأخفض صوتك بقدر ما تسمع الحاضرين؛ لئلا تكون عوناً للكسالى في تأخرهم عن الصلاة، بل قال: ((إذا سمعتم الإقامة)) فدل على أن الإقامة تسمع، وحينئذٍ لا مانع من الإقامة بالمكبر ليكون عوناً على هؤلاء الكسالى للحضور إلى الصلاة؛ لأنه إذا لم يسمع الإقامة يفاجأ بالناس قد صلوا، وهو كسلان، كسلان من الأصل، يعني هل يتصور أنه إذا لم يسمع الإقامة يبي يبادر ويبكر؟ لا، فلنكن عوناً له على إدراك الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم الإقامة)) فدل على أن الإقامة تسمع، ولو كان من المقاصد ألا يسمع من خارج المسجد لقيل للمؤذن: أخفض صوتك، لا تسمع هؤلاء الكسالى فتعينهم على كسلهم، لا، قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة)) مشي، ولا تأتوها وأنتم تسعون ((وعليكم بالسكينة والوقار)) التؤدة والطمأنينة وعدم الإسراع من أجل أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة فهو في صلاة، فلا يأتي في مسيره إلى الصلاة بما يخالف الصلاة من الطمأنينة والسكينة والوقار، وأيضاً السرعة في المشي تقلل الخطى إلى المسجد، وللمصلي إذا مشى إلى الصلاة بكل خطوة حسنة، بكل خطوة يخطوها حسنة، ويحط عنه خطيئة، وأيضاً إذا أسرع في طريقه إلى الصلاة دخل إلى الصلاة وأثر البهر وتردد النفس يشغله عن الخشوع، بينما إذا جاء إلى الصلاة بسكينة ووقار دخل فيها مقبلاً عليها خاشعاً.

((وعليكم بالسكينة والوقار)) التؤدة الطمأنينة، وبعض الناس إذا جاء إلى الصلاة يكثر من الالتفات، ويكثر من التصرفات التي تلاحظ عليه، ومن الكلام بما لا ينفع، يعني هو مأمور بأن لا يأتي بما يخالف الصلاة من تشبيك الأصابع مثلاً؛ لأنه في صلاة ما دام يقصد الصلاة.

((وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا)) لما يترتب على الإسراع من تقليل الخطى، وثوران النفس، والدخول في الصلاة مع الانشغال بتسكين هذا النفس، وعدم الإقبال على الصلاة.

((فما أدركتم فصلوا)) ما أدركتم مع الإمام فصلوا ((وما فاتكم فأتموا)).

((ما أدركتم فصلوا)) ((إذا أتيتم والإمام على حال فاصنعوا كما يصنع الإمام)) "ما أدركتم" (ما) من صيغ العموم سواءٌ كان أكثر من ركعة أو ركعة كاملة أو أقل من ركعة، ما أدركتموه فصلوا، وما فاتكم فأتموا، الذي تدركونه مع الإمام قل أو كثر صلوه، وهنا يسمى إدراك، وبهذا يستدل من يقول -وهم الأكثر-: على أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها ولو كان أقل من ركعة، وفي كتب الحنابلة: "من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" أدرك أي جزء، وبهذا يقول الشافعية وجمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الصلاة لا تدرك إلا بما يسمى صلاة، وهي ركعة كاملة، وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

وعلى هذا إذا دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل مع الإمام أو ينتظر جماعة أخرى؟ لا سيما إذا كان يغلب على ظنه أنه يدرك أو أنه يحضر إلى المسجد جماعة أخرى الذي يقول: إن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة يقول: ينتظر، والذي يقول: تدرك بإدراك أي جزء منها كما في قوله: ((فما أدركتم)) وهو قول الأكثر يقول: يدخل مع الإمام ((وإذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) وهذا شامل لأي جزء من الصلاة، ولعل هذا هو الأظهر.

((وما فاتكم)) يعني صلاه الإمام قبل دخولكم معه في الصلاة ركعة أو ركعتين أو ثلاث ((فأتموا)) وعلى هذا أكثر الروايات، وجاء بدلاً من ((فأتموا)) ((فاقضوا)) كما يشير إليها المؤلف فيما بعد، وبهذه الرواية التي عليها الأكثر: "فأتموا" يكون ما يدركه مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، وهذا قول المالكية والشافعية، والحنفية مع الحنابلة يقولون: إن ما يدركه مع المأموم هو آخر صلاته، وما يقضيه بعد ذلك هو أول صلاته لرواية: ((فاقضوا)).

قال: "متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: ((صلِ ما أدركت واقضِ ما سبقك))" اقضِ يعني تأتي بما سبقك على صفته، والقضاء يحكي الأداء، على هذا على رواية: ((فأتموا)) إذا وجدت الإمام في الركعة الثالثة من صلاة رباعية تكبر وتستفتح للصلاة، وتستعيذ وتبسمل ثم تقرأ الفاتحة وتركع مع الإمام الركعة الأولى بالنسبة لك، ثم تصلي الرابعة معه، وهي الثانية بالنسبة لك، ثم إذا سلم الإمام تأتي بالثالثة والرابعة، لكن على القول الثاني تصلي الثالثة لك مع ثالثة الإمام، والرابعة بالنسبة لك هي الرابعة بالنسبة للإمام، ثم إذا سلم الإمام تقوم لتأتي بالركعة الأولى والثانية ((وما فاتكم فاقضوا)) ((واقضِ ما سبقك)) لكن رواية: ((فأتموا)) أكثر.

قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"ورواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: ((وما فاتكم فاقضوا)) وقد وهم بعض المصنفين" وهو ابن الجوزي في التحقيق، التحقيق يعني في أدلة مذهب الحنابلة، التحقيق جمع فيه ابن الجوزي وهو من الحنابلة أدلة المذهب، واختصره ابن عبد الهادي في التنقيح.

"وقد وهم بعض المصنفين في قوله: إن لفظ القضاء مخرج في الصحيحين" والمؤلف عزاه لأحمد، نعم مخرج في الصحيحين "وقال أبو داود: قال يونس الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري" جمع "يونس وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب عن الزهري ((وما فاتكم فأتموا)) وقال ابن عيينة واحده: عن الزهري: ((فاقضوا))".

ولذا قال مسلم: أخطأ ابن عيينة؛ لماذا؟ لأنه خالف الأكثر، الأكثر من الرواة عن الزهري قالوا: ((فأتموا)) ويرويه ابن عيينة فقط عن الزهري ((فاقضوا)) ولذا قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم رواها عن الزهري غيره.

وفي قول أبي داود ومسلم نظر، فإن أحمد رواها عن عبد الرزاق، يعني ابن عيينة تابعه عليها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، تابعه يعني تابع ابن عيينة معمر عن الزهري، وعلى هذا يكون قد روي اللفظ على الوجهين عن معمر، عن معمر روي عنه عن اللفظين، وقد رويت من غير وجه عن أبي هريرة.

"وقال البيهقي: والذين قالوا: "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة" هذه مرجحات، الكثرة يرجح بها، الحفظ يرجح به، ملازمة الشيخ مرجح، وعلى هذا فالمرجح من الروايتين: ((فأتموا)) وتبعاً لذلك يكون ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته "قال: فهو أولى، والتحقيق" يعني هذا من حيث الأثر، بقي من حيث النظر، من حيث المعنى، قال: "والتحقيق أنه ليس بين اللفظين فرق، فإن القضاء هو الإتمام لغة وشرعاً، والله أعلم".

{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} [(200) سورة البقرة] هل معناه أنه فاتكم النسك ثم قضيتموه بعد وقته؟ لا، إنما أديتموه في وقته، فالقضاء بمعنى الأداء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] هل معناه إذا قضيت بعد وقتها أو بعد سلام الإمام منها؟ لا، ليس المراد ذلك، وإنما المراد به التمام نفسه، وعلى هذا المرجح فيما يدركه المسبوق سواءً كان في جميع الصلوات، في الصلوات الخمس، في صلاة الكسوف، في صلاة الجنازة كلها ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

طالب:.......

نعم لو كان معذوراً...

طالب:.......

من يصلي خلف الصف يؤمر بالإعادة.

طالب:.......

لو صلى خلف الصف يؤمر بالإعادة كما أمره النبي -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

ولو كان جاهل ولو لم يجد مساغاً، إذا لم يجد مساغاً واستطاع أن يتقدم ويصلي بجوار الإمام له ذلك، جاء الاختلاج الذي هو يسحب واحد من الصف هذا ما جاء فيه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وهو اعتداء لهذا المختلَج، اعتداء عليه، وتفويت لأجر التقدم عليه.

طالب: ينتظر حتى يأتي أحد.

حتى يأتي أحد.

طالب:.......

ولو انتهت الصلاة.

طالب: طيب يا شيخ بالنسبة للنساء في رمضان والزحام الذي يصير على الصحن، هل تبطل صلاة الواحد وهو يصلي مع الحريم؟

على كل حال أوقات المواسم، وما يترتب عليها من خلل هذه معفو عنها عند عامة أهل العلم، حتى يسجد الرجل على ظهر أخيه في أوقات الزحام.

طالب:.......

نعم يقول: "صلى أنس واليتيم خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- والعجوز من ورائهم" هذا في نافلة، النوافل منها ما تشرع له الجماعة مطلقاً كالتراويح والكسوف هذه تشرع لها الجماعة مطلقاً، وبقية النوافل تباح الجماعة لكن لا على سبيل الاستمرار، ابن عباس صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، ابن مسعود صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، حذيفة صلى مع النبي، أنس صلى مع النبي نوافل، وصلى بعتبان نافلة، لكن لا على سبيل الاستمرار والدوام...

"