كتاب العلم (17)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَفْهَمْهُ فَرَاجَعَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ.

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا" يعني "فَلَمْ يَفْهَمْهُ فَرَاجَعَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ"، كثيرًا ما يسمع الإنسان كلامًا يشكل عليه معناه إما لضعف في فهمه، أو لضعف في تبليغ المتكلم، أو لشغل ذهن من قبل السامع، أو لأمر يحول دون سرعة الفهم لهذا الكلام، وبعض الناس يؤتى بيانًا وفصاحة ووضوحًا في الكلام، ويفهم كلامه من أول وهلة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أفصح الناس. لكن قد يكون المعنى فيه نوع خفاء لوجود المعارض. وبعض الناس يجامل، وإذا كلمته بكلام قال: نعم، أو أجبته بجواب أومأ برأسه وكأنه فهم وما فهم شيئًا، وقد يكون لهيبة المتكلم دور في مثل هذا، لكن طالب العلم بطريقته ولباقته وأدبه مع من يتعلم منه يصل إلى ما يريد بحيث لا يصل إلى حد يضجِر، يعني الإنسان ما هو كل شيء .......

الشيخ مثل ظروف غيره، يضجر من كثرة كل ما اتجه إلى هذا بوجهه، يعني يفصل قليلًا، وبعض الإخوان يصل عند باب الشيخ ويوقفه ولا يصل ما ظرف الشيخ ويحتاج إلى راحة يحتاج إلى دورة يحتاج ونسمع بعض الشيوخ والله يقسو على الطلاب. فكل مطالب بما يخصه، يعني على الشيخ أن يرفق بطلابه، ويحرص على نفعهم، ويرحب بهم، ويستوعبهم ويحتويهم على ما يقولون الآن.

والطالب عليه أيضًا أن يرفق بالشيخ، من آداب طالب العلم ألا يحرج الشيخ، ولا يضجر الشيخ، وهذا مذكور في كتب علوم الحديث في آداب العالم والمتعلم، في آداب الطالب والمحدث. لكن كونه يستفهم من شيء ما فهمه بعد أن يتحين الفرصة المناسبة. ابن عباس كم جلس من سنة يريد أن يسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، انتهز فرصة الحج، ومشى معه من عرفة إلى مزدلفة وسأله، جالس مدة يريد أن يسأل. فننتبه لهذا الأمر، ولا شك أن بقاء الإشكال غير محمود بقاء الإشكال. كنا في زمن سبق هيبة الأب تجعل الابن يقع في كثير من الحرج، والآباء كانت تربيتهم تختلف جذريًّا عن التربية في هذه الأوقات المتأخرة، يبعثه إلى مكان إلى محل أو شيء وما يدري الولد ما يدري ماذا يقول أبوه، ما فهم شيئًا أصلاً، يروح له ربع ساعة، نصف ساعة ويرجع ويقول: المحل مغلق، هو ما يدري أين ذهب، كله من أيش؟ من هيبة الأب.  

الآن العكس، والله العكس، الآن الأب هو الذي يقول: اللهم سلِّم سلم، ما ندري ماذا نفاجأ به! صحيح والله. فالتوسط في الأمور كلها هو المطلوب. يعني بعض الناس يعاني مثلاً من فهم كلام بعض المشايخ الذين يأكلون بعض الحروف، هذا موجود، لكنه إذا تعوَّد عليه عرف. كان طلاب العلم أول ما بدأ الشيخ ابن باز بدروسه قد لا يفهمون بعض كلامه، ثم بعد ذلك صار كلامه من أوضح الكلام، وبعض المشايخ -ما شاء الله- الشيخ ابن غديان -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- كأنه ينقد نقدًا يعد عدد الحروف بحيث ينقش الكلام في القلب. الشيخ ابن عثيمين كلامه واضح، وكثير من شيوخنا- الحمد لله يعني- أفادوا الطلبة بهذه الطريقة.

"بَابُ مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَرَاجَعَ فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ".

قال -رحمه الله-: "حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" رضي الله عنها "كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ" يعني من باب التثبت وتثبيت العلم، "وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ"، لأنها ظنت التعارض بين هذا الحديث وبين قوله -جَلَّ وعَلا-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}. "فقلت: أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]؟ قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ»"، من نوقش ودقق عليه، إنما مجرد العرض ما يترتب عليه عذاب ولا هلاك، إنما من نوقش في جميع أعماله دقائقها وجلائلها صغيرها وكبيرها لا بد أن يهلك؛ لأن هناك في الموازنة، كما جاء في بعض الآثار، لو أن البصر وُضع في كفة وجميع أعمال العبد في كفة أو السمع أو غير ذلك من النعم التي أنعم الله بها على عبادة ما تقوم لنعمة واحدة من نعم الله.

(قوله: باب من سمع شيئًا، زاد أبو ذر: فلم يفهمه. قوله: فراجعه، أي راجع الذي سمعه منه، وللأصيلي: فراجع فيه) الذي يظهر في الدروس في المحاضن النظامية سواء كنت عليا أو دنيا؛ لأن الطلاب أمامك يتفاوتون، تفترض أنهم خمسون طالبًا فيهم سريع الفهم، وفيهم المتوسط، وفيهم البطيء، وبطيء الفهم يعني يحتاج إلى أن يعيد له الأستاذ مرة، مرتين، ثلاثة وأحيانًا خمسًا ويا الله يفهم، ويترتب على ذلك ضجر من بقية الطلاب، يملون، وينشأ عن ذلك أيضًا انشغال أو شغب وكلام، وانصراف عن الدرس، وضياع وقت بالنسبة لهؤلاء. وأبدينا مرارًا في بعض الدروس أنه لو صنف الطلاب، ما تجمع أذكى الطلاب مع أغباهم وتخرجهم في مدة واحدة، هذا تضييع للأذكياء، وقد يكون فيه ظلم لمن دونهم في الفهم، المدرس ينظر إلى هؤلاء الذين فهموا من أول مرة، أو ينتظر الذين لم يفهموا إلا بعد خمس مرات؟ لا شك أن تصنيف الطلاب وتوزيعهم، وإذا أمكن أن يخرج بعض الطلاب في خمس سنوات، بينما القسم الآخر يمكن تخرجه بعد عشرين، ثلاثين سنة، ما هي مشكلة، خلوه يفهم، فمثلًا الشيخ حافظ الحكمي -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- القرعاوي راح لهم الجنوب سنة ثمان وخمسين، وسنة ستين أو واحد وستين ألف معارج القبول! فمن تجعلونه مع ذاك؟

طالب: .......

من تجعله مع هؤلاء الطلاب؟ الله المستعان.

طالب: .......

 لا ما يصح، هذا تضييع للطرفين، إن نظرت إلى الأذكياء ظلمت هؤلاء المساكين، وإن نظرت إلى من دونهم ظلمت أولئك الذين يضيع عليهم الوقت بدون فائدة، وينتظر أذكى الناس ست عشرة سنة؛ ليتخرج مع الغبي، في النهاية معاملتهم واحدة، ووظائفهم واحدة، من أجل أيش!؟

(قوله: أن عائشة، ظاهر أوله الإرسال؛ لأن ابن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعة عائشة) قال: "حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-"، ابن أبي مليكة يحكي قصة وواقعة لم يدركها، لكن لو قال: عن عائشة، يحكى القصة عن صاحبتها صار موصولاً، لكنه بهذه الصيغة: "أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لا تسمع..." وذكر القصة في مراجعتها للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لم يدركها، القصة منقطعة، ولو حكاها عن صاحبتها، رواها عن صاحبتها صارت..

طالب: موصولة.

متصلة. وهل السبب في الانقطاع هو صيغة أن، والاتصال صيغة عن كما فهمه ابن الصلاح من كلام الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة في حديث عن محمد بن الحنفية أن عمارًا مر به النبي- عليه الصلاة والسلام- أو مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ورواها أو رويت من طريق أخرى عن عمار أنه مر بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة: الأولى منقطعة، والثانية متصلة مثل ما عندنا، فقال ابن الصلاح أخذًا من اختلاف الحكمين على الطريقين: إن أن لا تحمل على الاتصال، وليست كعن، ولذا يقول الحافظ العراقي:

 كذا له ولم يصوب صوبه، يعني ما أدرك السبب الحقيقي المؤثر في الحكمين.

(ظاهر أوله الإرسال؛ لأن ابن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعة عائشة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن تبين وصله بعد في قوله: قالت عائشة فقلت. قوله: كانت لا تسمع، أتى بالمضارع استحضارًا للصورة الماضية؛ لقوة تحققها) يعني المضارع يدل على التجدد والحدوث، فكأن الصور الماضية تتجدد وتستحضر في كل مناسبة.

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

نعم كيف؟ هو لو المسألة انتهت عند من «حوسب عذب» قلنا: إنها منقطعة؛ لأن ابن أبي مليكة يحكي قصة لم يشهدها. أنت لو تقول: إن فلانًا -تعنيني- سأل الشيخ الفلاني قبل ما تجيء إلى السعودية، وأنت ما أدركت القصة، متصلة أم منقطعة؟ لكن لو قلت: عن فلان -عني أنا- أني فعلت كذا، أو سألت فلانًا، أو حصل لي مع فلان كذا، تحكي القصة عني أنا صاحبها. هو يحكي قصة لم يشهدها، فظاهرها الإرسال. لكن لما قالت -يعني وسمع منها- قالت عائشة: فقلت: أوليس يقول الله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟

(قوله: «إنما ذلكِ» بكسر الكاف) يعني لأن الخطاب للمؤنث، («العرض» أي عرض الناس على الميزان) {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18].

(قوله: «نوقش» بالقاف والمعجمة من المناقشة وأصلها الاستخراج، ومنه نقَشَ الشوكةَ إذا استخرجها، والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يُفضي إلى استحقاق العذاب) لأن العبد مهما فعل ومهما بذل الله -جَلَّ وعَلا- له نِعم لو وُضع واحدة منها في الميزان رجحت بجميع أعماله، والناس في رؤية الأعمال يتفاوتون تفاوتًا بينًا في نظرهم إلى أعمالهم، شخص يتعبد سبعين سنة ثم لا يجرؤ أن يسأل الله -جَلَّ وعَلا- الجنة، وإنما يكتفي بالنجاة من النار! أنا ما أتطلع إلى الجنة، لكن يكفيني أن أنجو من النار، بعد هذا العمل. وصحيح أن الاعتماد على العمل، والنظر إلى العمل على أنه منجٍ هو سبب، وقد يكون فيه خلل والإنسان لا يشعر. وأحد تجده إذا جلس يعظ الناس خمس دقائق، عشر دقائق وتحرك الباب ظن الملائكة جاءت تسلم عليه!

الناس يتفاوتون سبعين سنة، وعرف هذا: شخص ذُكر وسمي سبعين سنة يتعبد يقول: أنا لست كفئًا للجنة، يكتفي بسؤال النجاة من النار.

طالب: .......

لا لا ما هو بحال الصحابة، حال الصحابة يسألون الجنة، ويسألون الفردوس كما أُمروا، لكن هم على وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60].

(والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يفضي إلى استحقاق العذاب؛ لأن حسنات العبد موقوفة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول لا يحصل النجاة) العمل لا ينجي، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».

 ما أسهل الهلاك، الهلاك ما يحتاج إلى نية، وما أصعب النجاة؛ لأنها تحتاج إلى نية، وإذا غفل الإنسان وشردت هذه النية هلك، يعني تصور نفسك عند بئر، هل السقوط فيه مثل الخروج منه؟ هذاك ما يحتاج إلى أسباب السقوط، لا تحتاج حبالًا ولا تحتاج شيئًا أبدًا، إنما الخروج منه يحتاج إلى أسباب وبذل وجهد.

(قوله: في آخره «يهلك» بكسر اللام وإسكان الكاف، وفي الحديث: ما كان عند عائشة -رَضِيَ اللهُ تعالى عنها- من الحرص على تفهّم معاني الحديث، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتضجر من المراجعة في العلم) هل يقال: لأنها زوجته وقريبة منه، أو للناس كلهم -عليه الصلاة والسلام-؟ للناس كلهم؛ لأنه مأمور بالتبليغ لجميع الناس.

 (وفيه جواز المناظرة) يعني المقاولة والأخذ والرد، (ومقابلة السنة بالكتاب) ومقابلة السنة بالكتاب، لا لردها، أو للتشكيك فيها، لا، هذه طريقة الخوارج، لكن لمزيد الفهم والتثبت، (ومقابلة السنة بالكتاب، وتفاوت الناس في الحساب، وفيه أن السؤال عن مثل هذا لم يدخل فيما نُهي الصحابة عنه في قوله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101]، وفي حديث أنس: كنا نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، وقد وقع نحو ذلك لغير عائشة، ففي حديث حفصة أنها لما سمعت: «لا يدخل النار أحد ممن شهد بدرًا والحديبية»، قالت: أليس الله يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، فأجيبت بقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] الآية.

 وسأل الصحابة لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]: أينا لم يظلم نفسه؟ فأجيبوا بأن المراد بالظلم الشرك، والجامع بين هذه المسائل الثلاث ظهور العموم في الحساب والورود والظلم).

 ظهور العموم في الحساب: «من نوقش الحساب عذِّب» والحساب فيه أل الجنسية، فيعم جميع أنواعه، لكنه أُخرج منه العرض بقوله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8]، والورود: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] أُخرج منه: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72]، والظلم: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قُصر على الشرك بالآية الأخرى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

طالب: .......

أين؟ أيش حالهم؟ يكون هذا من العموم الذي أريد به الخصوص.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......  

الشرك، نعم. وبعضهم يرى أن المراد بالظلم هنا الظلم المطلق الذي هو الشرك الذي يقابله الأمن المطلق الذي لم يخالطه ظلم بأي نوع من أنواعه، وأما إذا وُجد نوع من الظلم فيقابله خلل في أنواع من الأمن، كما يقول ابن القيم: والحصة بالحصة.

(فأوضح لهم أن المراد في كل منها أمر خاص، ولم يقع مثل هذا من الصحابة إلا قليلاً مع توجه السؤال وظهوره) يعني ليس بتعنت؟ ليس بتعنت، بل سؤال وجيه بخلاف ما نسمع من بعض المعترضين أنه يعترض بشيء لا علاقة له بما استدل به.

 (وذلك لكمال فهمهم ومعرفتهم باللسان العربي، فيحمل ما ورد من ذم من سأل عن المشكلات على من سأل تعنتًا، كما قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7]، وفي حديث عائشة: فإذا رأيتم الذين يسألون عن ذلك فهم الذين سمى الله فاحذروهم، ومن ثَم أنكر عمر على صبيغ لما رآه أكثر من السؤال عن مثل ذلك وعاقبه) يعني من المتشابه، (وسيأتي إيضاح هذا كله في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى، وسيأتي باقيه في كتاب الرقاق، وكذلك الكلام على انتقاد الدارقطني لإسناده إن شاء الله تعالى) انتقاد الدارقطني لعله متجه إلى عدم الاتصال الذي أشرنا إليه سابقًا، أنه أشار إليه الحافظ.

نعم.  

طالب: "بَابٌ: لِيُبَلِّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ -وَهُوَ يَبْعَثُ البُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ- ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغَدَ مِنْ يَوْمِ الفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ». فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ مَا قَالَ عَمْرٌو قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ وَلاَ فَارًّا بِخَرِبَةٍ".

ولا فارًّا...؟

طالب: مضبوطة بالسكون الراء.

الراء عليها؟

طالب: سكون.

نعم.

طالب: كذا هي يا شيخ؟

بخَرْبة، وفيها أكثر من ضبط.

طالب: نواصل؟

نعم، الحديث تبعه، الحديث الثاني تبع الباب.

طالب: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، ذَكَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ». وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ ذَلِكَ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» مَرَّتَيْنِ".

يقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابٌ: لِيُبَلِّغِ العِلْمَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ"، اللام لام الأمر، ويبلغ فعل مضارع مجزوم بلام الأمر، والكسرة لالتقاء الساكنين فهو مجزوم، العلم: مفعول، والشاهد: فاعل، والغائب: مفعول ثانٍ. ومن حيث المعنى: العلم هو المفعول الثاني، والغائب هو المفعول الأول، من حيث المعنى، والشاهد هو الفاعل. "قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

يقول الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: (قوله: باب ليبلغ العلم، بالنصب، والشاهد بالرفع، والغائب منصوب أيضًا، والمراد بالشاهد هنا الحاضر، أي ليبلغ من حضر من غاب؛ لأنه المفعول الأول، والعلم المفعول الثاني، وإن قدم في الذكر) إذا قلت: أعطيت زيدًا درهمًا، أو أعطيت درهمًا زيدًا، المفعول الأول زيد ولو تأخر؛ لأنه آخذ هو اسم فاعل، والدرهم مأخوذ فهو اسم مفعول، ومثله ما عندنا.

(قوله: قاله ابن عباس، أي رواه، وليس هو في شيء من طرق حديث ابن عباس بهذه الصورة، وإنما هو في روايته ورواية غيره بحذف العلم) نعم، «أن يبلغ الشاهد الغائب»، ما فيه العلم، لكن ما الذي يبلّغ؟ ما الذي يبلغه الشاهد؟ وما الذي يبلغه الغائب؟ العلم المتلقى عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، (وكأنه أراد بالمعنى؛ لأن المأمور بتبليغه هو العلم.

قوله: عن أبي شريح هو الخزاعي الصحابي المشهور، وعمرو بن سعيد هو ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي يعرف بالأشدق)؛ لأنه يتشدق في كلامه فعرف بالأشدق، (وليست له صحبة، ولا كان من التابعين بإحسان)، والقصة المذكورة في الحديث: يبعث البعوث لغزو مكة، ويستدل عليه بالحديث، ويرد: أنا أعلم منك يا أبا شريح.

(وليست له صحبة، ولا كان من التابعين بإحسان.

قوله: وهو يبعث البعوث أي يرسل الجيوش إلى مكة؛ لقتال عبد الله بن الزبير؛ لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم، وكان عمرو والي يزيد على المدينة، والقصة مشهورة، وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية فبايعه الناس إلا الحسين بن علي وابن الزبير، فأما ابن أبي بكر فمات قبل موت معاوية، وأما ابن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه، وأما الحسين بن علي فسار إلى الكوفة؛ لاستدعائهم إياه ليبايعوه، فكان ذلك سبب قتله، وأما ابن الزبير فاعتصم، ويسمى عائذ البيت، وغلب على أمر مكة، فكان يزيد بن معاوية يأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش، فكان آخر ذلك أن أهل المدينة اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافة.

 قوله: ائذن لي، فيه حسن التلطف في الإنكار على أمراء الجور؛ ليكون أدعى لقبولهم)؛ لأنه إذا وُجد الصفاء بين الراعي والرعية فلا مانع من المخاطبة مخاطبة الند لنده، كما فعل أبو سعيد؛ لأن القلوب صافية، لكن إذا كانت القلوب فيها شيء دغش، وفيها انتصار للنفس وعدم تعظيم للحق، مثل هذا بالرفق واللين كما كان حال موسى وهارون مع فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا} [طه: 44]، والرفق ما دخل شيئًا إذا زانه.

(قوله: ائذن لي، فيه حسن التلطف في الإنكار على أمراء الجور؛ ليكون أدعى لقبولهم)؛ لأن الهدف من الإنكار التغيير، أن يتغير هذا المنكر، ما هو الهدف تفريغ ما في النفس مثلاً أو أن يبرأ من عهدة «فليغيره بيده فإن لم يستطع»، الهدف أن يتغير المنكر، فيبذل السبب والأسلوب الأجدى والأنفع لرفع هذا المنكر، ثم بعد ذلك إذا بُذل السبب بالأسلوب المناسب ولم يتغير النتائج بيد الله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، وليس من شرط التغيير التغير، ولا أبلغ من كون النبي يأتي وليس معه أحد، ونوح امرأته وولده ما استجابوا لدعوته، وقل مثل هذا في غيره من الأنبياء: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، فعلى الإنسان أن يبذل ما أُمر به ويتوخى الأسلوب المؤثر النافع الناجع، إن تغير المنكر وإلا إلى الله المشتكى. تُطرق أساليب أخرى غير مثيرة؛ لأن الأساليب المثيرة تجعل صاحب المنكر تأخذه العزة بالإثم، ثم خلاص ما فيه فائدة، لو أتيت بأسلوب ثانٍ وثالث، واستعنت بالله- جَلَّ وعَلا- ثم بأناس آخرين في الغالب أنه لا يستجيب.

طالب: .......

معروف هذا، لكن مع ذلك التغيير هدف، ثم إذا أيس الناس من تغييره يأتي البيان.

طالب: .......

 ما هو بالإنكار.

طالب: .......

الحكام يملكون، العلماء إن فُوض إليهم الأمر كرجال الحسبة مثلاً، إذا كان القضاة أحيانًا في بعض العصور ينفذون، هذا من صلاحيات الحاكم هذا الأصل، فإن فوَّضها إلى أحد صار في حكمه.

طالب: .......

باليد؟ لا، ما فيه يد، لا ما يملكون. يملكون إذا رأوا الكفر البواح يملكون خلعه.

(قوله: أحدثْك بالجزم؛ لأنه جواب الأمر) يعني: إن تأذن لي أحدثك، ائذن لي هل هو جواب الأمر أو جواب شرط مقدر؟

(قوله: قام، صفة للقول، والمقول هو حمد الله، إلى آخره. قوله: الغدَ بالنصب أي أنه خطب في اليوم الثاني من فتح مكة. قوله: سمعَتْه أذناي إلى آخره، أراد أنه بالغ في حفظه والتثبت فيه، وأنه لم يأخذه بواسطة، وأتى بالتثنية تأكيدًا، والضمير في قوله: تكلم به عائد على قوله: قولاً) قولاً تكلم به، تكلم بالقول يعني.

(قوله: ولم يحرمها الناسُ بالضم أي أن تحريمها كان بوحي من الله لا من اصطلاح الناس. قوله: يسفِك بكسر الفاء وحكي ضمها، وهو صب الدم، والمراد به القتل. قوله: بها، وللمستملي: فيها) الأصل أن الظرفية بفي، وينوب عنها الباء، وسمع في لغة العرب: أين أبوك؟ فقال: بالمسجد.

(قوله: «ولا يعضِد» بكسر الضاد المعجمة وفتح الدال أي يقطع بالمِعضَد وهو آلة كالفأس. قوله: «وإنما أَذن لي» أي الله، روي بضم الهمزة) «أُذن» (وفي قوله: «لي» التفات؛ لأن نسق الكلام: وإنما أَذن له أي لرسوله. قوله: «ساعةً» أي مقدارًا من الزمان، والمراد به يوم الفتح) يعني ليس المراد به الساعة الفلكية التي هي ستون دقيقة، لا، تحدث ساعة يمكن خمس دقائق أو عشرًا أو ربع ساعة، وقد تكون ساعات، وهنا يوم.

 (أي مقدارًا من الزمان والمراد به يوم الفتح، وفي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ذلك كان من طلوع الشمس إلى العصر، والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر.

قوله: ما قال عمرو، أي في جوابك. قوله: لا تُعيذ بضم المثناة أولَّه وآخرُه ذال معجمة، أي مكة لا تعصم العاصي من إقامة الحد عليه) على خلاف بين أهل العلم هل تقام الحدود والقصاص بمكة أو لا؟ منهم من قال: يضيق عليه حتى يخرج، ولا يقام عليه الحد بمكة، ومنهم من يقول: الحدود مستثناة. لا تعصموا العاصي عن إقامة الحد عليه.

 (قوله: ولا فارًّا بالفاء والراء المشددة أي هاربًا عليه دم يعتصم بمكة كي لا يُقتص منه. قوله: بخَرْبة بفتح المعجمة وإسكان الراء ثم موحدةً يعني السرقة، كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملى، قال ابن بطال: الخُرْبة بالضم الفساد، وبالفتح السرقة، وقد تشدق عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل) لينتهك به حرمة البيت.

طالب: .......

 ماذا؟

طالب: .......

تصرف؟

طالب: .......

نعم يقول: (قد تشدق عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق، لكن أراد به الباطل)، في الطبعات السابقة: تصرف والتصحيح من مخطوطة الرياض، وعمرو كان يسمى الأشدق؛ لتشدقه في البيان، (فإن الصحابي أنكر عليه نصبَ الحرب على مكة، فأجابه بأنها لا تمنع من إقامة القصاص، وهو صحيح إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرًا يجب عليه فيه شيء من ذلك، وسنذكر مباحث هذا الحديث في كتاب الحج، وما للعلماء فيه من الاختلاف في القتال في الحرم إن شاء الله تعالى.

وفي الحديث شرف مكة، وتقديم الحمد والثناء على القول المقصود، وإثبات خصائص الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستواء المسلمين معه في الحكم إلا ما ثبت تخصيصه به، ووقوع النسخ، وفضل أبي شريح؛ لاتباعه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتبليغ عنه وغير ذلك) أبو شريح بلغ ووقف في وجهه، لكنه ما استجاب، فأبو شريح أدى ما عليه.

قوله: "حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، ذُكر النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ»"، وهذا هو الشاهد من الحديث للترجمة. "وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ ذَلِكَ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» مَرَّتَيْنِ".

(قوله: حدثنا حماد هو ابن زيد. قوله: عن محمد هو ابن سيرين. عن ابن أبي بكرة كذا للمستملي والكشميهني، وسقط عن ابن أبي بكرة للباقين، فصار منقطعًا؛ لأن محمدًا) ابن سيرين (لم يسمع من أبي بكرة، وفي رواية: عن محمد بن أبي بكرة، وهي خطأ، وكأن عن سقطت منها. وقد تقدم هذا الحديث في أوائل كتاب العلم من طريق أخرى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وهو الصواب، وسيأتي بهذا السند).

طالب: .......

(عن محمد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه وهو الصواب، وسيأتي بهذا السند في تفسير سورة براءة بإسقاطه عن بعضهم، وسأنبه عليه هناك إن شاء الله تعالى، وفيه عن ابن أبي بكرة عند الجميع، ويأتي في بدء الخلق.

 قوله: ذُكر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فيه اختصار، وقد قدمنا توجيهه هناك، وكأنه حدَّث بحديث ذَكر فيه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من كلامه، ومن جملته قوله: «فإن دماءكم»)، ما الموضع الأول؟ طرفه الأول؟

طالب: .......

 لا هو تقدم.

طالب: .......

سبعة وستين.

طالب: .......

«رب مبلغ أوعى من سامع»، نعم موجود.

(فيه اختصار، وقد قدمنا توجيهه هناك، وكأنه حدَّث بحديث ذكر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من كلامه، ومن جملته قوله: «فإن دماءكم». قوله: وذكر النبي، بنصب النبي على المفعولية، وفي ذَكر ضمير يعود على الراوي، يعني أن أبا بكرة كان يحدِّثهم فذكر النبيَّ فقال: قعد على بعيرة، وفي رواية النسائي ما يشعر بذلك ولفظه: عن أبي بكرة قال: وذَكر النبيَّ، فالواو إما حالية وإما عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، وقد وقع في رواية ابن عساكر عن أبي بكرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قعد، ولا إشكال فيه.

 قوله: قال محمد هو ابن سيرين. قوله: أحسبه كأنه شك في قوله: «وأعراضكم» أقالها ابن أبي بكرة أم لا؟ وقد تقدم في أوائل العلم الجزم بها وهي منصوبة بالعطف. قوله: «ألا هل بلغت؟» هذا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو تكملة الحديث، واعترض قوله: وكان محمد إلى قوله: ذلك في أثناء الحديث، هذا هو المعتمد فلا يلتفت إلى ما عداه والعلم عند الله تعالى).

قال -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "بَابُ إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الجَعْدِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ، قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ" بالحاء المهملة، وإن ضبطه المنذري في الترغيب بالخاء، في الترغيب أم في مختصر أبي داود؟ في مختصر أبي داود بالخاء المعجمة، وخالف في ذلك جماهير أهل العلم، "قال: سمعت ربعي بن حِراش يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ»".

(قوله: باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليس في الأحاديث التي في الباب تصريح بالإثم) لكن الوعيد بالنار أليس من لازمه أن يكون قد ارتكب إثمًا؟ (وإنما هو مستفاد من الوعيد بالنار على ذلك لأنه لازمه. قوله: منصور هو ابن المعتمر الكوفي وهو تابعي صغير، وربعي بكسر أوله وإسكان الموحدة، وأبوه حراش بكسر المهملة أوله وهو من كبار التابعين. قوله: سمعت عليًّا هو ابن أبي طالب -رَضِيَ اللهُ عنهُ-. قوله: «لا تكذبوا علي» هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من أنواع الكذب) ما الفرق بين العموم هنا والإطلاق؟

طالب: .......

في الأفراد، والإطلاق في الأوصاف.

(ومعناه: لا تنسبوا الكذب إلي، ولا مفهوم لقوله: علي؛ لأنه لا يتصور أن يُكذَب له لنهيه عن مطلق الكذب، وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا: نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته) يعني كذبنا له ما كذبنا عليه، وهذا كلام باطل.

(وما دروا أن تقويله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه) في تفسير روح البيان، وهو مطبوع ومعتنى به وله رواج في بعض الأقطار الإسلامية إسماعيل حقي البروسوي تركي، وهو متأخر، هذا الكتاب له رواج، وله شأن، وطبع طبعات كثيرة، ومع ذلك يورد الأحاديث الموضوعة وبكثرة، ويورد الأحاديث الموضوعة ويبرر إيراده لهذه الأحاديث، فقال: إن كانت ثابتة فبها ونعمت، وإن لم تكن ثابتة فقد قال الأول: إننا لا نكذب عليه بل نكذب له. استدلالاً بقول هؤلاء الوضاعين، نعوذ بالله من الخذلان.

(ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكرامية، حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة، واحتجوا بأنه كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية، وتمسَّك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت، وهي ما أخرجه البزار من حديث ابن مسعود بلفظ: «من كذب علي ليضل الناس» الحديث، وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، وأخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مرة بسند ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة) بحيث يؤول أمره لإضلال الناس، وليس إضلال الناس علة، لكن يصير أمره إلى إضلال الناس، (كما فُسر قوله تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ} [الأنعام: 144]، والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130]، {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151]) فيبقى أن الكذب محرم سواء كان لإضلال الناس أو على حد زعم الكاذب أنه لهداية الناس، يبقى أنه كذب.

 ({وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] فإن قتل الأولاد ومضاعفة الربا والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم. قوله: «فليلج النار» جعل الأمر بالولوج مسببًا عن الكذب؛ لأن لازم الأمر الإلزام، والإلزام بولوج النار سببه الكذب عليه، أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ: «من يكذب علي يلج النار»، ولابن ماجه من طريق شريك عن منصور قال: «الكذب علي يولج» أي يدخل «النار»)، والأحاديث التي تأتي بعده بمعناه، وسيأتي مزيد -إن شاء الله- بيان لهذه الأحاديث.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"