الإسبال المسؤول عنه -وهو ما كان من دون خيلاء- يَرِد فيه حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- في الصحيح: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» [البخاري: 5787]، والإسبال الذي يقترن بالخيلاء أمره أشد من ذلك «لا ينظر الله إليه ولا يكلمه..» [يُنظر: النسائي الكبرى: 2355] إلى آخر الحديث من الوعيد الشديد، ولكلٍّ منهما حُكمه؛ فبدون خيلاء «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار»، هذا له حكم، وما اقترن بالخيلاء أمره أشد، ويَرِد فيه الوعيد الشديد: «لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم...» [النسائي الكبرى: 2355] إلى آخر الحديث.
قد يقول قائل: إن ما ورد من قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من جرَّ ثوبه خيلاء» [البخاري: 5784] مقيد، وقوله: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» مطلق، وحينئذٍ يُحمل المطلق على المقيد، فيُقيَّد النهي بالخيلاء، ويبقى ما سَلِمَ من الخيلاء لا يتناوله النهي.
نقول: القاعدة عند أهل العلم في حَمل المطلق على المقيد، أنهما إذا اتفقا في الحكم والسبب، حُمِلَ المطلق على المقيد، أما إذا اختلفا في الحكم والسبب، فإنه لا يُحمل المطلق على المقيد، وهنا الحكم مختلف، فقوله: «ففي النار» أخف من الوعيد الشديد فيما اقترن بالخيلاء، والسبب مختلف، فهذا مجرد إسبال، ومجرد نزول الإزار عن الكعب، وهذا حكمه أخف، وإذا اقترن نزول الإزار عن الكعب بالخيلاء كان حكمه أشد، وسببه الخيلاء، وحينئذٍ إذا اختلف الحكم والسبب فلا يُحمل المطلق على المقيد كما هو معلوم، ومقرر عند أهل العلم، أما إذا اتفقا في الحكم والسبب فإنه حينئذٍ يُحمل المطلق على المقيد.
ومن باب الفائدة وتتميم القسمة، نذكر باقي حالات المطلق مع المقيد، وهي: إذا اختلفا في الحكم واتفقا في السبب، أو اختلفا في السبب واتفقا في الحكم:
فإذا اتفقا في الحكم واختلفا في السبب، فيُحمل المطلق على المقيد عند الجمهور، كما في وجوب إعتاق الرقبة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل، فالحكم واحد: وهو وجوب الإعتاق، والسبب مختلف: هذا قتل، وهذا ظهار، فلا يُلتفت حينئذٍ إلى السبب، فيجب أن تكون الرقبة المعتَقة مؤمنةً عند الجمهور؛ للاتفاق في الحكم، خلافًا للحنفية.
أما إذا اتفقا في السبب، واختلفا في الحكم، فإن الجمهور لا يرون حَمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، كما هو الحكم في اليد في آية الوضوء وفي آية التيمم، فالسبب واحد: وهو الحَدَث، والحكم مختلف: هذا غَسل، وهذا مسح، فحينئذٍ لا يُحمل المطلق على المقيد، فلا تُمسح اليد إلى المرافق.
أما إذا اختلفا في الحكم والسبب، فلا يُحمل المطلق على المقيد اتفاقًا؛ كاليد في آية السرقة، مع اليد في آية الوضوء، اختلفا في الحكم والسبب، فالسبب: هذا سرقة، وهذا حَدَث، والحكم: في هذا قطع، وفي هذا غَسل، فلا يُقال: تُقطع اليد من المرافق اتفاقًا.
وخلاصة القول أن حكم الإسبال من دون خيلاء حرام، ومتوعد عليه بالنار، فإذا اقترن بالخيلاء كان الأمر أشد.