لا بد أن يقضي من الأيام حتى يغلب على ظنه أن ذمته برئت مما أفطر من الأيام، وإذا قضى الستة الأيام فلا شيء عليه غير ذلك؛ لأن الله يقول: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤]، وإذا قضى من الأيام ما تبرأ به ذمته ولو بغلبة الظن بالنسبة لما أفطره في السنتين الماضيتين فكثير من أهل العلم يُلزِمه مع ذلك إطعام مسكين عن كل يوم، هذا من باب الاحتياط، لكن إذا لم يُطعم فالله -جل وعلا- إنما ذكر عليه عدة من أيام أخر، وهذا ترجيح الإمام البخاري وجمع من أهل العلم أنه لا شيء عليه غير القضاء؛ لأن الله -جل وعلا- لم يذكر غير ذلك، لكن لا بد أن يقضي من الأيام ما يغلب على ظنه أن ذمته برئت.
وأما تعيين السنة التي منها تلك الأيام فهو عليه قضاء أيام من رمضان، وكلها بالنسبة للقوة والوجوب واحد، يتوقع ويغلب على ظنه أنه من السنة الأولى أفطر -مثلًا- سبعة أيام، ومن الثانية خمسة أو ستة أو سبعة على حسب ما يترجح عنده، وإن زاد احتياطًا فلا بأس، وتكون كلها مما يجب قضاؤه مع الستة التي في هذه السنة، فيقضي بعددها.
وتأخيره للقضاء لا شك أنه يدل على تساهل وتراخٍ، والمسارعة والمبادرة في إبراء الذمة هي الأصل، لكن إذا كان الوقت فيه سعة فقد كانت عائشة –رضي الله عنها- يكون عليها القضاء من رمضان فكانت لا تقضيه إلا في شعبان؛ لمنزلة وحق النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا يدل على أن الأمر فيه سعة.