العلماء يذكرون الخلاف بين القراءة مع الهذِّ وإكثار المقروء؛ لكسب أجر الحروف وبين القراءة على الوجه المأمور به من التدبر والترتيل مع قلة المقروء، فجمهور أهل العلم على أن القراءة على الوجه المأمور به من التدبر والترتيل أفضل ولو قَلَّ المقروء مِن قراءة الهذِّ والحدر ولو كَثُر المقروء، ففي كل حرف عشر حسنات، وفي الجزء الواحد مائة ألف حسنة، وفي الختمة الكاملة أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، بإمكانه أن يختم في أقصر مدة، ويحصل على أجر الحروف إذا لم يترتَّب على قراءته أكْلُ بعض الحروف وإخفاءُ بعضها وعدمُ وضوح بعضها، وعلى كل حال هذا قول معروف عند أهل العلم، وأن أجر الحروف يثبت ولو مع الحدر، أما القراءة على الوجه المأمور به من التدبر والترتيل كقراءته -عليه الصلاة والسلام- حيث كانت قراءته مدًّا، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم [البخاري: 5046]، فلا شك أن لهذا النوع من القراءة -أعني بالتدبر والترتيل- من الأثر على القلب وزيادة الإيمان واليقين وطمأنينة النفس والتأثر بالقرآن وتعلُّم القرآن ما لا يحصل مع الحدر، ولذا يُفضِّل جمهور أهل العلم القراءة بالتدبر والترتيل ولو قَلَّ المقروء على القراءة مع الهذِّ والحدر ولو كَثُر المقروء. وابن القيم -رحمه الله- ذكر مثلًا لهذا وهذا، يقول: مَن يختم –مثلًا- في الشهر عشرَ ختمات مع الحدر كمَن أهدى عشر دُرر قيمة كل دُرة ألف، وأما مَن يقرأ بالتدبر والترتيل ويَختم مرةً واحدةً في الشهر كمَن أهدى دُرة واحدة قيمتها مائة ألف، ولا شك أن هذا مثال تقريبي؛ لأن قراءة زيد تختلف عن قراءة عمرو سواء كانا ممن يقرأ بالحدر أو كانا ممن يقرأ بالترتيل والتدبر، وعلى كل حال هذه أمور مقررة عند أهل العلم وأن الأنفع للقلب هو الأفضل، ولا شك أن القلب ينتفع بالتدبر والترتيل والتأمل في المعاني، وإن صاحب ذلك قراءة في تفسيرٍ مختصرٍ -كما قال السائل- فهو مما يُعينه على التدبر والفهم.
فتدبرِ القرآنَ إن رمتَ الهدى |
| فالعلمُ تحتَ تدبرِ القرآنِ |
وأما مَن يقرأ القرآن بنظره فقط دون أن يُحرك شفتيه فهذه ليست قراءة، هذا تفكُّر وليس بقراءة، القراءة لا بد من تحريك الشفتين واللسان، وبعضهم يشترط أن يُسمع نفسه، وعلى كل حال مجرد إمرار النظر هذا تفكُّر وليس بقراءة.