لا شك أن المسلم في وقت الصيام يحصل له مثل هذا؛ لقربه من ربه وقرب قلبه منه، ثم إذا أفطر ودبَّتْ فيه الحياة من جديد وأكل وشرب وعاشر الأصحاب قد يعتريه شيء من الغفلة، وينسى ما قطعه على نفسه. وعلى كل حال الذي يقطع مثل هذا الكسل والفتور هو أن يستمر في العبادة إذا أفطر، أولًا لا يُكثر من الأكل ولا من الشرب؛ لأن كثرة الأكل تُثبِّط الهمة، وتحمل على الكسل والخمول، وأيضًا يُقلل الخلطة بالناس، فيأخذ من الخلطة بقدر الحاجة: ما يَبَرُّ به والديه، ويصل به رحمه، وينفع به غيره، وينظر في كتاب ربه بالتدبر والترتيل، فلا يخالط الناس إلا بقدر الحاجة؛ لأن الخلطة وكثرة الكلام بعد الإفطار والقيل والقال من أسباب الغفلة، لكن إذا انجمع، وجمع نفسه، وحصر قلبه فيما هو بصدده، وقلَّل الخلطة بقدر الإمكان مع قلة الأكل فلا شك أنه سيُعان على ما قطعه على نفسه مما ذُكر من الخشوع في الصلاة، وكثرة الدعاء، والإقبال على الله -جل وعلا-، والابتهال.
المقصود أن الذي يُبعثر هذه الأماني هو ما ذكرنا من كثرة الأكل والخلطة والغفلة عن تدبر كلام الله -جل وعلا- وقلة الذكر، كل هذه تبعث على الغفلة.