مَن يمر بالميقات سواء كان من أهل البلد أو من الوافدين عليها، عليه أن يُحرم من نفس الميقات الذي مرَّ به «هنَّ لهنَّ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ» [البخاري: 1524]، لكن لو افترضنا أن شخصًا من أهل نجد ذهب إلى الحج أو العمرة عن طريق المدينة، ومرَّ بذي الحليفة، وتجاوز الميقات، وقال: (أنا ميقاتي الأصلي السيل -قرن المنازل-، فلا أُلزم بالميقات الذي مررتُ به)، ففعل ذلك، والسائل يقول هنا: (كأن يتجاوز ميقات المدينة، ثم يقيم في جدة، ثم يُحرم من ميقات السيل)، الجمهور يُلزمونه بدم؛ لأنه تجاوز الميقات وقد مرَّ به، وفي الحديث «ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ» [البخاري: 1524]، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: إذا رجع إلى ميقاته الأصلي فلا شيء عليه؛ لأن قوله -صلى الله عليه وسلم- في الجملة الأولى: «هنَّ لهنَّ» يُفيد ذلك، وقول الإمام مالك فيه سعة، والدليل ظاهر في الدلالة عليه، وإن كان الجمهور يُلزمونه بدم.
ولكن الإشكال فيما لو مرَّ النجدي بذي الحليفة، وتجاوزها، وجلس في جدة، ثم أراد أن يُحرم من رابغ -مثلًا-، وما ذهب إلى السيل الذي هو ميقاته الأصلي، فهل نقول: إن رابغًا التي هي محاذية للجحفة ميقات شرعي معتبر، فيكفي عن ميقاته الأصلي؛ لأنه لم يمر بميقاته الأصلي؟ هذا محل بحث، أما إذا رجع إلى ميقاته الأصلي، فالنص يحتمله، ولا شيء عليه -إن شاء الله تعالى-.
وترك الإحرام من الميقات محظور عند عامة أهل العلم، يُجبر بدم، بين قولين هما طرفا نقيض، فسعيد بن جبير -رحمه الله- يقول: من تجاوز الميقات فلا حج له، وسعيد بن المسيب -رحمه الله- يقول: لا شيء عليه.
وعلى كل حال القول الوسط هو قول الجمهور، وهو أنه إن تجاوزه متعمِّدًا فقد أثم، ويجبره بدم.