المسائل التي تعم الأمة، وتعظم الآثار المترتبة عليها، إنما هي للكبار الراسخين.
ومثل هذه المسألة التي أشار إليها: حجاب الوجه بالنسبة للمرأة، هناك نصوص صحيحة صريحة لا تحتمل التأويل، كقول عائشة -رضي الله عنها-: «وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظتُ باسترجاعه حين عرفني، فخمَّرتُ وجهي بجلبابي»، وهذا في (البخاري) [4141]، وقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59]، ثم بعد ذلك بعدها مباشرة قال: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [الأحزاب: 60]، ونُفرِّق بين مَن يفتي بعد أن يدرس المسألة ويؤدِّيه اجتهاده إلى أن كشف الوجه حلال، مخلصًا في ذلك لله -جل وعلا-، وهو من أهل الاجتهاد، ولنفترض المسألة في الألباني-مثلًا-، حيث أدَّاه اجتهاده إلى أن الوجه ليس بعورة، وعامة أهل العلم يفتون بأنه عورة، فهل نقول: إن الآية {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} تنطبق على الألباني؟ لا، بل نقول: نظر في النصوص، واجتهد، وهو أهل للاجتهاد، وأدَّاه اجتهاده إلى هذا، وله أجر واحد، أجر الاجتهاد، وأما أجر الإصابة فمع الفريق الآخر.
فنفرِّق بين هذا وبين هؤلاء الذين يكتبون في الصحف، ويروِّجون مثل هذه المسائل، وهم ليسوا من أهل العلم، وما عُرِفوا بعلم، ولا بحثوا مسائل، لا في الصلاة، ولا في الزكاة، ولا في المعاملات، وإنما همُّهم هذه المسألة، فما الهدف من هذه المسألة؟ الهدف أن تنسلخ النساء من حيائهنَّ، ويستمتع أمثال هؤلاء بمناظرهنَّ، ويتوصلوا إلى مآربهم، ولذا تنطبق عليهم الآية الأخرى {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}، فقد جاءت عقب هذه الآية مباشرة، فأهل العلم والاجتهاد والنظر والإخلاص لهم حكم، لكن مثل هؤلاء الذين لا دور لهم، ولا ناقة لهم ولا جمل في العلم، ولا يعرفون مسألة من مسائل الصلاة، ثم يأتي أحدهم يبحث في الحجاب! وهدفهم من الأهداف الأولى لإبليس حين كان آدم في الجنة قبل أن ينزل، {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف: 20]، فهذا هدف شيطاني، ومع ذلك يكتب مَن يعرف ومَن لا يعرف، ومَن عرف كلمةً ردَّدها في وسائل الإعلام، فهذا أمره خطير، فيجب أن يَخشى على نفسه مثل هذا، والله المستعان.