قال صلى الله عليه وسلم: ((فإنما أهلك الذين من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) [رواه البخاري ومسلم] اختلفوا على الأنبياء، عارضوهم بآرائهم، وبأفهامهم، وكل يدلي برأيه غير مستند لنص، أو لما يمكن أن يستند إليه في فهم النصوص، ويوجد الآن -مع الأسف- من يشبه هؤلاء، فتجده يتكلم في القرآن والسنة برأيه المجرد، وبفهمه الضعيف الذي لا يستند إلى عقل ولا نقل، فلا شك أن هذا طريق من طرق الهلاك، إذا تكلم في الدين وفي العلم تكلم في الكتاب والسنة من ليس بأهل؛ فلا شك أن هذا من أسباب الهلاك.
وجاء التحذير والتشديد في الكلام في كتاب الله وفي كلامه وكلام رسوله -عليه الصلاة و السلام- بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى نقل ولا إلى عقل، فإن مثل هذا لا شك أنه من المحرمات. تجد من لا ناقة له ولا جمل، ولا يعرف مبادئ العلوم يتكلم في عضل المسائل، والتي يسمونها المسائل المصِيرِيَّة. بمجرد أنه تابع الأحداث من خلال قنوات أو وسائل إعلام تجده يتكلم في الأمور المستقبلة التي فيها نصوص، يحلل برأيه وكثيرًا ما يتكلم من يسمى المحلل السياسي، أو الكاتب الفلاني، فيتكلمون في أمور مصيرية هي ليست لهم، قد تهلك الأمة بسببهم من تحليلاتهم. وقد يتجرؤون فيذكرون بعض النتائج الغيبية، والأمر في هذا مرده إلى كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وإلى حملة الكتاب والسنة، لا لهؤلاء الذي يتخبطون في آرائهم، ويتكلمون في مسائل الدين باجتهاداتهم التي لا تستند إلى أصول ثابتة.
أهل العلم يتوقون ويتحرون من أن يتكلم الواحد منهم برأيه في آيةٍ أو في حديث؛ لورود التشديد في الكلام بالقرآن بالرأي أو في السنة، والكلام في كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا بد له من الجمع بين معرفة السنة، مع معرفة اللغة، لا يكفي أن يتكلم لغوي في السنة، ولا يكفي أن يتكلم محدث لا علم له بلغة العرب بالسنة.
سئل الأصمعي عن السقب في حديث: ((الجار أحق بسقبه)) فقال: أنا لا أفسر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن العرب تزعم أن السقب اللصيق. فهذا الأصمعي يحفظ ستة عشر ألف قصيدة، منها ما عدد أبياته بالمئين، يعني: يحفظ كمًّا هائلاً، الملايين من الأبيات، والشعر -كما هو معلوم- ديوان العرب، ومع ذلك لا يجرؤ أن يفسر الحديث: ((الجار أحق بسقبه)). ونجد أن من أيسر الأمور على صغار الطلاب أو على العامة أو على أشباه العامة، وإن كانوا يكتبون ويقرؤون هم في ميزان الشرع عامة، من صحفيين ومن يدعون محللين وغيرهم، تجدهم من أيسر الأمور عندهم أنه إذا ذكرت الآية باشر بتفسيرها، أو إذا ذكر الحديث بادر بتأويله، ولا شك أن هذا مهلكة ومزلة قدم. وما الذي يلجئك أن تقحم نفسك فيما لا تحسنه؟ يعني لو احتاج ولدك إلى عملية بسيطة سهلة، عميلة زائدة -مثلا- ليست معقدة، هل تجرؤ أن تقول: هذه عملية سهلة آتي بالسكين وأشق البطن وأزيلها وأخيط وانتهى الإشكال؟ أو لو احتجت إلى قطرة تقطر بها في عينك، فقيل لك اذهب إلى الصيدلي لينظر إلى عينك، فتجد أنك ما تثق به حتى تذهب إلى طبيب، بل لا يكفي طبيب عام ولا أخصائي، إنما تحتاج إلى استشاري؛ لأن هذا خطر سيقطر بالعين. حتى كان من وصايا بعضهم أنه لو أعطاك الاستشاري قطرة لا تقطر بالعينين معا قطر بواحدة، جرب ثم إذا سلمت قطر في الثانية، يعني يحتاطون لأبدانهم، والدين أعظم ومن أجله خلقوا لتحقيق العبودية، ومع ذلك يتجرؤون على كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- بالهوى، والرأي المجرد الذي لا يستند إلى عقل صريح ولا إلى نقل صحيح، لا شك أن مثل هذا مؤدي إلى الهلاك.