إباحة الزواج بالكتابية يهودية كانت أو نصرانية ثبت بالنص القطعي بنص القرآن الكريم، وما ذُكر من كون اليهود والنصارى يشركون بالله -جل وعلا- فالنصارى يقولون: (المسيح ابن الله) (ثالث ثلاثة)، وأيضًا اليهود قالوا: (عزيرٌ ابن الله) المقصود أنهم عندهم ما ذكره السائل، وهو موجود أيضًا في وقت التنزيل فلم يطرأ عليهم فيقال: إنه يتغير الحكم باعتبار أنهم انتقلوا من كونهم أهل كتاب تحل ذبائحهم وتحل نساؤهم إلى كونهم مشركين تحرم ذبائحهم وتحرم نساؤهم، بل هذا موجود عندهم في وقت التنزيل، فالحكم مازال ثابتًا ولو قالوا مثل هذا القول، لكن الخلاف عند أهل العلم هو: هل يقال في أهل الكتاب: إنهم مشركون، فيُحتاج إلى التخصيص من تحريم نكاح المشركة بالدليل الذي ينص على جواز نكاح الكتابية، أو لا يقال: إنهم مشركون، وإنما يقال: فيهم شرك كما قرر ذلك الحافظ ابن رجب في شرح البخاري؟ وفَرْق بين أن يقال: هم مشركون، وبين أن يقال: فيهم شرك، على أنهم كفار بالاتفاق، لكن هل يقال: هم مشركون أو يقال: فيهم شرك؟ وفرق بين العبارتين كما يوجد فرق بين أن يقال: فلان منافق أو فيه نفاق، أو يقال: فلان جاهلي أو فيه جاهلية، فكون الشخص يوافق هذه الطائفة أو هذه الفئة في صفة من صفاتهم لا يعني أنه تلبس بما عليه هذه الطائفة بكاملها فنُسب إليها، فيقال: هذا فيه نفاق مَن كذب، مَن غدر، مَن فجر في خصومة، مَن كذا وكذا من الصفات التي ذكرت في علامات النفاق، فيقال: فيه نفاق، ولا يقال: منافق، وقل مثل هذا فيمن اتصف بصفة من صفات الجاهلية، يقال: فيه جاهلية كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية» [البخاري: 30]، لكن لا يقال: أبو ذر جاهلي.
فمثل هذا الاستشكال مع كونهم أشركوا بالله أو وجد فيهم شرك هذا موجود في زمن التنزيل، فالحكم في نكاحهم محكم، ولم يطرأ عليه تغيير، ولا معارضة فيه للنصوص، ولا يمكن أن يشكك في جواز نكاحهم بوجود ما كان موجودًا في وقت التنزيل، صحيح قد يُنصح الإنسان ألا يتزوج يهودية ولا نصرانية؛ لأن لها أثرًا عليه وأثرًا على ولده، لكن مثل هذا لا يعني منع ما ثبت بالنص القطعي، فيبقى الحكم على الجواز، وكون المصلحة تقتضي هذا أو لا تقتضيه هذه مسألة أخرى.