القصص التي تُحكى للأطفال ولا حقيقة لها

السؤال
ما حكم ما يُحكى للأطفال من القصص الهادفة بقصد تربيتهم على الفضيلةِ ومحاسنِ الأخلاقِ إذا كانت هذه القصص لا حقيقة لها؟ وهل تُعد من الكذب؟
الجواب

في حدِّ الكذب يقول أهل العلم: إنه الكلام بما يُخالف الواقع، فإذا حصل ما يُخالف الواقع فإنه يكون من باب الكذب، لكن من الكذب ما أُبيح للمصلحة الراجحة، ومن ذلك المناظرات، وأيضًا المقامات، وما جاء في حكمها؛ لأن مصلحتها راجحة أجازها أهل العلم، فكثيرًا ما يُنشئ أهل العلم مناظراتٍ بين أشياء أو بين أمور يُقطع بأنها لا حقيقة لها، مثل: مناظرة بين علم التفسير وعلم الحديث، وهذا موجود عند أهل العلم؛ لتُذكر مزايا ومحاسن هذا العلم، ثم بالمقابل تُذكر محاسن العلم الآخر، فهل يمكن أن يقال: إن هذا مطابق للحقيقة والواقع؟! الكلام في حد ذاته صحيح، لكن نسبته إلى هذا العلم مخالف للواقع، ونظرًا للمصالح المترتبة عليه حيث إن قبول المتلقي –لا سيما الطالب لهذه المعلومات- بهذه الطريقة الحوارية أدعى وأولى من أن يُرسَل بطريقة لا تلفت النظر.

ومن ذلك أيضًا: المناظرات بين سنِّي ومبتدع، وبين مسلم ونصراني، وبين جهمي وسني، وهكذا، هذه موجودة عند أهل العلم، وقد يُنشئها المؤلّف نفسه، ولا حقيقة لها بحيث يكون المتكلِّم هو الجهمي أو المبتدع، والذي يرد عليه السني، لا، وإنما الذي يعقدها هو المؤلّف نفسه وهو سني، وابن القيم له مناظرات في كتاب (شفاء العليل) من هذا النوع، فمثل هذه الأمور تَسامح فيها أهل العلم؛ للمصلحة الراجحة.

وكذلك المقامات، مثل: (مقامات الحريري)، و(مقامات البديع)، ومقامات فلان،... مقامات كثيرة في الساحات الأدبية تلقاها الناس بالقبول، ومن جملتهم أهل العلم، فيقال –مثلًا-: (حدَّث الحارثُ بن همام قال:...)، هذا لا حقيقة له، ولا وجود له، وإنما قاله الحريري.

المقصود أن مثل هذه الأمور تَسامح فيها أهل العلم، ولعل هذه السيئة -إن عُدِّت سيئة- تكون مغمورةً في بحر الحسنات المترتبة على ذلك، ومع ذلك فالحريري اعتذر في آخر المقامات، وقال: علَّه أن يخرج منها كفافًا، لا له ولا عليه.