توبة المشرك ومرتكب الكبائر

السؤال
هل لمرتكب الكبيرة من توبة؟ ومَن قام بعملٍ شركيٍّ، وكان على ذلك فترة من الزمن، فهل له أن يتوب؟
الجواب

التوبة تهدم ما كان قبلها، وتَجُبُّ ما كان قبلها، فمَن تاب تاب الله عليه، و«التائب من الذنب، كمَن لا ذنب له» [ابن ماجه: 4250]، وجاء في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ}، هذه عظائم الأمور: الشرك {لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}، {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} القتل، {وَلا يَزْنُونَ} كذلك الزنا من عظائم الأمور، {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٦٨ - ٧٠]، ففضل الله -جلَّ وعلا- واسع، فما كفى أن تُهدم ذنوبه وتُجَبَّ، وإنما من فضل الله -جلَّ وعلا- أن تَفضَّل عليه بأن تُبدَّل هذه الذنوب حسنات، وهذا من واسع فضله -سبحانه وتعالى-.

وهذه الحسنات التي كانت سيئات ثم بُدِّلتْ حسنات، يختلف فيها أهل العلم: هل هي مثل الحسنات التي يعملها المسلم ابتداءً في المضاعفة، أو أن حكمها حكم ما أُبدلتْ منه وهي السيئات التي لا تُضاعف. في كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- ما يُشير إلى أنها مضاعفة، وفضل الله واسع. والمسألة مفترضة في شخصين عاش كلٌّ منهما سبعين عامًا، أحدهما نشأ في عبادة الله من الصِّغر، وليست له صبوة، إلى أن مات وهو في الطاعة والعبادة، والثاني في المعاصي، والجرائم، والمنكرات، ثم تاب في آخر حياته توبة نصوحًا، وعمل الأعمال الصالحة، فتُبدَّل سيئاته حسنات، لكن هل يستويان؟ فهذه السيئات مُبدلة حسنات، وتكون هذه الحسنات مضاعفة كالحسنات التي تُفعل ابتداءً؟ في كلام شيخ الإسلام ما يدلُّ على ذلك، ولكن العدل الإلهي يقتضي تفضيل مَن نشأ في عبادة الله، فقد جاء في السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه: «شابٌ نشأ في عبادة الله» [البخاري: 1423]، وجاء: «إن الله ليَعْجَب من الشاب ليست له صبوة» [أحمد: 17370]، وهذا مما يدلُّ على أن هناك فرقًا بين مَن نشأ في الطاعة، وبين مَن نشأ في المعصية، ولو تاب في آخر عمره، فحديث السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه يدلُّ على أن مَن نشأ في العبادة ليس كمَن نشأ في المعصية، ولو تاب بعد ذلك، ولو بُدِّلتْ سيئاته حسنات. والقاعدة الشرعية أن البدل له حكم المُبدَل، والبدل -الحسنات- بدلٌ من المُبدَل –السيئات-، والسيئات لا تُضاعَف، إذن الحسنات المُبدَلة منها لا تُضاعَف، وبهذا يتميَّز مَن نشأ في عبادة الله، وبعيدًا عن المعاصي، والجرائم، والمنكرات -وإن لم يكن معصومًا، لكن هذه الصفة الغالبة عليه-، يتميَّز ويختلف أمره عمَّن نشأ في المعاصي، والجرائم، وكبائر الذنوب، ثم بعد ذلك يتوب، وفضل الله -جلَّ وعلا- واسع، ولا يمكن أن يُحجَّر، لكن مع ذلك القواعد الشرعية تدلُّ على أن الأمرين مختلفان، لا سيما كما في حديث السبعة.