وجود بعض الأحاديث الضعيفة في كتاب (رياض الصالحين)

السؤال
لقد قرأت في مقدمة كتاب: (رياض الصالحين) لمؤلفه الإمام النووي -رحمه الله- أنه وضع في (رياض الصالحين) كل حديث صحيح، وقد سمعت أن بعض المشايخ كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- يوصي بقراءة هذا الكتاب، وقد مر عليّ في تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط أن في هذا الكتاب بضعًا وأربعين حديثًا ضعيفًا، وكذلك مثلها تقريبًا من الأحاديث الموضوعة، وكلها مرقمة بأرقامها من الكتاب، فهل نأخذ بتصحيح الإمام النووي -رحمه الله- أم نأخذ بتحقيق شعيب الأرناؤوط لهذا الكتاب؟
الجواب

كتاب (رياض الصالحين) كتاب مبارك في أحاديث الآداب، جمعه النووي -رحمه الله تعالى-، وكتب الله له القبول، ومنذ تأليفه إلى يومنا هذا وهو يُقرأ في مساجد المسلمين، ويُترحم على مؤلفه، وقد نفع الله به نفعًا عظيمًا، وأوصى بقراءته أهل العلم، بل قرؤوه وأقرؤوه، وشرحوه وعلقوا عليه في الدروس وفي المؤلفات، وأُلف عليه شروح للمتقدمين والمتأخرين، وأوصى بحفظه بعض العلماء، وقد وقفتُ على وصية الشيخ فيصل بن مبارك وفيها التنصيص على حفظه، وكذلك سائر العلماء يوصون به، فهو كتاب مبارك نافع، يستفيد منه العالم والمتعلم والعامي على حد سواء، وأجاد النووي -رحمه الله تعالى- في أبوابه وتراجمه وانتقاء أحاديثه، وشرطُه فيه ألّا يَذكر فيه إلا حديثًا مقبولًا من الصحيح والحسن، ولا شك أنه يشتمل على شيء يسير من الأحاديث الضعيفة، والنووي -رحمه الله- تعالى أُتي من تقليده لأهل العلم في التصحيح والتضعيف، وفي اعتماد سكوت أبي داود على الحديث، اعتمد تصحيح الترمذي وقد صحح بعض الأحاديث الضعيفة، كما أنه يعتمد تحسين الترمذي وقد حسن كثيرًا من الأحاديث الضعيفة، واعتمد سكوت الإمام أبي داود في سننه على الحديث ورآه تحسيناً للحديث، والإمام أبو داود -رحمه الله- يقول في (رسالته إلى أهل مكة) في وصف سننه قال: وما كان فيه من وهن شديدٍ بينتُه، وما سكتُّ عنه فهو صالح. وفي نسخة وقف عليها الحافظ ابن كثير: وما سكتُّ عنه فهو حسن. والثابت في أكثر النسخ كلمة (صالح)، وإذا نظرنا في قوله: وما كان فيه من وهن شديد بينته، مقتضاه أن ما فيه ضعف ووهن غير شديد أنه لا يبينه، وأما ما كان فيه من وهن شديد وضعف شديد فإنه قد التزم بيانَه، مع أنه وجد في كتابه (السنن) أحاديث ضعفُها شديد وظاهر، ولم يحصل منه البيان -رحمه الله-، فمن أهل العلم من يقول: إنه لا يبين مثل هذا لظهوره لآحاد المتعلمين، فهو لا يحتاج إلى بيان، ومنهم من يقول: إنه بيّنه في موضع آخر، ولا يلزم البيان في كل موضع، ومنهم من يقول: إنه بيّن في ما سُئل عنه من الرواة والأحاديث، كأسئلة الآجري لأبي داود وغيرها، المقصود أن في (سنن أبي داود) أحاديث سكت عنها وهي صالحة على كلامه، إلا أنه يرد عليها ما قلنا من أنه يلتزم البيان في الضعف الشديد دون ما دونه من ضعف، ثم إن الصلاحية في قوله: ما سكت عنه فهو صالح، أعم من أن تكون للاحتجاج، فيكون الحديث صحيحًا أو حسنًا، وإنما تتناول الصلاحيةَ للاعتضاد والتقوية والاستشهاد، فتشمل الضعيف، وحينئذٍ تكون الصلاحية مناسبة لعدم البيان فيما ضعفه غير شديد، وينبغي أن يتنبه لهذا؛ لأن من أهل العلم كالنووي يعتمد على سكوت أبي داود ويرى أن ما يسكت عنه أبو داود فهو حسن تبعًا لابن الصلاح الذي قرر هذه المسألة، مع أن في (أبي داود) أحاديث ضعيفة سكت عنها؛ لأن ضعفها ليس بشديد، وكلامه واضح في رسالته لأهل مكة، ومفهومه أن ما كان ضعفه غير شديد فإنه لا يبينه، ومن هنا أُتي النووي -رحمه الله-، ودَخل عليه الدَّخَل من هذا الباب: اعتمد تصحيح الترمذي وهو متساهل في التصحيح والتحسين، واعتمد سكوت أبي داود فوُجد في كتابه بعض الأحاديث الضعيفة، وهي ليست بكثيرة، ولا تعادل اثنين أو ثلاثة بالمائة من أحاديثه، ولا يزال الكتاب لا نظير له في باب الآداب، وهو كتاب مبارك، وأيضًا قد يخرج الحديث وينسبه إلى (البخاري) أو إلى (مسلم) ومع ذلك لا تجده بلفظه في (البخاري) أو في (مسلم)؛ لأنه يعتمد على حفظه، كما أنه يعتمد على الوسائط كصنيع البيهقي والحميدي الذين يخرجون الأحاديث وينسبونها إلى الأصول من طريق الوسائط كالمستخرجات، ولذا يقول الحافظ العراقي:

والأصل يعني البيهقي ومن عزا

وليت إذ زاد الحميدي ميَّزا

إذا تقرر هذا فوجود هذه الأحاديث اليسيرة التي تختلف الأنظار فيها حيث إن من العلماء من يضعفها، ومنهم من يرقيها بشواهدها وطرقها إلى حد الحسن، ويبقى أحاديث يسيرة جدًا متفق على ضعفها، فوجود مثل هذا لا ينزِّل من قيمة الكتاب، ويبقى الضعيف ضعيفًا، مع أنهم يتساهلون في أحاديث هذا النوع من العلم الذي هو الآداب، وهي جلها في الترغيب والفضائل، والنووي -رحمه الله- نقل الإجماع في (مقدمة الأربعين) على أن أحاديث الفضائل يقبل فيها الضعيف، مع أن الإجماع منقوض، وللقبول شروطه المعروفة عند أهل العلم وهي:

- ألّا يكون ضعف الحديث شديدًا.

- وأن يندرج تحت أصل عام.

- وألّا ُيعتقد عند العمل به ثبوته، وإنما يعتقد الاحتياط.

والقول المرجح أن الضعيف لا يُعمل به مطلقًا.

وأما قول السائل: (فهل نأخذ بتصحيح الإمام النووي -رحمه الله- أم نأخذ بتحقيق الأرنؤوط؟) أو غيره من المحققين، فلا شك أن الناظر في الكتاب لا يخلو:

- إما أن تكون لديه أهلية النظر في الأسانيد والرجوع إلى المصادر والتصحيح والتضعيف، فمثل هذا لا يجوز أن يقلد غيره في هذا، بل عليه أن يصل إلى النتائج بنفسه.

- وإما ألّا تكون لديه أهلية النظر، فعليه أن يقلد الأوثق والأعلم والأورع عنده:

وليس في فتواه مُفتٍ مُتّبع

ما لم يضف للعلم والدين الورع

فإذا اجتمعت هذه الأمور فإنه يُقلَّد من قبل العامي، وشبه العامي.